آية المباهلة

اسم الکتاب : آية المباهلة

المؤلف : السيّد علي الحسيني الميلاني
المطبعة : مركز الأبحاث العقائدية


 

 

مقدّمة المركز .......................................................... ٥

تمهيد ................................................................. ٧

مقدّمات البحث ....................................................... ٩

المقدّمة الأولى : بحثالمسائل على أُسس متقنة ............................. ٩

المقدمة الثانية : الإستدلالبالكتاب والعقل والسنة ....................... ١٢

بعض التقسيمات في الإستدلالبالسنّة .................................. ١٤

المقدمة الثالثة : أهميةالبحث عن الإمامة ................................ ١٥

دوران البحث بين عليوأبي بكر ...................................... ١٨

آية المباهلة ........................................................... ١٩

المباهلة في اللغة ....................................................... ١٩

تعيين من خرج معالرسول 6 في المباهلة ........................... ٢٣

دلالة آية المباهلةعلى إمامة عليّ 7.................................. ٢٧

مع ابن تيمية في آيةالمباهلة ............................................ ٣١

خاتمة المطاف ........................................................ ٣٥

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز

لا يخفى أنّنا لا زلنا بحاجة إلى تكريسالجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمناالرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالةمن المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصروالتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الأبحاثالعقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذمنهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندواتالعقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريهاالمرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرضوالنقد

والتحليل وطرح الرأيالشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوحوالمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذهالندوات طريقها إلى شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتيوالمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاءالعالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن فيطبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراءمجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئالكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسنقبوله.

مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسّون

بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاةوالسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهمأجمعين ، من الأولين والآخرين.

كما تعلمون ، لعلّ من خير الاعمال فيليالي شهر رمضان هو مذاكرة العلم ، والأمور الاعتقادية والمسائل التي تتعلق بأصول الدينمن أشرف المسائل العلميّة ، ومسألة الإمامة من بين المسائل الإعتقاديّة من أشرفها.

ونسأل الله التوفيق لأن نتمكّن من إلقاءبعض الأضواء على بعض القضايا المتعلّقة بمسألة الإمامة ، لنرى ما يدلّ عليه الكتابوالسنّة في هذه المسألة المهمّة العقائديّة الحسّاسة.

ولست أدّعي أنّي مستوعب لجميع ما يتعلّقبهذه المسألة ،

ولست أدّعي أنّي علىاستعداد للإجابة على كلّ سؤال يطرح حول هذه المسألة.

ولست من أهل الخطابة والبيان والقدرةعلى تنضيد الكلمات والتلاعب بالألفاظ كما يقال في هذه الأيّام.

وسأحاول أنْ أبحث في هذه الليالي عن الإمامةبذكر عدّة من أدلّة الإمامية ، وعمدة أدلّة غيرهم ، ثم تحقيق الحال في جملة من المباحثالمتعلّقة بالإمامة ، وسأحاول أنْ أبسّط الالفاظ والمطالب بقدر الإمكان ، حتّى لايكون هناك تعقيد في البيان وصعوبة في استيعاب البحوث.

قد يحمل هذا الكلام منّي على التواضع ، ولكنهذا من باب حسن الظن.

مقدّمات البحث

قبل الشروع في البحوث ، وقبل الدخول فيالمسائل الأساسيّة التي تقرّر أن نبحث عنها طبق المنهج المعلن عنه ، لابدّ منتقديم مقدمات ، فنقول :
المقدّمة الأولى : بحث المسائل على أُسس متقنة

في كلّ مسألة لابدّ وأنْ يكون البحث فيتلك المسألة على أُسس متقنة مدروسة ، فتارةً يكون طرف البحث والخطاب شيعيّاً إماميّاًمثلك ، فأنت تباحثه وتحتج عليه بما هو حجة في داخل المذهب ، فلك حينئذ أنْ تستدلّعلى رأيك برواية في كتاب الكافي مثلاً.

وأمّا إذا لم يكن شيعيّاً اثني عشريّاًمثلك ، فالأمر يختلف ... لابدّ وأنْ يكون البحث بينكما ابتناءً على قضايا مشتركة ،وعلى

أدلّة مشتركة.

الأدلّة المشتركة :

أوّلاً : القرآن الكريم.

ثانياً : العقل السليم.

ثالثاً : الروايات الواردة في السنّةالمتفق عليها بين الطرفين ، أو تحتجّ عليه من السنّة بما هو حجّة عنده وإنْ لم يكنحجةً عندك ، وليس لك أنْ تحتج عليه بكتاب الكافي ، كما ليس له أنْ يحتج عليك بكتابالبخاري.

إذن ، لابدّ وأن تكون هناك نقطة وفاقواشتراك حتّى يتحاكم الطرفان إلى تلك النقطة ، من كتاب ، أو سنّة مسلّمة بينالطرفين ، أو قاعدة عقليّة قرّرها جميع العقلاء في بحوثهم.

