موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

إغفال هذه المهمة فإنه أيضاً معرض لخطر التطويق بأن تكون للعدو القائم للمدافعة قطعات من الجيش قد أعدها لتطويق عدوه فأخفاها في أستحکامات مخفية ومواضع غير بارزة أو أرسل قوات من جبهة ثانيه لتحيط به وليحيط به وليحذر من أنسحاب الجيش بأنتظام أن يكون ذلك مكيدة إلى غير ذلك من التعاليم الدفاعية والهجومية وللقدماء تمارين تخالف تمارين المصريين لاختلاف أنواع الأسلحة ولكن تعاليم القدماء وإن كانت بسيطة لكنها كانت أصلا لتعاليم العصريين.
ولكن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» الذي هو بطل العالم البشري كله لا بطل الإسلام خاصة بمهارته الحربية قد أبقى من التعاليم الفنية للحرب وأساليبها ما بقي منهج دولياً معمولاً به حتى اليوم وهو «عليه السلام» وإن لم يصف القتال بالبوارج والغواصات ولا نعت حرب الدبابات والمصفحات ولا الطائرات والمناطيد ولكن الترتيب الذي رتبه لجيش الخيالة يعرف منه كيفية المقاتلة بكل الأنواع وتعلم منه جهات الاحتراس من جميع المتلفات فهو في الحقيقة أستاذ الفنون الحربية ومعلمها الماهر الخبير وهو واضع أسس تعاليمها ومشيد مدرسة التمارين الجامعة وكلية التدريب الناجحة طلبتها وتلاميذها فله في التمرين والتدريب الحربي أبدع طرز وأتقن أسلوب.
وكان بعض قدماء الملوك يأمرون بالتعليم الحربي ويحضرون بأنفسهم في الميدان في ساحة التدريب والتثقيف ساعة التمرين كما كان كسرى أنوشروان الساساني ملك الفرس يفعل ذلك.


التعبئة والنظام العسكري القديم

 

وبيان هذا يستدعي أولاً معرفة معنى الجيش والعسكر والخميس، ثانياً تقسيمه وترتيبه وتعبئته قديماً وحديثاً، وثالثاً: النظام القديم والحديث على اختصار.
الأول: معنى الجيش والعسكر والخميس: وأشتقاق الجيش من الجيشان وهو الغليان، يقال: جاشت القدر إذا غلت، قال الراجز:
كمرجل الصباغ جاش بقمه
وجاشت الناس إذا هاجتها الحرب فغلت قلوبها على الأعداء فتجمعت للانتقام.
والعسكر معناه تلك القطع الجائشة إذا اجتمعت في محل واحد عسکرت به

(104)

أي اجتمعت ومحل اجتماعهم المعسكر أي المجتمع الحربي أو مقر الجيش وهو قراركاه بلغة العجم.
والخميس معناه الخمسة أقسام لأن الجيش عن القدماء مقسوم إلى خمسة أجزاء أبداً في الميسر والمناخ وعند التحام الحرب كما سنحررة إن شاء الله.
قال في المصباح: الجيش معروف والجمع جيوش، وجاشت القدر تجيش جيشاً غلت.
وقال أيضاً: الخميس لغة ثالثة وهو جزء من خمسة أجزاء.
وقال أيضاً: العسكر الجيش.
وقال في القاموس: جاش القر والبحر غلا، والعين فاضت، والوادي زخر.
ثم قال: والجيش الجند والسائون لحرب وغيرها.
وقال أيضاً: الخميس الجيش لأنه خمس فرق: المقدسة والقلب والميمنة والميسرة والساقة، وما أدري أين خميس الناس، أي جماعتهم.
وقال أيضاً: العسكر الجمع الكثير من كل شيء فارسي، وعسكر القوم تجمعوا والموضع معسكر.
نقد المؤلف لمن ادعی استعارة العرب لألفاظ العجم

هذا صاحب القاموس وتبعه آخرون يقولون: عسکر معرب وأصل ذلك الجواليقي الحنبلي في كتابه: المعرب من الكلام الأعجمي، وهذا نصه(1): قال ابن قتيبة: والعسكر فارسي معرب، قال ابن درید: وإنما هو لشكر بالفارسية وهو مجتمع الجيش الخ، وتبعه الفيروزآبادي والخفاجي فقال في شفاء الغليل(2): عسکر معرب لشكر وهو مجتمع الجيش، وسمي به الجيش نفسه.
ونقله عنه في الشرح الجلي(3) وهكذا يتناولها كثير ممن لم يحقق من أهل اللغة فيقول: عسکر معرب لشکر.
وهذه اللفظة لفظة لشکر توجد في لغة عجم وكونها قد أستعارتها العرب وهذبتها وأدخلتها في كلامها فإن لم یکن ضرباً من الهذيان فهو من أغلاط اللغويين فيها كما يغلطون في غيرها فيقولون: لفظ تنور معرب أي مستعار من لغات الأعاجم فهم أهل أغلاط كثيرة وجمود على نصوص السابقين من نقلة
_________
(1) المعرب من الكلام الأعجمي: ص ۲۲۰.
(۲) شفاء الغليل: ص ۱۲4. (3) الشرح الجلي : ص۱5۹.

(105)

الألفاظ كما تجمد المتفقه على نصوص الأحاديث والفقيه معذور واللغوي لا يعذر لأن الفقيه يتعلل بأن مخالفة المنصوص يلزم منه التشريع المحرم الذي يوجب نسخ أحكام الشريعة والخروج عليها بما يخالف تشريعها، فمخالفة النصوص محاربة للسنة وليس كذلك اللغوي الجاحد فإن جموده على نصوص السابقين ممن يسرع إليه الوهم والغلط والأشتباه أو يظن برأيه وأجتهاده محق للشريعة ومحو لنظامها الادبي ومسخ لبهجة ألفاظها المتناسقة والرائعة من نظمها وبراعتها ووضوح دلالتها کدعوى أن التنور معرب، والحصب معرب، وأمثالهما ليس هو من الغلط اللغوي فقط بل ترق في القبح والشناعة في نسبة العجر إلى كلام الله الفصيح ودعوی افتقاره إلى الاستعارة وليس بغني من أستعارة آلة غيره.
لقد أغربوا في دعواهم أن في كلام الله تعالى القرآن المعجز کلاماً دخيلاً من الغات أجنبية مستعربة وكذلك كلام الرسول البالغ في فصاحته حد الإعجاز بعد القرآن المجيد وقد كان كلام من قلده بعض أهل اللغة كابن قتيبة والجواليقي الذي أراد أن يؤلف كتاباً هذا موضوعه لو أستعمل التحقيق لما يسر أن يدخل في هذا المعجم الضخم عشرین لفظة لا يجوز أن تجعل كتاباً في نظره فذهل السابق وتحامق اللاحق وتغابی لا بل هو غباوة حقيقية لا تغابي وحماقة وجهل مفرط لا تحامق وتجاهل ناشئ عن غير تحقیق وتدقيق، ومنبعث عن عدم علم ومعرفة بحقيقة كلام الله تعالى الذي قال: (أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)(1)، وقال: (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)(2) ، يعني بالمبين الفصيح الخالي عن اللكنة الأعجمية.
والعقل يحكم بمنع أن يكون في القرآن كلام مستعار من لغة أخرى لأن الذي يستعير الشيء هو العاجز عن تحصيله أو من لا يجده في دولته ومملكته ولا في بيته وداره، فلا يستعير السلاح من وجد السلاح، ولا يستعير الثياب إلا الفقير المضطر، والباري سبحانه وتعالى مالك الكلام فلا يعجزه منه شيء عالم بدقائق لغات العرب ومختلف لهجاتها التي لم يضبط اللغويون عشر معشارها وما تضمنت معاجمهم الكثيرة المبسوطة إلا القسم منها وبقي ألفاظ أستدركها عليهم المتأخرون فكم تجد في تاج العروس ما أغفله القاموس، وكم من ألفاظ عربية لم تجدها في المعاجم اللغوية ولا في أسفار جامعة الألفاظ وإنما تجدها أشتاتاً في كتب الأدب العربي أو في محاورات لفصحاء الأعراب وفي نوادر الخطباء الأفذاذ.
____________
(1) يوسف: ۲. (۲) النحل : ۱۰۳.

