تاريخ المراقد  الحسين وأهل بيته وأنصاره  (الجزء الخامس)

اسم الکتاب : تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الخامس)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

مرقد حبيب الأسدي

أبو القاسم حبيب بن مظاهر بن رئاب الفقعسي الأسدي رضوان الله عليه، ذلك الصنديد اذي ولد في الحجاز قبل الهجرة بخمسة عشر عاماً، والصحابي الجليل من حواري أمير المؤمنين عليه السلام ومن مرافقي الإمام الحسن الزكي عليه السلام وأحد أبرز أنصار الإمام الحسين عليه السلام والمجاهد المناضل الذاب عنحرم سبط رسول الله ص وأهل بيته الأطهار في ساحة الوغى بأرض الطف والمستشهد بعيد الظهر من يوم عاشوراء من عام المأساة 61هـ، والحديث عن سيرته يطول، وحيث إنا ودعناها في باب الأنصار غير الهاشميين من هذه الموسوعة فلا حاجة الى التكرار، بل إن أراد القارىء بعض التفاصيل فعليه أن يراجع ذلك الباب ليجد ضالته إن شاء الله تعالى، ولكننا سنذكر شمة منها من خلال النقاط التالية:
• بلغ من العمر 75سنة قمرية والذي يعادل 73سنة شمسية.
• كان أصبح الوجه أحمره، جميل المحيا، قويم الهندام.
• التقى الرسول ص في المدينة وصاحبه.
• حفظ القرآن وكان عالماً بتفسيره.
• يعد من أبرز العباد والنساك في عصره.
• شاعر أديب وخطيب أريب وشجاع باسل.
• من الرواة عن الوسلو ص وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.
• شديد الولاء للرسول ص وآله الكرام عليهم السلام.
• كان ضليعاً بعلم المنايا والبلايا.
• من فقهاء الشريعة الإسلامية.
• نزل الكوفة ولازم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

(151)

• تولى شرطة الخميس في حكومة الإمام علي عليه السلام.
• زعيم قبيلة بني أسد في الكوفة.
• شارك علياً عليه السلام في حروبه الثلاثة.
• شديد الحرص على إقامة العدل ودحض الباطل.
• صاحب الإمام الحسين عليه السلام ووقف معه دون أية مواربة.
• كان على علاقة وثيقة مع ميثم التمار(رضوان الله عليه) بمستوى الزمالة والاسرار.
• من أصحاب الأمام الحسين عليه السلام وأنصاره.
• كتب فيمن كتب الى أبي عبدالله الحسين عليه السلام لأن يقدم الى الكوفة.
• استقبل رسول الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل(رضوان الله عليه) ورحب به في خبطة بليغة.
• أخذ البيقة لمسلم بن عقيل ومعه مسلم بن عوسجة.
• وقف مع مسلم وقفة مشرفة.
• اختفى ف قومع بعد استشهاد مسلم منتظراً الفرصة المناسبة للنهوض.
• كتب إليه الحسين عليه السلام بالالتحاق بركبه فأقدم.
• زوجته أم قاسم كانت تشجعه على الخروج مع الحسين عليه السلام.
• التحق مع عبده وفرسه وعدته بمعسكر الإمام الحسين عليه السلام.
• تولى السفارة من قبل الإمام الحسين عليه السلام إلى بني أسد.
• ولاّه الحسين عليه السلام قيادة كتيبة من جيشه.
• حملته السيدة زينب عليها السلام رسالة الوفاء.
• ناضل وجاهد في معركة الطف الحزينة حتى قتل من الطرف الآخر جماعة كبيرة.

(152)

• كان يعد أفضل أنصار الإمام الحسين عليه السلام من غير الهاشميين.
• ضربه بديل بن صريم القحطان بسفه.
• طعنهُ رجل من تميم برمحه.
• أصابه الحصين بن نمير السكوني على رأسه فهوى الى الأرض.
• حز رأسه رجل من بني تميم.
• حُمل رأسه الى عبيد الله بن زياد الى الكوفة ومنها الى دمشق.
• رصد ابنه القاسم قاتله فأخذ بثأره أيام مصعب بن الزبير القرشي.
• رابع أربعة ممن استقل له بقبر: علي الأكبر، العباس، الحُر، وحبيب.

هذا غيض من فيص، وبما أن الحديث وصل الى مرقده الشريف فلابد من بيان النقاط التالية في ذلك.
1ـ مثواه: لم يختلف اثنان في أنه دفن في الزاوية الجنوبية الغربية من المرقد الحسيني الشريف على بعد حوالى خمسة عشر متراً والذي يقع اليوم في نهاية الرواق القبلي على مقربة من المكان المعروف بالمذبح (المصرع) الذي قتل فيه الإمام الحسين عليه السلام، وقد تواتر منذ القدم على موقعه وتسالم عليه العلماء والفقهاء والمؤرخون وتداوله كابر عن كابر بل جيل بعد جيل، ولم نسمع ولم نقرأ خلافه ممن يعتمد عليه، نعم لا يوجد في الروايات والمصادر القديمة تصريح بذلك.
2ـ مدفنه: جاء مستقلاّ عن بقية الشهداء مع الإمام الحسين عليه السلام والذين سقطوا على أرض الوفاء في معركة الكرامة، ويعزى ذلك الى أمرين:
أـ إن الإمام السجادد عليه السلام شرفه بهذه الكرامة لأنه كان أشرف أنصار أبيه الحسين عليه السلام من غير الهاشميين، فأراد أن يميزه غن غيره.
ب- إن عشيرة بني أسد أن تكرم زعيمها فاستأذنت الإمام السجاد عليه السلام في ذلك فأذن لهم، فدفن في هذا الموقع، ويذكر بأنه كان

(153)

