تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء السادس

اسم الکتاب : تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء السادس

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

ش995
(59)59

الناس يعملون بجد لترميم ما أمكن ترميمه مع الحفاظ على ما بقي من بناء المشهد

• في سنة 1380هـ تشكلت جمعية الإعمار والاحسان بمساعي الشيخ إبراهيم الضرير ليكون رئيساً، والشيخ عباس بن خليل نائباً للرئيس(1) والشيخ إسماعيل بن حسين الضرير(2) اميناً للصندوق والسر وقد اخذت على عاتقها إعادة بناء المشهد استأذنوا من السيد الحكيم(3) لأخذ الحقوق الشرعية لهذه الغاية، وفي أواسط هذه السنة (أواخر سنة

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عباس بن خليل: ولد في كفرية التابعة لحلب، وكان عالماً فاضلاً تولى شؤون قريته وعاش في النصف الثاني من القرن 14الهجري.
(2) إسماعيل بن حسين الضرير: هو الأخ الأصغر للشيخ إبراهيم الضرير، كانت ولادته في نبل، وكان من اعيان البلدة عاش في النصف الثاني من القرن 14الهجري.
(3) حلب والتشيع: 31 وغيره، وجاء في حلب والتشيع بتصرف: إن الجمعية طرحت على السيد الحكيم فكرة البناء فأذن في صرف الحقوق الشرعية على هذا المشروع بالاضاف إلى ما بذله من معونات مالية ضخمة، وقامت الجمعية بعملها الجبار من إعادة بناء المشهد إلى ما كان عليه سابقاً ولا زالت صلاة الجمعة تقام فيه والمشهد اليوم مقصد السواح من أنحاء العالم لما حواء من هندسة فاتقة وبناء رصين وتاريخ قديم، ويعد الأول من الآثار بعد القلعة في مدينة حلب الشهباء.

(154)

1960م) تمت الموافقة الرسمية على تشكيل الجمعيية باسمها الرسمي برقم 146(1).
• في 26/1/1381هـ اصدر مجلس أوقاف حلب قراراً برقم 1667 بتاريخ 9/7/1961م مضمونه الموافقة لجمعية الاعمار والاحسان على إعادة بناء المشهد على نفقتها الخاصة بناء على طلب الجمعية المسجل لدى مديرية الأوقاف برقم 4241 والمؤرخ بتاريخ: 13/1/1381هـ (27/6/1961م).
• في 13/2/1381هـ بدأت اللجنة عملها بإعادة بناء المشهد بإشراف مديرية الآثار التي اختارت الأستاذ محمد علي سماقية مندوباً عنها.
• وعلى اثره قام الشيخ ابراهيم الضرير بالمطالبة باعادة المشهد الشريف الذي تبلغ مساحته خمسة وخمسين ألف متر مربع إلى وضعه القديم وقفاً حسينياً وإعادة بنائه من جديد، والذي هو من بناء بني زهرة(2) على نقاط دم سقطت من الرأس الشريف، وكانت السلطات السورية قد ضمته إلى وزارة الأوقاف السورية وجعلت توليته بيد اهالي البلاد المجاورة مقبرتهم له، وقد أنشأوا على قسم منه مدرسة حكومية واستعملوا سائر الأرض المرتبطة بالمشه دلاغراضهم.

وبعد جهد كبير حصل الشيخ الضرير على قرار من الحكومة بأنه وقف حسيني ووضع تحت تصرفه فأعاد بناءه من جديد، وارجع الاحجار التي كتبت عليها اسماء الأئمة الأطهار، وقد زاد على البناء حسينية ومكتبة وغرفاً كثيرة أعدها لسكنى طلبة العلوم الدينية. ومن هنا لما رثاه الشاعر محمد جواد شمس الدين(3) رثاه بقصيدة من بحر الكامل قال فيها:

ــــــــــــــــــــ
(1) آثار آل محمد في حلب:92.
(2) بنو زهرة: من العوائل الإمامية العريقة والبيوتات العلمية في حلب ينسبون إلى جدهم الأعلى السيد زهرة الحسيني، وقد احتلوا المكانة السامية في حلب وما جاورها، نبغ منه مالكثير في الفقه والأدب وكانت فيه نقابة الأشراف.
(3) محمد جواد شمس الدين: هو ابن حسن بن سليم العاملي ولد في النجف سنة 1345هـ عاد إلى بلده لنان بعد أن أنهى والده دراسته في النجف، وهاجر إلى افريقيا واخيراً إلى كندا، وهو أديبنشر شهعره في العديد من المحلات والصحف العراقية.

(155)

واعاد يبني صرح مشهده الذي باسم الحسين مجيد قدر بعتلي(1)
وقد كتب على واجهة المدخل مايلي:
1ـ بسم الله الرحمن الرحيم
2ـ قامت المرجعية الاسلامية الإمامية العليا الإمام الحكيم الإمام الخوئي الإمام الخميني بإعادة بناء مشهد الإمام الحسين ومدرسته وحسينيته بجهود مجاز المرجعية خريج النجف مؤسس جمعية الإعمار والإحسان الشيخ إبراهيم الضرير.
3ـ 1380هـ 1961م.

ش966
(60)

المرحلة الأولى من أعادة بناء المشهد الحسيني
• في سنة 1387هـ انتهت المرحلة الأولى من الترميم والتجديد الذي بدى في سنة 1381هـ، وفيها بدأ العمل ببناء عشر غرف في الصحن الخارجي للمشهد وانتهى سنة1399هـ(2)

ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجلة الايمان الكندية:15/18.
(2) آثار آل محمد في حلب:94.
(156)

ش977
(61)

انتهت المرحلة الأولى وكان منها القبة

ش998
(62)

انتهى بناء المشهد بشكل عام

(157)

• وفي سنة 1394هـ وما بعدها حتى عام 1404هـ وفقت لزايارة المشهدين الشيخ محسن ومشهد النقطة عدة مرات فوجدت المشهدين عامرين بالزائرين والتقيت بفضيلة الشيخ إبراهيم الضرير سنة 1394هـ حيث كان يقيم صلاة الجماعة ويشرف على البناءبنفسه، وكان البناءفيالسفرة الأولى لا زال قيد الانجاز وقد حدد لي مكان الصخرة حيث كانت مودعة في مشهد السقط.

