ابصار العين  في انصار الحسين  «عليه وعليهم السلام»

اسم الکتاب : ابصار العين في انصار الحسين «عليه وعليهم السلام»

المؤلف : الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي رحمه الله
المطبعة : الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية

 

 

 

(2)

 

حياة المؤلف

هو الشيخ محمد بن الشيخ طاهر بن حبيب بن حسين بن محسن بن تركي الفضلي(1) الشهير بالسماوي.

من أعلام الأدب والتاريخ والقضاء

ولادته ونشأته وهجرته

ولد في السماوة(2) يوم ۲۷ ذي الحجة سنة ۱۲۹۲ هـ(3)/ 1876م، وبقي فيها مع والديه عشر سنين، ودرس فيها مقدمات العلوم.

ثم هاجر إلى النجف في عام 1304هـ لإكال تحصيله العلمي، فحضر على يد جملة من أعلام عصره أمثال الشيخ شکر بن أحمد البغدادي، والعلامة الشيخ عبدالله القطيفي، والشيخ أغا رضا الأصفهاني، والشيخ علي بن الشيخ باقر الجواهري، وعلى عمه الشيخ حسن بن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، وعلى الأغا رضا الهمداني، والسيد محمد الهندي، والشيخ محمد طه نجف، والشيخ محمد حسن المامقاني، والشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الأصفهاني، وعلى نحو خمسين شيخاً من الأكابر(4).

_____________

(1) نسبة لآل الفضل، وهم أحد أحلاف المنتفك.

(۲) السماوة: مدينة عراقية تقع على حاقة صحراء الشامية يمر بها نهر الفرات بين محافظتي القادسية وذي قار،وهي مركز محافظة المثنى.

(۳) ورد في الأدب العصري: 15۱ أن ولادته كانت عام ۱۲۹۳هـ.

(4) مقدمة الكواكب السماوية.

 

 

(3)

إجازاته العلمية

وقد أجازه بالاجتهاد من أساتذته الشيخ علي بن الشيخ باقر الجواهري، والسيد محمد الهندي، والسيد حسن الصدر الكاظمي.

وهو يروي عن جميع أساتذته المذكورين.

ويروي عنه بالإجازة العلامة المفضال السيد محمد صادق بحر العلوم، والدكتور حسين علي محفوظ.

مكث في النجف الأشرف عشر سنين بعد وفاة أبيه سنة ۱۳۱۲هـ ثم عاد إلى السماوة - مسقط رأسه - فبقي فيها من سنة ۱۳۲۲هـ حتى سنة ۱۳۳۰هـ.

أي إن مدة دراسته في النجف الأشرف کانت من عام  1304  إلى ۱۳۲۲هـ ثم طلب من بغداد فعين عضواً في مجلس الولاية «أنجمن الولاية» ومكث فيها قرابة أربع سنوات حتى سقوط بغداد بيد الجيش البريطاني، عندها عين قاضياً فيها فبقي طيلة زمن الاحتلال وعامين من الحكم الوطني.

نقله إلى النجف

بعد سقوط بغداد عين قاضياً في النجف، عند ذلك عاد إليها وسكنها(۱) من عام ۱۳۲۳هـ.

العودة إلى بغداد

ثم نقل إلى بغداد فبقي فيها عشر سنين بين القضاء والتمييز الشرعي .

ثم نقل قاضياً إلى النجف بطلب منه، وبقي فيها مدة سنة، ونشب بينه وبين

______________

(۱) مقدمة الكواكب السماوية، وفي شعراء الغري 10/476 «نقل إلى كربلاء» وليس إلى النجف.

 

(4)

السيد محمد الصدر سوء تفاهم أدى إلى استقالته وصادف في غضون ذلك صدور قانون تنسيق الموظفين الذين لا يرغب في بقائهم.

وفيه يقول الشيخ محمد علي اليعقوبي:

قل للسماوي الــــــذي          فلك الزمان به يـــــــــدور

الناس تضربها الذيول                 وأنت تضربك الصدور(۱)

عندها تفرغ للكتابة والبحث والتأليف والنسخ.

عمله في الحقل الصحفي

اشتغل السماوي في الصحافة في أواخر العهد العثاني حتى سقوط بغداد محرر في جريدة (الزوراء) الرسمية، وكانت تصدر باللغتين التركية والعربية، فبقي فيها سنتين.

مؤلفاته

۱ - إبصار العين في أحوال أنصار الحسين «عليه السلام». طبع المكتبة الحيدرية في النجف.

۲ - اجتماع الشمل بعلم الرمل.

٣- أجمل الآداب في نظم كتاب ابن داب في فضائل أميرالمؤمنين «عليه السلام» وهو منظومة في ۲۰۰ بیت.

4 - البلغة في البلاغة. ذكره صاحب الذريعة 3/147.

5- بلوغ الأمة في تأريخ النبي والأئمة. منظومة في ۱۲۰ بیت.

٦- التذكرة في ملك العراق إلى العصر الحاضر. منظومة وهي تكملة الخبرة الابن الجهم في ۱۷۰ بیت، فتم بـ5۰۰ بیت.

۷- الترصيف في علم التصريف. ذكره صاحب الذريعة 4/169.

_________________

(۱) شعراء الغري 10/476.

 

(5)

۸- ثمرة الشجرة في مدائح العترة الطهرة . طبع مطبعة الآداب ببغداد ۱۳۲۱ هـ.

۹- جذوة السلام في مسائل علم الكلام. ذكره صاحب الذريعة 5/۹۳.

۱۰- حاشية على التحفة الآلوسية.

۱۱- ديوان شعره: يقع في أكثر من 4000 بیت، اختصر فيه على النواحي الدينية، نظمه في الصبا وعلاقته مع الأسر. محفوظة لدى أحفاده، نسخة مصورة منه في مكتبة الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» العامة في النجف الأشرف.

۱۲- رياض الأزهار. مجموع شعري له في النبي والأئمة الأطهار «عليهم السلام». ذكره صاحب الذريعة 11/۳۱۸.

1۳- سنا الآفاق في الأوفاق.

