موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

قال: وفي غزوة الكدر وهي غزوة بني سليم حمل لواء رسول الله (ص) وكان أبيض علي بن أبي طالب وهذه الغزوة بعد بدر بسبع ليال وفي سنتها تزوج علي بفاطمة «عليهما السلام».

                وفي غزة بني قينقاع كان لواء النبي (ص) بيد عمه حمزة بن عبد المطلب وكان أبيض، وفي غزوة قرقرة الكدر حمل لواءه علي بن أبي طالب «عليه السلام».

                وفي غزوة أحد عقد ثلاثة ألوية: لواء للأوس ولواء للخزرج ولواء للمهاجرين؛ فلواء الأوس بيد أسيد بن خضير، ولواء الخزرج بيد سعد بن عبادة وقيل بيد الحباب بن المنذر، ولواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وقيل: بيد مصعب ابن عمير لأنه كان (ص) سأل من كان يحمل لواء المشركين، فقيل: طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وهم أصحاب اللواء في الجاهلية فأخذه (ص) من علي ودفعه إلى مصعب بن عمير وهو من بني عبد الدار، هذا كلامه ولا ينافي لأن مصعب بن عمير قتل في هذه الوقعة فرجع اللواء إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» فاجتمعت الراية واللواء في بني هاشم.

                وذكر قتل أصحاب اللواء من المشركين(1) وهم طلحة كبش الكتيبة ثم عثمان ابن أبي طلحة أخو كبش الكتيبة وأخوهما أبو سعيد ثم مسافع بن طلحة ثم الحارث بن طلحة ثم كلاب بن طلحة ثم الجلاس بن طلحة ثم حمل اللواء أرطاة ابن شرحبيل بن عبد مناف بن هاشم بن عبد الدار فقتله أيضاً علي ابن أبي طالب ثم شريح بن فارظ فقتل ثم أبو زيد بن عمرو بن عبد مناف بن هاشم بن عبد الدار فقتل، فحمله ولده شرحبيل فقتله قزمان، ثم حمله صواب غلامهم وكان عبداً حبشياً فقطعت يداه فبرك عليه فأخذه لصدره حتى قتل عليه، وكان أبو سفيان قال لأصحاب اللواء لواء المشركين من بني عبد الدار يحرضهم على القتال: يا بني عبد الدار! إنكم تركتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم فإما أن تكفونا لواءنا وإما تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهموا به وتوعدوه وقال: نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع وذاك الذي أراد أبو سفيان إلخ.

                قال: وفي غزوة حمراء الأسد دعا بلوائه وهو معقود فدفعه لعلي بن أبي طالب، وفي غزوة بني النضير حمل رايته على بن أبي طالب، وفي غزوة بدر الموعد وهي بدر الثالثة حمل لواء رسول الله (ص) علي بن أبي طالب، وفي غزوة

(1) السيرة الحلبية 2/ 235.

(78)

المريسيع دفع لواء المهاجرين إلى عمار بن ياسر ولواء الأنصار إلى سعد بن عبادة إلخ.

                ومن هنا يستبين لك شطط هذا المتعصب وزيغه عن جادة الصواب، ومن عادة المصنف المنصف أن يتحرى السلوك على نهج الحق، وعمار بن ياسر وإن كان أهلاً لحمل اللواء أمام رسول الله (ص) لكنه لا يتقدم على أمير المؤمنين «عليه السلام» ورسول الله (ص) لا يقدمه ولا أحداً من الناس على علي «عليه السلام» ولا يخالف العادة المألوفة وهو القائل: نحن أولى بالوفاء، وقد أقر في الفتح المآثر القرشية في أهلها فرد مفتاح الكعبة إلى شيبة العبدري وقد عزل الخليفة الأول عن براءة كما علمت.

