أَضواءُ  على مدينة الحسين (ع)

اسم الکتاب : أَضواءُ على مدينة الحسين (ع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

 

 

أسلوب التدريس

          ومن الجدير بالذكر بعدما تحدثنا عن جوانب مختلفة عن الحوزة العلمية أن نشير الى الأسلوب في التدريس وبعض الأمور المرافقة للتدريس والتي منها:

          1ـ أسلوب القراءة سواء كان بالعربية أو بغيرها فهو التأني في الكلام وعدم التسرع في القراءة فإن الأساتذة اعتادوا على ذلك، ولربما كان السبب من وراء ذلك هو محاولة ترسيخ الكلام في ذهن المتلقي، والتأني وربما المد في الكلام يسبب استيعاباً أكثر مما لو كانت القراءة سريعة وغير متأنَية.

          2ـ إظهار الحركات من الفتح والضم والكسر والسكون والشدة وملاحظة حرف الوصل والقطع الى جوانب أخرى مما يتعلق بالاعراب والصرف، بل وعدم اللحن فيا لقراءة والتوقف فيما يجب التوقف عنده عند نقل قول، كي لا يلتبس الأمر على المتعلم، وارجاع الضمائر الى محلها.

          3ـ الحدة في المناقشة ما يوجب الهيجان لدى المنافسة مابين الاستاذ والطالب او بين الطلبة في المباحثات الجارية بينهم، ومن ملازماته رفع الصوت وخفضه حسب المفتضى مما يثر الانتباه، ومن لطائف هذا النهج أن الذي لا يعلم بالامر يتصور ان هناك صراعاً، والغالب على المتخرجين من الحوزة أنهم في تعامهلم مع الآخرين يكون كذلك بسبب التعود على هذا المنهج، ولكن الذين له دقة في هذه الأمور فإنهم يغيرون اسلوبهم مع الآخرين وفي المناقشات الاجتماعية.

          4ـ إعتاد طلبة العلم أن يجلس الأكبر سنا أو الاكثر علما على جانبي الاستاذ في الدروس العليا إن كانت على شكل حلقات دراسية، وأما إذا

(169)

كان العدد كبيراً فانه ينفرد في مكانه سواء كان القاؤه من على المنبر أو من على الارض كما هو حال الخطيب والمستمعين، وهكذا في دروس مرحلة السطوح وغيرها.

          5- هناط مصطلحات شائعة بينهم قد لا يدركها من هوبعيد عنهم سواء في دروس الفقه او الاصول او بشكل عام.

          6ـ اعتاد الطلبة على الحضور قبل المدرس، ويعد هذا من آداب التدريس واحترام محفل الدرس والمدرس، وهناك من يرافق المدرس من مقره الى مدرسه ومساعدته على حمل الكتب الضرورية بدلا عنه.

          7ـ قد يترك المدرس بعض المجال بعد الدرس لطرح بعض الاسئلة عليه من قبل الطلبة والاستفادة منه.

          8ـ  في الازمة الغابرة حينما لم يكن هناك راتب شهري للطلبة فان بعض مقلدي المرجع الذي يلقي الدرس على طلابه كانوا يدفعون اليه من الحقوق الشرعية، فكان يوزعها على الطلبة الذين يحضرون درسه فيما إذا لم يكن لديه المبلغ كبير، والا وزعه على كل الطلاب في الحوزة بشكل عام.
          9ـ جرت العادة أن المدرس هو الذي يلبس الطالب العمامة وذلك حينما يجده أهل لذلك من حيث السلوك ومن جهة حصوله على بعض المعارف والعلوم، وعندها يفتخر الطالب بأن استاذه الفلاني هو الذي ألبسه الزي، وبالطبع فان الاستاذ يدعوا له بالتوفيق ويتم ذكل عادة في محفل الدرس قبل البدء فيه أو بعد الانتهاء منه، ويتم ذلك في يوم فرح وسرور، كالأعياد او مواليد المعصومين عليهم السلام.