حاجباً على خيم الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم الطف،فمن هنا جعل مدفنه على باب من أ[واب الحرم الحسيني(1)، ويعد المدخل الذي هو قريب من مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي (رضوان الله عليه) من المداخل القديمة جداً للروضة الحسينية.
وأياً كان السبب في استقلالية المرقد الحبيبي عم سائر الشهداء فالرؤيتان متقاربتان يمكن الجمع بينهما وذلك بالقول: بأن بني أسد عوفوا مدى تجليل إمامهم لزعيمهم، فاستأذنوه في ذلك، أو أمرهم بذلك محدداً مكان دفنه، فقاموا بتنفيذه، حيث إن أنصار الإمام الحسين عليه السلام قبروهم ومنازلهم محددة من ذي قبل، وقد ذكر بعض المؤلفين بأن دفنه في هذا المكان بالذات لم يكن عبثاً بل جاء تكريماً له على غرار ما كان أيام حياة الإمام الحسين عليه السلام منذ أن وطئت أقدامه كربلاء حيث كان بواباً على خيمته، فلا يدخلها أحد دون أن يستأذنه، فاحتفظ بهذا الشرف بعد استشهاده ليزروه أولا ثم يدخل الى مرقد سيده الإمام الحسين عليه السلام، ويضيف الكاتب: إن الزائر الى كربلاء كان يزور حبيباً قبل أن يزور الإمام عليه السلام انطلاقاً من هذه الفكرة(2).
ومن طريف القول: إن الكثير من العلماء والفقهاء كانوا يزورون مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام أولاً ثم يزورون مرقد الإمام الحسين عليه السلام، وهذا ما لاحظته من والدي(قدس سره)، وقد سألته ذات يوم عن سبب إصراره على زيارة المرقد العباسي قبل الحسيني فأجابني: إن الطريق الى الحسين يتم عبر العباس، أو ما ترى أن المرء لا ينفذ الى السلطان إلا من خلال وزيره.
3ـ مرقده: إن تاريخ مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي(رضوان الله عليه) هو إطار عملنا هنا في هذا الباب، وهذا يتلخص في بيان بعض النقاط:

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخچه كربلاء: 141، تاريخ من دفن في العراق من الصحابة:91.
(2) رجال حول الحسين:45.

(154)

أـ إن دفنه لم يتأخر عن دفن الإمام الحسين عليه السلام وسائر الشهداء رضوان الله عليهم.
ب- إن كل العمران الذي خضع له المرقد الحسيني شمل سائر المراقد المتواجدة في الروضة الحسينية وإن كان بشكل جزئي.
ت- إن كل الأحداث التي ألمت بالمرقد الحسيني من الهدم والتدنيس تعرض لها مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه.
ث- إن التاريخ ضنين بالمعلومات بشكل قد لا تكاد تحصل على معلومات من المعطيات المتواجدة وإن عصرتها بعصرة الملائكة التي تستقبل الأموات في قبورهم.
ج- إن كل الذين زاروا الإمام الحسين عليه السلام من الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والعلماء والأولياء لا شك وأنهم زاروا مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه.
خ- إن السدانة لمرقد حبيب هي السدانة ذاتها لمرقد الإمام الحسين عليه السلام لأن المبنى كان واحداً، ولازال.
د- نحاول استخلاص ما ورد في التاريخ المرقد الحسيني لتكتمل الصورة بشكل أوضح.
وإليك سرد ما حصلنا عليه من التاريخ مرقد حبيب رضوان الله عليه.

(155)

(156)

القرن الأول
(16/7/622(1) ــ 23/7/719م)

• في 13/1/61هـ(2)، تم دفن جثمان حبيب بن مظاهر الأسدي في الجنوب الغربي من مرقد الإمام الحسين عليه السلام على بعد خمسة عشر متراً تقرباً من خلال قبيلة بني أسد(3) بإشراف وتعليمات الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام.
لم نجد في أمات المصادر ولا في الروايات مايدل على ذلك، وللشيخ المفيد(4) نصان يدلان على أمرين، ألاول: إن جميع الشهداء دفنوا من جهة رجل الإمام الحسين عليه السلام حيث يقول:
«ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانا نوزلاً بالغاضرية الى الحسين وأصحابه رحمة الله عليهم، فصلوا عليهم ودفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الآن، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجليه، وحفورا للشهداء من أهل بيته وصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً، ودفنوا العباس ابن علي عليه السلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن»(5).

ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يخفى أن تاريخ المرقد بدأ من 13/1/61هـ الموافق لـ 15/10/680م.
(2) ويحتمل أن يكون في اليوم الثاني عشرمن شهر المحرم، على تفصيل أوردناه في باب السيرة.
(3) بنو أسد: قبيلة عربية كبيرة وشهيرة ينتمون الى أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار من العدنانية، لها بطون كثيرة منها بنو كامل وبنو ثعلبة وغيرهما، كانت منازلهم بالكوفة والطف وغيرهما، وقد سكنوا الكوفة منذ سنة 19هـ.
(4) المفيد: هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري (338ـ413هـ) ولد في عكبراء القربة من مدينة بلد، وتوفي في بغداد، كان من أعلام الإمامية وإمام عصره، له مؤلفات كثيرة بلغت المائتين، منها: الامالي، المقنعة، ومسار الشيعة.
(5) الإرشاد:2/114.

(157)

الثاني: يدلنا على أن أصحابه دفنوا حوله من دون تحديد، حيث يقول بعد ذكر الهاشميين:
«فهؤلاء سبعة عشر نفساً من بني هاشم ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ إخوة الحسين وبنو أخيه وبنو عميه جعفر وعقيل، وهم كلهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين عليه السلام في مشهده، حفر لهم حفيرة وألقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب، إلا العباس بن علي رضوان الله عليه فإنهدفن في موضع مقتله على المسناة بطريق الغاضرية، وقبره ظاهر، وليس لقبور إخوته وأهله الذين سميناهم أثر، وإنما يزورهم الزائر من عند قبر الحسين عليه السلام ويومىء إالى ألارض التي نحو رجليه بالسلام، وعلي بن الحسين عليه السلام في جملتهم، ويقال: إنه أقربهم دفناً الى الحسين».
فأما أصحاب الحسين رحمة الله عليهم الذين قتلوا معه، فإنهم دفنوا حوله، ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل، إلا أنا لا نشك أن الحائر محيط بهم رضي الله عنهم وأرضاهم وأسكنهم جنات النعيم(1).
ولا نرى في النصي تناقضاً كبيراً، بل لعل ذلك من زيادة النساخ أو انزلاق في القلم، لأن النص الثاني يوضح النص الأول بأن الأصحاب دفنوا حوله، بينما الهاشمييون دفنوا عند رجله، وهذا هو الأنسب، لأن مساحة رقعة صغيرة كهذه لا تكفي لدفن هذا العدد من الشهداء(2)، نعم ليس في الإرشاد ولا غيره من تحديد لقبر حبيب بن مظاهر الأسدي، ومن حدد القر نسبه الى القيل ومنهم السيد الامين(3) حيث قال:

« ويقال إن بني أسد دفنوا حبيب بن مظاهر في قبره وحده عند رأس

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد: 2/126.
(2) ويؤيد ما ذهبنا إليه ماورد في أسرار الشهادة: 3/172«إن الحفيرة التي فيها أهل بيت سيد الشهداء روحي له الفداء من أولاده وإخوته وأولاد أخيه الحسن وبني عمومته غير الحفيرة التي فيها أجساد الأصحاب».
(3) الأمين: هو محسن بن عبدالكريم بن علي العاملي (1284ـ1371هـ) ولد في شقراء وتوفي في بيروت، رحل الى النجف للدراسة وسكن دمشق للريادة ودفن بجوار مرقد السيدة زينب عليها السلام في دمشق، من أعلام الإمامية، من مؤلفاته الجمة: الحصون المنيعة، الدر الثمين، والمجالس السنية.