(106)
فيا ترى إنك إذا فقدت أمثال هذه الألفاظ العربية في متون معاجم اللغة تحكم بعجميتها طريف جداً ومضحك، إن أهل متن اللغة أغفلوا كثيراً جهلاً وقصوراً وتقصيراً عن البحث ومنزل القرآن قادر وعارف ومطلع فهذه حقيقة أسفار اللغة وهذا جهدهم ومقدورهم ثم هناك ناحية توسع نطاق اللفظ العربي ما شاء لها الفكر الدقيق نام عنها اللغويين واسيتقظ لها الأصوليون هي ناحية الاشتقاق فإن لها ميداناً فسيحاً واسع المجال لمعرفة ألفاظ العرب.

وأيضاً نزول القرآن بصفة الإعجاز وتفهيم الخطاب يمنع من استعارة كلام أجنبي لأنه لا يكون معجزاً إلا إذا ورد بمثل ما يعرفون ويفهمون فيبدو عنهم الفهم عجزهم ويظهر عند المعرفة نكولهم وإلا فكل أمة عاجزة عن تأليف كلام صحيح المعنى من كلام أمة أخرى فكل كلام أجنبي معجز عند العرب على هذا الرأي الباطل وعليه تسقط فضيلة التحدي لأن كل عربي عاجز عن إيراد لفظة أعجمية لها معنى مقبولاً فضلاُ عن تأليف فصول لها معان تقابل نهج المتحدي إني لأعجز عن تدقيق أسهل لفظ في الرطانة فضلاً عن تأليف فصول.
وأيضاً من جهة فهم الخطاب فينبغي على هذا الرأي السخيف الساقط توقف الفائدة على بعث مترجمين من الأمم الأجنبية يفهمون العرب معنى كلامهم الموجود في القرآن من الروم والفرس والحبشة كالتنور والحصب والسجيل في مثال لها بزعم هؤلاء الحمقاء فيفوت الغرض من نزول الخطاب للتفيهم عن وقت الحاجة إليه وما أجاب به بعض علماء البيان من أنه عربي الأسلوب والنظم فلا يخرجه اشتماله على بعض ألفاظ من غير العربي وما أستشهد به من كلام الشعراء الجاهليين ومثلوا له بشعر امرء القيس وغيره فتكلف بارد وجواب ركيك واعتذار سقيم نحن في غنا عنه بعون الله.
ومن رأى كلام هؤلاء ظنه شيئا وهو لا بشيء من حيث أنا لا نمنع نطق العرب بالإعلام الإعجمية مع بقائها على عجمتها لكنهم يسهلونها لأجل القدرة على النطق كأسترباد لمدينة فارسية، وهرقل لملك روماني وما شاكلها من الأعلام والألات وغيرها فهذا مما نطقت به العرب وإنما لم تبدله بما يطابقه من لغتها لأنه لم يعرف ذلك المسمى وهذا ما جاء في القرآن المجيد كثير منه كإبراهيم وهو لفظ سرياني علم لنبي من أولي العزم وسليمان لفظ عبراني لنبي إسرائيلي وغيرهما.
وإنما نمنع إدخال اللفظ من لغة العجم في لغة العرب على التوسعة في لغتها

(107)

لقصور كلامها وتجعله أصلا من أصولها لضيق لغتها كما يزعم بعضهم كالتنور والحصب والعسكر على أن التنور قديما ما عرفه العرب كما عرفوا الحسب وسموا بعض قبائلهم بيحصب وسموا الحصا بالحصباء، وريح حاصب هي التي تحمل الحصا، وفلان حصبه القوم يعني رموه بالحصباء، ويترنم شاعرهم بقوله:
ألا رجـال ألا فرسـان عـاديـة ألا تـجـشـأكم حـول التنـانـيـر
ومثل ذلك لفظ العسكر الذي ورد في أقدام المصادر التاريخية لمولك العرب القدماء من المعينيين والسبئيين والحميريين، أما استيفاء الأقوال المتعارضة في النفي والإثبات فندعه للمطولات ونجيب بعون الله تعالى بما فهمنا الله إياه ووقفنا لمعرفته فنقول: إن لغة العرب هي أغنى اللغات ألفاظا وأوسها أداة وأكثرها شعبا وفروعا، والدليل على عظم ثروتها اللفظية وغنائها الأدائي واتساعها المنطقي وهو الاشتقاق والترادف في كلامها:
أما الاشتقاق فيسهل جر المعنى الواحد إلى المعاني الكثيرة ويلبس كل معنى ثوبا من أصله كما يقتطع الثوب من طاقة القماش وتفصل الطاقة الباقية إلى انواع ترجع كلها إلى أصل هذه المادة التي تسمى مثلا بالحرير الأحمر فهذا اللون والوصف في هذه الطاقة يكون للقباء والسروال والقلنسوة والقميص معان شتى وألفاط بقدرها وترد لأصلها ومادتها فثوب حرير وقباء حرير وقلنسوة حرير إلى ما لا يتناهى ولا ينكره المجازف فالاجتان وهو الأختفاء والتستر والغيبوبة عن العيون يرينا الجني ضد الإنسي لغيبوبته عن أعيننا وأستتاره منا، والجنة التي هي الروضة يفتح الجيم لا ستتار أرضها بشجرها والجنة التي يلبسها المحارب وهي بضم الجيم يستر بها المحارب رأسه في الحرب تسمى جنة ومجنا فتكون الجنة بالكسر والجنة بالفتج والجنة بالضم مشتقة بعضها من بعض ومادتها وأصلها التستر والأختفاء ولك أن تجرها بحسب الاشتقاق إلى كل ما يشتمل عليه هذا الوصف فتذكر المجنون الذي أستتر عقله وتغيب رشده، والجنين الذي تغيب في الرجم واستتر بالبطن وتقول: جنني الليل إذا سترك ظلامه، وتقول لصاحبك ما أجنك عنا أي ما غيبك وهكذا فالاشتقاق أوسع الأبواب في لغة العرب إفتنانا ومن وجد عنده الاشتقاق فلغته واسعة غير محتاجة إلى الاستعارة من غيرها وهو من خواص لغة العرب ومن كراهة العرب لعدم الإفصاح يذمون العربي ويصفونه بالأعجم كما قال الحطيئة في وصف الشعر إذا ادعاه غير شاعر هذا المصراع:
يـريـد أن يـعـربـه فـيـعـجـمـه

