الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

اسم الکتاب : الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : دائرة المعارف الحسينية / المركز الحسيني للدراسات /لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

الكهربائية وذلك عندما تمكن اديسون(1) سنة 1296هـ (1879م) من اختراع المصباح الكهربائي، وهو في الواقع يتم عبر إمرار التيار الكهربائي في سلك شديد المقاومة من الانهيار وضعيف المقاومة من حيث التيار الكهربائي فيتوهج السلك ويرسل ضوءاً ساطعاً، ولأجل أن يكون ضوؤه الأقوى يملأ التجويف الزجاجي بغاز النيون أو ببخار الزئبق فالأول يستخدم في الأنابيب الطويلة الشمعة (النيون)، والثاني يستخدم في المصابيح العادية، وكلما تلاعب الإنسان بقوة التيار ونوع السلك ومقدار الغاز وأمور أخرى اشتد ضوؤه(2).
ح- مكبرات الصوت: قبل أن توصل الروضة بالطاقة الكهربائية كان المؤذن يرتقي المنارة ويقف أو يجول في مقصورة المئذنة ويقيم الأذان، وعادة كانوا يستخدمون من له صوت جهوري، ولكن بعد أن زودت الروضة بالطاقة الكهربائية ركبت مكبرات الصوت على سياج مقصورة المآذن وباستخدام هذه الطريقة كان صوت المؤذن يخرق الأجواء شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً.
ومكبرة الصوت (السماعة) تحتوي على ثلاثة أجهزة: اللاقطة والسماعة والجهاز، وحال هذه الأجهزة كحال الهاتف من حيث القوانين الفيزيائية ولكن ما يضاف عليه أن المجهار (السماعة) يكون على شكل بوق مخروطي الشكل يحول الإشارات الكهربائية إلى أمواد صوتية، تمر الإشارات عبر ملف حول رقبة البوق المخروطي يعمل كمغناطيس كهربائي إلى الخارج، وعندما يسري التيار في الاتجاه المضاد ينجذب البوق المخروطي إلى الداخل، وتتولد من ذبذبات البوق المخروطي هذه أمواج صوتية، وكلما اشتد التيار ارتفع الصوت(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اديسون توما: (Edison Toma) فيزيائي أمريكي ولد سنة 1263هـ (1847م) وتوفي سنة 1350هـ (1931م) مخترع لعدد من الآلات الكهربائية ومنها المصباح الكهربائي، وهو أول من حقق عملياً الفونوغراف.
(2) راجع المرو: 6/84، ومعلومات خاصة.
(3) راجع الموسوعة العلمية الشاملة: 157 وغيرها.
(250)
نكتفي بهذا القدر من الحديث عن العناصر والمواد والأجهزة المستخدمة في الروضة الحسينية لنتحدث عن الطراز المعماري والهندسة المعمارية والألوان والخطوط والنقوش.
(251)

(252)


الفصل الثاني:


توطئة
إن الحديث عن الفن الإسلامي بشكل عام يتطلب منا أن نتحدث عن مجمل الفن ومعاييره وقيمه وعناصره وتاريخه، وفي هذا الإطار نقول:
لقد تعرف الإنسان الأول على الطبيعة من خلال الشجر والمطر والحجر والمدر، والجبال والكهوف، والبحار والخلجان، والطيور والبهائم، والأسماك والحشرات، والشمل والقمر والنجوم، وتعايش مع النبات والجماد والحيوان وحركة الطبيعة بألوانها الزاهية وعلى النور والظلمة، وبدأ يحاكي ما يراه ويحاول أن يرسم ذلك في خلده ليظهرها بعد قرون من تطوره على جدران الكهوف أو على الرمال والأتربة، فثبت ما على الصخور وزال ما على الرمال، فوصلنا جانب من تلك مما يدل على محاولات الإنسان الأول للتعامل مع الفن بفطرته، ومن طبيعة هذه الرسوم يكتشف أنها كانت تجارب للسيطرة على الأقوى، حيواناً كان أو غيره، طبيعة كانت أو غيرها، كما ويظهر منها أن الداعي من ورائها لم تكن الزخرفة لأن طبيعة الزخرفة تقتضي أن تكون في العلن والظاهر، وأما هذه فكانت في ظلمات الكهوف البعيدة عن أعين المارة، وربما كانت مخيلته تبحث عن أشياء تربطه بالماورائيات التي لم يتمكن من التعرف عليها، وهذا ما لا يمكن البت فيه، وبتطور الإنسان أخذ يشعر بوجود قوى تفوق قواه، وأخذ يتخيلها بشيء من العظمة والريبة ويفرغ ما في مخيلته على أرض الواقع ليجده أمامه متى احتاج الإنابة إليه يكون قريباً منه، وربما سمع من الأنبياء، والرسل بوجود الله سبحانه وتعالى، إلا أنه بابتعاده عن
(253)
حضارة الأنبياء سواء بسبب ظلم الطغاة أو ظروف الحياة، أخذ الجوهر ونسي الصورة الحقيقية والخصوصيات، فتذكر أن هناك رب هو الأقوى والأقدر على فعل ما يري، ولذلك أخذ يمارس الوثنية من خلال الرسم ثم تطور ليخرجه من عالم السطوح إلى عالم الأحجام، فكان التمثال والصنم.
وتعامل هذا الإنسان مع الألوان فأخذ بالتجارب والصدفة يستعمل المادة نفسها لتلوين ما يريد تلوينه او تفخيم ما يرد تفخيمه، فكان الدم على سبيل المثال يمثل اللون الأحمر أو بالعكس، كما أن الحشائش تمثل اللون الأخضر أو بالعكس وهكذا..
ثم جاء من يكتب عن هذه الفنون ويرخها ويصنفها حسب المعطيات التي وصلت إليه ويضعها في ميزان العقل ويتصور مراحل الحياة البشرية من خلال بعض الآثار وبعض الدراسات ليقسمها إلى مراحل ليتمكن من التعامل معها، فنتج عنده العصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث، وعصر ما قبل التاريخ، وعصر ما بعد التاريخ، وأخذوا يقسمون الأخير حسب المعطيات الأكثر ولاأوسع إلى عصور مختلفة فتولد منها عصور سموها بمسميات قومية أو جغرافية، وما يهمنا منها الفنون التي ظهرت في هذا العصر ونسبت إلى الحضارات التي ظهرت على وجه الأرض والتي جاءت كالتالي:
1- الفن الفرعوني (المصري القديم)، وكانت تمتاز المعابد المصرية القديمة في غالبيتها بأن تأخذ مساحة طويلة الشكل هندسياً، وتقع أجزاؤها على محور واحد، ويتكون من فناء وبهو عظيم ذي أعمدة، ثم قدس الأقداس والذي يقع في آخر المعبد وهي مقصورة مستطيلة ذات باب واحد عادة يودعفيها تمثال الإله أو رمزه، وكان للأعمدة أهمية كبيرة في العمارة الفسيحة والمسقوفة، وكانوا يتفننون في أشكال هذه الأعمدة وطرازها، وعناصر الزخرفة كانت في اغالب نباتية وحيوانية وهندسية.
2- فن بلاد ما بين النهرين (العراق القديم)، بما أن حضارات ثلاث حطت في بلا الرافدين وهي السومرية والبابلية والآشورية فإن الفنون فيها تنوعت،رغم أن بداياتها كانت من عند السومريين أولى الحضارات التي
(254)
انطلقت من هناك فكان طراز المعابد(1) فيها قد بلغ طول قاعدتها 143 قدماً أي حدود 47 متراً مؤلفة من ثلاث أو اربع طوابق يبلغ ارتفاع كل طابق 18 قدماً أي ستة أمتار تقريباً وربما وصل عددها إلى سبع طوابق ويعلو هذه الطوابق قدس الأقداس وله طريق ملتو يصعد إليه، وقد استخدموا قوالب اللبن في البناء ثم كسوها بالقرميد الملون أو الخزف، وأهم العناصر المستخدمة هي العناصر النباتية والحيوانية والهندسية كما في الفن المصري القديم.
3- الفن الإغريقي القديم (والذي تجسد في بلاد الشام أكثر من غيرها) وقد استخدم الإغريق الأنواع الجيدة من الرخام الأبيض والمرمر والحجر الجيري الأبيض الناعم في البناء، وامتازت بجمال نسب أجزائها وجمال أبعادها ودقة تنفيذ نقوشها وزحارفها مما أعطاها في النهاية الشكل الذي أصبح مثالاً تحتذيه فنون أوروبا والعالم، وكان الإغريق يبنون معابدهم على قمم الجبال وهي في الغالب عبارة عن حجرة مستطيلة كبيرة بدون فتحات عدا باب صغير، وهي محاطة بالمرمر من جهاتها الأربع، ويحد المرمر من الخارج صف أوصفين من الأعمدة ويزين الواجهة من الأعلى بالجمالون المثلث الشكل مزخرف بأشكال الآلهة الإغريقية بأسلوب يجمع بين فني النحت والنقش البارز ويرتفع المعبد عن الأرض بثلاث درجات.