أمّا إذا كان طرف الخطاب سنّيّاً ، ولايوافق على كتاب البخاري ، بل لا يرى صحّة شيء من الصحاح الستّة ، فلابدّ حينئذ منإقامة الدليل له ممّا يراه حجّة ، من الكتاب أو العقل ، فإن أردنا أن نقيم الدليلعليه من السنّة ، فلابدّ وأن نصحّح الرواية التي نحتجّ بها ، لكي يلتزم بتلكالرواية ، لأنّها إذا صحّت على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل عندهم ، فلابدّ وأنيلتزم بتلك الرواية.

قد يكون في هذا الزمان بعض الباحثين منلا يقول بصحّة

روايات الصحيحينفضلاً عن الصحاح كلّها ، وإنّما يطالب برواية صحيحة سنداً ، سواء كانت في الصحيحينأو في غير الصحيحين ، فإثبات صحّة تلك الرواية لابدّ وأنْ يكون على ضوء كلماتعلماء الجرح والتعديل من أهل السنّة بالنسبة لرواة تلك الرواية ، حتّى تتمّ صحّةالرواية ، ويمكنك الإستدلال بتلك الرواية ، فإنْ عاد وقال : ليست كلمات علماءالجرح والتعديل عندي بحجّة ، هذا الشخص حينئذ لا يتكلّم معه ويترك ، لأن المفروضأنّه لا يقبل بالصحيحين ، ولا يقبل بالصحاح ، ولا يقبل برواية فرض صحّتها على ضوء كلماتعلماء الجرح والتعديل من أئمّتهم ، حينئذ لا مجال للتكلّم مع هكذا شخص أبداً.

لكن المشهور بين السنّة أنّهم يرون صحّةأخبار الصحيحين ، وإن كنّا أثبتنا في بعض بحوثنا أنّ هذا المشهور لا أصل له ، لكن المشهوربينهم هذا.

وأيضاً المشهور بينهم صحّة رواياتالصحاح الستّة ، وإنْ اختلفوا في تعيين تلك الصحاح بعض الإختلاف.

وإنّ المسانيد أيضاً كثير منها معتبر ، كمسندأحمد مثلاً ، وإنْ كان بعض كبارهم لا يرون التزام أحمد في مسنده بالصحة ، لكنْ عندناشواهد وأدلّة تنقل بالأسانيد عن أحمد بن حنبل نفسه أنّه

ملتزم في مسندهبالصحّة.

وهناك كتب أُخرى أيضاً مشهورة.

ونحن في بحوثنا هذه لا نعتمد إلاّ علىالصحاح ، والمسانيد ، والكتب المشهورة ، بعد الإستدلال بالكتاب ، وبالعقل ، فإذاوصلت النوبة إلى السنّة نستدلّ بالأحاديث المعروفة المشهورة الموجودة في الكتبالمعتبرة المعتمدة ، الروايات المتفق عليها بين الطائفتين.

فكما أشرنا من قبل ، لابدّ وأن تكونالرواية متّفقاً عليها بين الطائفتين ، بين الطرفين. هذا الإتفاق على الرواية مننقاط الإشتراك ، كالقرآن الكريم وكالعقل السليم.
المقدمة الثانية : الإستدلال بالكتاب والعقل والسنة

ثمّ الإستدلال كما أشرنا في خلالكلماتنا هذه ، تارةً يكون بالكتاب ، وتارةً يكون بالعقل ، وتارةً يكون بالسنّة.

أمّا الكتاب ، فآياته المتعلّقة بمباحث الإمامةكثيرة ، لكنّ المهمّ هو تعيين شأن نزول هذه الآيات ، وتعيين شأن نزول هذه الآيات إنّمايكون عن طريق السنّة ، إذن ، يعود الأمر إلى السنّة.

وفي الإستدلال بالعقل أيضاً ، هناك أحكامعقلية هي كبريات عقليّة ، وتطبيق تلك الكبريات على الموارد لا يكون إلاّ بأدلّة من

خارج العقل ، مثلاًيقول العقل بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، أمّا من هو المفضول ؟ ومن هو الفاضلليقبح تقدّم المفضول على الفاضل بحكم العقل ؟ هذا يرجع إلى السنّة ، إذنْ رجعناإلى السنّة.

والسنّة أيضاً قد أشرنا إلى قواعدنا فيإمكان التمسّك بها ، وإثبات مدّعانا واحتجاجنا على ضوئها ، فنحن لا نستدل على أهل السنّةبكتبنا ، كما لا يجوز لهم أن يستدلّوا بكتبهم علينا.

نصّ على ذلك عدّة من أكابر علمائهم ، كابنحزم الأندلسي في كتابه الفصل ، فإنّه ينصّ على هذا المعنى ويصرّح بأنّه لا يجوز الاحتجاجللعامّة على الإمامية بروايات العامّة ، يقول :

لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا ، فهملا يصدّقونها ، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدّقها ، وإنّما يجبأن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجة به ، سواء صدّقهالمحتج أو لم يصدّقه ، لأن مَن صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلمالضروري ، فيصير حينئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه (١).

إنّ من الواضح أنّ الشيعي لا يرى حجّيةالصحيحين فضلاً عن

__________________

(١) الفصل في الأهواء والملل والنحل ٤ / ١٥٩.