(108)

وقد ذموا شاعرا مفلقا من شعرائهم فسموه زياد الأعجم إما لأنه غير فصيح كما يريدون أو لوجود لكنة في كلامه، ولو كان في القرآن لكنة كما زعم الجاهلون لعابها المشركون وأعتدوا بها على النبي محمد (ص).
واما الترادف اللفظي ويقال له الأشتراك اللفظي فإن عند العرب للشيء الواحد ألفاظا كثيرة هي أسماء لذاك المسمى فقد يكون له مائة إسم وقد يكون له مئات.
حتى أدعى بعضهم وصول بعض الأسماء المترادفة إلى ألف كالسيف الذي زعم بعضهم أن له ألف إسم، وللرمح والقوس والفرس والبعير والخمر أسماء كثيرة بعضها يبلغ المائة وبعضها يزيد، وبعضها ينقص.
أما الاشتراك المعنوي فهو نوع من الاشتقاق أو لاحق به وهو صدق اللفظ الواحد على المعاني الكثيرة سواء تضادت أو تماثلت كالهلال والنعل والنحب والعين وكالجون في المتضادات وما لا يستع الكتاب لإيرداه، ومن كان كذلك كيف يستعير ألفاظ غيره وقد علمت أن العقل يحكم بأن الذي يستعير الشيء أنما هو فاقده، ومن وجد عنده لا يستعير من غيره، وهل يصلح أن يقال: إن السلطان استعار إبريق الجابي وتقمص ثوب الحارس وتمنطق بمنطقة الفراش؟! كلا.
فالأمة العربية غنية بألفاظها لا تحتاج إلى استعارة لفظ من غيرها، نعم توجد ألفاظ متشاكلة في اللغات متقاربة في المخارج فيظن من لا معرفة له أنها مستعارة وذلك جهل أو قلة تجبر إذ كما أن الخواطر تتوارد في المعاني تتوارد الألسن في الألفاظ فكم ترى فيلسوفا دله صفاء ذهنه وأتمه بأساليب متقنة فيبقى زمنا أو يموت ولا يدري أن أحدا أهتدى إليه أو توصل إلى فهمه وبعد حين يجد في الكتب أو يجد غيره ذاك المعنى بعينه أنه قد سبقه إليه بعض الحذاق من الفلاسفة وأساتذة الحكمة فيعلم أن ما أبتكره بتفكيره وأخترعه بتأمله العميق قد تطرق إليه بعض الفلاسفة وعرفه بعض نوابغ الحكماء، ولا يصح أن يقال أن الثاني أخذه من الأول وعول عليه في تحقيقه، غاية ما يقال: إنه قد سبقه إلى هذا المعنى البديع فلان الفيلسوف ولا ينسب إلى الأخذ عنه إلا بعد العلم به والوقوف عليه وهذا كثير في الفلسقة خصوصا قبل أنتشار الكتب بالطباعة.
ومثال هذا في المخترعات عندهم الإبرة المغنيطيسية يقولون قد أخترعها المسلمون مع قولهم قد سبقهم إليها أهل الصين ومعنى ذلك أن المسلم والصيني

(109)

قد عرفها كل بتفكيره مستقلا عن معرفة تفكير الآخر إذ وسائط الاطلاع عسيرة جدا لعدم طبع الكتب وعدم سهولة السفر إلى تلك المحيطات بالسفن الشراعية التي تحطمها الأمواج في الخلجان، فقل من يجسر على المخاطرة بنفسه في ركوب هذه الأهوال على متون هذه السفائن الضعيفة، هذا هو رأي الفلاسفة.
أما علماء البيان فيثبتون أن في الأشعار تواردا وأفردوا له فناً في علم البديع سموه توارد الخاطر وصيروه من المحسنات في النظم وأخرجوه عن دائرة السرقة والأخذ في المعاني والألفاظ أو في أحدهما وأدخلوه في دائرة الأستجادة والاستحسان بعد أن وسموا السرقة وأستعارة بعض الألفاظ أو المعاني بالسلخ والمسخ ومثلوا لتوارد الخاطر بأمثلة كثيرة منها قول امرء القيس في معلقته:
وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسا وتحمل
وقول طرفة بن العبد في معلقه:
وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسا وتجلد
وله عندهم أمثله كثيرة ويعدونه من محسنات الأشعار البديعة والعجب منهم كيف لم يجعلوه توارد اللغات في الألفاظ كتوارده في لغة ولا يعدون منثور الكلام كمنظومه، ومن العملوم ان بعض الألفاظ التي أدعوا تعريبها لا يدعونه في من نشأة معد بن عدنان ولا يعرب قحطان ولا الأزمنة المتلاحقة بعدهما حين كانوا يعيشون في قلب الجزيرة العربية ولب البادية وهم قطعة كبد العروبة لا يعرفوا ما يعيشون الفرس وما الرومان وما الحبشة فتلك دعوى زائفة ومبهرجة لا علاقة لهؤلاء العرب بهؤلاء الأمم أصلا، ما حدث للعرب المعرفة بهذه الأمم وهذه الأجناس البشرية إلا بعد تشريع الرحلتين وتفرق العرب فيهما للتجارة وهذا كائن في عهد هاشم بن عبد مناف فمن أين استعاروا كلاما لم يعرفوا أهله فضلا عن الخلطة التي تسبب الأخذ والاستعارة؟
فهم لم يعرفوا حقائق الأمم فضلا عن أقتباس كلامهم، ولم يبلغوا عنهم إلا ما حمله إليهم الخبر النادر من عابر سبيل أو طارق على عجل يحدثهم على غير تركيز للحديث في نفوسهم أن هنالك حكومة تسمى حكومة الفرس وأخرى تعرف بدولة الروم وترتبط بهم دولتان عربيتان تعرف أحدهما بالمناذرة والأخرى بالغساسنة لا يعرفون أكثر من ذلك ولا تحج البيت هاتان الحكومتان العربيتان؛ إما غسان فلمكان النصرانية ، وأما آل المنذر فللمجوسية والنصرانية ولم يفد منهم إلى هاذين الحكومتين أحد أفراد في غاية القلة والندرة لا تنتشر بسببهم لغة اجنبية

(110)