ش999
(63)

الضريح الأول بعد إعادة البناء

(158)

• قبل سنة 1397هـ كان للسيد حسين مكي(1) أبادي بيضاء في بناء هذا المشهد، حيث يقول: كان آخر بناء عرض عليه هو
البناء الذي قمنا به، وقد بذلنا الجهد للحفاظ على أثريته حيث إنه يعتبر من الآثار التاريخية المهمة وقد ساعدتنا في ذلك وزارة الشؤون والأوقاف، وقدموا لنا كافة التسهيلات لذلك، وهو الآن يطل على حلب من على تلك الرابية ببنائه الشامخ وهندسته الرائعة(2) وفي مكان آخرن كتابه يصف حال هذا المشهد قبل إعادة تعميره بالتالي:

وقد زرت هذا المشهد قبل الشروع في إعادة بنائه، فوجدته كأنه جبل من أنقاض قد ترامى بعضها على بعض، ولم يبق منه الانفجار شيئاً سوى بعض الجدران المهدمة القباب الممزقة والاحجار المبعثرة وسوى بقايا من جدران القاعة الشمالية الغربية العالية ودهليزها المصدع، والغرفة المجاروة لها من طرف شرقها، وسوى المطبخ والحمام وبيوت الخلاء والواقعة في الشمال الشرقي من المشهد(3).

• في سنة 1399هـ توقف زخم العمل في المشهد بوفاة السيد الحكيم(4) وبقي يعتمد على ما يبترع به المحسنون تى عام 1408هـ(5).
• في 27/7/1408هـ تم اختيار الشيخ ابراهيم نصر الله متولياً للإشراف على المشهد والقيام بمهامه وذلك لكبر سن الشيخ إبراهيم الضرير حيث بلغ المائة سنة من عمره وعجز عن القيام بمهام أمور المشهد فسلم

ــــــــــــــــــــــــ
(1) حسين مكي: قد مرت ترجمته سابقاً.
(2) مجلة الموسم: 13/133عن تاريخ مشهد الإمام الحسين.
(3) مجلة الموسم: 13/136 عن تاريخ مشهد الإمام الحسين.
(4) كان السيد الحكيم منذ توليه المرجعية يهتم بشؤون الطائفة في داخل المحافظات العراقية ومدنهها، وخارج العراق، وفي عهده انتعشت الجاليات من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
(5) آثار آل محمد في حلب:94.

(159)

ش1000
(64)

الشيخ إبراهيم نصر الله يضع الصخرة داخل الضريح

باختباره أمور المشهد إليه في مراسيم صلاة الجمعة وكانوا قد استفتوا السيد علي مكي(1) بشأنه فأدلى برأيه بالايجاب وكان جماعة من الموالين قد طلبوا منه القيام بمهام المشهد(2).

ــــــــــــــــــــــ
(1) علي مكي: هو ابن حسين بن يوسف الحسيني العاملي، ولد في النجف سنة 1355هـ حينما كان والده يقيم في النجف لتحصيل العلوم الاسلامية في الحوزة، فعاد الى دمشق بعودة الده إليها بعد أن شب، ولكنه رجع إليها لتحصيل العلم، ثم التحق بأبيه في دشق ليكون ساعده الأيمن. وما أن توفي أبوه سنة 1397هـ إلا وخلفه في مسؤولياته. ومن مؤلفاته: عصمة الأنبياء، دراسة في المرأة وساتر الوجه والكفين، بحث العصمة.
(2) راجع مجلة الايمان الكندية: 15/18 وآثار آل محمد في حلب:102.

(160)

ش1001
(65)

الصخرة في وضعها الأخير

• من سنة 1408هـ حتى سنة 1415هـ تم انجاز ما يلي:

1ـ تعبيد وتزفيت الطريق المؤدي إلى بناء المشهد الذي ينتهي بساحة أمامه، وعمل رصيفين على جانبيه.
2ـ بناء سياج حول أرض المشهد بطول ثلاثمائة متر تقريباً من ضمنه إجداث مدخل يؤدي إلى المشهد، وبناء سياج
لمقبرتين قديمتين احداهما مقبرة السادة بني زهرة(1) وفيها قبر فقيه عصره حمزة أبي المكارم(2)،والثانية لكبار أعيان حلب من فقهاء وشعراء ونحاة، وهاتان المقبرتان تقعان خارج بناء الشمهد في الجهة الجنوبية منه.

ــــــــــــــــــــــــ
(1) بنو زهرة: مر الحديث عنهم.
(2) حمزة أبي المكارم: هو حمزة بن زهرة الاسحاقي الحسيني (511ـ585هـ) كان كبير قومه وعينهم بل رأس الشيعة في حلب ونقيب الأشراف. له مؤلفات جليلة منها: الرد على المنجمين، نفي الرؤية لله جلا وعلا، ونقد شبهة الفسلاسفة.

(161)
3ـ نقل الصخرة من مقام محسن إلى مكانها التاريخي الذي بني المشهد من أجلها في يوم السبت 3/11/1410هـ (26/5/1990م) على يد الشيخ إبراهيم نصر الله.
4ـ ترميم واصلاح القاعة الشمالية الغربية وهي أضخم بناء هندسي وأوسعه كانت مهملة تم إعدادها للمناسبات الدينية بعد اخراج مائة متر مكعب من الأحجار والأتربة منها، وفي الجهة الجنوبية من هذه القاعة توجد قاعتان كانت مهملتين تم تجيهزهما للمكتبة احداهما للكتب والثانية للمطالعة.
5ـ تسفيق الصحن الداخلي لضروة وقاية المصلين والزائرين من حر الشمس صيفاً، ومن الأمطار شتاء.
6ـ تأسيس مستوصف خيري مجاني باسم مستوصف الإمام الحسين(1).
7ـ الصحن الخارجي: تم اخراج ثالثمائة متر مكعب تقريباً من الأنقاض من داخله ثم تبليط ارضه بالحجر الأصفر، وبناء إثنيعشر رواقاً في الجهة الجنوبية منه، وبناء الأروقة مع الفرف الواقعة في الجهة الشمالية منه، بناء مواضىء خاصة، وتم وصلها بالشكبة الرئيسية للصرف الصحي، وغير ذلك من أعمال جزئية كترميم واصلاح وصيانة(2).
كما شيد يناء كبير لاستراحة الزائرين الذين يقدمون إلى هذا المشهد حيث كثرت أعدادهم(3).
وجاء في المنشور الذي طبع من قبل جمعية الإعمار والإحسان الخيرية ذكرلبعض إنجازاتها بالاضافة إلى ما سبق:

ـــــــــــــــــــــ
(1) جاء في المنشور المطبوع من قبل جمعية الاعمار والاحسان الخيرية: 2 بناء مركز طبي تخصصي عاميشمل عيادات متعددة.
(2) راجع آثار آل محمد في حلب:103.
(3) راجع دليل الأماكن المقدسة في سورية:120.

