موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

الجماعة المسافرين إذا ذهبوا للسفر قافلة مع أن القفول هو الرجوع والجماعة ذاهبون كل ذلك من تفننهم في لغاتهم، الخ.
فالعلقمي في ظني إنه سمي كذلك لهذا السبب.
أما المروي من قصة نضوب مائه بسببيه فسنذكره، قال فخر الدين بن الطقطقي في الآداب السلطانية الفخري(1): مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن العلقمي وزير المستعصم آخر خلفاء بني العباس هو أسدي أصلهم من النيل وقبل لجده العلقمي لأنه حفر النهر المسمى بالعلقمي وهو الذي برز الأمر الشريف بحفره وسمي الفازاني، الخ.
ومعناه أنه كراه بعد أن طمه التراب والرواسب لا أنه أستحدثه فإن النهر قدیم .
قال فخر الدين الطريحي في المنتخب (۲): حكي عن رجل أسدي قال : كنت زارعة على نهر العلقمي بعد أرتحال العسكر عسكر بني أمية فرأيت عجائباً لا أقدر أحكي إلا بعضها : منها إذا هبت الريح تمر على نفحات کنفحات المسك والعنبر ، وإذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض ويرقي من الأرض إلى السماء مثلها وأنا منفرد مع عيالي ولا أرى أحدا أسأله عن ذلك.
وعند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة فأولي عنه إلى منزلي فإذا أصبح الصباح وطلعت الشمس وذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهبة، فقلت في نفسي: إن هؤلاء خوارج قد خرجوا إلى عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم وأرى منهم ما لم أرى من سائر القتلى فوالله هذه الليلة لا بد منا لمساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا، فلما صار غروب الشمس وإذا به قد أقبل فحققته فإذا هو هائل المنظر فأرتعدت منه وخطر ببالي إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني وأنا أحاكي نفسي بهذا ومثله وهو يتخطى القتلى حتى وقف على جسد كأنه الشمس إذا طلعت فبرك عليه، فقلت: يأكل منه، وإذا به يمرغ وجهه عليه وهو يهمهم ويدمدم، فقلت: الله أكبر ما هذه الأعجوبة؟ فجعلت أحرسه .
حتى إذا أعتكر الظلام وإذا بشموع معلقة ملأت الأرض وإذا ببكاء ونحيب ولطم منجمع فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض ففهمت من ناع فيهم يقول : واحسيناه! وا إماماه ! فأقشعر جلدي، فقربت من الباكي وأقسمت عليه بالله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الآداب السلطانية: ص۳۰۱.
(۲) المنتخب للطريحي ۲/ ۲۳ طبع الحجر .

(326)

وبرسوله من تكون؟ فقال : إنا نساء من الجن، فقلت: وما شأنكن؟ فقلن : في كل يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحسين الذبيح العطشان، فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟ قلن: نعم، الخ.
ولهذا الأسد رسم أثري في شارع من شوارع كربلاء يعرف بعقد الشير، والشير الأسد بالفارسية، وهو شارع في قبلي مرقد الحسين «عليه السلام» بينه وبين مرقد أخيه العباس على مسافتة شارع الميدان.
ورواية أخرى تذكر هذا الأسد وانه يربض ناحية يحرس جثث الشهداء إلى وقت دفنهم فأحتفظ الكربلائيون بهذا الأثر ورسموا فيه صورة أسد، ولو قيس ما بين هذا الموضع وقبر الحسين «عليه السلام» بأرض لا بناء فيها لما زاد في ظني على خمسين ذراعا ولكن أبعدت مسافته الشوارع والأبنية ها هنا وهنا.
وذكرنا هذه الرواية لأنها تذكر أن العلقمي يسمى قديمة بهذا الاسم فتسمية آل العلقمي بحفره تعتبر صحيحة.
قال العلامة المعاصر السيد جعفر آل بحر العلوم في تحفه العالم(1): والعلقمي إسم نهر أقتطع من الفرات إلى كربلاء ومنه إلى الكوفة وكان هو الباعث علی عمران الكوفة وفيها أثره إلى الآن ظاهر قرب مرقد أبي الفضل العباس «سلام الله عليه». وقد بلغ ابن العلقمي أن الصادق «عليه السلام» لما زار جده الحسین «عليه السلام» خاطب النهر بأنك منعت مائك من جدي الحسين (عليه السلام» في یوم عاشوراء وأنت إلى الآن جار، فسعى أبن العلقمي في تخريب سد هذا النهر فأنقطع الماء وأوجب ذلك خراب الكوفة وهو السبب في اشتهاره نهر العلقمي هكذا في كتاب التحفة الرضوية، إنتهی .
أما الشيخ مهدي الكربلائي الخطيب فلفظه في معالي السبطين (2): في الكبريت الأحمر للحاج شیخ محمد باقر القائني عن الصادق «عليه السلام» : وعلي بن الحسين «عليهما السلام»، لما رجع من الشام مع حريمه إلى كربلاء فوجد ماء ذلك النهر جاريا فقال له: منعت مائك عن أبي عبد الله «عليه السلام» وتجري؛ غار ماؤه ومحت رسومه إلى يومنا هذا ولا يجري ماؤه حتى يظهر المهدي «عجل الله فرجه»، ويخرج الحسين «عليه السلام»، لينتقم من قاتله.
وفيه خبر آخر وهو أن نهر العلقمي كان جارية إلى الكوفة وبه كانت معمورة وقد أخرب ذلك النهر الوزير السعيد مؤید الدين أبو طالب محمد بن علي العلقمي
_____________________________
(1) تحفة العالم ۲/ ۱۹۳. (۲) معالي السبطين 2/۱۹۹

(327)