في شعب متوحش لا يألف غير لغته ولا يدين بغير عاداته فلا جامعة بين العرب والأعجام إلا بعد الرحلتين، ولم ينقل أنهم بعد الرحلتين نقلوا ألفاظا أعجمية للعرب وحملوا معهم ما يلزم التسمية له بعجميته فهل حمل تجارهم تنوراً من فارس أو حصبا من الحبشة؟! ومدعي لا يدعي ذلك وأقصى ما عنده إجمال القول بأن في لغة العرب بعض الألفاظ الأعجمية.
على أن التتبع يشهد على أنفة العرب من ألفاظ الدخلاء في عصر الدولة العباسية وكان فيصل التحاكم إلى عرب الجزيرة وهم سكان البوادي الذين لم يختلطوا كأهل الحاضرة بالأعجام عند الفتوحات، ومن تتبع أحوال النحات وأهل اللغة من كوفيين وبصريين والحوادث المتنازع فيها وتحاكمهم إلى هؤلاء كقصة سيبويه والكسائي تيقن أن لا دخيل في العربية إلا بعد أزمنة الفتح الإسلامي.
وإلى زماننا هذ الذي تحطمت به العربية وأنهارت صروحها توجد في قلب الجزيرة العربية بعض القبائل التي لا تستطيع التكلم إلا باللغة الفصحى فطرة، وقد تحدث الواسعي في تاريخ اليمن المسمى فرجة الهموم والحزن بما هذا لفظه(1): يوجد بشمال اليمن قبيلة بعسير وهي قبيلة ثقيف تتكلم باللغة العربية سليقة الأطفال مع النساء ولقد وصلت بعض السنين ووجدت اطفالاً يلعبون حول قرية من هذه القبيلة في نحو الست سنين والسبع فرأوني وعلى عيني المبصرة التي تسمى في غير اليمن النظارة فأستغربت ذلك الأطفال وصاحوا بأجمعهم يقولون: في عينيه جوهرتان. فعجبت لمعرفتهم بإعراب المثنى في حالة رفعه وجره وهم أطفال، قم مشيت قليلا وجاوزتهم فوجدت امراة في حقل لها فكلمت غلامي يأخذ علفا للدابة من المرأة فسألها: ايتها المرأة بيعي منا علفا للدابة، فصاحت وقالت: لست بامرأة أنا بنت لم أدرك، إنتهى.
فإن كانت هذه القبيلة لحد الآن تحافظ على لغتها وإذا كانت الجامعة العربية تضع أزاء كل مستحدث لفظا عربيا مع الأضطرار للتلفظ به في عجمته فرارا من تفوق اللغة الأجنبية على العربية وأنفة من استعبادها لها فما بال العرب الأقحاح يستعيرون ألفاظا من الأعاجم ومن فيض لغتهم تغترف الجامعة ومن معين ألفاظهم تستمد؟.
وموضوع بحثنا العسكر بزعم الاستعراب فيه وللجيش عند العرب أكثر من عشرين إسما ضبطها صاحب الشرح الجلي منها: الفيلق والجحفل، فما الملزم
________________
(1) فرجة الهموم والحزن: ص318.

(111)

لهم وهذه سعتم واقتدارهم أن يستعيروا لفظة واحدة وإدخالها في لغتهم الضرورة أحوجتهم وهم أغنياء؟ أم حبا للكنة وهم فصحاء؟ كل ذلك لم يكن وما كان لزعم الزاعمين من أثر بل القضية بالضد والأمر على العكس ولم يفهم ذلك اللغوي الزاعم التعريب أن الفرس قد أستعاروا لفظة عسكر من العرب وما أستطاعوا أن ينطقوا بها كذلك وعجزوا عن التفلظ بها عربية كما نجده في الفرس اليوم إذا حاولوا النطق بالألفاظ العربية فإذا قال: كزالك بالزاء وغير المعزوب عليهم ولا إلزالين، بدل المغضوب والضالين، ولو سجلنا لك أمثالها لملأنا سفرا كاملا.
فالعسكر أستعار الفرس لفظه من العرب فما قدروا على النطق به عربيا فقالو: لشكر كما صنع الإنكليز في الحرب العظمى عند سقوط البصرة بأيديهم وأندحار جيش الأتراك أمامهم فنزلوا نهر معقل وما قدروا أن يلفظوا به عربيا كاملا فحرفوه إلى مأكل لعدم قدرتهم على النطق بالعين حيث لا عين في لغة الإفرنج وحرفه العامة إلى ماركيل وقد فعلت مثل فعلهم أسبانيا في دار الصناعة أي محل عمل البوارج الحربية التي كان يعملها العرب في الغرب ويسموها دار الصناعة فما تمكنت الإفرنج أن يتلفظوا بها كذلك لعدم قدرتهم على إخراج العين أو لعدم وجود حرف العين في لغة الإفرنج فقالوا: دار سنا بدل دار صنعة، ثم زادوا عليها لام النسبة عندهم فقالوا: دار سنال وعند الإفرنج علامة النسبة هي اللام وعند العرب الياء، وجاء الأتراك العثمانيون فعجزوا عن النطق بها عربية وأفرنجية فحرفوها إلى لسانهم فقالوا: ترسنانه، نص عليه الأمير شكيب أرسلان في كتابه تاريخ العرب في الغرب فنحن بحمد الله أغنى الأمم بثروتنا الدينية والعلمية والعقلية ولغتنا أوسع اللغات وأرقاها عند الأمم ولا تمدنا بل نمدها وتستعير منا ولا تستعير منها(1).
التعبئة والترتيب
الثاني وهو أهم أمور هذا الباب لأنا نبحث فيه من وجوه ثلاثة:
الأول: تعبئة الجيش في الإسلام.
الثاني: نظام الأمم الغربية في المدتين الأولى والمتوسطة.
الثالث: في أنظمة العصر الحديث.
____________
(1)راجع: تاريخ العرب وغيره من كتب المسيحيين الجدد تجده مملوءا بما أخذته أوربا وفارس من لغة العرب.

(112)