14- صدى الفؤاد في تأريخ بلد الكاظم والجواد. منظومة في ۱۱۲۰ بیت. طبعت بطبعة الغري في النجف 136۰هـ/ 194۱م.

15- الطليعة من شعراء الشيعة.

16- ظرافة الأحلام فيمن رأى أحد المعصومين في المنام. طبع في المطبعة الحيدرية في النجف 136۰هـ/ 194۱م يقع في ۹۲ صفحة.

۱۷- عنوان الشرف في تأريخ النجف. منظومة في 15۰۰ بیت. طبعت بمطبعة الغري في النجف 1360هـ/ 1941م.

۱۸- غنية الطلاب في الإصطرلاب. ذكره صاحب الذيعة 16/67.

19- فرائد الأسلاك في علم الأفلاك. ذكره صاحب الذريعة 16/132.

۲۰- قرط السمع في الربع المجيب.

۲۱- الكواكب السماوية في شرح قصيدة الفرزدق العلوية. طبع في مطبعة المكتبة المرتضوية - النجف 1360هـ، تقع في ۲۷۲ صفحة.

۲۲- مجالي اللطف في تأريخ الطف.

 

(6)

۲۳ - مجموع نخاميس للعلويات والكرارية وقصيدة الأشباه.

24- مشارق الشمسين في الطبيعي والإلهي.

25- ملتقطات الصحو في النحو.

26- مناهج الوصول إلى علم الأصول.

۲۷- النيل الوافر في الجفر.

۲۸- نظم السمط في علم الخط.

۲۹- وشائح السراء في شأن سامراء.

أقوال العلماء فيه

قال الشيخ جعفر النقدي في ترجمته له ب «الروض النضير»:

«فاضل بسقت دوحة فنونه في رياض الفضائل، وجرت جداول عيونه في غضون الكمالات، ينبئك عن جلیل قدره وسمو مكانه قول أستاذه السيد إبراهيم الطباطبائي وكانت له علقة به(۱):

«... عرفته منذ أن نشأت، وكان في بغداد، وله صدى في نفس كل من يتذوق الآثار وجمعها والاستفادة منها، وكنت كثير التشوق لحديثه والجلوس معه، فقد كان يمثل الباحث المتبع، ويروي القصص النادرة، ويوقفك على كثير من النكات المستملحة، وكان رفيق الحديث، حلو المفاكهة، يجيد النقل ويتنوع فيه، وقد اطلع على مجموعة كبيرة من كتب الأخبار والنوادر، وحصل على قسم وافر من المجاميع التي ندرت عند غيره، وكان له سلوك مستقل و ذوق خاص (۲)».

_______________

(1) الروض النضير:-خ-246.

(۲) شعراء الغري 10/478-479.

 

(7)

شعره

نظم المترجم له الشعر في أيام الشباب وأكثر منه في الغزل والإخوانيات ثم تركه، ولم يعد ينظم غير مدائح النبي (ص) وقد طبع له من ذلك مجموعات ومنظومات.

مكتبته واستنساخاته

أشهر ما عرف به الشيخ السماوي هو جمعه للكتب، فقد تمت فيه هذه الروح منذ أول عهد الشباب، ونشطه على ذلك الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالرسول المتوفي ۱۳۳۱هـ حيث جمع مكتبة نادرة عبثت بها يد جاهلة، كما تعرضت للتلف إبان احتلال مدينة السماوة من قبل الحملة العسكرية البريطانية عليها.

استمر السماوي يجمع الكتب وأكثرها ما يكتبه بخطه، فقد كتب أكثر من مائتين وستين كتاباً، وأول كتاب خطه هو (مضامير الامتحان) للسيد مهدي القزويني المتوفي سنة ۱۳۰۰هـ وكان عمره يومذاك اثنتى عشرة سنة، ثم تتبع النوادر من المخطوطات، ولما حسنت حاله أخذ يجمع أمهات الكتب المطبوعة والمراجع والموسوعات حتى نالت شهرة واسعة عبرت بها الشرق، وقد كتب عنها المعنيون بالآثار أمثال جرجي زيدان في كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية).

كان السماوي مرجعاً فذاً في تثمين الكتب القديمة، ومظان وجودها، بل كان «فهرساً» يحتاجه المؤلفون لمعرفة بحوثهم، ومواضيعها، حين يريدون الإحاطة التامة بما يبحثون عنه - وقد جاءته هذه الملكة في إفناء عمره الطويل في جمع هذه المكتبة ومخطوطاتها بصورة خاصة. وللكتاب في نفسه منزلة ما حاكاها شيء معزة، وحباً، وتقدیساً.

ولقد روى الراوون عنه على سبيل الفكاهة قوله: إنه عمل قاضياً أكثر من

 

(8)

ثلاثين سنة، وكان يجنب نفسه الاتصال بغير أصدقائه الخلص، المتقين، وكان يرفض قبول أية هدية من أي شخص، حتى وإن لم تكن له حاجة في المحكمة، حذراً من أن تشوب حكمه شائبة من العواطف، قال: لقد حاول الكثير إغرائي بشتى الطرق فلم يفلحوا لأنهم لم يكتشفوا نقطة الضعف في نفسي، ولو عرفوا قيمة الكتب عندي ومنزلتها في نفسي لأفسدوالي برشوة الكتب كل أحكامي ...

وكم حاول السماوي أن يبيع مكتبته بأجمعها - وهي يومذاك يبلغ عدد كتبها نحو 6۰۰۰ کتاب - و توقف وقفاً محبساً.

وفاته

توفي بالنجف في ۲ محرم الحرام سنة ۱۳۷۰هـ الموافق 14/10/1950مودفن في الصحن الشريف بالغرفة التي فيها قبر الشيخ جواد البلاغي بالقرب من باب الفرج.

وقد أعقب - رحمه الله - ولداً توفي في حياته إسمه عبدالرزاق، وبنتاً تزوجها الشيخ جواد الحميدي.

أما ولده عبدالرزاق فقد أعقب خمسة أولاد.