4- الفن الروماني (إيطاليا القديمة) يعتبر الفن الروماني استمرارً طبيعياً للفن الإغريقي حتى أن الكثير من المؤرخين يعدون الفنين فناً واحداً لانها حافظت على أساليب العمارة الإغريقية ثم زادت عليها بالإكثرا من استخدام العقود بين الأعمدة خاصة العقود النصف دائرية، كما أفرطت في استخدام القباب في السقوف وخاصة القباب نصف الكروية حتى أصبحت تلك العقو والقباب من أهم سمات ومميزات العمارة الرومانية، واختلف المعبد الروماني(2) عن المعبد الإغريقي بأن قاعدته تكون دائرية الشكل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كان المعبد يسمى عندهم بالزاقورة.
(2) يسمى المعبد بالبازيلبكا.
(255)
يحوطها ممر تحده الأعمدة ذات العقوذ نصف الدائرية ويعلوها القبة الكبيرة نصف الكروية.
5- الفن البيزنطي (تركيا القديمة) يعتبر الفن البيزنطي أصدق مرآة للكيان المركب الذي كانت تتألف منه الحضارة البيزنطية حيث تآلفت السمات ومميزات الفنون الإغريقية والرومانية مع فنون بلاد الشام وفارس ومصر وامتزجت بنسب متفاوتة ولكن كان امتزاجها امتزاجاً حقيقياً متكاملاً بعضه مع البعض الآخر، وكان لاختلاف العقيدة والآراء دور في تطور الحياة الفنية وبناء المعابد، وقد أضاف البيزنطينيون في عمائرهم إضافات تعتبر ناجحة، وكان من أهمها موازنة القبة فوق المربع حيث كانت الحاجة إلى إنشاء قبة نصف كروية فوق بهو ذي أرضية مربعة تعد ضرورية في بناء الكنيسة وكان لإنشاء مثل هذه القبة المطلوبة طريقتان: استخدام الأكتاف الكروية: وهي مثلثات ترتفع من أركان المربع وتنحني للداخل لكي تجتمع في دائرة، واستخدام الأركان المحرابية: وهي قبوات حنوية أي مجموعة من القبوات فتكون الواحدة منها حنية يعلوها قبو عبر أركان المربع أما في صورة رقبة مربعة، أو على نفس مستوى العقود الرئيسية.
6- الفن الساساني (الفرس القديم) تميزت الفنون المعمارية في هذا العصر بالعمائر والأبنية الضخمة والمحتوية على الأعمدة الرخامية والحجرية والطبقات التي غالباً ما كانت واجهاتها من الحجر أيضاً أو أن الطبقات كانت تبنى على الشكل نصف الدائري والحدبة والهلالية وكانت الطبقات والقباب تستخدم بشكل منفصل في العصر الأخميني ولكنها اتصلت ببعضها في العصر الساساني، وكانت الأعمدة تنتهي بتيجان ذات تماثيل حيوانية أو بشرية بارزة بينما كان الميل الأكبر نحو تمثيل الطبيعة في الرسوم النباتية المستخدمة في الجدران والسقوف ومن هنا كثرت النمنمات الزخرفية والتفاصيل الدقيقة في الأوراق النباتية والزهور.
وانتشرت هذه الفنون على وجه المعمورة تغزو بعضها بعضاً من هنا وهناك وتداخل بعضها بالآخر، ولم تعد متمسكة بجغرافية الأرض ولا بقوميات البشر، ثم لما ظهر الإسلام وانتشر في العالم وزحف نحو الشمال والجنوب، وصوب الشرق والغرب، والتقى بسائر الحضارات الأخرى
(256)
وتفاعل معها بالطبيعة التي يمتلكها، والروحية التي يتجلى بها انطلاقاً مما ورد في القرآن الكريم: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)(1) وما ورد في حديث علي «عليه السلام»: «انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال»(2) وإلى ما شاع مثلاً: «خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين»(3) فأخذ المسلمون يتعاملون مع كل معلومة بواقعية وموضوعية فيختارون ما هو سمين ويهجرون ما هو غث.
وبعد أن دخلت القوميات المختلفة دون استثناء إلى الإسلام وتأقلموا مع المفاهيم الإسلامية أخذ كل منهم يبرز عن خصوصياته، حيث وجد الإسلام لا يمنعه عن ذلك بل يشجعه فتكونت لدى كل قومية ذات حضارة قديمة أو ذات قابلية التطور أن تكون طرازاً خاصاً في الفن، ومن هنا توزعت الفنون الإسلامية إلى عدد من العناوين وكلها إسلامية:
1- الطراز والزخرفة الشامية (الأموي)، ومن مميزاته أن العمائر كانت عظيمة، استخدم في بنائها الحجر بارتفاع 80 – 90سم، وعقود محمولة على أعمدة رخامية وأغلب المساجد كانت مغطاة بأسقف خشبية مائلة على شكل جمالون(4)، وأما المآذن فكانت على شكل أبراج، وأنشأوا العقود نصف الدائرية والنعلية والمدببة والمستقيمة، كما استعملوا الروابط الخشبية بين الأعمدة والأقبية نصف الدائرية والتي بنيت بالحجر أو الطوب والقباب الخشبية والحجرية مستعملين القطاع الطولي للمخروط في تحويل الحجرة المربعة إلى دائرة، وأما بالنسبة إلى الزخارف فقد استعملوا الرخام المشقوق للحصول على تمايل زخرفي من تعاريجه الطبيعية وتغشية الجدران به، وكانت الجدران الداخلية تزخرف بالفسيفساء على نطاق واسع، كما واستعملوا الصور الجدارية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الزمر، الآية: 18 وقريب منه قوله تعالى: (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) [الأعراف: 145].
(2) غرر الحكم ودرر الكلم، رقم 1032.
(3) مصباح الشريعة: 49.
(4) ولا يخفى أن الشام كانت دائماً مصدراً أساسياً للأخشاب التي استعملت في حضارات الشرق الأوسط القديمة.
(257)