الأول: وهو نظام الإسلام

لا خفاء أن شارع ملة الإسلام ومقرر قواعدها وهو نبينا محمد (ص) أبقى للعالم المتمدن مثالا في كل الحقائق الصادقة في عامة أنواع الرقي والحضارة لكن مع حفظ النواميس الدينية التي لا يجوز الشذوذ عنها إرضاء للغرب بالتزلف إليه في تطبيق أنظمتها على منهاجه المردود ولم ينبغ في ملة الإسلام بعده من كان قدوة في تعاليم الإصلاح الديني الحيوي للدنيا وللأخرى معا في كل نوع من أنواع المعارف الراقية والسياسات الدينية المحكمة والتي تعد أساسا قويا في التشريفات النظامية الحديثة، نابغة فني تعد تعاليمه أصلا لسن قوانين النهضة في عصر النهضة وتتخذ مناهجا لأعمال الرفعة والتقدم سوى أبن عمه ووصيه وخليفته الحقيقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ذاك القائد العظيم والبطل الروحاني العالمي الذي أبهر بشجاعته العقول وادهش بتعاليمه الفكر والألباب لم يكن قائدا حربيا فقط ولا أميرا سياسيا فحسب، ولا عميدا دينيا ليس إلا، ولا بطلا مقداما خاصة كما يظن من لم يتعمق في فهم صفاته ولم يتنور بمعرفة حقائقه وسماته، بل هو كلية معارف ومدرسة حقوق وجامعة إصلاح وتهذيب، فهو أستاذ الأمم الناهضة ومعلمها الأعظم ومهذبها الأكبر، ويكفي برهانا على ما نقول العهد الذي شرحناه وهو عهده لمالك الأشتر وسمينا شرحه ب«السياسة العلوية» والعهد الذي كتبه لمحمد بن أبي بكر وهو عامله أيضا على مصر ذاك العهد الذي لم يصنف مثله في السياسة، وعند ظفر معاوية بن أبي سفيان بمحمد المذكور أستولى على هذا العهد وعول على العمل به في سياسة المملكة؛ فمعاوية داهية العالم على ما يذكر أصبح تلميذا من أصغر تلاميذ علي بن أبي طالب «عليه السلام» وإن كان أكبر الدهات الخداعين.
أما الخلفاء الثلاثة قبله فعن رأيه يصدرون، وبمشورته وإرشاده وفتياه يعملون، فأستقامت الأمور بسياسته التي يريد بتقريرها إصلاح أمه محمد (ص) وحفظ نظام الشريعة واستقامتها حتى التوى الثلاث بآراء مروان المتعجرف السخيف فأحتل النظام السياسي ولحرص أمير المؤمنين «عليه السلام» على مصلحة الأمة يظهر في تنازله عن حقوقه خوفا على الإسلام من الإنقلاب ومحافظة على نظامه من التبعثر والشتات فأصبحت تعاليمه روح الاجتماع في حياة الخليفتين أبي بكر وعمر حتى رفض الأعتناء بها الثالث وعول على آراء سفهاء أغمار لا خبرة لهم بشئون السياسة وأطوار الإدارة فكان نتيجة ذلك الويل الطويل ولم يمض

(113)

على رفضه لإرشادات أمير المؤمنين علي «عليه السلام» إلا زمن قصير حتى أصبح ذلك الخليفة المسيطر على الأمة كبشها الذي ضحت به.
فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» تناول قرني العلم التعليمي والتجربي ولا فإنه ذو قرنيها أقتبس العلوم القرآنية والنبوية تعليما وإرشادا من رسول الله (ص) فأستحق أن يقول فيه رسول الله (ص) لكمال أستعداده وقوة ملكته وتمامية قابليته لما يفيض عليه العرفان النبوي من معارف وفنون: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» و«أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب».
فهذه التعاليم الواسعة النطاق والتي يحق له أن يقول بسببها «هذا سفط العلم، هذا لعبا رسول الله (ص( ، علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب، إن هاهنا لعما جما –يشير إلى صدره- لو أصبحت له حملة» صحيح لم يصب له حلة لأن قسما كبيرا لم يدخلوا إلى العلم النبوي من بابه فتعسفوا في مجهلة، وقسم ضلوا بعيدين عن ذاك الباب نفرة عنه وبغضا له فدام موصدا في وجوههم.
وهذه العلوم الوافرة التي هي أصول لمناهج صلاح الإنسانية وضع موادها رسول الله (ص) وأستحصل نتائجها أمير المؤمنين عليه «عليه السلام» بتفكيره الثاقب وقد أوصلته إلى استنتاجها نفسه المتلئلة ذات ا لصفات والصقالة، وأبرزت له قوة ذهنه الوقاد وأظهرها له حدسه المصيب حقا ينفتح له من كل باب ألف باب وقد ضم إلى هذه العلوم التجارب والاختبار للوقائع والتجربة عقل مستقل يقال له العقل التجربي وعلم مستأنف يقال له الأجتهاد، وبالعقل التجريبي تم لعلماء النهضة الفكرية اختراع المختراعات العجيبة وليس المراد بهم خصوص من أطلق عليهم الفلاسفة التجربيون أمثال ديكارت بل المراد بالتجربة مطلق الاختبار.
فالعقل الغريزي أو الفطري أو ما شئت فعبر عن العقول الفلسفية لا تجدي نفعا ما لم يكن معها علم مستفاد بالتجربة هو العقل التجربي لأحتياج التفكير إلى التطبيق العملي وأختبار الوقائع وقد قال أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في ذلك:
رأيت العقل عقلين فمطبوع ومـسـمـوع
ولا ينفع بمسمـوع إذا لم يـك مطــبــوع
كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع

(114)

ومن هذا النوع اكتسابه «عليه السلام» معرفة الفنون الحربية فعلمه على قسمين: قسم أستفاده تعليما من الرسول الله (ص) وأخذه إرشادا من آيات القرأن الحكيم وهو القانون الإلهي الذي ينقسم في العلوم إلى علم بما مضى وعلم بما يأتي وعلم في الوقت وكل هذه العلوم عند أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بتعليم النبي (ص) له خاصة دون غيره لا يجحد هذا إلا مكابر.
وقسم تجريبي وكل من درس التاريخ البشري يعلم أنه «عليه السلام» قد مارس الحروب وغمس نفسه في المعارك ولم يبلغ العشرين من العمر ثم أستمر يمارسها طول حياته حتى أناف على الستين فحصلت له من تلك الممارسة الطويلة مهارة فنية أوجبت له أن يكون المقدم في صف معلمي الفنون الحربية وكل الوقائع التي مارسها ذات أهمية ولها شأن في التاريخ العالمي الحربي فما شهرة نابليون بونابرت الفرنسي وفردريك الكبير الألماني وشارلمان الغاليسي والإسكندر المقدوني وهلاكو التتري وتيمور المغولي وغيرهم من مشاهير القواد إلا دون شهرته «عليه السلام» فإن قيادته الجنود وأستيلائه على الأعداء في جميع الغزوات وسائر المعارك فمما لا ينبغي إلا الإذعان به وأنه صاحب الفوز والظفر.
وأما الفتوحات والمغازي أيام الخلفاء الثلاثة فهي وإن لم يشهدها فقد شهدها برأيه وإرشاده لهم عند المشورة له فقد أخذوا بقوله وعملوا برأيه وإشارته ولولاه لتمزقت تلك الجنود وحطمتها القوى الرومانية والفارسية ولكن وفق الله المسلمين للأنقياد إلى العمل بمشورته والأخذ بآرائه وهي الأراء الثاقبة المصيبة فأصاب الخلفاء الرشد في العمل بقوله ودانوا باتباعه فيما ارتئا لهم فأندحر الكافرون بيمن إرشاده وغلب المشركون ببركة تعاليه0
وفي عمله التجربي يقول «عليه السلام» ردا على قريش فيما وصفته به من الإقدام الفارغ من التفنن في خطبة له يقول فيها: حتى لقج قالت قريش إن ابن ابي طالب رجل شجاع لا بصر له بالحرب، لله أنا قدر ذرفت على الستين لكن لا رأس لمن يطاع، الخ.
فهذه الممارسة في ظرف هذه المدة الطويلة قد ثقفته تثقيفا حربيا كاملا ودربته تدريبا عسكريا عجيبا على أحسن طراز وأبدع أسلوب حتى أصبح بتعاليمه التي قررها لقواد جيوشه وأمراء أجناده كالأشتر النخعي ومعقل بن قيس التميمي الرياحي وزياد بن النضر المذحجي الحارثي وأمثالهم موضع أندهاش العقول