وهو وزير المعتصم العباسي، والحاصل أخربه لأنه بلغه أن الصادق «عليه السلام»، قال لذلك النهر : منعوا جدي عنك وبعدك تجري؟! فأمر الوزير بخرابه فأخرب.
وفي بعض الكتب : كان خراب ذلك سببا لخراب الكوفة، الخ.
والمعتصم هنا غلط، إنما هو المستعصم، وهذان الخبران أستبعد صحنهما ولا أظن بشفقة الإمامين زین العابدین والصادق «عليهما السلام» ترضى بهلاك ألوف من الناس الأبرياء ممن يعيشون على ضفتي هذا النهر وخاصة الأطفال والنساء وإن جرا منهما كلام فعلى سبيل التلهف على عطش الحسين «عليه السلام» لا على سبيل الدعاء بدمار هذا النهر، ولا أظن الصحيح إلا ما قاله الطقطقي من تدميره بالرواسب فكراه جد الوزير ثم أهمل تعهده في وزارة الوزير فخرب.
أما البحاثة المنقب هبة الدين الشهرستاني فلفظه في نهضة الحسين «عليه السلام»(۱): وأما نهر الفرات فعموده الكبير ينحدر من عاليه يسقي القرى إلى ضواحي الكوفة وكذلك يشق من عمود النهر الشط من لدن الرضوانية نهر كفرع منه يسيل على بطاح ووهاد شمال شرقي كربلاء وحتى ينتهي إلى قرب مثوی سیدنا العباس «عليه السلام» إلى نواحي الهندية ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في شمال غربي ذي الكفل الكوثي القديمة ويسمى حتى اليوم العلقمي، وكان هذا الفرات الصغير من صدره إلى مصبه يسمى العلقمي والطف إسم عام لأراض تنحسر عنها المياه وسميت حوالي نهر العلقمي البارزة من شواطئه طفا لذلك، وسميت حادثة الحسين «عليه السلام» فيه واقعة الطف، إنتهی .
وقد مر في العقر كلام المسعودي في التنبيه والأشراف، وقد أكثر الشعراء من ذكره في مراثي الحسين «عليه السلام» ومنهم سماه الفرات كعبد الباقي العمري بقوله:

بعدة لشطك یا فرات فـــــــمر لا تحلو فإنك لا هني ولا مـــري
أيسوغ لي منك الورود وعنك قد صدر الإمام سلیل ساقي الكوثر

ومنهم من سماء العلقمي بأسمه الشائع المشهور السيد جعفر الحلي (قدس سره) في رثاء العباس «عليه السلام»: وهوي بجنب العلقمي ولينه للشاربين به يداف العلقم
أرسل لنا الشاعر العلوي الموسوي السيد عبد الهادي الطعان من آل السيد
______________________________
(1) نهضة الحسين عليه السلام: ص6۷.

(328)

عطية بيتين هما:
جرعت أعدائك يوم الوغــى في حد ماضيك من العلقم
وقد بذلت النفس دون الحمى مجاهدأ يا بطل العلـــقمي

للمؤلف:
ماء الـــفــرات صــــداق للبتولة قد صح الحديث وجائت فيه أنبـــاء
والأم عند جـيمع الناس إن فــقــدت تحوي مواريثها لا ريب أبــــناء
فللحسين مـــن الزهــراء فاطمــــة إرث ویحرم وهو الوارث الماء
يموت ظامي الحشا والغاصبون له منه رواء وتروي المعز والشاء
هذا عجبب ونـــكـــر سهلته لــهــم سقيفة الغدر حتى استفحل الـداء
عاشت أمية والأجرام ســنــتــهـــا ومنکرات أفاعيــــل وأســــواء
تمضي العصور والأجيال قد نـشر ت صحيفة لامي السوء سـوداء
تلك القرى وهي أنـــفال لــوالــده نص الجلي وما في النص إخفاء
قد احتوت وهي غناء جــيــوشکم وتحتوي جيشه بيداء جـــــــرداء

(329)

منزلة أبي الفضل العباس «عليه السلام» عند الله تعالی


لا ريب أن المنزلة تكون بنيل الفضيلة ونيل الفضيلة عندالله تكون بالطاعة له وتعلو المنزلة وتسمو الفضيلة بكثرة الأعمال الخيرية فكلما كان الإنسان حريصا على تحصيل الفضل مجتهدأ في الطاعة كثير الخيرات يكون عند الله عظيم المنزلة كبير الفضيلة سامي الدرجة عالي المرتبة، والفضيلة عند الله تزداد كلما أزدادت أعمال الإنسان الخيرية وأكثر من اكتساب الأعمال الصاحلة وأهم تلك الأعمال عند الله تعالى العبادة بأنواعها لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(۱) فأخبر سبحانه أنه لم يخلقهم سوامة مهملين ولا بهائم مرسلین، همهم الدنيا منهمكون في لذاتها الفانية، متكالبين على نعيمها البائد، واثقين بظلها الزائل.

فإذا سألت الواحد منهم عن ترکه الأعمال الصالحة وتلاعبه بالعبادة المحتومة عليه وليست بالمكفولة له ولا المضمونة عليه كالمعيشة التي ضمنت له وكفلت عليه فتلاعب بغير المضمون وتهاون به في إضاعة أوقاته المقررة أو إهمال واجباته فلم يحافظ على الركوع والسجود، ولم يأتي بالشرط الكامل سائر ما جعل جزاءة للواجب أو متممة له فينقرها نقر الغراب الذي ورد في مثله الحديث النبوي المروي عن الفريقين ومعناه صاحب هذه الصلاة يموت على غير ملة الإسلام؟
فيجيبك إذا عنفته عن تلهبه بمضمون المعيشة واشتغاله بمكفول الرزق إذا أحسن الجواب في رأيه الركيك وتفكيره المفكك إن كان متمدنا بأن الدين هو الحياة الطيبة والإسلام الحضارة، وإن كان عاميا يتمدن وقرويا يتحضر هذا جهاد يعني به کسبه الملهى له عن الطاعة الشاغل عن العبادة.
وهذه من التسويلات النفسية وتسويف إبليس اللعين يحسن لهم رفض الأوامر الدينية بما غرسه في نفوسهم من هذه المعتقدات السخيفة فألهاهم بأمر قد تكفل به الله تعالی بمعاناة أي سبب كان من أسباب التحصیل دون أن يستغرق الأوقات فهو
__________________________
(1) الذاريات: 56.

(330)