(170)

حوزة كربلاء والهجرة

          لقد سبق وتحدثنا بايجاز أن هذا الحوزة كغيرها من الحوزات فيها مد وجزر، اذ تكتظ تارة بسبب وجود علم مرموق من أعلام الأمة وفقهائها مع تواجد الشروط الاخرى وفقدانها والتي منها الأمن الذي يعتبر أمراً مهما جداً لطمأنة بال الدارس والمدرس، ومسألة الصحة، فقد كانت الاوبئة في الأزمنة الغابرة تضرب البلاد وتوجب الفتك بمن فيها، ويستوجب عندها إخلاء المكان والانتقال الى حوزة اخرى لممارسة الدراسة ومواصلة التلعيم أو التعلم، الى جانب المسائل المادية التي قد تكون خانقة.

          وأما الهجرة البدائية وحتى لا نتوسع كثيرا فانتحدث عن الحوزة الكربلائية والتي تحيط بمرقد سيد الاباء الامام الحسين ع والذي تهوي اليه النفوس وتعشق زيارته، فاذا ما توفر في حوزتها العامرة العلم الذي يار اليه بالبنان والامن والأمان والصحة والمال فان أرباب الولاء يوجهون أبناءهم للحضور الى هذا المدينة والالتحاق بحوزتها، وحسب مراقبتنا للحركة العلمية والتطور العلمي وتراجم العلماء في هذه الحوزة وجدنا ان المصادر الرئيسية التي هاجر منها طلاب العلم كانت كالتالي:

          1- العراق: بما أن العراق بلد قديم وحضارته كذلك، وقد تقاطعت فيه العديد من الحضارات والدول والممالك فانها كونت فيه كبريات المدن التي تفرخ أبناءها لطلب العلم ومنها العلوم الاسلامية، فكانت في الدرجة الاولى الكوفة وما جاورها، والبصرة بقراها وطيفها، وبغداد وأطرافها، والموصل بنواحيها وأريأفها، وحتى لا نكرر الحديث عن ذلك فان الظاهر من التراجم التي سنقدمها بأن الطلبة من جميع أنحاء العراق قصدوا كربلاء لهذه الغاية، فمنهم الكوفي والنجفي ومنهم البصري والناصري والديواني

(171)

والسماوي، ومنهم البغدادي والكاظماوي والديالي والعكبري والسامرائي، ومنهم الموصلي والتلعفري والكركوكي الى غيرها.

          2ـ ايران: هذه الدولة عريقة كالعراق في تاريخها وفيها مدن وأقاليم كبيرة ومتعددة، وبما أنهم أصبحوا في البعيد القريب من أهل الولاء، وربما كانت إيران من أكثر الدول التي تأسست فيها الحوزات العلمية فانها كانت تصدر الطلاب الى كربلاء سواء من درسوا المبادىء والمقدمات أو أنهم كانوا منذ البدء يتوجهون الى كربلاء للدراسة منذ البداية في حوزتها، ومن الصعب تحديدهم واحصاؤهم، ولكنك ترى الكثير منهم موصوفا بالاصفهاني والطهراني والتبريزي والكرماني واليزدي والدامغني والكرمنشاهي والدزفولي والكاشاني والقزويني و و....، ولعلهم الاكثرية من حي العدد على مدى تاريخ هذه الحوزة وبالاخص بعد أن حكمت ايران دول تتبع المدرسة الامامية.

          3ـ الهند الكبرى: بما فيها باكستان، حيث أنها تعد من الدول ذات الحضارة القديمة بل إنها متعددة الحضارات وفيها الكثير من المسلمين الشيعة التواقين لمعرفة أموردينهم، وفيها تأسست بعض الدول التي تتبع مدرسة أهل البيت ع، وتأسس فيها عدد من الحوزات وأخذت تزداد يوما بعد يوم بدرجة لا يمكن إحصاء مدارسها، وقد دأب العراقيون أن يلقبوا كل من ورد من الهند الكبرى بالهندي، وقليلا ما يلقب باسم مدينته أو بلدته كاللاهوري أو اللكهنوي مثلا وهم يأتون بالدرجة الثانية بعد الايرانيين الفرس، وهؤلاء الهنود لهم لغات متعددة كما أن للفرس لهجات متعددة.