(115)

ومحل حيرة الأفكار والألباب، وهذه المناهج العالية من ذلك الفنان الوحيد بقيت إلى دستورا للتنظيمات الدولية والتداريب المدنية للحكومات الحرة الحاضرة أقروا لها وأذعنوا أم جحدوا وكابروا هو الأستاذ ألأكبر والمعلم الأول أعترفوا أم ناكروا سيان في ذلك.
فإنه «عليه السلام» لم يغفل عن مهم من مهمات الحرب، ولم يتغافل عن إيجاب الأخذ بالتحوطات والتدابير اللازمة، ولم يترك شيئا ينبغي أن يفعله المحارب من إشهار الحرب بعد الإخطار والإنذار وهذه القاعدة تستعملها الدول المتمذنة في العصر الحاضر بل هي عندهم من الحقوق الدولية القانونية التي يحب الالتزام بها فلو أن حكومة هاجمت حكومة أخرى بدون إنذار أستوجبت مقت الدول وسخطها عليها وعدو فعلتها همجية بربرية ووحشية مسترذلة وأخرجوها عن دوائر الحكومات المدنية إلى القرصنة والتلصص.
ومن الاستعداد الكافي والذي يعبر عنه بالأهبة بحشد الجنود أولا، وأقتناء الأسلحة والأدوات النقلية كأدوات الأزواد والماء بحشد أولا، وأقتناء الأسلحة والأدوات النقلية كأدوات الأزواد والماء وآلات النقل والركوب برية كالخيل والإبل والبغال أو نهرية كالسفن ثانيا، واجتماع الجنود في المعسكر لأجل تقسيه إلى فرق فأفواج فكتائب فسرايا ففصائل ثالثا، وتعيين الأمراء والقواد والضباط فلكل فصيل ضابط، ولكل سرية أمير، ولكل كتيبة قائد، وترتيب أمراء الألوية لكل لواء امير، وتعيين أركان الجيش ويجعل لكل قوة مرجعا أعلى هو أمير أمرائها وقائد قوادها رابعا، قم التعبئة على النظام المتعارف في الأزمنة بجعله خمسة أقسام خامسا، ثم يتقدم بتعاليم لسير العسكر وكيفية ذلك السير في تقديم المقدمة وهي قطعة من الجيش تسير أمامه ولا بد أن تكون قوية لأنها رما أصطدمت بقوات جيش العدو قبل أن يتلحق بها جيشها ثم يسير الجيش خلفها على مهل على صفة طير تقدم رأسه وهو بالمقدمة وجسده القلب وجناحاه الأيمن والأيسر وذنبه الساقة فيكون من المجموع المقدمة والمجنبتان والقلب والساقة صورة طائر:
ميسرة
مقدمة قلب ساقة
ميمنة
والمجنبتان أو الجناحان الميمنة والميسرة في الحرب كل واحدة منهما مؤلفة

(116)

من قوة خيالة الفرسان وقوة المشاة رجالة وحامية خلف الجيش يقال لها الساقة لئلا يأتي العدو من خلف الجيش وترد المنهزم وترفع الساقط من ازواد الجيش وأمتعته ويلحق بها المنقطع وتحمل من فقد راحلته.
والقطة المتقدمة من الجيش هي دائما تكون أمام الجيش حامية له من أن يأتيه العدو مفاجأة ومكتشفة أمامه ما يلزم إصلاحيه من جسور وقناطر وقطع أشجار وكل ما يعوق سير الجيش ليسهل مروره وفي المقدمة سرية الهندسة وسرية الاستطلاع وسيرة المخابرة وإدارة بريد فيفرض على المقدمة إرسال سرية من الخيالة أمامها وهي الطلائع وخيل الكشف والاستطلاع أو (كشف قول) بلسان الترك تسير هذه السرية أمام المقدمة وتسميها البدو في عصرنا الصبر ومعناها أنتظار حركات الأعداء والتجسس على أوائل الغارات ويجمعونها على (صبور) والقصد من إرسال هذه القطعة من الخيل هي أختبار مكامن الأعداء والوقوف على كمناء لهم لو كان، والتجسس على حركات الجيوش المعادية حتى تنذر المقدمة فتنذر المقدمة الجيش وتختبر الأوضاع التي ستؤل إليها الحالة الحربية وتسبر المواضع التي ينزلها الجيش عند وصوله إليها وتتعرف ما يتجدد.
وتتقدم سرية الهندسة بعد أكتشاف الطليعة وهذه السرية عند القدماء تطلق على رجال خبراء فنانين لهم مهارة بالفنون الحربية ليختبروا صلاحية الأرض لنزول الجيش وهل يصلح للمحاربة أم لا؟ فتأخذ خريطة الأرض وصفتها ونعتها بما فيها من سهل وحزن ومنبطح وتضاريس وتختبر المياه وهل هي كافية أم لا؟ وإذا كانت غزيرة متدفقة تنظر هل لها سدود يمكن العدو أن يحتلها فيبثقها على الجيش وتتعرض مواضع الاحتراز منها إلى غير ذلك من التدقيقات الراجعة لسرية الهندسة فتقدم جميع ذلك في خريطة إلى آمر القوة المقدمة فيرفعه إلى المرجع الأعلى ليعرف حال تلك الأرض وصفة تلك المنطقة، وبعد هذا يعلمهم كيفية النزل بالجيش بأن ينزلوا في ارض واطئة سهلة خالية من الوعورة بحيث تكون لائقة لنزول الجيش وصالحة لحفر مواضع لا تمتنع بصلابة ولا تنجرف برخاوة ولا تنز بنداوة بلل ويؤكد على قائد الجيش العام أو أمير الفيلق التوصية بأن لا ينزل في محل كثير الروابي حذرا أن تكون مكمنا للعدو ولا في أرض تكون معرضا لخطر بثق الأنهار إذا العدو بثقها وقد هلك بهذا جيوش كثيرة وخصوصا أيام بني العباس عند طغيان الفيضان.
ويفرض عليهم تحتيما أنهم إذا نزلوا بأرض ذات وعورة تشتمل على سلاسل

(117)

