الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

اسم الکتاب : الحسين وأهل بيته وأنصاره (الجزء الرابع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : دائرة المعارف الحسينية / المركز الحسيني للدراسات /لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

ش52462
(62)
سلاسل حديدة للحفاظ على طريق الزائرين أثناء الازدحام
* وفي هذه السنة أيضاً تم تركيب عدد من مكيفات الهواء في سطح الروضة لتكييف الروضة والأروقة المحيطة بالروضة وقد قاموا بتركيب فوهاتها من السقف ضمن أطر هندسية جميلة مكسية بالمرايا والنقوش الهندسية كما هو مبين في الصورة التالية:
(142)

ش52563
(63)

فوهات المكيفات الموجهة من سقف الرواق الغربي على مقربة من مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي

* وفي سنة 1427م وضعوا سلاسل معدنية أمام الطارمة للحفاظ على طريق الزائرين أثناء الازدحام وإقامة صلاة الجماعة.
* في 19/1/1427هـ، تم إنجاز مشروع تجديد تذهيب المنارة الشرقية للمرقد الحسيني الشريف، وقد استخدمت فيه 5537 لوحة من الذهب (طابوق من الذهب)، ولزيادة حجم اللوحات عما كانت عليه سابقاً فقد زاد ارتفاع المئذنة مقدار 60 سنتمتراً.
* في 28/11/1427هـ، مساء يوم الأربعاء تم عقد اجتماع موسع في مدينة قم بين المسؤولين وأعضاء اللجنة المعتمدة لصنع ضريح جديد للإمام الحسين «عليه السلام» والذي رصد لذلك مبدئياً مبلغ مائة مليون تومان(1) وتم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدولار الواحد يعادل في هذا التاريخ 924 توماناً.
(143)

ش526
(64)
صورة حديثة عن المئذنة الشرقية بعد الانتهاء من تجديد تذهيبها بتاريخ 21/12/2006م.

التوقيع على ذلك من قبل أعضاء اللجنة والمسؤولين الرسميين وفي هذا الإطار صرح المهندس المشرف على صناعة الضريح السيد عباس محتاج: إن المدة المتوقعة لإنجاز الضريح هي ما بين 18 – 24 شهراً، وقد صرحت الجهة المسؤولة أن المبالغ التي وضعت في الحساب المصرفي لهذه الغاية من تبرعات المحسنين بلغت 500 مليون تومان مع العلم أن البدء بالعمل يتطلب تواجد مبلغ 700 مليون تومان، كما وأظهر المهندس بأن المعادن المستخدمة بصناعة الضريح كالذهب والفضة والنحاس والبرونز وغيرها لابد وأن تسلم إلى الجهة المسؤولة في أقرب فرصة ممكنة، وقد أبدى مدير المصرف المركزي الإيراني بأنه مستعداً لتحويل 1/2/1 طن من الفضة و 25 كلغ من الذهب بقيمة مليارد ومائة تومان إلى الجهة المسؤولة عن صناعة الضريح كما وتبرع محافظ قم براتب يوم واحد من راتبه ورواتب الموظفين في المحافظين في المحافظة(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع موقع باز تاب الإيرانية على الأنترنت بتاريخ 13/12/2006.
(144)


أطراف المراقد

 


* في 23/4/1425هـ(1) تم إنشاء مرافق صحية لأجل الزائرين للمرقد الحسيني وذلك على أرض قدرت مساحتها الإجمالية بـ (2500م2) وقد اشترتها إدارة الروضة الحسينية، تقع مقابل باب القبلة الحسيني، وقد تم بالفعل إنشاء 359 مرفقاً صحياً تحت الأرض للرجال والنساء والمعوقين مستخدمين الرخام لإكساء الأرض، والقاشاني لإكساء الجدران ومجهزة بجميع الوسائل الحديثة من الإضاءة والتهوية والمياه ومجاري الصرف الصحي وأماكن لاستراحة الزائرين، كما وانشئت فوق الطابق الأرضي المفتوح مناطق خضراء ونافورات ومساطب ومظلات لاستراحة الزائرين بكلفة مليارين دينار عراقي وذلك بإشراف وتنفيذ المهندس السيد محمد علي الشهرستاني(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الموافق لـ 10/6/2004م.
(2) تقرير من اللجنة المشرفة على الإعمار في الروضة الحسينية في كربلاء، ومجلة صدى الروضتين: 3/5(1405هـ - 2004م)، وذكر بأن تجار إيرانيون تبرعوا لذلك بإجازة من المرجع الشيخ جواد التبريزي الذي توفي سنة 1427هـ.
(145)

ش528
(66)
الحمامات الحديثة

ش529
(67)
المغاسل الحديثة

(146)

ش530
(68)
الميضاة الحديثة

في 22/11/1426هـ(1) بوشر العمل بتسقيف جزئي لمنطقة ما بين الحرمين لوجود الحاجة الماسة لأماكن مظللة لجلوس الزائرين أو مشيهم أيام الشتاء لتقيهم الأمطار وأيام الصيف لتقيهم أشعة الشمس الحارقة، وانتهوا من العمل في 17/12/1426هـ(2) وقد تبرع بذلك أحد المؤمنين، وقد استخدم فيه الصفائح الحديدية غير القابلة للصدأ واستخدم الحديد الذي اعتمدت عليه الصفائح الحديدية بقياس 15سم (18غ) وبارتفاع 2,75م، والجزء المعلق منه بمسافة ستة أمتار، وقد شكل الجانب الواحد مساحة ألف متر مربع، وأما المساحة الكلية فهي 3500 متر مربع. ومن المتوقع أن يتم المشروع بتزويد هذه المظلات بالمصابيح المناسبة وبالمراوح لأيام الصيف بالإضافة إلى مقاعد لجلوس الزائرين. والكلفة الإجمالية لهذا المشروع قدرت بـ 350 مليون ديرنا عراقي(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الموافق ليوم الأحد 25/12/2005م.
(2) الموافق ليوم الثلاثاء 17/1/2006م.
(3) تقرير عن اللجنة المشرفة على الإعمار في الروضة الحسينية في كربلاء.
(147)

ش531
(69)

المرقد الحسيني من الجو وتظهر فيه المسقفات ما بين الحرمين باللون الأزرق والبني

* في سنة 1426هـ تم إنشاء عدد من البرادات الكبيرة للمياه حول الحائر الحسيني وقد غلفت بالرخام وتحتوي على جابيات للوضوء أيضاً(1).
ش532
(70)
برادات حديثة للزائرين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقرير من اللجنة المشرفة على الإعمار في الروضة الحسينية في كربلاء.
(148)
الروضة الحسينية
من
الزاوية الفنية
(149)

(150)

 

الصرح الحسيني والفن المعماري

 

