موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

كعرينة الليث وسيبقى المنزل العائلي كغابة الأسود تزأر أمامها السباع الضواري وما دامت الأسود تهدر والنمور تزأر لا تدنو الوحوش فلا تقترب الذئاب الساغبة فيها فإذا هذا الصوت الأسدي الصاخب من ناحية أقتحمها الذئب المخاثل ويرون أن حياة الحسين «عليه السلام» مضمونه بضمان السلامة ما قام أبو الفضل ينافح عنه ويكافح دونه وقد جعل نفسه وقاية له وحياته فداء ليحاته فإذا حمله إلى الخيمة فإنهم ولا شك إذا رأوه قتيلا يرتاعون أشد الارتياع ويندهشون أعظم الأندهاش ويخالجهم الرعب والذعر الذي لم يخالجهم وشخصه بالوجود ويحسبون لقتل الحسين «عليه السلام» ألف حساب وقد عقدوا فيه آمالهم، فإذا قتل العباس «عليه السلام» فإنه سيستقتل ويستدهف للأعداء ويصحر لهم وقد فقد المحامي والمدافع لا ريب في ذلك لأنه مطلوب أهل الكوفة والغاية المقصود من تحشدهم وقد فتحت الثغرة بقتل العباس «عليه السلام» ولا حت الثلمة في الحص لرامقها فترك العباس «عليه السلام» في موضع سقوط متعين لهذه المصلحة الحربية والحسين «عليه السلام» لا تنكر مهارته الحربية ولا خبرته بفنون القتال فهو القائد المحنك والزعيم المجرب فإبقاء الفقيد العزيز في موضعه أقرب للمصلحة الحربية من تهايج النساء المذعورة وهيجان الصبية المرعوبة فإن إزعاجها وقلقها يزعج راحة القلب الغيور ويقلقه ويلهيه عن التفكير في مقدمة الحربي ويشغل حواسه من التبصر بكيفية القتال وملاقات العدو المسرف بهدوء وتفكير.
خامسها: إن بعض أهل المقاتل يصرح بمحبة العباس «عليه السلام» للبقاء وأنه ذلك لأمرين:
أحدهما: ما ذكرنا في نزول الموت به.
وثانيها: الأستحياء من خلف موعده لسكينة «عليه السلام» بإحضار الماء لها ولم يأتها به لحيلولة الأقدار دون ذلك فأقسم على أخيه الحسين «عليه السلام» بحرمة جده رسول الله (ص) أن يدعه في مكانه ولا خفاء أن خلف الوعد ولو كان لسبب قهري صعب عند ذوي الشهامة والمروة، والاعتذار قبيح عند صاحب الإباء والحفيظة، ونفسية العباس «عليه السلام» الحرة وشعوره الحي ويقظته الوقادة تأبى أن تتوسم في ملامحه أو ترتسم في أسارير غرته الغراء آثار الخلف وعدم الوفاء بالموعود ولو كان بغير اختيار لغلبة الأقدار وحيلولة القضاء بينه وبين مبتغاه وعرقلة المنية لنجاح مسعاه، وإن أجله المبادر أحبط أمله الذي كان يدعمه ظن الفوز والظفر بموعوده.

(191)

هكذا تجد النفوس الزكية والأرواح الطيبة أن نظر الموعد إلى وجه الموعود كسراً وهضماً إذ لم يبلغه الأمل ولم يوصله إلى البغية ولم يمكنه من المراد.
ويظهر من بعض المقاتل ما ينبغي أن نعده سببا سادسا وهو أن جسد العباس «عليه السلام» قد وزعته أسلحة الأعداء توزيعا وفصلته مفاصلا وآراباً بحيث لا يمكن حمله لتساقط أعضائه فيحتاج في حمله إلى وعاء (سدية) لتجمع أعضائه الموزعة وهذا غير بعيد عن النظر الدقيق فإن التفكر في قسوة الجيش الكوفي وغلظة أكباد أمرائه وقواده وجلفيتهم وأخلاقهم الجافية في عموم بني الإنسان فإذا أضيف إلى هذا بغضهم لآل علي «عليه السلام» الذي أباد أسلافهم في حروبه ونظر إلى حنقهم الزائد على العباس خاصة وتأثرهم من حد صارمه الطائش في ساحة الجلاد والذي نثر جماجم أعيانهم وهام أبطالهم على وهاد كربلاء قادهم إلى التشفي الغليظ الشائك منه بتوزيع أشلائه المباركة غيظا وحنقاً عليه.
وهنا يقول اليزدي في مصائب المعصومين(1): روي في بعض المقاتل أنه لما رأى الحسين «عليه السلام» أخاه العباس «عليه السلام» قد وقع على الأرض مقطع الأعضاء مزمل بالدماء بكى بكاءاً عاليا فقال له: هل من وصية؟ قال: يا أخي! وصيتي أن لا تحملني إلى الخيام ما دمت حيا، فسأله عن سببه؟ قال: أني استحي من سكينة لأني ما قدرت على إتياني لها بشربة من الماء، ثم أرتحل روحنا لروحه الفداء.
وروي في بعض الكتب أن من كثرة الجراحات الحالة عليه لم يقدر الحسين «عليه السلام» أن يحمله إلى محل الشهداء فترك جسده الشريف في محل مقتله ورجع «عليه السلام» باكيا إلى الخيام، إنتهى.
وتقدم كلام الدربندي في كبش الكتيبة والقائلون من أرباب المقاتل أن الحسين «عليه السلام» حمل أخاه العباس كصاحب المنتخب ومن وافقه من أرباب المقاتل فهم خصوم أنفسهم ومحاكموها بما ذكروه من دفنه على ضفاف العلقمي حيث مزاره الآن فإنهم جزموا بذلك ولم ينقلوا أن علي بن الحسين «عليهما السلام» نقله عند دفن الشهداء إلى هذا الموضع ولا حمله الأسديون، ثم ما الفائدة في النقل إلى هذا الموضع بخصوصه وإبعاده عن مرقد أخيه ولوجب أن يكون لو نقل أقرب الناس إلى الحسين «عليه السلام» كما أن أبنه علي الأكبر فلا ينبغي التردد والارتياب في أنه «عليه السلام» بقي حيث سقط على المسناة.
________________
(1) مصائب المعصومين: ص360.