2- الطراز والزخرفة العراقية (العباسي)، ومن مميزات هذا الطراز أنهم استعملوا الآجر بدلاً من الحجر، والأكتاف بدلاً من الأعمدة وفضلت الزخارف الجصية على الزخارف الحجرية واستعمل التخطيط المستطيل، وبذلك شكل الطراز العباسي نمطاً فنياً جديداً يختلف عن النمط الذي ساد في الشام بل وغيرها من الأقطار الإسلامية كشمال إفريقيا والأقطار العربية التي حكمها الإسلام.
3- الطراز والزخرفة المصرية (الفاطمي)(1) امتاز هذا الطراز باستحداث الأروقة إلى جانب القاعات الكبيرة الواسعة لمزيد من الهيبة والأبهة ولاستعياب أكثر عدد ممكن من الحضور، كما واستحدثوا الأواوين الكبيرة المحاطة بالصحن واستخدموا العناصر المتوفرة من الصخور وغيرها في منشآتهم بالإضافة إل الفخار، وقد اهتموا بارتفاع العقود والطبقات، وبالكتابات القرآنية في المباني الدينية واستخدموا الزخارف النباتية أيضاً.
4- الطراز والزخرفة المراكشية (شمال إفريقيا) إن تاريخ الفن في الشمال الافريقي قد ترسخ بأصوله الفاطمية في المرحلة الأولى من تأسيس دولتهم هناك وورثها الآخرون ممن حكموا تلك البلاد وانتشروا على الساحلين وفي الداخل في الوديان وسفوح الجبال، فكانت القلاع والحصون والمدارس والمساجد مورد اهتمامهم. وفي مجملها فإنها اعتمدت على تصاميم الصالات والقاعات الكبيرة المسقفة بالعقود، والساحات المفتوحة وكانت مستطيلة وساحاتها مربعة الشكل مع وجود تحصينات لها واستخدموا الحجر والطابوق والخشب وغيرها، والعمائر في أغلبها متعددة الأعمدة والتي تعلوها وسادة واحدة، واهتموا بالزخارف الهندسية والنباتية والكتابات القرآنية بالخطوط المتداولة عندهم.
5- الطراز والزخرفة الأوروبية (الأسباني) بعد انتقال المسلمين إليها ودخول الأوروبيين إلى الإسلام بدأت في الغرب فنون مشتركة ومتداخلة تطبق على أرض الواقع فانشئت القصور والمساجد والمنشآت العامة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولا يخفى أن الفاطميين هم الذين بنوا الحضارة الإسلامية بها ثم جاء الأيوبيون والطولونيون والمماليك فقدموا ما لديهم من تطويرات.
(258)
طراز مستحدث متأثر بالحضارة الغربية. والذي عرف بالفن المجن فالبناء بالشكل العام كان يحتوي على عنصر الحجر والرخام واستخدموا الفسيفساء متأثرين بالفنون التي استوردوها من الشام ثم من شمال إفريقيا ليمتزج مع الفن البيزانسي القديم والفن البيزنطي، وأما هندسة البناء ففي الغالب جاءت مستطيلة الشكل إلى جانب قاعات مربعة الشكل والمعتمدة على الأقواس والقبب، ومحاطة بالأروقة وعدد من الممرات متأثرة ببعض الكنائس، ومنها مساحات مكشوفة أيضاً ربما توسطت المبنى، ولا تعود أهميتها إلى التخطيط بقدر ما تعود إلى طريفة توزيع المسطحات الزخرفية والمهارة في السيطرة على مادة الجص، وقد روعي من الناحية الإنشائية أن يكون التخريم والتفريغ في الزخارف الجصية على العقود والأقبية وسيلة لتخفيف الثقل عليها، ووزعت الزخارف توزيعاً مدروساً في إطارات وأشرطة وأفاريز وحشوات البناء لتبدو متماسكة غير مبعثرة ولتكون وحدة زخرفية لها كيان موحد، وفي الداخل استخدم الحوار بقوالب من الجص المزخرفة بالزخارف النباتية والهندسية المتداخلة على الخط الكوفي.
6- الطراز والزخرفة الإيرانية (الفارسي)(1) لا شك أن الحضارة الساسانية القديمة كان لها الأثر الكبيرفي الإنشاءات الحديثة حيث اندمجت الفخامة مع الجمالية ولكن اختفى الرخام والحجر كما في سابقتها لتعادلها الطابوق والآجر، وطرازها يحتوي على الساحة المركزية التي تبنى بالأقواس ويعلو هرمها القبب ويحيط بهما الأروقة والصحون ويتصدرها الدواوين الكبيرة، المرتفعة جداً، وتكسى الأرض والجدران بالرخام الإيراني ويستخدم القاشان المميز بألوانه الزاهية لإكساء ما يمكن إكساؤه بها والتي تشتمل على الزخارف النباتية والهندسية إلى جانب الخطوط المتداخلة، وربما بعض الرسوم الخفيفة للطيور والأزهار، والتي تطورت من عهد البويهيين إلى عهد الصفويين وأخذت في عهد القاجاريين تدخل فيها الكثير من الأقوام الأخرى التي حكمت إيران أو جاورت من المغول والتركمان، واستخدموا المرايا بألوانها الزاهية، والمبدع فيها هو التنسيق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطراز الفارسي: يشمل عصوراً مختلفة من عهد البويهيين ثم الصفويين ثم القاجاريين.
(259)
بين جميع هذه المكونات مع العناصر التي كونت المنشأة المطلوبة حتى أصبحت كتلة واحدة مشدودة بعضها إلى الآخر.
7- الطارز والزخرفة التركمانية (السلجوقي) لقد ازدهر الطراز التركماني المتمثل بالسلاجقة والغزنويين مجمل بلاد ما وراء النهر وامتد إلى الهند وإيران بل وغيرها، وكان في عهد الدولة الزنوية في أفغانستان الحالية ظهور بارز، وقد اتسعوا في البناء وضخموا في المداخل وتوسعوا في استخدام الزخارف البارزة كالنحت والحفر واستخدام رسوم الحيوانات واستخدموا الفسيفساء الخزفية والقاشاني في تزيين الجدران وعمل المحاريب الخزفية المسطحة مصحوبة بالأعمدة البارزة، كما واستخدموا الكتابة الكوفية المزهرة وخط النسخ التعليقي وظهرت آثارهم في العراق والشام والهند وأفغانستان وإيران وسائر بلاد ما وراء النهر.
8- الطراز والزخرفة الصينية (المغولي) رغم أن المغول كانوا من الأقوام التي تعيش في بلاد الصين إلا أن توجههم اتجه نحو بلاد ما وراء النهر وإيران وحتى العراق والهند فتأثرت فنونهم المعمارية بالحضارتين الصينية والفارسية، وما إن دخلوا في الإسلام إلا وأصبحوا يحكمون جزءاً واسعاً من بلاد الإسلام، ومن مميزاتهم استخدام الرسوم الحيوانية في الزخرفة فاعتنوا بالمنشآت العالية السقوف والواسعة الأرجاء ذات المداخل العالية والفخمة والقباب العظيمة والمنارات الأسطوانية التي تحف بالواجهة، وراحت هذه الطرز تنتشر في إيران وبخارى وسمرقند وبغداد وغيرها من المدن الإسلامية وتزايد عندهم زخارف المقرنصات، كما واستعملوا بالرخام والحجر والخشب في الزخارف وبالأخص في الأضرحة.
9- الطراز والزخرفة التركية (العثماني) لما استقر الحكم العثماني بفتح القسطنطينية واتخذوها عاصمة لهم بدأوا يبحثون عن كيانهم المستقل في العمارات والمنشآت فاعتمدوا في البداية الطراز السلجوقي فأخذوا يقيمون مساجدهم على أروقة محمولة على ألكتاف، وعلى كل مربع من هذه الأروقة قبة صغيرة يفرزها هذا النوع من الطراز الهندسي وفي رقبة كل قبة عدد من الفتحات لينفذ من خلالها الضوء، ورويداً رويداً تأثرت بالعمارات البيزنطية مثل أيا صوفيا، ومن هنا فقد يلاحظ وجود عقود
(260)
مسدسة إلى غيرها من المميزات، وقد استعملوا الرخام والجص والزخرفة النباتية والهندسية ثم الكتابات الدينية، كما واستخدموا الصحون والأروقة والساحات المكشوفة والمغطاة بالقبب.
10- الطراز والزخرفة الهندية (التموري) لا شك بأن هناك تشابهاً بين الطراز الهندي والإيراني وبالأخص الصفوي منه، ولكن هذا لم يمنع من ظهور شخصية هندية مستقلة استمدت مقدماتها من جذور الفن الهندي القديم وتقاليد الصناعة الهندية، ومن هنا نجد أن القبة الهندية أخذت شكلها البصلي وأصبحت الحنايا الغائرة والأروقة المكشوفة تلعب دوراً إنشائياً أساسيا إلى جانب الدور الزخرفي التشكيلي واستخدموا فيها الأحجار الرملية ذات الألوان المختلفة الأحمر والأصفر بل وغيرهما، وأمتاز هذا الطراز بستخدام العقود المشرشرة بكتاف ضخمة ومغمورة بالزخارف، كما واستخدموا صناعة التخريم في الكسوة الرخامية في حشوات النوافذ والتكعبيات لزيادة الجمالية(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) استعنا بهذه التوطئة من العديد من المصادر كان من أهمها: الفن الإسلامي أصوله فلسفته مدارسه، مساجد إيران، تطور العمارة الإسلامية في إسبانيا والبرتغال وشمال افريقيا، المحاريب العراقية.
(261)

