الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

اسم الکتاب : الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : دائرة المعارف الحسينية / المركز الحسيني للدراسات /لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

عمارة الروضة المقدسة


إن المرقد الحسيني بعناصره المتعددة من القبة والمئذنتين والصحن والروضة والأروقة والضريح وسائر المرافق التي يضعها هذا المرقد الشريف يعد تحفة معمارية جميلة وأثرية، لها تاريخها ولها خصوصياتها فبعد أن كانت قبة الحرم الحسيني أول قبة بنيت في الإسلام فإن تلازم التاريخ والفن يحتم علينا قبول فرضية أن التطور لهذا المرقد بدأ منذ أن وريت الأجداث الطاهرة في هذه القعة المباركة، ومن هنا فإن الفن المعماري الإسلامي بدأًمع بدايات هذه الصرح المقدس، ومقتضى ذلك أنه واكب التطور أولاً بأول إلى أن وصل إلى ما وصل إليه اليوم، ورغم أن التاريخ في بعض الأحيان كان يتوقف عند هذه الروضة أو تلك لأسباب سياسية أو أمنية، بل إثر أحقاد مذهبية تارة وجاهلية أخرى إلا أن هذا المرقد كان مهوى أرباب الفن، ورغم أن الكثير من الأجانب لم يتمكنوا من الدخول إلى هذه الروضة الشريفة سوى من شذ وندر وفي الخلفاء إلا أنهم تمكنوا من الوقوف على مشارفها، فانبهروا بالفنون المعمارية التي استخدمت في هذا المرقد منذ القرون الغابرة، وفي بقعة جغرافية تناستها الحضارة لفترة طويلة بسبب الأنظمة المستبدة والظالمة، وعن أهمية هذه الروضة يستعرض الأستاذ مرزوق(1) الجانب الأثري لمرقد الإمام الحسين «عليه السلام» في كربلاء بعد ما يذكر أن آثار العصر الأول قد انقضرت بفعل عملية التجديد ويعتبر من تلك مشهد الإمام الحسين «عليه السلام» في كربلاء قائلاً:
«ذاع ذكر كربلاء بعد مقتل الإمام الحسين رضوان الله عليه سنة 61هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرزوق: هو الأستاذ محمد بن عبد العزيز مرزوق مؤلف كتاب الفن الإسلامي تاريخه وخصائصه.
(310)
(680م) وقيام قبره الشريف فيها، ويعتبر هذا المشهد من أجمل العتبات المقدسة في العراق وقد كان موضع الرعاية والعناية من أولي الأمر، ومن الأغنياء الأمر الذي ترتب عليه عمل كثير من التجديدات المعمارية في بنائه دون النظر إلى تصميمه القديم، أو بعبارة أخرى دون اعتبار لعلم الآثار الذي لم يكن قد ولد بعد حتى أصبح المشهد الحالي ثمرة لهذه التجديدات والإصلاحات»(1).
وقد سبق واستعرضنا في الأجزاء الثلاثة الماضية وصف الرحالة المستشرق لهذا المرقد الشريف بلاإضافة إلى بيان تاريخه من حيث العمران وعناصره ومرافقه وبعض الخطط الهندسية في هذا الاتجاه وبيان المواد المستخدمة في هذا الصرح المبارك

ش572
(110)110

صورة للمرقد الشريف التقطت قبيل المغرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفن الإسلامي تاريخه وخصائصه: 71.
(311)
ش573
(111)

صورة للمرقد الشريف التقطت في الليل

(312)


الفصل الرابع


الألوان
إن الحديث عن الألوان له اتجاهات مختلفة، فتارة يبحث من حيث المادة وتأثيراتها وهذا ما سعى إليه الفيزيائيون، وتارة يتحدث عنها الأطباء في علاج مرضاهم وبالأخص المبتلون بالأمرضا النفسية، بل وحتى العضوية، وتارة يتحدث عنها الفقهاء فيفضلون بعض الألوان على غيرها من خلفية التأثيرات، ولها في العقائد الأخرى أيضاً دور واضح، ولكن الفنانين هم أكثر الفئات الذي يهتمون بالألوان بل هي قاعدتهم الأساسية وإن اعتمادهم الكلي في أعمالهم الفنية يكون عليها في العديد من الأغراض أهمها يكمن في الجمال والإبداع وإبراز الأبعاد وملامح الرسوم التي يريدون إبرازها.
ومن جهة أخرى فإن اللون قد ينعكس من خلال الضوء، وقد ينعكس من خلال الحبر، وقد ينعسك من الأصباغ الزيتية أو الدهنية، ولكل واحدة من هذه الانعاكاسات قاعدة تختلف عن الأخرى، إذ إن العملية ترتبط بمسألة القبول والتقبل بين نوعية الألوان والقاعدة التي يراد الرسم عليها، بالإضافة إلى نوعية الرسوم والهدف منها، فالقاعدة الجصية تختلف قطعاً من الخشبية والورقية والمعدنية إلى غيرها، والخط يختلف عن النقوش وهكذا، ومن هنا فإن الحديث عن الألوان يقع في اتجاهات مختلفة.
(313)

 

(314)