بعد أن أنتهينا من بيان تاريخ المرقد الحسيني الشريف في كربلاء المقدسة عبر القرون إلى يومنا هذا بكل ما تحمله من تفاصيل تخص العمران إلى جانب الأحداث التي ألمت بهذا المرقد الشريف بما حمله لنا من معطيات تاريخية حضارية تارة، ومأساوية تارة أخرى صنعتها الأيادي الأثيمة، وجب علينا بيان ما يخص الجانب الفني من هذه الدراسة التي نلتمس فيها الكمال الذي دوماً نلاحقه رغم علمنا بأن الكمال لله وحده، ولكن من باب: «رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه» نتوخى أن نكون في مسيرة الكمال، ولا شك أننا من طلابه.
وهذه الدراسة ككل الدراسات الجامعة في هذا الصدد لا بد وأن تنتهج الحديث عن أمور ستة، ألا وهي: 1- المواد، 2-الطراز، 3- الهندسة، 4- النقوش، 5- الألوان، 6- الخطوط.
ومن هنا فإن فصول هذه الدراسة ستقع في ستة فصول نبدأ بها حسب التسلسل المعماري الذي ذكرناه، ومما تجب الإشارة إليه أن الثلاثة الأولى ترتبط بالبناء، والثلاثة الأخرى تخص الكساء، وبهذا الشكل يمكن الوصول إلى الغاية المتوخاة من وضع هذه الفصول، كما لا بد من الإشارة إلى أن أهمية الكساء تعادل أهمية البناء، فالبنية الأساسية والكسوة الجمالية تكمل إحداهما الأخرى لتقدم للحضارة هذا النمط الحضاري المميز والذي أصبح رمزاً لمراقد المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام.
(151)

(152)


الفصل الأول


(المواد)
وربما أطلق عليها العناصر(1)، والمراد بها هي المواد الأولية التي استخدمت أو لا زالت تستخدم في بناء هذه المراقد المقدسة والتي منها الصرح الحسيني المبارك، ومن المعلوم لأهل هذا الفن أن مواد البناء وإن تطورت إلا أنها لم تخرج عن أصولها كثيراً، بمعنى أنها لم تخرج عن أصولها كثيراً، بمعنى أنها لم تتغير في أصولها وغنما تطورت صناعتها ونوعيتها.
والحديث عن مواد البناء لا بد وأن يقسم إلى مراحل حسب تطور الحضارة، وهذا الأسلوب هو الأنسب للبحث، والحديث عنه هنا يأخذنا إلى تاريخ البناء نفسه وللعلم فقد بدأ بناء هذا الصرح الحسيني في عام استشهاد صاحبه الإمام أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» وحيث أقاموا البناء على قبره الشريف منذ سنة إحدى وستين للهجرة النبوية الشريفة، وهذا ما توصلنا إليه وسنورد تطور البناء وموارده في المقاطع التالية حسب القرون:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العناصر: ومفردها العنصر، وله ثلاث اتجاهات: الاتجاه المستخدم في علم الكيمياء ومعناه: هو المادة التي لم يمكن تحليلها بالطرق الكيمياوية – حسب تطول هذا العلم -، ويمثلون لكل عنصر برمز معين كما في الأوكسجين، الاتجاه المستخدم عند أرباب الفن المعماري: فالمراد به المنشآت التي تشكل هذه المباني، وعلى سبيل المثال المسجد، يتشكل من المصلى، والمحراب، والمنبر والصحن والمئذنة، وأما الاتجاه اللغوي: فله معانٍ مختلفة أنسبها المعرف بـ «الأصل»، و«المادة»ن والأخير هو المراد به هنا لو استخدمناه.
(153)

(154)