                ومن جهة ثانية كيف يحمل سعد بن عبادة راية الأنصار والأوس تأنف أن تمشي تحت راية خزرجي فلا يحدث رسول الله (ص) في نفوس أصحابه ما ينفرهم ويكسر همتهم مع إمكان إرضاءهم بالمباح السائغ شرعا إن لم يكن راجحاً في دين الإسلام بأن يدفع لكل قبيلة منهم راية يحملها رجل منهم كما صنع ذلك يوم الفتح ويوم أحد وغيرهما، وقد ذكر الحلبي نفسه تمايزهم حتى في الشعار فتفطن لهذه الدسائس التي يدسها ولا تعتقد غير ما نقول وهو الحق.

                إن حامل لواء المهاجرين أمام رسول الله (ص) في كل غزوة عدا تبوك هو أبو الحسن علي «عليه السلام» وراية الخزرج مع آل عبادة بن دليم من بني ساعدة، وراية الأوس في بني عبد الأشهل ولكل قبيلة راية يحملها زعيمهم، هذا نظام النبي (ص) فأعرفه وتيقنه ونعود إلى كلامه.

                قال: وفي يوم الخندق وهو يوم الأحزاب أعطى لواء المهاجرين لزيد بن حارثة ولواء الأنصار لسعد بن عبادة الخ، هذا كسابقه فالتفت، قال: ولواء قريش بيد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري وفي كل من أسد وغطفان وسليم وأشجع لواء.

                وفي غزوة بني قريضة قدم رسول الله (ص) علي بن أبي طالب «عليه السلام» برايته إلى بني قريظة، وفي رواية: دفع إليه لوائه وكان اللواء على حاله لم يحل مرجعه من الخندق، فلما دنا علي ومعه نفر من المهاجرين والأنصار غرز اللواء عند أصل الحصن.

                قال: وفي غزوة خيبر بعث رسول الله (ص) إلى علي وكان ارمد شديد الرمد وكان قد تخلف بالمدينة ثم لحق بالنبي (ص) فقيل له إنه يشتكي عينيه، فقال (ص)

(79)

من يأتيني به،  فذهب إليه سلمة بن الأكوع وأخذ بيده حتى أتى به النبي (ص) وقد عصب عينيه، فعقد له رسول الله (ص) اللواء لواءه الأبيض وكانت راية رسول الله (ص) تدعى: العقاب.

                قال الدمياطي: كانت للنبي (ص) راية سوداء مربعة من نمرة مخملة يقال لها العقاب، وكانت له راية صفراء ولواء أبيض دفعه إلى علي بن أبي طالب. وفيه أن ذلك اللواء يقال له العقاب، وذكر أن اللواء الأبيض مكتوب فيه «لا إله إلا الله محمد رسول الله» إلخ.

                وأحسب أن هذه الراية السوداء هي التي حملها الرجلان يوم خيبر ورجعا منهزمين فغضب النبي (ص) وقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فبات المسلمون يدركون ليروا من الذي يعطيه إياها، فدعا بأمير المؤمنين «عليه السلام» فأعطاه إياها، فمضى بها حتى ركزها في أصل أمنع حصونهم وقتل بطلهم مرحباً وأقتلع باب حصنهم العظيم وفتح الحصن وقد تداول الشعراء هذه القصة فذكرها ابن أبي الحديد والأزري وغيرهما.

                ثم ذكر بعث مؤتة والأمراء الثلاثة، وقال في فتح مكة: وفي قديد عقد (ص) ألوية القبائل وذكر أنه عقد لأبي رويحة لواء وذكر أن سعد بن عبادة كانت معه راية رسول الله (ص) على الأنصار فلما مر بأبي سفيان وهو بمضيق الوادي قال سعد: يا أبا سفيان! اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً وذكر أن رسول الله (ص) بعث علياً «عليه السلام» إلى سعد فأنتزع اللواء منه ودفعه إلى ابنه قيس بن سعد وقيل: بقي في يد علي «عليه السلام» هذا قول الحلبي.