جبال أو تحيط بها حلقات تلال وروابي مشرفة أن يجعلوها خلف ظهورهم لتكون لهم كالحصن تمنع العدو أن يأتيهم من خلف ظهورهم ليكون قتالهم من جهة أو جهتين، وأن يقيموا على رأس أرفع الروابي وأعلى التلال رجلا من النظارة يتطلع نحو جهة العدو فإذا أحس بحركته أنذرهم ويقال لهذا النظارة العين والربيئة.
وإذا كانت الأرض سهلة منبسطة واطئة لا روابي فيها ولا تلال ولا تضاريس يلزمهم أن يقيموا الأحراس على جوانب معسكرهم وأن يتترسوا بالرماح والأترسة وأن يقيم قائد تلك القطعة من الجيش أو قائد الجيش رجلا على أرفع موضع ينظر إلى الجهات الأربعة لأجل مراقبة حركات العدو ويكون حديد البصر فطنا حاد السمع حتى إذا أحس بجرس أو وطئ أسرع بإعلام القوة لتستعد وتحتاط.
وبعد هذا يعلمهم «عليه السلام» ما يلزمهم العمل به عن التحام الحرب فيعلمهم أولا دعوة الخصم للطاعة والأنقياد وإظهار كلمة الحق والتمسك بالعدل وترك الجور والأعتداء وتأمين السبيل وأمثالها بالترغيب في الإحسان إليهم والإكرام لهم وإعطائهم الرتب العالية والرواتب الوفيرة إن أجابوا إلى الطاعة وأنابوا إلى العدل والإحسان ثم الترهيب والتهديد أولا بما يقع عليهم من القتل والأسر وأهل العدل والإحسان ثم الترهيب والتهديد أولا بما يقع عليهم من القتل والأسر ونهب الأموال وسبي الذراري والحرمان من العطاء وأمثال ذلك والتخويف لهم بعقوبة الله وعذابه الأليم في الآخرة.
ثانيا إذا أصروا على العناد وواظبوا على التمرد والمعصية وثابروا على العدوان واقفوهم فإن كان العدو يندفع بالموافقة حسب كبعض الثوار فهي وإلا فسل السيوف وإشراع الرماح.
التعاليم الحربية في الالتحام
يجعلها «عليه السلام» في قسمين: قسم في كيفية الاصطفاف والمقابلة، وقسم في كيفية الجلاد والمقاتلة.
أما كيفية الأصطفاف وتنظيم الخطط الحربية في ساحة القتال فقد كان «عليه السلام» يكتب الكتائب وبعبئ الجنود على أبدع أسلوب في عصره فيجعل أولا للجيش مركزا عسكريا يلقي فيه أثقاله وأمتعته ثم يجعل أمامه قوة الجيش القوية ويقيم فيه القائد العام للقوات العسكرية جميعا وأمامه يركز لواء الجيش الأعظم ويسمى هذا بالقلب ثم يجعل فيلقا عظيما مؤلفا من أفواج وكتائب خيالة ومشاة

(118)

(بيادة) بالعدد الكاملة والتسلح الفائق، ويجعل فيه فريقا عسكريا يتولى تنظيم ذلك الفيلق وتنسيق خططه الدفاعية والهجومية ويقيمه على يمين قوات القلب وهذه هي الجهة اليمنى المجنبة اليمنى في الميسر وتسى فيهما معا الميمنة أتصلت بالمركز القلب أو أنفصلت عنه ويقال له أيضا الجناح الأيمن، ثم يقيم على يساره كذلك فيلقا بقيادة فريق آخر وهذه هي الجبهة اليسرى والمجنبة اليسرى والجناح الأيسر أو الميسرة أو ما شئت سمي به هذه الألفاظ.
ويجعل في كل من المجنبتين أكابر القواد وأركان الجيش لأن هاتين القوتين بمنزلة جناحي طائر إذا كسر أحدهما لم يستقل الطائر بالطيران فلذلك ينتخب نخبة القواد الماهرين بفنون الحرب والمدربين على القتال والمجادلة والكفاح مع كونهم من أهل النجدة والبسالة والإقدام ثم يقيم فيلقا قويا خلف العسكر مؤلفا كذلك من أفواج وكتائب يجعله درءا للجيش ويسمى بالردء كما كان يسمى بالساقة في المسير وقد تسمى بالقوة الاحتياطية، ويعد هذه القوة لأمور ثلاثة خطيرة:
أحدهما: لصد هجمات العدو التي تجيء من خلف العسكر.
وذكر نصر بن مزاحم في حديث صفين(1)، وملخصه: إن عليا «عليه السلام»أرسل إلى ربيعة أن أنهدوا، قالوا: كيف ننهد وهذه الخيل من ورائنا؟ يعني خيلا لأهل الشام تراقبهم لتصيب منهم الغرة، فراجع القصة بطولها.
فالردء يدفع مثل هذه ويرفع الخطر، وعلمت بما جرى على أصحاب رسول الله (ص) يوم أحد لما أخل الردء بمركزه واستدبرت خيل المشركين المسلمين
ثانيها: تعويض القوة ما فقد منها فإذا أبيد فوج أو أسر يخلف من الردء أو القوة الاحتياطية وهذا ما قاله رئيس عك مسروق لمعاوية حين عبأهم لهمدان العراق: إجعل لنا فريضة ألفي رجل ألفين ومن هلك فابن عمه مكانه(2).
ثالثها: لرد المنهزم من الجيوش وجميع هذه الأمور لا يستغنى عنها الجيش المحارب.
ثم يقدم «عليه السلام» أما الجيش وقدام خطوطه الأمامية المعدة للهجوم كتيبة من الفرسان وهي الكتيبة المطاردة وفائدتها إنشاب الحرب والتحريش في الإحتكاك بالعدو في التعرض له ولهذا سمتها عوام عصرنا بالحرشة، والعرب تقول: أرش الحرب يعني أثارها أي آثارها كما قال شاعرهم:
لحى الله قوما أرشوا الحرب بيننا
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬__________________
(1) وقعة صفين: ص242 طبعة بيروت. (2) انظر: وقعة صفين: ص314.

(119)

وقد جاء في وقعة بدر ان سفهاء من سفهاء قريش خرجوا إلى جيش النبي (ص) فتعرضوا للمسلمين وأرشوا الحرب بينهما بورودهم الحوض الذي صنعه النبي (ص)لأصحابه وكان هذا برأي ابي جهل مراغمة لعتبة بن ربيعة الذي كان يأمر بالكف عن الحرب.
ثم يقدم «عليه السلام» كتيبة أخرى مؤلفة من مثيري الشعور والعواطف ومهيجي الحماس يسمى هؤلاء بالمحرضين وهم القصاص والشعراء والخطباء يقصون الأقاصيص الحماسية وينشدون الأشعار المثيرة للحفاظ المهيجة لعواطف الجند المحاربين تتغلغل الحمية في أدمغتهم وقد أستعاص بعض الدول الحديثة عن هذا بالموسيقى المحزنة (الحزايني) فيلقى الخطباء الخطب الرنانة المحببة للتفاني في سبيل إحياء المجد والتفادي لحفظ نظام الدين وحماية الوطن والدفاع عن القومية فيقدمون بجد وشوق وتدم أمام الجيش نساء مبرزات من ذوات الجلد والنباهة ولهن صوت وصيت وفصاحة يجدون الخطابة في التحريض ويحببن إلى الرجال الصراع في ميدان القتال ويشجعنهم في ساحة الجلاء النزال لأن النساء مهيجات العواطف في أدمغة الأحرار تسميهن العوام ب«العماريات» كما صنعت أم عمارة الهمدانية والزرقاء الكنانية وغيرهما يوم صفين، وكذلك كان لرسول الله (ص) محرضات فإن جيشه لا يخلو من نساء محرضات كأم عمارة النجارية المازنية وغيرها من النساء وقد كان جيش عتبة ابن غزوان المازني التميمي أمير الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وقائد جيشه الغازي في شرق العراق الذي فتح الأبلة (بليان) نساء محرضات منهن زوجته أزدة بنت الحارث بن كلدة القائلة:
إن يهزمونكم يولجوا فينا القلف
وكذلك كانت حروب العرب في الجاهلية قبل الإسلام وباقية لحد الآن العشائر والحكومات وقد أثرت في عواطف الشعب الفرنسي وأثارت الحماس في قلوب الأجناد الفرنسية في حرب السبعين سنة مع الأنكليز أمرأة قروية فرنسية فتاة فتانة بصباحتها خلابة بلامحها وذلاقة لسانها هي جان دارك الشابة الحلوة الفتانة الفنانة التي ذهبت ضحية المشنقة التي رفعتها عليها أنكلترا الديمقراطية لأنها أثارت حماسا عظيما في نفوس أهل فرنسا فترجحوا على إنكلترا في الحرب بعد الأندحار ففدت هذه الفتاة وطنها وشعبها بعد أن آل إلى الدمار فلذا يقدسها الشعب الفرنسي وقد كان في جيش سيد الشهداء الحسين بن علي «عليهما السلام»