غيرهما ، فلا يجوزللسنّي أنْ يحتجّ بهما عليه ، كما لا يجوز للشيعي أن يستدلّ على السنّي بكتاب شيعي، لأن السنّي لا يرى اعتبار كتاب الكافي مثلاً.

فنحن إذن نستدلّ بروايات الصحاح ، وبرواياتالمسانيد ، وبالروايات المتفق عليها بين الطرفين ، ولربّما نحتاج إلى تصحيح سندبخصوصه على ضوء كتب علمائهم وأقوال كبارهم في الجرح والتعديل ليتمّ الاحتجاج ، ولايكون حينئذ مناص من التسليم ، أو يكون هناك تعصّب وعناد ، ولا بحث لنا مع المعاندوالمتعصّب.
بعض التقسيمات في الإستدلال بالسنّة :

وعندما يعود الأمر إلى الإستدلالبالسنّة ، فالروايات المتعلّقة ببحث الإمامة تنقسم إلى أقسام ، نذكر أوّلاًانقسامها إلى قسمين أساسيّين رئيسيّين :

القسمالاوّل : الروايات الشارحة للايات ، والمبيّنةلشأن نزول الآيات ، فكما قلنا من قبل ، فإنّ الإستدلال بالقرآن لا يتمّ إلاّ بالسنّة، إذ ليس في القرآن اسم لأحدٍ ، فهناك آيات يستدلّ بها في مباحث الإمامة ، لكن ما وردمعتبراً في السنّة في تفسير تلك الآيات وشأن نزول تلك الآيات ، هو المتمّم للإستدلالبالقرآن

الكريم.

القسمالثاني : الروايات المستدلّ بها على الإمامةوالولاية والخلافة بعد رسول الله ، وليس بها أيّة علاقة بالآيات.

ثمّ الروايات تنقسم إلى أقسام ، فهذهالروايات من القسم الثاني تنقسم إلى ثلاثة أقسام.

القسمالاوّل : ما يدلّ على الإمامة بالنص.

القسمالثاني : ما يدلّ على الإمامة عن طريق إثبات الأفضليّة، هذه الأفضليّة التي هي الصغرى بإصطلاحنا لكبرى قاعدة قبح تقدّم المفضول علىالفاضل.

القسمالثالث : الروايات الدالّة على العصمة ، واشتراطالعصمة واعتبارها في الإمام أيضاً حكم عقلي ، وفي مورده أيضاً أدلّة من الكتابوالسنّة.
المقدمة الثالثة : أهمية البحث عن الإمامة

والبحث عن الإمامة بحث في غايةالحساسيّة والأهميّة ، لأنّنا نرى وجوب معرفة الإمام ، وعندما نبحث عن الإمام وتعيينالإمام بعد رسول الله 6، نريد أن نعرف الحقّ في هذه المسألة الخلافية ، ثمّ لنتّخذه قدوةً واُسوة ، لنقتديبه في جميع شؤوننا ،

وفي جميع أدوار حياتنا.

إنّما نريد أن نعرفه ولنجعله واسطةبيننا وبين ربّنا ، بحيث لو سئلنا في يوم القيامة عن الإمام ، بحيث لو سئلنا يومالقيامة لماذا فعلت كذا ؟ لماذا تركت كذا ؟ أقول : قال إمامي إفعل كذا ، قال إماميلا تفعل كذا ، فحينئذ ينقطع السؤال.

عندما نريد البحث عن الإمام لهذه الغاية، فبالحقيقة يكون البحث عن الإمام والإمامة بحثاً عن الواسطة والوساطة بين الخالق والمخلوق، نريد أنْ نجعله واسطة بيننا وبين ربّنا ، نريد أن نحتجّ بما وصلنا وبلغنا منأقواله وأفعاله في يوم القيامة على الله سبحانه وتعالى ، أو نعتذر أمامه في كلّفعل أو ترك صدر منّا وسألنا عنه ، فنعتذر بأنّه قول إمامنا أو فعل إمامنا ، وهكذابلغنا ووصلنا عنه ، هذا هو ـ في الحقيقة ـ لبّ البحث عن الإمامة.

إذن ، يظهر أنّ البحث عن الإمامة بحثمهمّ جدّاً ، لأنّ الإمام حينئذ يكون كالنبي 6واسطةً بيننا وبين ربّنا عند فقد النبي.

أمّا أنْ يكون الإمام حاكماً بالفعل أولا يكون حاكماً ، أنْ يكون مبسوط اليد أو لا يكون مبسوط اليد ، أن يكون مسموعالكلمة أو لا يكون مسموع الكلمة ، أن يكون في السجن أو يكون غائباً عن الأنظار ، أوأن يقتل ، وإلى غير ذلك ، هذه الاُمور كلّها أُمور أُخرى

تتفرّع على بحث الإمامة، ليس البحث عن الإمامة بحثاً عن الحكومة ، وإنّما الحكومة من شؤون الإمام.