                وتوضيح ما أجمله أن لواء النبي (ص) الأعظم بيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولواء الأنصار يحمله سعد بن عبادة وإنما أمر رسول الله (ص) علياً «عليه السلام» بأخذ اللواء من سعد لأمور:

                أولاً: خاف أن تكون لقريش صولة إذا خافوا الفناء.

                ثانياً: رفع ما يتوهم أن النبي (ص) قد اباح حرمة الحرم.

                ثالثاً: دفع ما يظنه بعض العرب أن النبي (ص) ينطوي على حقد وبغض لقريش لأنهم طردوه وحاربوه.

                رابعاً: رفع ما يتوهم أن قريشاً ذلت بهذا الفتح وإنما هو في الحقيقة إعزاز لهم بظهور الإسلام وانتشاره بينهم وإن كرهوه.

(80)

                خامساً: رفع ما يتوهم أنها غزوة قساوة تستباح بها الاموال وتهتك الاعراض وإنما هي في الحقيقة غزوة رحمة لقريش وغيرهم تحقن بها الدماء وتحفظ الأموال وتصان الأعراض ويسود الأمن في مكة المشرفة وضواحيها.

                وإنما عزل رسول الله (ص) سعداً بأمير المؤمنين «عليه السلام» دون غيره من الصحابة لعلمه أن سعداً لا يجترأ عليه أحد من العرب كائناً من كان وما طلق سعد أمرأة في جاهلية ولا إسلام وقدر أن يتزوجها أحد حتى صار مثلاً مطلقة سعد، فسعد لا تجاسر عليه أحد من الناس فينتزع اللواء منه وسعد لا يدفعه لأحد ولو رامه إنسان منه لحطم أنفه بالسيف فهو لا يذعن لغير رسول الله (ص) وأمير المؤمنين «عليه السلام» فإن سعداً كان مهيباً مرهوباً منيع الجانب حمي الأنف ذا أنفة وأبهة وتباذخ وعظمة، فيه نخوة وكبرياء، ذاهب في الشرف كل مذهب، فكانت سياسة رسول الله (ص) أحسن سياسة وفراسته ابدع فراسة لم يرسل  لأخذ اللواء من سعد أحداً غير ابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» لعلمه أن سعداً يخضع له وينقاد لأمره فأخذ اللواء منه ودفعه لابنه قيساً فهذه هي السياسة الوحيدة والرأي الثاقب.

                قال الحلبي في ألوية النبي (ص) يوم حنين ونصه: فوضع النبي الألوية والرايات في المهاجرين والأنصار؛ فلواء المهاجرين أعطاه علياً «عليه السلام»، وأعطى لسعد بن أبي وقاص راية، وعمر بن الخطاب راية، ولواء الخزرج أعطاه الحباب ابن المنذر، ولواء الأوس أعطاه أسيد بن خضير إلخ.

                وليتهم اخبرونا عن هذه الأولية والرايات أين طرحوها؟ وفي أي بادية ألقوها لما انهزموا؟ حيث صرح القرآن بهزيمتهم واتفق المؤرخون أنه لم يثبت مع النبي غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأخيه عقيل وعمه العباس وعبد الله والفضل ولد العباس وولد أبي لهب عتيبة ومعتب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ورجل من الأنصار وهو أيمن ابن أم أيمن وأستشهد (رحمه الله) وليس في هؤلاء أحد من أرباب الرايات والألوية غير أمير المؤمنين «عليه السلام» ولا تحسب إن منهزما يتمكن من حفظ رايته لإنه يخاف إنها ترى فتدل عليه لإنه يحسب العرفج أمامه رجالاً ويظن الشجر فرساناً وأبطالاً تطارده، قال الله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين)(1).

(1) التوبة: 25.