الجمالية من خلال الألوان


إن الجمال بحد ذاته فن وله مقوماته، وأهمها التوفيق بين عدد من الأمور والتي يمكن اختصارها في وجود عناصر ثلاثة على الأقل: اللون، والنقشة والتركيب.
فالمراد باللون: هو استخدام عنصر الألوان في الصناعة أولاً، ثم اختياراللون المناسب ثانياً.
والمراد بالنقشة: هو اختيار الفكرة أولاً، وهندسة الخطوط وترسيمها بشكل متوازن مع الفكرة ثانياً.
والمراد بالتركيب: هو ضم جزء إلى آخر بشكل متناسق اولاً، والتوفيق بين اللون والرسم ثانياً بل وبين المادة من جهة أخرى.
والأمور الثلاثة معاً إذا تحققت عرفت بالزخرفة وهذا يتطلب ذوقاً رفيعاً وخيالاً واسعاً ليتمكن من التوفيق بين هذه الأمور جميعها ليوصف العمل بالجميل، فإن اختيار اللون المناسب مع النقشة النباتية على الخشب يختلف عنها في القاشاني أو في الجص وغيرها.
وإذا ما تحدثنا عن الجمال فإن الله جميل ويحب الجمال(1) وقد أودع في الإنسان عناصر الجمال، ولكن قد يكون شخص أجمل من غيره فإذا ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد وردت مادة الجمال في القرآن الكريم ثماني مرات وقد وصف فيها الصبر والصفح والسراح والهجر وغيرها بالجمال مما يفهم أن الجمال لا يختص بالصورة فقط بل بالتعبير والعمل والممارسة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الزخرفة التي عبرنا عنها هو تحقق الأمور الثلاثة معاً بأنها لا تخص الماديات بل تشمل المعنويات فإن الزخرفة الكلامية تكفلها علم البلاغة والأدب والذي في الواقع يخضع لنفس المعايير المادية، ويمكن تطبيقها في كل الأمور.
(315)
لوحظ وجهه على سبيل المثال والذي هو المعلم الرئيسي في تحقق الجمال فيه بدءاً بالشعر ومروراً بالجبهة والحاجبين والأهداب والعين والأنف والخدين إلى الأنف والفم والذقن، هذه اللوحة الفنية التي نقشها الله جل وعلا بأحسن الصور على أرضية من الجلد البشري نجد أن لكل منها خصوصيات إذا تحققت جميعها معاً من لون البشرة والفتين والخدين والشعر والأهداب، بالإضافة إلى سعة العين وصغر الفم وامتداد الحاجبين إلى ما هناك في الخدين والجبهة وغيرها، وتناسبت هذه التركيبة مع غيرها فاللون الأبيض للبشرة يجب ان يتناسب مع لون الشعر، كما ولون حدقة إنسان العين فإن كل ذلك له تأثير في مزيد الجمالية مضافاً إلى المقاييس من طول الوجه وعرضه ومن انتفاخه وضموره إلى أمور أخرى كلها معاً تعد لوحة فنية بارعة تضفي عليه صفة الجمال(1).
وهذا الأمر نفسه لا بد من ملاحظته في صناعة أي لوحة فنية أخرى تختلف قاعدتها فلربما تكون قاعدتها القاشاني وتارة أخرى الخشب وبعض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والجمال الذي يستخدم للدلالة الفنية ولاسيما في العبارة فهو عبارة عن الإحساس والإدراك والمعرفة الحسية الذي يتلخص في علم قوانين تطور الفن الذي اصطلح عليه اليونانيون بـ (أسطاطيقا (Esthetics)، ولعلم الجمال جانبان نظري (علمي) وعملي، فالأول يبحث في تطور التطبيق الفني ووضعه في قوانينه المعينة، وهو أساسي في تجسيد الجمال التطبيقي في الثقافة السياسية والنقد الفني، والثاني: يبحث عن تطبيق ذلك الإحساس الذي تحسه النفس على ارض الواقع بالشكل المعبر عن ذلك الإحساس بالشكل المادي والملموس.
والجمال سواء أكان في جانبه العلمي أو العملي فطري قبل أن يكون إسلامياً عقائدياً، ولا يخفى أن الإسلام دين الفطرة، وهو ما يمكن ملاحظته من الآيات والروايات والسيرة والتاريخ، ومن الجدير ذكره أن الجمال في الإسلام نابع من الحاجة وتابع للمصلحة، فما من شيء إلا وله خلفية فيها مصلحة وفائدة للفرد والمجتمع حتى في عال الفن، فعلى سبيل المثال: المشربية: هي في الواقع معالجات مناخية لحماية الواجهات والفراغ الداخلي من العوامل المناخية غير المرغوب بها من جهة، وتأتي لحماية النساء من أعين الغرباء وهن في مخادعهن من جهة أخرى، فإذا ما حللنا المفردات المعمارية الجمالية نجدها تحمل محاور عدة في أسباب نشأتها وتشكلها وتطورها، وقد جاءت لمصلحة الأمة مع املاءات الشريعة الإسلامية وتشذيبها.
(316)
الأحيان الزجاج أو الجص والرخام أو الطابقو والفولاذ، فالألوان + الرسم + التناسق = اللوحة الفنية الرائعة الجمال، وهذا ما سعى إليه أرباب الفن والرسم والخط ممن ساهموا في إعمار الروضة الحسينية الشريفة، وهذا ما نريد أن نستعرضه في بحثنا هذا ليكمل ما قدمناه سابقاً من البحث عن التاريخ من جهة، والعناصر (المواد) من جهة الأخرى.
1- اللون: لا شك أن للألوان تأثير عميق في النفوس ودواخلها، تبهج النفوس كما وتوجب انكماشها حسب استخدامات الألوان في مواردها، وقد خلق الله الألوان لأغراض متعددة، ولكل واحد منها فلسفة خاصة بها، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الألوان في أكثر من مورد في كتابه الكريم وذلك حينما قال جلا وعلا: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلفة ألوانها)(1) وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ناموس الحياة والطبيعة التي جعل فيها الألوان ركناً أساساً في التعبير عنها.
وإذا ما درسنا الألوان بشكل سطحي دون الدخول في الأعماق وبذل الجهد نجد أن لها خلفية تنطوي على العديد من الأمور:
منها توليد البهجة، فإن اللون الأخضر على سبيل المثال يولد في النفس البشرية الانبساط والذي يستخدمه الأطباء في معالجة المصابين بالكآبة والأمراض النفسية، كما أن اللون الأصفر يحمل شارات منها حيث تشير الآية الكريمة: (قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين)(2) والذي كان الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» يستخدمه في حالات الغضب، بينما نجد أن بعض الألوان توجب انقباض النفس كاللون الأسود مثلاً، وبعض الألوان توجب الإثارة كما هو حاصل في اللون الأحمر والذي يمكن ملاحظته عند الثيران.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة فاطر، الآيتان: 27- 28.
(2) سورة البقرة، الآية: 69.
(317)
ومنها أن الألوان استخدمت للتمييز فإنك باللون يمكنك أن تميز هذا عن ذاك، وهذه الحالة عن تلك، فما دام العشب أخضر تميزه عن العشب الأصفر الذي انتهت حياته، بل أكثر من ذلك إنه سبحانه وتعالى خلق الدم أحمر اللون ليتمكن صاحب الجرح أن يميزه عن غيره لدواع صحية وغيرها، بينما جعل للبول لوناً آخر، وللأخلاط لوناً مميزاً، كل ذلك لمساعدة الإنسان في كشف ما يلامسه بسهولة ويسر دون تعقيد ودوران.
ومنها أن الألوان لها دور كبير في طرد الجراثيم والميكروبات أو جلبها، ومن هذه الخاصية تمكن الإنسان أن يستخدم بعض الألوان في معالجاته وتهيئة الأجواء المناسبة للمعالجة أو غيرها ومن هنا نشاهد الأطباء يرتدون اللون الأزرق أو الأخضر عندما يستخدمون غرفة العمليات.
ومنها أن الألوان تساعد الإنسان في إيحاءات معينة ويمكنه أن يستخدمها كإشارات في الكثير من مرافق حياته بما يطابق إيحاءات الألوان نفسها كما فعلت الدوائر المختصة بالسير وتنظيمه في استخدامهم للون الأحمر في المنع من السير، ولم يأت هذا من فراغ بل جاء من خلفية الخطورة التي يتوقعها المرء من الاصطدام بسيارة أخرى يمكن أن تجرحه ويخرج الدم الأحمر، والعقل البشري تمكن من أن يضاعف اللون ويخففه ليصنع منه لغة الإشارات في نسب الخطورة أو ما شابهها.
ومنها أن الألوان لها دور كبير في تحسين الرؤية فالأهداب والحواجب لو كانا باللون الأبيض لصعب النظر، وهذا أمر طبيعي.
ومنها أن الألوان قد لا تحجب الرؤية وقد تحجبها وقد تكون بعضها قابلة للتصوير بشكل عادي وبعضها غير قابلة للتصوير، كل ذلك الاختلاف في الألوان مكن علماء الفيزياء من استخدامها في الأمور العلمية في مختلف المجالات، والإنسان بل بعض الحيوانات لا يمكنها رؤية بعض الألوان، إلى غيرها من الأمور التي لسنا هنا بصددها. وأما إذا نظرنا إلى الآيات القرآنية واستخداماتها فنلاحظ أن ستة ألوان ورد ذكرها في القرآن:
1- الأسود: في سبعة مواضع معظمها جاءت لوصف المنافقين والكفار والمجرمين بالسوء وهي: (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد
(318)
إيمانكم)(1) وقال جل وعلا: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)(2)، وقال جل شأنه: (ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة)(3) وقال سبحانة وتعالى:(وإذا بشر أحدهم بما ضرب الرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم)(4) وقال تبارك وتعالى: (وإذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم)(5) ففي هذه الآيات تتعلق المسألة بالأمور الاجتماعية والنفسية، ولكن في توجه آخر يشير إلى الطبيعة قائلاً: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)(6) وقوله تعالى: (ومن الجبال جددٌ بيضٌ وحمرٌ مختلفٌ ألوانها وغرابيب سودٌ)(7).
2- الأبيض: فقد وردت في اثني عشر مورداً معظمها تدل على النقاء والصفاء والهداية والخير، قال تعالى: (يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوهٌ)(8) وقال جل شأنه: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله)(9) وقال جل جلاله: (يطاف عليهم بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين)(10) وقال جلت عظمته: (كأنهن بيضٌ مكنونٌ)(11)، وقال في وجه آخر لا يخرج عما سبق: (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين)(12)وقال عز اسمه: (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى)(13) وقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران، الآية: 106.
(2) سورة آل عمران، الآية: 106.
(3) سورة الزمر، الآية: 60.
(4) سورة الزخرف، الآية: 17.
(5) سورة النحل، الآية: 58.
(6) سورة البقرة، الآية: 187.
(7) سورة فاطر، الآية: 27.
(8) سورة آل عمران، الآية: 106.
(9) سورة آل عمران، الآية: 107.
(10) سورة الصافات، الآيتان: 45 – 46.
(11) سورة الصافات، الآية: 49.
(12) سورة الأعراف، الآية: 108، وسورة الشعراء، الآية: 33.
(13) سورة طه، الآية: 22.
(319)
عز شأنه: (وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء)(1) وقوله تعالى: (واسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء)(2) وإلى وصف الطبيعة قال عز وجل: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود)(3) وقوله تعالى: (ومن الجبال جددٌ بيضٌ وحمرٌ مختلفٌ ألوانها)(4)، أما في توجه أبعد منها للدلالة على إصابة صحية قال جل وعلا: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)(5).