(162)

1ـ تجهيز مرأب للسيارات الزائرة وبناء مصلى للزائرين على مساحة ستة آلاف متر مربع تقريباً.
2ـ بناء معهد الإمام الحسين عليه السلام للدراسات الاسلامية على مساحة (1300) متر مربع من ثلاثة طوابق للمركز والمعهد.
3ـ تجميل وتشجير (الواجهة) الخاصة بالمشهد(1).

1002
(66)66

الصخرة وضعت على قاعدة من المرمر

ولا يخفى أن الصخرة عندما نقلت من مشهد السقط وضعت على قاعدة من المرمر المزركش بالنقوش المحفورة عليها. كم أكسي الجدار الذي داخل الضريح بقطعة قماش أخضر كتب عليه باللون الأسود أربعة

ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشرة جمعية الإعمار والإحسان الخيرية:2.

(163)

أبيات للطائي(1) انشدها(2) الحاكم النيسابوري(3) من الكامل:

جاؤوا برأسك يا بن بنت محمد متزملا بدمائه تزميلا
فكأنما بك يابن بنت محمد قتلوا جهاراً عامدين رسولا
قتلوك عطشاناً ولم يترقبوا في قتلك التأويل والتنزيلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا(4)

ش1003
(67)67

الصخرة والجدار المكسو بالقماش الأخضر

ــــــــــــــــــــــــ
(1) الطائي: هو خالد بن معدان المتوفى حدود سنة 103هـ كان من الشجعان والشعراء المقلين.
(2) راجع البداية والنهاية: 8/159.
(3) الحاكم النيسابوري: هو محمد بن عبدالله بن حمدويه بن نعيم بن الحكيم الضبي الطهماني الشافعي(321ـ405هـ) يكنى بأبي عبد الله ويعرف بابن البيع، ولد وتوفي في نيسابور، وجال في الحواضر العلمية، محدث قدير له من المؤلفات: المستدر على الصحيحين، تاريخ نيسابور، علل الحديث.
(4) راجع ديوان القرن الثامن من دائرة المعارف الحسينية: 141، وهناك من نسبها إلى غير خالد فليراجع منهم خالد بن معدان الكلاعي الشامي الحمصي المتوفى سنة 104هـ.

(164)

ووضعوا قنديلاً جميلاً معلقاً من سقف الضريح متدل على الصخرة.
وهنا لا بد من وصف ما وصل إليه أمر المشهد وصفاً معمارياُ دقيقاً وشرح ما عمل فيه من الترميم لإعادته على الشكل الذي كان قبل أن تتفجر فيه الذخائر العسكرية(1) والافضل أن نترك الاستاذ محمد علي سماقية(2) الشمرف على ترميم المشهد يتحدث إلينا عما قدمه الفنانون في هذا المجال لتتضح الصورة كاملة(3).

ــــــــــــــــــــــــ
(1) يذكر المشرف المعماري أنه كشف خلال رفع الانقاض أنواعاً من الذخيرة قنابل كرية الشكل بقطر 20سم. ورصاص مختلف الانواع والقياسات وقد سلمت جميعها إلى السطلات العسكرية وكذلك وجدنا بقايا عظام بشرية نخرة، وقطع زجاج للمصابيح وبعض النقود التي تعود إلى عصور مختلفة.
ونتمنى من السلطات المختصة أن تنشى متحفاً خاصاً بالمشهد الحسيني هذا وتعرض كل هذه في صالاتها باعتبارها مما عثر عليه في هذا المقام ولها ارتباط به.
(2) محمد علي سماقية: من ابناءحلب تخصصص بعلم الآثار وعمل مع مديرية الآثار في حلب، ونظنه والله العالم انه نجل محمد طاهر بن مصطفى المولود في حلب سنة 1317هـ والمتوفى سنة 1393هـ والذي أصدر جريدة (الجمهور العربي)، وعائلة سماقية معروفة في حلب.
(3) أشار الاستاذ سماقية في البداية إلى صعوبة العمل قائلاً:«كانت البداية شاقة وصعبة فالمكان مجموعة من الأنقاض المتراًكمة والمتناثرة إلى جانب بقايا الجدران المتداعية، وقبل المباشرة بالترميم رقمنا كل ركن من أركان النباء برقم خاص، ثم بدأنا نرفع الأنقاض من كل ركن على حدة، ووضعها في مربعات كبيرة اعدت لذلك حتى يتسنى لنا دراسة الأطر المعمارية للمكان بشكل جيد قبل إعادة بنائه، وكنا نعرض الأتربة على الغربال حتى نتمكن من التقاط جميع القطع الصغيرة التي قد يكون عليها جزء منم زخرفة، أو شكل خاص، أو كتابة، وخلال عملية رفع الانقاض اكتشفنا أنواعاًمن الذخيرة، قنابلل كروية الشكل بقطر20سم، ورصاص مختلف الأنواع والقياسات، وقد سلمت جميعها إلى السطلان العسكرية، وكذلك وجدنا بقايا عظام بشرية نخرة، وقطع زجاج للمصابيح، وبعض النقود التي تعود إلى عصور مختلفة، وبعد الانتهاء من رفع الانقاض قمنا بعملية سبر للجدران من كل الاتجاهات حتى توضحلنا مخطط البناء بشكل كامل»- راجع مجلة الثقافة الاسلامية الدمشقية: 14/173 بنقل آثار آل محمد في حلب:93.

