موسوعة بطل العلقمي

BOOK_NAME : موسوعة بطل العلقمي

author : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
publisher : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الأول قبل الإنشاء والأحياء، والآخر بعد فناء الأشياء، والصلاة والسلام على أفضل خلقه المصطفى الأمجد المحمود الأحمد أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الغر الميامين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدين.
وبعد:
ملحمة كربلاء ملحمة عظيمة وفاجعة مزرية، ويا لها من فاجعة ورزية، فقد قضت على كل سرور لشيعي، فاجعة من أعظم الفواجع المحزنة وأمض الفوادح المؤلمة منذ أول الأزمنة وبدء عصور حدوثها حتى اليوم، إن فاجعة الطف العظمى ورزية أهل البيت «عليهم السلام» المطهر قد تركت العيون دامية، والأكباد متفتتة كمداً وحزناً، وليست هذه الفاجعة كبعض الفواجع، إنها رقرقت عبرات الرسول المختارعلى وجناته، وأجرت مدامع السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء «عليها السلام»، ووصي المصطفى، كرش المطر بحرقة حزن ولذعة أسى ...
وسط هذا المعترك، ومن سماء هذه الملحمة، بزغ ذاك النجم في سماء كربلاء، بطل كربلاء الخالد، وحامل لواء أخيه الحسين «عليه السلام» أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليهما السلام»، فهو الذي آثر وأوفى بكل ما ملك للذود عن حياض هذا الدين والدفاع عن أخيه الحسين «عليه السلام» بساحة الشرف والشهادة في كربلاء...
فالعدو كان يحسب للعباس صلة قرابة مع قبيلة كلاب من جهة أمه «فاطمة بنت حزام الكلابية»، فلقد رد العباس «عليه السلام» طلبين وصلا إليه من شمر بن ذي الجوشن للألتحاق بمعسكر بن زياد، فقال «عليه السلام» : «أتأمنوني وابن رسول الله لا أمان له»، إنه عين الإيثار والوفاء والخلق الأنساني والشجية الأخوية، وغيرها من صور الإيثار والوفاء التي شهد بها له حتى العدو.
حيث قال «يزيد» لما عرضت راية أبي الفضل العباس «عليه السلام» على
(5)
يزيد بن معاوية «عليهما اللعنة» حينما دخلت سبايا أهل البيت «عليهم السلام»عليه، قام اللعين ثلاث مرات لها وجلس، ويزيد في ذلك اليوم جبار متغطرس طاغ، فقال يزيد وهو ينظر إلى الراية: «هكذا فلتكن مواساة الأخ لأخيه»، وقال
الشاعر:
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح
العباس غصن من أغصان تلك الشجرة الطيبة والدوحة الهاشمية المباركة الذي أخره الله تعالى لنصرة الدين وإحياء قواعده الرصينة جنبا إلى جنب مع أخيه الإمام الحسين «عليه السلام» في ملحمة العشق الإلهي ملحمة إنتصار الدم على السيف، ملحمة كربلاء الخالدة...
لقد كان للعباس «عليه السلام» منزلة عظيمة عند أخيه الحسين «عليه السلام» ووقع كبير في قوة بأسه ورباطة جأشه، فهو صاحب لوائه ومركز ثقله،وهيبة عسكره، ومستشاره، ونخوته في الملمات، فكان كثيرا ما ينتدبه لمهامته العائلية والعسكرية منذ خروجه من المدينة إلى كربلاء، وإلى آخر لحظة من حياته المقدسة...
ففي اليوم السادس من المحرم، حينما يعقد الأجتماع بينه وبين ابن سعد في جوف الليل وبين العسكرين لا يرافقه أحد من أهل بيته وأصحابه سوى أخيه العباس وولده علي الأكبر «عليهما السلام»...
وفي اليوم السابع من المحرم كان العباس «عليه السلام» هو المضطلع بجلب الماء من الفرات إلى المخيم، بعدها ضيق ابن سعد على المشرعة غاية التضييق، فكان العباس«عليه السلام» هو المنتدب لهذه المهمة العظيمة، وفعلا قام بها أحسن قيام...
