الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

اسم الکتاب : الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : دائرة المعارف الحسينية / المركز الحسيني للدراسات /لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

الحسيني قبة، وإنما عبروا عن بنائه بالسقيفة، ولربما كانت كسقيفة الشهداء السابقة الذكر، والتي كانت جدرانها مبنية من الآجر والجص، ومطلية بالجص المكلس، وسقفها كان من جذع النخيل والطين المخلوط أو اللازب، ومن المؤكد أن الروضة في هذه المرحلة – فبالإضافة إلى القبر الشريف – ضمت المسجد (مسجد رأس الحسين) ومراقد الشهداء، وربما ضمت إضافات من جهة الجنوب والشمال بحكم الهندسة المعمارية.
ومن حيث مواد البناء فليس في هذه المرحلة شيء جديد، حيث لم يصلنا شيء عن تفاصيل هذا البناء، ونحن بحاجة إلى مراجعة الفن المعماري الذي كان العباسيون يستخدمونه آنذاك، وبما أنه لا يمكن البت به تركنا التحقيق عنه هنا، بأمل أن نبحثه من جانب آخر في باب الطراز المعماري إن شاء الله تعالى.
ولكن بقي علينا أن نشير إلى ما يؤيد أن المرقد الحسيني كان قد أخذ طابعاً رسمياً بحيث كانت أم المهدي العباسي أم موسى بنت يزيد بن منصور الحميري المتوفاة سنة 146هـ قد عينت خدماً للمشهد الحسيني وقد عينت لهم رواتب شهرية تدفعها لهم للحفاظ عليه وتنظيفه وحراسته (1) مما يدلنا على أن المشهد الحسيني كان له طابع يختلف عما سبقه، ويفهم من النصوص التي وردت في هذا المقام أن هناك إضافات ألحقت بهذا المشهد، وأبنية كانت تحيط به، وربما كانت مرافق للزائرين حيث كانت أم موسى الحميرية زوجة المنصور العباسي ووالدة المهدي تدفع للقاضي ابن أبي داود أحمد بن فرج الأيادي مبلغ ثلاثين درهماً شهرياً بغرض الإشراف على المشهد الحسيني ورعاية الخدم، ويعد هذا مبلغاً كبيراً، لا يتناسب إلا وأن يكون بناء المرقد مجللاً.
9- بناية الأمين: بعد أن صب هارون الرشيد العباسي(2) جام غضبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/265.
(2) هارون الرشيد: هو ابن محمد المهدي بن عبد الله (المنصور) القرشي لقب بالرشيد وكني بأبي جعفر، ولد بالري في سنة 148هـ وأمه الخيزران، وتولى الأمر بعد أخيه الهادي ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول من سنة 170هـ، وهو خامس حكامهم في العراق وقبره في ضريح الإمام الرضا «عليه السلام».
(173)
على المرقد الحسيني بسبب انشغال بعض مواليه بزيارة المرقد الحسيني، فهدم كل ما يدل على هذا الأثر المقدس، حتى أنه عمد في سنة 193هـ إلى قطع شجرة السدرة التي كانت بقربه حتى لا يستدل على مكانة، تدارك ابنه الأمين العباسي(1) حين سمع نبأ وفاة أبيه في خراسان بتاريخ 13/6/193هـ فشيد مرقد الإمام الحسين «عليه السلام» بما يناسب ذلك العصر، إلا أن خبره انقطع عنا وربما بسبب استيلاء اخيه المأمون على الحكم، وطمس كل معالم أخيه وأخباره، ولذلك فلا يمكننا الحديث عنه في الاتجاه المطلوب، ولكن الذي لا يمكن التغافل عنه أن البناء بشكل عام في عهده كان متطوراً وقد أدخل المعماريون العقود (الأطواق) في منشآتهم وقد استخدموا بالطبع الآجر والجص، وطلي الجدران والسقوف بكساء من الجص أو غيرها من المواد الكلسية الأخرى، وإدخال بعض الزخارف فيها، وهذا ما سنظهرهر في بناء أخيه المأمون للمرقد الحسيني.
10- بناية المأمون العباسي(2): بعد أن تمكن المأمون من القضاء على مخالفيه، أراد أن يتقرب إلى شريحة كبيرة من الموالين لأهل البيت «عليهم السلام» بعد الصدع الذي حصل بمقتل أخيه الأمين، فأمر في أواخر سنة 198هـ ببناء المرقد الحسيني بأبهى صورة وأفخم بناء، فشيد على قبره الطاهر قبة شامخة وحرماً فخماً بعد أن هدم ما بناه أخوه الأمين، وفسح المجال لتمصير كربلاء من جديد.
هناك من لم يذكر بأن الأمين بنى المرقد الحسيني وفي قبال ذلك ذكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأمين العباسي: هو محمد بن هارون بن محمد القرشي، المكنى بأبي عبد الله، والملقب بالأمين، والمولود بالرصافة سنة 170هـ، وأمه أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي، وتولى الحكم كسادس العباسيين بعد أبيه، وقتل في حربه مع أخيه المأمون يوم الخميس 9/1/198هـ.
(2) المأمون العباسي: هو عبد الله بن هارون بن محمد المهدي القرشي، المكنى بأبي جعفر، والملقب بالمأمون، ولد في بغداد ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول من سنة 170هـ، وهي الليلة التي توفي فيها عمه الهادي العباسي، وحكم بعد أخيه الأمين سنة 198هـ كسابع العباسيين، وأمه أم ولد اسمها مراجل الباذغيسية، والتي ماتت في نفاسها به فتربى يتيماً، وتوفي ليلة الثامن عشر من رجب سنة 218هـ في بغداد.
(174)
بأن المأمون أو في عهده شيد المرقد الحسيني مرتين، والظاهر أن السياسة المأمونية اقتضت بنسبة ما قام به أخوه الأمين إلى المأمون.
لقد حصل تطور بارز في مسألة البناء والعمران بالنسبة إلى المرقد الحسيني، حين صدرت أوامر من السلطة الحاكمة على إبراز مرقده الشريف بمظهر فخم وعظيم، ولا شك أن المواد التي استخدمت فيه كانت الآجر (الطين المطبوخ) والجص (الكلس المطبوخ) وكانت هاتين المادتين قد تطورت في تلك الأزمنة تطوراً ملحوظاً، إذ إن الحضارة العباسية (العربية الفارسية) قد وصلت إلى أوجها حتى عبر عنها بالعصر الذهبي في تلك الفترة الزمنية.
ومن هنا نؤكد أن الآجر الذي استخدم في البناء كان من النوع الصلد، والذي قد تعرض إلى النار فترة تتناسب مع مقاومته، فلا بد أن يكون من النوع الأخضر أو القريب منه والذي يتحول إلى قطعة حجرية متماسكة الأجزاء مقاومة للرطوبة والحرارة وكل التأثيرات المناخية، وهذا النوع من الآجر كان العباسيون قد استخدموه في قصورهم ومنشآتهم العامة.
كما لا شك أن مادة الجص هي الأخرى قد تطورت حسب احاجة فأصبحت تمتلك لزوجة أكبر ومقاومة أكبر بفضل اختيار ما هو الأنسب من الأتربة لصناعتها، وتعرضها لدرجة الحرارة الأجود لدى صناعتها، ليتناسب مع الآجر الذي تطورت صناعته، وكان الجص بعد الطبخ يخضع للطحن ليكون ناعماً سهل الاستعمال ويدخل الماء عند الجبل إلى كل جزيئاته وعلى أثره يكون أكثر تلاصقاً مع الآجر.
ويستفاد من الآجر المستخدم في أبنية تلك العصور في بغداد وأطرافها أن الآجر لم يكن أملساً، فلذلك كان استعمال الجص للبناء أقوى تماسكاً مع نظيره.
ولولا هذه العناصر المقاومة من الآجر والجص لما بقي أمثال قصر الأخيضر الذي تعزي أغلب المصادر إلى أنه من منشآت عصر المنصور العباسي (137 – 158هـ) وبنفقته، حيث كان في تلك الحقبة الزمنية لمادة الآجر والجص دور كبير في بناء الأقواس والسقوف، ورغم دخول هاتين
(175)
المداتين بشكل رئيسي في بناء المنشآت الكبيرة فإن الخشب لم يهجر تماماً، بل كان له دور هامشي في بناء السقوف، لربط الأعمدة فيما بينها، ولكنه أخذ مكانته في صناعة الأبواب والأخرصة وما شابه ذلك وتطور حتى خضع للحفر بنقوش وكتابات سنأتي على ذكرها إن شاء الله تعالى.
وفي هذا العهد أيضاً اتسع استخدام الجص الأبيض الناصع لتكسية الجدران بل إنهم استخدموه في زخرفة السقوف والجدران بالنقوش النباتية والهندسية إلى جانب الكتابات، كما هو ملاحظ في قصور العباسيين.
وما نريد الإشارة إليه أن انعطفافاً كبيراًحدث في هذا التاريخ بالنسبة إلى بناء المرقد الحسيني من حيث المادة المكونة للبناء والهندسة المعمارية وغيرها، كما لا بد من الإشارة إلى أن الأحجار لم تكن سهلة الاستخدام حيث إن المناطق القريبة من كربلاء لم تكن فيها مخزونات حجرية كما في المناطق الجبلية.
(176)


