تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء السابع

اسم الکتاب : تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء السابع

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 


إعجام الحروف بمعنى تنقيطها، كما أنَّه من المؤكد لم يكتب بعد سنة ۱6۰ هـ (۱)، حين اختفت النقط الحمراء وحلَّ محلَّها الحركات للدلالة على الشكل التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي (2) في أوائل العصر العباسي، كما سبق أنْ بيَّنّا.
رابعاً: من الثابت أن الحجاج بن يوسف الثقفي أرسل مصحفاً إلى مصر ومن المرجح جداً أن يكون عبد العزيز بن مروان (3)، قد وضعه في جامع عمرو (4) ـ إذ لم يكن في الفسطاط (5) مسجد جامع غيره ـ ومن المرجح كذلك أنَّه عندما أحرقت مدينة الفسطاط في نهاية العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، خشية استيلاء الفرنجة عليها، وتصدع بنيان جامع عمرو ـ أنْ يكون هذا المصحف قد نقل مع غيره من المصاحف، ووضع مع مخلفات الرسول صلى الله عليه وآله في رباط الآثار الذي بني في أوائل القرن السابع، وهو الوقت الذي بدأت بعضُ المراجع تشير إلى وجود مصحف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) هذه هي السنة التي توفي فيها الخليل بن احمد الفراهيدي.
(۲) الخليل بن احمد الفراهيدي: هو حفيد عمرو بن تميم الأزدي (۱۰۰ ـ ۱۷۰ هـ)، ولد ونشأ في البصرة وفيها مات، من أئمة اللغة والأدب ومن كبار علماء الإمامية، وضع علم العروض وغيره، من أشهر تلامذته سيبويه عمرو بن عثمان البصري (140 ـ ۱۸۰ هـ)، من مؤلفاته: العين، معاني الحروف، وتفسير حروف اللغة.
(3) عبد العزيز بن مروان: هو حفيد الحكم الأموي (۲۷ ـ ۸6 هـ) ولد في المدينة ومات في حلوان التي أنشأها سنة ۷۰ هـ حيث نقل مركز حكمه إليها بعد أن وقع الطاعون في الفسطاط، ولي حكم مصر سنة 65 هـ.
(4) جامع عمرو: نسبة إلى والي مصر عمرو بن العاص بن وائل السهمي (51 ق.هـ ـ 43 هـ)، بناه عند فتح الفسطاط، ومساحته في أول بنائه 50 في 30 ذراعا، وكان يُسمى «مسجد الفتح» و«المسجد العتيق» و«تاج الجوامع»، توالت عليه التعميرات والتوسعات حتى أصبحت مساحته اليوم ۱۲۰ في ۱۱۰ أمتار، ويقع في مصر القديمة، وأمامه على بعد مائتي متر يقع مرقد والي الإمام علي عليه السلام على مصر الصحابي محمد بن أبي بكر المستشهد سنة ۳۸ هـ.
(5) الفُسطاط: بضم الأول مدينة أسسها المسلمون في مصر بالقرب من بابليون على الضفة الشرقية لنهر النيل سنة ۲۲ هـ، كانت في العهد الفاطمي من مدن الإسلام الزاهرة، وقد اشتهرت بمعامل النحاس والورق والزجاج، ثم لم يبق منها أثر.


(259)



لعلي بن أبي طالب، فقد ذكر ابن بطوطة (1) في رحلته إلى مصر عند كلامه على رباط الآثار والمخلفات النبوية: إنَّه كان يوجد بينها «مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بخط يده رضي الله عنه». وجاء في الخطط التوفيقية عن ابن الطولوني (2)، عند نقل الآثار النبوية إلى قبة الغوري «كما رتبها بنظره الشريف (يعني القبة) ليكون فيها ما خصها الله تعالى من تعظيمها بالمصحف الشريف العثماني والآثار النبوية وغير ذلك من المصاحف وربعات (۳)»، وهنا نلاحظ أنَّ ابن الطولوني أشار إلى وجود مصاحف أخرى غير المصحف المنسوب إلى عثمان ولكنه لم ينسب مصحفاً منها إلى علي، كما نلاحظ ـ فيما نقله أحمد تيمور عن الشيخ شمس الدين محمد بن أبي السرور البكري (4)، في الكواكب السيَّارة، عند كلامه على المخلفات النبوية ونقلها إلى قبة الغوري ونصه «وضم إليها أشياء من آثار الأولياء» ـ أنه لم يسم مصحفي عثمان وعلي أو يشير إليهما.
خامساً: ليس من المقبول عقلاً أنْ يكون بمصر مصحف لعلي بن أبي طالب قبل أو أثناء الحكم الفاطمي، ثم لا تشير إليه المراجع ضمن تحفهم أو كنوزهم التي يقصر عنها الوصف، والتي نكتفي هنا بالإشارة إلى خزانة الكتب فيها، إذ يقول زكي (5) حسن «كانت خزانة الكتب الفاطمية تحتوي على أربعين قسماً، منها قسم فيه ثمانية عشرة ألف كتاب في العلوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن بطوطة: هو محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي (۷۰۳ ـ ۷۷۹ هـ) وقد مضت ترجمته.
(۲) ابن الطولوني: هو حسن بن حسين بن أحمد الحنفي (۸۳۲ ـ ۹۰۹ هـ)، من مؤرخي القاهرة، من مصنفاته: النزهة السنية في أخبار الخلفاء والملوك المصرية، شرح المقدمة السمرقندية، ونزهة النفوس والخواطر فيما كتب للمحبين غائب وحاضر.
(3) ربعات: أجزاء من القرآن تُفرق حسب الغاية المرجوة، وإنما سمي بالربعات لأن كلَّ جزء قُسِّم إلى أربعة أقسام وهو متعارف إلى يومنا هذا.
(4) محمد بن أبي السرور البكري: هو محمد بن محمد بن أبي السرور البكري (1005 ـ ۱۰6۰ هـ) ولد في القاهرة وفيها نشأ ومات، من المؤرخين ووجهاء القاهرة، تولى نقابة المشيخة البكرية، من مصنفاته: عيون الأخبار ونزهة الأبصار، النزهة الزهية في ولاة مصر والقاهرة المُعزِّية، الروضة المأنوسة في أخبار مصر المحروسة.
(5) راجع كنوز الفاطميين: ۲۸.
(260)