***

والكتاب الذي بين أيدينا طبع لأول مرة في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف على عهد والدنا المغفور له محمد کاظم الكتبي الذي تغمده الله برحمته الواسعة في قم المقدسة عش آل محمد (ص)، ووفاءاً لخدمات الوالد أعدنا طبعه بهذه الطبعة المنقحة المفهرسة راجياً من الله العلي القدير أن يسدد خطانا لخدمة طائفتنا الحقة وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجه الله إنه سميع مجيب.

 

(9)

عملنا في الكتاب

قمنا بتصحيح الكتاب وضبطه ما أمكن مع عمل فهارس للكتاب، وأوردنا ما تحت «ضبط الغريب» في هامش متن الكتاب ليسهل على القارئ العزيز الإستفادة منه. ومن الله السداد والتوفيق.

محمد صادق الكتبي 

 

(10)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله الذي امتحن العباد ليبلوهم ايهم احسن عملاً؛ فمنهم من وفي الله بالعهد والميعاد، ومنهم من خان فخاب املاً. واصلى واسلم على رسوله الذي ارسله بالحق بشيراً ونذيراً الى الملا، واله سادات الخلق؛ الذين كل واحد منهم في العلى ابن جلا، واخص بالتحية شهید كربلاء، وانصاره النبلاء.

اما بعد؛ فاني كنت شديد التطلع إلى معرفة اعيان انصار الحسين، كثير التشوف والتشوق إلى تراجمهم لاعرفهم معرفة عين، فلذلك تراني منذ عشر سنوات اتصفح كتب الرجال والمقاتل والغارات، واتطلبها تطلب الطير للاقوات في الابتياع والاستعارات، والتقط من كل كتاب ثمرة الغراب، حتى تمت لي تراجم اولئك الانجاب الأ ما شذ ولم اعثر عليه بخيل ولا ركاب، فاخرجتها من السوادالى البياض، وضبطت في آخر كل ترجمة ماوقع فيها من الغريب. ليسلم الأديب من الاعتراض، وسميتها «ابصار العين في انصار الحسین» ورتبتها على فاتحة اذكر فيها أحوال الحسين على الاختصار ومقاصد اذكر فيها قبيلة قبيلة ومن انتسب لها من الأنصار، وخاتمة اذكر فيها ترتیب اسمائهم على حروف المعجم ليسهل استخراج كل مترجم، وخدمت بالكتاب حجة الله في أرضه وسمائه، وعنوان قدسه المشتق اسمه من عظيم اسمائه، ريحانة الرسول وقرةعين البتول، وثمرة قلب الوصی وشقيق الزکي، أحد الثقلين وحبیب خيرة الثقلين ابا عبد الله الحسين صلوات الله عليه وسلامه ورضوانه وإكرامه فان حاز القبول فهو المأمول.

يا نســــــــيم القبـول بالله بالشو                ق بحسن اللقا بطيب الوصــــــــول

هب نحوي فالروض ازهر من                سقيا دموعي واحتاج محض القبول

 

(11)

.

الفاتحة

في أحوال أبي عبدالله الحسين «عليه السلام» إجمالاً من ولادته إلى قتله

الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم، أبو عبدالله، ولد «عليه السلام» لثلاث أو خمس من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد الحسن«عليه السلام»، فجائت به أمه فاطمة بنت رسول الله (ص) إلى أبيها فسماه الحسين، وعق عنه كبشاً، بقي في بطن أمه ستة أشهر کیحیی بن زکریا على ما تناصرت به الأخبار، وبقي مع جده ثماني سنين، ومع أبيه ثماني وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن «عليه السلام» ثماني وأربعين سنة على التقريب، وبعد أخيه عشر سنين، وقتل صلوات الله عليه سنة إحدى وستين؛ فيكون عمره ثماني وخمسين سنة إلا ثمانية أشهر تنقص أياماً.

وكان حبيباً إلى جده وأبيه وأمه، لمحبة أبيه له لم يدعه ولا- أخاه الحسن يحاربان في البصرة ولا في صفين ولا في النهروان، وقد حضرا الجميع.

وكانت إمامته «عليه السلام» لا ثابتة بالنص الصريح من جده رسول الله (ص) حيث قال فيه وفي أخيه: الحسن والحسين إمامان؛ قاما أو قعدا. فكان سكوته عن حقه في زمن الحسن لأن الحسن إمام عليه ، وبعده للعهد الذي عاهد عليه معاوية الحسن «عليه السلام» فوفي به، أو لغير ذلك مما يعلمه هو «عليه السلام».

ولما توفي معاوية في نصف رجب سنة ستين وخلف ولده يزيد، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وكان على المدينة من قبل معاوية - أن يأخذ له البيعة من الحسين وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر، ففر العبدان وامتنع الحسين «عليه السلام»، وكان ذلك في أواخر رجب. ثم مازال مروان بن الحكم يغري الوليد بالحسين «عليه السلام» حتى خرج الحسين «عليه السلام» من المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب،

 

(12)

وخرج معه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، فتوجه إلى مكة وهو يتلو: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(1)، ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت كما فعل ابن الزبير کیلا يلحقك الطلب، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض. ودخل مكة لثلاث مضين من شعبان وهو يتلو: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)(2) ثم نزل الأبطح فجعل أهل مكة ومن كان بها من المعتمرين يختلفون عليه وفيهم ابن الزبير.

قال أهل السير: ولما بلغ هلاك معاوية أهل الكوفة أرجفوا بیزید وعرفوا خبر الحسين «عليه السلام» وامتناعه وخروجه إلى مكة، فاجتمعت الشيعة في دار سلیمان بن صرد(3) الخزاعي فذكروا ما كان وتؤامروا على أن يكتبوا للحسين بالقدوم إليهم، وخطبت بذلك خطباؤهم، فكتبوا إليه كتباً وسرحوها مع عبدالله بن مسمع(4) وعبدالله بن وال(5) وأمروهما بالنجاء(6)، فجدا حتى دخلا مكة لعشر مضين من شهر رمضان، ثم كتبوا إليه بعد يومين وسرحوا الكتب مع قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي، ثم كتبوا إليه بعد يومين آخرين وسرحوا الكتب مع هاني بن هاني السبيعي(7) وسعيد بن عبدالله الحنفي حتى بلغت الكتب إثني عشر ألفاً، وهي تنطوي على الاستبشار بهلاك معاوية والاستخفاف بيزيد وطلب قدومه والعهد له ببذله النفس والنفيس دونه.