وعصر يوم التاسع من المحرم، حينما زحف الجيش على مخيم الحسين «عليه السلام» ندبه الحسين «عليه السلام» للتفاوض مع القوم في تأخير المناجزة إلى غداة غد، حيث قال له: «أركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم: ما لكم وما بدا لكم»...وليلة العاشر من المحرم – بل في كل ليلة من ليالي كربلاء – كان هو المضطلع بأمر أخيه الحسين «عليه السلام» بحراسة المخيم ورفع الوحشة والرعب عن عائلة النبوة والإمامة.
وكان العباس «عليه السلام» يوم عاشوراء المنتدب الوحيد لأخيه الحسين
(6)
«عليه السلام» في الملمات، وكلما أحيط بأصحابه المبارزين يندبه لأنقاذهم من أيدي القوم...
وكلما سمع الحسين «عليه السلام» بكاء العائلة ولمس أضطرابهم من تأزم الموقف يوم عاشوراء، كان يرسل إليهم أخاه العباس وولده عليا «عليهما السلام» ليطمئن نفوسهم...
ولقد كانت راية العباس «عليه السلام» «طوال أيام كربلاء» مركوزة أمام المخيم لتلقي الأوامر من أخيه الحسين «عليه السلام» فيما يهمه من المهمات...
فليس عجبا أن يكون العباس آخر قتيل من أهل بيته وأصحابه، إذ لم يسمحله الحسين بالرخصة للمبارزة، وكان يقول: «كلما تقدم لطلب الرخصة منه»: «أنت حامل لوائي فإذا مضيت تفرق عسكري»...
فالاجتماع هذه المزايا والخصال لابي الفضل العباس «عليه السلام» حاز شرفا شريفا، وفخرا فاخرا، وحاز على مرتبة عالية عند أخيه الحسين«عليه السلام»، وفاق أكثر الشهداء، ناهيك عن المحن التي شاهدها وهي مما يؤلم مهجة الغيور، ويقرح قلب الأبي المتحمس صراخ العائلة وهتاف العقائل المخدارت ينادين: «أبا عبد الله: ردنا إلى حرم جدنا، وهو يقول لسيدتهم الحوراء زينب: هيهات جرى القضا، وجف القلم»...
فهذه المحن مع تلك الخصائص والخصال قد أوجبت له زيادة فضل على الشهداء، فكان له من مجموع أجر الشهادة وأجر الصبر على الابتلاءات العظيمة درجة يغبطه بها جميع الشهداء، كما أخبرنا بذلك الإمام زين العابدين علي بن الحسين «عليهما السلام» حيث يقول: «إن لعمي العباس درجة يغبطه بها جميع الشهداء»... ومن كان يغبطه جميع الشهداء على درجته ومنزلته فهو المقدم بلا ارتياب ولا تشكيك «على حد تعببير المؤلف «قده» بنص الحديث المتقدم»... وقد جاء في معالي السبطين(1) نقلا عن الكبريت الأحمر: أن العباس «عليه السلام» كان يقاتل في صفين أهل الشام مع أبيه أمير المؤمنين «عليه السلام»وقال: قد روى بعض من أثق به بأن يوما من ايام صفين خرج شاب من عسكر أمير المؤمنين «عليه السلام» وعليه لثام وقد ظهر منه آثار الشجاعة والهيبة والسطوة
(1) السبطين / الكربلائي ص 627/ ج1
(7)
بحيث أن اهل الشام قد تقاعدوا عن حربه وجلسوا ينظرون، وغلب عليهم الخوف والخشية، فما برز إليه أحد، فدعى معاوية رجلا من أصحابه يقال له ابن الشعثاءوكان يعد بعشرة آلاف فارس، وقال معاوية: أخرج إلى هذا الشاب وبارزه فقال له: يا أمير إن الناس يعدونني بعشرة آلاف فارس فكيف تأمرني بمبارزة هذا الصبي؟! فقال له معاوية: فما نصنع؟ قال: يا أمير إن لي سبعة بنين أبعث إليه واحدا منهم ليقتله، فقال له: إفعل، فبعث إليه أحد اولاده فقتله الشاب، وبعث إليه بأخر فقتله الشاب حتى بعث جميع أولاده، فقتلهم الشاب، فعند ذلك خرج ابن الشعثاء وهو يقول: أيها الشاب! قتلت جميع أولادي، والله لأثكلن أباك وأمك، ثم حمل اللعين وحمل عليه الشاب، فدارت بينهما ضربات فضربه الشاب ضربة قدّه نصفين وألحقه بأولاده، فعجب الحاضرون من شجاعته، فعند ذاك كبر أمير المؤمنين «عليه السلام» ودعاه وقال له: أرجع يا بني، فإني أخاف أن تصيبك عيون الأعداء، فرجع وتقدم إليه أمير المؤمنين «عليه السلام» وأرخى اللثام عنه وقبل ما بين عينيه، فنظروا إليه، وإذا هو قمر بني هاشم العباس بن علي «عليهما السلام»...
(8)