القرن الثالث الهجري


(30/7/816 = 7/8/913م)
11- بناء الموالين في عهد المتوكل العباسي(1): ظل ما شيده المأمون العباسي قائماً وشامخاً حتى قام المتوكل العباسي بإبراز حقده على آل الرسول (ص) من خلال هدمه هذا الصرح الحسيني الشامخ أربع مرات (232، 236، 237، 247هـ) ويبدو جلياً من تكرار الهدم أمران: الأول: شدة حقد المتوكل على أهل البيت «عليهم السلام»، والثاني: إصرار الموالين على إقامة هذا الصرح.
وبالنسبة إلى ما نحن بصدده فالذي يظهر من النصوص التاريخية أن المرقد الحسيني بني على البساطة في ظل الاضطهاد العباسي، ولكنه كان يحتوي على عناصر مهمة من المنشآت حيث إنهم بنوا بالإضافة إلى المرقد بيوتاً حوله، وكان الموالون يقصدونه بكثافة، وكان آنذاك للمرقد أوقاف كما صرحت المصادر بذلك، وكان للمرقد خزائن تحفظ فيها التحف والأموال، وقد صادرها المتوكل العباسي.
وبما أن التطور العمراني قد خطا شوطاً كبيراً فلا يمكن العودة إلى الوراء ليقال: بأن البناء كان على شكل سقيفة، بل لا بد وأن يكون البناء من الآجر والجص، وربما كان سقفه من الخشب وأمثال ذلك، وقد تقدم الحديث عن ذلك، وعن المواد المستخدمة فيه، فلا حاجة إلى التكرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المتوكل العباسي: هو جعفر بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد المكنى بأبي الفضل والملقب بالمتوكل، ولد في بغداد سنة 206هـ من أم ولد اسمها شجاع، وتولى الحكم كعاشر العباسيين، في يوم وفاة عمه هارون الواثق بالله ابن المعتصم في 24/12/232هـ ، وقتل بتدبير ابنه المنتصر في ليلة الأربعاء 4/10/247هـ.