3- الأخضر: فقد وردت في ثمانية مواقع للدلالة على البهجة والنضارة، والجمال والمسرة، ومن تلك قوله تعالى في الطبيعة: (وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات)(6) وقوله تعالى: (فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً)(7) وقوله عز اسمه: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً)(8) وقوله جل شانه: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة)(9)، وأما إذا ما توجهنا بعيداً عن النبات والطبيعة فإن بعضا لآيات الأخر تشير إلى استخدامات اللون الأخضر كخيار مفضل ومن تلك قوله تعال: (متكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقري حسانٍ)(10) وقوله جل جلاله: (عليهم ثياب سندس خضر واستبرق)(11) وقوله جل شأنه: (ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق)(12).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النمل، الآية: 12.
(2) سورة القصص، الآية: 32.
(3) سورة البقرة، الآية: 187.
(4) سورة فاطر، الآية: 27.
(5) سورة يوسف، الآية: 84.
(6) سورة يوسف، الآية: 43 و46.
(7) سورة الأنعام، الآية: 99.
(8) سورة يس، الآية: 80.
(9) سورة الحج، الآية: 63.
(10) سورة الرحمن، الآية: 76.
(11) سورة الإنسان، الآية: 21.
(12) سورة الكهف، الآية: 31.
(320)
4- الأزرق: وقد استخدم مرة واحدة في صورته القائمة الموحية إلى الخوف وذلك في قوله تعالى: (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً)(1).
5- الأحمر: وقد استخدم مرة واحدة في الطبيعة إذ قال جل شأنه: (ومن الجبال جددٌ بيضٌ وحمرٌ)(2).
6- الأصفر: وقد ورد في القرآن الكريم في خمس موارد أحدها للبهجة، ثلاثة منها في الطبيعة والعذاب والتي منها قوله تعالى: (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون)(3)وقوله تعالى: (ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً)(4) وآيتان في الحيوان التي فيها شيء من الجمالية ومنها قوله جل وعلا: (إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين)(5) وقوله تعالى: (إنها ترمي بشرر كالقصر * كأنه جمالات صفر)(6) وأما مفردة اللون فقد ورد في القرآن تسع مرات كلها في الطبيعة والنبات والحيوان.
أما لماذا خص القرآن الكريم هذه الألوان السبعة بالذكر دون غيرها فهذا يحتاج إلى مناقشة علمية ليس محلها هنا، وقد ذكرنا في الجزء الرابع من الحسين والتشريع الإسلامي بأن ألوان الطيف التي يتشكل منها ضوء الشمس سبعة ولكنها تختلف عن هذه السبعة، فهي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي وهي ما يكون منها أشعة الشمس ويمكن ملاحظته من خلال قوس قزح(7)، وأما الألوان التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة طه، الآية: 102.
(2) سورة فاطر، الآية: 27.
(3) سورة الروم، الآية: 51.
(4) سورة الزمر، الآية: 21، وسورة الحديد، الآية: 20.
(5) سورة البقرة، الآية: 69.
(6) سورة المرسلات، الآيتان: 32 – 33.
(7) وفي الحقيقة إن الألوان الضوئية تختلف عن الألوان الصبغية، فإن الألوان الضوئية تتكون من أمواج ضوئية تكون الأطول منها الأحمر والأقصر منها الأزرق والبنفسجي، فإذا مزجت كميات متساوية من جميع ألوان الطيف السبعة من الأطول =
(321)
تستخدم في الرسم والتصوير والطباعة فالرئيسية منها ثلاثة: الأصفر والأزرق والأحمر، والثانوية منها كثيرة تنشأ من امتزاج هذه الألوان بعضها بالبعض الآخر فعلى سبيل المثال نذكر ما يلي:
1- الأحمر + الأزرق = الأرجواني.
2- الأصفر + الأزرق = الأخضر.
3- الأحمر + الأصفر = البرتقالي.
4- الأحمر + الأزرق + الأصفر = الأسود.
وكلما تغيرت نسبة الألوان الرئيسية زيادة ونقيصة اختلفت الألوان الحالصلة من هذا الاختلاط وتكونت عشرات الألوان، وأما الألوان الثلثية كاللون الزيتوني مثلاً، فهي التي تنتج بمزج لونين ثانويين وهكذا تتزايد الألوان، وهناك الألوان المتناقلة وهي أزواج من الألوان إذا مزجت بنسب متساوية أعطت لوناً أبيض أو رمادياً ومن هذه الألوان اللون الأصفر والأزرق، ولا ننسى عامل الشدة والضعف فإنها تولد آلاف الألوان(1).
ومن جهة أخرى لا بد من الإشارة إلى أن لون الضوء له دور كبير في رؤية الألوان، وحينما نتحدث عن الألوان فالمقصود بها إذا ما كانت في ظل ضوء الشمس وطيفه، فأما إذا كانت في ظل ضوء آخر أو نور آخر فإن الألوان ستكون رؤيتها مختلفة.
ومن جهة أخرى فإن علماء الفيزياء ذكروا بأن للون ثلاث مواصفات أساسية:
1- كنه اللون والذي يعبر عن بـ(Hue) وهو التمايز بين بني نوعه.
2- قيمة اللون والتي يعبر عنها بـ(Value) وهي درجة الإضاءة خفة وكثرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وحتى الأقصر أنتج اللون الضوئي الأبيض، ولا يخفى أن هناك اختلافاً فيزيائياً بين الضوء والنور تحدثنا عنه في الجزء الثاني من كتابنا الحسين في الحديث.
(1) وتارة يمكنك في الطباعة أن تتعامل مع اللون بتفريع نسبة معينة من اللون فيعطيك لوناً آخر عند الطباعة كما لو أخليت اللون الأسود ببقع بيضاء (على شكل شبك) فالحاصل يكون اللون الرمادي.
(322)
3- شدة اللون والتي يعبر عنها بـ(Intensity) وهي درجة شدته وضعفه ونقائه وصفائه والذي يتأثر بمقدار خلطه هو مع سائر الألوان(1).
ويمكن مراقبة ذلك في الشاشة الصغيرة (التلفاز) فإنه قد تزيد الضوء وقد تخففه، وقد تغمق اللون وتخففه، وقد تعطيه بعداً آخر فإن كل هذه الاتجاهات تختلف في الناتج العملي.
ومن جهة أخرى فإننا قد تحدثنا في الحسين والتشريع الإسلامي أن القدامى قد قسموا الألوان إلى حارة وباردة ومحايدة، نعيد ذكرها وباختصار ضمن التخطيط التالي:

ويعزى تاريخ هذا التقسيم إلى النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري وإلى الرسامين الانطباعيين.
ولا يخفى أن للألوان المحايدة وبالأخص الأبيض والأسود دوراً في تصنيف الألوان، وبذلك يمكنهما أن يحتكما جوهرياً في قيمة اللون، ويمكن الحصول عليها في العمارة من لعبة النور والظلال التي تكتنف تركيب العناصر المعمارية في الخارج في حركة القباب والأقبية ثم في تفاصيل المشربيات وتدرج أجزاء البناء التكعبية والأفاريز والحنايا وطرز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع بحث الألوان والضوء في مختلف الكتب التي تتحدث عن الفيزياء، والمورد: 3/59 والموسوعة العلمية الشاملة: 202 وغيرهما.
(323)
الخطوط أو في السطوح الداخلية المنحوتة الناتئة ذات البعدين أو حتى من خلال لعبة التناوب في المقرنصات، وفي حركة الظل هذه تكمن إحدى خبايا الجمال المعماري والفني في إبداع الفنانين، وبالأخص المسلمين منهم حيث يصنف الفن الإسلامي من الفنون التي استثمرت لعبة المعتم والمضيء هذه والتي تعد من القيم اللونية التي كان المصريون القدامى يستخدمونها للحصول على الألوان غير متدرجة ومسطحة.
وعلى أي حال فإن طبيعة الألوان ومواصفاتها تتحكم في الجانب البصري والجمالي والشعوري بالفضاءات المعمارية للبناء ويمكن للمعمار الحاذق أن يكرس ذلك العمق الجوهري في إظهار السطوح والحجوم بتأثر ألوانها الطبيعية أو المكتسبة في المعالجة، وفي هذا المجال يتطرق الدكتور على الثويني(1) إلى العوامل والخصوصيات المنهجية التي تتكرس في العمارة الإسلامية فيما يخص تلك المعالجات التي ذكرناها في الآتي:
1- احترام الأذواق المخزونة في الذاكرة الشعبية للشعوب الإسلامية وعدم المساس بموروث الثقافات القديمة ولكن لا يلغي ذلك التأثر الوارد من روح الإسلام وألوانه المحبذة الواردة في القرآن الكريم بما رمزت ودلت وتداخلت في النفوس.
2- تحاشي إعطاء مواد البناء صفة جديدة تختلف عن خواصها الطبيعية ودون تزويقها بطلاءات تخبىء عيوبها، وما ذلك إلا إنعكاس لخطاب أخلاقي يكرس صدق السجايا واجتناب النفاق، وبالمقارنة مع الإغريق فإن الفرنسي غوستاف لوبون(2) في «حضارة العرب» يصفها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) علي الثويني: هو ابن .......... ولد في بغداد سنة 1377هـ (1957م) وتخرج من معاهد بوخارست – رومانيا – نال شهادة الدكتوراه عن العمارة الإسلامية، كاتب ومؤلف، من آثاره معجم العمارة الإسلامية، والعمارة الإسلامية بين التراث والمعاصرة، وهو الآن يسكن في السويد.
(2) غوستاف لوبون: (Gustavus Lebon) ولد في سنة 1257هـ (7/5/1841م) في نوجنت لوروترد بفرنسا وتوفي سنة 1350هـ (1931م) كان من فلاسفة علم الأجتماع الفرنسيين، له اهتمامات واسعة بالحضارات الآسيوية والافريقية بالإضافة إلى الحضارة الأوروبية، كما له آراء في الحضارة العربية والإسلامية، وفي سنة 1313هـ (1896م) وضع دراسة ناقش فيها «الإشعاعات»، وسماها الضوء الأسود.
(324)
بالألوان التي يراد منها التستر على العيوب.
3- تكريس حالة الأداء المثالي لمواد البناء ويتمخض ذلك من التحكم في توجيه المبنى بحيث يعطي أحسن النتائج البصرية وخاصة إذا علمنا أن شدة الضياء الشمسي يختلف مردودها من حيث الاتجاهات، فمثلاً اللون الأحمر تقل الحمرة فيه في الواجهة الشمالية عنها في الواجهة الجنوبية التي يبدو فيها أكثر احمراراً ولدينا أحسن مثال يمكن الاقتداء به من حيث تحقيق تلك المثالية لدى معالجة واجهات مدرسة السلطان حسن(1) في القاهرة المبنى عام 758هـ (1356م) ولاذي اختير لكل واجهة نفس الحجر الواقع بنفس الاتجاه في مقلع الحجارة في الجبل لكي تختفظ بنفس المردود وانعكاس اللون الطبيعي.
4- اختيار الألوان الهادئة الباردة في المعالجات الداخلية حيث يختفي تأثير النور الطبيعي بغرض خلق أجواء إنسانية صميمة قريبة للنفس ومؤنسة لها، وأهم تلك الألوان الأزرق والأزرق الفيروزي والأخضر والتي لها تأثير نفسي مركب على النشاط العضوي للجسم مثل ضغط الدم وارتخاء العضلات، أو حتى من خلال المعالجات بالنحت الناتىء والزخارف المحفورة التي تلعب درجات الظل فيها الدور الجمالي.
5- استعمال الألوان المستقاة مباشرة من المحيط البيئي في عملية التزويق، وعدم التمادي في الاتكال على اصباغ لونية مجلوبة من بيئات ثانية، ولاسيما لدى العامة.
6- تنويع المدى اللوني في المعالجات الزخرفية وإثراء الحالة الاختيارية الموسعة والمتجانسة في أجزاء الزخارف الناظمة والأطباق النجمية، بحيث تهب حداً غير محدود من الخيارات الإبداعية.
وعن ارتباط الألوان بالجمال من ناحية وارتباطها بالهواجس النفسية يقول الثويني:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مدرسة السلطان حسن: هي المدرسة الحسينية التي انشأها السلطان حسن حفيد محمد بن قلاوون في القاهرة، وكانت مخصصة لتعليم العلوم الإسلامية – راجع الجزء الرابع من كتابنا الحسين والتشريع الإسلامي.
(325)
ويجدر أن نذكر هنا موقع اللون في علم الجمال والتحليل النفسي، وأن وجود المعالجات الفنية يقع على نقيض من الاقتصاد حيث لا يعمل بالقوانين الطبيعية العامة للوجود، بل يهتم بالواقع المحسوس الذي يصبح من خلال الإدراك الجمالي للموضوع أمراً ممكناً وضرورياً له، وهذا يشير التساؤل عن أي الألوان هي الأجمل؟. ويقول بهذا الصدد العالم النفساني الألماني فشنر(1). «صحيح أن اللون الأحمر جميل إذا ظهر على وجنة الفتاة، ولكنه ليس جميلاً إذا برز في ارنبة الأنف»، وهكذا نحس بجمال اللون من خلال مضمونة وأهميته، وبذلك يكون الغسق الأحمر مختلفاً عن إحمرار الوجه البشري.
ويتحدث عن فلسفة الألوان فيقول:
وللطبيعة المحيطة وصورة الكون حضورهما في المدى الفلسفي للألوان، فالأزرق يلقى الحظوة لارتباطه بالسماء ولون الماء الذي هو جوهر الحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)(2)، وبذلك جاءت الحظوة متداخلة مع روح الإسلام القادم من الصحراء وتماشياً مع الحس البارد المنعكس من طبيعة اللون الأزرق المحبب لأهل هذه البيئة الحارة، وقد انتقلت هذه الحظوة حتى على الشعوب التي تقطن البيئات الأكثر اعتدالاً أو الباردة مثلما حدث لفنون آسيا الوسطى والقوفاس وتركيا والبلقان والتتار في روسيا وبولونيا، وخير الأمثلة للعمائر الزرقاء نجدها في مجموعة مساجد تبريز وقونية(3) وبورصة(4) واسطنبول وسميت بالجامع الأزرق بسبب ما غشيت به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فشنر هو غوستاف تيودور: (Gustave Theodor Feshnar) ولد في بروسيا (المانيا) سنة 1222هـ (1807م) درس الطب أولاً بجماعة لايبزك، ثم درس الفيزياء والرياضيات، وقد أصدر أكثر من أربعين مؤلفاً بالإضافة إلى رسائل أخرى، وقد اهتم بالفسلجة كما اهتم بالألوان وتأثيرها في النفس وفي سنة 1246هـ (1830م) وضع رسالة في الألوان، ثم رسالة في تأثير الصور وذلك سنة 1256هـ (1840م) وتوفي سنة 1305هـ (1887م).
(2) سورة الأنبياء، الآية: 30.
(3) قونية: مدينة تقع في وسط تركيا في القسم الآسيوي كانت تسمى قديما ايقونيوم، وكانت عاصمة لدولة الروم السلجوقية.
(4) بورصة: أو بورسة أو بورسا، مدينة تقع في غربي تركيا في الجانب الآسيوي، اتخذها العثمانيون عاصمة لهم قبل فتح القسطنطينية.
(326)
من القاشاني الأزرق، ومن أبرز ما يميز المناظر في العمران الإسلامي هي ألوانها الفاتحة، ويعزو البعض من منظري الفن الإسلامي إلى أن ذلك يرجع إلى الفطرة البدوية التي جبل عليها في بيئته الصحراوية المضيئة الساطعة، وهكذا اعتبر الوديان المعشوشبة الواقعة عند أطراف جزيرته ذات صفة لونية داكنة يصل حد الظلمة، حتى دعاه ذلك إلى أن يكني العراق بأرض السواد.
ويعتبر الأخضر في المنظور الإسلامي اللون المهيمن دائماً على الألوان الأصلية الثلاثة، وهي الأزرق والأخضر والأحمر، المتواجدة في لون الطبيعة، أما امتزاج الأصفر والأزرق فينتج عنه اللون الأخضر، الذي يرمز للأمل والخصوبة والخلود المرتبطة أساساً مع بعدي اللونين المكونين له وهما الأزرق، الدال على الماضي والأصفر الدال على المستقبل، وما يعاكسهما في ذلك والذي يمثل الزمن الحاضر فيبدو أحمر اللون، ويجدر بنا أن نلاحظ أن اللون الأخضر، يمهد الطريق لحلول الألوان الفيروزي والنيلي ومن ذلك جاء وصفهم للسماء بالقبة الخضراء.
ويعتبر المنظر الألماني إتينغوسين(1) أن استعمال اللون في العمارة يمثل «إنجازاً إسلامياً محضاً» ويضيف في ذلك: «إن خصوصيته تكمن في أنه يغاير ويناقض الكبت أو القيود اللونية التي مورست على البنايات الغربية»، ويضيف في ذلك: بأن جل المناظر في الأقاليم الإسلامية، التي تمتد من الأطلسي إلى بحر الصين، يمكن أن تتميز بأنها قاحلة حارة، وأن تلك المساحات الجدباء تحوي بضع ميزات لونية خاصة، ومن المعالجات التي تعتبر مجلبة للراحة البصرية والمتعة للمسافر المرهق الذي قطع الفيافي، ثم ولج إلى اللون الطيني المميز لسحنة المدن، فكانت المعالجة باللون الفيروزي المجسدة في قبة أو سقف مخروطي لضريح أو جامع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إتينغوسين: هو ريتشارد (Richard Ettinghausen) المولود في فرانكفورت سنة 1324هـ (1906م) نال شهادة الدكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي منذ عام 1350هـ (1931م) ويعد أحد كبار المختصين بالفن الإسلامي، وضع أكثر من عشرين دراسة عن الفنون الإسلامية، كنوز الفن التركي، الفن الإسلامي، وقد شارك في العديد من المعارض المختصة بالفن الإسلامي.
(327)
محلي قاطعاً به دابر الملل وكاسباً راحة النفس.
ومن هنا نجد أن المعمارين الإيرانيين نادر أردلان(1) ولاله بختيار(2) وصفا المعالجات اللونية الإسلامية، بما يسمياه «انسجام التضاد»(3) الذي حققته تلك المعالجة حيث نجد الخيمة الفيروزية البادية لسقف جامع يمكن أن تزيد في الراحة بالتضاد مع النبرة الصفراء والصفراء الداكنة المنعكسة عن البيئة القاحلة المحيطة. إن ذلك التضاد والمعاكسة يهبان للناظر تدرجاً لونياً أكتف وأعمق. والمعماران ينحيان منحى صوفياً في التقاليد اللونية الإسلامية الموروثة التي يمكن اعتبارها نموذجية بالارتباط والتداخل مع السجية الغيبية والتي تدخل في نطاق ثنائية الضوء والظلمة كاحتمالات دائمة ومستترة في النموذجية السماوية، وهما يركزان على نظامين من اللون عندما يجتمعان يشكلان مجموعة من سبعة أشكال: أبيض وأسود، لون الصندل، أحمر، أزرق، أخضر، وأصفر. وبتوافق مع المنظر التقليدي، فإن كل لون من هذه الألوان يعتبر ممثلاً للأجواء الصميمة وعاكساً لخصائصها.
هذا واستثمرت غزارة الألوان في العمارة الإسلامية بحذاقة في التزيين الخارجي والمعالجات الداخلية لبيوت الله، وذلك باستعمال التزجيج المعشق وقمريات اليمن الذي ينسق ويتألف مع الفسيفساء الذي يغلب عليها اللونين الأزرق والفيروزي الغامق، وتعكس مجموعات كلتا الألوان المماثلة والمتعارضة ما هو موجود في الطبيعة، ومن خوصا الزخارف الإسلامية الصميمة هي تراص الألوان المتعاكسة وتجانسها في المساحات الكبيرة بحيث تتشابك بتناغم مع المساحات البارزة والمنفرة لتخلق انطباعات لونية أخاذة.
ومن الهواجس الروحانية المنعكسة في التلوين نجد أن الصناع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نادر أردلان: مهندس معماري إيراني معاصر، شارك زميله لاله بختيار في تأليف كتاب إحساس الوحدة (The Unity Sense).
(2) لاله بختيرا: مهندس معماري منظر من إيران ومن المعاصرين.
(3) راجع كتاب إحساس الوحدة(نادر أردلان ولاله بختيار).
(328)