نبذة عن الكتاب


قال الشيخ المظفر في مقدمته لهذه الموسوعة «بطل العلقمي»: «لم يختلج في الفكر ويخطر في الذهن إفراد ترجمة هي أوسع ما ترجم به المترجمون «أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام»»، ذاك البطل المجاهد، والسيد العظيم المتفادي عن الأنقياد للمذلة آنفة وإباء، الناهض بالدفاع عن الدين والمجد معا غيره وحماساً، الذي أحيا مآثر العروبة الصحيحة، وأسس للدفاع عن القومية أسسا محكمة رصينة، وأعطى للمتدينين في الدفاع عن الدين دستوراً صحيحاً وقانوناً واجب الاتباع، وعلم البشر كيفية الأخلاص للعظماء المحقين، ونهج لهم سبل التفاني أمام أئمة الدين الراشدين، فراينا من واجب حقه علينا وعلى عموم المسلمين، وخاصة الاحرار المشجعين للشعوب على النهضات المحررة لها من الاستعباد، خدمته وخدمة كل بطل ضحى نفسه للشرف، وسمع بحياته لرفع ضغظ الاستبداد العارم، فأبرزنا تأديه لحقه ترجمة حافلة جامعة بين التاريخ والفلسفة والأداب والفقاهة، تؤلف كتابا ضخما حاويا لجميع ما يحتاج إليه المؤرخ والفلسفي في ما يختص بهذه الفصول المدرجة فيه، وأنتزعنا اسم الكتاب من القابه المختصة به، فسميناه «بطل العلقمي»، ورتبناه على فصول ثلاثة يكون كل فصل منها جزءا من الكتاب...
وللتعريف بهذا السفر الكبير نتحدث فيه إجمالا كالآتي:
إن كتاب «بطل العلقمي» هو أنفس هدية قدمها شيخنا «ره» إلى الإسلام بصورة عامة، وإلى رواد العلم وطلاب الفلسفة والتاريخ بصورة خاصة، وهذا الكتاب الضخم يقسمه الشيخ «ره» إلى ثلاثة أقسام تقع في ثلاثة أجزاء كل جزء يضم ناحية من نواحي التاريخ المهمة، «فالجزء الاول» تاريخي من جهة إيراد أنساب العباس «عليه السلام» من جميع أطرافه، فيذكر أجداده وآباءه إجمالا إلى آدم، وتفصيلا بوضع تراجم من أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى عدنان، ويذكر أعمام العباس وأعمام أبيه وأخوته وأولاده وأحفاده وأخواله، ويذكر ما يقرب من ستين من أبطال بني كلاب في الجاهلية وصدر الإسلام...
وفلسفي من ناحية ذكره أسرار النهضة وسياسة أمير المؤمنين «عليه السلام»
(9)
وإنها هي السياسة التي لا يجوز العدول عنها، وسياسة الحسن والحسين «عليهما السلام»، واختلاف سياستهما وسر ذلك، وإن الحسين «عليه السلام» قصد الكوفة مضطرا لا مختارا، وبيان أساليب خطابه وتفننه في الخطاب بحيث أنه يضع الكلم في مواضعه بحيث لو أزيلت لاختل نظام الكلام، وشرح خطبه، وأمثال ذلك...
و«الجزء الثاني» يتضمن ما للعباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» من الكنى والالقاب القديمة والحديثة – العامية – وبيان صفاته و مزاياه الجسمية والاخلاقية نحو البطولة والجمال والشجاعة والسخاء، وأمثال ذلك، وهذا السفر أيضا تأريخي من حيث إنه يتطرق إلى ما للعرب من المآثر الجميلة نحو الشجاعة والإيثار والمواساة وما شابه ذلك، وفلسفي من حيث إنه يشرح الأخلاق ويميز بين الأخلاق الغريزية والمكتسبة وما للتهذيب من أثر، وإن التربية والتعليم لهما مفعولهما في الإسلام وفي تقدم الإنسان...
و«الجزء الثالث» يشتمل على منزلة العباس عند الحسين «عليهما السلام»، والوظائف التي وظفه لها الحسين «عليه السلام» كالسفارة وقيادة الجيش، وأنه ركن وعميد، وأمثال ذلك. وفي هذا الجزء أنظمة الحرب القديمة والحديثة وبيان الكرامة والمعجزة والفرق بين المعجزة والسحر والاختراع، وفيه التعريف بكربلا القديمة، ومراثي العباس، ومراثي العرب لأبنائهم وإخوانهم وآبائهم، وتأبين العظماء للعظماء من العرب، وغير ذلك، وقد بذل المؤلف «قده» في ذلك الوسع خدمة للدين والعلم، وقضاءا لحق واجب لهذا البطل العظيم الذي كانت له مرتبة سامية ومكانة مكينة عند الله ورسوله وأئمة أهل البيت «عليهم السلام» لا من حيث ضحى نفسه في سبيل الدين خاصة وجعل حياته الثمينة ثمنا لشرع سيد المرسلين فقط، وفدا بروحه إمام الحق المفترضة طاعته على الخلق أجمعين فحسب، بل لما كان فيه من السجايا الحميدة والمزايا الفاضلة، والخصال المحبوبة، فقد قال رسول الله (ص) لأشج عبد القين: «فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة»...