          4ـ أفغانستان: هي الدولة التي مرت عليها حضارات مختلفة حتى آل أمرها الى أن استقلت باسمها وأصبح لها كيان، وبها نسبة كبيرة من الامامية من الذين تمسكوابولاء أهل البيت ع والمعتصبين لارسال نفر منهم ليتفقهوا في الدين، وهم في الغالب يرجحون العلوم العقلية على العوم النقلية، ولذلك نجدهم يتوجهون في الغالب الى دراسة المنطق والأصول والفلسفة والحكمة وما ذلك ويتفوقون على غيرهم، وهؤلاء كجيرانهم يلقبون في الغالب باسم دولتهم وقليلا ما يعوفون بالكابلي والهراتي، ولكن أغلبهم كانوا يتوجهون الى حوزة النجف العامرة.

(172)

5ـ أذربايجان: وسكانها هم الآذريون قبل أن ينقسموا الى قسمين، قسم ظل مع مجموعة الولايات الايرانية وآخر استقل عن الاتحاد السوفياتي السابق بعد تفكيكه، وعلى أي حال فهؤلاء كانوا في تاريخ ما قبل اليوم ناهضين بالعمل على تنشيط الحركة العلمية سواء من حيث التمويل أو من حيث ارسال البعثات للدراسة والتعليم، وهوؤلاء بشكل عام يعرفون بالاتراك، لأن لغتهم لغة تركية آذرية، وتلحق بهؤلاء الأقاليم التي بعدها كنخجوان وايروان وبخارى وسمرقند وما الى ذلك، وهؤلاء انحسر دورهم بعد أن استولت روسيا على دولهم وأخضعتها الى الاتحاد السوفياتي، وبعد التفكيك بدأوا باستعادة عافيتهم.

          6ـ جبل عامل: والمنتمون الهي هم العامليون أن الذين يهاجرون من الشام الكبرى والذين أكثرهم من جبل عامل وبعلبك اللبنانيتين، حيث هم يشكلون الاكثرية في مناطقهم تحت عنوان الولاء لهل البيت عليهم السلام، فلم يكتفوا بأقامة الحوازات وتخريج العلماء حتى بات معروفاً أن ثلث علماء الامامية هم من لبنان، وهؤلاء كان لهم دور في إحياء كل الحوزات العلمية، الا أن دورهم خمد في أوائل القرن الماضي بسببب الاوضاع الأمنية، لكنه عاد الى الظهور بقوة سواء في بلادهم أو خارجها بعد سقوط النظامين البائدين في كل من ايران والعراق، ولكن أكثرهم أخذ يتوجه الى حوزة قم العامرة.

          7ـ الخليج: والذي يشمل الجزيرة العربية والكويت والبحرين وقطر والامارات وعمان، ولكن الهجرة للحوزات منذ القديم كانت تتم من المنطقة الشرقية من المملكة ومن البحرين، وان كان التاريخ يشير الى أن هاتين المنطقتين كانتا منطقة واحدة، والى جانب هؤلاء فان هناك قلة ممن هاجر اليها من سائر المدن الخليجية ومن الكويت أو عمان.

          8ـ سائر الدول الاخرى: والتي يتوجه أبناؤها اليها- كربلاء- على شكل فرادى، ولا يمكن جمعهم الا في تكتل واحد ولو بصعوبة، لأن قلة أعدادهم لا يشكل كما خطيراً ليفرد عنوان خاص.

          هذا وقد تركنا ذكر الأعلام منهم لكي لا نكرر القول، حيث ستجدهم بألقابهم متواجدين في هذا الحقل، حسب الحروف الهجائية، إن شاء الله تعالى.