القرن الأول الهجري


(16/7/622 – 23/7/719م)
1- الدفن: وقد تم بتاريخ 13/1/61هـ(1)، والعناصر المستخدمة في الدفن هي كالتالي:
أ- التراب(2): من المعلوم أن الدفن يتم في التراب كما هي السنة المحمدية التي فرضها الإسلام، وقد علم الله سبحانه وتعالى قابيل على مواراة جسد أخيه هابيل أول المتوفين على وجه الكرة الأرضية من سلالة البشرية هذه، إذاً فإن المادة الأولى التي استخدمت في بناء الصرح الحسيني كانت التراب(3)، إذ لم يعهد أنهم استخدموا غير التراب(4) في دفن جسد الإمام الحسين «عليه السلام»، بل المتيقن أنه كان خالصاً، ومن المعلوم أن التراب(5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/245.
(2) التراب: بضم التاء، له في اللغة معانٍ مختلفة، والمراد به هنا المعنى المعروف له، ألا وهو ما نعم من الأرض، وما علا على سطحه، والجمع منه يأتي على أتربة، وتربان وله لغات أخرى ربما جاوزت العشرة: الترب، الترباء – بالفتح -،الترباء – بالضم، التورب، التيرب، التوراب، التيراب، التريب- بالكسرـ، التريب – بالفتح – انظر لسان العرب: 2/24.
(3) التراب: صنفه علماء الطبيعة القدامى بأنه بارد جاف – راجع تحفة حكيم مؤمن: ومن المعلوم: أن جميع المواد المأكولة أو المشروبة أو غيرها كانت تصنف إلى أربعة أصناف: 1- حار جاف، 2- حار رطب، 3- بارد جاف، 4- بارد رطب.
(4) ويذكر أنه دفن على حصيرة بورياء – راجع تاريخ المراقد: 1/274 -، ورغم ذلك فلا يمكن عدها من مواد البناء في هذه المرحلة، حيث إن حالها حال الكفن الذي لا يعد جزءاً من مادة البناء.
(5) التراب: استخدمه الأطباء القدامى في التداوي به، كما اعترفوا بأن مكوناته تختلف من مكان إلى آخر، ومن هنا فقد كان يتداوى به حسب تلك المكونات – راجع =
(155)
مادة أساسية للبناء، وهو يتكون من عدة عناصر، وكان القدامى يرون أنه أحد العناصر الكونة للحياة: التراب(1)، والماء، والهواء والنار(2) ولكن العلم لاحديث اتجه إلى تجزئة الكثير من المواد ليصل إلى أن العناصر تفوق المائة(3)، ولا حاجة لنا للحديث عن العناصر المكونة لمجمل الحياة، بل إن بحثنا هو عن التراب(4) الذي يحتوي على أكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تذكرة أولي الألباب: 1/91، والإسلام أيضاً يعترف باختلاف مكونات التراب، أو اختلاف نسبها، وذلك في مسائل عديدة، منها مسألة مقدار مواراة الجثمان حسب نوعية التربة، وفي مسألة عدم تلوث الماء بسبب حفر الآبار وتحديد بعدها من الكنيف حسب نوعية التربة، وفي مسألة التطهير باستخدام المياه المخلوطة بالتراب، وبالأخص المغيرة للون الماء، وفي مسألة التطبب ببعض الأتربة، بالإضافة إلى مسألة التيمم وغيرها.
(1) لا يخفى على أحد مدى تأثر التراب بالماء، والنار، والهواء، سواء في تكوينه أو في تطور حالاته، فالتراب الذي نستخدمه مدين للعناصر الثلاثة الأخرى، وهي دخيلة في تكوينه بل في الاستفادة منها في مختلف مرافق الحياة.
(2) كان تصورهم أن الكرة الأرضية مكونة من أربع طبقات: التراب، ثم حوله الماء، بشكل تقريبي – ثم يحيط به الهواء، ومن ثم النار.
(3) راجع الموسوعة العربية الميسرة: 2/1242.
(4) التراب: للتراب عند أهل اللغة أسماء وصفات واستخدامات للكلمة لا بأس بذكرها كما وردت في فقه اللغة للثعالبي: 95، نذكرها حسب الحروف الهجائية: 1- البوغاء: التراب الرخو الدقيق الذي كأنه ذريرة، 2- الثرى: التراب الندي – وهو الذي لا يتحول إلى طين لازب إذا بل -، 3- الجرثومة: التراب الذي يجمعه النمل عن قريته، 4- الدقعاء: مثل البوغاء، 5- الدماء: التراب الذي يخرجه الحيوان من جحره، 5- الدمال: التراب الذي يخلط مع السرقين (السرجين) ويسمد به النبات، 7- الراهطاء: التراب الذي يخرجه اليربوع من جحره ويجمعه، 8- الرغام: التراب المختلط بالرمل، 9- السافياء: التراب الذي يذهب في الأرض مع الريح، 10- السماد: التراب الذي يسمد به النبات، 11- الصعيد: تراب وجه الأرض، 12- الطين: التراب الممزوج بالماء، وله أصناف وأسماء، 13- العفاء: التراب الذي يعفي الآثار، 14 – العفر: وهو كالعفاء، 15- الغبار: التراب الدقيق الذي يتطاير مع الريح، وله أصناف وأسماء، 16- المور: التراب الذي تمور به الريح، 17- النبيثة: التراب الذي يخرج من البئر عند حفرها، 18- الهابي: التراب الذي دق وارتفع، 19- الهباء: التراب الذي تطيره الريح فيلصق بالوجه والثياب.
(156)
العناصر(1) بمختلف حالتها(2).
وما يهمنا من كل هذا أن التراب(3) الكربلائي منذ عهد التأريخ فإنه خليط بين الرمل الصحراوي والتراب النهري، فلذلك يكون رخواً خفيف اللزوجة بخلاف التراب البغدادي الذي يعد من التراب والطين اللازب، والتراب النجفي الذي يغلب عليه الرمل، ومن هنا فيعد ترابه خصباً صالحاً للزراعة فلا هو لا زب ولا هو محبب، وهذه الطبيعة اكتسبها من الموقع الجغرافي، حيث تقع كربلاء على أطراف الصحراء – بادية الشام – وعلى مقربة من شواطئ نهر الفرات.
إذاً ففي المرحلة الأولى استخدمت مادة التراب في الدفن، وربما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التراب: يحتوي على آلاف المركبات التي نشأت من أتحاد العناصر الطبيعية التي فاقت مائة عنصر بحسب معرفتنا – انظر أسرار الكون في القرآن: 310، ويذكر أن التراب الذي خلق منه الإنسان يتركب من اثنين وعشرين عنصراً لحد اكتشاف اليوم، والتي منها: الكربون، الأوكسجين ، الأيدروجين، الفوسفور، الكبريت، الأزوت، الكالسيوم، البوتاسيوم، الصوديوم، المغنيسيوم، الكلور، الحديد، المنغنيز، النحاس، اليود، الفلورين، الكوربالت، السلكون، الزنك، الألمينيوم – إلى غيرها – انظر: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لمحمد سامي: 101 وموسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لمارديني: 259.
(2) للتراب حالات مختلفة بل مراحل متنوعة، فالرمل مثلاً بأقسامه المتعددة الأصفر والأحمر والأسمر والأبيض والأزرق يعد نوعاً من أنواع التراب، والكلس بأنواعه يعد نوعاً من أنواع التراب بشكل عام، كما أن الزرنيخ، وتراب الخزف، كلها تعد أنوعاً من أنواع التراب، إلا أن نسبة مكونات كل واحد تختلف عن الآخر، ولكل منها استخداماتها الخاصة فالزجاج مثلاً يصنع من الرمل، والجص من الكلس، والخزف من تراب خاص بها، وهكذا، ولك من أنواع التراب خصائصه ومميزاته.