____________

(1) القصص: ۲۱.

(۲) القصص: ۲۲.

(۳) - بضم السين وفتح الراء - الخزاعي، من مشايخ الشيعة التوابين، قتل بعين الوردة.

(4) - بوزن المنبر - الهمداني السبيعي ، له ذكر في التوابين.

(5) التيمي، من تیم بكر بن وائل، له شرف، قتل بعين الوردة في التوابين مع سليمان بن صرد.

(6) النجا: السرعة.

(۷) - بضم السين مصغر سبع - بطن من همدان، وله ذكر في التوابين.

 

(13)

وكان من المكاتبين: حبیب بن مظهر، ومسلم بن عوسجة، وسليمان بن صرد، ورفاعة بن شداد(1)، والمسيب بن نجبة(2)، وشبث بن ربعي(3)، وحجار بن أبجر(4)، ویزید ابن الحرث بن رويم(5)، وعزرة بن قيس(6)، وعمرو بن الحجاج،

______________

(1) - بضم راء رفاعة وتشديد دال شداد - البجلي ، من الشيعة التوابين، خرج في حرب مع اليمانين بالكوفة فسمعهم يقولون: یالثارات عثمان، فعطف عليهم يضرب بسيفه فيهم ويغوص في أوساطهم وهو يقول:

أنا ابن شداد على دين علي            لست لعثمان بن أروي بولي

إلى أن قتل ، وله ذكر مع مالك بن الأشتر في تجهيز أبي ذر بالربذة.

(۲) - بضم ميم مسيب وفتح يائه المشددة وفتح نون نجبة وجيمها وبائها المفردة - الفزاري، له شرف وریاسة، قتل بعين الوردة في التوابين، والظاهر من حال هؤلاء أنهم منعوا من الخروج إلى الطف وحبسوا مع جملة من الشيعة كالمختار وغيره.

(3) - بفتح الشين المعجمة والباء المفردة ثم ثاء مثلثة وكسر راء ربعي وسكون بائه المفردة - بن حصن التميمي الرياحي، كان مؤذن سجاح المتنبة فما ذكره الدار قطني، ثم أسلم وصار من أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام»، ثم تحول بعد صفين خارجياً، وولده عبد القدوس المعروف بأبي الهندي الشاعر الزنديق السكير، وسبطه صالح بن عبد القدوس الزنديق الذي قتله المهدي على الزندقة وصلبه على جسر بغداد.

(4) - بالحاء المهملة والجيم المشددة والراء المهملة في حجار، والباء والجيم المعجمتين والراء المهملة في أبجر - ابن جابر العجلي، ولحجار سمعة، و أبوه أبجر نصراني مات على النصرانية بالكوفة فشيعه بالكوفة النصارى لأجله والمسلمون لأجل ولده إلى الجبانة، فمر بهم عبدالرحمن بن ملجم فقال : ما هذا؟ فأخبروه، فقال:

لئن كان حجار بن أبجر مسلماً                لقد بوعدت منه جنازة أبــــــجر

وإن كان حجار بن أبجر کافراً                فما مثل هذا من كفور بمنـــــکر

فلولا الذي أنوي لفرقت جمعهم               بأبيض مصقول الغرارین مشهر

وكان عازماً على قتل أميرالمؤمنين «عليه السلام» مشتملاً على السيف الذي ضربه به.

(5) بن یزید بن رويم - بضم الراء المهملة وفتح الواو - من رويم الشيباني، وكان أبوه الحرث من أصحاب أميرالمؤمنين علي «عليه السلام»، مرض الحرث فعاده وقال له: إن عندي جارية لطيفة الخدمة لمرضك فأعطاه إياه فسماها لطيفة، ولدت له يزيد هذا، فكان يقال له: ابن لطيفة، وكان عثمانياً رأيه، أموياً وده، قتل بالري أيام مصعب بن الزبير، قتله الخوارج.  

(6) الأحمسي - بفتح العين المهملة وسكون الزاء المعجمة وبعدها الراء المهملة - وصحفه من لم يضبطه بعروة.

 

(14)

ومحمد بن عمير(1)، وأمثالهم من الوجوه.

وبلغ أهل البصرة ما عليه أهل الكوفة، فاجتمعت الشيعة في دار مارية بنت منقذ العبدي وكانت من الشيعة فتذاكروا أمر الإمامة وما آل إليه الأمر، فأجمع رأي بعض على الخروج فخرج، وكتب بعض بطلب القدوم.

فلما رأى الحسين «عليه السلام» ذلك دعا مسلم بن عقيل وأمره بالرحيل إلى الكوفة وأوصاه بما يجب، وكتب معه إلى أهل الكوفة:

أما بعد؛ فإن هانياً وسعيداً قدما على بكتبكم وكانا آخر من قيم علي من رسلكم، وقد فهمت ما اقتصصتم من مقالة جلكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والهدى، وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل؛ فإن كتب إلى أنه قد اجتمع رأي ملكم وذوي الحجی والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكة إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدین الحق، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام.

وسرح مع مسلم قيس بن مسهر وعبد الرحمن بن عبدالله وجملة من الرسل منهم عمارة بن عبدالله، فرحل مسلم بن عقيل من مكة ومر بالمدينة ثم خرج منها إلى العراق وأخذ معه دليلين من قيس، فجارا عن الطريق(2) حتى عطشا ثم أومئا له

___________

(1) بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي، وحاجب هو صاحب القوس المرهون عند کسری.

(۲) جار بالجيم أي ضل وعدل عن الاستقامة من الجور.

 

(15)

على السنن و ماتا عطشاً، فتطير مسلم وكتب بذلك إلى الحسين من المضيق(۱) وسرح بكتابه مع قيس بن مسهر، فأجابه الحسين بالحث على المسير، فسار حتى دخل الكوفة فنزل على المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فهرع إليه أهل الكوفة وبايعه ثمانية عشر ألفاً، فكتب بذلك إلى الحسين مع قيس بن مسهر.