(165)

«قمنا برسم مخطط البناء بشكل عام كوثيقة أولى للبناء(1) بعد ذلك بدأت أعمال البناء ولحسن الحظ أننا عثرنا على نماج للزخارف المتعددة والأشكال المختلفة للبناء واستطعنا أن نكون فكرة كاملة عنها وعن موقعها بالضبط بعد عملية جمعها إلى بعضها بعضاً بدقة وعناية حيث يتسنى لنا اكتمال الأقسام الناقصة بنفس الشكل والاسلوب المتبع في النحت أما الأحجارالعادية فقد فُقد أغلبها مما اضطرنا الأمر إلى استعمال أحجار جديدة بنفس القياسات والمواصفات الموجودة وقد حافظنا خلال العمل على كل حجر قديم، وكل كسرة مزخرفة أو مكتوبة ووضعناها في مكانها حتى تكون دليلاً للاقسام الجديد. فمثلاً بالنسبة إلى واجهة الايوان تمكنا من معرفة زخارفها من خلال أربعة أحجار قديمة أعدناها إلى الواجهة وكذلك الكتابة الموجودة في أعلى الايوان، فهي تتألف أصلاص من أربعة أحجاركبيرة ن الحجر الأصفر القاسي النزق وجدناها تحولت بعد الدماى إلى ثماني عشرة قطعة كثيرة أساسية منها، بحيث لم يبق ركن إلا وفيه دليل قديم ينبىءُ شكلا وموضوعاً.
وقد أعترضنا خلال العمل مشكلة تنظيف المطبخ الذي بقي بناؤه سليماً لم يتأثر بالدمار الذيب لحق بالموقع. لقد كانت آثار الدخان لاصقة بالجدران والسقف بشكل كثيف جداً وبلون يميل إلى السواد الشديد، ولم تجد نفعاً جميع المواد الكيماوية التي استعلمت في أعمال التنظيف، حيث تبين لنا بعد ذلك أنالحجرامتص هذا اللون إلى عمق تجاو ثلاثة سنتيمتراًت فكان لابد لنا من نحت الجدران والسقوف إلى عمق أربعة سنتيمتراًت حتى تمكنا من رفع تلك الطبعة. ورقم ذلك بقيت بعض أجزاء الجدران متأثرة، ولكن بلون بني فاتح.
إستخدمنا في بلاط الأرض الحجر الأصفر القديمالذي اشتهرت به مدينة حلب والمنتزع من البيوت القديمة التي هدمتها البلدية لشق الطراقات وانشاء الحدائق، وكنا موفقين في ذلك تمام التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــ
(1) ويذكر بأنه يختلف قليلاً عن المخطط الذي وضعه هرزفلد عن المكان.

(166)

وقد قامت بالإنفاق على هذا المشروع الهام جمعية الإعمار والإحسان التي تأسست خصيصاً لهذه الغابة، وأجيز لها جمع التبرعات لإنجاز عملها في هذه الأبنية التاريخية الهامة التي تعتبر أجمل الأبنية الاسلامية في العصر الأيوبي.
يؤلف البناء بمجوعة: شكلاً مستطيلاً أبعاده 74×38,5متر، وينقسم إلى مجموعتين: الأولى: عبارة عن ساحة سماوية واسعة أبعادها 42×36,5 متر وليس فيها ما يسترعي الانتباه سوى خمس زمر من النوافذ المزدوجة ومحراب في الجدار الجنوبي، وقد أعدت هذا الاسحة ليبنى حولها غرف أيام الملك العزيز(1) ابن الملك الظاهر غازي(613ـ633هـ)(2)، وإلى الغرب من هذه الساحة توجد المجموعة الثانية للبناء ونشاهد مدهلا الرئيس الفخم وعلى جابيه مجموعة من الشبابيك يحمي نجفتها قوس عاتق، وهو تقليد عزيق عزيز للعمارة في سورة الشمالية.
وها لابد من القول: إن نتيجة الاستقصاء الطويل والدراسة الموضوعية للبناءخلال أعمال الترميم، كانت هناك دلائل كثيرة تشر إلى أن بعض أجزائه يعود إلى زمن أقدممن عصر البناء الحالي، وتبعاً لذلك يمكننا القول أن البناء مر بخمس مراحل هي:
• المرحلة الأولى: تبدأ بظهور رمز ارتفع تذكاراً لتلك الحادثة المؤلمة وهي القبة الواقعة جنوبي المدخل والمرمز
إليها بحرف (A) حيث بنيت فوق الصخرة التي وضع عليها رأس الحسين الشريف رضي الله عنه في إحدى مراحل نقله إلى يزيد بن معاوية، والزمن الذي يمكننا تحديده لظهروها هو ياام عمر بن عبدالعزيز(3) ـ الأموي-(99ـ101هـ)(4).

ــــــــــــــــــــ
(1) العزيز ابن الظاهر: هو محمد بن الغازي بن يوسف بن أيوب سبقت ترجمته.
(2) الموافق للعامين: 1216ـ 1236م والصحيح إلى عام 624هـ الموافق 1227م.
(3) عمر بن عبدالعزيز: هو حفيد مروان بن الحكم الأموي(61ـ101هـ) سادس سلاطين الأمويين ولد في المدينة وتوفي في دشق، تولى الأمر بعد الوليد بن عبد الملك بن مروان، وتولى بعده يزيد بن عبد الملك، كان من المنصفين.
(4) الموافق لعامي(717ـ720م).