(158)

الحسين عليه السلام حيث قبره الآن اعتناء به لأنه أسدي، وإن بني تميم حملوا الحر بن يزيد الرياحي على نحو ميل من الحسين عليه السلام ودفنوه هناك، حيث قبره الآن، اعتناء به أيضاً، ولم يذكر المفيد ولكن اشتهار ذلك، وعمل الناس عليه ليس بدون مستند»(1).
ومما يؤيد تعدد القبور قول ابن شهر آشوب(2):« ودفن جثثهم بالطف أهل الغاضرية من بني أسد بعدما قتلوه بيوم، وكانوا يجدون لأكثرهم قبورا، ويرون طيور بيضاء»(3).
ولا بأس هنا بسرد ما أورده السيد الجزائري(4) بهذه المناسبة حيث روى بإسناده عن عبدالله الأسدي أنه قال: وكان الى جنب العلقمي حي من بني أسد، فتمشت نساءذلك الحي الى المعركة فرأين جثث اولاد الرسول وأفلاذ حشاشة الزهراء البتول وأولاد علي أمير المؤمنين فحل الفحول، وجثث أولادهم في تلك الأصحار وهاتيك القفار، تشخب الدماء من جراحاتهم كأنهم قتلوا في تلك الساعة، فتداخل النساء في ذلك المقام العجب، فابتدرن الى حيهم وقلن لأزواجهم ما شاهدنه، قم قلن لهم: بماذا تعتذرون من رسول الله ص وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء إذا وردتم عليهم، حيث إنكم لم تنصورا أولاده ولا دافعتم عنهم بضربة سيف ولا بطعنة رمح ولا بحدقة سهم؟
فقالوا لهن: إنا نخاف من بني أمية، وقد لحقتهم الذلة، وشملتهم الندامة من حيث لا تنفعهم، وبقين النسوة يجلن ويقلن لهم: إن فاتتكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أعيان الشيعة: 1/613.
(2) ابن شهر آشوب: هو محمد بن علي بن شهرآشوب السروي (488ـ 588هـ) ولد سارية مازندران وتوفي في حلب، وكان والي مازندان قد خافه فأخرجه منها، فذهب الى بغداد، فلما عظمت منزلته اضطر الى الانتقال الى الموصل ومن ثم الى حلب، من أعلام الإمامية، من مؤلفاته: معالم العلماء، أسباب النزول، والفصول.
(3) مناقب آل أبي طالب:4/112.
(4) الجزائري: هو نعمة الله بن عبدالله بن محمد الحسيني (1015ـ1112هـ) ولد في الصباغية من قرى الجزائر الجنوبية في ايران والعراق وتوفي في جايدر- خرم آباد-، من علماء الإمامية، له : الأنوار النعمانية، مقصودة الأنام، وغاية المرام.

(159)

نصرة تلك العصابة النبوية الذب عن هاتيك الشنشنة العلية العلوية، فقوموا الآن الى أجسادهم الزكية فواروها، فإن اللعين ابن سعد وارى أجساد من أراد مواراته من قومه، فبادروا الى مواراة أجساد آل الرسول الله ص، وارفعوا عنكم بذلك العار، فماذا تقولون إذا قالت العرب لكم إنكم لم تنصورا ابن بنت نبيكم مع قربه وحلوله بناديكم؟ فقوموا واغسلوا بعض الدرن منكن، قال: نفعل ذلك.
فأتوا الى المعركة وصارت همتهم أولاً أن يواروا جثة الحسين عليه السلام ثم الباقين، فجعلوا ينظرون الجثث في المعركة فلم يعرفوا جثة الحسين من بين تلك الجثث لأنها بلا رؤوس وقد غيرتها الشموس، فبينما هم كذلك وإذا بفارس مقبل إليهم حتى قاربهم قال: ما بالكم؟
قالوا: إنا أتينا لنواري جثة الحسين وجثث ولده وأنصاره، ولم نعرف جثة الحسين.
فلما سمع ذلك حن وأنّ، وجعل ينادي وا أبتاه، وا أبا عبدالله، ليتك حاضراً تراني أسيراً ذليلاً، ثم قال لهم: أنا أرشدكم إليه، فنزل عن جواده وجعل يتخطى القتلى، فوقع نظره على جسد الحسين عليه السلام فاحتضنه وهو يبكي ويقول:« يا أبتاه، بقتلك قرت عيون الشامتين، يا أبتاه بقتلك فرحت بنو أمية، يا أبتاه بعدك طال كربنا».
قال: ثم إنه مشى قريباً من محل جثته فأهال يسيراً من التراب فبان قبر محفور ولحد مشقوق، أنزل الجهة الشريفة ووارها في ذلك المرقد الشريف كما هو الآن، قال: ثم إنه جعل يقول: هذا فلان وهذا فلان، والأسديون يواروهم، فلما فرغ منهم مشى الى جثة العباس ابن أمير المؤمنين عليه السلام فانحنى عليها وجعل ينتحب ويقول:« ياعماه ليتك تنظر حال الحرم والبنات وهن تنادين: وا عطشاه وا غربتاه»، ثم أمر بحفر لحده، وواراه هناك.
ثم عطف على جثث الأنصار وحفر حفيرة واحدة ووارهم فيها إلا حبيب بن مظاهرحيث أبى بعض بني عمه ذلك، ودفنه ناحية الشهداء، قال: فلما فرغ الأسديون من مواراتهم، قال لهم: هلموا لنواري جهة الحر الرياحي.