(177)

وعليه فقد بني المرقد الحسيني أربع مرات أيضاً، كان آخرها بعد مقتل المتوكل العباسي بتاريخ 4/10/247هـ، وذلك على يد مجموعة من الموالين والطالبيين يتقدمهم ذلك العالم الجليل الشيخ محمد بن الحسين بن علي الأشناني الكوفي (221 – 317هـ)(1).
12- بناية المنتصر العباسي(2): وفي انعطاف آخر من تاريخ المرقد الحسيني أن المنتصر العباسي أمر في أواخر سنة 248هـ بتشييده من جديد، واقتضت سياسته امتصاص النقمة التي تكاثرت على بني العباس من جراء محاربتهم آل الرسول (ص)، فشيد على المرقد قبة وحرماً، وصحناً، وفي تطور عمراني ملفت: إنه نصب شاخصاً مرتفعاً جداً يشبه بالمنار لإرشاد الزائرين إلى قبر الإمام أبي عبد الله الحسين «عليه السلام».
ومما لا شك فيه أن القبة وجدران الحرم والصحن والشاخص شيدت من الآجر، والجص، وهما المادتان الأساس في البناء وقد تقدم ذكرهما.
13- توسعة الداعي الكبير للحرم الحسيني: تم في سنة 271هـ، ثم تولى أمر إعمار الحرم وتوسعته أخوه الداعي الصغير سنة 272هـ، ولكن يد التخريب طالت الحرم الشريف فأحرق وهدم البناء وسقطت القبة المنتصرية، فانبرى الداعي الصغير سنة 273هـ لتشييد قبة شامخة أكبر من تلك وبنى للروضة ايوانين على غرار الأواوين الفارسية، ومن هذا التاريخ دخل الفن الفارسي الخالص إلى عمارة المرقد الحسيني ودخلت معه بقية الفنون التي تخص البناء من الزخارف والنقوش، ولكن مواد البناء ظلت كما هي: الآجر والجص والخشب، فجاء البناء فخماً حيث بالغ في ذلك كما صرحت النصوص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/285.
(2) المنتصر العباسي: هو محمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، المكنى بأبي جعفر والملقب بالمنتصر، والمولود من أم ولد رومية تسمى حبشية، سنة 205هـ وقد تولى الأمر بعد أبيه صباح يوم الأربعاء 4/10/247هـ، وبذا يكون الحاكم الحادي عشر من العباسيين في بغداد، وتوفي في أواخر صفر من سنة 248هـ.
(178)
إن تصريح النصوص بأنه: «بالغ في فخامة البناء وحسن الريازة ودقة الصنة»(1) توحي أن الفخامة لم تنحصر بأصل المرافق والبناء وطرازها واستحكامها، بل تعدت إلى المسائل الفنية إذ إن قولهم: «حسن الريازة» رغم أنها لغوياً لا تعني أكثر من حسن الاختيار ودقته، إلا أنها فنياً تعني الكثير في موازين الجمالية، مما يدل على أن الفن المعماري قد استخدم في هذا البناء، والذي فيه النقوش النباتية والهندسية التي كانت تستخدم في الجدران والسقوف من خلال الحفر في الجص الذي كان متعارفاً آنذاك في إيران، ونستبعد أنه أستخدموا الرخام في مثل هذا البناء حيث لم نجد له ذكراً، بل الظاهر أنهم استخدموا الجص لهذه الغاية، إلى جانب الآجر المصنوع بأشكالها المختلفة، كما سيأتي الحديث عنهما لدى حديثنا عن الفن المعماري إن شاء الله تعالى وسنشير أيضاً إلى أن ارضية المرقد الحسيني لا بد وأن أكسيت بالآجر (الفرشي) المخصص لهذه الغاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/209.
(179)

(180)


القرن الرابع الهجري


(8/8/913 = 14/8/1010م)
14- توسعة عمران بن شاهين للحرم الحسيني: وقع في سنة 368هـ حيث بنى مسجداً إلى الجهة الشمالية، كما بنى رواقاً الى الجهة الغربية، ولم يختلف الأمر من حيث مادة البناء عن الذي قبله فالآجر والجص والخشب كانت العمود الفقري للبناء، ولكن حدث تطور معماري جديد في الطراز المعماري ألا وهو ربط الروضة بالرواق، وسنأتي على بيانه لدى حديثنا عن الطراز المعماري.
15- بناء الدولة البويهية سنة 369هـ: لقد جدد عضد الدولة البويهي بناء القبة والروضة، وأحاط الروضة بالأروقة إلى غيرها من العناصر والمنشآت، وقد انتهى منها سنة 371هـ بعد أن كان بدأ بها سنة 369هـ، وسيأتي الحديث عن هذه المرحلة لدى الحديث عن الطراز المعماري إن شاء الله تعالى.
لكن الذي يهمنا هنا تشييد صندوق خشبي للضريح مزين بالعاج والديباج وتزويد المقام بالقناديل، وإدخال القاشاني وغيره في المنشآت التي استحدثت، فإنها عناصر جديدة دخلت في تركيبة البناء، ولا بد من التوقف عندها.
أ- الخشب: تذكر المصادر أن الخشب ألذي استخدم في صناعة صندوق الضريح في هذه المرحلة كان خشب الساج، والساج شجر من فصيلة رعي الحمام، وقيل من فصيلة الصنوبريات، مهده الأصلي الهند وزنجبار واندونيسيا، إلا أن تواجده في الهند أكثر، ينمو بطيئاً، ويوصف بالعظمة في الطول، والفخامة في العرض، ولونه أحمر غامق، مائل إلى السواد، طيب