(167)

• المرحلة الثانية: تم فيها التوسيع الأول للبناء في عهد سيف الدولة الحمداني332هـ(1) إذ بني في عهده المصلى مع الصحن الملحق به ودليلنا على ذذلك أن محراب المصلى الذي يعود إلى العصر الأيوبي نراه قد حشر في الجدار بشكل أفقد الانسجام بينه وبين أطرافه، إذ قطع سوية السوقات(2) وجعلها تنعثر على جانبي المحراب ما يخالف نظيرة التناسق والتناظر المعروفة في الفن المعماري لذلك العصر، ومن جهة ثانية تكشف لنا في أثناء سير العمل بقايا جدار في الجهة الغربية للبناء يقطع الايوان والغرف المجاورة له، هذا الجدار كان بلا شك يؤلف تصوينه للصحن المبني زمن سيف الدولة وقد هدم في المرحلة الثالثة لضرورة توسيع المكان.
• المرحلة الثالثة: من النباء تمت أيام الملك الصالح اسماعيل بن نور الدين(3) الزنكي (569ـ577هـ)(4) حيث تم بناء الايوان والرواق الشمالي المرموز إليه بحرف(G) مع الغرفتين المرموز إليها بحرفي (I.H).
• المرحلة الرابعة: من البناء نلاحظها بوضوح لأن بناءها يستند إلى الجدار المجاور دون أن يتشابك معه، كما تقتضي بذلك دقة ومتانة البناء، وقد تمت في عهد الملك الظاهرغازي بن صلاح الدين الأيوبي(5) (577ـ613هـ)(6) وقد رمزنا إليها بالأحرف (J K L M).
• المرحلة الخامس: من التوسيع وهي الباحة الخارجية للناء فقد

ـــــــــــــــــــــــ
(1) الموافق لعام 944م والصحيح 943م الموافق لـ 331هـ كما عليه المؤرخون.
(2) السوقات تعبير مصطلح عند أهلي يطلق على تسلسل وضع الأحجار فوق بعضها بعضاً في البناء.
(3) اسماعيل بن نورا لدين الزنكي: هو اسماعيل بن محمود بن زنكي(588ـ577هـ) يعرف الملك الصالح وهو من ملوك بني زنكي في الشام والجزيرة، بويع له في دمشق بعد وفاة أبيه سنة 569هـ وهو ابن احدى عشرة سنة فقام بأمور الدولة الأمير شمس الدين محمد بن عبدالملك بن المقدم، وتوفي شاباً.
(4) الموافق لعامي 1174ـ1181م.
(5) غازي بن صلاح الدين الأيوبي: مضت ترجمته.
(6) الموافق لعامي 1186ـ 1216هـ.

(168)

تمت في أيام الملك محمد بن الملك الظاهر غازي(613ــ624هـ)(1) حيث استأذن الكاظمي بهاء الدين ابن الخشاب(2) ببناء غرف ولم يكتمل البناء بسبب دخول التتار حلب.
وأما عن الاطر المعمارية المنوعة التي اتسخدمت فيه والتي لا نجد لها مثيلاً من حيث تنوعها في أي بناء اسلامي في سورية، فقد تفنن المعماريون وأجادوا في التعبير عن نوازعهم الفنية وحسهم الدقيق المرهف في صياغة هذا البناء إذا جاز لنا التعبير.
فالمدخل يرتفع عن الأرض ويتألف من عتبة صغيرة في صدرها باب متوسط يتكون من احجارصفراء مصقولة بعلو تجفته شريط هندسي عريض مفرز من وسطه، يتشابك ليؤلف إطاراً تزيينياً يحيط بحجر التأريخ، ويعلو هذا الإطار شكل يمثل مصابحي نافرة كروية الشكل لها قاعدة وعنق ينفرج في الأعلى معلقة بشريط من جانبيها، وهي متناسقة إلى جانب بعضها بعضاً، بدءاً من أول القبة إلى نهايتها، ويفصل بين هذه المصابيح شكل هندسي يشبه رأس الخروف إذا نظر إليه من الأعل ـ لقد أراد المعمار من وضع هذا الشكل داخل العتبة أن يعبر عن الآية الكريمة (الله نور السماوات والأرض مث نوره كمشكاة فيها مصباح)(3).
والمشكاة هنا هي الكوة التي تتمثل في عمق عتبة المدخلو المصباح معلق فيها، ويمثله الشكل المذكور آنفاً.
وفوق هذا النقش تبدو سبع مقرنصات كبيرة ثلاث منها وضعت في صدر المدخل وإثنتان منها وضعتا على كل من جانبيه، وفي أسفل هذه المقرنصات يوجد شريط ضيق بقياس(10سم) يمتد طرفاه حتى نهاية المدخل، وزين هذا الشريط بجذوع الكرمة وأوراقها وعناقيدها فترى الجذع يلتف وينثني مبرونة ورشاقة ليحتضن عناقيد العنب وأوراقها بتناسق تام، إنه أنر نادر في العمارة الأسلامية، ولعل المعمار أراد من أدخال هذا العنصر

ــــــــــــــــــــــ
(1) الموافق لعامي 1216ـ1227 في الأصل 1236م ولكن ما اثبتناه هو الصحيح.
(2) بهاء الدين ابن الخشاب: سبقت ترجمته.
(3) سورة النور، الآية:35.

(169)

التزييني في البناء أني يعبر عن قدسية هذه الشجرة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وهناك على المقرنصات الثلاث التي في صدر الباب كتابات(1).
بعد هذه المقرنصات الكبيرة تأتي مقرنصات أصغر حجماً رشيقة القد، تساهم في تدوير سقف المدخل، ونلاحظ في الزوايا مقرنصات متقابلة يجمعها من الأعلى شكل زهرة من أربع اوراق، ويستدير المكان أكثر ويتقرب من نقطة الوسط أكثر بواسطة صف ثالث من المقرنصات ذي القاعدة العريضة، وهكذا حتى تصل إلى حيث العقد، وهي على شكل صدفة بحرية مضلعة، وإذا نظرنا إلى قوس الباب من الخارج نجده يتثنى ويضيق من الأسفل، وينفرج ويتوسع من الأعلى حتى يستوي مع الواجهة، ونشاه بين ثناياه أشكالاً هندسية من الحجر الأسود. ونجتاز المصنوع على شاكلة السقوف المدهونة حيث تملأ الفراغات بين الأعمدة أشكال متعددة من الأزهار.
وتجتاز هذه العتبة إلى ساحة سماوية أبعادها (16×15,5) متراً في هذه الساحة فتطالعك عدة مرافق من البناء، وأول ما يلفت نظرك وأنت فيها الإيوان الضخم الذي يرتكز قوسه من الأمام على عمودين من الحجر الاصفر يعلوها تاجان من الطراز الإسلامية وعلى جانبي قوس الإيوان نقش عربي متداخل يتخلله شريط من الحجر الأسود يؤلف شكلاً هندسياً متناسقاً وفي أعلى الايوان إطار زخرفي نافر من الحجر يحيط به تذكر فيه أسماء الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الأمامية، كتبت بخط الثلث ويشير شكل الخط إلى أنه يعود إلى العصر الأيوبي، ويوجد في وسط الايوان محراب صغير وفي صدره شباكان واسعان.