(160)

قال: فتمشى وهم خلفه حتى وقف عليه وقال:« أما أنت فقد قبل الله توبتك، وزاد في سعادتك ببذلك نفسك أمام ابن رسول الله ص.
وأراد الأسديون حمله الى محل الشهداء، فقال: لا ، بل في مكانه واروه.
قال: فلما فرغوا من مواراته ركب ذلك الفارس جواده، فتعلق به الأسديون، فقالوا له: بحق من واريته بيدك، من أنت؟ فقال: أنا حجة الله عليكم، أنا علي بن الحسين، جئت لأواري جثة أبي ومن معه من إخواني وأعمامي وأولاد عمومتي وأنصارهم الذين بذلوا مهجهم، والآن أنا راجع إلى سجن ابن زياد، وأما أنتم فهنيئاً لكم، لا تجزعوا إذا تضاموا فينا، فودعهم وانصرف عنهم، وأما الأسديون فإنهم رجعوا مع نسائهم الى حيهم»(1).
ونشفع ما نقلناه عن السيد الجزائري بما أورده السيد الشاه عبد العظيمي(2) في هذا المجال والذي نصه قريب من نصه، حيث يقول:
وروي: إنه لما ارتحل عسكر ابن سعد من كربلاء وساروا بالسبايا والرؤوس، نزل بنو أسد مكانهم وبنوا بيوتهم وذهبت نساؤهم، وإذا بهم يرين الجثث حول المسناة وجثثاً نائية عن الفرات، وبينهن جثث قد جللتهم بأنوارها وعطرتهم بطيبها، فتصارخن النساء وقلن: هذا والله الحسين وأهل بيته، فرجعن الى بيوتهم صارخات وقلن: يا بني أسد: أنتم جلوس في بيوتكم وهذا الحسين وأهل بيته وأصحابه مجزرون كالأضاحي على الرمال، تسفي عليهم الرياح، فإن كنتم على ما نعهده فيكم من المحبة والموالاة فقوموا وادفنوا هذه الجثث، فإن لم تدفنوها نتولى دفنها بأنفسنا، وقال بعضهم لبعض: إنا نخشى من ابن زياد وابن سعد، فنخاف أن تصبحنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أسرار الشهادة: 3/170 عن مدينة العلم للجزائري.
(2) الشاه عبد العظيمي: هو محمد علي بن محمد بن هداية الحسيني (1258ـ1334هـ) ولد في مدينة ري (عبد العظيم) وهاجر الى النجف وسامراء وسكن طويريج (الهندية) ودفن في النجف، من علماء الإمامية، له مؤلفات تجاوزت السبعين، منها: موعظة السالكين، حلية الزائرين، وشرح نهج البلاغة.

(161)

خيولهم وينهبوننا أو يقتلون أحدنا، وقال كبيرهم: إلي الرأي أن نجعل عيناً ينظر الى طريق الكوفة ونحن نتولى دفنهم، قالوا : هاذ الرأي السديد، ثم إنهم وضعوا لهم عيناً، فأقبلوا الى جسد الحسين عليه السلام وصار لهم بكاء وعويل، ثم إنهم اجتهدوا على أن يحركوه من مكانه ليشقوا له ضريحاً فلم يقدروا أن يحركوا عضواً من أعضائه، فقال كبيرهم: ما ترون؟ قالوا: نجتهد أولاً في دفن أهل بيته ونرى رأينا فيه، فقال: كيف يكون دفنكم لهم، وما فيكم من يعرف من هذا ومن هذا، وهم كما ترون جثث بلا رؤوس، وقد غيرت محاسنهم الشمس والتراب، فلربما نسأل عنهم، فما الجواب؟
قال: فبينما هم في الكلام إذ طلع علهم أعرابي على متن جواده وقد ضيق لثامه، فلما رأوه انكشفوا عن تلك الجثث الزواكي، فأقبل الأعرابي ونزل عن جواده وصار منحياً كهيئة الراكع، حتى أتى ورمى بنفسه على جسد الحسين، فجل يشمه تارة ويقبله أخرى، وقد بل لثامه من دموع عينيه، ثم رفع رأسه ونظر إلينا، وقال: ما كان وقوفكم حول هذه الجثث؟
قالوا: أتنيا لنتفرج عليها.
قال: ما كان هذا قصدكم.
فقالوا: نعم يا أخا العرب الآن نطلعك على ما في ضمائرنا: أتينا لندفن جسد الحسين عليه السلام فلم نقدر أن نحرك عضواً من أعضائه، ثم اجتهدنا في دفن أهل بيته وما فينا من يعرف من هذا ومن هذا، وهم كما ترى جثث بلا رؤوس، قد غيرتهم الشمس والتراب، فينما نحن في الكلام إذ طلعت علينا، وخشينا أنك من أصحاب ابن زياد، فانكشفنا عن تلك الجثث.
فقام الأعرابي وخط لنا خطاً في الأرض فقال: أحفروا ههنا، ففعلنا، فوضعنا فيها سبعة عشر جثة، ثم خط لنا خطاً آخر.
فقال: احفروا ههنا ففعلنا، ووضعنا فيها باقي الجثث واستثنى جثة واحدة، فأمرنا أن نشق ضريحاً مما يلي الرأس الشريف، ففعلناها، ثم أقبلنا إليه لنعينه على جسد الحسين عليه السلام، وإذا هو يقول لنا بخضوع وخشوع: أنا أكفيكم أمره، فقلنا له: يا أخا العرب كيف تكفينا أمره وكلنا

(162)

قد اجتهدنا على أن نحرك عضواً من أعضائه فلم نقدر عليه؟ فبكى بكاءً شديداً وقال: إن معي من يعينني عليه، ثم إنه بسط كفيه تحت ظهره الشريف وهو يقول: بسم الله وبالله وفي سبيل الله على ملة رسول الله ص، هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم أنزله وحده ولم يشرك معه أحداً منا، فرأيناه قد وضع خده على نحره الشريف وهو يبكي، وسمعناه يقول طوبى لأرض تضمنت جسدك الشريف، أما الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرفة، أما الحزن فسرمد، وأما الليل فمسهد، حتى يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت مقيم بها، وعليك مني السلام يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته.
ثم إنه شرج عليه اللبن وأهال عليه التراب، ثم وضع كفه على القبر وجعل يخط القبر بأنامله، وعن بعض الصالحين أنه كتب: هذا قبر الحسين ابن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشاناً غريباً، ثم التفت إلينا وقال: انظروا هل بقي أحد؟
فقالوا: نعم يا أخا العرب، بقي بطل مطروح حول المسناة، وحوله جثتان، وكلما حملنا جانباً سقط الآخر لكثرة ضرب السيوف والسهام.
فقال: امضوا بنا إليه، فمضينا، فلما رآه انكب عليه يقبله، وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته.
ثم أمرنا أن نشق له ضريحاً، ففعلنا، ثم أنزله وحده ولم يشرك معه أحداً منا، ثم شرج عليه اللبن وأهال عليه التراب، ثم أمرنا بدفن الجثتين حوله، ففعلنا، ثم مضى الى جواده، فتبعناه ودرنا عليه لنسأله عن نفسه، وإذا به يقول لنا: أما ضريح الحسين فلقد علمتم، وأما الحفيرة الأولى ففيها أهل بيته والأقرب إليه منهم لده علي الأكبر، وأما الحفيرة الثانية ففيها أصحابه، وأما القبر المنفرد مما يلي الرأس الشريف فهو حامل راية الحسين عليه السلام حبيب بن مظاهر، وأما البطل المطروح حول المسناة فهو العباس ابن أمير المؤمنين عليه السلام وأم الجثتان فهما أولاد أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا سألكم سائل فاعلموه.