فإذا عرفت أن خصلتين من خصال الكمال اوجبتا لهذا الصحابي محبة الله ورسوله، فما ظنك بمن جمع خصالا كثيرة من خصال الفضل وكلها توجب له محبة الله ورسوله (ص) مثل الزهد والعبادة والحلم والشجاعة والحزم والثبات والبصيرة في الدين والشهامة والسخاء وحسن الإيثار والوفاء والفصاحة والصباحة، ولا شك أن الصباحة أول مراتب الخير كما سيفصل المؤلف «قده»ذلك في كتابه...
(10)
فهو مادة دسمة وخصبة للباحثين والمتخصصين في التاريخ الإسلامي عامة ولطلاب العلوم الدينية وخطباء المنبر الحسيني خاصة، فليتعرف الجمهور على عظمة ومقام هذا البطل الهاشمي والقائد الميداني لمعسكر الإمام الحسين «عليه السلام» بكربلاء، بطل العلقمي أبي الفضل العباس «عليه السلام»...
ولا يعرف قدر هذا الكتاب إلا من وقف على فصوله، وأنا ألفت نظرك إليه ولك أن تقدر وتحكم، فجزى الله شيخنا المظفر خير الجزاء في خدمته لأهل البيت العلوي الطاهر...
وقد طبع هذا الكتاب في عهد المؤلف «قده» في المطبعة العلمية بالنجف الأشرف سنة «1374 هـ» ولشدة الطلب والإلحاح المتزايد على إعادة طبعه أعيد طبعه عدة مرات من قبل دور النشر، ولكن نحب أن نشير إلى أن احد تلك الدور «انتشارات المكتبة الحيدرية» في مدينة قم المقدسة، قد قامت بطبعه مؤخرا وسبقتنا بفكرة نقل أخوة العباس «عليه السلام» الذين ذكرهم المؤلف في نهاية لجزء الثالث إلى آخر الجزء الأول حيث موضع تسلسلهم، وبالأصل هذه هي فكرتنا عندما قررنا إعادة طبع هذه الموسوعة «بطل العلقمي»، وهذا الشيء من خصوصيات أسرة المؤلف وهم وحدهم لهم حق التصرف في الكتاب من حيث التقديم والتاخير، وننبه مرة اخرى إلى اننا لا نجيز لهذه الدار ولا لغيرها طبع أو التصرف في مؤلفات الشيخ المظفر من دون الرجوع إلينا وأخذ الإذن منا، فضلا عن سرد بعض المعلومات أثناء ترجمة المؤلف وهي غير صحيحة كوفاته في «الدير»، والصواب إن وفاة المؤلف كانت في «المعقل» وغيرها، فنحن لسنا بصدد بيان تفاصيل ذلك، بل أردنا الإشارة فقط، وهذا ما وجدناه في غير هذا الكتاب من مؤلفاته «قده»، مضافا إلى الأخطاء الكثيرة الواردة في طباعتهم للكتب، فلهم أن يلتفتوا إلى خطأهم هذا، والله الهادي إلى الصواب...ويتلخص عملنا في هذا الكتاب كلآتي:
• قمنا بنقل المصادر الواردة في المتن التي أعتمد عليها المؤلف إلى الهامش.
• أضفنا إلى عنوان الكتاب كلمة «موسوعة» فأصبح عنوان الكتاب:
«موسوعة بطل العلقمي» لأنها بحق تعد من أكبر الموسوعات التي ألفت بحق أبي الفضل العباس «عليه السلام»، هذا من جهة، ومن جهة ثانية وجدنا الشيخ المظفر في بعض كتبه يعبر عن هذا الكتاب بالموسوعة، فيقول: ذكرنا ذلك في موسوعتنا
(11)
بطل العلقمي، فرأينا من المناسب أن نضيف هذه الكلمة إلى الكتاب.
• قمنا بتصحيح الأخطاء الواردة في الطبعة الأولى قدر الإمكان.
• نقلنا أخوة العباس الذين ذكرهم المؤلف في نهاية الجزء الثالث إلى آخر
الجزء الأول حسب تسلسلهم من البحث.
• وضعنا مقدمة وافية للكتاب.
• قمنا بإخراج فهارس الآيات والسور من القرآن الكريم.
هذه مجمل الخطوات التي قمنا بها في هذا الكتاب.
إلى هنا نمسك زمام القلم مكتفين بهذا المقدار من الحديث عن هذا السفر التأريخي للفقيد «قده»، ألا وهو «بطل العلقمي»...
وإليك أخي القارئ هذه الأبيات التي تؤرخ العام الذي شرع فيه الشيخ الفقيد «قده» بتأليف موسوعته القيمة «بطل العلقمي» وهي من نظم الأستاذ الماهر
والمؤرخ الشهيرالشيخ علي البازي «قده»، فقال:
الواحد الفذ حليف الحجي المجد منه وله ينتمي
جاء بسفر للملأ آية مضمونها في سيرة الهاشمي
ساقي عطاشى كربلا ليثها من فيه إن خطب عرى نحتمي
من رام أن يعرف ما فضله وكيف أضحى مفردا عالمي
فلينظر السفر وتأريخيه «سار فهذا بطل العلقمي»
1369هـ
(12)