(173)

 

 

(174)

 

كربلاء والمرجعية

        منذ أن عرفت كربلاء بدورها العلمي البارز بعيد الغيبة الكبرى للامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سنة 329هــ (941م) فان أفقها العلمي قد انبلج عن عدد من الفقهاء الأصوليين والمرجعيات الدينية الذين كان الناس يقلدونهم ويتلقون الأحكام الشرعية منهم، وكانوا في الصف الأول من هذا المقام، حيث كانت أسماؤهم تتلالأ كالنجوم والأقمار والشموس، فاذا ما غابت شمس طلعت أخرى وارتقى القمر ليكون شمساً ساطعاً، ويتحول النجم الى قمر ينبجس وسط السماء في الليل البهيم.

        كانت كربلاء في كثير من الاحيان تتحمل قيادة جميع الامامية التي تعتقد بمسألة التقليد، فكانت سائر المدن والبلدان تخضع لها في أمورها المتعلقة بالأحكام الشرعية، وتارة تجدها تجمع بين القيادتين الاجتماعية والسياسية، ورغم الكثير من المحاولات من قبل الراصدين لضرب فكرة المرجعية بعد غيبة الامام المهدي (عج) فان الحوزة تمكنت أن تتجاوز كل العقبات، فلم تخل هذه المدينة من مرجع خاص أو عام.

        ومن الجدير ذكره أن نظام المرجعية العليا لم يكن في السابق قائماً بل أن كل منطقة كان فيها مرجع للتقليد، حيث أن المواصلات والاتصالات بين المناطق لم تكن سهلة، ولذلك فا الفقيه الجامع للشرائط في هذه المنطقة كان هو المرجع للأمة التي تحيط به الا في بعض الأحيان والتي أشرنا اليها في طيات الحديث عن هذه الحوزة أو في طيات ترجمة هؤلاء الأعلام.

        فاذا ما سئل عن المرجع في يوم من الأيام بالسؤال التالي: من هو المرجع في كربلاء؟ إلا وجدت أن الأنامل تشير الى شخصية مرموقة تقوم

(175)

بكل ما من شأنه القيام به في الأمور الاجتماعية والدينية والسياسية وفي مجالات شتى دونما استثناء.

        وكان بودنا أن نذكر أسماءهم حسب تواريخ تواجدهم، فرأينا من الصعب إحصاؤهم أولا، وهناك تداخل فيما بين شخصية وأخرى، حيث في كثير من الاحيان تتقاسم شخصيتان المرجعية في هذه المدينة وأطرافها، أو بين هذه المدينة ومدن أخرى أو دول أخرى، وقد يكون المرجع الأعلى منها وقد يكون من غيرها.

        ومن المعلوم أن المرجعية قد تتولى الوالية العامة، وقد تتولى الولاية الخاصة، وذلك حسب نظرية المجتهد الذي يتولى شؤون الناس، حيث أن الولاية المطلقة للامام المعصوم ع حسبما أوردناه في كتابنا: الحسين والتشريع الاسلامي، كما وأوردنا مهام المرجعية عند الامامية وشروطها هناك، فليراجع.

(176)

من نافلة القول

        هناك أمور لها أهميتها ولكنها لا تعد من صلب العمل الحوزوي ولكنها ملازمة له كملازمة الظل للشمس، نبينها ضمن نقاط، ليسهل التعاطي معها لمزيد المعرفة.

        1ـ كانت تقام في هذه المدارس حلقات درس أيام العطل الأسبوعية والموسمية والدينية لتلقى دورس أضافية خارجة عن المنهج الدراسي مخصصة لسائر العلوم والفنون ذات الطابع المعرفي كعلم الرياضيات والفلك والطب والعروض والتفسير والاخلاق والأدب إلقاء وكتابة على أيدي أساتذة من ذوي الاختصاص، الى غيرها من المعارف التي انحسر دورها من المنهج الدراسية العام.

        2ـ الطالب في الغالب هو الخلاق المبدع في هذه المدارس، وهو الذي يوجد لنفسه دوراً كبيراً لتوسيع أفق علمه ومعلوماته من خلال البحث والمناقشة وايجاد فرص مناسبة لاجل الحصول على مزيد من المعرفة.

