الحركة العلمية

حوزة كربلاء على عهد إبن فهد الحلي

Post on 09 تموز/يوليو 2016

حوزة كربلاء على عهد إبن فهد الحلي

 في القرن التاسع الهجري حدثت نقلة نوعية في حوزة كربلاء العلمية فقد تطورت المعاهد والمدارس العلمية الدينية فيها، وإكتظت برجالات الفكر وأعلام ألأدب ورواد العلم والثقافة الذين إتجهوا إليها من كل حدب وصوب ، حيث كثرت بهم وتنوعت حلقات الدرس والبحث والمناظرة ألإستدلالية ، فإنتشرت فصول الدرس وقاعات المحاضرة في ارجاءها المختلفة ، وخلال هذا القرن وخاصة في نصفه الثاني إنجذب إليها رعيل من ذوي العقول النيّرة والمواهب المبدعة وألأفكار الخلاقة ، يتصدرهم الزعيم الديني والعالم الزاهد والمجاهد ألإسلامي الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الحلي صاحب الفضائل والكرامات الكثيرة.

إنتقل شيخنا الحلي إلى كربلاء قادما من مدينة الحلة التي كانت الحركة العلمية ناشطة ومزدهرة فيها حينذاك ، وبرز فيها بعد فترة بوصفه الزعيم الديني والعالم والبحاثة المقتدر والمتمكن من فروع وأصول الفقه الشيعي ألإجتهادي مما جعله في مركز دائرة إهتمام الناس المؤمنين والمتدينين .

ومن موقعه العلمي المتميز تبنى الحركة العلمية في كربلاء ومنحها دفعا قويا حيث جمع حوله تلامذة كثيرين ، وكانت دروسه مليئة بطروحاته العلمية وابحاثه وتقريراته الفقهية ، وغالبا ما كانت حلقات درسه تتحول إلى ساحة يحتدم فيها النقاش العلمي الموضوعي ويدور الجدل فيها حول المسائل والموضوعات الفقهية ألأساسية والفرعية ، وقد وصفه المؤرخون وعلماء الرجال والنسابة ، بأشهر وأنبه فقهاء القرن الثامن والتاسع الهجري.

ولد الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي ألأسدي سنة 757 هـ وتوفى سنة 841 هـ ، ودفن في كربلاءوقبره ظاهر خلف المخيم الحسيني في بستان كان يعرف ببستان النقيب ، وأصبح قبره مزارا للمؤمنين بوصفه الولي العابد الزاهد صاحب الكرامات والفضائل .

وقد اسهب في شرح حياته وترجمته الكثير من المؤرخين والمؤلفين ، فقال عنه مؤلف كتاب «روضات الجنات» : هو الشيخ العالم العارف وكاشف أسرار الفضائل ، جمال الدين ابو العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الحلي الساكن بالحلة والحائر الشريف (كربلاء) حيا وميتا. وله من ألإشتهار بالفضل وألإتقان والذود والعرفان والزهد وألأخلاق والخوف وألإشفاق ، جمع بين المعقول والمنقول والفروع وألأصول والقشر واللب واللفظ والمعنى والظاهر والباطن والعلم والعمل بأحسن ما كان يجمع ، أجازه العلامة والمحقق الكبير علي بن الخازن في الحائر الحسيني سنة 791 هـ .

وكانت شخصيته بتلك المرتبة التي أثارت إعجاب وإستحسان أرباب العلم والقلم ، إلى جانب أن سيرة حياته طافحة بكل ما هو تليد إلى حد إعتبارها مأثرة علمية خالدة .

بيد أن زهده الشديد والمغالي فيه أوهم الكثيرين بأن له ميلا ورغبة بالنزعة الصوفية ، لكن صاحب أعيان الشيعة ـ المرحوم العلامة الكبير السيد محسن العاملي ينفي عنه هذا النعت ، إذ يقول بالحرف الواحد : فالتصوف الذي ينسب إلى هؤلاء ألأجلاء ، مثل إبن فهد وإبن طاووس والخواجه نصير الدين والشهيد الثاني والبهائي وغيرهم ، ليس إلا إنقطاع إلى الخالق جل شأنه والتخلي عن الخلق والزهد في الدنيا والتفاني في حبه تعالى وأشباه ذلك ، وهذا غاية المدح ، لا ما ينسب إلى بعض الصوفية مما يؤول إلى فساد ألإعتقاد كالقول بالحلول ووحدة الوجود وشبه ذلك ، أو فساد ألأعمال ، كألأعمال المخالفة للشرع التي يرتكبها كثير منهم في مقام الرياضة والعبادة وغير ذلك .