(163)

فقلنا له: يا أخا العرب نسألك بحق الجسد الذي واريته بنفسك ولم تشرك معك أحداً منا، من أنت؟ فبكى بكاءً شديداً، وقال: إنا إمامكم علي ابن الحسين عليه السلام، فقلنا له: أنت علي؟ فقال: نعم، فغاب عن أبصارنا(1).
وقد ذكر القائني(2) أن الإمام زين العابدين عليه السلام لما انتهى من دفن جدث الإمام الحسين عليه السلام قام بمواراة جثامين الأنصار إلا حبيب بن مظاهر الأسدي حيث أبى بعض بني عمه ذلك، فدفن في ناحية عن الشهداء(3).
وذكر أبو نعيم الإصبهاني(4): « أن بني أسد دفنوا حبيباً عند رأس الحسين، أعني على سمت الجنوب منه، اعتناءً بشأنه لأنه منهم ورئيسهم»(5).
ونحن هنا يهمنا مما ورد في هذه النصوص ما يلي:
أولاً: إن المدافن لم تقتصر على مكان واحد وهو من جهة تحت رجل الإمام الحسين عليه السلام.
ثانياً: إن هناك من ذكر أن مرقد حبيب بن مظاهر والحر بن يزيد الرياحي أخذا استقلاليتهما، وما يدعى من أنه من اختلاق المتسولين تدحضه هذه التصريحات، وكفى تسالم العلماء على مكان تواجد مرقديهما.

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإيقاد: 148.
(2) القائني: هو محمد باقر بن حسن البيرجندي الصافي (1276ـ 1352هـ) ولد وتوفي ف بيرجند ـ أيران-، كان من علماء الإمامية وفقهائها، له مؤلفات جمة منها: آيات الأحكام، العين الباصرة، الفوائد الغروية.
(3) الكبريت الأحمر:3/124.
(4) أبو نعيم الأصفهاني: هو احمد بن عبدالله بن أحمد (336ــ430هـ) مؤرخ معروف ولد وتوفي في إصفهان، له مصنفات جليلة منها: طبقات المحدثين الرواقة، دلائل النبوة، ومعرفة الصحابة.
(5) ورد هذا النص في دائرة المعارف الشيعية العامة: 7/502، إلا أننا لم نتمكن من العثور عليه في حلية الأولياء لأبي نعيم الإصفهاني والذي نقله عنه.

(164)

القرن الرابع عشر
(2/11/1883ـ 8/11/1980م)

• في سنة 1362هـ، قام الحاج محمد باقر كلته جي(1) بصنع الضريح الحالي المصنوع من الفضة(2).
• في سنة 1367هـ، رفع الضريح السابق الذي كان مصنوعاً من البرونز ونصب محله الضريح الجديد المصنوع من الفضة، وقد أرخه الشيخ علي البازي(3) بقوله من السريع:

محمد الباقر شهم حسيب قد فاز بالعقبى بأوفى نصيب
شاد ضريحاً من لجين لمن عليه لا يجدي البكا والنحيب
من طلق الدنيا ونال المنى بجهده السامي لنصره الغريب
واسى سليل المصطفى بالظّما ومثله أضحى صريعاً تريب
فرز حسيناً أن تجي كربلا أرخ(4): ومنه اقصد ضريح الحبيب(5)

• قام النظام البائد بوضع كتيبة على العمود الاوسط من الضريح من الجهة الشرقية ورد فيها أن الرئيس صدام حسين أمر بتحسين الضريح، وقد جاءت في أحد عشرسطراً كالتالي: (بتوجيه من) (السيد الرئيس) (القائد) (صدام حسين) (حفظه الله)( قامت) (وزارة الأوقاف)(والشؤون الدينية)

ـــــــــــــــــــــ
(1) محمد باقر: هو ابن زين العابدين الخوئي التبريزي، كان من أصحاب الثراء، ولد في مدينة خوي الواقعة في شمال إيران ـ مقاطعة آذربايجان.
(2) شهر حسين: 457، ومجلة الموسم:16/358.
(3) علي البازي: هو ابن حسين بن جاسم (1305ـ1387هـ) ولد في النجف الأشرف ونشأ فيها على والده وعدد من علماء عصره، خطيب بارع، شاعر وأديب فاضل، مؤرخ ناظم، من مؤلفاته:أدب التاريخ، وسيلة الدارين، ديوان شعر.
(4) قوله: «ومنه اقصد ضريح الحبيب» يعادل(101+195+1018+53= 1367)، وهي السنة التي نصب فيها الضريح الفضي.
(5) مجلة الموسم:16/358.

(165)

(بتحديد ضريح) (مرقد حبيب) (.......) (.....)(1)

ش756
(1)166

الجهة الشرقية من الضريح وتظهر فيه الكتيبة

ولكن بعد سقوط النظام أزيلت هذه الكتيبة لأنها كانت كذباً وزوراً، وبيدو أن هذا المكان كان قد خصص لكتابة من تبرع بهذا الضريح إلا أن السلطات أزالته وثبتت هذه الكتيبة مكانها، بينما بقيت كتيبة الجهة المقابلة لها من الجهة الغربية على حالها والتي ضمت مايلي:
«يا ناصر الحسين»« حبيب بن مظاهر».

ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لم نتمكن من قراءة السطرين الأخيرين إلا أنه من الواضح أن السطر الأخير أودع فيه التاريخ.

(166)

ش757
(2)167

قسم من الجهة الغربية من الضريح وتظهر فيه الكتيبة

ولا يخفى أن ضريح حبيب بن مظاهر الأسدي خضع للتطوير مراراً وتكراراً الى أن أصبح كالتالي:
1- الصندوق الذي وضع فوق قبر حبيب بن مظاهر مسنم صنع من الخشب الصاج والمطعم وهو بارتفاع مترين وعرض حدود متر ونصف وطول حوالى مترين، وضع عليه قماش من المخمل الأحمر المطرز بأشكال الأغصان والأزهار.