(192)

ويلزمنا هنا بيان أمرين:
أحدهما: دفن الشهداء كيف كان؟
ثانيهما: التعريف بكربلاء القديمة وبعض قراها لتعرف من هي الغاضرية ومن نينوى والعقر؟
فقد زلت هنا أقدام فطاحل من العلماء وكبا آخرون من المؤرخين في هوة الوهم.
دفن الشهداء وأين دفنوا؟
فإن أبا الفضل بدون أرتياب ولا تشكيك دفن على مسناة العلقمي وهذا متواتر في النقل وعليه عمل الشيعة من حين دفنهم إلى يومنا هذا.
قال فخر الدين الطريحي (رحمه الله) في المنتخب(1): كلهم دفنوا مما يلي رجل الحسين «عليه السلام» في مشهده فإنهم حفروا لهم حفيرة عميقة وألقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب رحمة الله عليهم، وأما العباس «عليه السلام» فإنه دفن ناحية منهم في موضع المعركة عند المسناة وقبره ظاهر على ما هو الآن وليس لقبوره إخوته وبني عمه الذين سميناهم أثر ظاهر إنما الزائر يزورهم عند رجلي الحسين «عليه السلام» ويومي الأرض ويشير إليهم بالسلام وعلي بن الحسين «عليهما السلام» من جملتهم، وقيل: إنه أقرب منهم إلى قبر أبيه «عليه السلام»، وأما أصحاب الحسين «عليه السلام» الذين قتلوا معه فإنهم دفنوا حوله وليس لهم أجداث على الحقيقة ولا شكل أنهم في الحائر المقدس على ما نقل عن الثقاة والحائط محيط بهم «رضوان الله عليهم أجمعين».
وقال السيد الداودي في العمدة(2): وقبره- يعني العباس «عليه السلام»- قريب من الشريعة حيث أستشهد وكان صاحب راية أخيه الحسين «عليه السلام» ذلك اليوم، إنتهى.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الأرشاد(3): ولما رحل عمر بن سعد «لعنه الله» خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين «عليه السلام» وأصحابه فصلوا عليهم ودفنوا الحسين «عليه السلام» حيث قبره الأن ودفنوا أبنه علي بن الحسين الأصغر عند رجلي الحسين «عليه السلام» وحفروا الشهداء من
__________
(1) منتخب الطريحي: 1/18.
(2) العمدة: ص323. (3) الإرشاد: ص258.

(193)

أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا العباس بن علي «عليهما السلام» في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن.
وقال ملا محمد حسن القزويني في رياض الأحزان(1): أتفق أهل السير وأرباب الخبر على أن قوما من بني أسد جاؤوا إلى مصرع الحسين «عليه السلام» بعد أن خلت ساحة ذلك البر من سواد العسكر لدفن تلك الجثث الشريفة والأجساد المطهرة والأبدان المنور ولم يتعرض أحد ممن يعتمد عليه لبيان موجب أنبعاثهم لذلك، نعم حكى السيد الجزائري أن ما رآه زارع العلقمي وسمعه دعاه إلى ذلك من غير ذكر منه وبيان أنه أخبر بن أسد بما ظهر له فوافقه منهم جماعة على عزيمة الدفن أم لا؟ وأم كان شراء الحسين «عليه السلام» ما شراه الأرض كربلاء من أهل الغاضرية مع إخباره بشهادته وشهادة أصحابه وكانت تلك الأرض مدفناً لهم وحفرة وتربة وشرط عليهم ما شرط بعد حبس الأرض أنهم جاؤوا لدفنه وفاء ببعض ما شرطوا له «عليه السلام».
وفي بعض ما ألف في المقتل أن نساء الغاضرية بعد ما مضى الموعد وشاع ذكر قتله «عليه السلام» اجتمعت وقالت للرجال: إلا تذهبون إلى مصارع آل الرسول توارونهم وتحرسونهم من السباع وعسلان القاع؟ أما تخافون الله؟ أما تؤمنون برسول الله (ص)؟ فقالوا لهن: نعم لكن نخاف من العتل الزنيم عبيد الله بن زياد أوما علمتن ما صنع بِآل الرسول وأولاد فاطمة البتول؟ فقلن لهم: أن كنتم تخافون على أنفسكم وعلينا منه فإنا لا نخاف على أنفسنا وعليكم ونذهب الآن إلى دفن أجساد الشهداء وأنفسنا لهم فداء والله يعطي الجزاء، فلما قلن ذلك صحن وضججن وتهيئن للخروج بآلات الحفر للقبور فحين ما رأى الرجال والفتيان هذا من النسوان أخذتهم الغيرة والحمية وأقبلوا لمصارع الشهداء لدفنهم ومواراتهم.
وفي المنتخب: فلما ارتحلوا إلى الكوفة وتركوهم على تلك الحال - يعني الحسين «عليه السلام» وأصحابه- عمد أهل الغاضرية من بني أسد فكفنوا أصحاب الحسين «عليه السلام» وصلوا عليهم ودفنوهم.
قلت: فيه دلالة على أمور ثلاثة:
الأول: إنه لم يتعرض فيه لكفنهم ودفنهم الحسين «عليه السلام» وإنما بين
____________________
(1) رياض الأحزان: ص38.

(194)

كفن أصحابه فلعلة منه بل هو إخفاء لأمر وإشارة إلى أن الإمام لا يلي أمره إلا الإمام.
الثاني: تصريحه بكفنهم أياهم هو غير موجود في الأنصار وكلام الأخيار لكنه موافق للاعتبار فإن الشهيد المجرد عن ثيابه يكفن عليه ويدفن، وغير المجرد يدفن بثيابه والظاهر بل المقطوع به أنهم جردوا جميع الشهداء معه «عليه السلام».
ومما يدل على أن المجرد يكفن ما ثبت أن رسول الله (ص) كفن حمزة وحنطه لأنه كان قد جرد؛ رواه أبان بن تغلب، وفي روضة الشهداء: إن أهل الغاضرية جهزوهم فصلوا عليهم ودفنوهم.
الثالث: إن المتولي لدفنهم هم أهل الغاضرية كما صرح به غير واحد من الكتب فقال الطبري في التاريخ: أن جسد الحسين «عليه السلام» مع من كان معه من الشهداء كام ملقى ثلاثة أيام في عرصة كربلاء فجائهم أهل الغاضرية، والغاضرية قرية على شاطئ الفرات وكانوا من بني أسد فأقبلوا إليهم وقالوا: ياللمسلمين! تلك الجثث والأجساد تأكلها الأسود والذئاب كلا والله فأتقو الله وأحذروا من غضبه فأجتمع عند ذلك كلهم وجاؤوا إليهم فأخبروهم ودفنوا جثة الحسين «عليه السلام» هناك بلا رأس دفنوا علي بن الحسين عند رجليه وسائر الشهداء في الموضع المعروف إلا العباس بن علي «عليهما السلام» فإنهم دفنوه في مصرعه على طريق الغاضرية، إنتهى.
وليس هذا من كلام الطبري كله وإنما نص لفظ الطبري(1): وفدن الحسين «عليه السلام» وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم ولنا نظرة في مقالة هذا في الأمر الثاني في تقوية قول المنتخب في تكفين الأسديين للشهداء كربلاء بزعم سلبهم ثيابهم دون الحسين «عليه السلام» هذه الدعوى البادرة التي لا يدعمها برهان ولا تقيمها حجة بل هي مصادر غريبة ولا غرابة في الفهم الضعيف الصحيحة ويتناقله أهل لمقاتل المؤثوق بهم سلب الحسين «عليه السلام» خاصة وتجرده من ثيابه، وما أتفق عليه الناقلون أنه «عليه السلام» أخذ برنسه مالك بن النسر البدي من كندة، وقطيفته من قيس بن الأشعث، وأخذ سراويله أبحر بن كعب إلى آخر ما ذكر الطبري وغيره من المؤرخين وحتى صار الأمر ميدانا فسيحاً تجول
_____________________________
(1) تاريخ الطبري 6/261.