(181)

الرائحة، خفيف الوزن، صلب النوعية، شديد المقاومة، له منافع طبية، وقد صنفه القدامى في البارد الجاف، ويستخدم في صناعة السفن والأبواب الكبيرة، يدوم مئات السنين، وقد قيل انه يقاوم أكثر من ألف سنة، كما يذكر أن نوحاً «عليه السلام» استخدمه في صناعة سفينة الإنقاذ، وكسرى استخدمه في قصر المدائن (طاق كسرى)، ولا زال ماثلاً فيه، واستخدم في باب الكعبة الشريفة وسقفه، وفي أبواب قبة الصخرة في القدس الشريف، وكلمة الساج معربة إما من الفارسية (ساك) أو الهندية (ساكونه)(1).
ويقال: إن خشب الأبنوس نوع من خشب الساج، وقيل إنها من فصيلة مستقلة تحمل اسم الابنوس، ولكن لونه يميل إلى السواد أكثر من الساج، تنمو في المناطق الحارة وتكثر بين خطي الجدي والسرطان، نموه بطيء وخشبه ثمين، ورائحته طيبة وعوده صلب جداً، ثقيل الوزن، وتقرأ الأبنوس بفتح الألف وسكون الباء، كما تقرأ بمد الألف وفتح الباء، يونانية دخيلة (أبنس) أو عبرية (هابن) أو آرامية (آب نوسا)، ويذكر أن شكل أوراقه على شكل ورق العناب، وهو عريض، وثمره كالعنب، أصفر اللون، حلو الطعم، قريب من طعم الكمثرى، والنوع الحبشي منه أملس، ويوجد منه في الهند كثيراً إلا أنه معرق باللون الأبيض تارة وباللون الياقوتي تارة أخرى، ويستخدم في الطبابة أيضاً(2).
وعلى أي حال فالخشب الذي استخدم في صناعة الصندوق الحسيني هذا كان من الساج والابنوس، كما أشارت المصادر إلى ذلك، وربما طعم الساج بالابنوس، كما طعموهما بالعاج.
ب – العاج: هو ناب الفيل، ولا يقال لغير الناب عاجاً، وهو طويل قد يصل طوله إلى أكثر من ثلاثة أمتار، وقطره قد يصل إلى أكثر من 15 سنتيمتراً(3)، وهو عظمان ينبتان من الفك على جانبي خرطوم الفيل، ولون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع لسان العرب، تاج العروس، لغت نامه دهخدا، مادة «ساج».
(2) راجع لغت نامه دهخدا، والمنجد، ودائرة المعارف للبستاني في مادة «ابنوس».
(3) العاج الهندي: أطوله 2,5م، وأثقله كيلو غراماً، والعاج الأفريقي، أطوله ثلاثة أمتاروأثقله وزناً 70 كيلو غراماً، وقطره في الغالب: 8,25 قيراطاً نحو =
(182)
العاج أبيض يميل إلى الصفرة، ورأسه مدبب، وشكله مخروطي يشبه المقوس، ومقاومته جيدة، وكان يصنع منه الكثير من الأوعية وحاجات الإنسان، ويذكر أن عرش النبي سليمان «عليه السلام» كان مصنوعاً من العاج، ويستخدم للزينة بعد خرطه، وتنحت فيه نقوش مختلفة، كما تصنع منه التماثيل وغيرها.
والعاج أنعم نسيجاً من العظم وأشد مرونة من سائر أنواع العظم، وليس فيه ما فيها من الأقنية الغليظة التي تجتازها عروق الدم، ففي اصله عبارة عن لب آلي يمكن صناعة المادة الجيلاتينية منه، وفيها مقدار وافر من الأملاح الجيرية.
وفي الواقع إن الطبقة الظاهرية والتي هي رقيقة ملساء هي العاج الحقيقي، ويليها طبقة قشرية تدعى بالمينا كما في الأسنان، ولونه في الغالب أبيض ويصفر ظاهره إذا تقادم العهد عليه، ومركبات العاج تختلف من فيه إلى آخر(1)، وناب الفيل الوحشي أفضل من ناب الفيل الأليف (الداجن)، وله ألوان أفضله البني القاتم(2).
ويظهر من النصوص الواردة في المقام أن خشب الابنوس والساج قد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= (15سنتيمتراً)، وأضخم الأنياب هو ناب المأموث المنقرض والذي كان له ناب كالفيل والذي كان يتواجد في سيبريا. ويعد ناب الفيل الأفريقي أفضل من غيره، وبالأخص ما كان منه في منطقة الاستواء.
(1) يذكر أن المواد التركيبية للعاج بشكل عام هي كالتالي:
1- مواد آلية جافة 24%
2- ماء 11,15%
3- فضاضات الجير 64%
4- كاربونات الجير 0,10%
5- الدهن 0,34%
6- مواد أخرى 0,41% /100,00%
(2) راجع دائرة المعارف للبستاني: 11/423 وغيره.
(183)
زينتا بالعاج، وهذا النوع من التزيين عادة يرافق الحفريات الخشبية ليزيده من جمال اللون بالإضافة إلى جمالية النقوش.
ج- الديباج: مفردة فارسية دخيلة على العربية أصله: (ديبا) وهو القماش الحرير الجميل، أضيف الجيم إليها لدى التعريب، وقيل أصلها (ديو باف) أي نسيج الجن في إشارة إلى ظرافة صنعه، وربما قيل أنها آرامية، وعلى أي حال فاللغويون ذكروا أنه القماش الذي لحمته وسداه من الحرير، بل هو الحرير الخالص.
وفي الحقيقة إن هذه المادة ليست جزءاً من البناء، ولكنه استخدم في تزيين الضريح الحسيني، حيث وضع على الصندوق من باب زيادة التكريم، وبما أن النصوص ذكرت ذلك فكان علينا توضيح ذلك.
كما وردت مفردة «الحلل» وهي بالضم جمع حلة بالضم ثم التشديد مفتوحاً، وهو كل ثوب (قماش) جديد كبير يستر البدن، وأريد بها هنا الأقمشة الثمينة.
د- القنديل: والجمع قناديل، ورد النص بها في جملة ما قام به عضد الدولة البويهي في الحرم الحسيني، والقنديل مفردة لاتينية دخيلة(1) (كنديل)، تعني المصباح، بل هو المصباح للسراج، أي أنه الصندوق (الإطار) الذي يوضع فيه السراج كالفانوس، ويشمل كل ما يحتضن السراج كما في الثريا – المصطلح الحديث – وقد غلب استعماله في المعلقات منها، دون هجرة الاستخدامات الأخرى كالتي توضع على الطاولة أو الأرض.