ش758
(3)

الصندوق من داخل الضريح

(167)

2ـ الضريح: مقاييسه جاءت بالشكل التقريبي مترين في ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار(1) مصنوع من الخشب المكسي بألواح الفضة، ومن جهة الشرق يحتوي على شباكين ومثله من جهة الغرب، وأما من جهة الشمال فيحتوي على ثلاثة شبابيك، ومن جهة الجنوب فإنه يحتوي على شباكين وباب يقع الى جهة الشرق.
يرتفع الضريح عن أرض الروضة ما يعادل 80 سنتيمتراً حيث يحيط به من الأسفل نحو أربعين سنتميتراً رخام مشجر أحمر اللون، مساحته أكبر من مساحة الضريح بمقدار عشرة سنتيمترات من جميع أطرافه، بينما يعلوه مقدار أربعين سنتميتراً أخرى على مساحة الضريح من ألواح الفضة كجزء من الضريح.
والضريح في أعلاه كما في ضريح الإمام الحسين عليه السلام يتوسع قليلاً ثم ينحسر قليلاً بالتدريج وهو في حالة الأرتفاع، وهذه الإضافات مصنوعة من صفائح الذهب ذات النقوش النباتية ليضفي عليه مزيداً من الجمالية، ويعلوه مقدار ثلاثين سنتيمتراً من الحزام الذهبي المحتوي على أشكال هندسية فاخرة عددها من العرض ثمانية ومن الطول ثلاثة عشر يعلوها عدد من الألواح الذهبية المرصعة بالميناء على شكل أرواق شجرة وبأشكال هندسة، وضع على جهة العرض ثلاثة على جهة الطول ستة، وقد وضع على كل زاوية من زوايا الضريح قناديل ذهبية، كما وضع في كل زاوية من زواياه رمانة ذهبية أيضاً.
هذا وقد وصلنا مؤخراً من موفدنا الخاص الى العتبة الحسينية أن مقايسس الضريح المظاهري هي كالتالي: العرض: 190سم، الطول:270سم، الإرتفاع:270سم، مع العلم أن الرخام مرتفع عن الأرض (30سم)، والألمنيوم مرتفع عن الضريح والمرمر(40سم).
أما الصندوق الداخلي فأبعاده كالتالي: الطول:150سم، والعرض 73سم، والأرتفاع:140سم.

ـــــــــــــــــــ
(1) كان الارتفاع بمقدار مترين ونصف- راجع تاريخ من دفن في العراق من الصحابة: 91ـ ولكن لما أضيف إليه بعض الأحزمة الذهبية أصبح ارتفاعه ثلاثة أمتار تقريباً.

(168)

ش759
(4)

قمة الضريح من جهة الطول

760
(5)

قمة الضريح من جهة العرض ويبدو القنديل والرمانة

(169)

ولتوضيح صورة الضريح نعرض صوراً من جهاته الأربع:

ش761
(6)

الضريح من الجهة الجنوبية

ش762
(7)

الضريح من الجهة الشمالية

(170)

ش763
(8)

الضريح من الجهة الشرقية

ش764
(9)

الضريح من الجهة الغربية

(171)

ش 765
(10)

زاوية الضريح العليا من الجهة الجنوبية الغربية

ش766
(11)

زاوية الضريح السفلى من الجهة الجنوبية الغربية

(172)

ويوجد على الباب البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) وعلى القبتين البارزتين كتيبة تضمنت قوله تعالى: (سلام عليكم بما صبرتم)، وفي اليسرى تتمتها:(فنعم عقبى الدار)(1).

ش767
(12)

معالم باب الضريح

وقد أودعت في الحزام الأعلى من الضريح سورة الأعلى من أولها الى ألآية السابعة عشرة ضمن أطر هندسية جميلة بكتابة بارزة، وجاء عدد هذه الأطر في عرض الضريح أربعة وفي طولها ستة ليكون المجموع عشرين إطاراً وبدءاً من الجهة الشمالية جاءت على الشكل التالي:

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الرعد، الآية: 24.

(173)

1ـ (سبح اسم ربك الأعلى) (الذي خلق فسوى) (والذي قدر فهدى) (والذي خرج المرعى) (فجعله غثاءً أحوى) (سنقرئك فلا تنسى).
2ـ ( إلا ما شاء الله إنه) (يعلم الجهر وما يخفى) (ونيسرك لليسرى) (فذكر إن نفعت الذكرى).
3ـ (سيذكر من يخشى) (ويتجنبها الأشقى) (الذي يصلى النار) (الكبرى* ثم لايموت) (فيها ولا يحيى) (قد أفلح من تزكى).
4ـ (وذكر اسم ربه) (فصلى* بل توثرون) (الحياة الدنيا) (والآخرة خير وأبقى)(1).
وجاء في الكتيبة السفلى والتي هي على نسق الكتيبة العليا ولكن عدد أطر العرض أربعة وعدد أطر الطول خمسة ليكون مجموعها ثمانية عشر إطار ولكنها بدأت من الجهة الجنوبية على الشكل التالي:
1ـ (والشمس وضحاها) (والقمر إذا تلاها) (والنهار إذا جلاها) (والليل إذا يغشاها) (والسماء وما بناها).
2ـ (والأرض وما طحاها) (ونفس وما سواها) (فألهمها فجورها) (وتقواها* قد أفلح من زكاها).
3ـ (قد خاب من دساها) (كذبت ثمود بطغواها) (إذ نبعث أشقاها) (فقال لهم رسول الله) (ناقة الله وسقياها).
4ـ (فكذبوه فعقروها) (فدمدم عليهم ربهم) (بذنبهم فسواها) (ولا يخاف عقباها)(2).

ــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأعلى، الآيات: 1ـ17.
(2) سورة الشمس، الآيات: 1ـ15.

(174)

ش768
(13)

نموذج من جهة الجنوب وتظهر فيه النقوش والكتابات

ش769
(14)

نموذج من جهة الغرب وتظهر فيه النقوش الكتابات

(175)

في عام 1426هـ كلفت لجنة ابي الفضل العباس بصنع كسوة لضريح حبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله عليه، وأفادنا موفدنا إلى كربلاء بأن الكتيبة التي ظهرت على القماش من الجهة الغربية هي كالتالي:« السلام عليك ياشيخ الأنصار» وأما ما كتب على جهة الشمال «الحسين بن علي بن أبي طالب إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر: أما بعد ياحبيب فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله وأنت أعرف بنا من غيرك وأنت ذو شيمة ويغرة فلا تبخل علينا بنفسك يجازيك جدي رسول الله يوم القيامة»(1).
وكتب على الجهة الجنوبية:«لما وقع حبيب على ألارض بان الإنكسار على وجه الحسين عليه الصلاة والسلام فأقبل الحسين عله الصلاة والسلام الى حبيب وجلس [فقال] لله درك يا حبيب لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة، عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي».
وأما ما كتب على الجهة الشرقية:«السلام عليك يا حبيب بن مظاهر الأسدي».

ش770
(15)

صورة من الصندوق بعد تجديد الكسوة

ــــــــــــــــــــــــ
(1) معالي السبطين:1/370.

(176)

القرن الخامس عشر
(9/11/1980ـ 9/1/2008م)

• في سنة 1426هـ، قاموا بوضع الحواجز للفصل بين الرجال والنساء، فأصبحت الجهة الغربية من الضريح للرجال، والجهة الشرقية للنساء.