        3ـ كانت هذه المدارس تقيم مجالس الترح والفرح في المناسبات الدينينة، ففي وفيات الائمة على سبيل المثال تسعى الى اقامة مجالس العزاء بالمناسبة، وفي الاعياد ومواليد الائمة ع تقيم الحفلات لاحياء ذكراهم وللتواصل مع عامة الناس من تجار وموظفين من جميع الطبقات، بالاضافة الى تمرين الطلاب على الخطابة والمحاضرة ونظم الشعر وما الى ذلك.

        4- كان كبار الطلاب وبالاخص المدرسين منهم يقومون بمهمات دينية واجتماعية حيث لم تجد مسجدا من دون إمام جماعة أو خطيب بمارس الوعظ والارشاد مما يسبب التواصل مع الناس وارشادهم وبيان الاحكام الشرعية لهم، وهذه من خصائص المدن التي فيها حوزة علمية حيث لا

(177)

 تجد مسجداً شاغراً ولا عاطلاً، بل ان الحسينيات هي الاخرى كانت كذلك.

        5ـ إن المدارس العلمية بعضها كان لها موقوفات سواء في المدينة التي فيها حوزة قائمة أو في بلد الواقف والمؤسس لهذه المدارس، فكانت ترسل بريعها الى هذه المدارس ويوزع على الطلاب، هناك نزورات ايضاً كانت تقدم لهذه المدارس، وكثيراً ما تذبح الذبائح وتوزع لحومها على الطلاب، وكان الطالب يستعين بمثل هذه الموارد لاصلاح حاله المعيشي الهش، وكان الطالب الاعزب يقوم في المدرسة بالطبخ إن كان موسراً نوعاً ما.

        6-عندما بدأت الهجرة القسرية من كربلاء والنجف سنة 1390هــ (1970م)  انتقل معظم الطلبة الى إيران رغم جفوة النظام الملكي البائد فيها آنذاك مع اهل العلم وطلابه، وقد توزعوا على الحوزات العلمية القائمة في ايران وفي مقدمتها قم ثم إصفهان ومشهد وطهران، وهناك بدأوا يواصلون نشاطهم العلمي، فاستمر الطالب في دراسته، وأما الاساتذة فقد انتشرت حلقات دروسهم في مساجدها ومدارسها، وهناك عدد لا بأس به من الاساتذة الذين مارسوا تدريس درس الخارج على الطلبة، مما أكسب الحوزات الايرانية رونقاً جديداً ونشاطاً ملموساً، وآخرون منهم قد أسسوا مدارس عليمة في المدن التي حلوا فيها.

        7ـ الى جانب الحوزة التي كانت هناك فقد كانت تعقد حلقات درس للشباب على المنهج الحوزوي لأجل تثقيفهم بالعلوم العربية وبمبادىء العلوم الاسالمية وايجاد الوعي الديني والعقائدي بل وتنظيمهم، وكان نشاط الحوزة من العلماء والطلاب البارزين الذين يقومون بذلك، استعداداً للوقوف أمام الحكم الجائر الذي كان يحكم العراق في تلك الفترة العصبية وتسليحهم بسلاح العلم والمعرفة وكانت تقام الحلقات بشكل غير علني، وفي أماكن بعيدة عن أ،ظار رجال الأمن وفي المقابر المهجورة والمساجد البعيدة عن الأنظار.

        8ـ كما كانت تقام تعض الحلقات النسوية على غرار التي للفتيات، ولكنها لم تصل الى الحد الذي كانت في كربلاء تعج بالمجتهدات وذوات

(179)

الفتيا في القرون الماضية واليت تكثفت لها حلقات درس الخارج في القرن السابق.

        9ـ وفي ختام النافلة، هناك نفثات خرجت من القلب لعل في طرحها يخفف ما ألم بنا من تخاذل بني قومنا وجلدتنا عن دورهم في أحياء ماضي هذه المدينة المقدسة التي هي مهوى الملايين من الناس فانهم لم يتخلقوا عن استنهاض الحركة العلمية لمدينتهم فحسب بل تعاملوا معها بجفوة وعقوق، فما أن درت مصالحهم في التخلي عنها أداروا ظهرهم عنها وتنكبوا عنها بعدما كانوا يستخدمون الانتماء اليها كورقة مساومة للحصول على نوع من الدعم، ومع الأسف فأن هؤلاء ساهموا بالتعاون مع غيرهم في اعاقة نهوضها، بل ركبوا الموجة التي عصفت بالبلاد والعباد ليركبواء في مراكب المصالح.