(195)

فيه سبق جياد الشعر وحلبة تعقدها المجليات من أفكار مؤبنيه فيقول بعضهم:

عار تجول عليه الخيل عاديــة حاكت له الريح ضافي مئزر وردا

وقال آخر:

أحسين هل وافاك جدك زائـراً فيراك مـسلـوب الـثـيـاب مــجــــدلا

وقال دعبل:

عار بلا ثوب صريع في الثرى بين الــحـوافــز والـسـنـابــك يـقـصد

ولا يسعنا أستيعاب ما ذكره الشعراء وأرباب التاريخ ولا أستيفاء نصوص الزيارات والأحاديث ونعود إلى كلام صاحب رياض الأحزان، قال(1): وفي كامل الزيارة: إنه لما ارتحل عمر بن سعد «لعنه الله» مر بالشهداء قوم من بني أسد مرتحلين من الغاضرية فلما وصلوا كربلاء رأوا حالة الشهداء أقاموا ودفنوا الحسين «عليه السلام» وحده وعلي بن الحسين «عليهما السلام» عند رجليه والعباس بن علي «عليهما السلام» في شاطئ العلقمي والباقين من شهداء في حفرة عظيمة دفنوهم بأسرهم في موضع واحد، وأشخص أقرباء الحر بن يزيد جثته إلى قبيلتهم فدفنوه هناك، وأطال في نقل الأقوال ولا حاجة بنا إلى الأطالة في النقل بعد العلم بأن المباشر لدفن الشهداء هم بنو غاضرة من بني أسد ويهمنا بيان أمور: أحدها: أين قبور العلويين وقبور أنصارهم؟ ثانيها: كم مكثوا بلا دفن؟ ثالثها: هل أستقل الأسديون بدفنهم أم أعانهم غيرهم؟.
الجهة الأولى: تصرح الأحاديث أن الشهداء حفرت لهم حفيرتان: واحدة للعلويين مما يلي رجلي الحسين «عليه السلام» والثانية لأنصارهم خلف حفرتهم كما صرحت أخبار أخر أن الحائط أو الحائر على الأصح محيط بهم ولأجل أن نفقه رمز مجموعة الأخبار لتستنتج فهيا صورة واضحة نفهم منها أمتداد هذه الحفرة إلى أين ينتهي يجب علينا أن نفهم عدد هؤلاء الشهداء بالضبط وكيفية الدفن.
لا ريب أن أقل ما روي في شهداء بني هاشم ثمانية عشر أنسان، وفي الأنصار سبعين، هذا هو المتيقن لأنه أقل الأقوال ويتفسح في جانب الكثرة، فإذا قلنا أن الدفن هو الشرعي لا أنهم جمعوهم جمع الحاجيات في المستودعات فلا بد أن يشق لكل واحد في الحفيرة ضريح لا يقل عرضه عن متر واحد فإذا قسمت ثمانية عشر متراً من رجلي الحسين «عليه السلام» إلى الرواق الشرقي أستوعبت
__________________
(1) رياض الأحزان: ص39.

(196)

قبور الهاشميين الرواق الشرقي كله وربما أخذت من الصحن شيئا إذ مسافة الساحة من رجلي الحسين «عليه السلام» إلى الرواق الشرقي لا يزيد عن هذا المقدار إن لم تنقص عنه.
وإذا انتقلنا إلى حفرة الشهداء كذلك بجعل الواحد إلى جنب الآخر نحتاج سبعين مترا مبدئين بضريح حبيب بن مظاهر إلى سور الصحن الشرقي إن لم ينقص عن هذا المقدار فلا يزيد عليه فعندي من هذا الأستنتاج أن مساحة مراقد الشهداء أوسع من هذه الدائرة الضيقة المحصورة في الرواق الحسيني ولا يعقل أن يجزم بها إلا على إلغاء الدفن الشرعي وجعلها مستودعات للجثث الوحدة فوق الأخرى كمستودعات أكياس الحبوب وهذا ما لا يجوز التفوه به ومحال أن يفعله الإمام الزين العابدين بل حتى لو اقتصرنا على الأسديين محال أن يفعلوا ذلك وهم عقلاء مسلمون أنهضتهم حمية الدين وأقامتهم غيرة الإسلام على موارات خير رجاله ونخبة أبنائه أن يستهينوا بهم ويقذفوا بهم في الحفر كما تقذف السلع ي المستودعات، وفيهم من رهط النبي (ص) ومن عبادة الله الصالحين أهل النسك والزهد والعبادة، هذا علمي ومنتهى دقة فكري، ولكل ما أرشده إليه عقله وتفكيره فليعمل من شاء فكره الدقيق ليظهر له ما ظهر لي وأرجوا من الله التسديد.
الجهة الثانية: فقد شاع وأشتهر على ألسنة المؤرخين وأقتبسه منهم الشعراء أن الحسين «عليه السلام» بقي ثلاثة أيام بدون دفن وقد يتوهم المتوهم من قول الطبري وابن الأثير وابن كثير من مؤرخي السنة وهما ناقلان للطبري، ومن كلام الشيخ المفيد وابن شهر آشوب وابن طاوس من مؤرخي الشيعة أن بني أسد دفنوا الشهداء بعد قتلهم بيوم كما سمعت نص الطبري فيرى أن دفن الشهداء بيوم الحادي عشر وهذا خطأ محض قد نص أهل هذا القول على أرتحال عمر بن سعد «لعنه الله» بعد إكمال اليوم الحادي عشر، أنظر قول الطبري في التاريخ بعد أن ذكر أنه أرسل رأس الحسين «عليه السلام» يوم مقتله إلى أبن زياد قال(1): واقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ثم أمر حميد بن بكير الأحمري فإذن في الناس بالرحيل إلى الكوفة ، الخ، ومثله قال أبن أثير وابن كثير.
وأنظر قول الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى(2): وأقام هو- يعني أبن سعد- بقيه يومه واليوم الثاني إلى الزوال ثم نادى في الناس بالرحيل وتوجه نحو الكوفة الخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 6/262. (2) أعلام الورى: ص 148.