(3) التراب: إن التراب بشكل عام يتكون من جزئيات صلبة وعلى فجوات قد تكون مملوءة بالماء أو بالهواء أو كليهما معاً، وكل من هذه الأركان الثلاثة يلعب دوراً مهماً في طبيعة التربة بالإضافة إلى مكوناته، وفي علاقته بالبناء الذي يراد إقامته عليه، وتتميز تربة سهل الرافدين والتي منها تربة كربلاء بكونها رسوبية وطبقية وتتواجد فيها طبقات رملية في أعماق مختلفة، والتربة الكربلائية تكونت من الرمال الصحراوية التي قذفتها الرياح من الجنوب الغربي، والرسوبات النهرية التي امتدت إليها من الشمال الشرقي، فكونت طبقاتها منهما.
(157)
الطين أي التراب الممزوج بالماء لارتفاع القبر ليكون معلماً يهتدي إليه الناس(1).
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الإمام الحسين «عليه السلام» وضع في لحد كما هي إحدى السنن الإسلامية في دفن الميت، وللحد في اللغة: هو الشق في جانب القبر سمي به لأنه قد أميل عن وسط القبر إلى جانبه(2).
ومعناه في الصطلاح الشرعي لا يختلف عن ذلك ولكن يصنع اللحد على شكلين، الشكل الأول: يشقق على الطرف الخلفي للميت بمقدار طول الميت وعرضه وبارتفاع جلوس الإنسان ليوضع الميت فيه بشكل يكون وجهه إلى القبلة ورأسه إلى جهة اليمين للواقف باتجاه القبلة ورجله إلى جهة شماله ويوضع أمام هذا الشق الجانبي بعض الفواصل العازلة للتراب عنه مثل الطابوق وغيره.
الثاني: أن يحفر القبر نفسه ويوضع بمقدار ارتفاع من يجلس فيه طابوقاً أو حائلاً ليهال التراب عليه بحيث لا يضغط التراب على جسد الميت مباشرة.
وقد جاء في الرواية أن هذا القبر أن هذا القبر قد شقه وحفره رسول الله (ص) وهيأه، وحدوده كانت معروفة عند الإمام السجاد «عليه السلام»، وبما أن أرض كربلاء كانت رخوة فاحتمال أن يكون اللحد من الشكل الثاني وارد، وربما كانت عناصر السقف الذي أهيل عليه التراب كفاصل بينه وبين جسد الإمام «عليه السلام» من القصب والحصير البارية، ويخال لي أن عمق الحفرة (القبر) كان بمقدار قامة الإنسان إلى حد الترقوة والذي هو مستحب وبالأخص في الأرض الرخوة أي في حدود متر وربع، وذلك من حد اللحد إلى سطح الأرض، حيث هو المستحب، ومن المفترض أن يكون ارتفاع اللحد في حدود 65 سنتيمتراً حيث يستحب أن يكون بمقدارٍ يمكن الجلوس فيه فمجموعه يكون 190 سم.
ب – البارية: هي الحصيرة التي تصنع من القصبة، حيث تفتح القصبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الشكل 143 من تاريخ المراقد: 1/247.
(2) لسان العرب 12/ 246.
(158)
لتصبح مسطحة ثم ينسج بعضها ببعض خطوط من الطول وأخرى من العرض، وتستخدم في الجلوس عليها وبناء الأكواخ والبيوت وبما أن الوجه الظاهر للقصب صقيل فإنه يكون مقاوماً للماء والرطوبة، وهي أفضل الحصر التي كانت تستخدم منذ قديم وقد فرش قبره «عليه السلام» بهذا النوع من الحصر، وهذا أكثر ما يمكن تقديمه آنذاك لدفن الإمام «عليه السلام» وتكريمه.
ومن المعلوم أن القصب نبات مائي أجوف من فصيلة النجليات له عقد، ولونه أصفر ذهبي يبلغ طول الكبير منه أربعة أمتار(1) ينبت حول المستنقعات والغدران، وله أنواع فالقاسي منه يعمل منه المزامير، بل ويصنع منه الكراسي والمناضد وغيرها، وهناك نوع آخر مملوء داخله يعرف بقصب السكر، عصير لذيذ، ويصنع منه السكر، وهناك أنواع خفيفة منه يصنع منها السلال والحصر بل ويسقف بها، وكان قديماً يصنعون من القصب دور الضيافة عند القبائل على شكل قوسي ولطيف يدوم عندهم عقوداً من الزمان، وكان العراقيون في سالف الزمان وإلى اليوم في القرى الواقعة على شواطئ النهرين يصنعون مثل هذه البيوت والمضايف، كما كانوا سابقاً يستخدمون القصب كقلم لكتابة.
ومن المعروف أن على مقربة من أرض كربلاء في القرون الأولى كانت أجمة قصب حيث كانت أرضها منخفضة تجتمع فيها مياه الأمطار وفائض نهر الفرات فتنبت القصب وكان يعرف بأنها مأسدة أي فيها عرين للأسد، وما قصة الأسد مع خادمة فاطمة الزهراء «عليها السلام» فضة النوبية إلا دليل على وجود هذه الأجمة التي تحدث عنها المحدثون في مؤلفاتهم.
2- السقيفة: لقد تم إنشاء السقيفة(2) من قبل قبيلة بين أسد الساكنين في الأراضي المجاورة لمرقد أبي عبد الله الحسين «عليه السلام»، ونتوقع أن يكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المراد بالطويل: الشائع منه، وإلا فإن هناك ما يصل إلى 25 متراً، وقد يصل قطره إلى حوالي 3 أو 4 سنتيمترات، ويسميه البعض بـ «حشيشة الرمل» والغالب أنها تنبت بشكل طبيعي، والقصب لا تؤثر فيه الحشرات بسرعة، ولتؤثر بالحرارة إذا تعرض لها بشكل متواصل.
(2) السقيفة: كل ما احتوى على سقف دون أن يحاط بجدار، وذلك لغرض التظليل، كما في سقيفة بني ساعدة وغيرها في المدينة المنورة.
(159)
تاريخ إنشائها قبل هلاك يزيد بن معاوية بتاريخ 14/3/64هـ وذلك لضعف الحكومة الأموية في أواخر حكمه(1) وعدم تماسك أركانها وعدم التمكن من السيطرة على البلاد. حيث ظلت النزاعات الداخلية فيما بينهم قائمة، بينما ازدادت انتفاضات المعارضة من هنا وهناك.
وبعيداً عن تاريخ إنشاء السقيفة فإن المواد المستخدمة في إنشاء مثل هذه السقيفة حسب استطلاعنا لتلك الفترة الزمنية لم تكن إلا مواد محلية أولية، والتي كانت متداولة آنذاك، ألا وهي: جذع النخلة، وجريدها وسعفها، وليفها، بالإضافة إلى الطين.
أ- جذع النخلة: هو ساق النخلة – شجرة التمر -، وبما أن منطقة كربلاء منذ ذلك الوقت كانت مكتظة بالنخيل فإن بني أسد وغيرهم من القبائل العربية التي كانت ساكنة في تلك المناطق أخذت تستخدم الجذوع في إنشاء بيوتها كأعمدة وسقوف وأبواب، وكانت المنشآت المستخدمة آنذاك على شكلين: الأولى على شكل دور سكن تحتوي على غرف وساحة ومرافق، والثانية بيوت استراحة تقيهم حرارة الشمس وزخات المطر.
وبما أن نصوص الأحاديث والمصادر التاريخية ذكرت أن بني أسد أقامت سقيفة على قبر أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» ونجله علي الأكبر، فلا بد أن تكون المنشأة على الشكل الثاني، والسقيفة عبارة عن عدد من الجذوع التي تستخدم كأعمدة وتدفن قاعدتها في الأرض وتربط أعاليها بأجذعة أخرى تمد كجسور بين الأعمدة ومن ثم يكسى سقفها بالسعف وجريد النخل، وتربط عادة بالليف وتطين لكي تتماسك أولاً، وتمنع من نزول الأمطار ثانياً.