(262)


الفن الإسلامي


إن الفن الإسلامي الذي تحدثنا عنه بإجمال بعدما أخذ طريقه إلى الوجود وأصبح مميزاً عن غيره يمكن أن نلقي الضوء الكاشف عنه من خلال جملة من الأمور:
1- معايير من الفن الإسلامي: ويمكن أن يقال بشكل عام أن الفن الإسلامي استبعد تصوير المخلوقات الحية لاعتبارات دينية، وبالأخص في الأماكن التي لها قدسية دينية وروحانية خاصة، وإذا ما ظهر في بعض المنشآت والآثار فهي المباني والعمائر غير الدينية كالمستشفيات والقصور والحمامات والمباني الحكومية.
وإذا نظرنا إلى الفن الإسلامي نجد أيضاً أنه ابتعد عن القسم المجسم للفن في المخلوقات الحية بل إن الابتعاد عنها كان أشد من مجرد رسمها وذلك لوجود نصوص شرعية وردت في هذا الجانب ومن هنا نجد أن الفن الإسلامي توجه نحو النباتات والخطوط والأشكال الهندسية سواء في مجال الرسم المسطح أو التمثيل البارز.
كما ويمكن ملاحظة أن الفن الإسلامي بشكل عام عزف عن الاستغراق في مباهج الحياة في المنشآت الدينية كالمساجد والحسينيات والمراقد وأماكن الذكر والدعاء والوعظ ولكن ما يميز هذا الفن وجود حالة التوحد والتمازح بين أشكال الزخرفة فقد تمكنت من دمج الرسوم النباتية بالأشكال الهندسية مع الخطوط المتنوعة ذات المرونة في الاندماج.
2- القيم التشكيلية في الفن الإسلامي: إن الجمال يتحقق إذا ما تمكن الفنان من الجمع بين عدد من الأمور التي تشكل لفنه قيمة يمكن البناء عليها كقاعدة مميزة من بين الفنون الأخرى، وقد سبق وقلنا: إن من مميزات الفن الإسلامي هو التمازج، ولكن كيف يمكن إعطاء قيمة واقعية
(263)
لهذا التمازج، ومن الملاحظ أن أي عمل فني تشكيلي لا يخلو من بعض العناصر الفنية التشكيلية والتي لا تتعدى الخط والمساحة واللون والشكل ولانور وملامس السطوح والحيز، وإن كل عنصر من هذه العناصر المستخدم في الفن لا بد أن يحقق نوعاً من الإيقاع في ذاته ومع سائر العناصر الأخرى التي تكون وحدة العمل الفني، والإيقاع في الفن الإسلامي يعتمد على التماثل والتناظر والتبادل.
والإيقاع هو المطلوب من الفن حيث يضفي على اللوحة قيمة فنية قد لا تقيم بثمن، وهذا هو المطلوب في الفن الإسلامي، والملاحظ من إبداعات الفنانين المسلمين طيلة التاريخ الإسلامي.
وعلى سبيل المثال إذا تتبعنا وظيفة الخط في الفن الإسلامي نجد أنه يلعب دوراً أساسياً في تمازجه مع سيقان النباتات وأوراقها فيعطيها بعداً آخر قد لا نجدها في الخط لوحده، وبشكل عام فإن نمطين من أنماط الخط مستخدم في الفن الإسلامي.
أولاً: الخط المنحني الطياش الذي يدور هنا وهناك متجولاً بحرية في المجال المتاح له دون الخروج عنه، وآخر: الخط الهندسي الذي يوظف لتحديد المساحات وتكون الأشكال الهندسية فيما بينها قد تكون من بينها النجوم المختلفة الأشكال وقد تكون أشكالاً مضلعة ذات زوايا أو دوائر، ومن المعروف أن الخط الهندسي يعطي إحساساً بالاستقرار والثبات.
ونستعرض مثالاً آخر من هذه العناصر التشكيلية هو اللون الذي يعطي للزخرفة بعداً آخر، وذلك باختيار هذا اللون أو ذاك أو خفة اللون أحياناً وشدته أحياناً أخرى ومن المعلوم أن مصدر جمال الكثير من الأشياء مستمد من الألوان المستخدمة فيها مع عامل الانسجام، والفن الإسلامي لم يبعد عنصر اللون من التعامل بل استخدمه كعنصر أساسي في تلقين المشاهد وتحسيسه بتقريب فكرة أو إبعادها حسب اللون المستخدم على أرضية أخرى.
ومن ناحية فإن اللون في كثير من الأحيان يؤدي وظيفة النور، كما تؤدي إلى الظل حسب استخدام تلك الألوان، ومن هنا نجد أن
(264)
الظلال التي يصورها اللون قد لا تساعد على التجسيم فقط، وإنما وظيفتها جمالية تشكيلية فضلاً عن أنها تساعد في توضيح مستويات السطوح المختلفة والقليلة البروز.
ويعد الفن الإسلامي من أغنى الفنون في سطوح المباني وغيرها، إذ إن الفنان يستفيد من كل زخرفة أو لون أو مادة مستخدمة في عمله لإناء المسطح، مستغلاً القيم اللمسية لسطوح الخامات الطبيعية منوعاً بذلك في اتساع العنصر الزخرفي أو دقته في ظل الذي تلقيه العناصر على الأرضية التي استخدمها، ليكون بذلك الجمالية المطلوبة ويصل إلى أعلى قيمة جمالية من الملامس.
وأما العناصر المستخدمة في الفن الإسلامي فسبق وأشرنا إليها وهي النبات والهندسة والكتابة وكلها تشكل الثالوث الغني على أرضية مختلفة مستمدة من الطبيعة التي ألهمته ذلك، مما يزوده الحجر والخشب والخزف والجص ومولداتها.
(265)