القديمة، وبلغت جملة ما في الخزانة من الكتب نحو مليون وستمائة ألف وقيل مليونين» (1).
ومن العجيب حقاً أننا لا نسمع عن مصحف علي بن أبي طالب في عصير الفواطم، وهم شيعيُّون يدَّعون نسبهم إلى السيدة فاطمة الزهراء زوجة علي بن أبي طالب، وإنما نسمع عنه في القرن الثامن الهجري عند زيارة ابن بطوطة لمصر.
والذي نؤكده هنا: إنَّه لو كان هناك مصحف لعليّ ظل موجوداً حتى عصر الدولة الفاطمية، في أي مكان من أرجاء العالم الإسلامي، لبذل الفواطم كل مرتخص وغال في سبيل الحصول عليه، يؤكد هذا تشيعهم الشديد لعليّ، وقوتهم السياسية، التي مكنتهم في وقت من الأوقات من المناداة باسمهم في بغداد قلب الدولة العباسية على يد البساسيري (2). هذا بالإضافة إلى ثرائهم العريض وانتعاش دولتهم الاقتصادي، اللذين مكناهم من الحصول على كل ما يرغبون به حتى على الرجال، فقد اجتذبوا بمالهم كبار الشعراء من جميع أنحاء العالم الإسلامي وأتوا بهم إلى مصر.
لكل هذه الأسباب فإنِّي أنْفي نسبة هذا المصحف لعلي بن أبي طالب، وأؤكد تاريخه في الفترة التي تقع بين النصف الثاني من القرن الأول الهجري والنصف الأول من القرن الثاني وعلى وجه التحديد من (6۷ هـ إلى ۱6۰ هـ) على أنَّه ليس من المستبعد أنْ يكون أَحَدَ المصاحف التي أرسلها الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الأمصار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تفاصيل مكتبة دار العلم القاهرية في معجم المصنَّفات الحسينية: ۱ / ۱۳۳ ـ 136.
(۲) البساسیري: هو أبو الحارث أرسلان بن عبد الله المظفر المتوفى سنة 451 هـ، مملوكي من أصل تركي كان مولاه من مدينة بسا في فارس وإليها نُسب، نشأ في بغداد وتولى مسؤوليات عدة حتى صار قائدا للجيش في الجانب الغربي من بغداد سنة 435 هـ ثم قائداً للجيش في عهد القائم بأمر الله العباسي (4۲۲ ـ 46۷ هـ)، دخل في حرب مع السلاجقة الذين احتلوا بغداد وانتصر عليهم سنة 450 هـ وخطب الفاطميين، وفي العام التالي دخل في حرب مع السلاجقة في الكوفة فكبا جواده وأُسر وقُتل.
(261)

ش1204
(107)262

الصفحة الأولى من المصحف المنسوب إلى علي عليه السلام (1)

هذا ونلاحظ أنَّ الصفحة الأولى من المصحف كما في هذا الشكل لا تعاصر باقي المصحف، لأسباب عدة أهمها: أسلوب الخط وكذا زخرفة الأرضية التي جاءت فوقها الكتابة، وهي كما نرى زرقاء وعليها زخارف نباتية غاية في الدقة والإتقان، وتتكون العناصر الزخرفية من أوراق نباتية مذهبة، ومثل هذا الأسلوب من الزخرفة نجده في المصاحف المصرية في العصر العثماني، كما أنَّ الصفحة الأخيرة ـ كما يلاحظ في الشكل التالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يعلو على الصفحة الأولى من المصحف قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ۷۷ ـ ۷۹] بخط كوفي ويبدو أنَّ عصره يعود إلى العثماني والمملوكي كما يدل أسلوب الكتابة والنقوش الزخرفية ـ راجع مخلفات الرسول: ۱4۰، لوحة رقم ۱۱.
(262)

ش1205
(108)263
الصفحة الأخيرة من المصحف المنسوب إلى علي عليه السلام (1)

مكتوبة بخط ثلث مملوكي، والصفحة محاطة بشريط زخرفي يشبه الشريط الذي يحيط بالصفحة الأولى مما يُرجح أنَّ الصفحتين أُضيفتا في وقت واحد، أما الزخارف المذهبة المنقوشة على ارتفاع الصفحات من الخارج ـ كما يلاحظ في الشكل التالي:
فهي ذات أسلوب عثمانيٍّ ظاهر، وكذا جلدة المصحف فهي من الجلد المزخرف برسوم نباتية وهندسية مذهبة و مضغوطة ـ كما يلاحظ في الشكل التالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتب عليها بالخط الثلث الذي ساد في العصرين المملوكي والعثماني وجاء فيه: هذا المصحف الكريم زاده الله . . . . . .
(263)

