موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

        وقال الشبراوي الشافعي في الإتحاف بحب الأشراف(1): قال أبو الفضل: بعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق وضع في طست بين يدي يزيد وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب ثم أمر بصلبه ثلاثة أيام بدمشق وشكر لابن زياد صنيعه وبالغ في إكرامه ورفعته حتى صار يدخل على نسائه، ثم ترك الرأس الشريف بعد صلبه في خزانة السلاح فلم يزل هناك حتى ولي سليمان بن عبد الملك فبعث إليه فجيء به وقد نحل وبقي عظماً أبيض فجعله  في سقط وطيبة وجعل عليه كفناً وصلى عليه ودفنه في مقابر المسلمين بدمشق، فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بيت السلاح يأمره أن يوجه إليه برأس الحسين بن علي «رضي الله عنه» فأخبره أن سليمان بن عبد الملك أخذه وحمله في سفط وصلى عليه ودفنه، فلما دخلت التيمورية إلى الشام سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه.

        ثم قال(2): وحكي عن سليمان بن عبد الملك أنه رأى النبي ص وكان يكرمه فسأل الحسن البصري عن ذلك فقال: لعلك فعلت إلى أهل بيته معروفاً، فقال: إني وجدت رأس السيد الحسين «رضي الله عنه» في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة أثواب من الديباج وصليت عليه في جماعة من أصحابي فقبرته، فقال الحسن البصري: إن النبي (ص) قد رضي عنك بسبب ذلك الخ.

        وهذا حكى ثلاثة أقوال هذا أحدهما ويأتي منها في موضعه.

        وحكى سبط أبن الجوزي في التذكرة خمسة أقوال منها(3) قال: الثالث: إنه بدمشق، حكى آبن أبي الدنيا قال: وجد رأس الحسين «عليه السلام» في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس، وكذا ذكر البلاذري في تاريخه قال: هو بدمشق في دار الأمارة وكذا ذكر الواقدي أيضاً.

        وقال آبن فضل الله العمري في مسالك الأبصار(4) ونورد كلامه هنا بطوله وإن كان بعضه ليس هذا موضعه، ونصه: مشهد الحسين بعسقلان كان رأسه بها فلما أخذها الفرنج نقل المسلمون الرأس إلى القاهرة ودفن بها في المشهد المعروف به خلف القصرين على زعم من قال ذلك والأغلب أنه لم يتجاوز دمشق لأنه إنما حمل إلى يزيد بن معاوية وكانت دمشق دار ملكه وملك بني أمية ومن المحال أن يتجاوز الرأس المحمول إلى السلطان لغير حضرته وله بدمشق مشهد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإتحاف بحب الأشراف:ص32.                                        (2) الإتحاف بحب الأشراف:ص 24.

(3) تذكرة الخواص: ص151.                                              (4) مسالك الأبصار: 1/219.

(231)

 

معروف داخل باب الفراديس وفي خارجه مكان الرأس على ما ذكروا وقد جاء في أخبار الدولة العباسية أنهم حملوا أعظم الحسين ورأسه الى المدينة النبوية حتى دفنوه بقبر أخيه الحسن والمدى بعيد بين مقتل الحسين ومبنى مشهد عسقلان وفي هذا المشهد دفن رأس الكامل صاحب ميافارقين وفي ذلك قال أبن المهتار الكاتب:

أين غاز غزى وجاهد قومــــــــاً                      أثخنوا بالعراق والمشرقــــيـن

لم يشنه إن طيف بــــــالرأس منه                     فله أسوة برأس الحســـــــــين

وافق السبط في الشــــــهـــادة الــ                     دفن وقد حاز أجره مرتيــــــن

لم واروا في مشهد الرأس ذاك الـ                     رأس فأستعجبوا من الحالتــين

        وذكر أبو الفدا في تاريخه(1) هذا أحد أقوال ثلاثة أنه في باب الفراديس.

        وذكر القرماني في تاريخه(2) أقوالا منها: والأصلح أنه دفن في جامع دمشق وأستمر جسده بكربلاء له مشهد عظيم يزار ويتبرك به.

        والخوارزمي الحنفي في مقتله ذكر قصة سليمان بن عبد الملك وذكر ما ينافي السابقة في طلب عمر بن عبد العزيز للرأس وهذا نصه بعد رؤيا سليمان وقصته في دفن الرأس الشريف(3): فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث الى المكان يطلب منه فأخبره بخبره فسأل عن الموضع الذي دفن فيه فنبشه وأخذه والله أعلم بما صنع به، والظاهر من دينه أنه بعثه إلى كربلاء فدفن مع جسده، إنتهى.

        وذكر السيد عثمان مدوخ الحسيني الشافعي في العدل الشاهد: فالمشهور في زماننا أن للرأس الشريف ثلاث مشاهد تزار: أولها المشهد بدمشق الذي فيه الرأس أولاً ثم المشهد بعسقلان بلد على البحر الأبيض قريب من غزة هاشم بالشام ـ يعني فلسطين ـ وقد نقل إليه الرأس الكريم من مشهد دمشق ثم المشهد القاهري بمصر الذي نقل إليه الرأس الكريم من مشهد عسقلان وهو مستقر به الرأس الكريم إلى الآن، الخ.

        وقال أبن بطوطة الرحالة الشهير المالكي في رحلته(4): وباب شرقي وهو أعظم أبواب المسجد ويسمى بباب جيرون وله دهليز عظيم يخرج منه إلى بلاط عظيم طويل أمامه خمسة أبواب لها ستة أعمدة طوال وفي جهة اليسار منه مشهد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ أبو الفدا 1/191.                                 (2) تاريخ القرماني: ص109.

(3) مقتل الخوارزمي2/76.                                 (4) رحلة ابن بطوطة 1/55.

(232)

عظيم كان فيه رأس الحسين «عليه السلام».