ضامن المعونة بهذا السبب الضعيف وهو الصادق نفسه في تهيئة أسباب المعيشة وتحصيل القوت كما يرون برهانه متجلياً في الأطيار المترددة في الأجواء والآفاق، والوحوش الجائلة في الفلوات أو في الأرياف على حد سواء، فصرف مختلس العقول إبليس بوساوسه واستلبت هواجس الأنفس الطامحة منهم الشعور والإداراك فكلفوا غير ما كلفوا به لأنه يريد قصراً لا وكراً وتأنقاً لا حياة، فخالفوا الضمان الإلهي ورفضوا التكفل الرباني الوارد في قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ)(1) الآية الكريمة، وهناك فئام جهلة وأوباش حمقاء يوردون الحديث النبوي المشهور ويتأولون ذلك على ما يتراءى لهم من جهل وحماقة فيقولون: هذا الجهاد الأكبر جهاد العيال، هكذا يفسرون وكذلك يعتقدون، ومن لم يستنر بنور العلم ولا استضاء بشعاع العرفان وقع في دياجير متدلهمة وحنادس حالكة لا بصيص فيها ولا وميض، إنما هو جهاد النفس ورياضتها على الطاعة وقد تقدم شرح هذا الحديث.
أما أبو الفضل العباس «عليه السلام» ففي الصف الأول من صفوف المتقين، وفي الطليعة المتقدمة من طلائع المتعبدين، ومن أعلام الرافضين للدنيا التاركين لزبرجها، ومن عيون الأوابين المتألهين الدائبين في العبادة والمواظبين على أعمال البر والطاعة والمسارعين إلى مرضاة الله واكتساب رضوانه في السر والعلانية ثم الجهاد على الدين لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا)،(2) وقوله: (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً)(3) إلى غيرهما، وأبو الفضل في هذه الفضيلة أثره ومقامه فيها مشهور في الأجيال كلها ويميز بهذا الجهاد على سائر المجاهدين بثباته وإقدامه وبحسن نية وإخلاص، وقد أحسن راثيه بقوله له:
لك موقف بالطف أنسى أهله حرب العراق بملتقى صفين
ثم تعليم الجاهل وإرشاد في ضل طريق الهداية وزاغ عن القصد لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(4) وهذه المجاهدة ليست المجاهدة البدنية بل الدعاية إلى الدين وإيضاح محاسنه وهي عبارة عن تعليم الجاهل وإرشاد الضال وإقناع الزائغ بالوعظ والإرشاد وبث الخطب النافعة وإلقاء الكلمات المؤثرة الجذابة والمتضمنة للترغيب والترهيب المشوقة للجنان المزخرفة، المحذرة من
_________________________
(1) الصف: 4. (2) الذاريات: 56 – 57.
(3) النساء: 95. (4) العنكبوت: 69.

(231)

النيران المسجرة، وتذكير الإنسان الغافل عن نعم الله تعالى بإيقاظه إلى ما ناله من العافية في الدين والدنيا، والسلامة من الفتن والأراجيف المضرة، وإلفات نظر هذا الإنسان الطائش المنتشي بنشوة الجهل بمواقع إنضال الله الوفيرة وآلائه الدارة ونعمه المغدقة عليه ليرى ما سخر الله له من الموجودات الكائنة على السواء الحية منها والجماد وهذا ما أخذه الله على العلماء.
وفي الحديث النبوي: إذا تظافرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله، ومعناه وجوب القيام بالوعظ والتذكير والإنذار والتحذير ومقاومة الضلالات وقمع البدع، وعلى مثل ذلك أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل الكتب السماوية مفسرة لذوي العقول غوامض المشكلات، ولا يجهل محل أبي الفضل في هذه المسألة وقد ذكرنا فيما تقدم بعض مقاماته في وعظ الأعداء ثم التقوى لقوله الله تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)(1)وقوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(۲) ولم يزين الله العباد بزينة أفضل من التقوى كما هو نص الحديث النبوي، وفي الأولي رد على المفتخرين بالملابس الفاخرة المتباهين بالكسوة الثمينة، وفي الآية الثانية رد على المفتخر بالآباء والأسلاف دون الأعمال الصالحة المستغني عن كرم الفعل بكرم الأصل.
وفي حديث ابن عباس وقد قيل له: من السادة؟ فقال: أما في الدنيا فالأسخياء، وأما في الآخرة فالأتقياء، ويروي لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»:

لعمرك ما الإنسان إلا أبن دينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب

ثم الزهد في الدنيا والعزوف عن مقتنياتها ترك نفائسها المنقصة التي يسمونها بالكماليات إيثارة للآخرة على الأولى علم منه بأن الله تعالى جعل نصيب المؤمن الأوفر في وفوده عليه لقوله تعالى :(وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى «4» وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ)(3)، وقوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)(4)، فالعاقل لا يترك نصيب الآخرة الوافر لنصيب الدنيا الناقص ثم الصبر بأنواعه على ما فصلناه في كتابنا «السياسة العلوية» لقوله تعالى: (وَمَن
__________________________
(1) الأعراف: 26. (۲) الحجرات: ۱۳.
(3) الضحی: 4. 5. (4) الشوری: ۲۰.

(332)

يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) (1)، وقوله تعالى: (إن الله مع الصبرين)(2)، ومن كان الله معه فقد رفع منزلته وقد عرفت صبر العباس «عليه السلام» فيما سبق.
ثم الشكر لقوله تعالى: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(۳)، ثم الإحسان بأنواعه وهو أيضا يجمع أنواع الخيرات كل هذه العناوين فصلناها في كتابنا «السياسة العلوية»، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)(4)، وقال تعالى: (لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلً)(5)، ثم اليقين كما عرفته وفصلنا أنواعه في «السياسة العلوية» إلى غير ذلك من الفضائل الدينية وقد قال الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
وقد اتصف بكل هذه الصفات وتحلى عامة هذه الفضائل أبو الفضل العباس كما حاز غيرها من صفات الكلام وقد تقدم، فكان له من مجموع هذه عند الله منزلة عظيمة ومقام أسمي والفضل الذي له عند الله يقع من وجهين من حيث المنزلة والدرجة في الجنان العالية وهذا ما تتباهی به هناك عباد الله الصالحون وأوليائه العاملون فهم يتفاخرون فيما حبوا به من الكرامات لأن الله تعالى يمنحهم الكرامة مقابلة للعمل الصالح وجزاء للطاعة ويحبوهم تفضلا أضعاف ما أستحقوه بالعمل وقد نص على ذلك حديث الإمام زین العابدین «عليه السلام» السابق: «إن لعمي العباس درجة بغيطه بها جيمع الشهداء» ومن حيث الحياة الخالدة حياة الذكرى الجميلة وهذه من ناحيتين:
الحياة البرزخية لقوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(6) وليس المراد بالحياة في هذه الآية إلا الحياة في البرزخ وإلا لما كانت فضيلة للشهداء إذ الحياة الحرية الكبرى للحساب واستيفاء المثوبة والعقوبة تشترك فيها الأتقياء والأشقياء ويتساوى فيها الصالح والطالح، وقد قال الله تعالى في المعذبين في النار: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا)(7)، وقوله تعالى: (لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ)(8)، والآيات كثيرة وناصة على هذا وناطقة صراحية بحياة الكافرين في محاورتهم للملائكة وإستغاثتهم وطلبهم الماء من أهل الجنة وغير ذلك مما لو أستقصيناه لأسهبنا، ولولا هذه الحياة في المحشر لما كان الكثرة الثواب وشدة العذاب الذي أوعد الله بها عباده وجعلهما جزاء للطاعة
____________________________
(1) الطلاق: ۲. (۲) البقرة : ۱5۳.
(۳) آل عمران: 145. (4) النحل: 90.
(5) الكهف: ۳۰. (6) آل عمران: ۱6۹.
(7) النساء: 56. (8) طه: 74.