ش1206
(109)
غلاف المصحف المنسوب إلى علي عليه السلام (1)
ش1207
(110)
المصحف المنسوب إلى الإمام علي عليه السلام (۲)
ويرجع إلى العصر العثماني (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو من الجلد المنقوش بطريقة الضغط وزخارفه نباتية ويعود هذا الأسلوب إلى العهد المملوكي والعثماني ـ راجع مخلفات الرسول: ۱4۲، لوحة رقم 14.
(۲) هذا وقد طبعت عليه زخارف نباتية مذهبة وبين فيها سماكة المصحف حيث يتكون من 504 صفحات، وحجمه بلغ ۱۹ × 5,14 × 16 سنتمتراً الطول والعرض والارتفاع ـ راجع مخلفات الرسول: ۱4۲، لوحة رقم 15.
(3) مخلفات الرسول: ۱۲۷ ـ ۱۳۰.
(264)

وأما الدراسة عن مصحف عثمان بن عفَّان فجاءت كالتالي: «انه يتكون من ۱۰۸۷ صفحة من الرَّق ومكتوب بمدادٍ بُنِّيِّ داكنٍ، وأسلوبُ الخط كوفيٌّ بسيط وإنْ كان أكثر تطوراً من خط المصحف المنسوب إلى سيدنا عليّ، ولكنه خالٍ منَ النقط الحمراء والسوداء». وسأتناول ملاحظاتي عليه بالتفصيل فيما يلي:
أولاً: أن الخط كوفي بسيط وخال من الزخارف الخطية، ولكن يظهر فيه أثر الصنعة الخطية والتطوير، ممَّا لا نجده في خطوط النصف الأول من القرن الأول الهجري، وذلك بمقارنته بالخطوط المكتوبة على مواد مختلفة مثل الحجر والنسيج والجلود والعظم، والتي تزخر بها متاحف العالم وترجع إلى تلك الفترة ـ كما يلاحظ في الشكل التالي:
ش1208
(111)
صفحة من الرق من المصحف المنسوب إلى عثمان (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جاء خطه كوفياً بسيطاً يشبه الخط المصري الذي انتشر في القرنين الأول والثاني ولعله خُطَّ بعد سنة 86 هـ، مقياس الصفحة جاء على 75 × 57 × 45 سنتمتراً وعدد صفحاته بلغت ۱۰۸۷ صفحة ويوجد في نهاية الصفحة زخرفة تشبه الزخارف المحفورة على الخشب ـ راجع مخلفات الرسول: 143.
والصفحة المصورة احتوت على قوله تعالى بدءاً من: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ﴾ وانتهاءً إلى ﴿أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ﴾ [البلد: 14 ـ ۲۰]. الصورة أُخذت من موقع منتديات أسطورة العرب (www.aralg.com).
(265)

لذلك فإنِّي أؤكد تأريخه إلى النصف الثاني من القرن الأول على أقل تقدير، كما أُرجح نسبة الخط إلى مصر في تلك الفترة والذي يمتاز بامتداد الحروف المتوسطة، ويمكن مقارنته بصفحة من مصحف مكتوب على الرق ومحفوظ بمتحف برلين القسم الإسلامي ـ كما يلاحظ في الشكل التالي:

ش1209
(112)266
صفحة من المصحف المنسوب إلى عثمان توجد في متحف برلين (1)
ثانياً: استعمال الرِّق في مصحف عدد صفحاته (۱۰۸۷) صفحة، وبالحجم الكبير إذ تبلغ مساحة الصفحة (۷5 × 57 سم) يرجح عدم وجود أوراق الكاغد، أو أوراق الخراساني (2) مما ظهر في العصر العباسي الأول في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري وقت أنْ كُتب، وبالتالي أنَّه كُتب قبل هذا التاريخ.
ثالثاً: الزخارف الفاصلة بين السّور بسيطة تناسب نهاية القرن الأول ـ راجع الشكل الأسبق ـ ويمكن مقارنتها مع الشكل السابق.
رابعاً: إنَّ المصحف المعروف بمصحف (أسماء) (۳) وهو مصحف عبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تشبه هذه النسخة البرلينية مع النسخة المصرية ـ راجع مخلفات الرسول: 144، لوحة رقم ۱۷، واحتوت من الآيات بدءاً من قوله تعالى: ﴿اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ﴾ إلى قوله: ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء: ۱۷6].
(۲) راجع لمعرفة التفاصيل عن الخط والورق المقدمة التمهيدية في الجزء الأول من معجم المصنفات الحسينية.
(3) مصحف أسماء: نسبة إلى أسماء حفيدة عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي المتوفى سنة 86 هـ، كما سيأتي.
(266)