ش771
(16)

الضريح من جهة الغرب وتظهر الفواصل

وإليك نص الزيارة:
«بسم الله الرحمان الرحيم، السلام عليك أيها العبد الصالح، المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولفاطمة الزهراء والحسن والحسين، الغريب المواسي، أشهد أنك جاهدت في سبيل الله، ونصرت الحسين ابن بنت رسول الله، وواسيت بنفسك، وبذلت مهجتك، فعليك من الله السلام التام، السلام عليك أيها القمر الزاهر، السلام عليك يا حبيب بن مظاهر الأسدي ورحمة الله وبركاته».

(177)

ش772
(17)

الضريح من جهة الشرق وتظهر القواطع بشكل واضح

ش773
(18)

الضريح ولوحة الزيارة ذات الإطار الخشبي ويمكن رؤية باب المذبح

(178)

ش774
(19)179

الضريح وتظهر فيه لوحة الزيارة المصنوعة من الألمنيوم

ش775
(20)

الضريح من الزاوية الجنوبية الشرقية

(179)

ش776
(21)180

أعلى الضريح من الزاوية الشمالية الشرقية

ش777
(22)

صندوق مرقد حبيب بن مظاهر المكسي بالقماش الأحمر

(180)

ومما تجدر الإشارة إليه أن اللوحة التي نصبت على الضريح والتي فيها كتيبة الزيارة تبدلت حيث خشبية الإطار في العهد البائد، وأصبحت بعد ذلك مصنوعة من الألمنيوم.
وفي هذا القرن جددت القديفة (القطيفة) الملقاة على الصندوق الخشبي المسنم، فجاءت كتيبتها المطرزة في احد جانيبها العلوي آية الاصطفاء:( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العاليمن، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)(1) ويمكن مشاهدة القنديل المتدلى في داخل ضريح الأسدي.
وفي بعض الصور الحديثة الواصلة ألينا، يوجد على الصندوق المسنم قماش أخضر اللون عليه كتابات فيها ذكر صاحب القبر، كما طرز القماش الذي يكسو غرة الصندوق المسنم عبارة «السلام عليك ياشيخ الأنصار...» حسب ما توصلنا إليه، والظاهر أن هناك تتمة للكلام الا أننا لم نتمكن من التوصل إليه.

ش778
(23)

ضريح ابن مظاهر ويمكن مشاهدة القماش الأخضر
المنصوب على الصندوق

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران:33ـ34.

(181)

(182)

مرقد الحُر بن يزيد الرياحي (رض)


كربلاء
(183)

(184)

مرقد الحر الرياحي

أبو بكير الحر بن يزيد بن ناجية التميمي اليربوعي الرياحي(1) رضوان الله عليه، ذلك القائد المستبصر الذي لم تأخده في الله لومة لائم المولود في الحيرة على الأغلب في حدود عام 10هـ، سكن الكوفة بعد رحيل الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام على الظاهر، وتولى رئاسة قومه في الكوفة، وكان فارساً شجاعاً وخطيباً أديباً، وقد أوردنا ذكره وحياته وسيرته في معجم أنصار الحسين غير الهاشميين، وهنا نذكره من خلال النقاط التالية:
• تولى قيادة ألف مقاتل بأمر عبيد الله بن زياد والي الكوفة.
• كان شجاعاً مقداماً.
• من أشراف الكوفة ورؤسائها.
• نصبه ابن زياد قائداً عسكرياً لفيلق ألف مقاتل لصد الحسين عليه السلام عن النزول في كربلاء.
• كان مهذباً مع الحسين عليه السلام.
• تحول الى معسكر الإمام الحيسن عليه السلام صبيحة عاشوراء.
• كان له من الأبناء علي وبكيرتحولا مع غلامه عروة لنصرة الحسين عليه السلام، كما تحول أخوه مصعب أيضاً.
• يعزى سبب التحول الى أربعة أمرو:

أـ النداء الذي سمعه عندما خرج من الكوفة.
ب- معاملة الحسين عليه السلام له عند لقائه به ومن وإروائهم.

ــــــــــــــــــــــــ
(1) وممن ينتهي نسبه الى الحر الرياحي هو الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (1033ـ 1104هـ) صاحب وسائل الشيعة، والرحالة حمدالله المستوفي الآتي ذكره مما يفهم أن نسله انتشر في العراق وإيران ولبنان على أقل تقدير.

(185)

ت- رؤيا أبيه ليلة عاشوراء، حثه أن يكون مع الحسين عليه السلام.
ث- تبين له أن ابن سعد يريد قتل الحسين عليه السلام خلافاً لما قيل له.
• بادر الى التوبة والاعتذار من الإمام الحسين عليه السلام عما فعله.
• أصر على أن يسرع الى الدفاع عن الإمام الحسين عليه السلام بمجرد قبول توبته ليكون أول المدافعين عنه.
• حاول أن ينقذ مجموعة من معسكر ابن زياد لينضموا الى معسكر الإمام الحسين عليه السلام.
• استشهد مع ولديه وغلامه وأخيه في سبيل الأهداف التي نهض لأجلها الحسين عليه السلام.
• دفن في كربلاء على عبد ستة كليومترات من مرقد أبي عبدالله الحسين عليه السلام غرباً.
• بالنسبة الى مرقده الشريف والذي هو محور كلامنا هنا فإنه يقع فيما يلي:

1ـ مثواه: لم يختلف أحد في أنه دفن في مرقده الذي هو قائم الى يومنا هذا والذي يبعد نحو ستة كليومترات(1) عن مرقد أبي عبدالله الحسين عليه السلام، غرباً، وتعرف المنطقة التي دفن فيها باسمه(2)، وقد تسالم عليه العلماء والمؤرخون ولم يعرف خلاف ذلك. إلا من بعض المشككين الذين لم يجدوا نصاً صريحاً من القدامى.
2ـ مدفنه: جاء مستقلا عن بقية الشهداء كما هو الحال بالنسبة الى

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تذكر بعض المصادر أن مرقده يبعد عن كربلاء نحو ثلاثة أميال، وأخرى تذكر أنه يبعد فرسخاً واحداً والذي يعادل 5/5 كيلومتر، هذا فيما سبق، حيث كان يبعد عن سور البلد نحو فرسخ واحد، وهناك من ذكرتسعة كيلومترات ـ كما في المزار للقزويني: 115ـ أو سبعة كيلومترات ـ كما في مزارات أهل البيت وتأريهخا: 85ـ، ولكن الواقع لا يسنده.
(2) كانت تعرف سابقاً بقرية «الحُر» ثم أصبحت ناحية، وهي الآن جزء من مدينة كربلاء حيث اتصل العمران، وأنشىء على مقربة منه حي عرف بـ«حي الحر» أيضاً.