(333)

والمعصية من فائدة إذ الميت لا يعرف لذة النعيم ولا يحسن بمس العذاب الأليم.
فإذا المراد بحياة الشهداء هي الحياة البرزخية كما أشار لذلك النبي (ص) و مر على جعفر بن أبي طالب في رعيل من الملائكة فسلم علي فرددت عليه السلام فإذا أتصلت هذه الحياة بحياة الجميع فتكون مدة موتهم قليلة جدا بمقدار أنتقالهم من هذه الدار إلى الدار الأخرى كالمجتاز من دهليز إلى دهليز وكالمار من شارع إلى آخر وهو بمنزلة الذي ينام ثم يستيقظ ويغفوا وينتبه وهذا معتقد علماء الشهداء.
قال عمير بن الحمام الأنصاري أحد شهداء بدر مع النبي (ص): بخ بخ ما بيني وبين دخول الجنة إلا أن أرمي هذه التميرات لتميرات كانت في يده يأكل منها فرماها وأستقدم فأستشهد «رضي الله عنه».
وقال نافع بن بدیل بن ورقاء الخزاعي أخو عبد الله بن بديل «رضي الله عنهما» أحد شهداء أصحاب النبي (ص) يوم بئر معونة وطعنه جبار بن صخر بن سلمى العامري: فزت ورب الكعبة.
وقال مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» لما ضربه آبن ملجم المرادي: فزت ورب الكعبة.
وقال برير بن حضير الهمداني المشرقي سيد القراء الشهيد مع مولانا الحسين ابن علي «عليهما السلام» ما بيننا وبين أن نعانق الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم.
وقال علي بن الحسين الأكبر «عليهما السلام» الشهيد مع أبيه الحسين «عليه السلام» بطف كربلاء: هذا جدي رسول الله (ص) قد سقاني شربة لا أظمأ بعدها، وغير ذلك مما يمنعنا من إيراده التطويل.
ومن حيث بقاء الشعائر في قصد زيارته من أدنى الأرض وأقصاها وإحياء الذكرى بإقامة التذكار في الأجيال ونصب مأتم العزاء في القرى والأمصار وإعلان النياحة وتدفق المواكب العزائية أقترانا بزيارة أخيه الحسين ونياحته وقصد المواكب قبتيهما حاملة أعلام الحزن السوداء لا طمة الصدور حفاة الأقدام حاسري الرؤوس حتى أن الفرد منهم لو أصيب بأعز مفقود من أسرته أو ثكل أي عزیز من رهطه لما أدى له عشر ما أدى للحسين والعباس من اللطم واللدم وإعلان الصرخة والبكاء وما دامت الدنيا باقية؛ فالزوار مندفقة كالسيول والمواكب تتلو المواكب قاصدة تلك المراقد وجاهرة بالعزاء المبرح في مختلف أقطارها معلنة مراثيه بمتباین الهجاتها وألسنتها.

(334)

وأضف لهذا ظهور الكرامات الباهرة عند مرقده المقدس وهي من الدواعي الكبرى لإحياء هذه الذكرى وتجديد تذكار المأساة فلأبي الفضل فضيلة الحیاتین البرزخية والتذكارية وفضيلة الدرجة الراقية في جنة المأوى وهي التي تدعو بسموها إلى الغبطة عليها من جميع الشهداء وتعرب بأرتفاعها في الدرجات العلى عن منافسة المقتولين على الإيمان والحق والعدل لصاحبها فهي لا شك من أسمى رتب الشهداء ومن أرفع درجات السعداء.
ولعل الناظر في هذا الحديث يقول بتعميمه وتسريته إلى أعظم شهید حمزة ابن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله سید الشهداء وجعفر الطيار ذي الجناحين فيرتاب في التفضيل عليهما وليس الحديث الشريف بناظر إلى التفضيل ولا لامح جهة المفاضلة وإن للمفاضلة أدلة أخرى ولو تطرقنا إلى المفاضلة وخضنا في عباب التفضيل.
لكن الحديث يذكر أن درجة العباس «عليه السلام» يغبطه بها جميع الشهداء حتى جعفر وحمزة والغبطة تمني نيل ما حصل للمغبوط وإن لم تكن من جهة فضيلته الشخصية بل من حيث فضيلة نفس الشهادة وعظم خطرها، وهذا شيء نلفت إليه نظر أهل الوعي والشعور لأن شهادة العباس عليه السلام» أشتملت على خصائص ومميزات لكل واحدة فظلها على حياله ولم تحصل لهذين الشهيدين العظيمين حمزة وجعفر كالإيثار الذي وقع من أبي الفضل لأخيه الحسین «علیه السلام على نفسه لما رمي الماء من يده وسقاية العطاشی من آل محمد ورد الأمان الذي بذل له خاصة والمحن التي أبتلي بها وبعضها يوجب دهشة المحارب وانذهاله، وفي مداراتها العناء الشديد والمشقة الشاقة، وقد جاء الحديث : الأجر على قدر المشقة.
فمن تلك المحن مدارات نساء مذعورة وعقائل مرعوبة وصبية تتصارخ وتضج ضجيجة مزعجة يؤلم قلب الغيور ويجرح ضمير المتحمس وقد تؤثر صدعة في كبد الحر صاحب الشعور والوجدان وهو مع ذلك في الآونة تلو الآونة يحمل شابا كفلقة بدر و کشظية كوكب وهاج من أهله تجسدت الدماء عليه ووزعته الأسلحة آرابا ومفاصلا وينقل إلى الخيمة الحين بعد الحین کهلا لا نظير له في شمائله وأوصافه قتيلا فيضعه بين القتلى، وكل هؤلاء الشبان والكهول ليس لهم شبيه على وجه الأرض وفيهم الأخ الشقيق وابن الأخ الشفيق وولد العم الذي هم كطاقة ريحان مسها وهج السمائم فذبلت، وولد هو قطعة كبد وفلذة قدت من

(335)