المسلمين قد استعملوا اللون الذهبي، بحذاقة وقدروا خواصه لدى تجانسه مع الألوان الباردة الأزرق والأخضر والبنفسجي، ولكنهم بقوا متوجسين وحذرين من عدم انغامسهم وتماديهم في استعماله لكي لا يصب في خانة تقليد فن الأيقونات المسيحية البيزنطية. وهذا ما دعاه المنظر الألماني إتيغوسين بالـ«الحافز التزييني» الخاص بالفن والعمارة الإسلاميين الذي جاء إظهاره صريحاً أكثر من أي فن من فنون الشعوب الأخرى.
ويورد لنا المنظر الفرنسي «غوستاف لوبون»: من أن الألوان التي استعملها العرب في مصر هي الأحمر والأزرق والأصفر والأخضر والذهبي.
وأثبت «أوين جونس»(1) الذي بحث في أواسط القرن التاسع عشر خصوصيات الفنون والألوان في قصر الحمراء في غرناطة وشارك في ترميمها واصفاً إياه: إذا استثنينا المينا أو القاشاني الذي يغطي أسفل الجدران لم يستخدم العرب في قصر الحمراء سوى الألوان الأزرق والأحمر والذهبي أي الأصفر فرتبت هذه الألوان بذوق حاذق حيث أحدث اللون الأحمر في أساس نقوشه وصبغت حواجزه الجانبية باللون الأزرق على مقياس واسع لتعديل التأثير الناجم عن الأحمر والذهبي وفصل بعض الالوان عن بعضها بعصائب وضفائر بيض أو بظل نتوء الزخرف، وإن ما نرى أثره في القصر من اللون الأخضر أو الأسمر أو الأرجواني فقد جاء من الترميمات السيئة التي قام بها الإسبان خلال توجدهم في القصر لاحقاً، ويمنحك اللون في قصور الحمراء انطباعاً بأنه لا يحمل وظيفة فنية قائمة على عنصر الزخرفة فحسب، بل إن له بعداً فلسفياً أيضاً، فاللون له علاقة بالضوء، إنه أحد مكونات الطيف الشمسي، فالضوء في الفلسفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أوين جونس: (Owen Jones) ولد سنة 1224هـ (1809م) ودرس الفنون في جارت هاوس، وفي الأكاديمية الملكية في المملكة المتحدة ما بين (1831 – 1825م) وفي سنة 1248هـ (1833م) قام بجولة في الشرق الأوسط ورسم المناظر الطبيعية بالألوان المائية، كما زار سنة 1249هـ (1834م) إسبانيا وبحث في خصائص الفنون والألوان في قصر الحمراء في غرناطة، وقد عرف بأنه أشهر مصمم للتصاميم والنقوش الداخلية، توفي سنة 1291هـ (1874م).
(329)
الإسلامية رمز للنورانية، وهذا يؤكد بأن حضور اللون هو بمثابة تعبير عن الوجود الإلهي، لأن اللون لا وجود له بدون الضوء.
ولم يخل عالم الألوان من الرمزية التي اختلفت في عقلية مختلف الشعوب حيث نجد بوناً شاسعاً بين الذوق الإسلامي بالمقارنة مع الأديان والثقافات الأخرى.. ونعتقد بأن في العقائد اليهودية والمسيحية شيء مما تشترك به في رمزية الألوان ومدلولاتها مع المفاهيم الإسلامية للألوان، يعود للصفة التوحيدية المشتركة والبيئة الواحدة التي خرجت منها الديانات السماوية الثلاث(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الموقع التشكيلي على الأنترنت.
(330)
جمالية القاشاني
لقد تحدثنا سابقاً عن القاشاني ضمن العناصر المستخدمة في عمارة الروضة الحسينية ولكننا الآن نريد أن نوجز القول في القاشاني الكربلائي من الناحية الفنية والجمالية لأنها هي التي اخذت الصدارة في العراق بعد أن توقف استيراد القاشاني من إيران لأسباب سياسية وتقنية والتي كانت من وراء تطوير صناعة القاشاني منذ عهد الحاج مجيد الكاشي(1)الذي كانت تربطني وإياه صداقة حيث تعاملت معه في تكليفه بصناعة القاشاني لإكساء جدران وواجهة مدرسة بادكوبة لهذه الغاية حيث كان الأبرز ممن تعلم هذه المهنة من الإيرانيين، فكان من أبناء مدرسة كاشان – الإيرانية – وتمكن في أن يطور عمله في هذا المجال ويعتمد على الأسس الصحيحة في هذا الفن وربما كان للأمور التالية دور في جودة القاشاني الذي كان يصنعه:
1- جودة الطين وخلطه وعجنه من قبل الاختصاصيين.
2- اختيار الرسوم والنقوش الجميلة من قبل الفنانين.
3- اختيار الألوان المناسبة للخطوط والنقوش.
4- خلطة الألوان والمواد المختارة لهذه الخلطة(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجيد الكاشي، كان في الثمانينيات الهجرية له من العمر في حدود السبعين عاماً وكان معمله كبيراً فيه أحواض خاصة لخلط الطين، وكان ذا مهارة وخبرة في صناعة القاشاني، يفد إليه من كل أنحاء العراق. وقد عاصره وورث منه كل من السيد إبراهيم النقاش ونجله جليلي والحاج حسين وعباس المعمار والحاج علي الدجيلي والحاج حسن جواد والسيد أمين غازي والسيد غازي المعموري وغيرهم.
(2) والذي هي عبارة عن أكاسيد كيمياوية من الكوبرت والمنغنيز والأنتيمون وأكاسيد أخرى.
(331)
5- مقدار طبخ اللبنات ودرجة الحرارة ودفعات الطبخة.
كل هذا له تأثير كبير في إنجاح عملية النوعية الممتازة التي تفوقت بها مدينة كربلاء.
وكنت ألاحظ في جلساتي مع المرحوم الحاج مجيد في معمله الكائن على مقربة من النهر الحسيني، أنه كان يختار على سبيل المثال التراب اللزج الذي تكون مواده المحية قليلة(1) ويعجنه بشكل جيد ويتركه أياماً ثم يعيد عجنه، ثم إنه كان لديه عدد من الرسماين يعتمدهم في اختيار الرسم المناسب للموقع الذي يريد أن يستخدمه، وربما أجرى عليه الكثير من التعديلات إلى أن يرتضي النقشة، وكنت ألاحظ أن خلطة الألوان عنده تأخذ منه وقتاً طويلاً لمزج بعضها مع البعض الآخر، وذلك لأن اختيار مادة اللون والخلطة له دور كبير في مسألة اللمععان ومقاومة أشعة الشمس وزخات المطر، بالإضافة إلى الجمالية، وكان يعتمد للقاعدة اللون الأزرق بشكل عام والذي يرمز إلى النقاء بالتوجه إلى أن السماء زرقاء اللون، والتي هي زينة لهذه الأرض(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إن التربة البكر تكسب المنظر الناصع البهاء والنقاوة وذلك بتخلصها من الأملاح والشوائب. وقد يغسل التراب عدة مرات لكي يتخلصوا من أملاحه وشوائبه.
(2) لقد نقل أحدهم أن القاشاني الكربلائي له أنواع متعددة من المقرنصات والكؤوس المقلوبة والقباب والكتائب والأواوين التي هي عبارة عن أقواس تبلغ 35 نوعاً أصعبها المعقود الثلاثي وهناك قوس ربع وثلث وقياسات أخرى – راجع مقال لكاظم ناصر السعدي.
(332)