عناصر المعمارية الإسلامية


لا شك أن للعمارة الإسلامية شخصيتها وطابعها المميز يمكن ملاحظتها بمجرد النظرة إليها وإن كانت في العمق غير الإسلامي، سواء أكان السبب من وراء ذلك، التصميم الإجمالي أم العناصر المعمارية المميزة، أم الزخارف المستخدمة. والمباني التي استحدثت بشكل عام على مدى التاريخ الإسلامي تجسدت في المنشآت التي أفرزتها الحاجة الإجتماعية – بغض النظر عن الخلافات الدينية حول بعضها – وهي: المساجد، المراقد، الحسينيات، التكايا، دور الإمارة، وقصور الخلفاء، الخانات، الحمامات، الأسبلة، الأربطة، القياسر (القياصر) التي هي عبارة عن أسواق كبيرة – الأقرب إلى السوبر ماركتات الحديثة – دور السكن.
وأما العناصر التي استخدمت في أبرز هذه المرافق الحيوية والذي لا يختلف عليها اثنان من حيث شرعيتها وأصالتها هي المساجد ثم المراقد فقد احتوت على صالة الصلاة، المحراب، المنبر، الصحن، الميضاة، المئذنة، القبة، الباب، الإيوان، الضريح، والرواق.
وقد احتوت هذه المرافق على العديد من الخصوصيات كالأعمدة، والطيقان، والعقود، والمقرنصات، والمقصورات، إلى غيرها من العناصر التي باتت جزءاً لا يتجزأ من معالم هذه المنشآت والتي منها القاشاني، والمرايا، والرخام، والذهب، والفضة، وما إلى ذلك مما تعد من حفريات الزخرفة كالألوان، والرسوم النباتية، والأشكال الهندسية، والكتابات القرآنية، وعناصر أخرى جمالية مما يحتاج إلى بحث مفصل حولها، وقد سبق وتحدثنا عن بعضها وسنذكر طي أبحاثنا بعض الآخر منها تاركين التفصيل عنها إلى المفصلات حتى لا نخرج عن الموضوع، ونكتفي هنا بما هو ضروري بيانه لفهم واستيعاب ما من هذا الفن في هذه الأضرحة المباركة والتي أهمها مما هو داخل في اختصاصنا ألا وهو
(266)
المرقد الحسيني الشريف ليتبعه سائر العتبات المقدسة للذين حضروا كربلاء مستشهدين أو مأسورين.
(267)