القلب فربت ونمت هكذا جرت له الأقدار مقاسات هذه الأرزاء ومكابدة هذه المحن العظام.
ويلتفت إلى سيده وإمامه الحسين «عليه السلام» قد تفانی جيمع من يدافع عنه وهلك كل من يقيه بنفسه، وذهب عامة من يفديه بروحه فهو لا يطمع له بالحياة ولا يرجو له البقاء ليهون عليه الخطب ويسهل الأمر المزعج، وتهون المصيبة كما هانت على حمزة وجعفر أطمئنانهما بسلامة رسول الله (ص) فإن معه من يقوم بالدفاع عنه والمجادلة دونه، وليست أمام حمزة وجعفر صبية تزعجهما ولا نسوة تشغلها بصراخها وعويلها كما شغلت بطل العلقمي صرخة تلك النسوة المزعجة، وما أحرج موقفه تجاه الصبيان العطاشى والتجاءهن إلى عاطفته يسترحمنه ويستدررن تلك العاطفة المتدفقة بالحنان والعطف: هذه تقول عم أسقني، وأخرى تقول أما ترى حالي؟ وثالثة تقول تفتت كبدي؟ ورابعة تقول عمي من لي؟ وخامسة أين أبي؟ وسادسة تناشده أين تركت أخي؟ وسابعة تقول فديتك أحملني إلى عمومتي يسقوني ماء، هذه وأمثالها مما يفتت الأكباد ويقرح الأعين.
ولم يجري لحمزة وجعفر مثل ما جرى للعباس «عليه السلام»، ولم يصبهما مثل ما أصابه من الظمأ، ولم تنقطع عنهما الإمداد ولم يحصرا في فلاة جرداء قاحلة، ولم يشاهدا مصارع الأحبة إلى غير ذلك من الأمور التي شاهدها أبو الفضل العباس فقابلها برباطة جأش وبثبات مدهش فكان كما مدحه الإمام جعفر الصادق «عليه السلام» بقوله: «نعم الصابر المجاهد» وكما جاء في أبيات المؤلف:
فمحنتك العظمی بـــســـاحـــة كـــربلا أبا الفضل تندك الرواسي أمامهـــــا
تشاهد أجــــلاف البـــــــرية حاصرت بجرداء من أرض الطفوف أمامـها
وقد منعت ورد المـــباح عيالـــــــــــه فجائتك تشكو یا حماها أوامهــــــــا
وقد أرعبت صبـــيانه زعـــــــــــقانها وقد سددت نحو الخيام سهامهـــــــا
فصلت بسيف النصر صلتة مـــجرداً تحوط وتحمي خدرها وخيامـــــــها
فأرجعت جند الغي قسرة إلى الوری کليث الشرى غضبان لاقی سوامها
وما زلت حتى فارق الكف زنـــــــده تفلق في عضب الغرارین هامــــها
فعاقك والأقدار أعــــظم عــــــائـــــق لنفس المحامي إن نال مرامهــــــــا

(336)
فلم تستطع إيصال ما کنت حامـــلا من الماء كي تروي العطاشى أوامها
وقعت على شاطىء الفرات مجدلا بقفراء قد أذكى الهجير ضـــرامـــــها

وكلما أشتد البلاء وعظم العناء تضاعف الأجر حسبما نطقت به الأحاديث الشريفة وكلما تضاعف الأجر علت المنزلة، وكلما علت المنزلة حصلت الغبطة وبهذا يحكم العقل والوجدان لو حکم فإن جيش الملك لو كان فيه قواد قام أحدهم بعدة أعمال عظيمة في صالح الأمة والسلطان، وأتي بعدة خدمات لم يأتي بها أحد سواه أليس يستوجب عند شعبه الثناء الجميل وعند مليكه أسمى الرتب وأرقى الدرجات فيحبوه بعدة أوسمة من الدرجة الأولى ويرقية إلى أسمى مراتب الشرف، وإن المساوي له في المرتبة والتفوق عليه في الوظيفة سيغبطه على ذلك لا ريب ولا شك فيه فكلما عاين تلك المرتبة التي اكتسبها بجلائل أعماله ولم يتهيأ له هو القيام بمثل تلك الأعمال ولا ساعدته الظروف على أكتسابها ليضل دائماً مظهراً للغبطة يتمناها ويودها، فهذا ما نظر إليه الحديث الشريف وكلام المعصوم مبني على الحكمة وإن أردت أن تشق إلى المفاضلة طريقة وتثبت الأفضلية بالأعمال الصالحة فأعمال الجميع أمامك وقارن بينها وقف مع كثرتها وتميزها وأحتكم إن شئت وأحكم بما أرشدك إليه العلم.
للمؤلف:
أبو الفضل إن نال عند الإله مراتب في الجنة العاليـــــه
فتلك مآثره الصالحـــــــــات أتاحت له الرتبة الراقيـــــه
لقد جاهد القوم حق الجـهاد بصبر وفي نية صـــــــافيه
وآثر بالنفس سبط الرســول كما قد سقى العترة الظاميه
ولما رأى قومه ظاعنـــــين جميعا إلى عيشة راضيـــــه
تقدم نحو أخيه الحــــــسين وعيناه أدمعها جاریــــــــــه
يقول له يا أبن خبر الـورا ويا أبن المطهرة الزاكيـــــه
سئمت الحياة ولا صبر لي واسمع في حبك الواعيــــــه
فدعني أموت ولم أســتتمع لباك عليك ولا باكيـــــــــــه
فسار إلى الموت مستقدـما وصار إلى جنة عاليـــــــــه

(337)

للفاضل الدربندي في أسراره(1) کلام قف عليه: وفيه: وقد حکی جمع من الصلحاء أن واحد من أهل كربلاء وهو الآن موجود - يعني في عصره - كان يزور سید الشهداء في كل يوم وليلة مرتين أو ثلاثة ولا يزور العباس عليه السلام، إلا بعد مضي عشرة أيام من زيارته فرأى في المنام الصديقة المعصومة - هي الزهراء فاطمة «عليها السلام» - فسلم عليها فأعرضت عنه، فقال لها: سيدتي ما تقصيري؟ فقالت له «عليها السلام»: أستقلالك من زيارة ولدي، قال: أزور ولدك كل يوم ثلاث مرات، قالت: نعم تزور ولدي الحسين «عليه السلام» هكذا ولا تزور ولدي العباس إلا قليلا، فأنظروا أيها الإخوان إلى عظمة شأن العباس فيما أعطاه الله مما نشاهده ومما لا نشاهده إلى آخر ما قال والكلام مطول، وجدير بأبي الفضل أن يفضل، وحري به أن يقدم.
وختاما لهذا المقام نورد كلمة العلامة المقدس مرجع الإمامية العام في عصره الشيخ محمد طه نجف (رحمه الله) في كتاب الإتقان(۲) فإنها عظيمة عند التأمل، وافية بالمطلوب، بلغت على وجازتها مالم تبلغه المطولات من العبارات وهذا نصها: العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» أبو الفضل هو أجل أن يذكر في المقام بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل بيته المعصومین عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، إنتهی، قال هذا في قسم الثقات وهو كما يقول العباس فوق الثقة منزلة وأعظم بآلاف المراحل.
للمؤلف:
وإني لأستشفي بذكر ابن حیدر إذا مسني سقم أو انتابني ضـــــــر
طبيبي أبو الفضل العميد وحـبه لدنيا والأخرى هو الكنز والـــذخر
ونحن الإماميون كان شعارنـــا ولاء علي والحسين وذا فـــــخـــر
وحب الهداة الغر منهم وإنهــــم لنا عصمة مهما أستطال بنا العمر
تلوذ بقبر أبن الوصي بكربــــلا وذا کعبة الزوار مهما دعي قـــــبر
مقام له عند المهیمن شامــــــــخ وقدر رفيع الشأن ما مثله قــــــدر
لقد خلد الرحمن في الدهر ذكره وما الفضل إلا ما أشبد له الــــذكر
وفي الحشر لم يعط شهید عطائه لذا صار مغبوطة وهذا له ســـــر
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أسرار الشهادة : ص 336. (۲) الإتقان: ص75 طبع النجف .