            وقال آبن جبير الرحالة المالكي في رحلته(1) بعد وصف باب جيرون: وفي وجه اليسار منه مشهد كبير حفيل كان فيه رأس الحسين بن علي «رضي الله عنهما» ثم نقل إلى القاهرة.

            والحافظ المقريزي الشافعي في الخطط(2) يذكر دفن سليمان بن عبد الملك للرأس الشريف وأن بني العباس نبشوه وأخذوه.

            والسيد علي جلال الحسيني في كتاب الحسين(3): نقله قبلاً عن أبن الوردي وعن السمهودي في وفاء الوفا، والذي ذكره السمهودي(4) وهو ما حكيناه عن أبن أبي الدنيا.

    ثم قال السيد علي جلال(5): وممن ذكر دفن الرأس بدمشق ياسين أبن مصطفى الفرضي في النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة المزارات المشهورة للصحابة بدمشق ونواحيها والمشهور منهم بتربة باب الفراديس المسمات بمرج أبي الدحداح إلا أن المسجد سمي مسجد الرأس داخل باب الفراديس في أصل جدار المحراب لهذا المسجد سمي مسجد الرأس داخل باب الفراديس في أصل جدار المحراب لهذا المسجد رأس الشهيد الملك الكامل وغربي المحراب المذكور في جدار طاقة على الطريق يقال أن رأس الحسين «رضي الله عنه» دفن بها، قال شيخنا النجم في إشاراته: لذا يقال له مشهد الحسين.

    ومثل ذلك روى محمد بن قاسم بن يعقوب في كتاب روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار المؤلف للسلطان سليمان بن السلطان سليم(6): قبر الحسين بن علي «رضي الله عنهما» بكربلاء ورأسه بالشام في مسجد دمشق على رأس أسطوانة.

            وذكر(7) في القول السابع: روى الذهبي في تاريخ الأسلام عن أبي كرب قال: كنت في القوم وثبوا على الوليد بن يزيد وكنت فيمن نهب خزائنهم بدمشق فأخذت سفطا وقلت فيه غنائي فركبت فرسي وجعلته بين يدي وخرجت من باب توما ففتحته فإذا بحريرة فيها رأس مكتوب عليه: هذا رأس الحسين، فحفرت له بسيفي ودفنته، إنتهى.

___________________________

(1) رحلة أبن جبير: ص218.

(2) الخطط 2/289.                                   (3) كتاب الحسين عليه السلام 3/139.

(4) وفاء الوفا 2/96.                                  (5) كتاب الحسين عليه السلام 3/142.

(6) روض الأخبار: ص48.                          (7) نفسه.

(233)

 

   وعلى هذا نقف في النقل عن أهل السنة.

   وذكر هذا القول الفاضل المجلسي في جملة أقوال نسبها إلى أهل السنة وذكر أن أحد أصحابها لم يقل بها(1).

    وذكر صاحب رياض الأحزان(2) هذا وتعقبه بقوله: ونحو هذا حكى آخر ولا يصغى إليه لوضوح فساده وكان الذي أثبته أراد به إلقاء الشبهة ليوهن بها أمر كربلاء وما يعتقد لأمة المؤمنة من قصدها وزيارتها وسائر ما يتعلق بها دعاه إلى ذلك بغضه وعداوته، إنتهى.

    سبحان الله ما أضعف حجة هذا القائل وأسخف ما جادل به الخصوم! إن تكثير المشاهد والمزارات لأعضاء الشريفة لا يوهن أمر الجثمان الطاهر ولا ينقص فضل الجسد المقدس كما تنقص كثرة المساجد فضل الكعبة المشرفة فلكل واحد من المساجد حصة من الفضل والحرمة، وفضيلة الكعبة وحرمتها محفوظة وهي فوق الكل.

   وأما رد هؤلاء القائلين بهذا فلا نحتاج إلى رده بأكثر من اضطرابهم ونقض بعضهم على بعض حتى زعم بعضهم كما سمعت أنه دفن بدمشق ثم نقل إلى عسقلان ومنها إلى القاهرة وهي دعوى مجردة لا دليل عنده ولا برهان، وهذا المشهد المشهور بالشام لا يبعد أن يكون موضع  صلب الرأس الشريف لا موضع دفنه، وهنا  كلام لعثمان مدوخ في العدل الشاهد(3).

______________________

(1) أنظر: بحار الأنوار 10/228.              (2) رياض  الأحزان: ص39.

(3) قال في العدل الشاهد: كان قبل دفنه بعسقلان مدفوناً بدمشق الشام مسجد صغير بالقرب من باب الفراديس وقد ظهرت أمارة صحيحة دلت على ذلك بعد سنة 1260 وأبتنى على ذلك شهرة ذلك المشهد بدمشق وهو مزار مشهور في وقتنا هذا، والذي أمر بإشهاره بعد ثبوت دفن الرأس الكريم فيه المرحوم المغفور له السلطان محمود خان المتوفى سنة 1279.

   ثم قال بعد صفات: ومن الأمارات الدالة على صحة ذلك كله ما حصل في دمشق بعد سنة 1260 وذلك أن بعض العلماء عمد إلى مكان قديم قريب من باب الفراديس وشرع في هدمه ليجعله خزانة لحفظ الكتب فعثر على طاق في الجدار محكم السد بحجر كبير مكتوب عليه بالنقش في الحجر ما فهموا منه أن ذلك مشهد رأس الإمام الحسين السبط فرفعوا ذلك إلى والي الشام يومئذٍ فذهب ورأى ذلك بنفسه وأمرهم أن لا يحدثوا في هذا شيئا ثم رفع الأمر إلى المرحوم السلطان عبد المجيد خان ابن السلطان محمود خان فصدر أمره العالي بكشف هذا المكان بحضور جمهور من العلماء والأمراء ووجوه الناس فأحضروا إلى الشام ما أمر به السلطان وكشفوا الحجر الذي عليه الكتابة فوجدوا فجوة خالية عن الدفن بعد أن رآها=

(234)

 

المشهد الثاني لرأس الحسين «عليه السلام» بالرقة:

 

   بلدة على الفرات هي ألآن في المملكة السورية وكانت سابقا من جزيرة العراق ويسكنها الرشيد، أستطابة لهوائها، وكان يقطنها آل أبي معيط من بني أمية وابتني هذا القول على هذه الشبهة.