(81)

                للمؤلف:

أيا حاملي الرايات أين رميتموا                           برايات خير الأنبياء من الرعب

وأسلمتوا الهادي بأوطاس للعدا                       وتسعاً أطافوا فيه من خيرة الصحب

يجالد عنه المرتضى بعد فركم                                هوازن والخيل المغيرة في الشعب

وعباس عم المصطفى قام صارخاً                     بكم أيها الفرار عن خطة الحرب

ألوية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» في حروبه

                لم نذكر ألوية القبائل مع النبي (ص) وراياتها وأمراء السرايا والبعوث فإن ذلك شرح مطول ويناسب أن نذكر ألوية القبائل وراياتها مع أمير المؤمنين «عليه السلام» فإن قبيلة واحدة مع أمير المؤمنين «عليه السلام» كانت وحدها ميسرة جيشه يوم صفين وهي ربيعة فهي تفوق عدداً على أكبر جيش مع رسول الله (ص)، ومن وجهة ثانية تقسيم القبائل أسباعاً وأخماساً في جند العراق ما جعل لذلك أهمية تاريخية يجب الوقوف عليها.

حرب الجمل بالبصرة:

                خرج «عليه السلام» من المدينة بفيلق مؤلف من المهاجرين والأنصار وأنضم إليه في الطريق الحليفان طي وأسد، ثم نهض لنصرته أهل الكوفة وأنضاف إليه ربيعة البصرة وبعض قبائلها، وعند خروجه من الحجاز كان لواؤه الأعظم وهو لواء رسول الله (ص) بيد ولده محمد الأكبر بن الحنفية، ولواء المهاجرين بيد عمار بن ياسر، ولواء الخزرج بيد أبي قتادة الأنصاري، ولواء الأوس بيد أبي الهيثم بن التيهان وهو ذو السيفين أحد نقباء النبي (ص).

                وحيث كان جيشه «عليه السلام» مؤلفاً من ثلاثة فرق عسكرية: 1- فرقة عسكر الحجاز، 2- فرقة عسكر الكوفة، 3- فرقة عسكر البصرة، وكل فرقة منها مؤلفة من افواج، ولكل فوج منها لواء، وهذا ما ذكره المؤرخون.

                قال المسعودي في مروج الذهب عن المنذر بن الجارود قال: لما قدم علي «عليه السلام» البصرة دخل مما يلي الطف(1) فأتى الزاوية فخرجت لأنظر فورد موكب نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب، عليه قلنسوة وثياب بيض، متقلد سيفاً، معه راية، وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البيض والصفرة

(1) طف البصرة تسميه العوام اليوم الجفه.

(82)

مدججين في الحديد والسلاح، فقلت: من هذا؟ فقيل: أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله (ص) وهؤلاء الأنصار وغيرهم.

                ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض، متقلد سيفاً، متنكب قوساً، معه راية، على فرس أشقر نحو ألف فارس، فقلت: من هذا؟ فقيل: خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين.

                ثم مر بنا فارس آخر  على فرس كميت، معتم بعمامة صفراء تحتها قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض مصقول، متقلد سيفاً، متنكب قوساً في نحو ألف فارس من الناس معه راية، فقلت: من هذا؟ فقيل: أبو قتادة بن ربعي الأنصاري.

                ثم مر بنا فارس آخر على فرس أشهب، عليه ثياب وعمامة سوداء وقد سدلها بين يديه ومن خلفه شديد الأدمة، عليه سكينة ووقار، رافع صوته بقراءة القرآن، متقلد سيفاً متنكب قوساً، معه راية في نحو ألف فارس من الناس مختلفي التيجان، حوله مشيخة وكهول وشبان، كأن قد أوقفوا للحساب، أثر السجود قد أثر في جباههم، فقلت: من هذا؟ فقيل: عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبناءهم.

                ثم مر بنا فارس آخر على فرس أشقر، عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء، متنكب قوساً، متقلد سيفاً، تخط رجلاه الأرض، معه راية في ألف فارس، الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض، معه راية صفراء، فقلت: من هذا؟ فقيل: قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبناءهم وغيرهم من قحطان.