ومن المعلوم أن جذوع النخل رغم أنها تتفاوت من نوع إلى آخر إلا أن في مجملها تساق في سياق واحد من حيث عمرها، ومدة مقاومتها، وحسب استطلاعنا أن النخلة التي يتجاوز عمرها العاشرة تصلح للبناء، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منذ أن قتل الحسين «عليه السلام» ورجع آل رسول الله (ص) إلى المدينة بدأ حكم يزيد ينهار، وفي وقعة الحرة، وضرب الكعبة انشغلت الحكومة الأموية عن مرقد الإمام الحسين «عليه السلام»، فحينها بنيت السقيفة حسب الظاهر.
(160)
بد أنهم استخدموا في هذا البناء المقدس ما كان منها طويلاً ليغطي القبرين – الحسين ونجله «عليه السلام» - والذي يسميها العرب بالسحوق(1)، ولا بد أن لا يقصر طول الجذع المستخدم عن أربعة أمتار، لتكون السقيفة بالأبعاد التالية: أربعة أمتار طولاً ومتران عرضاً ومتران ارتفاعاً إلى متر ونصف.
والجذع في العادة يقاوم في البناء حدود مائة عام إذا لم يتعرض للمطر والشمس الشديدين شرط أن لا تنتزع قشرته الخارجية، وتتضاعف مقاومته إذا طلي بالقار(2) أو القطران(3)، وبما أن هاتين المادتين كانتا متوفرتين في تلك المنطقة كالكوفة والحيرة، ومستخدمتين أيضاً فلربما استخدمهما من قبل بنو أسد في إنشاء السقيفة الحسينية، أو طلي الجذع بالطين على أقل تقدير كما كان سائداً حتى وقت قريب.
ب – جريد النخلة وسعفها: الجريد(4) بمثابة الغصن في الشجر، والخوص(5) بمنزلة الورق من الشجر، والسعف: هو الجريد مع الخوص، أي الغصن مع الورق، ومن المعلوم أن جريد النخل مقاوم أكثر من الخوص(6)، وهذا يعود إلى أمرين: التركيبة، والسماكة، وكانوا منذ القدم يستخدمون جميع أجزاء النخلة في منشآتهم من الدور والمحال والمحافل التي تجمعهم كالمساجد والأضرحة، بالإضافة إلى سائر حاجاتهم، فكانوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السحوق: النخلة التي تناهت في الطول مع حفظ مقاومتها، ولا يخفى قد يبلغ طول الجذع إلى أكثر من عشرين متراً.
(2) القار: والقير، مادة سوداء معدنية تستخرج من الأرض، بل تطفو على سطح الأرض تطلى بها السفن، وبعض الحيوانات كالإبل وربما للحفاظ عليها، وقيل هو الزفت بعينه.
(3) القطران: مادة نباتية، على شكل سائل دهني يتخذ من بعض الأشجار، تطلى بها الحيوانات ويداوى بها، وتطلى بها الأشياء للحفاظ عليها من التآكل ومن تأثير بعض الحشرات القاضمة.
(4) السعف: يتراوح عدده من 30 – 150 سعفة في النخلة الواحدة.
(5) تتألف الجريدة من: 1- النصل: ويكون فيه الخوص والأشواك، 2- الكربة: وهي قاعدة الجريدة، 3- الخوص: وهي الوريقات على جانبي الجريدة أو السعفة، 4- الشوك: ويكون في نهاية السعفة.
(6) عمر الجريدة يتراوح ما بين 3 – 7 سنوات.
(161)
يصنعون منها المراوح اليدوية، والأسرة، والكراسي، والأقفاص، والحصر، والمكانس، والزبلان، والحبال، والسلال، والأوعية، والقبعات، إلى غيرها.
ج – الليف: هو نوع خيوط نباتية مشبكة تلتف حول جذور السعف والجريد في النخلة للحفاظ على نمو السعف في بدو نشأته، وأهم ما يصنع منه الحبال وبعض الآلات المساعدة للإنسان لحمل أثقاله على الدواب، بل ولتسلقه النخلة، وأحزمة يشدها الرجال على وسطهم وكذلك النساء، بل استخدمت في العقال، وأحزمة يشدها الرجال على وسطهم وكذلك النساء، بل استخدمت في العقال وغيرها، وما يرتبط بنا، فإن الليف والحبل استخدم في ربط الأجذعة والسعف إحداها بالأخرى، ولملء الفجوات بين الأجذعة والسعف في السقف مما يزيد على مقاومة البناء وتماسكه بالأخص إذا غطي بالطين.
د – الطين: سبق وقلنا إن الطين(1) هو التراب الممزوج بالماء مزجاً حقيقياً فمنه ما هو لازب يصلح للبناء، ويقاوم أكثر من غيره حيث يتماسك بقوة، وإذا ما دخل عنصر الخوص (ورق النخل) أو الليف في تجبيله فلا شك أنه يزيد من تماسكه، وهذا ما كان سائداً آنذاك، ولم يكن إنشاء السقيفة شاذاً عن البناء الذي كان يقام في تلك الفترة فلا نستبعد استخدامه في السقيفة الحسينية، واستخدام الطين جاء كعنصر أساسي أيضاً في بناء السقف وركاز الأعمدة التي أرسيت في الأرض، بل ربما بلطوا أرض المرقد بالطين، فيما يمكن أنهم استخدموه لبناء القبر نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطين: له أسماء وصفات وقد ذكرها الثعالبي في فقه اللغة: 297، ننقلها بتصرف حسب الحروف الهجائية: 1 – الثأطة: ما كان رطباً، 2- الثرمطة: ما كان أكثر رطوبة من الثأطة، 3- الحمأ: الفاسد منه بالماء، 4- الرداع: ما كان رقيقاً، 5- الردغة: ما كان أشد من الوحل، 6- الرزغة: ما كان أشد من الردغة، 7- السياع: ما كان مختلطاً بالتبن، 8- الصلصال: ما كان حاراً يابساً، 9- الطثرة: ما كان أشد من الثرمطة، 10- العلك: ما كان حاراً طيباً، 11- الغضراء: ما كان علكاً وفيه خضرة، 12- الفخار: ما كان مطبوخاً، 13- اللازب: ما كان علكاً لاصقاً، 14- الملاط: ما جعل بين اللبن، 15 – الوحل: ما ارتطم فيه الدواب، 16 – الورطة: ما وقع فيها الغنم ولا تقدر على التخلص منها.
(162)
ولا يخفى أن الطين قد يستخدم معه التبن، أو الجير، أو الكلس، أو الزرنيخ، لمزيد الاستحكام والتماسك، والدوام، وكان أهل المدينة بل أهل البادية يستخدمون معه شعر المعز للغرض ذاته، وكان البيت النبوي والعلوي في المدينة المنورة على هذا النحو(1).
3- مسجد رأس الحسين: سبق الحديث عن بناء هذا المسجد الملاصق للمرقد الحسيني من جهة الرأس ليفسح المجال أمام الزائرين لإقامة الصلاة فيه، وحسب ما توصلنا إليه فإن هذا المسجد أنشئ قبيل هلاك يزيد بن معاوية في 14/3/64هـ، وظل قائماً حتى عهد منصور العباسي سنة 146هـ الذي هدمه وأخفى أثره.
إن التصور الأولي لهذا المسجد حسب الظروف التي أحيطت بتاريخ بنائه كان بالطبع بدائياً، ولا يبدو لنا أنه اتسع كثيراً عن القبر الشريف، بل ربما نجزم بأنه لم يتجاوز حدود الروضة الفعلية من الجهة الغربية أي بعرض خمسة أمتار من تلك الجهة، وتصورنا أيضاً لهذا المسجد أنه لم يكن أكثر من حيازة أرض وإحاطتها بسور فقط، وعليه فإن مواده الأولية من المفترض أن يكون من الطين المخلوط بالتبن.
أ – الطين: والمراد به اللازب، وقد سبق الحديث عنه.