الطراز المعماري


إن الطراز المستخدم في العتبة الحسينية الشريفة لا شك أنه طراز إسلامي بامتياز، وإذا صح التعبير عن مثل هذا الطراز في مجال التخص بالطراز الإسلامي الشيعي الخاص بمراقد القيادات الشيعية، والتي ظهرت في إيران والعراق وسوريا ولبنان وطبقت على أرض الواقع في مقامات أهل البيت «عليهم السلام»، ويعود جذورها إلى القرن الأول الهجري الذي أمر المختار الثقفي بإنشاء القبة الأولى في الإسلام على المرقد الحسيني، ثم جاء العباسيون والديالمة والبويهون فاقاموا بناء هذا الصرح المبارك كل في عهده وقد تمازجت هذه الطرز بعضها مع البعض الآخر حتى تشكل هذا الطراز الخاص، وكان له تأثير على باقي المقامات والعكس أيضاً صحيح.
وحتى نكون دقيقين في هذا المجال لا بد من الإشارة أن هناك تمازجاً آخر حدث وهو التمازج بين المراقد والمساجد، وكلاهما معاً لهما جذور تركت تأثيراتها وإلهاماتها على هذا الطراز الذي وصلنا، بل لكل عنصر من عناصره، وأي جزء من أجزائه امتدادات تعود إلى أحد الجذور السابقة
فبعد عصر التقشف الذي عاشه العصر الرسالي ثم الراشدي وكان فيه من البساطة في التصميم والذي كان فيه طابع من البدوة، والبدائية، إلى العصر الأموي الذي بني على الحضارة البيزنطينية بإدخال تعديلات من وحي الشريعة الإسلامية، إلى العهد العباسي الذي شيد مجده على الحضارات الإقليمية وبالأخص حضارة وادي الرافدين والتي مزجت بين فنونها وفنون الحضارة الفارسية وبين ما ورثوه من الأمويين، بل وكان للفاطميين وغيرهم في مصر وشمال إفريقيا دور كبير في تطوير مجمل الفنون المعمارية في الإسلام حيث بنى هؤلاء حضارتهم على أرضية حضارة
(268)
الأقباط والفينيقيين والبيزنطينيين، وتمازج مع حضارة الأندلسيين إلى أن تمازجت فنون هذه الحضارات في فنونها المعمارية مع التأثيرات الكبيرة التي وردت من الحضارة الفارسية والتي هي وريثة حضارات سابقة كما ومتأثرة بالفنون الهندية والمغولية.
ونلاحظ أن المغول الذي حكموا العراق وإيران والهند أخذوا الكثير من فنون حضارتهم من الصينيين، والفرس عندما حكموا العراق أيضاً أورثوا العراق الكثير بل معظم وجوه الفنون المعمارية، ولا ننسى دور العثمانيين والسلاجقة المتأثرين أصلاً بالمغول والأرمن، والهنود الذين أيضاً تأثروا في فنونهم المعمارية بالمغول، وجاء الدور القاجاري ومن بعده الصفوي ليكون على أرض الواقع نسبة كبيرة من هذا التمازج وذلك لأسباب تاريخية وجغرافية وعقائدية.
إذا فالطراز الإسلامي هو طراز مميز لأنه جمع بين معظم الطرز القديمة الموروثة من الحضارات السابقة على الإسلام فأضفى عليها مسحة إسلامية وذلك على أيدي وأفكار المبدعين الإسلاميين، وتطويرهم هذا واكب حاجة المسلمين وخصوصياتهم فاستقل لنفسه، وأعطى الحرية لكل إقليم وقوم: أن يغلبوا عليها بعض رغباتهم التي تتناسب مع مناخهم الطبيعي وإرثهم الحضاري، فأصبح مجموع هذه الطرز المعمارية طرازاً إسلامياً لا غبار عليه، وجاء الصفويون ليعطوا زخماً كبيراً في هذا التوجه، ويبتكروا طرازاً خاصاً لهذه المقامات الشريفة، ما دفع بالآخرين من أتباع الديانات الأخرى أن تتبع هذ الطراز على مقامات أئمتهم، كما نشاهد ذلك في مرقد أبي حنيفة وعبد القادر الكيلاني في بغداد.
وعلى سبيل المثال يمكن ملاحظة القاسم المشترك بين مئذنة جامع الخلفاء في بغداد ومئذنة المرقد الحسيني ولكن الذي يميزه المقصورة، وكذلك إذا ما لوحظت المئذنة في المرقد الحنفي فتجدها قريبة من المرقد الحسيني في الجوسق (قمة المئذنة) ولكن الأولى لا يوجد لها مقصورة، وهناك فارق آخر فإن المرقد الحسيني بل معظم مراقد أهل البيت «عليه السلام» لها مئذنتان خلافاً للقادرية والحنفية وغيرهما، فالمقصورة تعود في الواقع إلى الطراز المغولي، بينما وجود المئذنتين يعود إلى الطراز الصفوي وهكذا، إذ
(269)
إن كلاً من هذه الطرز اهتم بجانب من الجوانب العمرانية، فالمغول على سبيل المثال اهتموا بإنشاء أبواب، وقباب عالية، بينما امتاز الصفويون بالقباب الضخمة والأواوين، وقد أخذت الأروقة من إحدى هذه الطرز الإسلامية المخضرمة مع الحضارات السابقة بينما أخذ إنشاء الصحن المكشوف طرازاً آخر، وكذلك الحال في صناعة الأضرحة وصناديقها وهكذا، فالأقواس والقباب والممرات واستخدام القاشاني والمرايا والذهب والرخام بل والحفريات على المعادن والأحجار والأخشاب والجص وما إلى ذلك كل واحدة منها أخذت من بعض هذه الطرز الإسلامية، إلا أنها تجمتع في الطراز الإسلامي الشيعي وبالذات في عمارة مراقد أهل البيت «عليهم السلام» رغم اتحاد مختلف مراقد أهل البيت «عليهم السلام» إلا أن هناك بعض المزايا التي لا مجال لذكرها هنا.
وفي هذا الفصل لا بد من الإشارة ولو بإيجاز إلى بعض العناصر المهمة في تكوين الطراز المعماري في هذه المراقد وبالأخص مرقد أبي عبد الله الحسين «عليه السلام»، والتي منها: المباني، القبب، المآذن، والأضرحة.
(270)
المباني