وكتب الحسين إلى رؤساء الأخماس(2) في البصرة وإلى أشرافها مع سليمان مولاه، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري(3)، وإلى الأحنف بن قيس(4)، وإلى المنذر بن الجارود(5)، وإلى مسعود بن عمرو(6)، وإلى قيس بن الهيثم(7)، وإلى عمرو بن عبیدالله بن معمر(8) بنسخة واحدة:

أما بعد؛ فإن الله اصطفى محمداً (ص) على خلقه، وأكرمه بنبوته،

___________

(1) ماء لكلب وهو في الأصل ما ضاق من الوادي المتسع، وهذا الماء في ذلك الموضع من بطن خبت – بفتح خاء خبت المعجمة وسكون بائها المفردة تحت والتاء المثناة فوق - وأصل خبت واقع حوالي المدينة إلى جهة مكة، فكان الدليلين ضلا حتى مالا إلى جهة مكة.

(۲) أخماس البصرة العالية وبكر بن وائل وتميم وعبد قيس والأزد.

(3) - بوزن منبر - البكري، سید بکر بن وائل.

(4) المشهور بالحلم التميمي، سيد تميم.

(5) العبدي، سيد عبد قيس، وكان عبيدالله بن زیاد تزوج أخته بحرية، وله شرف وذكر في الحروب والمغازي.

(6) الأزدي الفهمي، سيد الأزد، و بسبب قتله قامت حرب البصرة بعد هلاك يزيد، وهو الذي منع من قتل عبیدالله بن زیاد يومئذ، ويكنى بأبي قيس، وله شرف، وهو الذي جمع الناس وخطبهم لنصرة الحسين فلم يتوفق. ويمضي في كتب المقاتل أنه يزيد بن مسعود النهشلي وهذا تميمي يكنى بأبي خالد وليس من رؤساء الأخماس، ولعله مکتوب إليه أيضا، والذي يستظهر من الخطبة والكتاب إلى الحسين «عليه السلام» في أن الذي جمع الناس هذا لا مسعود، ولكن الطبري وغيره من المؤرخين لم يذكروا الثاني.

(۷) - بفتح هاء هیثم وسكون الياء المثناة تحت وبالثاء المثلثة - بن أسماء بن الصلت السلمي، سيد أهل العالية، وله شرف وذكر في حرب البصرة.

(۸) بن معمر - بوزن مقعد - التیمي، تیم قریش، وهذا كان في البصرة، وله شرف.

 

(16)

واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به (ص)، وكنا أهله وأولياؤه وأوصياؤه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فأغضينا كراهيةً للفرقة ومحبة للعافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممتن تولاه، وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (ص) فإن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت؛ فإن تسمعوا قولي و تطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام.

فأخبر بالكتاب المنذر، وأتى بالرسول إلى ابن زیاد، وكان ابن زیاد في البصرة والنعمان بن بشير الأنصاري في الكوفة عاملين عليها ليزيد، فتعتع الشيعة عند ورود مسلم الكوفة بالنعمان فلم يحب الشدة وتحرج، فكتب جماعة من العثمانية إلى یزید فعزله وأعطى المصرين إلى عبیدالله بن زياد، فلما قرأ الكتاب ونظر الرسول قتله، وجعل أخاه عثمان على البصرة وتوعدها، وخرج من الكوفة ومعه شريك ابن الأعور(1)- وكان قد جاء من خراسان معزولاً عن عمله علیها - ومسلم بن عمرو الباهلي(2) - وكان رسول يزيد إلى عبید الله بولاية المصرين - وحصين بن تميم التميمي(3) - وكان صاحبه الذي يعتمد عليه - وجعل شريك يتمارض في الطريق

___________

(1) - بفتح شين شريك - بن الحرث الهمداني ، من المعروفين بالتشيع ، ومن أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام» والمقاتلين بين يديه في حروبه، ولي الأعمال بعده لآل أمية، فأما أبوه الحرث الأعور فن خواص أميرالمؤمنين «عليه السلام» كما هو معلوم

(۲) الباهلي، هذا أبو قتيبة بن مسلم صاحب خراسان و فارس الحرون الذي جل خيل العرب من نسله إلى مدة مأتي سنة، وكان مسلم رسول یزید لعبید الله في ولاية المصرين وعزل النعمان، فاستصحبه. ويمضي في بعض الكتب أنه مسلم بن عقبة المري وهو غلط فإن ذلك شامي لم يكن له في حرب الكوفة يد وإنما تولى حرب المدينة المعروف بجرب الحرة ليزيد.

(۳) - بضم الحاء المهملة وفتح الصاد والياء آخر الحروف والنون - بن تميم ابن أسامة بن زهير بن درید =

 

(17)

ليحسبه عن الجد فيدخل الحسين الكوفة، فما عاج عليه وتقدم حتى دخلها ونظم مسالحها على ضفة الطف(1) من البصرة إلى القادسية(2).

        ولما جاء كتاب مسلم إلى الحسين، عزم على الخروج، فجمع أصحابه في الليلة الثامنة من ذي الحجة فخطبهم فقال:

الحمد الله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة(3) على جيد الفتاة، وما أوهلني(4) إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي(5) مصرع أنا لاقيه، فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات(6) بين النواويس(7) وكربلا فيملأن مني أكراشاً

______________

= التميمي، صاحب شرطة عبيدالله، ويمضي في بعض الكتب حصين بن نمير السكوني وهو غلط فاحش فإن ذلك عند يزيد حارب به أهل المدينة ومكة وله في محاربة عين الوردة رياسة أهل الشام وسمعة.

(1) – بفتح الضاد وتشديد الفاء – جانبة، والطف شاطئ النهر ويطلق على جانب نهر الفرات الجنوبي من البصرة إلى هيت، ويخض بالموضع الذي قتل فيه الحسين «عليه السلام».

(2) موضع معروف من منازل الحاج عند الكوفة، بينه وبينها خمسة عشر فرسخاً.