ب- التبن: وهو ما قطع من سنابل الزرع كالحنطة والشعير وغيرها، ومنذ القدم كان الإنسان قد استخدمها كمادة من مواد البناء الذي كان يخلطه مع الطين ليكون أكثر تماسكاً، ولا يتعرض للانفطار، وحتى أن اللبنات التي كانت تستخدم كطابون خام في البناء كان يستخدم فيها التبن للغرض الذي بيناه.
وما يمكن عرضه هنا أن المسجد المقام عند رأس الحسين «عليه السلام» ليكون بمثابة مرفق من مرافق المرقد الحسيني كانت جدرانه مبنية بالطبع حسب مقومات البناء السائد في تلك المنطقة وفي تلك الأزمة، أي بني من الطين الممزوج بالتبن، والذي يطلق عليه بالسياع، ولا زال هذا النوع من السور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/199.
(163)
مستخدماً في الكثير من القرى والأرياف والبساتين والضيع، ويقام عادة على شكل طبقات لا يزيد ارتفاع كل طبقة عن نصف متر، ليعاد ويرفع عليه نصف متر آخر وهكذا حتى يرتفع حدود المترين أو أكثر منه، أو أقل منه بقليل، ويبلغ سمكه نصفه متر كمعدل عام حيث قاعدته تبلغ متراً في الغالب، وقمته تبلغ ربع متر تقريباً ليكون منتصفه نصف المتر، هذا في الأعم الأغلب، ولم نعهد أن سور المسجد خرج من المألوف آنذاك.
وهذا بحد ذاته تطور عمراني حيث تحول من مرحلة أخرى، إذ وضعت في البداية السقيفة على القبر الشريف ثم ألصق بها مصلى مسوراً بسور من الطين.
4- الصندوق: عبارة عن مكعب مجوف يستخدم لأغراض مختلفة، ويتميز هذا الصندوق عن غيره من الصناديق بأنه استخدم ولأول مرة ليوضع على قبر أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» وربما منضماً مع قبر نجله علي الأكبر «عليه السلام»، حيث لم يعهد أن فصل تكريم علي الأكبر عن أبيه الحسين «عليه السلام».
وجاء وضع الصندوق هذا تكريماً لابن بنت رسول الله ليخرج من حالته الأولى التي كانت على شكل كثبان من التراب، ويعود تاريخ وضعه على القبر الشريف إلى سنة أربع وستين للهجرة، ولعله جاء مباشرة بعد هلاك يزيد بن معاوية بتاريخ: 14/3/64هـ.
ومن المعلوم أن المتبرعين له كانوا من قبيلتي بني نضير وبين قنيقاع المدنيين من الذين أسلموا هم أو آباؤهم على يد الرسول (ص) وآله الأطهار «عليهم السلام».
ونحتمل – والله العالم – أن وضع الصندوق على القبر أخذ من الحضارات الأخرى إذ لم نعهد مثل ذلك في الإسلام قبل هذا التاريخ، والصندوق حسب تصورنا السابق كان يشمل القبرين الحسيني والأكبري، ومن هنا فلا بد أن يكون بطولٍ لا يقل عن ثلاثة أمتار ولا يتجاوز الأربعة، وعرض يتناسب مع الطول، ولربما كان عرضه لا يقل عن متر واحد ولا يتجاوز المترين، وبارتفاع متوسط قد يكون متراً واحداً، كل هذه تصورات لا يمكن البث بها لعدم وجود نص يحدد الأبعاد إلا قولهم: «بهيئة حسنة
(164)
وشكل مليح»، وهذا ما يجعلنا أن نبدي مثل هذا التصور الهندسي المقبول.
وأما بالنسبة إلى مواده فلا بد وأن يكون من التالي: الخشب العنصر الأساس، والمسمار، والزيت:
أ- الخشب: المادة المعروفة والمتخذة من الأشجار، وربما كان الخشب المستخدم لمثل هذا الصندوق الذي يراد به تكريم الإمام كان من خشب العرعر، والذي هو شجر من فصيلة الصنوبريات، وله أنواع، ولكن العرعر الكادي كان أكثر انتشاراً في الشرق من غيره، وبما أنه يحتوي على كميات من الزيت فإنه يحافظ على طراوته بل واستحكامه وجماليته إلى أمد بعيد، وكثيراً ما استخدم في صناعة التابوت، وكان يستخرج منه زيت الكاد الذي كان يستخدم لمعالجة بعض الأمراض الجلدية بالطلي، والعرعر من أخوات شجر السرو والعفص، وربما كان أهل الشام والموصل أكثر معرفة به لتكاثره في تلك المناطق وهي ليست بعيدة عن كربلاء.
ومن جهة أخرى فقد كان متداولاً في تلك الأزمنة وقد سبق وذكرنا أن جدران البيت النبوي أيام حياته قد أكسيت بخشب العرعر(1)، ولعل هذا الصندوق يكون الاول من نوعه استخدم على قبور قادة المسلمين، وقد سرى استخدامه في هذا الغرض بعد هذا التاريخ حتى أصبح متداولاً في كل العصور إلى يومنا هذا.
ب- المسمار: اسم آلة اشتق منها الفعل(2)، والمسمار هو الوتد الحديدي، وربما يطلق على كل ما يقوم مقامه من أي مادة صنعت كالخشب والحجر والعظم وغيرها.
إن صناعة مثل هذا الصندوق يتطلب استخدام المسامير الحديدية أو المسامير الخشبية أو الحل والشد بين الأخشاب الطولية والعرضية والسقف، وكان في كثير من المواقع يتم ربط الأخشاب بعضها بالبعض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/ 200.
(29 إن الاشقاق في اللغة العربية على نوعين: نوع يشتق من المصدر اسم الآلة وسائر الأشياء ونوع آخر من اسماء الآلة والأشياء يشتق الفعل منها يوتخذ له مصدراً.
(165)
الآخر بالحبال كما هو الحال في الأسرة، ولا يخفى أن المسامير الحديدية كانت مألوفة آنذاك ومتوافرة في تلك الأزمنة وكانت في الكوفة محال يصنع فيها المسامير على عهد الإمام الحسين «عليه السلام» وأيام مقتله، ولذلك فلا نستبعد أنهم استخدموا المسامير الحديدية، كما لا نستبعد استخدامهم طريقة الحل والشد، وهو العمل على جعل أطراف الخشب كالمشط لتتداخل أمشاط جهة العرض في أمشاط جهة الطول أو بالعكس، وربما استخدموا بعض المواد اللاصقة كالصمغ الذي كان أيضاً متوفراً لديهم.
ت – الزيت: مادة دهنية سائلة تستخرج من النباتات بشكل عام، وربما استخرجت من الحيوانات أيضاً، وكانوا يستخدمونها في أمور عديدة، أهمها: الأكل، والطبابة، والتطيب، وطلي الأخشاب كما في السفن، ولها استخدامات أخرى، وقد تعرف الإنسان القديم على الزيت واستخدمه في أغراضه المختلفة.
وإن الزيت المستخدم لطلي الخشب في الغالب يكون لغرضين، الأول: لمنع تسرب الماء أو الرطوبة كما في السفن مثلاً، ومن هنا فإن نوعيته تختلف عن غيرها، وربما استخدموا القار وأمثاله في مثل هذا الموقع، والثاني: يستخدم لأجل مقاومة الخشب وجلائه، كما في مثل هذا الصندوق، وفي الغالب يستخدم زيت الكادي الذي تقدم الحديث عنه وهو من مستحضرات خشب العرعر السابق الذكر، ولا نريد استبعاد استخدام بقية الزيوتات في جلاء هذا الصندوق.
وربما أضيف إلى زيت العرعر بعض العطور أو الزيوت الأخرى لتكسبه جلاء وطيباً، وكان للطيب المعروف بالخلوق والمستحضر من الزعفران وغيره دور كبير في حياة الناس، حيث كان مستخدماً منذ الجاهلية لتطيب الكعبة المشرفة، بل كانت النساء تتطيب به كثيراً، والخلوق نوعان أصفر وأحمر، وذلك حسب ما يخلط معه من المواد.