(197)

وهنا نفهم أنه لا يتم لهم رحيل إلا ليلة الثاني عشر ولا تبلغ الأخبار برحيلهم إلى بني أسد إلا يوم الثاني عشر لأنقطاع المارة هيبة ورهبة للجيش فإن كانوا في حيهم نزولا فقد يجوز دفنوهم في اليوم الثاني عشر وهو ثالث يوم قتلهم فيكون بقاؤهم بلا دفن يومان ونصف، وإن كانوا في البادية قد فروا من وجه جيش عمر أبن سعد «لعنه الله» على ما هو المروي والعمل عليه اليوم فيكون رجوعهم إلى حيهم ويغدون صباحا على دفن الشهداء لا يكون ذلك الوقت إلا وقت فراغهم من إصلاح منازلهم فتكمل ثلاثة أيام ملفقة وهذا هو الموافق لما نص عليه أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري، قال في الأخبار الطول(1): وأقام عمر بن سعد «لعنه الله» بعد مقتل الحسين «عليه السلام» يومين ثم أذن في الناس بالرحيل، الخ.
وقد أكثر الشعراء من ذكر هذا، قال الشاعر كل في رياض الأحزان:

يا عين جودي بالدموع فإنما يبكى الحزين بحرقة وتفجع
يا عين ألهاك الرقــاد بـطيبة عن ذكر إل مــحـمـد بتوجع
باتت ثلاثا بالصعيد جسوهم بين الوحوش وكلهم مصرع

وقال الشريف الرضي (رحمه الله تعالى) من قصيدة في رثاء جده الحسين «عليه السلام»:

لله ملقا على الرمضاء غـص به فم الردي بعد أقدام وتشـمـير
تحنو عليه الربى طورا وتـستره عن النواظر أذيال الأعصـاير
تهابه الوحش أن تدنوا لمصرعه وقد أقام ثلاثا غير مــقــبــور

وللمؤلف يخاطب سيد الشهداء الحسين بن علي «عليهما السلام»:

يـــا شـــارع الـنـهـضـة الـلاتـي تـقدسها أحـــرر كـــل زمــــان فـــي نــواديها
يـــا رائـد الـنـاس للـعـلـيا وقـائـــدهـــــــا إلــى الـــنجــاح وقد خــابت مساعيها
يــا مـنـقـذا أنـفـس الأحــرار مـفـتـديـــــا شـــريــعـة الــعدل من جور غدا فيها
وقــيــت بـالـنـفـس ديــن الله مــن فــئـــة قــد كــان يـــزخــر بالـعدوان واديها
قـرأنـهـا الزيــر حـيـث الــعـود كـعـبتهـا والــنـقـر بـالـدف آذان بــنـاديــهــــــا
حــيــث الـبـغـايا وحـيـث الـخمر طافحة دنــانـهـا خـاب مـسـقـيـهـا وســاقيهـا

__________________
(1) الأخبار الطوال: ص256.

(198)

يـسـتـهـتـرون وأهــل الـديــن بـيـنـهــموا لا يــسمــعون نـــداء مـــن مـنـاديهـا
وقـــادة الــعــرب والإســلام عــنــدهــم مثل الأرقاء ذل الأسر عاليهــــــــــا
نهضت والسيف سيف الجور من صلة فـالـسـفـك في حـاضـر الدنيا وباديها
وكم دمــاء بــراء فــيــه قـــد ســفــكــت لــم تجن ذنبا سوى أرضاء باريــها
للعدل تدعو وتنهى وتنهى عن مناكرهم كــانــت جــريــمـتـهـا فــيهم نواهيها
شــمــرت عــن سـاعد بـيـضـاء لاـمعـة تدعو إلى العدل قـاصــيـهـا ودانـيها
ولـــم تـخـف سـطـوة الـبـاغـي وحـدتـــه تــستعذب الموت في إرغام باغيها
تــدعـو إلـى الله أهـــــــل الله مـنـتـهـجــاً طــرق الـنـبـوة تـبـاعاً لداعيهــــــــا
وقــمـت تـأمـر بـالـمـعـروف مـبـتـغـيـــا أســعـادهـا مـا أقـتـفـت آثار هاديهـا
فــقــد أجــابــك داعـــي الله طـائــفــــــة قد ســــدد الله فـي الدنـيا مـرامـيـهـا
وقـــد رضـــت أمـــة الأطــماع أجمعها رعــاية الذئــب عدوا دون راعيـها
فـــمــا اسـتـجـابـوا إلـى رشـد دعوت له إن الغـوات لتقفــر أثر مـغريــهـــــا
مــا الـعـدل كـلا ولا الإصــلاح يرغبهم إن كنت بالعدل والإصلاح غازيها
أن يــقـتـلوك فـإن الـمـصـلـحـيـن قضوا بين الشعوب وذا تاريخ ماضيهــــــا
لـــــــكـن قـتـلـك فــرد فـــي عـجـائـبـــه يحوي فضائع عدى ليس حاصيهـا
إبـــانــة الـــرأس أم قــطـــع الـبنان وفي سلب الملابس تبدو لي مساويهـــــــا
فـــإن بـــقــيــت ثــلاث في الــعـراء لقا من غير دفن فذي إحدى مخازيهــا

الجهة الثالثة: وهي أهمها وذلك في حضور الإمام زين العابدين «عليه السلام» بكربلاء وقت دفن الشهداء لأجل موارات تلك الأجساد الطيبة والأبدان الزاكية وإنزال كل جثمان في حفرته وإلحاد كل جسم مطهر في قبره، فالناس في هذا صنفان وفي إثباته ونفيه فريقان: صنف يقول: دفنهم أهل الغاضرية وسكت ولم يصرح بأفرادهم وإنهم أستقلوا بدفنهم ولم يصرح بالنفي لأشتراك أحد منهم، الصنف الثاني: يثبت حضور الإمام زين العابدين «عليه السلام» في ذلك الوقت وهو الذي تولى موارات الشهداء ودفنهم وبيده أنزل أباه الحسين «عليه السلام» إلى ضريحه المقدس وهذا هو الأوفق بمنهج مذهب الجعفرية وأصول قواعد الإمامية بل هذه العقيدة أصل من أصول مذهب الإثني عشرية من أن المعصوم لا يتولى أمره إلا المعصوم، وقد دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن أئمة أهل البيت «عليهم

(199)

