مستلات

الكذب في الأطفال

Post on 09 آذار/مارس 2020

181973

    مسألة كذب الأطفال هي واحدة من المسائل التربوية الهامة بالنسبة للاطفال والعوائل . وهي مسألة تعاني منها أغلب العوائل لافي صغر سن الطفل بل في فترة سن التمييز . فاعمال الطفل حتى وان امتزجت بالكذب في الأيام الاولى من حياته فهي محبوبة عند الأبوين ، الا ان نفس هذا الجانب سيكون صعباً على الوالدين تقويمه في المستقبل .

ومن الملفت للإنتباه ان أسس هذه الخصلة القبيحة تترسخ منذ أيام الطفولة . فالاسباب الاجتماعية او حتى الدوافع الغريزية قد تلجيء الطفل الى الكذب والتحايل فيقابل من الوالدين بالتشجيع والضحك والاستحسان غير ملتفتين الى ان هذا الموقف هو الذي يؤدي الى تنامي واستفحال مثل هذه العادة المنبوذة ، فتنعكس نتائجها الوخيمة على الأبوين والمربين بالأذى والإرهاق .

نحاول في بحثنا هذا التحدث عن هذه الظاهرة واسبابها ودوافعها وطرق مكافحتها ، وتقديم الارشادات اللازمة للوالدين والمربين في هذا المجال . ولكن يبدو من الضروري أولاً وقبل كل شيء تبيان الصورة العامة لهذه الظاهرة .

تعريف الكذب :

الكذب هو الكلام الذي لا يتطابق مع الحقيقة والواقع ، او هو عدم وجود رابطة او علاقة صحيحة بين ما يقوله الشخص وماهو موجود في الواقع الخارجي .

فعمل الكاذب هو تحريف الحقيقة عن وعي والتفوه بما لا وجود له في العالم الخارجي ، وطبعاً لا يصدق هذا على الاطفال في كل الظروف ، وذلك لأننا سنرى في ما بعد بأن الكثير من صغار السن او الاطفال المميزين لا يفرقون أحياناً بين الحقيقة والخيال فيقولون اموراً نعتبرها من وجهة نظرنا كذباً .

غالباً مايقترن كذب الاطفال المميزين بوجود الأرضية المناسبة والتدابير المدروسة وتمتاز بوجود الخطط والحسابات التي يستغلها الطفل في سبيل بلوغ الهدف الذي يبتغيه.

صور الكذب :

للكذب صور متعددة . فهو احياناً يتخذ طابع تحريف الحقيقة او قلبها في احيان أخرى ، ويتفوه بعض الاطفال باشياء لا وجود لها في الواقع ويتحدثون احياناً عن مسألة لهم يد فيها و كأنهم بعيدون عنها كل البعد .

وقد يكون الكذب ذا طابع اعتباطي في بعض الحالات ، صحيح انه يتحدث عن أمر واقع الا انه يبالغ كثيراً في تصويره ، وكما يقال انه يصنع من الحبة قبة. وقد تكون القضية على العكس تماماً في حالات أخرى ، كأن يكون قد تسبب في حصول أمر خطير او حادثة كبيرة الا انه يصورها وكأنها قضية بمنتهى الصغر والتفاهة وذلك من اجل التخلص من عواقبها او العقوبات المترتبة عليها .

يقوم الكذب احياناً على اساس بيان قضية ما ، او قد يكون احياناً بصورة الصمت عنها ، كأن يدور الحديث بين شخصين عن المواصفات الحميدة التي يمتاز بها الطفل الفلاني وهي غير موجودة فيه حقيقة ، فان السكون ازاء امثال هذا الكلام والانصات اليه يعد بذاته نوعاً من الكذب .

الغاية من الكذب :

        ولكن ماهي الاهداف والغايات التي يتوخاها الطفل او الشاب او حتى الكبير من الكذب ، يمكن القول بوجود اهداف متعددة ومختلفة فيما يتعلق بالجوانب القائمة على الوعي والادراك .