                ثم مر بنا فارس آخر على فرس أشهل، ما رأينا أحسن منه، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه بلواء، قلت من هذا؟ قيل عبد الله بن العباس في عدة من أصحاب رسول الله (ص).

                ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين، قتلت: من هذا؟ قيل: قثم بن العباس أو سعيد بن العاص.

                ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً وأشتبكت الرماح، ثم ورد موكب فيه خلق من الناس «عليهم السلام» والحديد مختلفوا الرايات، في أوله راية كبيرة يقدمهم رجل كأنما كسر وجبر – قال ابن عائشة: وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق كذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل إنه كسر وجبر – كأنما على رؤوسهم الطير، وعن مسيرتهم شاب حسن الوجه، فقلت: من هذا؟ قيل: علي ابن أبي طالب، وهذان الحسن

(83)

والحسين عن يمينه وعن شماله، وهذا محمد بن الحنفية معه الراية العظمى، وهذا الذي خلفه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشائخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فساورا حتى نزل الموضع المعروف بالزاوية إلخ.

                وفيها ما ينبغي أن يلاحظ مثل ذكر سعيد بن العاص وقيس بن سعد؛ أما سعيد فالظاهر أن في ذلك سقطاً وهو عبد الله بن سعيد بن العاص، وأما قيس بن سعد فأشتباه من الناسخ والظاهر عبادة بن الصامت فظنه الناسخ عبادة والد سعد فضم إليه ما بقي من الأسماء وإن جحد بعض مؤرخي السنة حضوره الحرب وزعم أنه أعتزل الفريقين بالشام ولكن هؤلاء قوم يجحدون الشمس وينكرون السماء.

                الفرقة الثانية من جيش أمير المؤمنين «عليه السلام» في حرب البصرة الفيلق الكوفي وقد كتبنا في كتابنا سفير الحسين مسلم بن عقيل ما أوجب  علينا حذف ما هنا مراعاة للاختصار.

                الفرقة الثالثة من جيش أمير المؤمنين «عليه السلام» الفيلق البصري وجل هذا الفيلق من ربيعة، وأخذ ملخص ما ذكره المؤرخان الشهيران الطبري وأبن الأثير في تأريخيهما، قالا: راية عبد القيس من ربيعة كانت مع حكيم بن جبلة فقتل يوم الجمل الأصغر شهيداً وذلك قبل قدوم أمير المؤمنين «عليه السلام» فصارت بعده إلى منقذ ابن النعمان العبدي فأستشهد مع أمير المؤمنين «عليه السلام» يوم الجمل الأكبر فصارت إلى ولده اللعين مرة بن منقذ فشهد بها الجمل وصفين والنهروان مع أمير المؤمنين «عليه السلام» ثم شهد كربلاء مع عمر بن سعد فقتل علي بن الحسين الأكبر، وقيل: صارت بعد مقتل حكيم بن جبلة إلى بني صوحان وهو ضعيف لأن بني صوحان من ربيعة الكوفة، وراية بكر بن وائل كانت مع عبد الرحمن بن طود البكري فأستشهد، وقيل: وكانت راية عبد القيس البصرة مع عمرو أبن مرحوم العبدي وهو قريب، وقيل: كانت راية بكر بن وائل لشقيق بن ثور السدوسي يحملها رشراشة مولاه وهو قريب أيضاً وشهد شقيق بها الجمل وصفين؛ هكذا ذكر الطبري.