السلام» واحتجوا به على مخالفيهم، وأصل ذلك توصيه النبي (ص) أن لا يغسله غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» وأمر أمير المؤمنين علي «عليه السلام» للفضل بن العباس بن عبد المطلب لما دعاه لمعاونته على تجهيز النبي (ص) أن يعصب عينه معللا ذلك بأنه لا يرى أحد جسد النبي (ص) إلا طمست عيناه وقد روته أهل السنة في كتبها ولذكره محل آخر ومعناه أن النبي (ص) معصوم لا يطلع عليه إلا معصوم، وأمير المؤمنين معصوم دون الفضل فأحتاج الفضل إلى شد عينيه دون علي المعصوم وقصدنا هاهنا أيراد ما روته الشيعة فإنه معتقدها وافقها الخصم أم لا.
روي أبو عمرو الكشي (رحمه الله) في كتابه(1) عن إسماعيل بن سهل قال: حدثني بعض أصحابنا وسألني أن أكتم إسمه قال: كنت عند الرضا «عليه السلام» فدخل عليه علي أبن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري (هؤلاء من الواقفة) فقال له أبن حمزة (هذا هو البطائي): ما فعل أبوك؟ قال: مضى، قال: مضى موتاً؟ قال: نعم، قال: على من عهد؟ قال: إلي. قال: فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ قال:نعم، قال أبن سراج وابن المكاري: قد والله أمكنك من نفسه، قال: ويلكما وبما أمكنت؟ أتريدان أن آتي بغداد وأقول لهارون أنا إمام مفترض الطاعة والله ما ذاك علي وإنما قلت ذلكم عندما بلغني أختلاف كلمتكم وتشتت أمركم لئلا يصير سركم في يد عدوكم.
قال له أبن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلم به، قال: بلى لقد تكلم خير آبائي رسول الله (ص) لما أمره الله أن ينذر عشيرته الأقربين جمع أهل بيته أربعين رجلا وقال لهم: أنا رسول الله إليكم، فكان أشدهم تكذيبا له وتأليبا له وتأليبا عليه عمه أبو لهب، فقال لهم النبي (ص): إن خدشني خدش فلست بنبي، هذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة وأنا أقول: إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام هذا أول ما أبدع لكم من آية الإمامة.
فقال له علي (يعني أبن أبي حمزة): إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، فقال أبو الحسن (الرضا «عليه السلام»): أخبرني عن الحسين بن علي «عليهما السلام» كان غير إماماً أو كان إمام؟ قال: كان إماماً، قال: فمن ولي أمره؟ قال: علي بن الحسين «عليهما السلام».
قال: وأين كان علي بن الحسين «عليهما السلام»؟ قال: كان محبوسا في يد
__________________________
(1) رجال الكشي: ص289.

(200)

عبيد الله بن زياد في الكوفة، قال: خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي من أمر أبيه ثم أنصرف. فقال أبو الحسن «عليه السلام»: إن هذا الذي أمكن علي بن الحسن «عليهما السلام» أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو أمكن صاحب الأمر (يعني نفسه) أن يأتي إلى بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف وليس لي حبس ولا في إستائة، إلى آخر الحديث، ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا «عليه السلام» وغيره من كتبه.
وروى ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي(1) باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة ثم بعد الإسناد أبو معمر: سألت الرضا «عليه السلام» عن الإمام يغسله الإمام؟ قال: سنة موسى بن عمران وذكر أحاديثا غيره.
قال صاحب رياض الأحزان(2): قد قال أبو إبراهيم (يعني الكاظم «عليه السلام») لمسيب أبن زهير في حديث طويل: إن الملعون سندي بن شاهك يزعم أنه يرتكب تغسيلي وتكفيني، هيهات هيهات لا يكون هذا أبدا فإن الأنبياء العظام وأوصيائهم لا يغسلهم ولا يكفنهم إلا أو وصي نبي، إلى آخر ما ذكر فإنه عقد فصلا لإثبات هذا أطال فيه ولا معنى للتطويل في إثبات أمر هو ثابت عند الإمامية ومن أساسيات عقائدهم.
قال الفاضل الدربندي في أسراره: روى السيد نعمة الله الجزائري في كتاب مدينة العلم عن رجاله عن عبد الله الأسدي أنه قال: كان إلى جنب العلقمي حي من بني أسد فتشمت نساء ذلك الحي إلى المعركة فرأين أولاد الرسول وأفلاذ حشاشة الزهراء البتول وأولاد علي أمير المؤمنين فحل الفحول وأولادهم في هاتيك الصحاري وتلك القفار تشخب الدماء من جراحاتهم وقلن لأزواجهن ما شاهدنه ثم قلن لهم: بم تعتذرون من رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء إذا وردتم إليهم أنكم لم تنصروا أولادهم ولا دافعتهم عنهم بضربة سيف ولا بطعنة رمح ولا بحذفة سهم؟ فقالوا لهم: أنا نخاف من بني أمية، وقد لحقتهم الذلة وشملتهم الندامة من حيث لا تنفعهم وبقين النسوة يجلن حولهم ويقلن لهم فأتتكم إلى اجسادهم نصرة تلك العصابة النبوية والذب عن هاتيك الشنشنة العلية العلوية فقوموا الآن إلى أجسادهم الزكية فواروها فإن اللعين أبن سعد قد وارى أجساد من أراد موارته من قومه فبادوا إلى موارات أجساد آل رسول الله وأرفعوا عنكم العار فماذا تقولون إن قالت العرب لكم إنكم لن تنصروا أبن بنت نبيكم مع قربه وحلوله بناديكم فقوموا وأغسلوا بعض الدرن منكم، فقالوا: نفعل ذلك.
_________________________
(1) أصول الكافي: ص151. (2) رياض الأحزان: ص41 وما بعدها.

(201)

فأتوا المعركة وصارت همتهم أولا موارات الحسين «عليه السلام» ثم الباقين، فجعلوا ينظرون الجثث في المعركة فلم يعرفوا جثة الحسين «عليه السلام» من تلك الجثث لأنها بلا رؤوس قد غيرتها الشموس، فينما هم كذلك إذا بفارس مقبل إليهم حتى إذا قاربهم قال: ما بالكم؟ قالوا: إنا أتينا لنواري جثة الحسين «عليه السلام» فلما سمع ذلك حن وأن وجعل ينادي: وا أبتاه! يا أبا عبد الله! ليتك حاضرا وتراني أسيرا ذليلا، ثم قال لهم: أنا أرشدكم إليه فنزل عن جواده وجعل يتخطى القتلى فوقع نظره على جسد الحسين روحي له الفداء فأحتضنه وهو يبكي ويقول: يا أبتاه! بقتلك قرت عيون الشامتين، يا أبتاه بقتلك فرحت بنو أمية، يا أبتاه بعدك طال حزننا، يا أبتاه بعدك طال كربنا.
قال: ثم مشى قريبا من جسده فأهال سيرا من التراب فإذا بقبر محفور ولحد مشقوق فأنزل الجثة الشريفة وواراها في ذلك المرقد الشريف كما هو الآن، قال: ثم إنه جعل يقول: هذا فلان وهذا فلان والأسديون يوارونه.
فلما فرغ منهم مشى إلى جثة العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» فأنحى عليه وجعل ينتحب ويقول: ياعماه! ليتك تنظر حال الحرم والبنات وهن ينادين: واغربتاه! ثم أمر بحفر لحده وواراه هناك.
ثم عطف على جثث الأنصار وحفر حفيرة واحدة واراهم فيها إلا حبيب بن مظاهر حيث أبى بعض بني عمه ذلك فدفنه ناحية عن الشهداء.
قال: فلما فرغ الاسديون من مواراتهم قال لهم: هلموا لنواري جثة الحر الرياحي.
قال: فمشى وهم خلفه حتى وقف عليه وقال: أما أنت فقد قبل الله توبتك وزاد في سعادتك ببذلك نفسك أمام أبن رسول الله (ص).
قال: فأراد الأسديون حمله إلى محل الشهداء، قال: لا بل في مكانه واروه.
فلما فرغو من مواراته ركب ذلك الفارس جواده فتعلق به الأسديون وقالو: بحق من واريته بيدك من أنت؟ فقال: أنا حجة الله عليكم أنا علي بن الحسين جئت لأواري جثة أبي ومن معه من إخواتي وأعمامي وأولاد عمومتي وأنصاره الذين بذلوا مهجهم دونه وأنا راجع إلى سجن أبن زياد، وأما أنتم فهنيئاً لكم لا تجزعوا أم تضاموا فينا، فودعهم وانصرف عنهم، وأما الأسديون فإنهم رجعوا إلى حيهم، إنتهى.