    قال سبط أبن الجوزي الحنفي في التذكرة(1): الرابع: إنه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة ذكره عبد الله بن عمر الوارق في كتابه قال: لما حضر الرأس بين يدي يزيد بن معاوية قال: لأبعثنه لآل أبي معيط عن رأس عثمان وكانوا بالرقة فبعثه إليهم فدفنوه في بعض دورهم ثم أدخلت تلك الدار في المسجد الجامع، قال: وهو إلى جانب سدرة هناك عليه شبيه النبل لا يذهب شتاء ولا صيفا، الخ.

   وقال السيد علي جلال في كتاب الحسين «عليه السلام»(2): اختلف المؤرخون في موضع دفن راس الحسين «عليه السلام»: فالإسماعيلية كثير من أهل السنة على أنه دفن بدمشق، ونقل منها إلى عسقلان، ومنها إلى القاهرة، وقيل: إنه مدفون بالمدينة، وقيل: بل بالرقة، الخ.

 المشهد الثالث لرأس الحسين «عليه السلام» في عسقلان:

       عسقلان مدينة مشهورة في فلسطين على ساحل البحر الأبيض وحديث هذا المشهد يرتبط كثيرا بحديث المشهد القاهري كما نحكيه لك وهذه عقيدة سائدة على أهل السنة وخاصة الصوفية وعليها أيضاً الإسماعيلية من الشيعة كما تسمعه في مشهد القاهرة.

    قال الحافظ المريزي الشافعي في الخطط(3): قال الفاضل محمد بن علي

______________
= الحاضرون أمر بسدها كما كانت ورفع ذلك إلى المرحوم السلطان عبد المجيد خان فصدر مرسومه العالي بإعمال طوق من الفضة حوالي الحجر وكنت أعلم مقدار وزن الفضة وأظن أنه سبعة آلاف درهم ولله أعلم بالحقيقة، وهذه الأمارة في هذا الزمان المتأخر دلت على صحة دفن الرأس الكريم بدمشق أولا ثم بعد ثبوت ذلك راينا أنه مكث فيه مائة عام ثم ظهر بعد هذا المشهد مشهد عسقلان إلخ.

   وهذا جهل مفرط فلم كان دلالة على نقله إلى  القاهرة بمجرد خلوه ولم لا يدل على نقله إلى كربلاء كما ذكروا من نبش العباسية والتيمورية له وأعادوا إلى كربلاء؟ فالاستدلال بهذا على صحة النقل للقاهرة تحكم وعناد.

(1) تذكرة الخواص: ص151.                  (2) كتاب الحسين عليه السلام 3/138.

(3) الخطط 2/283.

(235)

 

بن يوسف أبن ميسر: وفي شعبان سنة 491 خرج الأفضل أبن أمير الجيوش بعساكر جمة إلى بيت المقدس وبه سكبان وإيلغازي ابنا أرتق في جماعة من أقرابهما ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك فراسلهما الأفضل يلتمس منهما تسليم القدس إليه بغير حرب فلم يجيباه لذلك فقاتل البلد ونصب عليها المجانيق وهدم منها جانبا فلم يجدا بدا من الإذعان له وسلماه إليه فخلع عليها وأطلقها وعاد في عساكره وقد ملك القدس فدخل عسقلان وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين أبن علي بن أبي طالب «رضي الله عنهما» فأخرجه وعطره وحمله في سفط إلى أجل الدار بها وعمر المشهد فلما تكامل حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى به ماشيا إلى أن أحله في مقره وقيل: إن المشهد بعسقلان بناه أمير الجيوش بدر الجمالي وكمله ابنه الأفضل، إلى آخر ما يجيء في المشهد القاهري.

     وقال عثمان مدوخ في العدل الشاهد: قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: إن الرأس الشريف نقل من مدفنه بقرب باب الفراديس من دمشق بعد ما مكث فيه مائة عام ومنها أنه اشتهر رأس الإمام الحسين «عليه السلام» بقلعة بعسقلان وهي قرية على البحر الأبيض قريبة من غزة هاشم من أرض فلسطين وهذا المشهد عمره أمير الجيوش بدر الجمالي بعد سنة 480 وعمره ابنه الأفضل شاه شاه أمير الجيوش بعد أن كشف البناء وأخرج الرأس الكريم ووضعها في أجل دار وبعد بناء المشهد أعاده إليه وذاك في سنة 491، ثم نذكر نقله إلى مصر كما يجيء.

   وقال الشبلنجي  الشافعي في نور الأبصار(1): وأختلفوا في رأس الحسين «رضي الله عنه» بعد مسيره إلى الشام إلى أين سار؟ وفي أي موضع أستقر؟ فذهبت طائفة إلى أن يزيد أمر أن يطاف به في البلاد فطيف به حتى إنتهى عسقلان فدفنه أميرها بها ثن ذكر نقله إلى القاهرة.

    وبهذا النص في رسالة إسعاف الراغبين للصبان الشافعي على هامش نور الأبصار(2) ونقتصرعلى هذا فإنه سيذكر في المشهد القاهري المشهور إلى اليوم.

المشهد الرابع لرأس الحسين «عليه السلام» مشهد القاهر المعزيّة:

   أو عاصمة مصر اليوم، وهذا المشهد من المشاهد المعظمة المشهورة عند الناس ويدين بصحة ذلك عامة الإسماعيلية من الشيعة وعامة الصوفية من أهل السنة بل أكثر أهل السنة على صحة هذا، المحققون منهم أنكروا ذلك كما تسمع،

_______________________

(1) نور الأبصار: ص120.