العزيز بن مروان والذي أُرجح أنْ يكون هو المنسوبُ إلى عثمان، ظلَّ محفوظاً بمسجد عمرو بن العاص طوال أربعة قرون موضع التقدير والإعزاز حتى بعد أنْ جاء العراقي (1) بالمصحف الذي قيل عنه إنَّه مصحف عثمان، والذي أنكره وقتذاك أهل مصر إذ قالوا: «لأنَّ نقله لم يثبت بحكاية رجل واحد».
خامساً: لعلَّ خُلوَّ الحروف من النقط الحمراء التي وضعها أبو الأسود الدؤلي (۲) للدلالة على الشكل والنقط السوداء التي وضعها نصر بن عاصم في عهد عبد الملك بن مروان (3)، للإعجام، أراد به عبد العزيز بن مروان أن يثبت للحَجَّاج أنَّ جنداً هو فيه ليس في حاجة إلى هذه الشارات، فجاء المصحف خلواً منها، فقد كان للعرب في ذلك الحين آراء متعارضة في الشكل والاعجام، فالبعض يؤيده والبعض يعارضه ويرون في نقط الحروف وشكلها سوءَ ظنٍّ في المكتوب إليه.
سادساً: كان من الطبيعي عند مجيء الدولة الفاطمية وهي شيعية المذهب أنْ تهمل شأن كل مخلفات السنيّين من الخلفاء والولاة، وقد ثبت ذلك عندما أُبطلت القراءة في مصحف (أسماء) في عصر ثاني خلفاء الفاطميين العزيز بالله سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، هذا بالإضافة إلى أنَّ بناء عاصمة جديدة لهم وهي القاهرة وإنشاء الأزهر، كان من شأنه أنْ يقلل من أهمية جامع عمرو، وما به من المخلفات، ولذا لم نسمع شيئاً عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العراقي: إشارة إلى رجل من العراق جاء بمصحف عثمان من خزائن المقتدر العباسي جعفر بن أحمد المتوفى سنة ۳۲۰ هـ وأودع في جامع عمرو بن العاص بالفسطاط سنة ۳۷۸ هـ.
(۲) أبو الأسود الدؤلي: هو ظالم بن عمرو بن سفيان الكناني (۱ ق.هـ 6۹ هـ)، من سادات التابعين وأعيانهم، من الفقهاء الأدباء، سكن البصرة في عهد عمر بن الخطاب وتولى ولايتها في عهد الإمام علي عليه السلام وفيها مات، صحب أمير المؤمنين عليه السلام وتتلمذ عليه وإليه ينسب علم النحو حيث طلب منه عليه السلام ذلك ووضع له أسسه، شهد معه صفين، له ديوان شعر.
(3) عبد الملك بن مروان: هو حفيد الحكم الأموي (۲6 ـ ۸6 هـ) ولد في المدينة ومات في دمشق، الخامس من بني أمية حكم عام 65 هـ بعد أن توفي أبوه، كان واليا على المدينة من قبل معاوية، في عهده توسعت الدولة الأموية، وفي عهده ضرب واليه الحجاج الثقفي (40 ـ ۹5 هـ) الكعبة بالمنجنيق، خلفه في الحكم ابنه الوليد (4۸ ـ 96 هـ).
(267)

مصحف (أسماء) طوال العصر الفاطمي، ولما تعاقبت الدول بعد ذلك كان مصحف (أسماء) قد فقد اسمَهُ ونسبَهُ وإنْ لم يفقد تاريخه.
سابعاً: ولمَّا جاءت الدولة الأيوبية، وهي سُنِّية المذهب، بدأنا نسمع عن وجود مصحف منسوب إلى سيِّدنا عثمان، محفوظ في خزانة كتب المدرسة الفاضلية، إذ يقول المقريزي: «بنى المدرسة الفاضلية القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني (1) بجوار داره في سنة ثمانين وخمسمائة ووقف بهذه المدرسة جملة عظيمة من الكتب من سائر العلوم، ويقال إنها كانت مائة ألف مجلد ذهبت كلها وكان أصل ذهابها أنَّ الطلبة كانت بها لمَّا وقع الغلاء بمصر سنة أربع وتسعين وستمائة والسلطان يومئذ الملك العادل كتبغا المنصوري (2)، مسهم الضر فصاروا يبيعون كل مجلد برغيف خبز حتى ذهب معظم ما كان فيها من الكتب، ثم تداولت عليها يد الفقهاء بالعارية فتفرقت وبها الآن مصحف قرآن كبير القدر جداً مكتوب بالخط الأول الذي يعرف بالكوفي تُسمِّيه الناس مصحف عثمان بن عفَّان، وهو في خزانة مفردة بجانب المحراب من غربية وعليه مهابة وجلالة، وإلى جانب المدرسة كتاب برسم الأيتام وكانت هذه المدرسة من أعظم مدارس القاهرة وأجلها وقد تلاشت لخراب ما حولها». ويضيف القسطلاني (۳) عند كلامه عن المدرسة الفاضلية وخزانة كتبها فيقول: «ولم يبق منها إلا المصحف الكبيرُ المكتوبُ بالخط الأول الكوفي المعروفُ بمصحف عثمان (4) ويقال: إنَّ القاضي الفاضل اشتراه بنيف وثلاثين ألف دينار على أنَّه مصحف عثمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الرحيم البيساني: هو ابن علي بن الحسن الفاضل الخمي (5۲۹ ـ 596 هـ)، وقد مضت ترجمته.
(۲) كتبغا المنصوري: هو زين الدين كتبغا بن عبد الله المنصوري المغولي (ن642 ـ ۷۰۱ هـ)، والمنصوري نسبة الى سيده المنصور قلاوون الألفي الصالحي المتوفى سنة 689 هـ، كان جنديا في جيش المغول وأسر واشتراه الألفي ثم أعتقه سنة 6۷۸ هـ عندما أصبح سلطانا وأسبغ عليه لقب أمير، تقلد مناصب عدة وأصبح نائباً للسلطنة ثم تولى السلطنة ثم خُلع منها وبعد فترة تولى ولاية حماه وفيها مات.
(3) راجع مختصر فتح المواهبي في مناقب الشاطبي للقسطلاني: ۱۹.
(4) ورب قائل يقول أنهم أرادوا بالمصحف العثماني أو العلوي هو النص المعروف برواية عثمان وعلي وهو الذي متداول في عصرنا هذا.
(268)