ألوية أمير المؤمنين «عليه السلام» وراياته في صفين

                إن في هذه الحرب الطاحنة تألف لأمير المؤمنين «عليه السلام» جيش عرمرم تحت قيادة قؤاد خبراء وأمرة أمراء مهرة بفنون الحرب، وكانت زيادة الجيش فيها على جيش البصرة بمقدار الضعفين فإن أهل البصرة من حاربه فيها تبصر ومن خذله

(84)

أستبصر فأنضموا إليه يوم صفين وأهل الكوفة نهضوا معه جميعاً المتدين ديانة والمنافق حمية إلا جماعة من المستريبين وبعض أهل التقشف الصوري والإيمان المستودع شكوا في القتال فبعث منهم بعثاً إلى الثغور بقيادة الربيع بن خيثم أحد الزهاد الثمانية المشهورين فكان هذا أول لواء عقده أمير المؤمنين «عليه السلام» بالكوفة وهذا أول بعث بعثه ثم عقد أولية القبائل لحرب صفين، فعقد لعدي بن حاتم الطائي على طي وتجمعهم الدعوة مع مذحج، وتختلف الرايتان: راية مذحج مع زياد بن النضر الحارثي، وراية طي مع عدي بن حاتم.

رايات أخماس أهل البصرة بصفين:

                راية بكر بن وائل مع خالد بن المعمر السدوسي، وراية عبد القيس مع عمرو ابن مرحوم العبدي، وقال بعضهم: عمرو بن مرحوم قتل مع علي «عليه السلام» يوم الجمل والصحيح أنه أستشهد قبل النهروان بيسير قتلته الخوارج، وإن راية بكر بن وائل كانت لشقيق بن ثور السدوسي، وراية الأزد مع صبرة بن شيمان الحداني، وراية بني تميم وضبة والرباب مع الأحنف بن قيس السعدي، وراية أهل العالية مع شريك بن الأعور الحارثي.

رايات أسباع أهل الكوفة بصفين:

                راية قيس وعبد القيس مع سعد بن مسعود الثقفي عم المختار ابن أبي عبيدة

                راية تميم وضبة والرباب مع معقل بن قيس الرياحي وتضاف إليه قريش وكنانة وأسد.

                راية الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة مع مخنف بن سليم الأزدي.

                راية كندة وحضر موت وقضاعة مع حجر بن عدي الكندي حجر الخير.

                راية مذحج والأشعريين مع زياد بن النضر الحارثي.

                راية همدان وحمير مع سعيد بن قيس الهمداني.

                راية طي مع عدي بن حاتم الطائي.

                واللواء الأعظم لواء العسكر كله مع هاشم بن عتبة الزهري وهو المرقال، وعسكر المدينة على ترتيبه الذي ذكرنا في الجمل غير أن لواء الخزرج صار إلى قيس بن سعد بن عبادة لأنه حضر صفين.

رايات القبائل والبطون:

                راية بكر بن وائل بسبب التشاجر بين خالد بن المعمر وشقيق بن ثور

(85)

السدوسيين جعلاها لأنفاق منهما لحضين بن المنذر بن وعلة الرقاشي، وكانت راية كندة وربيعة الكوفة للاشعث بن قيس الكندي فأخذها منه أمير المؤمنين «عليه السلام» وجعلها لحسان بن محدوج الذهلي من ربيعة وبقيت مع الأشعث راية كندة يحملها معاوية بن الحارث الكندي وله أثر بين يوم صفين، وراية النخع مع الأشتر أو راية مذحج كلها معه يحملها حيان بن هوذة النخعي ثم الصهباني، وراية بني الحارث بن كعب من مذحج يحملها شريك بن الاعور الحارثي، وقيل: لم يشهد صفين لأنه بقي في وكالة ولاية البصرة بدلاً عن ابن عباس، وراية سعد العشيرة من مذحج يحملها الحارث بن جهمان الجعفي، وراية أرحب من همدان يحملها يزيد بن قيس الأرحبي صاحب يوم الجرعة، وراية شبام من همدان يحملها كريب بن شريح الشبامي فأستشهد بصفين هو وإخوة له خمسة قتلوا جميعاً على الراية ثم أخذها سفيان بن يزيد فأستشهد هو وأخوان له على الراية ثم أخذها عميرة بن بشر فأستشهد هو وأخوه الحارث بن بشر ثم أخذها أبو القلوص الشبامي فبقيت في يده إلى أن تحاجز الناس.