وكثيراً ما يختلط الأمر على الباحثين ، وكثيراًما نراهم يعترضون على مذهبنا بعدم التمكّن من الحكومة والسيطرة والسلطنة على الناس، وإلى غير ذلك ، وهذه الاُمور خارجة الآن عمّا نحن بصدده.

إذن ، لابدّ من البحث عن الإمام بعدالنبي ، لأنّا نريد أن نعرف الحق ونعرف الواسطة بيننا وبين ربّنا.

أمّا طريق معرفته ، فهذا الطريق أيضاًيجب أنْ يكون تعيّنه من قبل الله سبحانه وتعالى ، لانّه لو رجع وطالبنا في يومالقيامة وقال : من أيّ طريق عرفت هذا الإمام ؟ فلو ذكرت له طريقاً لا يرتضيه ، لقالهذا الإمام ليس بحق ، ومن قال لك هذا الطريق موصل إلى معرفة الإمام الواسطة بينكوبيني ليكون عمله وقوله حجة لك في يوم القيامة ؟

إذن ، نفس الطريق أيضاً لابدّ وأن ينتهيإلى الله سبحانه وتعالى ، إنتهاؤه إلى الله أي انتهاؤه إلى الكتاب والسنّة والعقل السليمكما أشرنا من قبل.

ومن هنا ، فقد اخترنا آيات من القرآنالكريم ، وأحاديث من

السنّة النبويّة ، لكينستدلّ بها على إمامة علي ، ورجعنا إلى العقل في المسألة لنعرف حكمه فيها.
دوران البحث بين علي وأبي بكر :

البحث يدور بين علي وأبي بكر ، أمّاخلافة عمر وعثمان فيتفرّعان على خلافة أبي بكر.

إذن ، يدور الأمر بين علي وأبي بكر.

قالت الإمامية : بأنّ عليّاً هو الخليفة، هو الإمام ، بعد رسول الله بلا فصل.

وقال أهل السنّة : الخليفة بعد رسولالله هو أبو بكر بن أبي قحافة.

استدلّت الإمامية بآيات من القرآنالكريم ، وبأحاديث ، على ضوء النقاط التمهيدية التي ذكرتها ، وسترون أنّا لا نخرجعن الإطار الذي ذكرناه قيد شعرة.

آية المباهلة

قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَمِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْوَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْفَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (١).

هذه الآية تسمّى ب‍ « آية المباهلة ».
المباهلة في اللغة :

المباهلة : من البهل ، والبهل في اللغةبمعنى تخلية الشيء وتركه غير مراعى ، هذه عبارة الراغب في كتاب المفردات (٢).

وعندما تراجعون القاموس وتاج العروسوغيرهما من الكتب

__________________

(١) سورة آل عمران :٦١.

(٢) المفردات فيغريب القرآن : « بهل ».

اللغوية ترونهميقولون في معنى البهل أنّه اللعن (١).

لكنّي رأيت عبارة الراغب أدق ، فالبهلهو ترك الشيء غير مراعى ، كأنْ تترك الحيوان مثلاً من غير أن تشدّه ، من غير أنتربطه بمكان ، تتركه غير مراعى ، تخلّيه وحاله وطبعه.

وهذا المعنى موجود في رواياتنا بعبارة :« أوكله الله إلى نفسه » ، فمن فعل كذا أوكله الله إلى نفسه.

وهذا المعنى دقيق جدّاً.

تتذكّرون في أدعيتكم تقولون : « ربّنالا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً » ، وإنّه لمعنى جليل وعميق جدّاً ، لو أنّالإنسان ترك من قبل الله سبحانه وتعالى لحظة ، وانقطع ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، وانقطع فيض الباري بالنسبة إليه آناً من الانات ، لانعدم هذا الانسان. لهلك هذاالإنسان.

ولو أردنا تشبيه هذا المعنى بأمر مادّيخارجي ، فانظروا إلى هذا الضياء ، هذا المصباح ، إنّه متّصل بالمركز المولّد ، فلوانقطع الاتصال آناً ما لم تجد هناك ضياءً ولا نوراً من هذا المصباح.

هذا معنى إيكال الإنسان إلى نفسه ، تقول« ربّنا لا تكلنا إلى

__________________

(١) تاج العروس : «بهل ».

أنفسنا طرفة عينأبداً ».

هناك كلمة لأمير المؤمنين 7 في نهج البلاغة ، أُحبُّ أن أقرأ عليكمهذه الكلمة ، لاحظوا ، أمير المؤمنين 7يقول :

« إنّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان ، رجلوكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة ، فهوفتنة لمن افتتن به ، ضالٌّ عن هدي من كان قبله ، مضلٌّ لمن اقتدى به في حياته وبعدوفاته ، حمّالٌ لخطايا غيره ، رهنٌ بخطيئته » (١).