بن عفَّان، وكان في خزانة مفردة بجانب المحراب من غربية، ولم يزل بها حتى خُرب ما حول المدرسة المذكورة وآل أمرها إلى التلاشي فنقله السلطان الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري (1)، وأجرى الله تعالى على يده الخيرات، وختم أعماله بالصالحات كما نقل الآثار النبوية الاستيلاء السرّاق على القاطنين بمحلِّها، وعدم الأمن وخوف الضياع، إلى القبة التي أنشأها تجاه مدرسته الشريفة بقرب الإقباعيين داخل باب زويلة والخرق من القاهرة المعزية»، ومن المرجح أنْ يكون مصحف المدرسة الفاضلية المنسوب إلى عثمان بن عفَّان هو مصحف (أسماء) اشتراه القاضي الفاضل بعد أن احترقت مدينة الفسطاط في آخر الدولة الفاطمية خشية استيلاء الفرنجة عليها، وأصبحت خراباً يباباً، وأُهمل شأن جامع عمرو وتصدع بنيانه، وبالتالي فقد أصبحت ودائعه مجهولة الأصل، ومن مصلحة البائع أنْ يُسمي مصحف (أسماء) بالاسم الذي يدُرُّ عليه ثمناً أكبر وليس مِن شك في أنّ نسبته إلى عثمان أفضل من نسبته إلى أسماء.
ثامناً: لو سلَّمنا جدلاً بصحة رواية مجيء مصحف عثمان من العراق في القرن الرابع الهجري إلى مصر، فمن المفروض أنْ نجدَ به الورقة الأخيرة التي قرأها المقريزي والتي بقيت إلى القرن التاسع الهجري، ولكنَّ المصحف الذي بين أيدينا لا توجد به هذه الورقة، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإنَّ المقريزي، ذكر أنَّه رأى هذا المصحف في جامع عمرو، ثم يعود فيقول عند كلامه على المدرسة الفاضلية ما نصُّه: «وبها الآن مصحف قرآن تُسمِّيه الناس مصحف عثمان بن عفَّان». ومعنى هذا انه كان يوجد في مصر في زمن المقريزي مصحفان ينسبان إلى عثمان بن عفَّان، فأيُّ المصحفين يا ترى هو مصحف عثمان؟.
لكل هذه الأسباب فإنِّي أنفي نسبة المصحف إلى عثمان بن عفَّان وأُؤكد تاريخه إلى الفترة ما بين نهاية القرن الأول وأوائل القرن الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السلطان الأشرف: هو قنصوه أو قانصوه المملوكي الغوري الشركسي (850 ـ ۹۲۲ هـ)، آخر سلاطين المملكة البرجية قُتل في حلب، اشتراه السلطان قايتباي الظاهري (۸۱5 ـ ۹۰۱ هـ) واعتقه، تقلب في المناصب الإدارية والعسكرية وصار ملكاً سنة 906 هـ، دخل في حروب داخلية وخارجية وانهزم أمام الجيش العثماني.
(269)

الهجري، وأُرجِّح أنْ يكون هو المصحف الذي أمر بكتابته والي مصر عبد العزيز بن مروان المتوفى سنة 86 هـ، والذي عُرف باسم حفيدته أسماء وهو بذلك أقدم مصحف كتب بمصر، أما جلدة المصحف كما في الأشكال الثلاثة التالية:
ش1210
(113)270

غلاف المصحف المنسوب إلى عثمان (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) وهو مصنوع من الجلد المزخرف بنقوش نباتية مذهبة ومضغوطة ويحيط بالزخارف شريط من الكتابة كتبت بالخط الثلث الذي كان سائداً أيام المماليك وجاء نصها في الضلع الطويل الأول: «جدد هذا المصحف الشريف المعظم الذي من حلف به صادقاً نجا وكان له من كل ضيق مخرجا ومن حلف به فاجراً كف وهان وأصبح في ذل ومقت وخذلان بخط من رتب سوره وآياته» وجاء في ضلعه القصير الأول: «وأجزاؤه ومن ختمه في كل ركعة مِنْ صلاته، وبه اقتدى من سماه نبيُّنا بالأمين ذي النورين زوج بنتيه ورفيقه في الدارين من استحيت منه ملائكة» وجاء في الضلع الطويل الثاني: «الرحمان، أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان، أمر وتشرف بتجليده السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري كان الله له» وجاء في الضلع القصير الثاني: «وتجديده على يديه بعد ثمان مائة وأربع وسبعون عاماً مضت تقبل قواعد دولته بمحمد وآله: ويذكر أنَّ الملك قانصوه الغوري ادعى هذا الجلد لنفسه على الحقيقة، والحق أنَّه هو الذي جدده ومحى اسم من قبله وكتب اسمه، ولكني ـ سعاد ـ لا أرى صحة ذلك ـ راجع مخلفات الرسول: 145 ـ 146، لوحة رقم 18.
(270)