(2) رسالة إٍسعاف الراغبين للصبان الشافعي على هامش نور الأبصار: ص181.

(236)

 

وهنا نتوسع في المقال أن لم نتمكن من الاستيفاء لطول هذا البحث وكثرة الجدل والخصام بين النافي والمثبت حتى أدعى بعض المثبتين الإجماع عليه وإن كانت الدعوى باطلة.

        قال السخاوي الحنفي في تحفة الأحباب(1) بعد ذكر القول في دفنه بالمدينة: وقال بعضهم: كانت – بعسقلان فلما أخذتها الفرنج نقلت إلى هذا المشهد – يعني القاهري- والله اعلم بالصواب.

   وقيل: لما قتل الحسين بن علي «رضي تبارك وتعالى عنهما» بأرض كربلاء طيف برأسه وسير في البلاد إلا بأرض مصر فإن أهلها لم يمكنوهم من الدخول على تلك الحالة البشعة بل تلقوهم بمدينة الفرما وهي أول مدائن مصر وحملوهم في الهوادج وستروها بالستور وأوسعوا لهم في الكرامة وأنزلوهم خير الأماكن بمصر وآووهم زمنا وبنوا لموتاهم المشاهد وأتخذوها مزارات وجعلوا لهم أرزاقا من أموالهم تقوم بهم، فكان أهل البيت يدعون لأهل مصر ويقولون: يا أهل مصر! نصرتمونا نصركم الله، وأويتمونا آواكم الله، وآمنتمونا آمنكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجا ومن كل ضيق مخرجا.

            وهذا المشهد قيلة أن الذي أنشأه بسبب رأس الحسين «رضي تبارك وتعالى عنه» هو الوزير طلائع بن رزيك الخ.

            وفي تعليقة محمود ربيع مدرس بالأزهر وحسن قاسم مدير مجلة هدى الإسلام عليه(2) ما نصه: لا نعرف خلافاً في مجيء الرأس الكريم إلى القاهرة فهذه جمهرة من شيوخ المؤرخين قد ذكرت مجيئه الكريم إلى هنا وقد فصلنا أوجه الخلاف وأثبتنا مجيئه ثبوتا لا مجال للشك فيه في كتابنا تاريخ مشهد الحسين «عليه السلام» وهو مطبوع، وروينا في بحث آخر لنا نشر في مجلة الإسلام رواية شاهد عيان حضر مجيء الرأس الكريم إلى القاهرة، أنظره، إنتهى.

   وهذه جهالة وطموح المتجددين يوازن طموح الحصان الذي لم يرض كيف صح له الإجماع وقد خالفت جميع الإمامية وكثير من العلماء السنيين المحققين كالقرطبي وابن كثير وآخرون ممن نسمعك أقوالهم، فدعنا من تهور المتجددين وأسمع ما نحرر.

   قال سبط أبن الجوزي الحنفي في التذكرة(3): الخامس: إن الحلفاء

__________________

(1) تحفة الأحباب: ص94.

(2) في صفحة 94.                               (3) تذكرة الخواص: ص151.

(237)

 

الفاطميين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان ثم نقلوه إلى القاهرة وهو فيها وله مشهد عظيم يزار وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر، قاطن في الأسرار والخواطر، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى:

لا تطلبوا المولى الحسين                بأرض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرجوا                 نحوي فمشهده بــــقلــبي

    انتهى.

    وقال الحافظ المقريزي في الخطط متصلاً بما ذكرنا في مشهد عسقلان(1): وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان ووصله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة 548، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان  الأمير سيف المملكة تميم واليها كان القاضي المؤتمن بن مسكين مشارفها وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكور.

    ويذكر أن هذا الرأس الشريف لما اخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف له ريح كريح المسك فقدم به الأستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة وأنزل به إلى الكافوري ثم حمل السرداب إلى قصر الزمرد ثم دفن عند قبة الديلم بباب دهليز الخدمة فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم ويكثرون النوح والبكاء، ويسبون من قتل الحسين «عليه السلام» ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم.

   وقال أبن عبد الظاهر– مشهد الحسين- «صلوات الله عليه» قد ذكرنا أن طلائع بن رزيك المنعوت بالصالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الرنج وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا: لا يكون ذلك إلا عندنا، فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافة الفائز على يد طلائع في سنة 549.

    وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على بعض شرف هذا الرأس الشريف الكريم المبارك وهي أن السلطان المالك الناصر (رحمه الله) لما أخذ هذا القصر

_________________
(1) الخطط 3/284.

 

(238)

 

وشى إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية وكان زمان القصر بيده وقيل له إنه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن فأخذ وسأل فلم يجب بشيء وتجاهل، فأمر صلاح  الدين نوابه بتعذيبه فأخذه متولي العقوبة وجعل رأسه خنافس وشد عليها قرمزية وقيل أن هذه أشد العقوبات وإن الأنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلا تنقب دماغه وتقتله، ففعلة بهي ذلك مراراً وهو لايتأوه وتوجد الخنافس ميتة فعجب من ذلك وأحضره وقال: هذا سر فيك ولا بد أن تعرفني به، فقال: والله ما سبب هذا إلا أني لما وصلت رأس الإمام الحسين حملتها، قال: وأي سر أعظم من هذا، وراجع في شأنه فعفا عنه، ثم ذكر من جعل فيه مدرسة.