نبذة عن المؤلف «قده»
نسبة الشريف وألقابه:


هو الشيخ عبد الواحد بن الشيخ أحمد بن الشيخ حسن بن الشيخ جواد بن الشيخ حسين بن الشيخ باقر المظفر(1).
ومن خلال اطلاعنا على سلسلة نسبه نستدل على أن شيخنا المحقق «قده» نشأ وترعرع في أحضان البيوتات العلمية الطاهرة، مما يعني أنه ترعرع في أرض وبيئة علمية خصبة، وأنحدر من طرفين كريمين نسبا وعلما.
لقد تتلمذ المحقق «قده» على أيدي كبار العلماء «الذين سيأتي ذكرهم» فبغ نبوغا قل أن نجد له مثيلا في مختلف العلوم العقلية والنقلية، حي فاق أقرانه، وبرز على علماء عصره، فصار العالم الأوحد والفطحل المتفرد في زمانه، حتى حاز على ألقاب وأوسمة علمية أخذها بحق وجدارة.
فأما أشهرها، فإنه كان يلقب بـ«المحقق» كما حاز على لقب «أوحد زمانه» و«المدقق»، وذلك لأنه كان بحق وبإذعان في طليعة العلماء الأعاظم بما جمع من علوم وكمالات شتى.
ولادته ونشأته العلمية
ولد المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر «قده» في قضاء المدينة من محافظة البصرة في شهر محرم الحرام عام «1310 هـ/ 1890 م»، فتلقى بدايات علومه من مبادئ العربية ومبادئ العلوم العقلية والنقلية على يد أمس الناس وأقربهم رحما به، وهو والده المعظم الراحل العلامة الحجة الشيخ أحمد المظفر «قده»، الذي يبدو أنه كان من القمم العلمية الشامخة التي أخفتها حوادث الزمان، فلم يصل إلينا من آثارها ما كان يجب أن يصل إلينا.
والذي يؤيد صحة هذا الأدعاء هو ما جاء في عبارة أحد العلماء مخاطبا إياه برسالة طويلة منها: «العالم العامل الفاضل الكامل حجة الإسلام وقرة عين الانام مولانا الأستاذ السند الشيخ أحمد المظفر»...
(1) ونسب آل المظفر، أنهم من حرب آل علي المضريين القاطنين في أرض العوالي بالحجاز، وقد ساق بعض أفراد أسرة أل المظفر سلسلة النسب إلى أطول من ذلك، للمزيد راجع كتب التاريخ والنسب.
(13)
فهذا المدح والأطراء من مثل عالم من علماء الطائفة يعتبر وثيقة صريحة ودليل قاطع بأعلمية وأفضلية والد المترجم له «قده».
ولسنا بصددد الحديث عن والد المترجم له «قده» وإلا لأحتجنا إلى كتاب مستقل للترجمة عنه، ولعلنا نوفق في المستقبل «إن شاء الله تعالى» للكتابة عنه مفصلا، ونجمل الكلام فنقول: لقد نشأ شيخنا المظفر «قده» نشأة علمية بتوجيه من والده «قده»وأحتضان أعلام أسرته له.
وبعد ذلك «بعد تلك المرحلة» تتلمذ «قده» على عدة من علماء الطائفة من ذوي العلم والأدب والفقه والدراية وروى عنهم وحاز درجة الأجتهاد من بعضهم.
أساتذته:
وهم عدد كبير، نذكر أبرزهم في هذه العجالة: آية الله المدقق الأصولي الكبير الميرزا محمد حسين النائيني. آية الله المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسين الموسوي الأصفهاني. آية الله الاصولي الشهير والنقاد القدير الشيخ آغا ضياء الدين العراقي. آية الله الحجة الأكبر المجاهد شيخ الشريعة الأصفهاني. آية الله الإمام الأعظم الشيخ محمد كاظم الخراساني «صاحب الكفاية». آية الله البحر الخضم المجاهد السيد محمد كاظم اليزدي «صاحب العروة». وغيرهم من جهابذة الفكر والعلم «قدس الله أسرارهم أجمعين».
الثناء عليه:
أثني عليه كل من عاصره من فقهاء الطائفة، وأجمعوا على جلالة قدره وتبرزه في العلوم العقلية والنقلية والحديث والرجال والأدب والتأريخ، ونظرة أجمالية في كتبه يهدينا إلى أنه واقع في الطليعة من الفقهاء الأعلام وأنه عظيم من عظماء الشيعة.
ومما قاله عنه أستاذه الكبير المحقق الأصولي الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني «قده» - تقريضا لتقريرات الشيخ المظفر الأصولية المخطوطة -: «... لقرة عيني العالم العلم العلام والفاضل البارع الهمام، الفائز بأسنى درجات الصلاح والسداد بجهده، والحائز رتبة الأستنباط والأجتهاد بجده، صفوة المجتهدين العظام، وركن الإسلام المؤيد المسدد التقي الزكي...».
وقال عنه أحد علماء عصره: «... وكان عالما فاضلا ورعا زاهدا عابدا، أدبيا شاعرا بارعا، مثالا للأباء والعز والشرف والنبل، وكان اصوليا منطقيا تاريخيا متتبعا للتأريخ الإسلامي...».
(14)


زهده وورعه وتقواه:


كان «قده» عابدا زاهدا شديدا في أعماله، وكان قليل الأكل مكثر الصيام، وكان عنده أدعية وأحراز مجربة خاصة به، وكان الناس يقصدونه ويلجأون إليه من مختلف البقاع لأخذ بعض الأحراز لقضاء حوائجهم وتسهيل مطالبهم.
وكان «قده» عالما فاضلا ضعيف الجسم قوي البنية والإيمان، وكان يحيي الليل بين العبادة والكتابة «أي التأليف»، وقبيل الفجر يقوم فيتوضأ ويخرج إلى الحضرة العلوية المطهرة لأداء الصلاة فيها.
باشر «قده» بشراء الكتب المهمة والتراث الإسلامي من جميع مطبوعات العراق وإيران ومصر والهند ولبنان وغيرها في جميع الحقول التأريخية والأدبية واللغوية والتفاسير والأحاديث والتراجم وغيرها، وجمع القسم الكبير من المخطوطات النفيسة والآثار القيمة حتى أشتهرت مكتبته بأنفس المكتبات الخاصة في وقته، والتي ناهزت العشرين ألفا، وكانت تؤمه أكبر الشخصيات والمؤلفين والكتاب أمثال الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، والخطيب السيد جواد شبر، والشيخ كاظم الحلفي، والسيد عبد الحسين الحجار، والشيخ يونس المظفر، والشيخ جعفر محبوبة، والشيخ محمد جواد الأنصاري، والشيخ علي الخاقاني وغيرهم من طلابه ومريديه لمراجعة بعض المصادر، وكان من ضمن هذه المخطوطات دورة وسائل الشيعة المخطوطة النفيسة للحر العاملي «قده»، وبقيت هذه المكتبة في محلة العمارة قرب العتبة العلوية المطهرة، إلى سنة «1399هـ» أي بعد وفاته بتسع سنوات، حيث صدر قرار من الحزب البعث الحاكم في العراق حينذاك بمصادرة جميع المكتبات وخصوصا المخطوطات منها وتم نقلها من قبل أسرته إلى داره الثانية والواقعة في الحنانة، ولكنها بمرور الوقت أتلفت معظم ما فيها بسبب إهمالها وتركها.
إجازاته:
مما يبعث على الأسف إننا لم نعثر على جميع إجازات شيخنا المظفر «قده» - ولعلها محفوظة في مكتبته الخاصة(1) – بإستثناء إجازتين الأولى من أستاذه الكبير المدقق الأصولي مقرض تقريراته الأصولية الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني، وهي بتاريخ شهر ذي القعدة «1351هـ»، فعلى هذا التاريخ نقول: إن شيخنا قد
(1) توجد هناك عدة مشاريع بخصوص مكتبة المترجم له وآثاره المخطوطة ستتعرف إليها في المستقبل القريب إن شاء الله.
(15)
حصل على الإجتهاد المطلق بعد تسعة وعشرين عاما (29) من دراسته في الحوزة العلمية الشريفة (1)، حيث دخل الشيخ «ره» ميدان حلقات الدرس وهو له من العمر أثني عشر عاما (12)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على النبوغ الفطري المبكر الذي يتمتع به المحقق المظفر «ره».
أما الثانية فهي من أستاذه المرجع الديني الشهير آية الله السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني «ره»، وهي بتاريخ شهر محرم الحرام 1353هـ، أي بعد عامين من سابقتها وله من العمر حينئذ إحدى وثلاثون عاما (31).


مؤلفاته:


ترك لنا المترجم له آثارا قيمة «حيث كان معروفا بكثرة التصنيف والتأليف والتحقيق» قسم منها طبع في حياته، والقسم الآخر لم يطبع لحد الآن محفوظ عندنا مع مكتبته الخاصة به والتي تضم نفائس المصنفات من مخطوط ومطبوع، وهي لا تزال خالدة خلود ذكراه(2).
مؤلفاته المطبوعة:
(1) بطل العلقمي «حياة العباس ابن أمير المؤمنين «عليهما السلام» وهو هذا الكتاب الذي نحدد بصدد التقديم له»، ويقع هذا السفر في ثلاث مجلدات، والذي وصفه الأديب الكبير والمؤرخ الشهير الشيخ علي البازي «ره» بقوله:
خير سفر به أتانا المظفر فيه فضل العباس للناس ينشر
....................... ......................... الـــخ
(2) توضيح الغامض من أسرار السنن والفرائض – جزئين – الأول مطبوع، والثاني مخطوط (3).
• سفير الحسين «عليه السلام» مسلم بن عقيل «عليه السلام» .
• الأمالي المنتخبة في العترة المنتجبة – ويقع في ثلاث أجزاء – طبع منه الجزء الأول فقط.
(1) ولكن هذا التأريخ على فرض عدم وجود إجازة أخرى سابقة على هذه الإجازة، إذ من الممكن أنه «قده» قد حصل على الإجتهاد قبل هذا التأريخ، فنحن – كما عرفت – لم نقف على جميع إجازاته بأستثناء اللتين ذكرناهما، فتأمل.
• بعد فراق طال أكثر من ثلاث عقود ستخرج تلك الآثار القيمة لترى النور بعد تلك الحقبة المظلمة الطويلة الأمد، ومن الله التوفيق والتسديد.
• هذا الكتاب طبع مؤخرا بجزئيه «الأول والثاني» في مطابع مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت.
(16)
(5) البشرى ببعثة البشير محمد (ص)، يقع في ثلاث مجلدات، الأول والثاني مطبوعين، والثالث ما يزال مخطوطا، أحدها يختص بإعجاز القرآن فيما أكتشفه العلم الحديث من أسراره.
وهذه بعض منها إذ لا مجال لذكرها جميعها في هذه العجالة.