ش1211
(114)271
مفصلة مذهبة لغلاف المصحف العثماني (1)
ش1212
(115)
مفصلة أخرى عليها اسم السلطان قانصوه الغوري (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وعليه: «برسم المصحف الشريف العثماني»، راجع مخلفات الرسول: لوحة رقم ۱۹.
(2) وجاء عليه: «السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري عز نصره»، راجع مخلفات الرسول: لوحة رقم ۱۹.
(271)

فإنها جُلِّدت في عصر السلطان الغوري وهو آخر سلاطين دولة المماليك (1).
وأنا بدوري أُؤيد ما ذهبت إليه الدكتورة سعاد في نفي المصحفين إلى من نُسِبا إليهما، ومن ديدننا أنْ نستعين بدراسة الآخرين فإنْ كانت دراسة متينة وموضوعية أثبتناها دون أن نقوم بإعادة الكرة ولنحفظ حق من قام بها وإنْ كانت دون المستوى قمنا بدراسة أخرى، وقد نتفقُ في بعض ما توصل إليه الآخرون وقد نختلف ونشير إلى ذلك وهذا ما فعلناه بالنسبة إلى الدراسة التي قامت بها الدكتورة سعاد، وفي هذا قلت مُضمِّناً قول ديسم بن طارق (2) من الوافر:
إذا قالتْ سعادُ فَصَدِّقُوها فَإنَّ القَوْلَ ما قالَتْ سُعادُ
فقد خطَّتْ صَحائفَ كرّموها فما قولي بذا إلَّا مُعادُ
ولي في شكرها كَلِمٌ خُذوها أَلا فاسْعَوا إلى قولٍ يُشادُ
وفي تحقيقها دُرَرٌ ذَرُوهَا لتحكي عن خزينٍ يُستفادُ
لقدْ أبدتْ لنا عملاً دَعوها ففي سَعْيٍ لها يُجلى المُرادُ
رَعَتْ في دِقَّةٍ أسُساً سَلوها حسيناً ناصرت إذ طابَ زادُ
ولا يخفى أن معظم الآثار النبوية التي في مصر والتي منها ما هو موجود في المشهد الحسيني كانت عند بني إبراهيم (3) بينبع (4) ويذكر بأنهم يلقونها بالميراث من آبائهم ولمَّا كان القرن السابع الهجري قام الوزير الصاحب تاج الدين الحِنّا (5) بشراء هذه الآثار منهم بمائتين وخمسين ألف درهم (6)، ونقلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مخلفات الرسول: ۱۳۱ ـ ۱۳4.
(۲) راجع تربيع الأمثال للمؤلف مخطوط.
(3) بنو إبراهيم: ويقال لهم بذوي إبراهيم وهم من الأشراف من سلالة السبطين الحسن والحسين وهم بالحجاز ـ راجع معجم قبائل العرب: ۱ / ۲.
(4) ينبع: مدينة في الحجاز تقع على البحر الأحمر، على بعد ۲۰۰ كم غرب المدينة المنورة و۳۷۰ كم شمال جدة، ولازالت قائمة.
(5) الصاحب تاج الدين الحِنّا: هو محمد بن علي (القرن السابع) توفي قبل ان يكمل الرباط.
(6) وقيل انه اشتراه بمائة ألف درهم.
(272)

إلى مصر وخصَّص لها رباطاً خاصاً على نهر النيل وعرف هذا الرباط بالرباط العاجي التاجي، وما أن انصدع الرباط سنة ۱۲۰۳ هـ خيف عليها من السرّاق وسقوط البناء فنقلوها إلى مدافن الغوري (1)، وفي سنة ۱۲۷5 هـ نقلت إلى المسجد الزينبي ثم نقلت سنة ۱۳۰4 هـ إلى خزينة الأمتعة بالقلعة ثم إلى ديوان عموم الأوقاف، وفي سنة ۱۳۰5 هـ نقلت إلى سراي عابدين ثم إلى المسجد الحسيني بأمر الخديوي توفيق باشا (2).
• في سنة ۱۳۱۱ هـ أصبح الشريف علي بن محمد الببلاوي (۳) خطيباً وشيخاً للمسجد الحسيني بالقاهرة (4) وحتى وفاته سنة ۱۳۲۳ هـ (5).
• في سنة ۱۳۱6 هـ تم تجديد الروضة كما هو مدون على الباكية (6) الشريفة (7)، بالإضافة إلى الأبيات التالية (8) من الخفيف:
ركن هذا المقام جنة عدن من آتاه يفوز بالمأمولِ
ركن هذا المقام ركن سديد نال فيه الداعون حسن القبولِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مدافن الغوري: وهي مقبرة ملوك الغورية وتقع ضمن قبة الغوري المقامة في القاهرة بباب زويلة سنة ۹۱۰ هـ، وقد مضى شرحها.
(۲) مخلفات الرسول: ۷۰.
(3) علي بن محمد الببلاوي: هو حفيد احمد المالكي الحسني الأدريسي (۱۲5۱ ـ ۱۳۲۳ هـ) ولد في قرية ببلا من أعمال ديروط بمحافظة أسيوط وهو حسني النسب من السادة الأشراف، قبض عليه بعد الانتهاء من الثورة العرابية، وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ سليم البشري، له من المؤلفات: فضائل ليلة النصف من شعبان، إعجاز القرآن، ورسالة الأنوار الحسينية على رسالة المسلسل الأميرية.
(4) الأعلام الشرقية: 1 / ۳4۹.
(5) الأعلام الشرقية: 1 / ۳4۹.
(6) الباكية: محرفة البائكة وهي المقرنصة وتجمع على بوائك وهي الناقة العظيمة السنام ـ راجع تاج العروس: 27/ ۸6، الحاصل أنها بالمجاز والاستعارة سميت بذلك لهياكلها الهندسية.
(7) المسجد النبوي الشريف ومزارات أهل البيت: 84، مخلفات الرسول: 5۸.
(8) قال الأستاذ عادل بن سعد زغلول بن محمد أحمد المولود في القاهرة سنة ۱۳۸۷ هـ أنَّ هذه الأبيات للشيخ محمود بن علي بن محمد الببلاوي (۱۲۹۷ ـ ۱۳5۰ هـ) وهو فقيه حنفي تخرج من الأزهر وعين شيخاً للمسجد الحسيني ثم الزينبي توفي بالقاهرة، زار المدينة المنورة سنة ۱۳۲۷ هـ وكتب «الرحلة الببلاوية»، وله: التاريخ الحسيني، تاريخ السيدة زينب، الفقه على المذاهب الأربعة بالمشاركة مع آخرين.
(273)