   ثم قال: وأحترق هذا المشهد في الأيام الصالحية في سنة بضع  وأربعين وستمائة وكان الأمير جمال الدين بن يعمور نائبا عن الملك الصالح في القاهرة وسببه أن أحد خزان الشمع دخل ليأخذ شيئا فسقطت منه شعلة فوق الامير جمال الدين بنفسه حتى طفئ وأنشدته حينئذٍ وقلت:

قـــــــالو تـــعصـب للحسين ولم يزل         بـــــالنفس للهول الشديد معرضا

حتى أنضوى ضوء الحريق وأصبح         المسود من تلك المخاوف أبيضا

أرضــى الإله بـــــمـــــا أتى فكأنــــه         بين الأنام لفضله موسى الرضـا

    إلى آخر ما ذكر، وأهل هذا القول كثيرون بل هو المشهور عندهم اليوم حتى أدعي الإجماع، ومن جملة الناصين عليه الشبلنجي والصبان وعثمان مدوخ وأحتج له بأدلة عديدة كلها لم تجده نفعاً.

صفة المشهد الرابع عن الرحالة أبن جبير

 

    عن الرحالة أبن حبير المالكي في رحلته ونصه(1): فأول ما نبدأ بذكره منها الآثار والمشاهد المباركة التي ببركتها يمسكها الله عز وجل، فمن ذلك المشهد العظيم الشأن الذي بمدينة القاهرة حيث رأس الحسين بن علي بن أبي طالب «رضي الله عنهما» وهو في تابوب فضة مدفون تحت الأرض قد بني عليه بنيان حفيل يقصر الوصف عنه ولا يحيط الإدراك به مجلل بأنواع الديباج، محفوف بأمثال العمد الكبار شمعاً أبيضاً، ومنه ما هو دون ذلك، وقد وضع أكثرها في أتوار فضة خالصة، ومنها مذهبة، وعلقت عليه قناديل فضة وحف أعلاه كله بأمثال

_______________

(1) رحلة أبن جبير المالكي: ص12.

(239)

 

التفافيح ذهباً في مصنع شبيه الروضة يقيد الأبصار حسناً وجمالاً، فيه أنواع الرخام المجزع الغريب الصنعة البديع الترصيع ما لا يتخيله المتخيلون ولا يحق أدنى وصفه الواصفون، والمدخل إلى هذه الروضة على مسجد على مثالها في التأنق والغرابة حيطانه كلها رخام على الصفة المذكورة، وعن يمين الروضة المذكورة وشمالها بنيان من كليهما المدخل إليها وهما أيضا على تلك الصفة بعينها، والأستار البديعة من الديباج معلقة على الجميع.

    ومن أعجب ما شاهدناه من دخولنا إلى هذا المسجد المبارك حجر موضع في الجدار الذي يستقبله الداخل شديد السواد والبصيص يصف الأشخاص كلها كأنه المرآة الصينية الحديثة الصقل وشاهدنا من أستلام الناس للقبر المبارك وإحداقهم به وأنكبابهم عليه وتمسحهم بالكسوة التي عليه وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسلين إلى الله سبحانه وتعالى ببركة التربة المقدسة والمتضرعين بما يذيب الأكباد ويصدع الجماد والأمر الإلماع بنبذة من صفته مستدلا على ما وراء ذلك إذ لا ينبغي لعاقل أن يتصدى لوصفه لأنه يقف موقف التقصير والعجز.

   وبالجملة فما أظن في الوجود كله مصنعا أحفل منه ولا مرأى من البناء أعجب ولا أبدع، قدس الله العضو الكريم الذي فيه بمنه وكرمه، إنتهى.

    ونقل محمد سليمان محفوظ في كتاب أعجب ما رأيت بعد كلام أبن جبير هذا ما نصه عن الخطط التوفيقية(1): الضريح الشريف في الخطط عليه مقصورة من الصفر الجيد الصنعة، بابها منها وفيه حلقتان من الفضة يعلوها قبة من الخشب وعلى القبر المبارك تابوت من الآبنوس مكسو الأستبرق الأحمر المزخرف، وعليه خيش أصفر وأخضر مغطى بكشامير الفرمش، وعليه عمامة شريفة من الحرير الأخضر عليها كشمير فرمش أيضا وبجوانبه أربعة عساكر من الفضة وداخل المقصورة شبكة من سلوك الحديد لزيادة الحفظ وبدائرة المقصورة والقبة ألواح بديعة فيها الخطوط المذهبة من الخط الثلثي والكوفي، ومنها ما هو لبعض الملوك العثمانيين ولها باب إلى الباب الأخضر وبابان إلى الجامع لكل منها مصراعان من الخشب المصفح بصفائح الفضة المنقوشة، وبأعلى باب الجامع الغربي (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(2) وبأعلى الباب الذي يله المنبر «الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته والأئمة في ذريته» وبينهما شباكان كبيران من النحاس

_________________

(1) الخطط التوفيقية 3/149.                               (2) الشورى: 23.

(240)

 

الأصفر وعلى الجميع ستائر الجوخ الأخضر، وفوق ذلك ألواح فيها آيات قرآنية وأحدايث نبوية مثل «حسين مني وأنا من حسين»، وأما القبة فإنها على بنائها العظيم القديم وهي كبيرة منقوش باطن أعلاها بالليقة الذهبية وجدرانها من الحجر الجيد المنحوت مكسوة بالرخام الملون إلى أكثر من قامتين وبها محراب يكتنفه عمودان من حجر السماق وللقبة أمام غير أمام الجامع وفيها صندوق النذور.

   إلى أن قال(1):

الشعائر الحسينية:

       للسيد الحسين «عليه السلام» حضرتان في ليلة  الثلاثاء ويوم السبت، ومولده من 11 ربيع الأول إلى غاية الشهر، كذا في الخطط.

المقام الحسيني بكربلاء:

   في الخطط: له «عليه السلام» بمدينة كربلاء مقام جليل قبته مكسوة صفائح الذهب ومقصورته من الذهب المرصع بألماس وعليها سلسلة من الذهب معلقة بالقبة بطرفيها قطعة ياقوت مدلاة على التابوت كبيضة النعامة، وحول المقصورة 37 منارة من الذهب مرصعة باليواقيت كل واحدة كقامة الإنسان، وله خزانة أجتمع فيها سنة 1261 نحو 32 مليون من الطمان والطمان نصف جنيه إنجليزي، وله جامع بقدر جامع طولون فيه جم غفير من طلبة العلم ولهم مرتبات كافية ويعيشون من الرزق الحسيني.