(338)

:
کرامات العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام»
هي كثيرة جدا لا تحصى أو تحصي النجوم، ولا تعد أو تعد قطرات الغيوم، تتوالى على ممر الأيام وتتجدد متتالية بتجدد العصور والأعوام، والكرامة کالمعجزة في كونها خارقة للعادة وقاهرة للنواميس الطبيعية.
الفرق بين المعجزة والكرامة؟
إذا كانت الكرامة كالمعجزة في الشكل والصورة والتأثير على الطبيعة إذن فما هو الفرق بينهما؟ وتتجلى الفوارق بأمور:
أحدها : إن المعجزة تحتاج إلى طلب واقتراح ممن يريد تعجيز من ظهرت على يده بعد أن يدعي القدرة على الإتيان بالخارق ومتحدية لمن خالفه.
ثانيها : إن المعجزة تختص بالنبوة والإمامة التي هي منصب إلهي فلا تقع إلا من نبي أو وصي نبي.
ثالثها: المعجزة لا بد أن تقع ويجب على الله من باب اللطف إجراؤها، وإن تأخرت عن وقت الطلب لزم كذب المرسل من قبله إلى هداية خلقه وإرشادهم واستحكمت الغواية واستفحل الضلال، والكرامة يجوز إظهارها تفضلا إكرامة اللولي وتشريفا لا لزوم فيها ولا تحتم لارتفاع المحذور، وفائدتها صيانة الولي عن التعدي عليه وخرق حرمته وبظهور الكرامة لديه لا يمتهن ولا يحتقر بل يعظم ويحترم.
قال الشريف الجرجاني الحنفي(1): المعجزة أمر خارق للعادة، داعية إلى الخير والسعادة، مقرونة بدعوى النبوة، قصد بها إظهار صدق من ادعى أنه رسول الله .
: ثم قال : الكرامة ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوی النبوة فما يكون مقرونان بالإيمان والعمل الصالح يكون أستدراجة وما یکون مقرونا بدعوى النبوة يكون معجزة، إنتهی.
وقال فيلسوف الإسلام المحقق الطوسي نصير الملة والدين أعلى الله مقامه في كتاب التجريد في نبوة النبي وطريق معرفة صدقه ظهور المعجزة على يده وظهور ما ليس بمعناد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوی .
وقال العلامة الحلي آية الله الحسن بن مطهر في شرح التجريد(2): ونعني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التعريفات: ص149. (۲) شرح التجريد: ص۲۱۸ طبع صيدا.

(339)

بالمعجزة ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى لأن الثبوت والنفي سواء في الإعجاز فإنه لا فرق بين قلب العصا حية وبين منع القادر عن رفع أضعف الأشياء، وشرطنا خرق العادة لأن فعل غير المعتاد ونفيه لا يدل على الصدق، وقلنا مع مطابقة الدعوى لأن من يدعي النبوة ویسند معجزته إلى إبراء الأعمى فيحصل له الصمم مع عدم برء الأعمى لا يكون صادقا .
وقال (رحمه الله) في شرح واجب الاعتقاد(1): والمعجزة هو الأمر الخارق اللعادة المطابق للدعوى المتعذر على الخلق الإتيان بمثله، فالخارق للعادة هو الذي لم تجر العادة كقلب العصا حية وإحياء الموتی وانشقاق القمر ومجيء الشمس وحنين الجذع.
وقولنا المطابق للدعوى يعني أنه يكون موافقة لدعواه وفيه أحتراز عما لا يكون مطابقة للدعوى كما نقل عن مسيلمة الكذاب أنه قيل له: إن محمدا تفل في بئر ففاض ماؤها، فقال : أنا أفعل ذلك، وأتى إلى بئر وفيها ماء فتفل فيها فغاض ماؤها فإنه أمر خارق للعادة لكنه غير مطابق لدعواه بل تکذیب له فيما أدعاه، وقولنا المتعذر على الخلق الإتيان به وذلك لأنه من فعل الله ومما أختص بالأقتدار عليه والتعذر إما في جنسه كإحياء الموتى أو في وصفه كفصاحة القرآن وقلع المدينة دفعة، الخ.
شروط المعجزة
هذه الشروط لتسميته بها بمعنى أنها لا تسمى معجزة إذا فقدت هذه الشروط أو بعضها وإن كانت خارقة للعادة .
قال العلامة الحلي (رحمه الله) في شرح التجريد(۲): ولا بد في المعجزة من شروط:
أحدها : أن يعجز عن مثله أو عما يقاربه الأمة المبعوث إليها .
الثاني : أن يكون من قبل الله أو بأمره.
الثالث: أن يكون في زمان التكليف لأن العادة تنتقض عند أشراط الساعة .
الرابع: أن يحدث عقیب دعوى المدعي للنبوة أو جارية مجرى ذلك أن يظهر دعوى النبي في زمانه وأنه لا يدعي النبوة غيره ثم يظهر المعجزة وبعد أن
__________________
(1) شرح واجب الاعتقاد: ص 596. (۲) شرح التجرید: ص ۲۱۸.