                وراية خزاعة يحملها سليمان بن صرد الخزاعي، وراية بني عبس كانت مع قائد بن بكير العبسي فأستشهد فأخذها ابنه حسان بن فائد، وشهد حسان هذا حرب الحسين «عليه السلام» مع عمر بن سعد وقتله المختار يوم السبخة فيمن قتل من أشراف أهل الكوفة، وراية بني عامر بن صعصعة يحملها عبد الله بن الطفيل البكائي وكان له صوت وغناء عن أهل العراق ومن الأمراء وأهل الأيام بصفين، وراية خثعم يحملها أبو كعب فأستشهد فأخذها ابنه كعب بن أبي كعب وفئت عينه على اللواء ثم كان مع عمر بن سعد في حرب الحسين «عليه السلام» قتله المختار يوم السبخة فيمن قتل من أشراف الكوفة.

                وراية بجيلة يحملها قيس بن المكشوح الأحمسي حليف مراد قاتل الأسود العنسي أحد أبطال العرب المشهورين أستشهد (رحمه الله) عند سرادق معاوية وأستشهد معه من أشراف أحمس جماعة تكفل التاريخ بضبط اسماءهم، وراية بني نهد يحملها مسروق بن الهيثم فأستشهد (رحمه الله) وأستشهد حولها جماعة منهم، وراية بني أسد بن خزيمة يحملها قبيصة بن جابر الأسدي الصحابي أحد الأبطال ومن أهل الغناء والأيام المشهورة بصفين، وراية كنانة مع أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني الصحابي أحد الأبطال والشعراء وأهل الغناء والأيام بصفين وله شهرة في طلب الثار، وراية بني حنظلة من تميم مع عمير بن عطارد بن حاجب بن

(86)

زرارة الدارمي، وكان شريفاً ثم أخذها ابنه محمد بن عمير وشهد محمد هذا حرب الحسين «عليه السلام» مع عمر بن سعد وقتله المختار يوم السبخة مع أشراف أهل الكوفة.

                وراية بني سعد من تميم مع جارية بن قدامة السعدي أحد القواد المشهورين وهو الذي طرد بسر بن أرطأة عن اليمن، وراية بني عمرو بن تميم مع شبث بن ربعي ثم شهد حرب الحسين «عليه السلام» مع عمر بن سعد ونجى من سيف المختار يوم السبخة وقتل ابنه، وشبث هذا كان مؤذن سجاح التي ادعت النبوة يتناوب مع مؤذنها الآخر المعروف بابن النواحة، وفي بني تميم رايات أخر: راية مع أعين بن ضبيعة المجاشعي من خواص أمير المؤمنين «عليه السلام» وأستشهد في وقعة ابن الحضرمي بالبصرة وأعين هذا عاقر الجمل على قول مشهور، وراية مع الأصبغ بن نباتة المجاشعي وكان من خواص أمير المؤمنين «عليه السلام» ومن أمراء شرطته وكان بمرتبة معاون، وراية مع حارثة بن بدر الغداني وكان شريفاً من الفصحاء يعاب بمعاقرة الخمر وصحبة زيادة بن سمية(1)، وفي ربيعة رايات غير من ذكرنا.

                رايات مع صعصعة بن صوحان صاحب أمير المؤمنين «عليه السلام» أحد الفصحاء والخطباء والفقهاء المشهورين، وراية مع زياد بن خصفة التيمي أحد خواص أمير المؤمنين «عليه السلام» ومن أهل الأيام والغناء ومن أمراءه وقواده وكان من أمراء التوابين وأستشهد مع سليمان بن صرد بعين الوردة، وراية مع نعيم بن هبيرة الشيباني أخي مصقلة ولنعيم بلاء عظيم في طلب الثار مع المختار وكان شريفاً ومن الأبطال ومن خواص أمير المؤمنين «عليه السلام» ولا حاجة بذكر الباقي.