وإلى جانب الايوان غرف صغيرة رمز إليها بالأحرف( FـEـC)، وليس ما يسترعي الانتباه سوى الغرفة المزمرة بحرف (C) حيث يوجد فيها محراب صغير للصلاة. أما المصلى ويعرف بالحرم أو القبلية كما هو شائع في بلادنا، فيقع إلى الجنوب من هذه الساحة وقد رمز أليه بحرف.

ـــــــــــــــــــ
(1) سبق وذكرناها.

(170)

(B) ويتألف من صالة مستطيلة فيها خمس قباب، القبة الوسطى يتم الانتقال بها من المربع إلى الدائرة بواسطة مقرنصات تنتهي بنصف دائري ترتكز عليها لقبة، أما القباب الأخرى فيتم الانتقال من المربع إلى الدائرة بواسطة سراويل موشورية في الزوايا تحول المربع إلى مثمن، ثم يأتي صف من الاحجار يكسر زوايا المثمن ويحلوه إلى ستة عشر ضلعاً يرتكز عليه إفريز دائري مزخرف ترتكز القبة عليه، وينتهي طرفا المصلى بسقف سريري من الحجر على شكل قوس.
ونلاحظ في المصلى كيف حشر المحراب في جداره في العصرالأيوبي، ويزين واجهته خيط زخرفي متداخل مع بعضه بعضاً يتوسطه بشكل بيضاوي مدبب من الأعلى فيه كتابة تشير إلى إسم بانيه وللمحراب عمودان من المرمر فقد تاجاهما.
ونعود إلى الباحة لنشاهد الغرفة الواقعة على يسار المدخل والمرموز إليها بحرف(A) حيث نشاهد فيها محراباً صغيراً وقبة هذا الغرفة هي أول بناء في المكان وكان الحجر الذي وضع عليه رأس الإمام الحسين رضي الله عنه فيها، ثم نقل إلى مشهد الدكة أو الشيخ محسن- كما يسميه أهالي حلب- ووضع عند قبر محسن بن الحسين الذي أجهضت به أمه في هذا المكان، ويقع على بعد خمسمائة متر(1) إلى الجنوب من مشهد الحسين.

ننتقل بعدها الغرفة الواقعة إلى يمين الداخل والمرموز إليها بحرف(H) وفيها محراب صغير ينتهي اعلاه بشكل صدفة، وله عمودان صغيران رشيقان من الإمام، أما سقف هذه الغرفة فهو سريري على شكل ينطوي قسمه الداخلي إلى الإمام على شكل مثلث، وإلى جانب هذه الغرفة مدخل صغير يؤدي إلى غرفة اخرى سقفها هرمي الشكل من الحجر ومرموز إليها بحرف(I).

ــــــــــــــــــ
(1) سبق أن ذكر أن المسافة مائتا متر وقيل ثلاثمائة متراً ولعل ما ذكرهنا هو أقب للصحة حيث إنه تولى صاحب المقالة الاشراف على الناحي الهندسية.

(171)

قباب يرتفع عن سوية أرض الباحة قدر(70) سم، وفي الجانب الشرقي من الرواق مدخل يؤدي إلى «المصنع» وهو المطبخ حيث كان يطبخ الطعام والحلوى أيام المواسم الدينية لتوزع على الفقراء، ونشاهد في زاوية هذا المطبخ بئراً للماء، أما سقفه فيبألف من اقواس مثلثة الشكل تلتقي مع بعضها بعضاً بضلع حاد، وتنقطع عند نهايتها لتؤلف شكلاً مربعاً مفتوحاً ينتهي في اعلاه بإفريز نافر على شكل مربعات مجزأة متناوبة، ويتصل بالمطبخ موقع اعد لدورات المياه، وسقفه قريب الشبه بسقف المطبخ إلا أنه ينتهي بشكل دائري، له إفريز ناتىء وقد رمز إلى المكان بحرفي(KـJ).
وفي الجانب الاخر من الرواق مدخل يؤدي إلى قاعة الاستقبال، وتتألف من قسمين متصلين إلا أن طرازهما يختلف كلياً، فالقاعة الأولى وقد رمز إليها بحرف(L) تتألف من ساحة صغيرة في وسطها صهريج للمياه، وفي أطرافها أواوين مرتفعة، وفي جانب الإيوان الشرقي ملفق(1) للهواء «بادنج»، وفي جانبا لباحة مدخل يؤدي إلى دهليز ضيق، سقفه على شكل قوس من الحجر ينعطف شمالاً ليؤدي إلى دورة مياه، أما سقف هذه القاعة فيعتبر أجمل ما في هذا البناء من اشكال معمارية، إذ يعتمد على المقرنصات في الانتقال من المربع إلى الدائرة، حيث القبة التي يبلغ فطرها(5,20) متر وارتفاعه عن الأرض(14)متراً، وجمال هذه القبة بمقرنصاتها التي تتسم بوضوح الرسم وبساطة خطوطه، وهنا يتجلى ذوق وبراعة معمارييالقرنين السادس والسابع الهجريين التي أبعدت أعمالهم عن التفاصيل الاضافية والاقتباس الذي تميز به معماريو القرنين الثامن والتاسع الهجريين.
أما القاعة الثانية المرموز إليها بحرف (M) فترتفع عن أرض القاعة الأولى بنفس ارتفاع الأواوين، وتتميز جدرانها بوجود خزائن لحفظ الكتب والاشياء الأخرى، وفي جدارها الغربي شباكان أما قبتها فترتكز على رقبة ذات طراز نادر في العمارة الاسلامية فالزوايا يكسرها محراب

ــــــــــــــــــ
(1) ملفق للهواء: اراد البادگير حسب المصطلح العراقي المأخوذ من الفرس، والذي هو عبارة عن القنوات التي كانت تنشأ لسحب الهواء من الأعلى إلى الأسفل للتهوية.

