خدمة المنبر الحسيني

الشيخ كاظم المنظور

Post on 11 تموز/يوليو 2016

الشيخ كاظم المنظور


نقلا عن «قيد الأوابد» احدى مجموعات الاستاذ حسين علي محفوظ الخطّية .

هو كاظم بن حسون بن عبد عون ، ينتسب الى شمّر ، ولد في كربلاء في حدود سنة 1320هـ ، ومات ابوه وعمره نحو من سبع سنين ابتدأ يقول الشعر وهو يكاد يصافح العشرين وفاتحة شعره هذه الابوذية :

إديّـته و المشن عــالگـاع ماتن

علـه النـاشر إجعـوده فوگ ماتن

لحگت اضعـون ساهي العين ماتن

انتـوادع ونتبـاره مـن الخطيـه

ثم تعلم القراءة والكتابة وعمره خمس وعشرون سنة إذ قرأ (جزء عمّ ) على احد المعلمين في غضون شهر واستطاع ان يكمل (وحده) اجزاء القرآن الكريم كافة في ايام رمضان ، كان يقرأ جزءا في كل يوم من ايامه المباركة .

ورغب جماعة من اوليائه وخلانه في تلقيبه ويقولون ان المرحوم (حسين فروخي) لقبه بالمنظور لانه سمع هاتفا يقول بعيد صلاته (كاظم المنظور) وكان ذلك سنة 1344 هـ الموافقة لسنة 1924 للميلاد ولازمه هذا اللقب ، وهو سريع الخاطر ، جيد القريحة يحفظ كثيرا من غرر الشعر العامي وكان يحفظ ما يقرأ عليه في اسرع من اللمح ومن العجائب انه لا يستطيع ان يقصد القصائد وينظم المقطعات إلا اذا كاثرته الاشغال وغالبه العمل ويملي ما يصوغه من الطوال جملة على من يدوّنه .

وهو شاعر بارع اتفق اهل (صناعة الشعر العامي) على انه اميرهم بدون منازع يولونه فائق احترامهم ، ويعتمدون عليه ، ويستندون اليه في الحكومة والفصل بينهم ، وهم يعتزون بشعره الذي سار مسير الشمس ، وهبّ هبوب الرياح ، وهو يتيمة كربلاء ـ على ساكنيها رحمة الله ـ ومن عجائبها في فنه الذي اشتهر به : تفتخر به كما افتخرت بشعرائها العاميين كـ (حسين الكربلائي المتوفى في حدود سنة 1328 هـ للهجرة وعبود ابو حبال ، والحاج قندي ، والسيد عمار ، والسيد حسين العلوي ، والشيخ محمد سراج ، وخريجه الشيخ عبد الله المعلم وغيرهم . رحمة الله عليهم ـ وشعره عندهم ـ عالي القدح ، سلس عذب ، وهو مقتدر على المعاني لم يسبق الى كثير من البحور ) .

ورد عليَّ بالكاظمية ليلة الاحد لتسع وعشرين ليلة خلت من شهر رجب من سنة 1368 للهجرة واهدى اليَّ ديوان شعره وقرأ عليَّ شيئاً منه واطلعت على مجلدين مخطوطين من عيون شعره لم يخرج الى الناس ، له شعر كثير وديوانه الموسوم بـ (المنظورات) أيسر من الامثال ، واخرج منه مجلدين ضخمين ، وله (الاغاريد) ايضا وغيرها .

ويذكر الشاعر محمد زمان في دراسته :

 ومع أن المنظور كان مطبوعا في الشعر غير أنه لم يقرر أن يصبح شاعرا إلا بعد حفظه ألف بيت من الأبوذيه والدارمي وخمسين من المربع وعدد غير قليل من قصائد القريظ.. ذلك ما قاله هو عندما سئل ذات مرة مشيرا إلى ضرورة مثابرة الشاعر على الحفظ والإطلاع .. وهذا يذكرنا بما أشار المعلم الكوفي إلى تلميذه أبي نؤاس بأن يحفظ ألف قصيدة ثم ينساها قبل أن ينظم الشعر .. صحيح إن شاعرنا المنظور لم يتعلم القراءة والكتابة إلا في العشرينيات من عمره وفي أبسط المستويات الملائية ككتابة اسمه أو تهجي بعض الآيات القرآنية ثم أتيح له في شيخوخته أن يطور خطه ليدون بعض القصائد التي لم تكن في الحقيقة سوى مسودات لا يحسن قراءتها إلا محمد زياد حسين النوري المشتهر بكاتب الوحي إذ كان يلازم المنظور كالظل ليلتقط ما تجود به شفاه الشاعر من مستهلات ومقاطع شعرية خلال زحام المواكب الحسينية.. ومع ذلك لم يكن المنظور أميا بالمعنى الذي يتصوره الكثيرون لأنه كان يحرص وباستمرار على أن ينصت جيدا وبوعي إلى القرآن الكريم والتفسير والحديث الشريف والمسائل الفقهية وإلى ما يقرأ في المحافل الحسينية والمناسبات الدينية من مواعظ وأخبار وتواريخ وحقائق علمية .. إلخ. أو إنه ( الأمي المثقف ) كما يسميه محمد شعبان أحد خبراء العزاء الحسيني وأحد الذين عايشوا المنظور يوما بيوم في العقدين الأخيرين من حياته وهو خير ناقد وشاهد على أن المنظور لم يأخذ شيئا ممن سبقوه أو عاصروه جميعا بينما أخذ الجميع كل شيء منه خلال تبلور المنظورات الحسينية.. ومثلما كان يسير وتتبعه قوافي الشعر فقد كان يطير وتحلق حوله أجنحة الشعر إلى يوم رحيله كما تؤكده استذكارات تلميذه عودة ضاحي الذي صاحبه في الأعوام الخمسة الأخيرة من حياته حيث رصد أيضا فيه تقبله للنقد البناء وتفتحه على موجة شعر الشباب الجديد.