(3) يعني موضع خط القلادة وهي في الحقيقة الجلد المستدير من الجيد، فكما أن ذلك الجلد لازم على الرقبة كذلك الموت على ولد آدم، هذا إذا قلنا ان مخط أسم مكان، وإن قلنا أنه إسم مصدر بمعنى خط فيعني به أن الموت دائرة لا يخرج ابن آدم من وسطها كما أن القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها في حال تقلده.

(4) يعني ما أشد شوقي، والوله شدة الشوق.

(5) يعني خار الله لي مصرعاً أي اختار. ويمضي على بعض الألسنة وفي بعض الكتب خير بالتشديد وهو غلط فاحش.

(6) – بضم العين وسكون السين – جمع عاسل وهو المهتز والمضطرب، يقال للرمح وللذئب وأمثالها، والمراد هنا المعني الثاني.

لا يقال: أن العسلان لا تتسلط على أوصال صفوة الله لطفاً من الله وإيثاراً له.

لأنا نقول: إن الكلام جرى على القواعد العربية والأساليب الفصيحة كما يقول قائلهم: عندي جفنة يقعد فيها الخمسة يعني لو كانت مما يفعل به ذلك لقعد خمسة رجال، فيكون معنى الكلام: أو جاز على أوصالي لفعل بها، وهذا كناية عن قتله وتركه بالعراء.

(7) جمع ناوس في الأصل وهو القبر للنصراني، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلا.د

(18)

جوفاً(1) وأجربةً سغباً(2)، لا محيص عن يوم ځط بالقلم، رضاء الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفینا أجور الصابرين، ولن تشذ(۳) عن رسول الله (ص) له لحمته(4) وهي مجموعة في حظيرة القدس(5) تقر بهم عينه وينجز بهم وعده؛ فمن كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل فإني راحل مصبحاً إنشاء الله.

ثم أصبح فسار، فمانعه ابن عباس وابن الزبير فلم يمتنع، ومر بالتنعيم(6) فمانعه ابن عمر وكان على ماء له فلم يمتنع، ومر بوادي العقيق(7) ثم سار منه فأرسل إليه عبدالله بن جعفر ابنیه وكتب إليه بالرجوع فلم يمتنع، وسار مغذاً(8) لا يلوي على شيء حتى نزل ذات عرق(9) فتبعه منها رجال، ثم نزل الحاجر من بطن الرمة(۱۰) فبعث قیساً إلى مسلم بكتاب يخبر به أهل الكوفة عن قدومه، ثم سار فمر

_____________

(1) - بضم الجيم وسكون الواو - جمع جوفاء و هي الواسعة، ويجري على بعض الألسن تحريك الواو أو تشدیدها وهو غلط.

(۲) أجربة جمع جراب كأغلمة وغلام والمراد به البطن مجازاً، وسغباً - بضمتين - جمع السغب وهو الجوع. ورأيت في نسخة «أحوية» فكأنه جمع لحوية البطن وهي أمعاؤها والمعروف حوایا، فإن وردت أحوية فما أحسبها إلا خيراً من أجربة.

(۳) لن تنفرد و تفرق.

(4) - بضم اللام - وهي القرابة.

(5) إسم الجنة أو إسم موضع شريف منها.

(6) موضع على أربعة فراسخ من مكة في الحل.

(۷) موضع عند المدينة وفيه أرض لابن الزبير ولغيره .

(۸) مسرعاً، من أغذ بالسير إذا أسرع.

(9) - بكسر العين - موضع يتصل بعرق وهو جبل حاجز بين تهامة ونجد.

(۱۰) الحاجر - بالحاء المهملة والجيم والراء المهملة - موضع وأصله ما أمسك شفة الوادي ، والرمة - بضم الراء المهملة والتشديد وقد يخقف - واد متسع في طريق مكة تنزل بطنه بنو کلاب فبنو عبس فبنو أسد.

 

(19)

بالثعلبية(1) فزرود(2)، فبلغه خبر مسلم وهاني وقيس، ثم سار فمر بزبالة(۳) فأخبر بعبدالله ابن يقطر، فخطب أصحابه وأعلمهم بما كان من أمر مسلم وهاني وقيس وعبدالله، وأذن لهم بالانصراف، فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً إلا من كان من أهل بيته وصفوته.

ثم سار فمر ببطن العقبة(4) فنزل شراف(5) وبات بها، فلا أصبح سار فطلعت خیل عليهم فلجأ إلى ذي حسم(6) فإذا هو الحر بن يزيد في ألف فارس مانعه عن المسير بأمره وقد بعثه الحصين بن تميم التميمي وكان على مسلحة الطف التي نظمها ابن زیاد من البصرة إلى القادسية، فصلى بهم الحسين الظهر، ثم خطبهم فقال:

أيها الناس! إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت على رسلكم أن أقدم إلينا فإنه ليس علينا إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق، فإن کنتم على ذلك فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي کارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم.

        فسكتوا عنه، ثم صلى بهم العصر فخطبهم فقال:

___________

(1) - بالثاء المثلثة والعين المهملة والباء المفردة والياء المثناة تحت - موضع في طريق مكة يقال هو ثلثا الطريق من الكوفة.

(۲) موضع عند الثعلبية، بينها وبين الخزيمية.

(3) - بضم الزاء المعجمة - موضع عند الثعلبية ، أيضاً بينها وبين الشقوق.

(4) - بالحركات - موضع عند واقصة.

(5) - بفتح الشين المعجمة - موضع عند واقصة، أيضاً بينها وبين الفرعاء

(6) - بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة والميم بعد - جبل هنالك كان النعمان يصطاد به، وفيه يقول

الشاعر:

* أليلتنا بذي حسم أنيري*

ويمضي في الكتب حسب وخشب وجشم وكل غلط من النساخ.

 

(20)

 

 

أيها الناس! إنكم إن تتقوا الله تعرفوا أن الحق لأهله يكن أرضى الله عنكم، ونحن أهل بيت محمد (ص) أولى الناس بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أبيتم إلا كراهية لنا وجهلاً بحقنا وكان رأيكم غير ما أتتي به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحر: والله ما أدري ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسين لعقبة بن سمعان غلام للزوجته الرباب  ابنة إمرء القيس: قم فأخرج الخرجين اللذين فيها كتبهم.