ركن هذا المقام كعبة مصرٍ زاد مجداً بالسيد ابْنِ البَتولِ
ركن هذا المقام حاز فخاراً بالإمام الحُسين سِبط الرَّسولِ (۱)
وقد كتبت في المثلثات الكروية التي توجد في أركان الحجرة المربعة والتي تقوم فوقها القبة الحسينية.
ش1213
(116)274

الزاوية الشمالية الغربية . . البيت الأول

ش1214
(117)274 2

الزاوية الجنوبية الغربية . . البيت الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون: ۱ / ۳۸۸.
(274)

ش1215
(118)275
الزاوية الجنوبية الشرقية . . البيت الثالث

ش1216
(119)
الزاوية الشمالية الشرقية . . البيت الرابع
(275)


وجاء في الكتيبة على الجهة الشرقية تأريخها من الكامل:
فتكاملت حسناً وقلت مُؤرِّخاً: مِنْ عَدْلِ عبَّاسٍ نُقوش القُبَّةِ (۱)
• في سنة ۱۳۲۱ هـ قامت وزارة الأوقاف بترميم جدران الروضة بعد تصدعها وإعادتها إلى حالتها الأولى، كما أُخرج الضريح الخشبي ورُمِّم ثُم أُعيد إلى ما كان عليه وهو الآن محفوظ بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة وعليه نصوص قرآنية وأحاديث نبوية يبلغ طوله ۱٫۸5 متر وعرضه ۱٫۳۲ متر وارتفاعه ۱٫۳5 متر وهو مكون من جنب ورأسين ومقسم إلى مستطيلات رأسية وأُفقية تحيط بها أشرطة تحتوي على كتابات بعضها بالخط الكوفي والبعض الآخر بالخط النسخي الذي انتشر في مصر في العصر الأيوبي. أما زخارف هذه الحشوات، فهي عبارة عن نقوش نباتية غاية في الروعة والإتقان ويحيط بالحشوات السداسية شريط من الخط الكوفي به كلمات منها «الملك لله»، «وما توفيقي إلا بالله»، «ثقتي بالله»، «نصر من الله وفتح قريب» (2)، «العزة لله»، «وما بكم من نعمة فمن الله . . . الخ (3).
• في سنة ۱۳۲۳ هـ تولى الشريف محمود بن علي الببلاوي (4) مشيخة المسجد الحسيني خلفاً لأبيه (5) ثم نقل شيخاً لمرقد السيدة زينب عليها السلام.
• في سنة ۱۳۲5 هـ يبدو أنَّ هناك تجديداً وقع في المشهد الحسيني ولازالت الصخرة شاهدة عليه، وربما كان تاريخاً لتعمير المدخل إلى الطابق الثاني تحت الأرض الذي فيه صخرة الرأس الشريف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العجز يعادل ۱۳۱6 وسيأتي تفاصيل ذلك.
(۲) لم نعثر على هذه الجملة، وهي الآية 13 من سورة الصف.
(3) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون: ۳۹۰.
(4) محمود الببلاوي: هو إبن علي بن محمد الببلاوي (۱۲۹۷ ـ ۱۳5۰ هـ)، وقد مضت ترجمته.
(5) راجع الأعلام الشرقية: ۲ / ۹4۹.
(276)

1217
(120)277
صخرة المشهد الحسيني المؤرخة في عام ۱۳۲5 هـ

• في سنة 1353 هـ وبالتحديد في 5 صفر توفي الشيخ محمد السمالوطي (1) من مرض الموت، وبذلك انقطع عن درس الحديث والتفسير في المشهد الحسيني الذي كان يقيمه بعد صلاة الفجر (2).
• في محرم سنة ۱۳64 هـ أهدى الملك فاروق الأول (3) إلى المشهد الحسيني كرسياً (4) مصنوعاً من الخشب الساج في مصانع محمد فؤاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد السمالوطي: هو شمس الدين محمد بن علي الحميدي السمالوطى المولود سنة ۱۲۷۳ هـ في مركز سمالوط بمحافظة المنيا، حافظ ومحدث وفقيه، انتقل مع ذويه إلى القاهرة وله من العمر سنتان، تتلمذ على أخيه الشيخ عمر السمالوطي والشيخ سليم البشري والشيخ محمد عليش المالكي وغيرهم، اختص بالفقه المالكي، تولى التدريس في المسجد الزينبي، وقام بتدريس الحديث والتفسير في المسجد الحسيني ثم مرض وبعد بضعة أشهر توفي ودفن في القاهرة، له حواشٍ كثيرة وله منظومة شعرية في ختم صحيح البخاري.
(2) مدونة دار الثقافة والمعرفة بتاريخ 15 / 4 / ۲۰۱۱ م (www.otheculturehouseo.blogspot.com).
(3) فاروق الأول: هو إبن فؤاد الأول (۱۳۳۸ ـ ۱۳۸4 هـ) آخر ملوك أسرة محمد علي، ولد في القاهرة ومات في روما، ولي الحكم عن أبيه سنة ۱۳55 هـ وخُلع بحركة الضباط الأحرار سنة ۱۳۷۱ هـ ونُفي إلى إيطاليا ودفن في القاهرة.
(4) يسع الكرسي لشخصين.
(277)

