الحركة العلمية

حوزة كربلاء على عهد شريف العلماء

Post on 09 تموز/يوليو 2016

حوزة كربلاء على عهد شريف العلماء

في عهد الرئاسة العامة لشيخ العلماء ومربي المجتهدين ومعلم الفقهاء الفحول المولى محمد شريف بن المولى حسن علي القبيسي المازندراني الحائري ، المعروف بشريف العلماء ، أخذت الحوزة العلمية في كربلاء زخما قويا ،وطاقة إضافية ، نظرا لأن حلقات درسه وأبحاثه وتقريراته الفقهية وألأصولية إجتذبت إلى مدينة كربلاء المئات بل ألآلاف من الفضلاء والطلاب المبتدئين والمنتهين ، إذ كان يحضر تحت منبر درسه ألف من الطلبة فيهم العلماء وألأفاضل، وقد غالى فيه بعض تلامذته ، ومنهم تلميذه «الفاضل الدربندي» حتى فضلوه على المتقدمين والمتأخرين، ووصفه تلميذه السيد محمد شفيع بن السيد علي أكبر الموسوي الحسيني العلوي البروجردي ، في إجازته المسماة (الروضة البهية في الطرق الشفيعية) فقال بشأن أساتذته ومشايخه: فمنهم السالك في مسالك التحقيق ، والعارج في مدارج التدقيق ، مقنن القوانين ألأصولية ، مشيد المباني الفرعية ، مفتاح العلوم الشرعية ، مربي العلماء ألإمامية ، مدرس الطالبين جميعا في جوار ثالث ألأئمة ، شيخنا ، وأستاذنا ومربينا ووالدنا الروحاني والعالم الرباني ، محمد شريف إبن ملا حسن علي المازندراني أصلا والحائري سكنا ومدفنا، أصله من آمل مازندران ، والظاهر أن مولده في كربلاء المشرفة وببالي أني سمعته منه ، وعاش فيها أكثر عمره الشريف ، وإشتغل أولا على السيد محمد إبن السيد علي صاحب الرياض ، ثم على والده، وفي مدة تسع سنين صرفها في الفقه وألأصول ، صار مستغنيا عن ألأشتغال وجامعا لشرائط ألإجتهاد . . . الخ .

كان بحق مربيا ومعلما للفقهاء ، مؤسسا لعلم الأصول وجامعا للمعقول والمنقول ، نادرة الدهر وأعجوبة الزمان ، تبوأ مكانة سامية في ميادين العلم والفضيلة وذاع صيته وحفلت حياته بجلائل ألأعمال ونوادر ألأفعال. قرأ اولا على السيد محمد المجاهد ، ثم قرأ على والده السيد علي صاحب «الرياض» في ألأصول والفقه، حتى إستغنى عن ألأستاذ ، ولم يعد ينتفع بدرسه فسافر مع أبيه إلى إيران وساح فيها ، وأقام في كل بلد شهرا أو شهرين فزار مرقد الرضا عليه السلام في مشهد وعاد إلى كربلاء ، وإشتغل بالمباحثة والمطالعة ، وشرع التدريس فاجتمع في درسه الطلاب الفضلاء والعلماء ، بما يربو على ألف طالب وعالم، وإجتذبت دروسه القيمة العلماء ألأجلاء من النجف إلى كربلاء، منهم تلميذه المبرز ، النابغة العالم ، الحجة الشيخ مرتضى ألأنصاري رحمه ألله.

وكان شريف العلماء يلقي درسين في اليوم ، احدهما للمبتدئين وألآخر للمنتهين ، وقلما وجد عالم وأستاذ بارع ، ومقتدر ومتمكن من قواعد علم الأصول مثله ، وقد صرف عمره وأنهك جهده في تربية جيل من العلماء ألأصوليين ، ولهذا كان قليل التأليف ، وإلى جانب ذلك كان أعجوبة في الحفظ والضبط ،ودقة النظر وسرعة ألإنتقال في المناظرات والمباحثات الجدلية ، لإلمامه التام بعلم الجدل، وكان يقوم بمهمة التدريس لساعات طويلة في اليوم، وكانت حلقات درسه تعقد بإنتظام في المدرسة العلمية المعروفة بإسم مدرسة السردار حسن خان ، وهي أقدم واكبر مدرسة علمية في كربلاء ، قبل أن تمتد لها يد التخريب بمشروع إيجاد الشارع الدائري حول الحضرة الحسينية الشريفة.

ومن بين العلماء الذين كانوا يحضرون تحت منبر درسه : السيد إبراهيم القزويني صاحب كتاب «الضوابط» والمولى ألآغا الدربندي ، وسعيد العلماء البارفروشي ، والسيد محمد شفيع الجابلاقي ، والمولى إسماعيل اليزدي.