   ثم ذكر للمشهد القاهري كرامات كثيرة وفي ضمنها رؤيا بزيارة النبي (ص) والصحابة لمشهد الحسين «عليه السلام» وشفاء الشيخ أبي الفضل نقيب الخلوتية من دائه الذي أعيى الأطباء بالحسين «عليه السلام» وذكر هو له كرامات شاهدها في نفسه وهي ستة كرامات ويذكر أن فيه مصحف كريم بالخط الكوفي منسوب إلى الإمام علي «عليه السلام» على رق غزال وطوله 35 سنتيما وعرضه 20 وسمكه 35 وهو على اليمين وعلى اليسار مصحف كريم منسوب إلى سيدنا عثمان على رق غزال أيضاً طوله كعرضه 80 سنتيما وسمكه متر وبين المصحفين قطعة من الخرقة النبوية المباركة وهي من قميص المصطفى وقطعة من عصاه الشريفة وهي الساج الآبنوس، وعلى اليسار المكحلة من الحجر الأخضر والمرود من الحديد وبينهما واسطة العقد ثلاث (شعرات من اللحية النبوية)، هكذا ذكر عن الخطط

_________________

(1) الخطط التوفيقية 3/150.

­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­(241)

 

التوفيقية لتوفيق باشا، وذكر بعدها لفظ الزيارة التي يزار بها المشهد وإذا شئت الزيادة أطلبها من كتاب أعجب ما رأيت.

   ويحكي لنا عثمان مدوخ قصة في نقل الرأس إلى القاهرة غير ما ذكره أولاً من نقله من عسقلان ونصها عن العدل الشاهد(1) فارزة؟، وقد رأينا أقوالا غير ذلك نذكر منها ما أشار إليه الشعراني في الطبقاة وذكر في كتب الزيارات وذلك أنه لما رجع جماعة يزيد إلى الشام ومعهم الباقون من آل البيت ومعهم الرأس الكريم خرج عليهم في طريقهم جماعة من أهل مدينة الفرما وهي مدينة قديمة على البحر الأبيض بين دمياط والعريش كانت عامرة في مدة صدر الإسلام وكان لها عدد من المقاتلة لحفظها فلما أستشعرت بما وقع لآل البيت من الضنك والضيق وأنهم قد حملوا إلى يزيد في حالة أسر خرجوا عليهم وقاتلوهم أشد القتال وغلبوهم وأستخلصوا منهم آل البيت ومن معهم من أتباعهم وحملوهم في الهوادج العظيمة وأسبلوا عليهم الستور من الحرير ومشوا أمامهم حفاة مكشوفين الرؤوس بين أيديهم تأدبا حتى وصلوا مدينة الفسطاط فأستقلبهم العامل على الفسطاط ووجوه البلد وعظماؤها وأنزلوهم أكرم المنازل وأجروا عليهم الأرزاق الواسعة وكانوا يـترددون على زياراتهم ويقومون بخدمتهم وكل من توفى أكرموه بدفنه في أحسن المواضع وأشهروا قبره ليزار.

    فهذا سبب أختلاف مواضع أضرحتهم لأنهم كانوا يدفنون من مات من أهل البيت في منزله فمواضع أضرحتهم الآن كانت منازل سكناهم قبل ودفنوا رأس الحسين السبط «عليه السلام» في هذا المشهد الخ.

    ثم ضعف هذا القول وقوى رأيه الأول في النقل من مشهد الفراديس إلى عسقلان إلى القاهرة وقد جزم  بالنقل من عسقلان إلى القاهرة من المالكية الشعراني الصفوي في الطبقات وابن بطوطة الرحالة في رحلته عند ذكر عسقلان والحمزاوي في مشارق ألانوار ونص الشعراني(2): حملة رأس إلى مصر ودفنت بالمشهد المشهور بها ومشى الناس أمامها حفاة من مدينة غزة إلى مصر تعظيما لها «رضي الله عنه».

   ويذكر الحمزاوي في مشارق الأنوار(3): قال المناوي في طبقاته: ذكر لي بعض أهل الكشف والشهود أنه حصل له أطلاع على دفن الحسين بكربلاء ثم ظهر

_______________________
(1) العدل الشاهد: ص35.

(2) الطبقات 1/23.                  (3) مشارق الأنوار: ص142.

(242)

 

بعد ذلك بالمشهد القاهري لأن حكم الحال في البرزخ حكم الإنسان الذي تدلى جار فيطفوا بعد ذلك في مكان آخر، الخ.

    والحمزاوي عن الأجهورب يذكر تواتر ذلك عند أهل الكشف وله هنا كلام مطول نتركه لمؤلفه، وإذا عرفت دعواهم التواتر فنقل الأقوال ملل.

المعارضون لهم بالنفي الباتّ

    منهم شافعية ومالكية وحنابلة، أما أبن تيمية فلا نعد لقوله قولا معارضا كما ذكر علي جلال الحسيني لأن أبن تيمية ما زال ينكر المتواترات فجحوده التطواف برأس الحسين «عليه السلام» كجحود الرضا بقتله وإنكاره حمل أهله أسارى كإنكار الشمس اللائحة ومن تابعة كابن كثير مثله، لكنا نذكر قوله هنا للاعتبار بمقالات الملاحدة.

   قال اليافعي الشافعي الصوفي في مرآة الجنان(1): وما ذكر أنه نقل إلى عسقلان أو القاهرة لا يصح وقد قتل الله تعالى قاتله صبرا ولقي حزنا طويلا وذعرا، ووضع رأس الحبيث المذمم حيث وضع رأس الحسين الطيب المكرم.