        10ـ كلي أمل أن تبقى كل المدن المقدسة حواضر علمية قوية وحصينة بالعلم والمعرفة وتعاد اليها بهجتها على أيدٍ مخلصة متفانية لامجادها، لتكون رائدة يشع منها روح الايمان ويتخرج منها رجال صالحون من ذوي التقوى والفضل والسؤدد وأعلام في الفقه والأصول وسائر العلوم العربية والاسلامية بل وغيرها، رغم أن هذ الزمان لا يعبر أهمية للتقوى والاخلاص والعلم لدى من بيدهم الأمر، بل إن الامور تدار حسب المصالح، ومن هنا اذا ما تقاطعت مصالحهم مع مصالح الآخرين، فجاءت على حساب الحواضر العلمية والمدن ذات القدسية.

(179)

 

(180)

 

تراجم العلماء والفضلاء

        وبعد أن تحدثنا عن مجمل الحركة العلمية في كربلاء المقدسة وتطورها وتاريخها لابد من اكمال الحديث بترجمة من كانوا من وراء هذه الحركة اذ لا تصدق الحركة دون وجود المحرك، ومثل هذه الحركة تحتاج الى أعمدة خمسة: المكان، والمادة، والمال، والمعلم، والمتعلم.

        الأول: فالحديث عن أرض كربلاء المقدسة التي عجنت تربتها بدم الشهادة وانغمست حتى أشعلت سراج العلم والمعرفة والعلماء وأهل العرفان.

        الثاني: المادة وهو العلم، الذي ينتفع به الناس والتوجه نحو المعارف الاسلامية وعلومها، وهذا ما سعى الجميع الى تداوله واكتسابه.

        الثالث: المال، والذي يعد عصب الحياة، ولا يمكن أن يستمر امر الا به، فالنسان المتعلم والمعلم بحاجة الى هذا السيال لتستقر أمور الدراسة والتعليم لديهما.

        الرابع: المعلم والأستاذ، وهو الذي يصل مستواه العلمي الى درجة المرجعية العليا، وقد لا يكون كذلك ولكنه متدرج نحوها حسب المراحل التعليمية الثلاث التي سبق وتحدثنا عنها.

        الخامس: المتعلم والتلميذ، فلا يمكن تصور وجود معلم دون متعلم ولا أستاذ دون تلميذ، فهذان المعلم والمتعلم هما العاملان الأساسيان للحركة العلمية وهما ينبوع التطور والتقدم، ومن هنا وجب إحياء ذكرهم والتحدث عنهم ولو بايجاز وبختصار، ومن المعلوم أن الانسان هو من وراء التاريخ وليس العكس، فهؤلاء هم الذين صنعوا تاريخ الحوزة وحركتها.

(181)

          وفي الواقع إن الذي نقدمه هو معجم بأسماء العلماء والفضلاء الذين مارسوا العلم وتعاطوا المعرفة، وهذا الباب في الأعم الأغلب بالذين تفقهوا في الدين وأحكامه، وأما أهل العلم والفضل في سائر المواد الأخرى فسوف نأتي على ذكرهم في فصول أخرى خاصة بهم من هذا الباب إن شاء الله تعالى.

          هذا وقد رتبنا هذا المعجم حسب الحروف الهجائية ليسهل تناوله والوصل اليه لمن يريد التطلع والاستطلاع.

(182)

 

حرف الألف

 

          1ـ « إَنما يخشى الله من عباده العلماء»(1)                               

                                                                                                          الله جل جلاله

 

          2ـ « أطلبوا العلم ولو بالصين»(2)            

                                                                                                          الرسول الاعظم ص

 

          3ـ اطلب ولا تضجر من مطلب                  فآفةٌ الطالب أن يضجٌرا(3)

                                                                                                          القفال الكبير

 

          4ـ « أطلب العلم من المهد الى اللحد»(4)

                                                                                                          مثل شائع

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة فاطر، الأية: 28.