والذي يبدو لنا أن الحرم الحسيني كان أول عهده بمثل هذه القناديل، ورغم أنها ليست من أسس البناء إلا أنها أصبحت جزءاً من الروضة، وجاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولا يخفى أن للقنديل (فعليل) جذر عربي، يقال: قندل الرجل أي مشى في استرسال، والقندل الطويل أيضاً، كما يقال: قندل الرجل إذا ضخم رأسه، وربما أمكن إرجاع المفردة إلى هذا الجذر بهذا العتبار الأخير، دون الحاجة إلى القول بأنها دخيلة، وذلك لمجرد بعض الارتباط بين المعن اللغوي، وما هو مستخدم فيه من الطول أو ضخامة الرأس وقمة الشيء، وعليه يكون اسماً رباعياً مزيداً فيه، ولا مجال للقول بأنه آلة بالمعنى القيايس حيث لم يأت «فعليل» وزناً للآلة.
(184)
ذكرها في إنجازات هذا العهد، فلم نتردد في تبسيط الحديث عنه ولو بالإجمال.
وفي نافلة القول: إن السراج الذي كان يستخدم في هذه القناديل كان فيل غالبه كان الشمع، وربما استخدمت الزيوت والفتايل والتي كانت دارجة في بلاط الملوك والسلاطين، ومنهم عضد الدولة، والذي تبرع بها، وقد صرح المصدر الذي بين يدينا أن القناديل هذه كانت تضاء بالشموع(1)، ويفهم من النصوص الواردة عن القرن السادس الهجري أن القناديل هذه كانت مصنوعة من الذهب والفضة، ومن المعروف أن الذهب: عنصر فلزي يستخرج من الأتربة والصخور، وهو سهل الطرق والسحب وتعمل منه أوراق الذهب تزداد صلابته بعمل أشابات منه على فلزات أخرى ويعبر عن محتوى الاشابة من الذهب – بالقيراط – باعتبار أن القيراط مساو لجزء من 24 جزءاً بالوزن من الكتلة الكلية ولذا يقال: إن الذهب الخالص 24 قيراطاً(2) -، ولا يستعمل لوحده لعدم صلابته فيضاف إليه الفضة فيميل لونه إلى البياض، أو يضاف إليه النحاس فيميل لونه إلى الاحمرار، وإذا كان خالصاً قيل عيار 24، وإذا أضيف إليه جزء منها بفلز آخر قيل عياره 23 عيار أو جزأين منها قيل 22عيار وهكذا، وفي الغالب تغلف هذه القناديل بصفحات الذهب، ولا تكون مصبوبة بالكامل من الذهب.
وأما الفضة: فكذلك عنصر فلزي آخر، أبيض اللون تقريباً فيه لمعان، يستخرج من تنقيته الرصاص والنحاس، وهو رخو يتحد في درجات الحرارة العادية مع الكبريت فيكدر لونه لتكون الكبريتيد عليه، تستعمل في التصوير الضوئي لحساسيتها للضوء، كما تستخدم في الأحبار التي يراد منها عد الزوال، وفي طلي المرايا(3).
وكلاهما يستخدمان للزينة، وقد استخدما في الروضات الشريفة للأضرحة والأبواب والقناديل وغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/299.
(2) راجع الموسوعة العربية الميسرة: 1/846.
(3) راجع الموسوعة العربية الميسرة: 2/1302.
(185)
هـ - القاشاني: معرب الكاشاني نسبة إلى مدينة كاشان الإيرانية حيث برزوا في صناعته، ويخفف عند الفرس، وربما العراقيين ليقال عنه الكاشي، وهناك من عربه إلى قاساني وغيساني(1) أو القيشاني(2).
والقاشاني هي اللبنة المطبوخة بشكل لطيف والمطلية بمواد لعابية زجاجية ذات ألوان مختلفة – كذا عرفها أهل الفن – وبشكل آخر فإن التراب الذي يختار لهذه الغاية ينتقي بدقة متناهية حيث لا بد وأن يكون لازباً قليلة الأملاح يطحن طحناً دقيقا، ثم يعجن عجناً شديداً بعد تخميره بالماء لمدة طويلة ويوضع في قوالب خاصة حسب الأحجام التي يراد استخدامها ثم يوضع في الهواء الطلق أو الشمس قليلاً ومن بعدها يطبخ طبخاً خفيفاً ومن بعدها يأتي دور الطلاء المستحضر من اللعاب الزجاجي المخلوط بالألوان المطلوبة ذات الثمن الغالي لأن مركباتها ليست بالرخيصة، وربما أدخل فيها ماء الذهب، وغيره وبعد أن يقوم النقاش أو الخطاط برسم ما يريد يوضع في فرن ذي درجة حرارة متناسبة ليلتصق الطلاء باللبنة وتنضج اللبنة مع الطلاء، وكلما كان اختيار المواد دقيقاً والنقوش بديعة كان القاشاني أجمل وأثمن وأدوم.
وفي الواقع يعد القاشاني نوعاً من أنواع الفخارالمطلي المتطور، ويعود تاريخه حسب الدراسات المتأخرة إلى القرن الرابع الهجري أي في العصر البويهي، ومصدره كما يذكر هو إيران إذ يقول أحدهم: يعود تاريخ استخدام القاشاني كعنصر جمالي إلى أدوار تاريخية قديمة، فقد بدأ هذا الفن بالتدريج في الفترة الإسلامية مثل الفنون الآجرية والجصية بطريقة جديدة، واختص بعملين أساسيين هما: زينة العمارة واستحكامها، ويرى أغلب المحققين والدارسين للفن المعماري أن إيران هي أولى الدول التي استخدمت القاشاني في هذين المجالين، الجمال والاستحكام، ومنذ بدء الأدوار الإسلامية استخدم القاشاني في مساجد المسلمين ومدارسهم وأبنيتهم بحيث إنه بصعب العثور على عمارة بعد القرن الرابع الهجري تخلو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع فرهنك فارسي: 3/2838.
(2) مساجد إيران: 1/412، والقاشاني يسمى في تونس بالجليز.
(186)
من هذا العنصر الجمالي والاستحكامي(1).
إذاً يمكن القول بأن القرن الرابع كان مبدأ نشره وعلى الأقل في العراق، إذ يذكر الكليدار عبد الجواد عن المرقد الحسيني: إن في هذا العهد أنشئ الصحن الصغير ومئذناته الصغيرتان، وزينت جدران الصحن وسقوفه والمئذنتان بالقاشاني، وقد نقش عليها آيات قرآنية(2) وهذا هو الذي دعاني إلى الكتابة عن القاشاني كمادة جمالية في بناء المرقد الحسيني بعد منتصف القرن الرابع الهجري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مساجد إيران: 1/412.
(2) راجع تاريخ المراقد: 1/301.
(187)