من مؤلفاته المخطوطة:


• السياسة العلوية: وهو شرح عهد أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الصحابي الجليل مالك الأشتر النخعي «أعلى الله مقامه».
• أعلام النهضة الحسينية «يقع في ست أجزاء» يتحدث فيه عن أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام».
• الميزان الراجح «ويختص بعلم الرجال» وهو كتاب ضخم.
• المستدرك على مقاتل الطالبيين، يقع في جزئين كبيرين.
• الدرة البهية في نسب الأسرة المظفرية.
• كشف المستور «في الرد على بعض العقائد الفاسدة» وهو كتاب كبير لم يكمل، نتج منه أربعة أجزاء.
• ردع الناكب عن فضيلة المواكب.
• شبيه رسول الله (ص) علي بن الحسين الأكبر «عليهما السلام».
وغيرها لا يسع المقام لسردها.
من مؤلفاته المطبوعة بعد وفاته:
أما المطبوعة في حياته فقد أعيد طبع منها، وأما المخطوبة فقد طبع منها وفاة أمير المؤمنين «عليه السلام» من قبل مؤسستنا «مؤسسة المظفر الثقافية»، وسفير الحسين مسلم بن عقيل «عليهما السلام» وتوضيح الغامض من أسرار السنن والفرائض بجزئيه «الأول والثاني»، وقائد القوات العلوية مالك الأشتر النخعمي «رضوان الله عليه»، ونحن في الطريق سائرون في طبع بقية مخطوطات المترجم له، نسأل الله أن يأخذ بأيدينا لإكمال طبع مؤلفات الشيخ المظفر «قده» المخطوطة التي أتت يد الزمان لتحرمنا منها ومن معنيها الصافي.
وقد أستعرض الأديب الراحل الشاعر الحاج محمد علي الراضي المظفر «قده» مؤلفات شيخنا المظفر «قده» بأرجوزة غاية في الروعة، وإليك مطلعها:
يا صاحب التوضيح والأعجاز يا صاحب المستدرك الممتاز
(17)
يا صاحب البشرى وردع الناكب والراجح الميزان في المكاسب
يا صاحب الأعلام والسياسة والبطل العباس في الحماسة
... الخ، وهي أرجوزة طويلة، للمزيد راجع ديوان القلائد للشاعر المتقدم/ مخطوط.
وبالجملة، إن شيخنا المظفر «قده» هو أحد تلكم الشخصيات العلمية البارزة ذات الفكر الثاقب والرأي السديد والتي زودت المذهب وعامة الطوائف الإسلامية بالبحوث المبتكرة والتصانيف المتنوعة...

مختارات من شعره:


طبع شيخنا المظفر «قده» على نظم الشعر فأجاد فيه وبلغ الغاية القصوى، وعد في طليعة شعراء عصره، فكان «قده» حاضر البديهة مكثر الشعر، وشعره طافح بحبه لآل الرسول (ص) وينم عن مذهبه الذي هو مذهب أئمة أهل بيت النبوة، فتراه يقول فيهم مدحا وثناء ورثاء وتظلما لهم بحسب ما يقتضيه المقام، له عدة دواوين من الشعر مخطوطة إلى هذا التاريخ بالإضافة إلى إرجوزته المخطوطة الموسوعة بـ«أرجوزة كربلاء» في مقتل أهل البيت «عليهم السلام»، ناهيك عن باقي مصنفاته التي طفحت بالشعر، حيث كان يطرزها بالشعر كما تطرز الأزهار الحقول، وإليك بعضا من تلك الأشعار.
توفى رسول الله في أرض طيبة فطابت به أرجاؤها والمنازل
وقد شرفت فيه على الأرض كلها وفي كعبة الإسلام قد قال قائل
حوت هيكل التوحيد والقدس فأعتلت على كعبة الإسلام فالشك زائل
وللبعض آراء سخاف ضعيفة يلفقها من رام جهلا يجادل
وله من قصيدة طويلة في مدح الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، هذا
مطلعها:
عرفنا الله ليس له شريك وأحمد خاتم الرسل الكرام
وأن المرتضى من بعد طاها إمام الحق من بين الأنام
وله مخاطبا ونادبا سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان، الإمام الثاني عشر، محمد مهدي «عجل الله فرجه» بقصيدة عصماء غاية في الروعة تظم مائة وخمسين بيتا من الشعر، نقتطف منها هذه الأبيات:
(18)
إلى متى معز الدين عنا يغيب وحتى متى شمس الهداية تحجب
وكم يستتر بدر الرشاد وقد دجا من الريب في ليل الظلالة غيب
حتى يقول:
فقال لها يا نفس صبرا على الردى فموت الفتى في العز أحلى وأطيب
إذا كان أمر الله جار على الورى فأين يفر المرء منه ويهرب
وله مخاطبا أبي الفضل العباس بن امير المؤمنين «عليهما السلام» بقصيدة هذا البيت مطلعها:
أبا الفضل قف لي في القيامة موقفا يسر صديقي والعدو يساء
إلى أن يقول:
أرى كل داء مزمن لا يزيله سوى حبكم إن الولاء شفاء
دواء الموالي والمحب بحبكم وهيهات يرجى في سواه دواء
وله راثيا الإمام الراحل المرجع الديني السيد محسن الطباطبائي الحكيم «قده» بمرثية طويلة، هذه الأبيات منها:
دون شك ودون أدنى أرتياب خسر الدين بالحكيم عميدا
وبه الشرع شرع أحمد أضحى فاقدا جهبذ الزمان الفريدا
فالإمام الحكيم في العلم فرد فيه عزى الإسلام والتوحيدا
فاندبي يا شريعة الحق فردا في بيان الحق الصريح وحيدا
وله راثيا الحجة المحقق العلامة الكبير الشيخ عبد الحسين الأميني «ره»، وواصفا موسوعته الشهيرة «الغدير» في قصيدة فريدة وطويلة، إليك بعضا منها:
أبو الهادي تنقل عن خلود من الذكر الحميد إلى خلود
له في جنة الفردوس مثوى بأعلى الخلد في القصر المشيد
إلى أن يقول:
فدائرة المعارف في «غدير» أرتنا كل مبتكر فريد
ومهما نذكر التأليف يوما فهذا عندنا بيت القصيد
حتى يختمها بهذا البيت:
أبوكم ملهم والكل منكم عباقرة وترقى في الصعود
(19)
إلى هنا نكتفي بهذا المقدار من الحديث عن الجانب الأدبي في سيرة المترجم له في هذه العجالة، وعلى العموم فإن شيخنا المحقق «قده» قد بلغ في فن الأدب مبلغا عظيما ومقاما كريما، وأقرت له به أدباء عصره وعظماء دهره...