   وقال الشيخ محمد بن السيد درويش الحوت البيروتي في أسنى المطالب(2) بعد تمهيد ذكر أمكنة منسوبة للأنبياء وغيرهم لا تصح قال: ومنها المكان المشهور بالمشهد الحسيني بالقاهرة إذ ليس الحسين «رضي الله عنه» مدفونا به بالإتفاق لأن القاهرة بناها عبد القاهر الفاطمي العبيدي ودولتهم كانت في القرن الرابع فلعل الفاطمين هم الذي عمروا المشهد الحسيني لأنهم عظموا أهل البيت ونسبوا أنفسهم إلى الحسين وهم كاذبون، أما جسم الحسين «رضي الله عنه» فبكربلاء من أرض العراق محل قتله وأما رأسه الشريف فقيل في المشهد ولم يصح لما علمت، وقيل: حمل رأسه إلى الشام وجهزه يزيد بن معاوية وارسله إلى المدينة ليدفن عند أهله فدفن بقبة العباس عند أمه وأخيه الحسن، وقيل: وضع يزيد رأس الحسين «عليه السلام» في قبر أبيه معاوية وقيل في المسجد على عمود وستره وقيل على سور البلد وستره والله أعلم.

   وأما قول أهل الباطن أن الميت في البرزخ كالحجر في تيار الماء يريدون أنه ينتقل من مكان إلى مكان وأن الحسين نقل في البرزخ إلى المكان المشهور فهذا لا يثبت إلا بحجة صحيحة ولا حجة فلا يتلفت إليه، إنتهى.

__________________
(1) مرآة الجنان: 1/136                       (2) أسنى المطالب: ص292 طبع مصر.

(243)

 

    وتعقبه السيد علي جلال في كتاب الحسين «عليه السلام»(1): وقول محمد بن الحوت حق في مطالبة أهل الباطن بالدليل على صحة ما يذهبون إليه من تنقل الميت من مكان إلى مكان وما سوى ذلك من أقواله فباطل إذ لم يدع أحد أن جسد الحسين مدفون بمصر ولا ظن أحد أن الرأس دفن بمصر عقب القتل ولا شك أن القاهرة المعزية أحدثها جوهر غلام المعز لدين الله أبي تميم معد بن المنصور إسماعيل لمولاه فلا يعبأ برأي محمد بن الحوت وجزمه بعدم صحة دفن الرأس الشريف بالمشهد المعروف بالقاهرة الخ.

   ومن المعارضين الإمام القرطبي المالكي صاحب التفسير المشهور والتذكرة ونصه في مختصرها للشعراني(2): قال القرطبي «رحمه الله تعالى»: وما ذكر من أنه دفن بعسقلان في المشهد المعروف بها أو القاهرة فهو شيء باطل لا يصح، إنتهى.

   وهذا تعقبه الشعراني المالكي فقال: فقلت: قد ثبت أن طلائع بن رزيك الذي بني المشهد بالقاهرة نقل الرأس إلى هذا المشهد بعد أن بذل في نقلها نحو أربعين ألف دينار وخرج هو وعسكره فتلقاه من خارج مصر حافيا مكشوف الرأس هو وعسكره وهي في برنس حرير أخضر في القبر الذي هو في المشهد موضوعة على كرسي من خشب الآبنوس ومفروش هناك نحو نصف أردب من الطيب كما أخبرني خادم المشهد، ثم أحتج برؤيا الثلبي الحشفي لرسول الله (ص).

    ومن المعارضين الحافظ أبن كثير الدمشقي الشافعي ونصه في تاريخه(3): وأدعت الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة 400 إلى ما بعد سنة 660 أن رأس الحسين «عليه السلام» بعد سنة 500 وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنو عليه المشهد المشهور به بمصر الذي يقال له تاج الحسين «عليه السلام» بعد سنة 500 وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما أدعوه من النسب الشريف وهم في كل ذلك خونة كذبة وقد نص على ذلك القاضي الباقلاني وغير واحد من ائمة العلماء في دولتهم في حدود سنة 400.

   قلت: والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا فإنهم جاؤوا برأس فوضعوه في مكان هذا المسجد المذكور وقالوا هذا رأس الحسين فراج ذلك عليهم وأعتقدوا

_______________________
(1) كتاب الحسين عليه السلام: ص149.            (2) مختصر التذكرة: ص122.

(3) البداية والنهاية 8/204.

(244)

 

  ذلك والله أعلم، إنتهى.

    إن هذا المتهور الأحمق لقد شط بهواه وزاغ من قصد السبيل، إننا لا نجد مجانسة بين ادعاء الرأس وإثبات النسب فلو لم يوجد الرأس في مصر لا يدعي الفاطميون النسب هذا أزيغ واضح على أن الناقل للرأس لم يدعي الأنتساب إليه اتفاقاً فقول أبن كثير ولجاج صوف ثم قيمة قدح الباقلاني في نسب الفاطميين وما قدر أبن كثير في تهجمه، إن أبن كثير أقل من أن يعد قدحه قدحاً أو يعتمد على نقله، إن من زعم أن الجسد الشريف نقل من محل الشهادة فدفن بالمدينة كيف يعتمده المسلم ولا غرابة في إنكارهم نسب الفاطميين وقد أنكروا إرث جدتهم فاطمة الزهراء من أبيها رسول الله (ص) وقد شهدت لها ولادة رسول الله (ص) لها وشهد لها القرآن الكريم في آياته الكثيرة، ومن تجاسر على رد شهادة القرآن بالرأي والهوى كيف لا يتجاسر على إنكار نسب الفاطميين بالعصيبة والغواية والأئمة الذين عناهم مثل أبن تيمية لا قيمة لهم في عالم إثبات الحقائق الجلية فلطالما أنكروا الضروريات المسلمة وجحدوا ما أتفق المسلمون على ثبوته، وكم تجاسروا على تكفير الأمة بما أجمعت عليه من أحكام دينها وضروريات شرعها مدة ثمانية قرون.