(188)


القرن الخامس الهجري


(15/8/1010 = 21/8/1107م)
16- بناية الحسن بن الفضل(1): بعد أن تعرض الحرم الحسيني للحريق بما فيه الضريح والروضة والقبة والرواق والسور سنة 407هـ بفعل فاعل، وكان المقتدر العباسي المتهم الرئيسي في ذلك، قام الوزير البويهي بأمر السلطان أبو شجاع البويهي(2) ببناء المرقد الحسيني، وجاء في النص الذي لدينا تصريح بأنه بناه بأفخم وأعظم من ذي قبل، وبما أن الروضة في النصوص السابقة لم يذكر بأنها كانت مكسية بالقاشاني، كما لم يذكر بأنها كانت ذات كتيبة بالخط العربي باستثناء الصحن الصغير الذي بني مؤخراً فمن المفروض أن في هذا البناء دخل القاشاني كعنصر من عناصر البناء والزينة ودخلت معه الكتيبة القرآنية، وقد سبق بيان مواد البناء في التاريخ السابق على هذا فليراجع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحسن بن الفضل: هو حفيد سهلان المكنى بأبي محمد والملقب بالكاتب، أصبح وزيراً للبويهيين ما بين عام 404 – 412هـ حيث قتل.
(2) أبو شجاع البويهي: هو ابن بهاء الدولة الملقب بسلطان الدولة تولى الحكم بعد أبيه سنة 403هـ، فجمع بين حكم إيران والعراق، وعهد أمر كرمان إلى أخيه أبو الفوارس قوم الدولة، ولكن سرعان ما ولدت بينهما معارك، وانفرط أمرهم.
(189)

(190)