فأتى بها فنثرت بين يديه.

فقال الحر: إنا لسنا منهم، وقد امرنا بملازمتك وإقدامك  الكوفة على عبيد الله ابن زياد.

فـبى الحسين وترادا القول في ذلك، ثم رضيا بكتابة الحر إلى ابن زياد في الاستيذان بالرجوع إلى مكة، فأجابه بالتضييق على الحسين والقدوم به عليه، فأبى عليه الحسين «عليه السلام» فجعل يسير والحر يمانعه، ثم عزم على السير في طريق لا يرجع به إلى مكة ولا يذهب به إلى الكوفة، فتياسر والحر يلازمه، فنزل وخطب أصحابه فقال:

        أما بعد؛ فإنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترن، إلا وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء(1) ولم يبق منها إلا

_____________

(1) استمرت دامت، وحذاء –بالحاء  المهملة والذال المشددة- الناقة الماضية بسرعة ونشاط، والناقة المقطوعة الذنب، والرحم التي لم يعلق بها أحد وينقطع عنها كل أحد، وفسرت  الفقرة في التاج بالمعاني الثلاثة؛ فعلى الأول يكون المعنى أن الدنيا أدبر معروفها واستمرت على ذلك ومضت بسرعة، وعلى الثاني استمرت على ذلك لم يبق لها شيء يمسكه اللاحق ولا  ذنب لها فيقبض، وعلى الثالث استمرت على ذلك لم يصلها واصل.

(21)

 

كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وان الباطل لا يتناهى عنه، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.

        فقام أصحابه وأجابوه بما اقتضى خالص الدين، وأوجب محض الأيمان، فركب وتياسر عن الطريق العذيب والقادسية فمر بقصر بني مقاتل ثم سار، فأتى إلى الحر أمر من عبيد الله بالتضيق عليه، فنزل كربلا يوم الخميس ثاني محرم الحرام من سنة إحدى وستين وضرب أخبيته هناك، فأتاه عمر بن سعد(1) بالسيل الجارف من الرجال والخيل حتى نادى منادي ابن زياد في الكوفة: ألا برئت الذمة ممن وجد في الكوفة لم يخرج لحرب الحسين. فرئي رجل غريب فاحضر عند ابن زياد، فسأله، فقال: إني رجل من أهل الشام جئت لدين لي في ذمة رجل من أهل العراق، فقال ابن زياد: اقتلوه ففي قتله تأديب لم يخرج بعد!! فقتل.

        وكان عمر بن سعد أراد الموادعة فسأل الحسين «عليه السلام» عنا أتى به، فأخبره وخيره بين الرجوع إلى مكة واللحوق ببعض الشعوب النائية والجبال القاصية، فكتب بذلك إلى ابن زياد، فأجابه بالتهديد والإيعاد وباعتزال العمل وتوليته لشمر بن ذي الجوشن(2) إن لم ينازل الحسن «عليه السلام» أو يستنزله على حكمه، فوصل الكتاب إلى عمر بن سعد في اليوم السادس من المحرم وقد تكامل عنده من الرجال عشرون ألفاً، فقطع المراسلات بينه وبين الحسين وضيق عليه ومنع عليه ورود الماء، وطلب

_______________

(1) ابن أبي وقاص وهو مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، بكنى بأبي حفص، وامه أمة، وأم أبيه حمنة بنت سفيان بنت سفيان بن أمية بم عبد شمس وهو ابن عم هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص صاحب علي «عليه السلام».

(2) –بفتح الشين وكسر الميم- ويجري على الألسن ويمضي في الشعر الحديث كسر السين وسكون الميم وهو خلاف المضبوط، وذو الجوشن أبوه واسمه شراحيل بن الأعور قرط بن عمور بن معاوية بن كلاب الكلابي الضبابي، وهو قاتل الحسين، وكان أبرص خارجياً.

(22)

 

منه إحدى الحالتين: النزول أو المنازلة.

فجعل يتسلل إلى الحسين من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل الواحد والإثنان حتى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين من هداهم الله إلى السعادة ووفقهم للشهادة.

ثم إن الحسين «عليه السلام» عطش في اليوم الثامن فأرسل أخاه العباس في عشرين فارساً ومثلهم راجلاً فأزالوا الحرس عن المراصد وشربوا وملأوا قربهم ورجعوا، ثم أتى أمر من عبيد الله إلى عمر بن سعد يستحثه على المنازلة، فركبوا خيولهم وأحاطوا بالحسين «عليه السلام» وأهل بيته وأصحابه، فأرسل الحسين «عليه السلام» أخاه العباس ومعه جملة من أصحابه وقال: سلهم التأجيل إلى غدٍ إن استطعت، وكان ذلك اليوم تاسع محرم، فأجلوه بعد مؤامرة بينهم وملاومة.

فلما دجا الليل بات أولئك الأنجاب بين قائم وقاعد وراكع وساجد، وإن الحرس لتسمع منهم في التلاوة دویاً کدوي النحل، ثم جاءهم سيدهم الحسين «عليه السلام» فخطبهم وقال:

أثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً، وأفئدة فاجعلنا من الشاکرین.

أما بعد؛ فإني لا أعلم أصحاباً أوفي ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيتٍ أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً، ألا وإني لأظن أن لنا يوماً من هؤلاء، ألا وإني قد أذن لكم فانطلقوا جميعا في حلًّ ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشیکم فاتخذوهجملاً ودعوني وهؤلاء القوم فإنهم ليس يريدون غيري.

فأبى عليه أهل بيته وأصحابه ، وأجابوه بما شكرهم عليه ، فخرج عنهم وتركهم

(23)

على ما هم عليه من العبادة ينظر في شؤونه ويوصي بهاته .