وجدت عبارة الراغب أدق ، معنى البهل ، معنىالمباهلة : أن يدعو الإنسان ويطلب من الله سبحانه وتعالى أن يترك شخصاً بحاله ، وأنْيوكله إلى نفسه ، وعلى ضوء كلام أمير المؤمنين أن يطلب من الله سبحانه وتعالى أنيكون هذا الشخص أبغض الخلائق إليه ، وأيّ لعن فوق هذا ، وأيّ دعاء على أحد أكثر منهذا ؟

لذا عندما نرجع إلى معنى كلمة اللعن فياللغة نراها بمعنى الطرد ، الطرد بسخط ، والحرمان من الرحمة ، فعندما تلعن شخصاً ـأي تطلب من الله سبحانه وتعالى أن لا يرحمه ـ تطلب من الله أن

__________________

(١) نهج البلاغة : ٥١، الخطبة رقم ١٧.

يكون أبغض الخلائقإليه ، فالمعنى في القاموس وشرحه أيضاً صحيح ، إلاّ أنّ المعنى في مفردات الراغبأدق ، فهذا معنى المباهلة.

إذن ، عرفنا لماذا أُمر رسول الله 6 بالمباهلة ، ثمّ عرفنا في هذا المقدارمن الكلام أنّه لماذا عدل القوم عن المباهلة ، لماذا تراجعوا ، مع أنّهم قرّرواووافقوا على المباهلة ، وحضروا من أجلها ، إلاّ أنّهم لمّا رأوا رسول الله ووجوهأبنائه وأهله معه قال أُسقفهم : « إنّي لأرى وجوهاً لو طلبوا من الله سبحانهوتعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله » (١).

فلماذا جاء رسول الله بمن جاء ؟ لا نريدالآن أن نعيّن من جاء مع رسول الله ، لكن يبقى هذا السؤال : لماذا جاء رسول اللهبمن جاء دون غيرهم ؟ فهذا معنى المباهلة إلى هنا.

__________________

(١) راجع : الكشاف ١/ ٣٦٩ ، تفسير الخازن ١ / ٢٤٢ ، السراج المنير في تفسير القرآن ١ / ٢٢٢ ، تفسيرالمراغي ١٣ / ١٧٥ ، وغيرها.

تعيين من خرج مع الرسول 6في المباهلة

إنّه ـ كما أشرنا من قبل ـ ليس في الآيةالمباركة اسم لأحد ، لا نجد اسم علي ولا نجد اسم غير علي في هذه الآية المباركة.

إذن ، لابدّ أن نرجع إلى السنّة كماذكرنا ، وإلى أيّ سنّة نرجع ؟ نرجع إلى السنّة المقبولة عند الطرفين ، نرجع إلىالسنّة المتّفق عليها عند الفريقين.

ومن حسن الحظ ، قضيّة المباهلة موجودةفي الصحاح ، قضيّة المباهلة موجودة في المسانيد ، قضيّة المباهلة موجودة في التفاسيرالمعتبرة.

إذن ، أيّ مخاصم ومناظر وباحث يمكنهالتخلّي عن هذا المطلب وإنكار الحقيقة ؟

وتوضيح ذلك : إنّا إذا رجعنا إلى السنّةفلابدّ وأن نتمّ البحث دائماً بالبحث عن جهتين ، وإلاّ لا يتمّ الإستدلال بأيّرواية من

الروايات :

الجهةالأولى : جهة السند ، لابدّ وأن تكون الروايةمعتبرة ، لابدّ وأن تكون مقبولة عند الطرفين ، لابدّ وأن يكون الطرفان ملزمين بقبولتلك الرواية. هذا ما يتعلّق بالسند.

الجهةالثانية : جهة الدلالة ، فلابدّ وأن تكون الروايةواضحة الدلالة على المدعى.

وإلى الآن فهمنا أنّ الآية المباركةوردت في المباهلة مع النصارى ، نصارى نجران ، ونجران منطقة بين مكّة واليمن على مافي بالي في بعض الكتب اللغوية ، أو بعض المعاجم المختصة بالبلدان.

وإذا رجعنا إلى السنّة في تفسير هذهالآية المباركة ، وفي شأن من نزلت ومن خرج مع رسول الله ، نرى مسلماً والترمذيوالنسائي وغيرهم من أرباب الصحاح (١)يروون الخبر بأسانيد معتبرة ،

__________________

(١) راجع : صحيحمسلم ٧ / ١٢٠ ، مسند أحمد ١ / ١٨٥ ، صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٦ ، خصائص أمير المؤمنين :٤٨ ـ ٤٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٠، المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٨٩ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٦ ، تفسير الطبري ٣/ ٢١٢ ، تفسير ابن كثير ١ / ٣١٩ ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٨ ، الكاملفي التاريخ ٢ / ٢٩٣ ، أسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٢٦ ، وغيرها من كتب التفسيروالحديث والتاريخ.

فمضافاً إلى كونهافي الصحاح ، هي أسانيد معتبرة أيضاً ، يعني حتّى لو لم تكن في الصحاح بهذه الأسانيد، هي معتبرة قطعاً :

خرج رسول الله ومعه علي وفاطمة والحسنوالحسين ، وليس معه أحد غير هؤلاء.

فالسند معتبر ، والخبر موجود في الصحاح، وفي مسند أحمد ، وفي التفاسير إلى ما شاء الله ، من الطبري وغير الطبري ، ولا أعتقدأنّ أحداً يناقش في سند هذا الحديث بعد وجوده في مثل هذه الكتب.