ويقول صاحب «بهجة ألآمال في شرح زبدة المقال» : ومن هنا يظهر التأمل في ثبوت الغلو وفساد المذهب ، بمجرد رمي علماء الرجال من دون ظهور الحال كما هو حقه. ويضيف بالقول : ثم إن هذا الشيخ ألأجل (إبن فهد الحلي) كان في الحلة السيفية، وله الرواية بالقراءة وألإجازة عن الشيخ مقداد السيوري ، وعلي بن الخازن الحائري ، وإبن المتوج البحراني.

وقال صاحب كتاب «روضات الجنات» : وجدت في بعض مصنفات من عاصرناه ، إن إبن فهد ناظر أهل السنة في زمان (الميرزا أسبند التركمان) في ألإمامة ، وكان واليا على عراق العرب ، فتصدى لإثبات مذهبه وإبطال مذاهب أهل السنة ، وغلب على جميع علماء أهل العراق. فغير الميرزا مذهبه وخطب بإسم أمير المؤمنين وأولاده ألأئمة (عليهم السلام).

يروي عن إبن فهد الحلي عدد من كبار العلماء الثقات ألأجلة منهم : الشيخ علي بن هلال الجزائري، والشيخ علي بن عبدالعال الكركي، والشيخ العالم الفقيه عز الدين الحسن بن علي بن أحمد بن يوسف الشهير بـ (إبن العشرة الكرواني العاملي) ، وكان هذا ألأخير من العلماء العقلاء ، كثير الورع والعبادة ، وجاء ذكره في ألأمل : إنه كان فاضلا زاهدا فقيها ، وكانت أمه ولدت في بطن واحد عشرة أولاد في غشاء من جلد ، فعاش منهم واحد ومات الباقي ، فلذلك سمي إبن العشرة ، يروي عن إبن فهد .

وكان إبن فهد الحلي من أجلاء تلامذة العالم والفقيه النحرير، الشيخ علي بن الخازن الحائري، الذي كان من مشاهير أعلام الدين والفضيلة في حوزة كربلاء في القرن الثامن الهجري ، وكان على جانب عظيم من العلم والمعرفة ، والورع والصلاح والتقى ، قال فيه صاحب «روضات الجنات» السيد الخونساري: كان (رحمه ألله) من المحققين الفضلاء ، حاله في الفضل والنبالة ، والعلم والفقه ، والفصاحة وألأدب وألإنشاء ، معلوما معروفا عند العامة والخاصة ، وكفاه فخرا تتلمذه على شيخنا الشهيد ألأول ، وأجازه وكتب في إجازته وقال: لما كان المولى الشيخ العالم المتقي ، الورع المحصل ، القائم بأعباء العلوم ، الفائق أولي الفضائل والفهوم زين الملة والدين أبو الحسن علي بن المرحوم السعيد الصدر الكبير العالم عز الدين أبي محمد الحسن بن المرحوم المغفور سيدنا ألإمام شمس الدين محمد ، الخازن بالحضرة الشريفة المطهرة مهبط ملائكة ألله ومعدن رضوانه التي هي من أعظم رياض الجنة المستقر بها سيدُ ألإنس والجن إمام المتقين وسيد الشهداء في العالمين ريحانة رسول الله وسبطه وولده أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، إبن سيد الثقلين أمير المؤمنين أبي الحسنين علي بن أبي طالب عليه السلام ممن رغب في إنشاء العلوم العقلية والنقلية وألأدبية والشرعية إستجاز العبد المغتفر إلى ألله تعالى محمد بن مكي ، فإستخار ألله واجاز له جميع ما يجوز عنه ، وله روايته من مصنف ومؤلف ومنثور ومنظوم ومقروء ومسموع ومتناول ومجاز فيما صنفه . . . الخ؟

وكان الشيخ أحمد بن فهد الحلي يروي عن الشيخ علي بن الخازن الحائري ، الذي اجازه بالرواية عنه في سنة 791 هـ بالحائر الحسيني ، توفى الشيخ علي بن الخازن كما في بعض النسخ سنة 793 هـ .