    ومن المعارضين بإنكار المشهد الحسيني في القاهرة علي القاري الحنفي فيما نقله عنه علي جلال في كتاب الحسين «عليه السلام»(1) وحيث أنه أحتج بابن تيمية وعقيدته كعقيدة أبن كثير تيمية تركت قوله فراجعه إذا شئت.

المشهد الخامس لرأس سيد الشهداء الحسين بن علي «عليهما السلام»

 

   بالمدينة النبوية المنورية وهذا رأي جماعة من علماء التاريخ بين جازم ومتردد وأختلفوا في موضع دفنه في المدينة كما أختلفوا في صورة وصوله فقائل يقول أرسله يزيد لعمرو بن سعيد الأشدق مبشرا له بالفتح، وقائل يقوله حمله مع السبايا فلما وصلوا المدينة دفنوه، وإليك النصوص في هذا على غير ترتيب.

    قال الشبلنجي الشافعي في نور الأبصار(2): وقيل: دفن بالبقيع عند أمه وأخيه الحسن وهو قول ابن بكار والعلاء الهمذاني وغيرهما، وسنورد بقية كلامه.

_____________________

(1) كتاب الحسين عليه السلام: ص147.

(2) نور الأبصار: ص121.

(245)

 

وقال الصبان الشافعي في إسعاف الراغبين(1): وذهب آخرون منهم الزبير بن بكار والعلاء الهمذاني إلى أنه حمل إلى أهله فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه وأخيه الحسن الخ، ويأتي تتمة كلامه.

    وقال عثمان مدوخ الحنفي في العدل الشاهد(2): وقال بعض المؤرخين أنهم سافروا به إلى المدينة ودفنوه بالبقيع ولم يعينوا موضع دفنه بالبقيع.

     وقال الشبراوي الشافعي في الإتحاف(3): في شرح الهمزية لابن حجر: قيل: إن يزيد أرسل برأس الحسين «عليه السلام» وثقله ومن بقي من أهله إلى المدينة فكفن رأسه ودفن عند قبر أمه بقبة الحسن، الخ.

     وقال السخاوي الحنفي في تحفة الأحباب(4): فقال بعضهم إن رأس الحسين «عليه السلام» بالمدينة المشرفة.

    وقال الخوارزمي الحنفي في مقتله(5): ذكر الإمام أبو العلاء الحافظ بإسناده عن مشائخه أن يزيد بن معاوية حين قدم عليه برأس الحسين وعياله بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي آل أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم وجهلهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها وبعث رأس الحسين «عليه السلام» إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله على المدينة فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إلي، ثم أمر عمرو برأس الحسين «عليه السلام» فكفن ودفن في البقيع عند قبر أمه فاطمة «عليه السلام» الخ.

    وقال السيد السمهودي الشافعي في وفاء الوفا(6): وذكر محمد بن سعد أن يزيد أبن معاوية بعث براس الحسين «عليه السلام» إلى عمرو بن سعيد بن العاص وكان عامله على المدينة فكفنه ودفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة بن رسول الله (ص) لكن ذكر أبن أبي الدنيا أنهم وجدوا في خزانة ليزيد رأس الحسين «عليه السلام» فكفنوه ودفنوه بدمشق عند باب الفراديس وقيل غير ذلك.

    وقال سبط أبن الجوزي في التذكرة في جملة الأقوال الخمسة التي ذكرها وفيها(7): الثاني: إنه دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمة «عليه السلام» قاله أبن سعد

_______________________
(1) إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص182.

(2) العدل الشاهد: ص50.                     (3) الإتحاف بحب الأشراف: ص23.

(4) تحفه الأحبابب: ص94.                   (5) مقتل الخوارزمي 2/75 طبع النجف.

(6) وفاء الوفا 2/96.                          (7) تذكرة الخواص: ص150.

(246)

 

قال: لما وصل إلى المدينة كان سعيد بن العاص(1) والياً عليها فوضعه بين يديه فأخذ بأرنبة أنفه ثم أمر به فكفن ودفن عند أمه فاطمة «عليه السلام».

    وذكر الشعبي أن مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذه وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه وقال:

يــــا حبذا بردك في اليـــــــدين                ولونك الأحمر في الخديــــن(2)

        والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان.

        قال أبن الكلبي: سمع سعيد أو عمرو بن سعيد الضجة في دور بني هاشم فقال:

عجبت نساء بني تميم عــــجة                 كعجيج نسوتنا غداة الأرنب(3)

 

       والرواية «عجبت نساء بني زياد».

       وروي أن مروان أنشد:

ضرب الدوسر فيهم ضربة            أثبتت أوتاد ملك فأستقر

   وذكر أبن كثير الشافعي في البداية والنهاية(4) قول أبن سعد في دفن الرأس الشريف بالبقيع.

   وفي مختصر تذكرة القرطبي المالكي للشعراني المالكي(5) بعد حكاية قول أبي العلاء ما نصه: قال الإمام القرطبي: وهذا أصح ما قيل فيه وبه قال الزبير بن بكار الذي هو أعلم بالأنساب.

   واليافعي الشافعي الصوفي في مرآة الجنان(6) ذكر رواية أبي العلاء وقال(7): هذا أصح ما قيل فيه، وكذلك قال الزبير بن بكار وأن الرأس حمل إلى المدينة.

   وقال أبن العماد الحنبلي في شذرات الذهب(8): ولما تم قتله حمل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ومن آمر به أو رضيه.

________________________________
(1) سقط في النسخة هو عمرو بن سعيد.

(2) زاد فيها غيره:

كأنما حف بوردتين               شفيت نفسي بدم الحسين

(3) البيت لعمرو بن معد يكرب الزبيدي.

(4) البداية والنهاية: 8/204.                    (5) مختصرة تذكرة القرطبي: ص122.

(6) مرآة الجنان 1/135.                        (7) نفسه: ص136.

(8) شذرات الذهب 1/67.      

(247)