النبأ المفجع الذي هز العالم الإسلامي إلى جنة المأوى:


بسم الله الرحمن الرحيم (من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)(1)، صدق الله العلي العظيم.
لم يزل شيخنا المحقق المظفر «قده» مشغولا بالتدريس والتصنيف والتحقيق والإرشاد وترويج الأحكام الشرعية حتى أدركته المنية ووافاه الأجل المحتوم وخسره العالم الإسلامي، فكانت وفاته كارثة حقيقية على الأمة الإسلامية عامة والشيعة خاصة، فقد فقدوا بموته عماد الإسلام، بل ركن الإسلام القويم.
وإذ به يلبي نداء ربه في «المعقل» إحدى ضواحي محافظة البصرة، مساء يوم السبت المصادف «19/ج2/1395 هـ الموافق 28/6/1975 م» عن عمر ناهز الثمانين عاماً، وكان لوفاته رنة أسى ولوعة حزن عميقين في صفوف المؤمنين، ولا سيما رجال الدين، وخرجت سائر الطبقات لتشييع جثمانه المقدس، وتم تشييعه في البصرة بكل تبجيل وإعزاز، ومن ثم جيء بنعشه إلى كربلاء ثم إلى مثواه الأخير عاصمة العلم والدين النجف الأشرف، ولمقامه العظيم ولمنزلته العلمية خف لأستقبال جثمانه الطاهر عدد كبير من زعماء الدين في ذلك الوقت وكان في طليعتهم صاحبه مرجع المسلمين سماحة آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية الإمام الراحل السيد أبو القاسم الخوئي «قده» حيث قام الإمام الخوئي «قده» بأجراء مراسيم التشييع للفقيد «قده» وصلى عليه بنفسه.
وبعد إتمام مراسيم التشييع، نقل إلى مقبرته الخاصة به و الواقعة في الغري بأمتداد شارع شيخ الطائفة الطوسي «قده» بالقرب من مقامي صاحب الزمان «عجل الله تعالى فرجه الشريف» والإمام الصادق «عليه السلام»، وأدخل ضريحه ليلة الاثنين، وأقيمت له عدة مجالس تأبينية في أنحاء عديدة من مدن العراق والدول الأخرى، ونعاه عدد كبير من الشعراء بقصائد مؤلمة حزينة تعبر عن مدى الخسارة التي ألمت بالمؤمنين بفقده وتأسفه كثير من أهل الفضل والدين لفضله وقدسيته ومنزلته العلمية.
(1) الأحزاب: 23.
(20)
وممن رثاه الشاعر القدير والناظم الشهير الشيخ محمد جواد فرج الله «ره» بقصيدة طويلة، إليك بعضا منها:
ألم موجع وخطب جليل وبكاء جم وحزن طويل
والقوافي الحسان تبكيك ثكلى والمعالي لها صدى وعويل
يا فقيد الكمال يا واحداً ليس لنا عنه في الزمان بديل
حتى يختمها بهذا البيت:
فعليك السلام منا جزيلاً ما شدا بلبل ورق هديل
أعقب شيخنا المحقق المظفر «قده» من الذكور ثلاثة، هم: حسن ورضا وشقيقهم الأكبر صاحب الفضيلة سماحة الأستاذ الشيخ عبد الرسول المظفر «دام موفقا»، والذي حل محله، حذا حذو أبيه، ونهج منهجه، مد الله في عمره ومتعنا بطول بقائه.
أقول: إن الفقيد المحقق الشيخ عبد الواحد المظفر «قده» وإن رحل عنا إلا أنه يبقى وسيبقى فينا حيا وذكراه لا تمل ولا تنسى لما سطر وقدم في حياته الشريفة من آثار ومشاريع في مختلف المجالات.
فسلام عليه يوم ولد، ويوم قضى نحبه، ويوم يبعث حيا.
هذا آخر ما أردنا تسطيره في هذه العجالة مع ضيق الوقت وتشتت الذهن، والمأمول من الأخوة الفضلاء أن يلاحظوا ذلك بعين الرضا راجين منهم تزويدنا بوجهات انظرهم القيمة «وسبحان من كتب الكمال لنفسه».
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
بقلم حفيد المؤلف
صفاء نجل الشيخ عبد الرسول نجل الشيخ عبد الواحد المظفر
مؤسسة المظفر الثقافية
النجف الأشرف
1/رجب/1429 هـ
(21)