يهدف الكذب عادة الى تضليل المقابل او تعتيم الأمر عليه لغرض الوصول في ظل ذلك الى الغاية المنشودة. فالكاذب يرمي الى إغفال الآخرين وخداعهم لكي لا يفهموا حقيقة ما يجري وليبقى الطريق مفتوحاً امامه لبلوغ مآربه.

وقد يكون هذا الهدف او الاهداف متعددة و متنوعة ، من جملتها النجاة من العقوبة ، والحصول على المنافع المنشودة وجلب أنظار واهتمام الناس الآخرين الذين لهم دور في حياته وسعادته فقد ينجح الانسان احياناً بواسطة الكذب من خداع شخص قادر على جلب الخير والسعادة له بشكل او آخر، ودفعه الى التصديق به ومسايرته نحو تحقيق اهدافه .

الكذب دلالة على ماذا ؟

ان الكذب سواء عند الصغير ام عند الكبير ينم عن وجود حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي . ويدل على أن الشخص يعيش في وضع غير مستقر . وان شخصيته ومكانته عرضة للخطر ولامنجى له منه سوى بواسطة الكذب .

فهو قد يشعر احياناً بالضعف او الحقارة ، وتظل هذه المعاناة تؤلمه فيضطر الى سلوك هذا الاسلوب أملاً في النجاة ونيل الاستقرار والإتزان ولاجل ايضاح هذه المسألة نشير الى ان الانسان يعيش في عالم معقد يصعب فيه اثبات الوجود وحيازة المكانة اللائقة ، ولا يتاح فيه للانسان نيل كل ما يبتغي ، ولاسبيل امامه لبلوغ اهدافه سوى باحدى الوسيلتين التاليتين وهما ؛ أولاً الجهد والتعب وتحمل المشاق والآلام ، وثانياً : الاساليب غير الشريفة التي تتيح له نيل غاياته بسهولة ولكن بشكل غير مشروع ؛ ومن ابرز ادواتها الكذب .

وعلى هذا الاساس فان ضعف الانسان وعجزه عن بلوغ اهدافه هوسبب الكذب ، وانه ـ اي الكذب ـ دلالة على الشعور بالضعف .

فمن بلغ الرشد وحاز الكمال وتغلب على مشاعر الضعف والحقارة في نفسه لن يكون بحاجة الى الكذب ، بل ان شؤون حياته تسير بأجمعها على وتيرة من الصدق والاستقامة .

اعراض الكذب على الفرد :

   الكذب ظاهرة غير فطرية ، لذا فهو بحاجة الى التعلم وخوض التجارب المختلفة . فالطفل لا يتيسر له الكذب ببساطة ؛ لذلك يواجه اثناء الكذب مصاعب متنوعة يمكن ملاحظة اثارهاعليه بكل بساطة ، وهي آثار واعراض جمة يمكن الاشارة الى بعض منها في ما يلي : ـ

شحوب لون الطفل ، وتسارع ضربات قلبه وجفاف فمه حتى يصعب على اللسان الدوران في الفم بسهولة ، والتلعثم في الكلام وعدم القدرة على التحدث كالمعتاد ، وتضارب اقواله التي تبدو وكأنها بلا رأس ولا اساس والتحدث باضطراب وفقدان القدرة على التحكم بالاعضاء ، والنظرات الحائرة مع ظهور آثار الخجل على محياه .

وهذه الاعراض اكثر ما تشاهد ـ طبعاً ـ على الأشخاص الذين بدأوا الكذب حديثاً ، ثم تبدأ بالاضمحلال مع تدرجهم في الكذب وكثرة ممارستهم له حتى يبلغون درجة يكونون قادرين معها على التظاهر بالمظلومية وحتى البكاء حين الكذب ويظهر نفسه وكأنه على حق مع الادلاء باليمين الكاذبة.

من كتاب #تربية_الطفل_دينيا_واخلاقيا

لتصفح الكتاب كاملا، اضغط هنا . . .