(172)

كامل متوسط الحجم، ترتكز مقدمته على عمودين لهما تاج مورق، ونشاهد في قاعدة العمود من الأسفل شكلاً مخروطباً محززاً يزيد من روعة البناء، ويضفي عليه سحراً خاصاً. أما سقف هذا المحراب فهو على شكل أشعة تبدأ بقاعدة عريضة من الاسفل، لتجتمع في النهاية عند نصف دائرة، ونلاحظ في أسلوب بنائها إشعاعاً بارزاً قليلاً إلى جانب إشعاع ضامر.
أما الاقسام المتوسطة الواقعة بين هذه الماحاريب فهي أيضاً محاريب من طراز آخر قليلة التكوين تنتهي بسقف قليل العمق على شكل أششعة الشمس، ويجمع بين هذه المحاريب سراويل مقوسة الجانبين مدببة من الأسفل، منفرجة من الأعلى، موشورية الشكل قليلا، تنتهي فوق ظهر اقواس واجهة المحاريب الثمانية ليأتي بعدها افريز متدرج مستدير ترتكز عليه القبة.
من المعتقد أن هذا الجناح يبنى خصيصاً لاستقبال كبارالزوار والضيوف وإقامتهم فيه، لأن جميع مستلزمات الراحة متوفرة فيه: الماء والهواء ودورة المياه، مما يساعد على الاختلاء والتعبد والدراسة.
وقبل ختام البحث لا بد من الاشارة إلى أن اشكال السقوف في الحجرتين (KـJ) نادرة الوجود ولا نراها إلا في هذا المشهد وفي مشهد الدكة القريب منه وجامع العادلية في حلبوقعلة دمشق، كما يتمز هذا البناء وجميع أبنية حلب باستعمال الحجر على نطاق واسع في جميع أعمال البناء، وذلك لقرب مواقع مقالعه من المدينة، وتنوع ألوانه من الأبيض إلى الأصفر الزهري(1).
هذا وقد وضع الفرنسيون أيام احتلالهم لحلب مخططاً للمشهد الحسيني تبين فيه مرافق المشهد بشكل واضح كما هو ملاحظ فيما يلي بعد تجديده.

ــــــــــــــــــــ
(1) مجلة الموسم الهولندية العدد: 13/السنة:4/ الصفحة: 149ـ154/ السنة: 1412هـ، ومع الأسف إن المصدرلم يوثق ما أورده من الرموز في المخطط الذي ذكره الشمرف على ترميم الشمهد الاستاذ محمد علي مساقية، وهذا ما جعل الإشارة التي أشر عليها بالحروف الإنكليزية غير مفهمومة.

(173)


ش1004
(68)

مخطط المشهد الحسيني قبل تجديد بنائه

(174)

 

وصف المشهد بعد التجديد


بعد الانتهاء منت تجديد بناء المشهد وترميمه حسب المعايير الهندسية لا بد من اعطاء صورة حقيقة له والذي هو قائم إلى يومنا هذا والذي يطمح القائمون عليه لأن يقدموا المزيد إن شاءالله تعالى:
إن مدخل المشهد يرتفع عن الأرض- بست درجات عن الصحن-، ويتألف من عتبة صغيرة في صدرها باب متوسط يتكون من أحجار صفراء مصقولة يعلو نجفته شريط هندسي عريض مفرز من وسطه يتشابك ليؤلف إطار تزيينياً يحيط بحجر التاريخ.
ويعلو هذا الاطار شكل يمثل مصابيح نافرة كروية الشكل لها قاعدة وعنق ينفرج في الأعلى معلقة بشريط من جانبيها وهي متناسقة إلى جانب بعضها بعضاً، بدءاً من أول العتبة إلى نهايتها، ويفصل بين هذا المصابيح شكل هندسي يشبه رأس الخروف إذا نظر إليه من الأعلى.
قد أراد المعمار من وضع هذا الشكل داخلا لعتبة، أن يعبر عن الآية الكريمة:
(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح..)(1).
والمشكاة هنا: هي الكوة التي تتمثل في عمق عتبة المدخل، و المصباح معلق فيها، ويمثله الشكل المذكور آنفاً.
وفوق هذا النقش تبدو سبع مقرنصات كبيرة، ثلاث منها في صدر المدخل واثنتان على كل من جانبيه، وفي أسفل هذا المقرنصات شريط ضيق بسعة عشرة سنتميترات يمتد طرفاه حتى نهاية المدخل، وزين هذا الشريط بجذوع الكرمة وأوراقعها وعناقيدها بتناسق تام، إنه أمرنادر في

ــــــــــــــــــــ
(1) سورة النور، الآية:35.

(175)

العمارة الاسالمية ولعل المعمار أراد من ادخال هذا العنصر التزييني في البناء أن يعبر عن قدسية هذه الشجرة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم: وعلى جانبي املدخلمن اليمين والشمال كتب بخطالثلث ما يلي:
على اليمين: بسم الله الرحمن الرحيم أللهم صل على محمد النبي وعلى الوصي والحسن المسموم والحسين الشهيد المظلوم وعلي زين العابدين ومحمد الباقر علم الدين وجعفر الاصدق الأمين.
وعلى اليسار: وموسى الكاظم الوفي وعلي الطاهر الرضي ومحمد البر التقي وعلي الهادي النقي والحسن العسكري وصاحب الزمان الحجة المهدي. واغفر لمن سعى بهذا المشهد بنفسه ورأيه وماله.
وبعد هذه المقرنصات الكبيرة تأتي مقرنصات أصغر حجماً رشيقة القد تساهم في تدوير سقف المدخل ونالحظ في الزوايا مقرنصات متقابلة يجمعها من الأعلى شكل زهرة من أربع أوراق، ويستدير المكان أكثر ويقترب من نقطة الوسط أكثر بواسطة صف ثالث من المقرنصات ذي القاعدة العريضة وهكذا حتى تصل إلى حبة العقد وهي شكل صدفة بحرية مضلعة.
وإذا نظرنا إلى قوس الباب من الخارج نجده يتثنى ويضيق من الأسفل وينفرج ويتوسع من الأعل حتى يستوي مع المواجهة ونشاهد بين ثناياه أشكالاً هندسية منا لحجرالأسود، ونجتاز الباب لنجد أنفسنا أمام عتبة ثانية أهم ما يميزها هو سقفها الحجري المصنوع على شاكلة السقوف المدهونة حيث تملا الفراغات بينالأعمدة أشكال متعددة من الأزهار، ونجتاز هذه العتبة إلى ساحة سماوية أبعادها(16×15,5) متر فتطالعك عدة مرافق من البناء.
وأول ما يلفت نظرك وأنت فيها الايوان الضخم الذي يرتكز قوسه من الأمام على عمودين من الحجر الأصفر يعلوهما تاجان من الطراز الاسلامي، وعلى جانبي قوس الاسوان نقش عربي متداخل يتخلله شريط من الحجر الأسود يؤلف شكلاً هندسياً متناسقاً. وفي أعلى الايوان إطار زخرفي نافر من الحجر يحيط بكتابة تذكر أسماء النبي وأهل بيته عليهم السلام كتبت