5- الروضة: سبق وتحدثنا بأن مفردة الروضة في الفن المعماري أطلقت على المبنى الذي يحتوي على أجداث الأنبياء والأوصياء والأولياء كإحدى التسميات المعروفة، وبما أن الشيء الذي أقيم على قبر الإمام الحسين «عليه السلام» كان سقيفة، وليس بناءً حسب المصطلح المعماري، ومن هنا
(166)
فإن هذه التسمية صحت على المرقد بعد أن أنشأ محمد بن إبراهيم الأشتر النخعي صرحاً عظيماً وذلك حين تولى المختار أمر الكوفة، وقد انتفض على حكم الأمويين بتاريخ 12/3/66هـ، وقد احتوى هذا البناء على قبة- ولأول مرة في تاريخ الإسلام – أنشأت على قبر الإمام الحسين «عليه السلام»، وأحاط مرقده الشريف بجدار وجعل له بابين شرقي وغربي وضم المسجد إليه، ثم اتخذ حوله قرية بعد أن وجد الموالين قد أقاموا بيوتاً من الشعر على أطراف المرقد وحوله.
والظاهر أن ابن الأشتر قد احتفظ بالصندوق السابق الذكر، وإنما أبدل السقيفة بالبناء والقبة، وحسب تصريحات النصوص التاريخية عن هذا المرقد الشريف فإن المواد التي استخدمت في بنائه في هذه المرحلة كانت: الآجر، والجص.
أ – الآجر: بالمد، وهو طبيخ الطين، فارسي معرب(1) أصله آگور: وهي اللبنة المطبوخة(2) وقيل إنه يونانية معربة(3)، ويعرف الآجر عند العامة بالطابوق، ومن المعلوم أن مواد الآجر مواد ترابية، وعليه فتختلف نوعيتها حسب التربة المستخدمة في صناعتها، كما أن لدرجة الحرارة المعطاة لها طبخها، بل المدة التي تتعرض للنار، وكيفية تعرضها للنار دور كبير في صلابتها ورخاوتها ولونها أيضاً. الآجر كان مستخدماً منذ عهد بعيد، رغم أنه كان مكلفاً، إلا أن المباني العامة في الغالب والأخص في العراق بلد الحضارات كانت مبنية من الآجر، وقد سبق وقلنا بأن النصوص التاريخية صرحت بأن ابن الأشتر قد استخدم في بنائه للمرقد الحسيني الآجر، إلا أن النصوص لم تشر إلى نوعيته.
ب – الجص: مادة بيضاء، كلسية في الأساس، تطبخ في درجة حرارة هادئة نوعاً ما، فتتحول إلى مادة قابلة للجبل مع الماء لتكون خميرة سهلة الاستخدام في البناء، حالها حال الطين في الرخاوة والمرونة إلا أنها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب: 1/78.
(2) فرهنك فارسي: 1/32.
(3) منتهى الارب: 1/12، لغت نامه دهخدا: 1/43.
(167)
أقوى منها تماسكاً، وبالأخص إذا خلط بالرماد فيزيدها تماسكاً وقوة.
ويستخدم الجص بين الآجر ليتماسك بعضه مع البعض الآخر، كما تطلى المباني والجدران به لعدة أمور أهمها: 1- جمالية اللون حيث إنه أبيض ناصع، 2- جمالية الملمس، إذ إنه إذا طحن وجبل مع الماء وأكسي الحائط بآلة ملساء أصبح الجدار أملساً واختفت تحته التعرجات، 3- تماسك البناء ومقاومته للمطر والشمس وأمثالهما.
والحاصل أن هذا البناء يعد التشييد الأول من نوعه على قبر أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» حيث بنيت الجدران والقبة من الآجر والجص.
ت – الخشب: وقد استعمل لأول مرة هنا في صناعة أبواب المرقد، إذ المرقد لم يكن له سور، ولا باب، ونستبعد أن يكون البابان اللذان تحدثت عنهما المصادر مجرد فتحة، أي بوابة دون باب لتكون مدخلاً للناس، لأن المتبادر إلى الذهن من كلمة «وللمرقد بابان» أن المرقد كان له بالفعل باب يغلق ويفتح وليس بوابة أو مدخلاً.
وأما عن نوعية الخشب المستخدم فهناك احتمالان، الأول: أن يكون من جذع النخل كما كان سائداً آنذاك، والثاني: أن يكون مصنوعاً من أشجار أخرى، وكان هذا النوع مستخدماً في المباني الرسمية والعامة، ولا نستبعد أن يكون ابن الأشتر الذي كان أحد قواد حكومة المختار وعزم على تكريم هذا المرقد قد استخدم خشب التوت أو الجوز أو أمثالهما في صناعة أبواب المرقد، كما هو متعارف عندهم في صناعة أبواب المدينة المسورة كالكوفة القريبة من موقع كربلاء.
وسنأتي على بعض التفاصيل عن مجموع ما تحدثنا عنه هنا لدى بحثنا عن الطراز المعماري إن شاء الله تعالى.
6- الصحن: سبق وعرفناه بأنه المكان الرحب المحاط أو المتصل بالمرقد أو المسجد(1)، ويبدو أن الموالين لأهل البيت «عليهم السلام» لم يتركوا الحرم الحسيني مهجوراً بل قاموا بتطويره شيئاً فشيئاً حيث شيدوا سوراً حول مرقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 1/77.
(168)
الإمام الحسين «عليه السلام» قبيل عام 132هـ عام انقراض الدولة الأموية، وربما دعتهم إلى ذلك الحاجة ولعل الحاجة الأمنية من جهة، وكثرة الزائرين من جهة أخرى، وهذه التوسعة الثالثة للحرم الحسيني الشريف، وفي هذا الصحن المبارك كانت تقع قبور الشهداء رضوان الله عليهم، وقد عبر عنه الإمام الصادق «عليه السلام» حين زار قبره الشريف سنة 132هـ بالحائر، وذكر لزيارته بعض الآداب، وقد عرف هذا المرفق المساعد للروضة بالصحن، ثم تطور وتوسع.
إذاً فهناك لحد هذا التاريخ عدد من المرافق التي تكون بمجموعها هذه المنشأة، وهي: المرقد (الضريح) والروضة، والمسجد، والقبة، والصحن، فإذا احتملنا أن الروضة كانت مبلطة بالطين الممزوج مثلاً بشيء آخر يمسكه أو بالآجر، فإن الصحن كما كان متعارفاً في مختلف أرجاء العراق بل وغيرها مفروش بالرمل أو التراب الناعم، كما هو الحال ليومنا هذا في مسجد الكوفة، والمسجد الحرام بالأمس القريب.
وأما الجدار، فالمرجح أنه عمل من الطين على الشكل الذي سبق بيانه، وكان دارجاً آنذاك في مجمل بلاد الشرق حتى ان بعضها كان ماثلاً إلى القرن السابق، كما ان احتمال بنائه على شكل أسوار المدن الكبرى وارد أيضاً، ولكنه بعيد حيث إن مثل هذا يقام عادة من قبل الدول القائمة والتي لم تكن على وفاق مع أهل البيت «عليهم السلام» وأتباعهم، وعلى فرضه فإنه مبنى من الآجر والحص في أحسن أحواله وفي أسوأ حالاته فهو مبني من الطين اللازب المخلوط بالتبن او الشعر، وفي متوسط حالاته فهو مبني من اللبن والطين ومكسي بالطين المخلوط اللازب.
وربما كانت الروضة في مثل هذا التاريخ مفروضة بحصر القصب التي كانت متداولة آنذاك وجرى استخدامها في مثل هذه المراقد وفي المساجد إلى تاريخ قريب جداً.
وأما هندسة البناء والمنشآت فسوف يأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى.
(169)