(120)

محرضات منهن العجوز القائلة:
أنـا عـجـوز سـيـدي ضـعـيـفـة
وكأم وهب النمرية زوجة عبد الله بن عمير الكلبي وغيرهما.
ثم يتقدم أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى قواد الجيش وضباط القوات الأمامية والخلفية دفاعية وهجومية بتنظيم كتائبهم من تقديم لابسي الأدراع والجواشن على الحسر الذين لا أدرع لهم ولا مغافر، وتسوية الصف كقص الشارب وهذا النظام ابطله تنظيم البنادق والمدافع الذي سيتوجب تفريق الجنود في مواضعها ومكانها فإنه إذا كان صفا واحدا أو صفوفا يبيدها الرشاش وأمثاله.
ويأمر «عليه السلام» المحاربين بإشراع الرماح وهذا يقوم مقامها تسديد البنادق اليوم لقذف الطلقة ويأمر بسل السيوف بعد قلقلتها في الأغماد وفائدته الاختبار بسهولة الجذب حذراً أن يستعصي عند المجالدة ومنازلة القرن فإذا حركه تحريكا قويا سهل أجتذابه وتيسر أختراطه، وفي القلقة تكون قعقعة للسلاح يحصل بها إرهاب للعدو وتعتريه دهشة كما تحصل من جذب محركات البنادق (الزند) رهبة وإرعاب.
ثم يضع «عليه السلام» الرماة صفين أمام الجيش: صف أهل الأقواس الناشبة، وصف أهل المقاليع المرامية عن يمين القلب ويساره ويصف أهل الرماح في القلب والمجنبتين صفاً واحداً أمام المقاتلة فإن الخيل لا تقدم على الرماح ويفرض على كل محارب تعهد سلاحه من سيف أو رمح أو قوس أو مقلاع وهذا هو عمل الدول المتمدنة في عصورنا هذه فإن القائد للجيش والشرطة معا يحتم على كل جندي وشرطي تعهد بندقيته والمدفعي مدفعه قبل إطلاق النار حذراً من تعطيل بعض آلاتها في وقت لا يمكن معه الإصلاح.
القسم الثاني: أنظمته في نفس القتال فإنه «عليه السلام» يتقدم بنفسه ويأمر القواد جميعا بتوصية الجنود المحاربين أن يتلقوا السيوف بالدرق والجحف، وأن يعضوا على نواجذهم عند الضرب، وإذا أشرعت إليهم الرماح ليلتوا كي تزل عنهم الطعنة ويمور السنان وقد تحدث نصر بن مزاحم في حديث الماء يوم صفين وذكر من قتلهم الأشتر من أبطال أهل الشام، فيقول في مالك بن أدهم السلماني ما نصه(1): ثم شد على الأشتر فلما رهقه التوى الاشتر على الفرس ومار السنان فأخطاه، الخ.
_____________
وقعة صفين: ص128.

(121)

ويأمرهم «عليه السلام» أنهم إذا لقوا العدو وعليه الأدراع المشمرة وهي القصيرة التي تبلغ الركب أو أنصاف السوق أن يضربوا سوقهم وخدمهم وهي مواضع الخلاخيل من رجل الإنسان وانهم إذا كانت عليهم دروع كذلك قصيرة غير فضفاضة ولا ضافية على أرجلهم وأعترضت أسياف العدو سوقهم وخدمهم أن يبركوا كما تبرك الجمال ليحموا أرجلهم من السيوف وهكذا حدث في صفين لما عبئت همدان لعك وكانت على عك الدروع المشمرة نادى سعيد بن قيس زعيم همدان: يا معشر همدان خدموا وصاح مسروق العكي زعيم عك: يا معشر عك برك كبرك الجمل، بعد أن أعترضت سيوف همدان سوقهم وخدمهم ويوصيهم «عليه السلام» أن يتساندوا في الحرب أي يجعل كل واحد منهم ظهره سناد الظهر الآخر فيحمي بعضهم بعضا ويستقبلوا القوم بوجوههم.
وبهذه التعاليم وفي نفس هذا الإرشاد نجت القطعة التي اقتطعها جيش أهل الشام من جيش أهل العراق يوم صفين وجلها من ربيعة فإنه «عليه السلام» شق عليهم صفوف أهل الشام وأستنقذهم لم يفقدوا رجلا وعلى هذه التعاليم مشت قواد العرب بعده وقد كان أصحاب الحسين «عليه السلام» يوم كربلاء إذا استلحموا وطوقهم جيش عمر بن سعد تساندوا كما صنع ذلك عمرو بن خالد الصيداوي وأصحابه الثلاثة حتى شد أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين «عليه السلام» واستنقذهم ثم عادوا فأستشهدوا، وكذلك صنع الحر بن يزيد التميمي الرياحي وزهير بن القين البجلي كانا متساندين فإذا استلحم أحدهما جاء الآخر حيث يشد مصلتا سيفه عليهم ثم إنهم بكثرتهم أقتطعوا الحر من صاحبه فقتلوه ثم قتلوا زهيرا بعده بعده وهذه الفذلكة العجيبة ليست عند الدول اليوم فإن قطعة الجيش إذا طوقها العدو استأسرت والباعث على هذا هو الرغبة في الحياة مع مذلة الأسر وهوان الأستسلام للعدو وقد كان العربي الكريم لا يرغب فيهما وحتى ترنم فارسهم الشاعر في أنشودته:
هو الموت فأختر ما علا لك ذكره ولم يمت الإنسان ما حيي الذكر
فمن كانت له هذه المهارة الفنية والخبرة الكاملة والمعرفة التامة بالتنظيمات الحربية والدارية الحقيقية بالتدريبات التي يتفوق بها على كل ما هو عسكري وخبير فني من جهة أخذ التدابير اللازمة والتحوطات التي لا بد منها في ساحة القتال والتي أصبحت محور المدارات للخطط الدفاعية والهجومية في المراكز الحربية الدولية حتى اليوم لا يعاب بعد المعرفة ولا ينبز بقلة الخبرة، كلا.

(122)