(2) كنز العمال: 16/113.                                                                               

(3) علو الهمة: 1/203.

القفال الكبيرهو: محمد بن علي الشاشي المتوفى سنة 365هـ.

(4) نهج الفصاحة: 2/665، وليس بحديث مروي عن أحد المعصومين عليهم السلام كما يشاع.

(183)

 

 

(184)

(1)

آسية بنت أحمد المقدسية

ن 589ـ664هــ = 1193ـ1266م

        هي السيدة آسية بنت احمد بن عبد الواحد المقدسي الحائرية.

        ولدت في أواخر القرن السادس الهجري أي في حدود سنة 589هــ (1193م) وترعرت في أحضان العلم والفضيلة، فنشأت نشأة صالحة وأخذت المبادئ العربية ولاسلامية من فضلاء عصرها، ثم تتلمذت عند الشيخ عمر بن محمد بن معمر المتوفى سنة  607هـ (1210م) والشيخ زاهر بن طاهر الشحامي المتوفى في القرن السابع الهجري (13م)، وتصدرت في الحائر الحسيني للتدريس، وكانت بالاضافة الى ذلك تعظ النساء في مجالس خاصة بهن، الى جانب بيان المسائل الشرعية، كما كانت تفتي في مسائل الحلال والحرام، وكانت من الرواة المحدثين تروي فضائل أهل البيت ع، وقد روى عنها الشيخ ابراهيم بن محمد الجويني المتوفى سنة 722هـ (1322م) والمولود في سنة 644هــ (1246م).

        قال عنها الصالحي: عالمة فاضلة، محدثة فقيهة، خطبية واعظة، فصيحة الكلام ذات صلاح وعبادة و راوية من روايات الحديث، وهي سيدة جليلة ذات نبل ومقام رفيع ومن فواضل نساء عصرها وربات الفصاحة والبلاغة، تصدرت للتدريس في الحائر الشريف وكانت تفتي في المسائل العلمية، قضت حياتها بالوعظ والارشاد والعبادة والصلاح، وتولت كرسي مشيخة الحديث(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الصالحي الى المؤلف، وفيها أنه ترجمها في كتابه: كربلاء في حاضرها وماضيها (مخطوط).

(185)

(2)

آغا بيكم بنت محمد علي الطباطبائية

ن 1249ـ 1323هــ =1833ـ 1905م

        هي السيدة آغا بيكم بنت محمد علي بن عابد بن علي بن محمد الطباطبائي.

        ولدت في منتصف القرن 13هـ، أي في حدود سنة 1249هـ (1833م) في بروجرد(1) ونشأت فيها صالحة في بيت علم وتقى، وأخذت مبادئء العربية والاسلامية على فضلاء عصرها، ثم تفقهت على رجال أسرتها، تزوجت من السيد علي الطباطبائي البروجردي(2)، أنجبت له السيد حسين البروجردي(3) الذي تولى المرجعية من قم والمتوفى سنة 1380هـ (1960م).

        وصفها الصالحي: « بأنها من أفاضل نساء عصرها، فقيهة محدثة، عابدة زاهدة، متكلمة خطيبة، كانت محاضراتها تتسم بالوعظ والارشاد، مستدلة بالآيات والأحاديث»، وهذ شأن محاضرات العلماء آنذاك، حيث

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بروجرد: مدينة ايرانية تابعة لمحافظة لُرستان، تحدها من الشمال ملاير ومن الجنوب والغرب خرم آباد، ومن الشرق أراك.

(2) علي البروجردي: هو ابن أحمد بن علي نقي الطباطبائي، ولد في بروجرد وتوفي فيها سنة 1328هــ (1910م)، كان من علماء بروجرد، عرف بالتقى، كان أهالي بروجرد ولرستان وما جاورهما برجعون اليه في أمورهم الدينية.