(176)

بخط الثلث ويشير شكل الخط إلى أنه يعود إلى العصر الأيوبي ويوجد في وسط الأيوان محراب صغير وفي صدره شباكان وسعان.
اما المسجد يقع إلى الجنوب من هذه الساحة ويتألف من صالة مستطيلة، فيها خمس قباب، القبة الوسطى يتم الانتقال بها من المربع إلى الدائرة بواسطة مقرنصات تنتهي بنصف دائري ترتكز عليه القبة، أما القباب الأخرى فيتم الانتقال من المربع إلى الدائرة بواسطة سراويلموشورية في الزوايا تحول المربع إلى مثمن، ثم يأتي صف منا لاحجار يكسر زوايا المثمن ويحوله إلى ستة عشرضلعاً يرتكز عليه إفريز دائري مزخرف ترتكز القبة عليه.
وينتهي طرفا المسجد بسقف سريري من الحجر على شكل قوس وفي الطرف الشمالي من الباحة يوجد رواق يتألف سقفه من ثلاث قباب يرتفع عن سوية أرض البأحة قدرسبعين سنتيمتراً.
وفي الجهة الغربية من هذا الرواق يوجد مدخل يؤدي إلى قاعة الاستقبال وتتألف من قسمين متصلين إلا أن طرازهما يختلف كلياً، فالقاعدة الأولى تتألف من ساحة صغيرة في وسطها صهريج للمياه وفي أطرافها أواوين مرتفعة، وفي جانب هذا الايوان الشرقي يوجد ملفق للهواء «بادنج» وفي جانب الباحة يرى مدخل يؤدي إلى دهليز ضيق سقفه على شكل قوس من الحجر ينعطف شمالاً ليؤدي إلى دورة مياه أما سقف هذه القاعة فيعتبر من أجمل ما في هذا البناء من أشكال معمارية، إذ يعتمد على المقرنصات في الانتقال من المربع إلى الدائرة حيث القبة التييبلغ قطرها 5,20متر وارتفاعها عن الأرض يبلغ 14متراً.

وجمال هذه القبة بمقرنصاتها التي تتسم بوضوح الرسم وبساطة خطوطه، وهنا يتجلى ذوق وبراعة معماريي القرنين السادس والسابع الهجريين التي أبعدت أعمالهم عن التفاصيل لإضافية والاقتباس الذي سيتميز به معماريو القرنين الثامن والتاسع الهجرين.
أما القاعة الثانية المتصل بها فترتفع عن أرض القاعة الأولى بنفس ارتفاع الأواوين وتتميز جدرانها بوجود خزائن لحفظ الكتب والأشياء الاخرى، وفي جدراها الغربي شباكان، أما قبتها فترتكز على رقية ذات

(177)

طراز نادر في العمارة الاسلامية فالزوايا يكسرها محراب كامل متوسط الحجم، ترتكز مقدمته على عمودين لهما تاج مورق، ونشاهد في قاعدة العمود من الاسفل شكلاً مخروطياً محززاً يزيد من روعة البناء ويضفي سحراً خاصاً، أما سقف هذا المحراب فهو على شكل أشعة تبدأ بقاعدة عريضة من الأسفل لتجتمع في النهاية عند نصف دائرة، ونلاحظ في أسلوب بنائها اشعاعاً بارزاً قليلاً إلى جانب اشعاع ضامر، أما الأقسام المتوسطة الواقعة بين هذه المحاريب فهي أيضاً محاريب من طراز آخر قليلة التكوين، تنتهي بسقف قليل العمق على شكل اشعة الشمنس ويجمع بين هذه المحاريب سراويل مقوسة الجانبين مدببة من الأسفل، منفرجة من الأعلى موشورية الشكل قليلاً، تنتهي فوق ظهر أقواس واجهة المحاريب الثمانية ليأتي بعدها إفريز متدرج مستدير ترتكز عليه القبة، ويبلغ مجموع مساحة هاتين القاعتين المتصلتين مائة متر مربعاً تقريباً(1).
وبالنسبة إلى الضريح فقد تجدد أيضاً وجاءت مشبكاته تختلف عن التي كانت سابقاً بل إن طرازه الهندسي اختلف وكان كل مشبك له عمود جميل معتمد عليه يتصل من اعلى بقوس جميل ويملؤه عدد من النقوش النباتية الناتئة ومن فوقه قطع حزامية وضعت في أطر ذات قاعدة احداها حمراء واخرى زرقاء بلغ عددها اربع عشرة بعدد المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام فجاءت أربع منها على يمين الضريح ذي المشبك الواحد، وعلى الواجهة العريضة ذي المشبكين ست، وعلى الجهة الأخرى ذي المشبك الاحد أربع وهي كالتالي: «محمد المصطفى»،«علي المرتضى»، «فاطمة الزهراء»،«حسن المجتبى»،«حسين الشهيد»،«علي زين العابدين»،«محمد الباقر»،«جعفر الصادق»، «موسى الكاظم»،«محمد بن الحسن القائم».
كما كتب على حزام آخر اعلى منه بعدما فصل بنقوش نباتية ناتئة واتسعت من مساحة الضريح مقدار (15) سنتيمتراً تقريباً، أطر مماثلة كتب فيها آية التطهير(2) على الشكل التالي أربعة على المشبك الأول:

ـــــــــــــــــــــــ
(1) راجع آثار آل محمد في حلب:62 نقلاً عن مجلة الثقافة الاسلامية، العدد:14.
(2) سورة الاحزاب، الآية: 33.

(178)