نقصد بالمباني جميع ما يحتويه المرقد الحسيني بل كل المراقد من منشآت لها ارتباط بالمرقد من حيث الطراز المعماري ليشمل الصحن والأروقة والروضة وسائر المرافق التي تحيط بالمرقد أو تحتويها الروضة بشكل عام، والعمود الفقري في هذه المباني هو العقود التي تشكل مثل هذه المباني الأثرية.
وفي الحقيقة فإن المباني كانت تنشأ في الأزمنة الغابرة وفي الأعم الأغلب من الطابوق كما سبق وأشرنا إلى ذلك، ولكن الذي نبحث عنه هنا هو الطراز المعماري والذي يتجسد في الغالب على فتحات الأبواب والشبابيك وإقامة السقوف، ففي الغالب كانت تعتمد على أسلوب العقود والتي يمكن ربط الطرفين أو الأطراف بعضها بالبعض الآخر، وعندها يكون السقف أو قمة المبنى على شكل أقواس والذي هو العمدة في المنشآت الأثرية والمباني القديمة والتي تعد منها المساجد والمراقد، ولكن هناك بعض الملحقات قد يكون لها دور كبير في الطراز المعماري، وفي تشكيل المبنى يعتمد على السقوف المسطحة وعلى الأعمدة كما هو الحال في الإيوان القبلي في المرقد الحسيني وبالأخص الإيوان السابق، وفي الغالب تستخدم فيه الأخشاب سواء في السقوف أو الأعمدة، وهذا النوع من الطراز المعماري، استخدم في العهد الصفوي والعثماني الأول حيث شاع في المباني التي استخدمها الملوك والسلاطين وكان يعد جزءاً من المنشآت وكانت تستخدم في الواجهات لكي لا تغطي هذه الواجهات المنشآت الأساسية، وتكون مفتوحة ومطلة، والأقواس تغطي قسماً كبيراً من الارتفاعات في المباني الضخمة فلذلك استخدموا الواجهات بالمنشآت المسطحة وهي تعتمد في الأعم الأغلب على الأخشاب في الأعمدة
(271)
والسقوف وربما استخدمت الأحجار كبديل عن الأخشاب في الأعمدة وهذا ما حدث بالفعل في المرقد الحسيني، ولكن الأهم هنا البحث في المنشآت الأساس من هذا المرقد الشريف والذي اعتمد فيه على الطراز المعماري الذي استحدث فيه العقود، سواء في الروضة أو الأروقة.
ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من البناء يرتكز على الأعمدة الضخمة، ففي الأروقة لا تظهر الأعمدة لأن المسافة ليست بعيدة فالأعمدة تقع من الجانبين وتنصهر في الجدران بينما تتقاطع الأقواس في أعالي البناء، وأما في الروضة فتظهر الأعمدة باعتبار أن المساحة أوسع، ومن هنا يمكن ملاحظة أن الروضة مليئة بالأعمدة، أربعة أعمدة للقبة وتتداخل مع كل واحدة ثلاثة أعمدة أخرى لتشكل أسقف الجهات الثلاثة الأخرى، وهكذا.
(272)
العقود
إن كلمة العقد والقوس والطاق كلها مفردات متقاربة ومترابطة بعضها مع البعض الآخر، إذ إن العقد يدلك على ربط الجانب الأيمن مع الجانب الأيسر وفي هذه الحال لا بد من أن ينحني الجدار شيئاً فشيئاً من الجانبين ليتلاقيا في القمة ويكونا في النهاية قوساً يختلف شكله الهندسي حسب الأبعاد والاستخدامات، وإذا ما استمر الحال على ذلك لمسافة بحيث أصبح يشكل سقفاً ممتداً سمي بالطاق، وقد تعرف عليه الإنسان منذ الحضارات السابقة على الإسلام، وقد اختلف المؤرخون والمعماريون في نسبتها إلى تلك الحضارات، ولا يهمنا ذلك بقدر ما يهمنا أن المعماريين المسلمين تفننوا على مدى التاريخ بتحويل الطيقان الهلالية إلى طيقان نصف بيضاوية وإلى أشكال مختلفة حتى برز عندهم طراز خاص بهم بالنسبة إلى الطيقان والأقواس والعقود فأصبح جزءاً من التراث الإسلامي، حيث يرى أرنست يز(1) «إن تبديل الطيقان الهلالية إلى طيقان نصف بيضاوية من أهم تطورات فن العمارة وقد تم ذلك في العصور الإسلامية»(2).
ومن جهة أخرى فقد أكد غوستاف لوبون على تطور الطيقان الهلالية إلى طيقان نصف بيضاوية، ويشير إلى أن هذا التطور قد تم على يد الإيرانيين(3)، وبغض النظر عن البداية والتطور فإن البناء إذا اتسع من حيث قاعدته نحو اليمين والشمال فلا بد أن ترتفع السقوف أكثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أرنست يز: Ernst Yes، باحث في الفنون الإسلامية له كتاب ترجمه إلى الفارسية فخر داعي كيلاني باسم تمدن إسلام وعرب.
(2) مساجد إيران: 1/403 عن (Pope A Survey of Persian Aat): 3/19.
(3) مساجد إيران: 1/403 عن تمدن إسلام وعرب: 708.
(273)
من الملاحظ في مباني الروضة الحسينية ان الأقواس المستخدمة سواء في الأواوين أو الأروقة أو الممرات مختلفة الأشكال ولكن أسسها واحدة، وجميعها مبنية من الآجر (الطابوق) بطريقة الحل والشد فإذا ما ارتفع الجدار من اليمين أو اليسار أخذ بالانحناء نحو الطرف الآخر لنلتقي الجداران عند القمة وعندها يولد سقفاً على شكل أقواس وهذا ما يلاحظ في الأشكال التالية:

71 72 73ش533 ش534
(71) (72)

طاق شبه هرمي في بداية الإنشاء طاق شبه هرمي في طور البناء
ش535 ش536
(73) (74)

طاق شبه هرمي متداخل مع اعمدته وجدانه طاق هلالي في طور البناء

(274)

ش537 75ش538


(75) (76)76

قوس من رخام مستخدم في الطارمة القبلية قوس مكسي بالقاشاني في أحد الممرات المجاورة لأبواب الصحن الحسيني
إن الطاق يختلف شكله عن الآخر فهناك الطاق الهلالي والطاق الشلجمي أو الطاق النصف دائري أو الطاق النصف بيضاوي وما إلى ذلك، والمستخدم في مجمل المنشآت في المرقد الحسيني هو الطاق النصف بيضاوي، كما أن القبة الحسينية هي أيضاً شبه بيضاوية.
(275)