(170)


القرن الثاني الهجري


(24/7/719 = 29/7/816م)
7- سقيفة الشهداء: بعد سنة 132هـ قام الموالون بنصب سقيفة على قبور الشهداء، ويظهر من النص الذي ذكر هذه السقيفة أنها كانت إلى البناء أقرب منه إلى السقيفة (مظلة)، وهذا ما يقتضيه التطور العمراني حيث أنشئ على قبر الإمام الحسين «عليه السلام» البناء والقبة، وعلى جانب الغرب كان قد أنشئ مسجد، وفي الجانب الشرقي أسقفت مراقد الشهداء «عليهم السلام» لتلحق بمباني ومنشئات الروضة الحسينية الشريفة بشكل عام ليحيطها جميعها سور الصحن.
ولا نظن أن مواد هذه السقيفة تختلف عن المنشآت السابقة الذكر، فلا شيء جديداً من حيث المواد المعمارية، إلا إذا قيل بأنهم اتخذوا من الخشب سقفاً لهذا المبنى، وهو المرجح عندنا، حيث من المؤكد أنها لم تكن على شكل القبة التي يستخدم فيها الآجر والجص، وإلا لذكر ذلك في التاريخ، أو في الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت «عليهم السلام»، بل إن المذكور في النصوص: إنهم بنوا سقيفة وكان لها باب من جهة الشرق.
وفي تصورنا القاصر: إن بناء مرقد الشهداء – رغم أنه خارج حالياً عن بحثنا، إذ المفروض أن يبحث لدى الحديث عن قبورهم، ولكن تداخل البنائين فرض علينا ذكره هنا – كان من الآجر والجص، وسقفه كان من خشب الأشجار، أو من جذوع النخيل المغطاة بالليف والسعف والطين اللازب، وربما المخلوط أيضاً، وهذا النوع البناء كان متعارفاً عند أهل العراق كما وغيرهم حتى إلى تاريخنا المعاصر.
ويؤيد هذا الادعاء أن في سنة 1213هـ عندما أراد السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض أن يزيل الجدار الفاصل بين المرقد الحسيني
(171)
ونجله علي الأكبر من جهة ومراقد الشهداء من جهة أخرى «ظهرت له فجوة وإذا به سرداب كبير سقفه من جذع النخل..»(1)، ومن المعلوم أن أرضية المرقد الحالي يوازي سقف البناء القديم.
إذاً دخل الجذع والآجر والجص والطين مرة أخرى في بناء مثل هذه السقيفة – سقيفة الشهداء – والتي كان لها باب من جهة الشرق، وآخر من جهة الغرب الذي يوصلنا إلى مرقد أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» ونجله علي الأكبر «عليه السلام»، وربما في مثل هذا التاريخ فتحوا الباب القبلي الذي ذكره بعضهم قبيل هذا التاريخ، كما سبق وأشرنا إليه(2).
والحاصل: إن المرقد الحسيني قد أصبح ذا جناحين غربي (مسجد رأس الحسين) وشرقي (سقيفة الشهداء)، هذا كل ما أردنا إيراده في هذا المقطع، وأما بقية التفاصيل فموكولة إلى فصل مرقد الشهداء رضوان الله عليهم.
8- سقيفة الحرم الحسيني: بعد أن طالت اليد الأثيمة من قبل المنصور العباسي(3) سنة 146هـ، حيث هدم المرقد الحسيني بكل مرافقه من الروضة ومسجد رأس الحسين، وسقيفة الشهداء، وجدار الحائر (الصحن)، وقد قام ابنه المهدي العباسي(4) بعد وفاة أبيه بتاريخ 6/12/158هـ مباشرة بإعادة بناء المرقد الحسيني، ويبدو أنه بنى المرقد على وجه السرعة ليكفر عن تمادي أبيه لتهدئة الأوضاع السياسية بل الأمنية التي أحدقت بالعباسيين، حيث إن المؤرخين لم يذكروا بأنه شيد على القبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تاريخ المراقد: 2/116.
(2) راجع تاريخ المراقد: 1/258 و 263.
(3) المنصور العباسي: هو عبد الله الثاني ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس القرشي المكنى بأبي جعفر، والملقب بالمنصور، أمه سلامة البربرية، ولد سنة 98هـ، تولى الحكم بعد أخيه السفاح أبو العباس عبد الله الأول ابن محمد العباسي ليكون ثاني من حكم منهم وذلك سنة 136هـ.
(4) المهدي العباسي: هو محمد بن عبد الله الثاني بن محمد القرشي، المكنى بأبي عبد الله، والملقب بالمهدي، أمه أم موسى بنت منصور الحميرية، ولد في ايذج – بلدة تقع بين خوزستان وأصفهان تولى الحكم بعد أبيه سنة 158هـ ليكون ثالث من حكم منهم من بغداد، اغتيل بالسم وهو في ماسبذان – إيران – وذلك في 22/1/169هـ.
(172)