نعم ، وجدت حديثاً في السيرة الحلبيّةبلا سند ، يضيف عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة ، وأنّهما خرجتا مع رسول الله للمباهلة(١).

ووجدت في كتاب تاريخ المدينة المنوّرةلابن شبّة (٢)أنّه كان مع هؤلاء ناس من الصحابة ، ولا يقول أكثر من هذا.

ووجدت رواية في ترجمة عثمان بن عفّان منتاريخ ابن عساكر (٣)أنّ رسول الله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو

__________________

(١) إنسان العيون ٣/ ٢٣٦.

(٢) تاريخ المدينةالمنورة ١ / ٥٨١.

(٣) ترجمة عثمان منتاريخ دمشق : ١٦٨.

بكر وولده وعمروولده وعثمان وولده.

فهذه روايات في مقابل ما ورد في الصحاحومسند أحمد وغيرها من الكتب المشهورة المعتبرة.

لكن هذه الروايات في الحقيقة :

أوّلاً: روايات آحاد.

ثانياً: روايات متضاربة فيما بينها.

ثالثاً: روايات انفرد رواتها بها ، وليست منالروايات المتفق عليها.

رابعاً: روايات تعارضها روايات الصحاح.

خامساً: روايات ليس لها أسانيد ، أو أنّأسانيدها ضعيفة ، على ما حقّقت في بحثي عن هذا الموضوع.

إذن ، تبقى القضيّة على ما في صحيح مسلم، وفي غيره من الصحاح ، وفي مسند أحمد ، وغير مسند أحمد من المسانيد ، وفي تفسيرالطبري والزمخشري والرازي ، وفي تفسير ابن كثير ، وغيرها من التفاسير إلى ما شاءالله ، وليس مع رسول الله إلاّ علي وفاطمة والحسنان.

دلالة آية المباهلة على إمامة عليّ 7

أمّا وجه الدلالة في هذه الآية المباركة، بعد بيان شأن نزولها وتعيين من كان مع النبي في تلك الواقعة ، دلالة هذه الآية علىإمامة علي من أين ؟ وكيف تستدلّون أيّها الإمامية بهذه الآية المباركة على إمامةعلي ؟

فيما يتعلّق بإمامة أمير المؤمنين فيهذه الآية ، وفي الروايات الواردة في تفسيرها ، يستدلّ علماؤنا بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا) ، تبعاً لأئمّتنا:.

ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية المباركةهو أمير المؤمنين 7نفسه ، عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلكاحتجاجه بآية المباهلة ، وهذه القصّة ، وكلّهم أقرّوا بما قال أمير المؤمنين ، وصدّقوهفي ما قال ، وهذا

الإحتجاج في الشورىمروي أيضاً من طرق السنّة أنفسهم (١).

وأيضاً هناك في رواياتنا (٢) أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا 7 قال : هل لك من دليل من القرآن الكريمعلى إمامة علي ، أو أفضليّة علي ؟ السائل هو المأمون والمجيب هو الإمام الرضا 7.

المأمون كما يذكرون في ترجمته كما فيتاريخ الخلفاء للسيوطي وغيره (٣)أنّه كان من فضلاء الخلفاء ، أو من علماء بني العباس من الخلفاء ، طلب المأمون منالإمام أن يقيم له دليلاً من القرآن ، كأنّ السنّة قد يكون فيها بحث ، بحث فيالسند أو غير ذلك ، لكن لا بحث سندي فيما يتعلّق بالقرآن الكريم ، وبآيات القرآنالمجيد.

فذكر له الإمام 7 آية المباهلة ، واستدلّ بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا).

لأنّ النبي 6 عندما أُمر أنْ يخرج معه نساءه ، فأخرجفاطمة فقط ، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين فقط ، وأُمر بأن يخرج معه نفسه ، ولميخرج إلاّ علي ، وعلي نفس رسول الله بحسب الروايات الواردة بتفسير الآية ، كماأشرنا إلى مصادر تلك

__________________

(١) ترجمة أميرالمؤمنين من تاريخ دمشق ٣ / ٩٠ الحديث ١١٣١.

(٢) الفصول المختارةمن العيون والمحاسن : ٣٨.

(٣) تاريخ الخلفاء :٣٠٦.

الروايات ، ولم يخرجرسول الله إلاّ عليّاً ، فكان علي نفس رسول الله ، إلاّ أن كون علي نفس رسول اللهبالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وأقرب المجازات إلىالحقيقة يؤخذ في مثل هذه الموارد كما تقرّر في كتبنا العلمية ، فأقرب المجازات إلىالمعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون علي مساوياً لرسول الله 6 ، إلاّ أنّ المساواة مع رسول الله في جميعالجهات وفي جميع النواحي حتّى النبوّة ؟ لا.

فتخرج النبوّة بالاجماع على أنّه لا نبيبعد رسول الله ، وتبقى بقيّة مزايا رسول الله ، وخصوصيات رسول الله ، وكمالات رسولالله ، موجودةً في علي بمقتضى هذه الآية المباركة.