(340)

يظهر معجزاً آخر عقیب دعواه فیکون ظهور الثاني كالمتعقب لدعواه لأنه يعلم تعليقه بدعواه وانه لأجله ظهر کالذي عقیب دعواه .
الخامس: أن يكون خارقاً للعادة، إنتهی.
أنواع المعجز وأقسامه:
وتنويعه بأعتبار ما يظهر فيه الإعجاز.
قال الماوردي الشافعي في أعلام النبوة(1): إذا تقرر أن المعجز محدود بما ذكرنا من خرق العادة فقد ينقسم ما خرج عن العادة على عشرة أقسام:
أحدها: ما يخرج جنسه عن قدرة البشر كأختراع الأجسام وقلب الأعيان وإحياء الموتى فقليل هذا وكثيره معجز لخروج قليله عن القدرة كخروج كثيره .
القسم الثاني: ما يدخل جنسه في قدرة البشر لكن يخرج مقداره عن قدرة البشر كطي الأرض البعيدة في المدة القريبة فيكون معجزاً لخرق العادة، وأختلف المتكلمون في المعجز منه فعند بعضهم أن ما خرج عن القدرة منه يكون هو المعجز خاصة لا اختصاصه بالمعجز، وعند آخرين منهم أن جميعه يكون معجزة الاتصاله بما لا يتميز منه.
والقسم الثالث: ظهور العلم بما خرج عن معلوم البشر كالإخبار بحوادث الغيوب فيكون معجزاً بشرطين: أحدهما : أن يتكرر حتى يخرج عن حد الاتفاق، الثاني: إن يتجرد عن سبب يستدل به عليه .
والقسم الرابع: ما خرج نوعه عن مقدور البشر وإن دخل جنسه في مقدور البشر كالقرآن في خروج أسلوبه عن أقسام الكلام فيكون معجزاً بخروج نوعه عن القدرة فصار جنساً خارجاً عن القدرة ويكون المعجز مع القدرة على الته من الكلام ليبلغ في المعجز.
والقسم الخامس: ما يدخل في أفعال البشر ويفضي بخروجه عن مقدار البشر كالبرء الحادث من المرض والزرع الحادث عن البذر فإن برء المزمن لوقته واستحصاد الزرع المتأكل قبل أوانه كان بخرق العادة معجزة لخروجه عن القدرة.
والقسم السادس: عدم القدرة عما كان داخلا في القدرة كإنذار الناطق بعجزه عن الكلام وإخبار الكاتب بعجزه عن الكتابة فيكون ذلك معجزاً يختص بالعاجز لا يتعداه لأنه على يقين من عجزه وليس على يقين من عجزه .
______________
(1) أعلام النبوة : ص۲۰۰.

(341)

والقسم السابع: إنطاق حيوان أو حركة جماد فإن كان باستدعائه أو عن إشارته كان معجزة له، وإن ظهر بغير أستدعاء ولا إشارة لم يكن معجزاً له وإن خرق العادة لأنه ليس اختصاصه به أولى من اختصاصه بغيره وكان من نوادر الوقت وحوادثه.
والقسم الثامن: إظهار الشيء في غير زمانه كإظهار فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف وإن كان أستبقاؤهما في غير زمانهما ممكنة لم يكن معجزاً وإن لم يكن أستبقاؤهما كان معجزاً سواء بدأ إظهاره أو طولب به.
القسم التاسع: أنفجار الماء وقطع الماء المنفجر إذا لم يظهر بحدوثه أسباب من غيره فهو من معجزاته لخرق العادة به .
القسم العاشر: إشباع العدد الكثير من الطعام اليسير وإروائهم من الماء القليل يكون معجزة في حقهم وغير معجز في حق غيرهم لما قدمناه من التعليل.
وهذا الأقسام ونظائرها الداخلة في حدود الإعجاز متساوية الأحكام في ثبوت الإعجاز وتصديق مظهرها على ما ادعاه من النبوة.
ثم قال : فإن قيل: فقد جاء زرادشت وبولص بآيات ولم تدل على صدقهما في دعوى النبوة، قيل: لأنهما أكذبا أنفسهما ما ادعياه في الله تعالى مما يدل على جهلهما به لأن بولص يقول: إن عيسى «عليه السلام» إله، وزعم زرادشت أن الله تعالى كان وحده ولا شيء معه وحين طالت وحدته فکر فتولد من فكرته أهرمن وهو إبليس «لعنه الله» فلما مثل بين يديه أراد قتله فأمتنع منه فلما رأى امتناعه وادعه إلى مدته وسالمه إلى غايته ومن قال بهذا في الله ولم يعرفه لم يجز أن يكون رسولاً له، ثم دعوا إلى القبائح والأفعال السيئة كما شرع زرادشت الوضوء بالبول وغشيان الأمهات وعبادة النيران وكذلك بولص وماني خذلهم الله ولو دعوا إلى محاسن الأخلاق كانت الشبهة بهم أقوى والأغترار بهم أكثر ولكن الله تعالی عصم بالعقول من استرشدها، وقاد إلى الحق من أيقظه بها، إنتهی.
ونحن قد ذكرنا في كتاب «الميزان الراجح» زرادشت وماني ومزدك والمجوس أجمع وبولص وفرق النصارى، وما صدر من هؤلاء مما يشبه الخارق إنما هو شعبذة ومخاريق سحرية وستعرف الفرق بين المعجز وهذه المخاريق إن شاء الله تعالی.
اشتقاق المعجزة
إن المعجز مشتق من العجز وهو عدم القدرة عن الشيء، يقولون: عجز فلان

(342)

عن كذا وأعجزه الشيء الفلاني إذا لم يقدر عليه ولم يتمكن، ومنه العجز آخر العمر إذا طعن في السن وضعفت قوته فعجز عن القيام بمهماته.
قال ابن الأثير في النهاية(1): والمعجزة بفتح الميم وكسرها مفعلة من العجز عدم القدرة .
وقال الفيروزآبادي في القاموس : وعجزاة عن الشيء فاته، وفلان وجده عاجزاً وصيره عاجزاً، والتعجيز التثبيط والنسبة إلى العجز، ومعجزة النبي أعجز بها الخصم عند التحدي والهاء للمبالغة.
وقال الفيومي في المصباح المنير(2): عجز عن الشيء عجزا من باب ضرب، ومعجزة بالهاء وحذفها ومع كل وجه فتح الميم وكسرها ضعف عنه، الخ.
فقد استبان أن تسمية المعجز معجزة لأن الغير عجز عن الأتيان بمثلها، أما العوام فيصرفون معنى المعجز وهو عندهم الضعف والكسل والعناء والتعب، فيقول بعضهم مشتكياً: عجزت عن المشي وأنا عاجز وعجزان، ويرجع معناه إلى عدم القدرة والكلال والضعف إذ المعنى في الكل ضعف وأعيى فلم يقدر على معاناة هذا العمل ولهم محاورات كثيرة تدل على هذا المعنى كقول قائلهم لرفيقه: «عجزتني من الدوارة عليك» يريد أعجزتني لشدة طلبي لك وفحصي عنك حتى صرت لا أقدر على المشي بعد هذا فيعود المعنى العامي إلى المعنى اللغوي.
الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر
الفرق بين المعجز والسحرة
تقع من السحرة والمشعوذين وأرباب النیرجة والتمويه من المخاريق والأعمال المدهشة ما تختلف عقول الأغمار من البسطاء وتستولي على أفكار الجهلة وسخفاء العقول الذين يعبر عنهم العوام بفاسخي العقول فكما أستغوت هذه الشعبذة والمخاريق أفكار السفهاء أستغوث المخترعات الحديثة ألباب كثيرة من الحلماء ولهذا السبب الوحيد وجب علينا إبانة الفرق بين هذين والمعجز ليستعمل العاقل آلة عقله ويكبح الجاهل جماح طيشه وجهله .
تصدى كثير من العلماء السالفين للتفرقة بين المعجز والسحر ومن هؤلاء أبو حامد الغزالي الشافعي قال في سر العالمين (۳): إعلم أن الناموس هو مفتقر إليه في
____________________
(1) النهاية لابن الأثير ۳/ ۷۰. (۲) المصباح المنیر ۲/ ۳۹.
(3) سر العالمين : ص46.