هذا وتوفى الشيخ شريف العلماء المازندراني بداء الطاعون الذي عم البلاد في حينه سنة 1246 ه أو 1245 هـ ، ودفن بداره في كربلاء وقبره مزار للمؤمنين يقع في زقاق «كدا علي » وقريب من قبره أقيمت مدرسة علمية دينية تعرف بإسم «مدرسة شريف العلماء» .

وقد جاء شرح حياته وخدماته العلمية ونشاطاته التدريسية في العديد من كتب السير والتراجم ، مثلما أطنب في مديحه الكثير من علماء الرجال والنسابة.

فقد ترجمه بإسهاب وتفصيل صاحب كتاب «الكرام البررة» ، حيث قال عنه بما يلي : هو الشيخ المولى محمد شريف بن المولى حسن علي ألآملي المازندراني الحائري الشهير بشريف العلماء ، من أعاظم العلماء في عصره، كان من رؤساء الدين وسلالة المذهب ، وابطال العلم وعمد الشريعة ، ومن الحجج ألإثبات وشيوخ ألإجتهاد ألأفاضل، تلمذ أولا في كربلاء على السيد محمد المجاهد ، ثم حضر على والده السيد علي صاحب «الرياض» تسع سنين ، وعاد إلى إيران فزار مشهد الرضا (عليه السلام) ، وعاد إلى العراق في أواخر أيام صاحب «الرياض» ، فأشاد أستاذه بذكره وإتجهت أنظار الطلاب والمشتغلين إليه ، وتقاطروا عليه من كل حدب وصوب ، وتهاتفوا عليه مثل تهافت الفراش على النور ، فإشتغل بالتدريس والتربية ، وإتجه إلى المشتغلين بكله ورأف بهم كما يرأف الوالد البار بأولاده، وكان شديد العناية بهم كثير ألإهتمام لهم، حرص على تفهيمهم بأساليب راقية، حتى تخرج من منبر درسه عشرات المجتهدين بل المئات ، وكان يرفع طلابه إلى أوج ألإجتهاد بمدة قصيرة لغزارة علمه وحسن تفهيمه، والمشهور أنه كان لا يفتر عن التدريس والمذاكرة ليلا ونهارا، حتى في شهر رمضان الذي جرت العادة على التعطيل فيه ، ولذلك قل نتاجه العلمي ، ولم يكن له في عالم التأليف ما يتناسب وعظيم مكانته ، كما أنه لم يخرج ما كتبه إلى البياض.

توفى أعلى ألله مقامه في الطاعون الجارف سنة 1246 هـ ، ودفن في داره بكربلاء وقبره مزار معروف ، ومن أعظم تلامذته وأشهرهم الحجج: السيد إبراهيم القزويني صاحب «الضوابط» والشيخ مرتضى ألأنصاري صاحب «الرسائل» والسيد شفيع الجابلاقي صاحب «الروضة البهية» والمولى إسماعيل اليزدي وغيرهم.

وللتدليل على كثافة الحركة العلمية والتدريسية في كربلاء على عهد شريف العلماء المازندراني ، نورد هنا ما ذكره العلامة السيد محسن العاملي صاحب «أعيان الشيعة» ، في ترجمته للشيخ محمد صالح الجوبارئي المازندراني فقال: كان من أجلة علماء عصره وشيوخ العلم ، إشتغل أولا بأصفهان حتى صار من المدرسين بها، ثم هاجر إلى كربلاء وحضر درس شريف العلماء ، حتى صار من أعلام تلامذته ، ولما ورد الشيخ موسى إبن الشيخ جعفر ـ صاحب كشف الغطاء ـ إلى كربلاء لبعض الفتن التي وقعت في النجف وشرع في الدرس ، وكذلك أخوه الشيخ علي ، أكب عليهما فضلاء الحائر ، وكان الحائر الشريف (كربلاء) يومئذ محط رحل أهل العلم، فيه ألف فاضل من علماء إيران ، وكانوا يحضرون درس شريف العلماء ، فحضر المترجم درس الشيخين (الشيخ موسى والشيخ علي) ، وكانا يدرسان الفقه لا غير، فإستحسن فقههما ولازم درسهما ، ولم يمكث الشيخ موسى غير ستة أشهر ورجع مع أخيه إلى النجف ، فلما إنقضى المحرم من تلك السنة توفى شريف العلماء ، فورد النجف ألف من طلبة كربلاء ومنهم المترجم ، وسكنوا النجف حبا بمدرسة الشيخ موسى واخيه الشيخ علي ، وبعد أيام توفى الشيخ موسى سنة 1244 هـ ، وإستقل الشيخ علي بالتدريس ، ومنها صارت النجف مرجعا لأهل العلم من إيران ، وقبلها كانت كربلاء مرجعا ولم يكن في النجف طلبة من الفرس . . . الخ.