من خصوصيّات رسول الله : العصمة ، فآيةالمباهلة تدلّ على عصمة علي بن أبي طالب قطعاً.

من خصوصيّات رسول الله : أنّه أولىبالمؤمنين من أنفسهم ، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله قطعاً.

من خصوصيّات رسول الله : أنّه أفضل جميعالخلائق ، أفضل البشر والبشريّة ، منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى العالم وخلق الخلائقكلّها ، فكان أشرفهم رسول الله محمّد بن عبد الله ، وعلي كذلك.

وسنبحث إن شاء الله في ليلة من اللياليعن مسألة تفضيل

الأئمّة على الأنبياء، وسترون أنّ هذه الآية المباركة ـ وهناك أدلّة أُخرى أيضاً ـ تدلُّ على أنّعليّاً أفضل من جميع الأنبياء سوى نبيّنا 6.

فحينئذ حصل عندنا تفسير الآية المباركةعلى ضوء الأحاديث المعتبرة ، حصل عندنا صغرى الحكم العقلي بقبح تقدّم المفضول علىالفاضل ، بحكم هذه الأحاديث المعتبرة.

وناهيك بقضيّة الاولويّة ، رسول اللهأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وفي جميع بحوثنا هذه ، وإلى آخر ليلة ، سترونأنّ الأحاديث كلّها وإنْ اختلفت ألفاظها ، اختلفت أسانيدها ، اختلفت مداليلها ، لكنّكلّها تصبّ في مصب واحد ، وهو أولويّة علي ، وهو إمامة علي ، وهو خلافة علي بعدرسول الله بلا فصل.

لابدّ وأنّكم تتذكّرون حديث الغدير : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى ، قال : فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه».

نفس المعنى الذي قاله في حديث الغدير ، هونفس المفهوم الذي تجدونه في آية المباهلة ، وبالنظر إلى ما ذكرنا من المقدّمات والممهّدات، التي كلّ واحد منها أمر قطعي أساسي ، لا يمكن الخدشة في شيء ممّا ذكرت.

مع ابن تيمية في آية المباهلة

ولو أنّ مدّعياً يدّعي أو متعصّباً أوجاهلاً يقول كما قال ابن تيميّة في منهاج السنّة (١) بأنّ رسول الله إنّما أخرج هؤلاء معه ،ولم يخرج غيرهم ، يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله غير هؤلاء ، يعترف ابن تيميّة، واعتراف ابن تيميّة في هذه الأيام وفي أوساطنا العلميّة وفي مباحثنا العلميّة لهأثر كبير ، لأن كثيراً من الخصوم يرون ابن تيميّة « شيخ الإسلام » ، إلاّ أنّ بعضكبارهم قال : من قال بأنّ ابن تيميّة شيخ الإسلام فهو كافر !!

المهم ، فابن تيميّة أيضاً يعترف بعدمخروج أحد مع رسول الله في قضية المباهلة غير هؤلاء الاربعة ، يعترف بهذا ، وراجعواكتابه منهاج السنّة ، موجود ، إلاّ أنّه يقول بأنّ عادة العرب في المباهلة

__________________

(١) منهاج السنة ٧ /١٢٢ ـ ١٣٠.

أنّهم كانوا يخرجونأقرب الناس إليهم ، كانوا يخرجون معهم إلى المباهلة من يكون أقرب الناس إليهم ، كانتعادتهم أن يخرجوا الأقرب نسباً وإنْ لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإنْلم يكن ذا منزلة خاصة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى ، يقول هكذا.

لكنّه يعترض على نفسه ويقول : إنْ كانكذلك ، فلم لم يخرج العباس عمّه معه ؟ والعباس في كلمات بعضهم ـ ولربّما نتعرّضإلى بعض تلك الكلمات في حديث الغدير ـ أقرب إلى رسول الله من علي ، فحينئذ لِمَلمْ يخرج معه ؟

يقول في الجواب : صحيحٌ ، لكنْ لم يكنللعباس تلك الصلاحية والقابليّة واللياقة لأن يحضر مثل هذه القضية ، هذا بتعبيريأنا ، لكن راجعوا نصّ عبارته هذا النقل كان بالمعنى ، يقول بأنّ العباس لم يكن فيتلك المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضيّة ، يقول ابن تيميّة فلذا يكون لعلي في هذهالقضية نوع فضيلة.

بهذا المقدار يعترف ، ونغتنم من مثل ابنتيميّة أن يعترف بفضيلة لعلي في هذه القضيّة.

ولو أنّك راجعت الفضل ابن روزبهانالخنجي ، ذلك الذي ردّ كتاب العلاّمة الحلّي بكتاب أسماه إبطال الباطل ، لرأيته في هذا الموضع أيضاً يعترف بثبوت فضيلة لعلي لايشاركها فيها

أحد (١).

نعم ، يقول ابن تيميّة : لم تكن الفضيلةهذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختصّ هذه الفضيلةبعلي.