جمالية الخشب


لقد استخدم الإنسان الأول الأخشاب بالموازاة مع التراب والماء لتأمين حياته واستكمال مسيرته، فكان الخشب من العناصر الأولى التي تعامل معها وبنى عليه حضارته وتطوره فاستخدمه لصناعة البيوت والتدفئة وصناعة السفن وهكذا، وما يعنينا هنا هو استخداماته للخشب في العمران، فقد كان الخشب أسهل السب وأقلها كلفة لتأمين سقف يقيه حرارة الشمس وبرودة الطقس بل وهطول الأمطار، كما واستخدمها في صناعة الجدران والأبواب ومن ثم الشبابيك، ومن هنا فإن الخشب رغم خشبيته فقد خضع للكثير من التطورات، وأهم هذه التطورات قطعة بالشكل الذي يريده المعماري لتأمين حاجته في البناء، ثم في مسألة الحفر والتطعيم والتركيبات المختلفة وإخضاعه لعملية التنقيش سواء بالخطوط أو الرسوم النباتية أو الحيوانية أو الأشكال الهندسية والتي سيأتي الحديث عنها عن قريب.
والاستخدامات الخشبية التي برزت كجزء من عناصر الهندسة المعمارية في العتبات المقدسة والتي منها المرقد الحسيني الشريف تمثلت في الأبواب الكبيرة للصحن الشريف والأروقة والروضة المباركة، وكذلك في الشبابيك المستخدمة للتهوية أو التنوير، بل وأغراض أخرى، كما تمثلت في صناديق الأضرحة بالإضافة إلى خزائن المصاحف وكتب الأدعية والتربة الحسينية، وكل هذه أصبحت قاعدة مستساغة للنقوش بمختلف أشكالها.
والقيمة الأثرية في العمل الفني المستخدم في الخشب تعتمد على عدة أمور أهمها ما يلي:
1- أن تكون نوعية الخشب من حيث المقاومة واللون والمطاوعة جيدة، ولقد تحدثنا عن الفوارق الرئيسية بين الأشجار والأخشاب المتخذة منها في الجزء السابق.
2- أن يتناسب مع المكان المستخدم لأجله من حيث العظمة والدقة فالأبواب على سبيل المثال في المباني العامة كالمراقد، لا بد وأن تكون
(333)
كبيرة وضخمة بحيث تكون لائقة بالصرح والمقام، فإن النفس البشرية تتأثر بالعظمة، والهيبة قد تتمثل بالكبر في أكثر الأحيان.
3- أن تكون النقوش المستخدمة توحي إلى دقة العمل ومهارة القائم بها، فلا بد من اختيار النقوش المناسبة للموقع المستخدم، فالباب قد يختلف عن الشباك، وعن السقف الخشبي بل وعن الضريح، فكلما كانت النقوش دقيقة كانت مبهرة للعقول وجاذبة للنفوس، والمعادلة نفسها تجري فيما إذا كانت هذه النقوش تتلاءم والموقع المستخدم لأجله.
4- عدم بروز مسام ما بين الأخشاب، بل يفضل أن يكون الخشب لوحة واحدة مما يزيد في قيمته المادية والمعنوية.
5- الاستفادة من الألوان التي تتمتع بها الأخشاب حسب أصولها فهناك اللون البني الغامق كخشب الصاج وآخر فاتح كخشب الصنوبر، واللون الأبيض تجده في خشب شجرة النارنج وهكذا، وهذا عنصر مهم في مسألة تطعيم الأخشاب بعضها بالبعض الآخر، بالإضافة إلى استخدامات الألوان الزيتية والبراقة في مثل هذه اللواحات الخشبية.
إن الأخشاب المستخدمة في الروضة الحسينية سواء في صندوق الضريح أو الأبواب والشبابيك فإنها على العموم من النوع الفاخر بل الأفخر، وأما النقوش المستخدمة فيه بل الأعمال الفنية الخاصة بالخشب بالحفر والتخريم والثقوب والتطعيم سواء بخشب آخر أو بالأحجار الكريمة فهي إن لم تكن فريدة من نوعها فهي على الأقل في مصافها في حسابات هذا الفن على مدى التاريخ.
يبقى الحديث هنا عن طراز هذه الاستخدامات فالأبواب ونقوشها والأضرحة ونقوشها مختلفة بعضها عن البعض الآخر في الطراز المستخدم، ولمزيد من التوضيح فإن هناك أضرحة مسنمة كسنام الجمل وهناك ما هي مسطحة، ومن الملاحظ أن معظم الأضرحة التي تواجدت في اليمن أو في تركيا في الحجاز هي أضرحة مسنمة بينما أضرحة أهل البيت «عليهم السلام» في مختلف البقاع جاءت مسطحة، ولا نظن أن هذا مرتبط بالعقيدة المذهبية(1) أو بالمظاهر المميزة بين المذاهب الإسلامية كما هو الحال في المآذن في شمال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وربما كان لها ارتباط بالأحكام الفقهية حيث يكره عند الاثني عشرية أن تتخذ القبور مسنمة بل يستحب أن تكون مسطحة ولعل هذا سرى إلى الصناديق.
(334)
افريقيا والتي تحدثنا عنها في الجزء الأول من هذا الباب – وذلك لأننا نجد مثلاً في اليمن بعض أضرحة أئمة الزيدية مسطحة وبعضها الآخر مسنمة، كما نلاحظ أن العثمانيين وضعوا صندوقاً مسنماً على مرقد الرسول الأعظم (ص) في المدينة، ومثل هذا الأمر ينطبق على الأبواب والأضرحة وغيرها.
وعن هذا الطراز وتاريخه بالنسبة إلى الأبواب المستخدمة في الروضة الحسينية يحدثنا الأستاذ علي الثويني ويقول:
إن الأبواب المستخدمة في العتبة الحسينية الشريفة وكذلك سائر العتبات المقدسة الأخرى هي من الطراز الصفوي وجاءت عمارتها باسقة لتعلن فرزاً واستثناءً بصرياً لصرح تشد إليه الأبصار، ومن الجدير ذكره أن هذا الطراز هو حذلقة إنشائية للطراز العراقي الموروث التي نمت وأينعت في فارس خلال بعض الحقب التاريخية(1)، كما يدعيه علي الثويني.
وحسب التطور الذي واكبناه تارخياً لاحظنا أن القاسم المشترك بين الأبواب التي استخدمت في الروضة الحسينية بل في مجمل المراقد جاءت على طراز واحد تقريباً من حيث قيمتها الذاتية من جهة، أو قيمتها الجمالية حسب نظام القرب والبعد، فكلما اقتربت من الحضيرة كانت أثمن وأجمل، فأبواب الصحن بطبيعة الحال تقل أهمية عن أبواب الأروقة وهي عن أبواب الروضة وذلك للقرب الجغرافي بل المعنوي للمرقد الشريف.
ومن جهة أخرى فإن الأبواب بعدما كانت تستخدم من الأخشاب الثمينة مع التطورات التي كانت تخضع لها كل مرافق الروضة فتدرجت من الثمين إلى الأثمن إلا أن اتجاهاً آخر يمكن ملاحظته بشكل واضح وهو أنها تحولت إلى استخدام النقوش النباتية والرسوم الهندسية إلى جانب الكتابة، ثم تحولت إلى إكسائها بصفائح الذهب مع المحافظة على النقوش النباتية والرسوم الهندسية والكتابة، ومع هذا حافظت على نظام القرب والبعد، فأبواب الصحن في هذه الأيام تختلف عن أبواب الأروقة وكذلك بالنسبة إلى أبواب الروضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع جريدة المؤتمر اللندنية، العدد: 347، الصفحة: 8، التاريخ: 25/4/2003م الجمعة.
(335)112 113 114
نظرة إلى الأبواب والزخارف الحفرية المستخدمة فيها يمكن من خلالها تقريب الصورة إلى الأذهان ومن تلك أبواب الصحن الحسيني الشريف.

باب قاضي الحاجات للصحن الحسيني الشريف باب الكرامة للصحن الحسيني الشريف

باب القبلة للصحن الحسيني الشريف باب السدرة للصحن الحسيني الشريف
(336)