(186)

علي الأكبر ابن الامام الحسين عليه السلام والعباس بن علي عليه السلام من الهاشميين، وحبيب بن مظاهر الأسدي وهو من غيرالهاشميين، ويعزى سبب هذه الاستقلالية إلى أن بني رياح ممن كانوا في المعسكر الأموي لما رأوا أن أميرهم عمر بن سعد الزهري قد انتدب جماعة لرض أجساد الشهداء «الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الأطهار وأنصاره الكرام»، أخذتهم الحمية واجتمعوا وقالوا لابن سعد:« إن جسد شيخنا ورئيسنا في القتلى ولئن عصى الأمير ساعة واحدة فلقد أطاعة طول عمره» طالبين منه أن لا يسحق جسده.
فقال ابن سعد: احملوا جسد شيخكم، فحملوا جسده الى هذه البقعة ودفنوا بها»(1).
ذكر بعض المعاصرين: أن الحر الرياحي قاتل جيش ابن سعد، وتفرق الجند بين يديه حتى وصل الى هذا المكان، ثم قتل في هذه البقعة(2).
ذكر آخر: «إن أمه(3) كانت حاضرة، فلما رأت ما يصنع بالأجساد، حملت ابنها «الحر» الى هذا المكان»(4).
ومهما كان السبب فلا نظن بأنه كان دون إذن الإمام السجاد عليه السلام ولعله لعلو قدره عند قومه ـ إذ إنه كان من أشرف الكوفة – أريد أن يفرد له مرقد، وأما لماذا في هذا الموقع، فقد نقل لي بعض المحققين أن بني رياح كانت بيوتهم في هذه المنطقة والتي هي من أقرب مناطق بني رياح الى مكان مصرع ألحر الرياحي فنقل إليها.
وأما من حيث تاريخ دفنه فإن اعتمدنا الاحتمالات السابقة فيقتضي أن دفنه تم في اليوم الاول من عاشوراء والذي وقع فيه سحق الأجساد

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع وسيلة الدارين: 131.
(2) القصص العجيبة: 158.
(3) مقتل الحسين للمقرم: 321عن الكبريت الأحمر.
(4) جاء في «كربلاء في الذاكرة» 159: ومما يلي الحر يوجد قبر يزعم بأنه (لأم الحر).

(187)

الطاهرة، وإن اعتمد الوضع العام الذي جرى لجميع الشهداء فإن الدفن تم في اليوم الثالث من شهادتهم بإشراف الإمام السجاد عليه السلام، وليس في المصادر المعتمدة ما يدل على هذا حتى يعتند عليه.
ولكن بعض المصادر ذكرت بأن رأسه الشريف لم يحز عن بدنه لأن عشيرته منعوا ابن سعد من القيام بذلك فأستجاب لهم ابن سعد خوف انقلاب الأمر(1) ولكن هل شمل هذا الاستثناء ابنيه علي وبكير وأخاه مصعباً أم لا فهذا ما لم يتحدث عنه التاريخ.
وسؤال آخر يطرح نفسه: هل دفن نجلاه وأخوه في المنطقة التي دفن فيها الحر بن يزيد الرياحي أو أنهم دفنوا في مرقد الشهداء غير الهاشميين(2)، وهذا ما يحتاج الى دارسة معمقة.
ومما يؤيد أن الحر دفن في هذا المنطقة وأن رأسه لم يجز عن جسده ما نقل بأن السلطان إسماعيل الصفوي(3) نبش القبر، كما سنأتي على تفاصيله بعد قليل.
ورغم أن المعلومات عن مرقدالحر الرياحي ضيئلة وضحلة إلا أننا حاولنا أن نسلسل ما حصلنا عليه حسب القرون، علناً نتمكن من توضيح الصورة بالشكل اللائق.

ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مقتل الحسين للمقرم:304عن الكبريت الأحمر.
(2) لا يخفى أن الشهداء دفنوا في قبرين جماعيين، الشهداء من أهل بيت الحسين عليه السلام والشهداء من غير أهل بيته، على تفصيل أوردناه في السيرة الحسينية في فصل مرقد الشهداء من هذا الباب.
(3) إسماعيل الصفوي: هو إسماعيل الأول ابن حيدر بن جنيد الأردبيلي (892ـ930هـ) مؤسس الدولة الصفوية في العام 908هـ.

(188)

القرن الأول
(16/7/622(1) ــ 23/7/719م)

• في 11/1/61هـ، دفن بنو رياح جدث زعيمهم الحر بن يزيد الرياحي، ولا شك أنهم وضعوا علامة بارزة على مرقده، حيث جاء دفنه بإذن القائد العسكري«عمر بن سعد الزهري» ولم يحز رأسه.
ومن المفترض أن مرقده لم يكن سوى مرتفع من التراب وعليه شارة تدل على الموارى فيه، حسب ما كان متعارفاً عليه آنذاك.
وأما بالنسبة الى النقاش حول ثبوت مرقده بهذا المكان فحكمه حكم مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي، ونضيف هنا الى أن هذا المرقد كان مائلاً في عهد الشهيد الأول(2) حيث يقول لدى حديثه عن زيارة الإمام الحسين عليه السلام:«وإذا زاره فليزر ولده علي بن الحسين عليه السلام وهو الأكبر على الأصح، وليزر الشهداء وأخاه العباس والحر بن يزيد...»(3) ولكه في كتاب المزار لم يذكر ما أورده في كتاب الدروس.
هذا وقد ذكر البهائي قائلاً(4):« عندما حل عمربن سعد الزهري كربلاء، ورد الى كربلاء قوم من بني أسد، فشاهدوا جدث الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره ملقاة على أرض الطف، عندها قاموا بدفن جثمانه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يخفى أن تاريخ المرقد بدأ من تاريخ 11/1/61هـ الموافق 13/10/680م.
(2) الشهيد الأول: هو محمد بن مكي العاملي الجزيني (734ـ786هـ) ولد في جزين ـ لبنان ـ نشأ فيها ثم رحل الى أقطار عدة منها الحلة وكربلاء وبغداد ومكة والمدينة والشام والقدس، واستشهد في دمشق على الولاء لأهل البيت عليهم السلام وكان من أعلام الإمامية وفقائهم، من مؤلفاته: الروضة البهية، ذكرى الشيعة، والنفلية.
(3) الدروس:153.
(4) البهائي: هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبري المشهور بعماد الدين الطبري المتوفى عام 675هـ، من علماء الإمامية من طبرستان ـ ايران-، من مؤلفاته: عيون المحسن، معارف الحقائق، العمدة.

(189)