(202)

ربما ينتقد الناقد هذه الرواية أو الحكاية بنقدين:
أحدهما: لم يسأل الأسديون من الفارس قائلين له من أنت وقد عرفوه بقوله: يا أبتاه ويا عماه؟ والجواب عن هذا سهل فإن تلك المعرفة إجمالية فأرادوا منه المعرفة التفصيلية المشخصة لأنه يجوز أن يخاطب الرجل الرجل العظيم ذا الشأنية والعظمة بلفظ الأدب والعم على جهة التبجيل والاحترام وإن لم يكن أبناً أو أبن أخ نسبي كما قال رسول الله (ص): أنا وعلي أبوا هذه الأمة فأبوتهما للأمة على جهة التعظيم، وكما قال رسول الله (ص): الخالة والدة، والعم والد، وقال الله تعالى في نساء النبي (ص): (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(1) كل ذلك على جهة الاحترام والتجلة فسؤالهم عنه ليعرفوه أنه ابنه الحقيقي النسبي أم من المعظمين المحترمين له من المسلمين الذين يرون عظمة منزلته وأن احترامه فوق احترام الأبوين الحقيقيين.
ثانيهما: كيف يتوقف الأسديون عن معرفة جسد الحسين «عليه السلام» ولا شك أن جسده معلوم لأمرين لا يستريب فيهما إلا جاهل:
أحدهما: استعلاء نوره على أنوارهم وإشراق أشعته وقد أجاد الكعبي بقوله في مرثية له:

ومـــجرح ما غيرت مـنه الـــــقنـــــا حسنا ولا أخلقن منه جديدا
قد كان بدرا فإغتدى شمس الضحى مذ ألبسته يد الدمـــاء لبودا

ثانيهما: الهيبة الإلهية التي جللت جسده الشريف فإنها ليست لباقي الشهداء معه وبها حرست تلك الاجساد الطاهرة المنبوذة في بطاح الفلاة من هوام الأرض ووحوش الفلا حتى هابت الدنو منهم وحتى أصبحت السباع الضارية والوحوش الساغبة لتلك الهيبة حرسا للأجساد الطاهرة وقد قال الشريف الرضي:

تهابه الوحش أن تدنو لمصرعه وقد أقام ثلاثاً غير مقبور

ثم أن هناك قرائن وامارات وعلائم تعين للأسديين جسد الحسين «عليه السلام» وتفرده عن أجساد باقي الشهداء:
(1) علمت بنو أسد أن الخيل قد وطئت صدر الحسين «عليه السلام» وظهره دون بقية الشهداء.
(2) طارت الأنباء إليهم على ألسنة الركبان والمارة من عابري الطريق أن
___________________
(1) الأحزاب: 6.

(203)

الأعداء لما قطعوا رأس الحسين «عليه السلام» تركوه مكبوباً على وجهه.
(3) قد علم الأسديون أن الحسين قد جمع أصحابه الشهداء في محل وبقي هو في محل مصرعه لم يحمله أحد، والأعداء لا حاجة لهم في وضعه مع أصحابه وقد عرف الاسديون ذلك.
(4) ما نبأهم به الزارع على نهر العلقمي -كما سيأتي الحديث- أنه شاهد أسداً رابضاً عند جسد الحسين «عليه السلام» يحرسه فهو يشاهده كل ليلة قبل دفنه يأتي حتى يربض عند الجسد المنفرد عن الأجساد فيلثمه ويشمه ويتمسك به ثم يبعد عنه قليلا فيربض إلى الصباح.
فهذه القرائن لا يحتاج معها الأسديون إلى سؤال عن معرفة الجسد الشريف. والجواب عن هذا أنهم قد عرفوا جسد الحسين «عليه السلام» بالاعتبارات السالفة لكن ترددهم كان لأمرين:
أحدهما: لزيادة العلم فإن هذا أمر من الأمور الكبرى التي لها أهميتها العظمى في الأجيال المتعاقبة على زيارة هذه المراقد المسئول عن تعيينها من باشر الدفن وقام بمهمة الموارات فكلما ازداد علما ويقينا كان أبلغ في العذر ولا ريب أن بالدلالة الصريحة مع تلك الأمارات تكون الحادثة حادثة علم يقيني لا يتطرقه ريب ولا يتخلله تشكيك.
ثانيهما: إن ترددهم حول الأجساد وإكثارهم من الذهاب والأياب لم يكن منبعثا عن شك في تعيين جثمان الحسين الأقدس فإنه معلوم لديهم بأنواره وهيبته ولكن تردد حيرة وذهول وأصابتهم الدهشة والأنفعال الحاد والتألم الحار الاذع من فعل أعدائهم أجلاف العرب فيما جنوه عليهم من التمثيل المشوه فقد أحل بهم أرذال البشر ما لا تجنبه الكفرة فضلاً عن المسلمين من الجنايات مستفظة في أموات زهقت نفوسهم وفارقت أرواحهم أجسادهم من قطع الرؤوس والأيدي وسلب الأبدان، هذا أمر عظيم يوجب التفكر فيه والحيرة ويبعث التردد.
وشيء آخر يلزم الأسديين التفكر فيه فيطول لذلك ترددهم ليصيبوا جهة الرأي هو كيفية دفن هذه الأجساد الملقاة بقرب الحسين «عليه السلام» ويبحثون عن معرفة الأعيان منهم لأجل أن يجيبوا عن السؤال المتوجه إليهم فيما بعد عن مراقدهم فهذا موجب تفكيرهم والموحي إليهم التردد عن سرعة الإقدام لا لأن الحسين «عليه السلام» لم يعرف عندهم.