(343)

بعض الأحيان كالدواء لكن ليكشف شرح مشتقة الأحوال عند العوام، قال صاحب الشرع «خاطب الناس على قدر عقولهم» والمنزه ذکره خاطب كل أحد بما يستحقه ويعقله فلقوم «ولدان مخلدون» ولقوم «سدر مخضود وطلح منضوده ولأرباب الهمم العالية «وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة» والمنشد قد نبه في نظمه شعراً:
إما ذباباً فلا تعبأ بمنطقه أو قملة الرأس فأحذر أن تقع وسطا
واعلم أن الزمان حبيب أهله وطائفة تخترع لها مذهبا في الناموس بطریق الزهد کالسبح المرقعات وجلود الغنم والبرانس وأذان الليل والأنقطاع في الكهفان وكبر الأمور بحيث أن يقول لصاحبه : إذهب ففي الموضع الفلاني كذا وكذا.
وطائفة تظهر النور وأخرى تقعد بين القبور وإظهار الخزعبيلات والنيرنجيات يعرض الكرامات ودهن الأقدام والخوض في النار وإظهار الخرق من سمندل الصين التي يذهب وسخها النار، وإظهار الخفف وبهذه الشعبذة وضرب طلسم على النعل فيعبر الماء ووقوف السجادة في الهواء وشعلة القنديل وإشعال السراج بالماء دون الدهن وكثير من ذلك لا عدد لها .
والفرق بين المعجز والسحر والكرامة هو دوام الشيء وإظهاره للناس كالقرآن المجيد فهو المعجز الأكبر والناموس الأعظم فلا تطلى على الملك حالات المبرهن.
وأما الكرامات والمكاشفات فهم الذين استخدموا وخدموا واستحملوا وعملوا فكشف لهم العمل سد الغفلة وضرب جبهته الذكر ما في الشبهة القلبية فأزال زرقتها وسوادها فوقعت المشاهدة عقيب المجاهدة فتنورت القلوب بنور الهدى والتصديق فهامت النفوس المقدسة في مهامة المروج الصمدية، وانكشف ستر اللوح المحفوظ من دار الديمومة وظهرت الخواطر الصافية من الأجسام الرذلة المعلولة فأفرغت في قالب كمال الوجود وألقت من سجية أهل الجود،الخ.
ومسلکه صوفي كما ترى، وأتذكر بقوله دهن الأقدام والخوض في النار ما بلغني من حكايات بعض المشعوذين والمموهين على العوام السذج والقرويين البسطاء بالمخاريق السحرية والتمويهات النيرنجية فيستغوي الطعام ويستميل أفئدة سطحية فارغة من اليقين والعلم تلتقف الشعوذة التقاف الدهن للنار من ذلك أنه يسجر التنور فيدخل فيه فلا يحترق محاكية بذلك سحرة الهنود الجوكية الذين تحدث عنهم ابن بطوطة الرحالة، أو يقذف بنفسه من شاهق فيقع ولا يتضرر ويلقى نفسه من لج طامي فلا يغرق يظهر أن ذلك من نوع الكرامة كما تفعل شعوذة

(344)

متفلسفة الصوفية وهو ألقي من علو ذراع أو نهر صغير غير مستعد لتلك العملية التحطم ولرسب بلا ریب.
لكن هذه الضروب من الشعبذة السيميا قد لعبت دوارمها في عقول فاقدي الإحساس والشعور، وتغلغلت في تلك الأدمغة الجامدة هذه المخاريق فحسبوها ضربة من الإعجاز وكل من فقد التفكير ينخدع، وكل من لم يتدبر ضل وتحير، أما سمعوا قول الله تعالى حاكياً عن فرعون: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)(1)ولم يحكى مثل ذلك عن ولي من أوليائه ولا نبي من أنبيائه، فهل بری هؤلاء الغوغاء الجهلة والأدنباء السفلة أن فرعون كان محقاً ذا کرامة وإعجاز؟.
إن أمثال هذه الأعمال من الشعبذة والشعوذة والطلسمات والمخاريق منتشرة في العالم ونظيرها من الدخن والبخورات وما يسمونه عزائم الجن كلها من ضروب السحر المحرمة في دين محمد بن عبد الله (ص) وحرمتها في شريعة الأسلام قطعية بالأدلة الأربعة: الكتاب (القرآن) والسنة المتواترة وإجماع الأمة الإسلامية والعقل الصحيح، ومن خالف هذه الأصول الأربعة فهو زائغ.
ولا تستغرب هذه الأدعاءات فقد قام المشعوذون بأمور أعظم خطورة من هذه وأشد تهويلاً على السذج المغفلين ويكاد يعدها أو قد عدها السخفاء القاصرون إعجازا وأنا لا ألوم مثل هؤلاء الضعفاء أن يعجبوا لشيء قد أستعظمه الله تعالى في كتابه بقوله تعالى: (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)(2)، وحكي عن نبيه العظيم موسی بن عمران ما أجنه في نفسه بقوله: (فأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى(67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى)(3) وهذا أمر عظيم فما ظنك بمن يتخيله النبي العظيم صحيحة حيث يقول:(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعَي)(4)، ولم يقف على حد هذا التخيل بل تجاوزه إلى أستشعار الرهبة والخوف فإذن ما حال الضعيف العقل والدين والفكر واليقين؟.
قال ابن النديم في الفهرست (5): زعم طائفة من الفلاسفة وعبدة النجوم أنهم يعملون الطلسمات على أوضاع الكواكب فجميع ما يريدونه الأفعال البديعة والمهيجات والعطوف والتسليات، ولهم نقوش على الحجارة والخرز والفصوص وهذا علم فاشي ظاهر في الفلاسفة، وللهند اعتقاد في ذلك وأفعال عجيبة،
______________
(1) الزخرف: 51. (۲) الأعراف: 116.
(۳) طه : 6۷ .6۸. (4) طه : 66.
(5) الفهرست، ص429.

(345)