وهذا كلام مضحك جدّاً ، وهل الحسنانوفاطمة يدّعون التقدم على علي ؟ وهل كان البحث في تفضيل علي على فاطمة والحسنين ، أوكان البحث في تفضيل علي على أبي بكر ؟ أو كان البحث في قبح تقدم المفضول علىالفاضل بحكم العقل ؟

والعجب أنّ ابن تيميّة يعترف في أكثر منموضع من كتابه منهاج السنّة بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، يعترف بهذا المعنى ويلتزم، ولذلك يناقش في فضائل أمير المؤمنين لئلاّ تثبت أفضليّته من الغير.

ثمّ مضافاً إلى كلّ هذا ، ترون في قضيّةالمباهلة أنّ رسول الله يقول لعلي وفاطمة والحسنين : « إذا أنا دعوت فأمّنوا » (٢) ، أي فقولوا آمين ، وأيّ تأثير لقولهؤلاء آمين ، أن يقولوا لله سبحانه وتعالى بعد دعاء رسول الله على النصارى أنيقولوا آمين ، أيّ تأثير لقول هؤلاء ؟ ألم يكف دعاء رسول الله على النصارى حتّىيقول

__________________

(١) أنظر : إحقاقالحق ٣ / ٦٢.

(٢) الكشاف ١ / ٣٦٨، الخازن ١ / ٢٤٣ ، وغيرهما.

رسول الله لفاطمةوالحسنين وهما صغيران أن يقول لهم قولوا آمين ؟

خاتمة المطاف

إذن ، كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم فيتقدّم الإسلام ، كان علي شريكاً لرسول الله في رسالته.

وهذا معنى (فَأَرْسِلْهُمَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ) (١)، فهارون كان ردءاً يصدّق موسى في رسالته ، وهارون كان شريكاً لموسى في رسالته.

وهذا معنى : « أنت منّي بمنزلة هارون منموسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي » ، وقد قلت من قبل : إنّ الأحاديث هذه كلّها تصب فيمصبّ واحد ، ترى بعضها يصدّق بعضاً ، ترى الآية تصدّق الحديث ، وترى الحديث يصدّقالقرآن الكريم ، وهكذا الأمر فيما يتعلّق بأهل البيت :

__________________

(١) سورة القصص : ٣٤.

رسول الله يجمع أهلهتحت الكساء فتنزل الآية المباركة آية التطهير ، وفي يوم الغدير ينصب عليّاً ويعلنعن إمامته في ذلك الملأ فتنزل الآية المباركة : (الْيَوْمَأَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١).

وأي ارتباط هذا بين أفعال رسول الله والآياتالقرآنيّة النازلة في تلك المواقف ، ترون الارتباط الوثيق ، يقول الله سبحانه وتعالى: ( قُلْ تَعَالَوْانَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَاوَأَنفُسَكُمْ ) ويخرج رسول الله بعلي وفاطمة والحسنوالحسين فقط ، وهذا هو الإرتباط بين الوحي وبين أفعال رسول الله وأقواله.

إذن ، فالآية المباركة غاية ما دلّتعليه هو الأمر بالمباهلة ، وقد عرفنا معنى المباهلة ، لكن الحديث دلّ على خروج عليوفاطمة والحسن والحسين مع رسول الله.

الآية المباركة ليس فيها إلاّ كلمة : ( وَأَنفُسَكُمْ) لكن الحديث فسّرتفسيراً عملياً هذه الكلمة من الآية المباركة ، وأصبح علي نفس رسول الله ، ليس نفسرسول الله بالمعنى الحقيقي ، فكان كرسول الله ، كنفس رسول الله ، فكان مساوياًلرسول الله ، ولهذا أيضاً شواهد أُخرى ، شواهد أُخرى من الحديث في مواضع كثيرة.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

يقول رسول الله مهدّداً إحدى القبائل : «لتنتهنّ أو لأرسل إليكم رجلاً كنفسي » ، وكذا ترون في قضيّة إبلاغ سورة البراءة ، إنّهبعد عودة أبي بكر يقول : بأنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بأنّه لا يبلّغ السورةإلاّ هو أو رجل منه ، ويقول في قضيّة : « علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي» ، وهو حديث آخر ، وهكذا أحاديث أُخرى يصدّق بعضها بعضاً.

إلى هنا ينتهي البحث عن دلالة آيةالمباهلة على إمامة أمير المؤمنين 7، وإنْ شئتم المزيد فهناك كتب أصحابنا من الشافي للسيد المرتضى ، وتلخيص الشافي ، وكتابالصراط المستقيم للبيّاضي ، وكتب العلاّمة الحلّي رحمة الله عليه ، وأيضاً كتبأُخرى مؤلّفة في هذا الموضوع.

ولي ـ والحمد لله ـ رسالة في هذاالموضوع أيضاً ، وتلك الرسالة مطبوعة ، ومن شاء التفصيل فليراجع.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآلهالطاهرين.

آية المباهلة
المؤلف: السيّد علي الحسيني الميلاني الصفحات: 37 ISBN: 964-319-248-2

Copyright © 1998-2011 rafed.net. شبكة رافـد للتنمية الثقافية.