القرن السادس الهجري


(22/8/1107 = 28/8/1204م)
17- في سنة 513 هـ كسر الأمير دبيس المنبر(1) الذي كان في الروضة: والذي كان يذكر من عليه اسم الخليفة العباسي(2)، ويبدو والله العالم أن اتخاذ المنبر جاء من بداية عهد العباسيين أي في القرن الثاني الهجري، وقد تحدثنا عن تاريخ المنبر بتفاصيله في محله(3) وأما مواد في الغلاب إما أن يكون من الحجر أو من الخشب، وقد تحدثنا عن هذين العنصرين فلا حاجة إلى الإعادة.
18- هدايا طلائع بن رزيك(4): في سنة 549هـ أرسل ابن رزيك الوزيرالفاطمي ستائر من الديبق لتعلق على أبواب الروضة الحسينية لتقي الزائرين الحر والبرد، وقد طرزت الآيات القرآنية فيها فجاءت في غاية الإبداع، ومن ذلك التاريخ أصبحت الستائر جزءاً من العناصر المستخدمة في الروضات المقدسة وبالأخص أيام البرد القارس. وكانت هذه الستائر مصنوعة من الحرير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حيث قال: «لا تقام في الحائر الحسيني صلاة جمعة ولا يخطب هنا أحد من قبل العباسيين».
(2) وكان الخليفة آنذاك المسترشد بالله الفضل بن أحمد، والذي تولى بعد أبيه سنة 512هـ وتولى بعده ابنه سنة 529هـ.
(3) راجع الجزء الأول من معجم خطباء المنبر الحسيني: 1/17.
(4) طلائع بن رزيك الأرمني: (495 – 557هـ) ولد في أرمينية واغتيل في القاهرة، كان فقيراً زار مرقد الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» فراى رؤيا توجه على أثرها إلى القاهرة فولاه السلطان الفائز بنصر الله الفاطمي الوزارة ثم لما تولى العاضد بالله أمر وزارته، لقب بالملك الصالح، وقد تزوج ابنة العاضد، وكان أديباً شاعراً.
(191)
أ- الديبق: على وزن سرقد (فعلل) فارسية دخيلة، أصلها ديبة المخففة من ديبا وهو نوع من أنواع القماش المصنوع من الحرير الثمين، ومن المعلوم أن الحرير: هو خيط من الفبرين الضارب إلى الصفرة، ناعم متين نصف شفاف تفرزه دودة القز لتحتمي به في طور الشرنقة، تغتذي الدودة هذه على ورق التوت وتنتج الحرير الخام، وتنتج الشرنقة الواحدة من 610 إلى 750 من الخيط، وفي المرحلة التالية يزوج الخيط ويطوى حتى يتم غزله مع إزالة الصمغ المتبقي عليه، ويغسل ثم يصبغ حسب الحاجة، بدأ نسج الحرير منذ القدم في الصين(1).
وسنأتي على سائر الخصوصيات الجمالية وغيرها في الفصول الآتية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الموسوعة العربية الميسرة: 1/712.
(192)


القرن السابع الهجري


(29/8/1204 = 5/9/1301م)
19 – بناية الناصر العباسي(1): جدد بناء المرقد الحسيني وقبته سنة 620هـ بشكل أعظم مما سبقه وكسا الجدران بخشب الساج، كما وضع صندوقاً على القبر من خشب الساج وزينه بالديباج والطنافس الحريرية(2).
أ- الطنافس: مفردها الطنفسة، ثلاثي الحركة في الطاء والفاء وما بينهما نون مفتوحة والألف ساكنة، وحركة الفاء تتبع حركة الطاء، وهو السجاد بشكل عام، ووصفها بالحريرية لأنها كانت مصنوعة من الحرير، وتعد من ارقى أنواع السجاد، ويتضاعف ثمنها إذا كان نسجها دقيقاً وألوانها ثابتة وزاهية بالإضافة إلى استخدامهم النقوش الجميلة.
ونستبعد أن تكون الروضة الحسينية في هذا التاريخ أول عهدها بالسجاد، ولعل أول عهدها بالسجاد الحريري، وربما لأول مرة جاء التصريح بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الناصر العباسي: هو أحمد بن الحسن المستضيء بأمر الله، المكنى بأبي العباس والملقب بالناصر لدين الله، ولد يوم الاثنين 10/7/553هـ من أم تركية اسمها زمرد، تولى الأمر بعد أبيه المستضيء بأمر الله كرابع وثلاثين من العباسيين وذلك سنة 575هـ، وتوفي في آخر رمضان سنة 622هـ.
(2) راجع تاريخ المراقد: 2/31.
(193)

(194)