(3) حسين البروجردي: هو ابن علي الطباطبائي الحسيني (1292ـ 1380هـ)، ولد في بروجرد وتوفي في قم، درس في اصفهان والنجف، سكن قم سنة 1364هـ، وتولى المرجعية بعد وفاة السيد أبي الحسن الاصفهاني سنة 1365هـ، له تجريد أسانيد التهذيب، تجريد أسانيد الكافي، والمسائل الفقهية.

(186)

 كانوا يبحثون في المسائل العقائدية والأحكام الشرعية الى جانب المفاهيم الاسلامية، وقد يختمونها بالرثاء.

        توفيت في بروجرد سنة 1323هــ (1905م) ونقل رفاتها الى النجف حسب وصيتها ودفنت في وادي السلام.

(187)

(3)

آغا حسن بن كلب حسين اللكهنوي

1282ـ 1348هـ =1865ـ 1929م

 هو السيد آغا حسن بن كلب(1) حسين بن محمد يوسف قدوة العلماء اللكهنوي(2).

        ولد في لكهنو سنة 1282هـ (1865م) ونشأ فيها على الصلاح وأخذ من فضلائها وعلمائها المبادئ العامة للعلوم الاسلامية والعربية، ثم الفقه والأصول وهاجر الى كربلاء لمواصلة دراساته العليا فتلمذ على الشيخ زين العابدين الحائري المازندراني المتوفى سنة 1309هـ (1892م) والسيد محمد حسين الشهرستاني المتوفى سنة1311هـ (1894م)  والشيخ محمد حسين المازندراني المتوفى سنة 1339هـ (1889م)، والشيخ محمد حسين المامقاني المتوفى حدود سنة 1310هـ (1892م)، وما ان بلغ مرحلة سامية من الفقه والأصول أجازوه فرجع الى مسقط راسه يتحمل مسؤولياته الدينية والاجتماعية فلما وصلها أجازه السيد آغا اللكهنوي(3) بالاجتهاد سنة 1328هـ (1910م) كان فقيهاً أصولياً وفلكياً بليغاً وزاهداً مولفاً، مارس التدريس في لكنهو كما أولك اليه امامة الجمعة والعيدين في مسجد آصف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كلب حسين: جرت العادة عند الهنود أن يتواضعوا للمعصومين ع ويسمون بأسماء وصفات لا نظن أن المعصومين ع يقبلون بها، وربما كان كلب حسين مخففة كربلائي حسين.

 (2) مطلع أنوار: 38، مستدرك أعيان الشيعة: 5/7.

 (3) سيد آغا اللكهنوي: هو ابن زين العابدين الاله آبادي المتوفى بتاريخ 4/10/ 1321هـ (1903م)، كان من اعلام الهند وصاحب كتاب الحقيقة والخلافة ، وتقرير الليلتين، وأساس الايمان.

(188)

 الدولة، تولى الأمور الحسبية والأوقاف وأصلح بين الطائفتين السنية والشيعية سنة 1326هـ (1908م) كما أسس هيئة صدر الصدور سنة 1319هــ (1901م) والذي سمي في سنة 1323هـ (1950م) بـ(أنديا شيعة كنفرانس)(1) كما أسس هيئة يادرگار علماء(2) سنة 1328هـ (1910م) وأسس بيت المال السيعي سنة 1337هـ (1919م)، له مصنفات بلغت سبعة، منها: رسالة العملية وكتاب آخر يحتوي على فتاواه باسم الفتاوى، وحاشية تحفة العوام، وكتاب حرمان الزوجة عن العقار في الفقه، والغسل واجب لنفسه أو واجب لغيره، أخبار الناطق، وتفسير القرآن، وترجمة المعالم، الى غيرها. توفي في لكنهو ودفن في حسينية غفران مآب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي جمعية الشيعة في الهند، وأضاف المستدرك بانه وضع فكرة معهد للشيعة الذي تم بناؤه أخيراً واعترفت الدولة به رسمياً ويدرس فيه فقه الشيعة عقائدهم الى جانب العلوم الحديثة.

(2) أي جمعية تراث العلماء في الهند، وكان من أولى مهماتها طباعة كتب الشيعة القيمة.

(189)