درويش، وهو مزركش بالحفريات الهندسية والنباتية مطعم بالعاج ذو متكأ مرتفع له مسندان وله تاج كتب عليه: ﴿بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ﴾، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (1) وجاء في منتصف الشريط الاعلى تحت التاج: «صنع في عهد حضرت صاحب الجلالة»، «فاروق الأول ملك مصر» وجاء تحته مباشرة أيضاً في سطرين: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»، «حسين مني وأنا من حسين» (2) وعلى يساره جاء في سطرين أيضاً: «هدية لمسجد»، «الإمام الحسين»، وعلى يمينه جاء بالتقابل «من مصانع محمد فؤاد درويش»، «محرم سنة ۱۳64 هـ»، كما أُثبت في دائرتين: «الله»، «محمد»، ولا يخفى أنَّ جميع الكتابات جاءت باللون الأبيض والذي هو من العاج، ويستخدم الكرسي للوعظ والإرشاد ولأجل التدريس من قبل المشايخ.

ش1218
(121)278

الكرسي الفاروقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب، الآية 33.
(۲) جامع المسانيد لابن الجوزي: 7 / ۳۳۲، وفي كنز العمال: 12 / ۱۲۰: «حسينٌ مِنِّي وأنا منه».
(278)

وعن قبل سنة ۱۳۷۷ هـ (1) يحدثنا شيخ الأزهر (۲) في رحلته قائلاً: «درجنا في مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه وفيه منفذ للمكان الذي اشتهر أنَّه مشهد رأسه الشريف ورأيت زوّار هذا المسجد وزائراته كيف يزدحمون على بابه ما بين وارد وصادر، وللعلماء بالروايات مقال في هذا المشهد فإنَّ منهم من يقول أنَّ مدفن رأس الحسين رضي الله عنه بعسقلان» (3).
• في ۱۳۷۹ هـ بدأت وزارة الأوقاف بتوسعة المسجد الحسيني الملحق بالمشهد الحسيني ليتسع للمصلين والزائرين خاصة بعد أنْ ضاق المسجد القديم في المواسم والأعياد وجاءت تفاصيلها كالتالي: فقد زادوا في مساحته ۳۳4۰ متراً مربعاً، بعد أن كانت مساحته ۱5۰۰ متر مربع، أي بإِضافة ۱۸4۰ متراً مربعاً إليه، وقد أُخذت أبعاد الأروقة وقطاعات العقود وكذا النوافذ والأبواب التي استجدَّت، من الطبيعة حتى جاءت التوسعة كامتداد طبيعي للمسجد القديم .
وقد روعي كذلك أن تكون المباني مشابهة للقديم ومن نفس الخامات بقدر الإمكان، فقد بنيت الجدران التي يبلغ سمكها 80 سم من الحجر المتخلف (من المباني القديمة) من الخارج والآجر من الداخل، كما كُسيت الحيطان من الداخل بمونة الحجر الصناعي حتى تكون مضاهية للحيطان القديمة، وقد أُضيف للمسجد مبنى مكونٌ من دورين، خاص بإِدارة المسجد يقع في الجهة الشرقية منه بجوار غرفة المخلفات، كما أُنشئت مكتبة خاصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إنما حددناه بقبل هذا التاريخ لأنه توفي في هذه السنة، ويبدو أنَّه كتب عن رحلته بعد سنة ۱۳۳۱ هـ وقبل سنة ۱۳4۰ هـ.
(2) شيخ الأزهر: هو محمد الخضر بن الحسين بن علي بن عمر الحسني التونسي (۱۲۹۳ ـ ۱۳۷۷ هـ) ولد في نفطة بتونس وانتقل إلى العاصمة تونس سنة ۱۳۰6 هـ وتخرج من جامعة الزيتونة، ثم درّس فيه وتولى العديد من المناصب، رحل إلى الجزائر والشام وتركيا ثم أنه سكن دمشق وتولى التدريس، وانتدب من قبل العثمانيين إلى برلين، فلما استقر بعدها في دمشق تحدث عن رحلاته ونشرها في جريدة المقتبس الدمشقية، ولما احتل الفرنسيون دمشق هاجر إلى القاهرة سنة 1340 هـ وتولى مناصب وأنجز مشاريع ثم تولى مشيخة الأزهر سنة ۱۳۷۱ هـ واستقال عنها سنة 1373 هـ وتوفي في القاهرة، ومن مؤلفاته: حياة اللغة العربية، الخيال في الشعر العربي، والدعوة إلى الإصلاح.
(3) الرحلات للشيخ محمد الخضر حسين: 46.
(279)