فلما أصبح الحسين «عليه السلام» عبأ أصحابه وكان معه إثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل الميمنة لزهير، والميسرة لحبيب، وأعطى أخاه العباس الراية وجعل البيوت خلف ظهورهم، وعمل خندقاً وراءها فأحرق فيه قصباً وحطباً لئلا يؤتى من خلف البيوت. وأصبح عمر بن سعد فعبأ أصحابه وقد بلغوا إلى ذلك اليوم ثلاثين ألفاً، فجعل الميمنة لعمرو بن الحجاج(1)، والميسرة لشمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجالة شبث بن ربعي، وأعطى مولاه دريداً الراية.

فلا نظرهم الحسين رفع يديه داعياً وقال:

اللهم أنت ثقتي في كل كربٍ، وأنت رجائي في كل شدةٍ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشکوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته عني وكشفته، فأنت وليكل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهی كل رغبة.

ثم دعا براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق! - وجلهم يسمع - إسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتى أعتذر إليكم من مقدمي هذا وأعذر فيكم؛ فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوني النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ(2)إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(۳)فأنصتوا

______________

(1) بن سلمة الزبيدي، سيد زبيد، وله شرف فيهم وذكر في المغازي .

(۲) يونس: ۷۱.

(3) الأعراف: 196.

(24)

بعض الإنصات ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله من المحامد، وصلى على نبيه محمد (ص) وعلى ملائكته وأنبيائه بأحسن ما يجب، فلم ير متكلم قط أبلغ منه؛ لا قبله ولا بعده، ثم قال:

أما بعد؛ فانسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين المصدق لرسول الله (ص) بما جاء به من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمي؟ أولیس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟ أوليس بلغكم ما قال رسول الله (ص) لي ولأخي: هذان سیدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق فوالله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلكم أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سهل الساعدي وزيد بن أرقم ومالك بن أنس يخبروكم أنهم سمعوا هذهالمقالة من رسول الله (ص)، أما في هذا حاجز لكم عن دمي؟

فقطع علیه شمر كلامه وأجابه حبیب بن مظهر بما يأتي في ترجمته، فعاد الحسين إلى خطبته وقال:

فإن کنتم في شك من هذا أفتشكون أنتي ابن بنت نبيكم؟ فوالله مابين المشرق والمغرب ابن بنت نبيً غيري فيكم ولا في غيركم؟ ويحكم أتطلبوني بقتيل فيكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟

فأخذوا لا يكلمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي ویا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ویا یزید بن الحرث! ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جندً لك مجندة؟

(25)

فقال له قيس بن الأشعث: نحن لا ندري ما تقول ولكن إنزل على حكم بني عمك فإنهم لا يرونك إلا ما تحب.

فقال له الحسين: أنت أخو أخيك(1)، أتريد أن تطالب بأكثر من دم مسلم؟ ثم قال:

لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد(2)، یا عباد الله! إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، أعوذ بربي وربكم منكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.

ثم أناخ راحلته فعقلها عقبة بن سمعان وزحف القوم إليه وجالت خيولهم، فدعا بفرس رسول الله (ص) المرتجز وعامته ودرعه وسيفه؛ فركب الفرس ولبس الآثار ووقف قبالة القوم فاستنصتهم، فأبوا عليه، ثم تلاوموا فنصتوا، فخطبهم، حمد الله وأثنى عليه واستنشدهم عن نفسه الكريمة وما قال فيها جده رسول الله (ص)، وعن فرس رسول الله ودرعه وعمامته وسيفه، فأجابوه بالتصديق، فسألهم لم يقتلونه؟ فأجابوه لطاعة أميرهم، فخطبهم ثانياً وقال:

تباً لكم أيتها الجماعة وترحا، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناکم موجفين(۳)، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم(4) علينا نار اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم ألباً(5) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه فيكم، ولا أمل

__________

(1) يعني إن محمد بن الأشعث الذي غدر مسلم بن عقيل في الأمان أخوك فأنت مثله في الغدر.

(۲) أي لا آتيكم ذليلاً معطياً باليد، ولا أهرب عنکم هرب العبد بل أنازلكم حتى يقضي الله ما هو قاض.ويجري في بعض الألسن: أقر إقرار العبيد وهو خطأ.

(3) أي أجبنا صراخكم مسرعين إليكم السير، والإيجاف نوع من السير فيه سرعة، والاسم منه الوجيف.

(4) أي أوقدتم، وأصله من جمع الحشيش للإيقاد.

(5) - بكسر الهمزة وفتحها الاجتماع على الظلم والعدوان، يقال: هم إلب واحد أي مجتمعون على الظلموالعدوان.

(26)

أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم(1)، والجأش(۲) طامن، والرأي لما يستحصف(۳)، ولكن أسرعت إليها كطيرة الدبا(4)، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش(5)، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة(6) وشذاذ(7) الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الاثم ونفثة الشيطان ومطفي السنن، ويحكم أهؤلاء تعضدون وعتا تتخاذلون؟ أجل والله غدر فیکم قديم وشجت عليه أصولكم، وتأزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجاً للناظر(8) وأكلة للغاصب، ألا وإن الدعى ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت و طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر.

____________

(1) - بفتح الميم - أي مغمد من شام السيف بمعنى أغمده.

(۲) القلب والفكر.

(3) أي يستحکم، يقال: رأي حصيف أي محكم.

(4) - بفتح الدال وتخفيف الباء المفردة - الجراد.

(5) - بفتح الفاء - الذي يتساقط على الضوء ليلا.

(6) - بتخفيف الميم - بمعنى الجارية كناية عن الذل مأخوذة من قوله: ذل قوم تملكهم أمة. ويجريعلى الألسن التشديد وهو وإن كان له ضرب من التأويل لم يتعلق ببلاغة.

(۷) - بضم الشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة - أيضا جمع شاذ وهم المتفرقون من الجمع ويعبر عنهمبالفارطة والغوغاء.

(۸) الشجا الحزن والشجي ما يعترض بالحلق من عظم وغيره للإنسان وغيره. قال الشاعر:

رب من أنضجت غيظاً قلبه           قدتمنى لي موتاً لم يطع

ويراني كالشجى في حلقــــه           عسراً مخرجه ماينتــزع

وكل بالقصر والمعنى يحتمل كلا.

(27)