القرن الثامن الهجري


(6/9/1301 = 12/9/1398م)
20- تم تزيين الروضة الحسينية في سنة 709هـ: حين زار السلطان المغولي محمد خدا بنده، حيث عمر المرقد الحسيني وزينه بأبدع تزيين، وهنا يمكن ان نشير إلى أن المرقد الحسيني بدأ يستقبل الطراز المغولي في بنائه بعدما غلب عليه الطراز الفارسي، وسيأتي مزيد من التفاصيل عن ذلك إن شاء الله لدى الحديث عن الطراز المعماري.
21- في وصف ابن بطوطة للمرقد الحسيني: عن عام 727هـ إشارة صريحة إلى القناديل الذهبية والفضية التي سبق وذكرناها في عام 369هـ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الستائر التي سبق وذكرناها في عام 549هـ، ولكن الجديد في كلامه هو تحديد مكان هذه القناديل حيث ذكر بأنها وضعت فوق الضريح، وكذلك تحديد مواقع الساتر ونوعيتها، إذ ذكر بأنها كانت معلقة على الأبواب ومصنوعة من الحرير، ومن هنا يظهر أن زيارته للضريح الحسيني كانت في فصل الشتاء لوجود الستائر حيث إنها توضع في الشتاء فقط.
ومن الجديد في كلامه: إن الأبواب كانت مكسية بالفضة، والتي يبدو والله العالم أن صناعتها تمت من قبل البويهيين، وسنأتي على تفاصيل ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
ومما أورد الرحالة المغربي: إن للروضة قومة وحجاباً، ويبدو أنهم كانوا آنذاك أكثر انضباطية من القرون المتأخرة وكانت لهم أدوار تختلف عن التي شاهدناها.
22- مسجد مرجان ومئذنة العبد: شيدتا سنة 767هـ كإحدى عناصر
(195)
ومرافق المرقد الحسيني في كربلاء، واستخدم القاشاني المعرق(1) والفسيفساء في كسوتهما وبالأخص في المئذنة، وأما سائر المواد المستخدمة في البناء فلم تختلف عن سابقاتها.
أ – القاشاني المعرق: لقد سبق وتحدثنا عن القاشاني، وأما وصفه بالمعرق فهذا هو الجديد، وفي الحقيقة أن القاشاني يصنع على أنواع، فما كان قد استخدم فيه النقوش النباتية كالأزهار والورود، والأغصان والأوراق، فإنه يسمى بالمعرق، ويختلف القاشاني أيضاً عن ذي اللبنة الكبيرة إلى التي حباتها صغيرة بحيث تكون أكثر مرونة لدى البناء وبالأخص في البناء المدور كالمآذن والمنارات والقبب وأمثالها، ولكن تنضيده لدى البناء بالطبع أصعب، وهذا النوع من القاشاني قد بدأ بالتلفيق بين الفن الجصي والفن القاشاني، ثم تطور واكتمل فيما بعد(2) وهذا النوع أطلق عليه الفسيفساء أيضاً، وربما كلما كانت القطع أصغر صدقت تسميتها بالفسيفساء بشكل أقوى.
ب – الفسيفساء: مأخوذة من الفسفسة (بالكسر) لما يوجد من شبه بين القطعة الصغيرة التي تتألف منها وبين حب الفسفسة والتي هي نبات تعلفه الدواب، وله حب كالكرسنة صغير ولكنه طويل، وطعمه يقارب طعم طعم حب الآس، والفسفسة لغة في الفصفصة.
والفسيفساء: اسم عام لكل التزيينات التي تتم من خلال تنضيد القطع الصغيرة بعضها إلى البعض الآخر سواء أكانت رخامية أو قاشانية أو خشبية أو غيرها، لاحظ التزيين الحجري في سوريا، والخشبي في مصر، وغيرها في غيرهما.
والفسيفساء أو القاشاني المعرق استخدم لأول مرة في تاريخ المرقد الحسيني في هذا التاريخ وهذه المئذنة بالذات.
وأخيراً فقد ذكرت المصادر أن القاشاني الذي استخدم في مسجد مرجان ومنارة العبد كان من النوع النادر وكان ملوناً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 2/41.
(2) راجع مساجد إيران: 1/415.
(196)
23- بناء أديس: ففي سنة 767هـ أراد أديس الجلائري(1) أن يكرم المرقد الحسيني تكريماً كبيراً لا مثيل له، فبدأ بتشييد قبتين، إحداهما خارجية، والأخرى داخلية، فكانت الداخلية أشبه بنصف كرة، وأما القبة الخارجية فكانت إلى البيضوية اشبه منها إلى لاكروية حيث كانت شاهقة، وهناك فاصلة بين القبتين، وإنما عمل بهذه الطريقة الهندسية لإمكان تزيين كل واحدة منهما بما يناسب موقعها.
ولأجل أن تكون محكمة البنيان شيد أربعة أعمدة عملاقة من الآجر والجص لتحميل ثقل القبتين، كما شيد الأروقة، وبدأ بتشييد إيوان الذهب القبلي ثم كمله ابنه الأول(2) ومن بعده قام ابنه الآخر(3) بإضافة مئذنتين إلى الإيوان لينتهي من البناء سنة 786هـ، إلا أنه لم ينته من تزيين المئذنتين حيث كسا القسم العلوي منها بالذهب والباقي بالقاشاني الأصفر فانتهى من ذلك سنة 793هـ، وهذا البناء هو الماثل أمامنا إلى يومنا هذا، باستثناء الإضافات والترميمات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أديس الجلائري: هو ابن الحسن الكبير الايلخاني التتري، حكم بعد أبيه كثاني سلاطين الجلائريين سنة 757هـ وانتهى حكمه بموته سنة 776هـ، تغلب على السلطان ازبك، فضم مدينة تبريز إلى ملكة وذلك سنة 759هـ، ثم إنه ضم مدينة الموصل وديار بكر وبغداد إلى ملكه سنة 766هـ، ومن بعدها ضم مدينة الري سنة 772هـ.
(2) الابن الأول لأديس: هو الحسين بن أديس بن الحسن الكبير بن تيمور الايلخاني الجلائري تولى الحكم بعد أبيه سنة 776هـ وتوفي سنة 784هـ ليتولى أخوه أحمد بن أديس الجلائري.
(3) الابن الآخر لأديس: هو أحمد بن أديس بن الحسن الكبير بن تيمور الايلخاني، ولي الحكم بعد أخيه حسين كرابع الجلائريين، وانتهى حكمه بموته سنة 813هـ، وبه انتهت الدولة الجلائرية، وكان قد اشتهر بـ (بهادر خان).
(197)

(198)


القرن التاسع الهجري


(13/9/1398 = 20/9/1495م)
24- رغم أن الصندوق احترق في هذا القرن إلا أن أي عنصر جديد لم يدخل في بناء الروضة، ولعل عدم بيان التفاصيل عن هذه التعميرات التي قدمت للروضة هو من وراء عدم رصد شيء في هذه الفترة، ومما تجدر الإشارة إليه أن أكثر من أنفق على الحرم الحسيني كانوا من التركمان.
(199)

(200)