(204)

التعريف بالأسديين


من هم الأسديون؟
الذين حصلوا هذه المأثرة الخالدة المكرمة الباقية التي تمثل على مسرح الأجيال وتشاد بذكرها القرون، ولها صدى نغمة في آذان المحافل ودوي هائل في أسماع المنتديات والمحاشد والتي تملي لهم الفخر ما دام التذكار الحسيني على صحائف الأعوام وإن طوت الأيام تلك الأمم، ويتلى في كل دور من أدوار الحياة وإن سكنت نبرات أولئك وخفت جرسهم بخفاء الأجسام ففي كل عام من أعوام الشيعة الثالث عشر من المحرم تشاهد موكب التمثيل الفخم يضم ألوف الممثلين من الرجال والنساء يحملون القرب والمساحي والمعاول يهرعون إسراعا بالعويل والصراخ إلى الحائر الحسيني فترى نفسك والحال هذه كأنك بين الأسديين القدامى الذين أنهضتهم الحفاظ وقادهم الحماس الديني لموارات آل الرسول (ص).
هؤلاء بطن من بني أسد يقال لهم بنو غاضرة وأنتظر التعريف بهم في الغاضرية وقد كانوا عند قدوم جيش أبن سعد نزولا في قريتهم الغاضرية وبهم سميت الغاضرية، نص عليه الحموي وغيره، فمضى إليهم حبيب بن مظاهر الفقعسي الأسدي «رضوان الله عليه» وهذا نص المجلسي في البحار وملا عبد الله في مقتل العوالم ولفظه فيه(1):
وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين «عليه السلام» فقال: يا أبن رسول الله! هاهنا حي من أسد بالقرب منا أفتأذن لي فأصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك فعسى الله أن يدفع بهم عنك؟ قال: قد أذنت لك، فخرج حبيب في جوف الليل متنكرا حتى أتى فعرفوه أنه من بني أسد فقالوا: ما حاجتك؟ قال: إني أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قومه، أتيتكم أدعوكم إلى نصرة أبن بنت نبيكم فأنه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من ألف رجل لن يخذلوه ولن يسلموه أبدا، وهذا عمر أبن سعد قد أحاط به وأنتم قومي وعشيرتي وقد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالو بها شرف الدنيا والآخرة فإني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع أبن بنت رسول الله (ص) صابراً محتسباً إلا كان رفيقا لمحمد في عليين.
____________________
(1) مقتل العوالم: ص75.

(205)

قال: فوثب رجل من بني أسد يقال له عبد الله بن بشر فقال: أنا أول من يجيب إلى هذه الدعوى، ثم جعل يرتجز ويقول:

قد علم الأقوام إذ تواكلوا وأحجم الفرسان إذ تناضلوا
أني شجاع بطل مقاتـــل كأنني ليث عريــن باســـــل

ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين «عليه السلام» فخرج رجل في ذلك الوقت من الحي حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال، فدعا عمر بن سعد برجل يقال له الأزرق فضم إليه أربعمائة فارس ووجهه نحو حي بني أسد فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين «عليه السلام» في جوف الليل إذ أستقبلتهم خيل أبن سعد على شاطئ الفرات وبينهم وبين عسكر الحسين «عليه السلام» اليسير، فتناوش القوم بعضهم بعضا وأقتتلوا قتالا شديدا، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق: ويلك مالك ولنا، إنصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك، فأبى الأزرق أن يرجع وعلمت بنو الأسد أنهم لا طاقة لهم بالقوم فأنهزموا راجعين إلى حيهم فأرتحلوا في جوف الليل خوفا من أبن سعد أن يبيتهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين «عليه السلام» فأخبره بذلك، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنتهى.
فمنذ حل جيش اللعين عمر بن سعد وتكانف وتواصلت إمداداته وجعلت القوة تتلوا القوة، والعصابة تقفوا العصابة، والحامية تلحق الحامية وقد غصت البيداء بالمقانب وضاقت الرحاب بالكتائب وأنتشر فساد الجيش وكثر أذاه لسكان تلك الأصقاع وقطان تلك القرى، فغادرها أهلها من قرويين وأعراب فارين طلباً للنجاة ورجاء للسلامة من معرة الجيش الظالم وتعديات الجنود الفاجرة وما تراجعوا إلا غب أرتحاله عن تلك المناطق عقيب مقتل الحسين «عليه السلام».
قال هبة الدين الشهرستاني في كتاب نهضة الحسين «عليه السلام»(1): هذا وما اعتمدت عشية الثاني عشر من المحرم إلا وعادت أرياف كربلاء وعشائرها الضاعنة عنها بمناسبة القتال وقطان نينوى والغاضرية من بني أسد وفيهم كثير من أولياء الحسين «عليه السلام» وقليل ممن أختلطوا برجالة جيش الكوفة فتأملوا في أجساد زكية تركها أبن سعد في السفوح وعلى البطاح تسفي عليها الرياح وتساءلوا
____________________
(1) نهضة الحسين عليه السلام: ص114.

(206)

عن أخبارها العرفاء، فما مرت الأيام والأعوام إلا والمزارات قائمة وعليها الخيرات الجارية والمدائح تملى والحفلات تتوالى، ووجوه العظماء على أبوابها، وتيجان الملوك على أعتابها، وأمتدت جاذبية الحسين «عليه السلام» وصحبه من حضيرة الحائر إلى تخوم الهند والصين وأعماق العجم وما وراء الترك والديلم يرددون ذكرى فاجعته بممر الساعات والأيام، ويقيمون مأتمه في رثائه ومواكب عزائه، ويجدون في إحياء قضيته في عامة الأيام ويمثلون واقعته في ممر الأعوام، إنتهى.
قد شهد التاريخ لهبة الدين من تعفير جباه الملوك في مرقده الشريف كملوك آل بويه والسلاجقة والتتر والمغول والإيلخانيين والعباسيين والصفويين والقاجاريين وملوك الهند وغيرهم، فمن أعيان ملوك آل بويه بهاء الدولة وعز الدولة وعضد الدولة وغيرهم، ومن آل سجلوق مسعود وغيره، ومن المغول تيمور، ومن الإيلخانيين أويس وابنه حسن وغيرهما، ومن العثمانيين سليمان القانوني ومراد الرابع وغيرهما، ومن الصفوية الشاه إسماعيل والشاه عباس الكبير، ومن القاجار فتح علي شاه وناصر الدين شاه وغيرهما، ومن التتر محمد خدابنده ونظراؤه.
ومن الافشاريين نادر شاه، ومن التركمان الشاه أحمد، ومن العباسيين الناصر وغيره، ومن الهنود آصف الدولة وغيره، وهم كثير لا يتسع كتابنا لذكرهم
شعر المؤلف في خطاب سيد الشهداء
للمؤلف في خطاب ضريح سيد الشهداء «عليه السلام» في زيارته له في صفر:

يا قبر زرتــك والدمــــوع ذوارف مـــنــي ونـيـران الأســـى نـتـوقــد
يا قبر هل تدري بأنــك روضــــة مــن جــنــة الــمـأوى وريك أبرد
يا قبر هل تدري بأنــك كــــعــبــة لــحـجـيـج زوار الأنــام ومـقـصد
يا قبر أنت مطاف أملاك السمــــا منهم ركــوع في ـراك وســجــــد
حسد الضراح ضريح من واريته طاب الضريح وطاب فيه المشهـد
يا قبر فيــك إمـــامـــة مــهــديــــة تــهــدى بــها جــل الأنـام وترشـد
يا قبر فيك وديــــــعــة لــــمــحـمد بــل فـيـك ريـحـان جـنـاه أحـمـــد
يا قبر قد أصبحت مرقد سبطــــه تالله ما يحكي جــلالـــك مــرقـــــد

(207)

يا قبر غابت فيك شمس هدايــــــة للعالــمــيـن وحـل فــيــك الفرقــــــد
يا قبر فيك إمام عــــــدل حــــقــــه فــــرض بـــه صح الحديث المسند
يا قبر قد واريــــت جــثــة ســيـــد مــا مــثــله وعـــــلا أبـيـه ســيـــــد
ما للحسين مماثــــل في ســـــــؤدد كــــلا ومــا مـثـل أبـن فــاطم يوجد
أبواه حيدر والبــــتـــــول وجـــــده خـــــيــــر الـورى وهو النبي محمد
يا قبر هذا الــــروح بنزل رائــــراً ســبـــط الــنـبي من السماء ويصعد
ووراه أفواج الملائـك أهبــطــــــوا لصلاة بــارئــهــم علـــيــــه ردووا
فــــمـــســـبح ومــــهـــلــل ومكبــر مــنــهــم ومــنــهم حـــامــد وممجد
أنا مؤمن يا قـبر في أهل الـكســــا والــــــحــق حــقــهــموا بذلك أشهد
يا قبر عـنـتدي نـــيــة لو أنــنـــــي أدركته استشهدت حيث استشـهدوا
لكنني أختــرت فــاشـــهـــد أنــنـي فــي نـــصـــره بــشبا يراعي أجهد
لا زلت يا قبر أبن فاطمة عامــرا تؤتى من الفج العــمـيق وتــقــصــد
يا قبر حدثني فلست بـــــحــاضـر يــوما بــه قـتـل الــحـسـيـن الـسـيــد
هل شك بالـــسهم المحدد قلبــــــه وأبــيــن رأس أبــن الـنـبـوة والــــيـد
قل لي وهل داست عوادي خيلهم صــــدرا عــلــى عــلـم النبوة يوصد
قل لي وهل سلبت عــقــائل أحمد حــتـــى الـــبراقع سـائني ما اوردوا
هل أحــرقــوا فـسطاطـه وتناهبوا أثــقــالــه والــنــار فــيــه أوقــــــدوا
هل ركبوا فوق الجمـال عــيــالــه حـــســـرى وســـائقــها عنيف ملحد
هل ربــقــوهــا بالـجـبـال وكـهفها زيـــــن الــعــبـــاد مـــغــلل ومصفد
أني سمـعـت بأنه فــي شـــــــــــدة مــن ســقــمــه إذ ســار وهـــو مقيد
قل لي فــمــا قـالت سكينة إذ رأت جـــســـم الــحــسين حواه قاع أجرد
قل لي وما قــالـت رباب في ابنها مـــذ كـــان مـلــقــى والحصى يتوقد
قل لي وزينب كيف كانت حالـهـا وشـــقـــيــقــهـا لثـرى الربى متوسـد
والــشـمـس تصهره بلفح هجيرها والــجـســم مــن كــل الـلـباس مجرد
هل أنــها همــت لــتــرمـي نفسها يــا قــبــر تــقــتــلـنـي الـهـمـوم فأنشد
إنــي وقـفت علــيك أذري دمعتي حـــزنـــا كـــغــاديــة الــحـيا لا تجمد

(208)

وقصدت قبرا بالــشــريــعــة حـله بدر العشيرة والهمام الأمــــجـــد
شــبــل الإمـام أخو الإمام ومن له مــجــــد الـعـشيرة حبوة والسؤدد
بطل العروبة في السوابق فخرها وزكــــى نجار أرومة والــمــحـتد
فوقفت أسفح عبرتي ومناشـــــــدا وكـــذاك مــن طلب الحقيقة ينشد
يا قبر عباس بن حيدر ذي العــلا وافـــاك عبــد الــواحـد المسترشد
هل انت يا قبر الشهـــيد مجيبـــــه عــمــا يــســائل وهو بــاك مكمد
هل عينه سهم الأعادي شـــكـــهـا وتعمد اليافوخ مـــنه الأعــمــــــد
أم هل بروا بري الــقـــداح أكــفـه ما يصنع الضرغام أن تبري اليد
قل لي فهل ردت يداه لــجــســـمـه والرأس حتى ضمهن الـــمــرقـد
يا مــشــهــد العباس تِه فــخــرا به وأســمــوا بــعلــياه فــنـعم المشهد

(209)

تشييد قبر الحسين
والعباس «عليهما السلام»

عمارة المشهدين المقدسين الحسيني والعباسي

في تشييد ضريح الحسين والعباس «عليهما السلام» وعمارة مشهديهما ننقل ما وجدناه في بعض المجلات وفي كتاب معالي السبطين وكلاهما متقارب، وهي رسالة كربلاي معلى، ولفظ المعاني(1):
في كتاب الحرمين في عمارة المشهدين لثقة الإسلام السيد حسن الصدر قال: وأما قبر سيدنا الحسين «عليه السلام» فقد أخذ الله ميثاق الناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماء أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة فيدفنونها وينصبون بهذا الطف علماً لقبر سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام كما في حديث زائدة عن الإمام السجاد «عليه السلام» وقد أخرج الحديث بطوله أبن قولوية في كامل الزيارة وهو صريح في أن الذين دفنوه أقاموا رسماً لقبره «عليه السلام» ونصبوا علماً أي علامة وبناء لا يدرس أثره.
أقول: ولما زاره جابر كان للقبر الشريف رسم وعلامة ولذا قال لعطية: ألمسني القبر.
قال: وفي بعض الكتب سنة 65 بنى المختار بن عبيدة الثقفي أول من بنى عليه بناء أيام إمرته ولم أتحقق ذلك.
أقول: وفي بعض الكتب سنة 65 بنى المختار قبر الإمام «عليه السلام» بناء بالجص والآجر وأصبح القبر مزاراً للناس.
قال(قدس سره): وفي الآثار الأخر أنه كان عامراً(2) يقصده الناس للزيارة وقضاء الحوائج ويظهر منه المعجز الباهر فيشهده البر والفاجر حتى أني
______________________________
(1) معالي السبطين: ص178
(2) يشهد له ما ذكره الطبري في التاريخ وابن نما في أخذ الثار أن التوابين أزدحموا على قبره أشد من ازدحامهم على الحجر الأسود.

(210)