ومن ناحية أخرى فإن المنظور لم يفكر أبدا أن يغتني من ظروفه بعد عمله كنادل في المقاهي خلال النصف الأول من حياته رغم أنه كان اللولب والممون لشعر المواكب والمنابر الحسينية تلك بل كان قانعا بما يقسمه الله له من رزق حلال لقاء تعامله المحدود بشراء وبيع التمر والغنم .. أجل كان زاهدا ولكن أصيل الزهد كأصالة شعره .. وهذا مؤشر يتميز به ويؤكد وحدة التجربة بين حياته كشاعر وحياته كإنسان..

ويضيف محمد زمان . . .

لقد رحل الشاعر الكبير كاظم المنظور الكربلائي صيف 1974 وكنت قد سمعت منه ربيع العام نفسه بأنه أدرك سن الثمانين.. وإذا عرفنا أنه عمل في ( الجندرمة ) خلال الشهور الأخيرة من الحكم العثماني وأنه كان أحد حراس بوابة كربلاء الشمالية ( الطريق من وإلى بغداد ) في ثورة العشرين 1920 م وهذان الأمران يفترضان منطقيا أن يكون المنظور آنذاك قد تجاوز سن العشرين ليقوم بهما فإن تاريخ تولده المثبت في السجلات الرسمية 1892 أقرب إلى الصحيح من التاريخ 1900 الوارد في أحد أجزاء المنظورات الحسينية على أن الحالين لا ينفيان أن يكون المنظور ممارسا واعيا لفن الأبوذية في العشرين من عمره وهو سن شعري مبكر النضوج لشاب سرعان ما عرف بخليفة رائد الأبوذية حسين الكربلائي المتوفى عام 1909 وحيث كان المنظور دون سن الثامنة عشر مما يؤكد قوله ذات مرة بأنه لم يتصل بحسين الكربلائي.

حتى سن الثلاثين تقريبا لم يكن يعرف شاعرنا بالمنظور بل كان معروفا بكاظم الجايجي أو ساقي الشاي المشهور بقدرته على حمل أربعة عشر كوبا بين أصابع كفه الواحدة.. ولعل مهنته تلك أتاحت له معايشة كل شرائح المجتمع وأن يلفت أنظارهم إليه وهو يمارس نظم الشعر خلال تنقله بين المقاهي التي كانت تتنافس في تشغيله كنادل يستجيب لظروف العمل المتواصل ليل نهار خلال المناسبات التي يؤم بها زوار الحسين مدينة كربلاء من كل فج عميق وعلى مدار السنة.. ويقينا أن محاولات المنظور الشعرية في العشرينيات من عمره كانت من المستوى الرفيع بحيث أوحت لأحد أدباء تلك الفترة المعروفين ( الشيخ عبد الحسين الحويزي ) أن يتصل به ليرشده إلى تكريس موهبته الشعرية في حق أهل البيت عليهم السلام بدلا من تعليق وقته في موضوعات الشعر الأخرى التي برع فيها الشاعر آنذاك كهذا النموذج الذي يعتبر أولى محاولات المنظور في الأبوذية :

إديّـته و المشن عــالگـاع ماتن

علـه النـاشر إجعـوده فوگ ماتن

لحگت اضعـون ساهي العين ماتن

انتـوادع ونتبـاره مـن الخطيـه

والجدير بالذكر ان هذه المحاولات ونماذج شعرية أخرى منتقاة قد جمعت وطبعت عام 1958 في ديوان ( الأغاريد الشعبية ) وأعيد طبعه بعد وفاته.

وهذه الكلمات بحق امير الشعراء الحسينيين وردت في تحليل لشعر المنظور بقلم محمد زمان الكربلائي بأسم (المنظورات الحسينية مدرسة شعرية حية) وهناك دراسة اخرى بقلم عودة ضاحي التميمي بأسم (ذكريات نحلة في ظل جبل) من المفيد جدا الاطلاع عليهما .

صور ووثائق نادرة