ألوان رايات صفين:

                قال نصر بن مزاحم: كانت رايات أهل صفين سوداً وحمراً ودكناً وبيضاً ومعصفرة وصفراً وموردة والألوية مضروبة دكن وسود إلخ.

حرب النهروان:

                الرايات فيها هي بعينها تلك الرايات سوى أن أمير المؤمنين «عليه السلام» عقد لأبي أيوب الأنصاري راية أمان من التجأ إليها من الخوارج فهو آمن.

(1) ويذكر بعض المحققين ان حارثة بن بدر صاحب زياد المعاقر للخمر غير حارثة بن بدر المذكور هنا ولعله كان مصيباً في هذه التفرقة.

(87)

رايات الحسن والحسين «عليهما السلام»

رايات الحسن السبط سبط رسول الله (ص):

                راياته هي رايات أبيه في حروبه لأن العشائر التي نهضت معه هي التي حاربت مع أبيه ولكنه بعث أمامه بعثاً جعل أمرائه ثلاثة مترتبين:

                القائد الأول: وهو أمير الأمراء ابن عمه عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب.

                القائد الثاني: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري النائب عن القائد الأول.

                القائد الثالث: سعيد بن قيس الهمداني وهو نائب أمير القوة وقائدها، ولكل واحد من هؤلاء الأمراء لواء دال على مرتبته ولواء الحسن «عليه السلام» الأعظم مع أخيه محمد بن الحنفية.

ألوية الحسين «عليه السلام» وراياته في حربه:

                كانت له «عليه السلام» بالعراق حربان: حرب شهدها بنفسه وحرب لم يشهدها وإنما قامت على اعضاد شيعته بقيادة سفيره إليهم ونائبه الأعظم وهو ابن عمه مسلم بن عقيل، والسبب الذي دعا مسلم بن عقيل إلى إشهار تلك الحرب قبل أن تتكامل قواته وتجتمع اجناده المبعثرة والتي يستطيع أن يؤلف منها قوة هجومية قوية فنهض مستعجلاً بالقوة الدفاعية التي ألفت من كتائب صغيرة احتياطية جعلت عدة للطوارئ المفاجئة والتي لم تزد على أربعة افواج تقريباً هو أن آمر السلطة الأموية في العراق عبيد الله بن زياد قد أحتال على عميد جيش مسلم بن عقيل وهو الزعيم هاني بن عروة فألقى القبض عليه فأعتقله في دار الإمارة وحيث أنا شرحنا القصة في كتابنا سفير الحسين مسلم بن عقيل تركنا ما هنا فراجعه هناك.

الحرب التي شهدها الحسين «عليه السلام» بنفسه:

                وهي التي أستشهد فيها وهي وقعة كربلاء تلك الفاجعة العظمى والوقعة الكبرى التي بقيت ذكرها على ممر الأحقاب، فقد كان «عليه السلام» منذ خروجه من الحجاز عقد لواء ودفعه إلى أخيه الفضل العباس الأكبر «عليه السلام» ذلك البطل العلوي العظيم فحمله بين يديه إلى حين التحام تلك الحرب التي جلبت لأمية خزي الأبد وجرت إليها شؤم الدهر فهاجم قوات الأعداء المحدقة بهم مراراً عديدة وأستنقذ بعض أنصارهم الذين طوقهم الأعداء وكان أبو الفضل «عليه السلام» لا يقف في حملته دون أن ينتهي إلى مركز عميد عسكر الأعداء ليرعب

(88)

بتلك الهجمات قلوب أمراء القوات المعادية  ويذكرهم بالشجاعة العلوية التي لم تغب عنهم ذكراها أيام كافحوا معه أهل الجمل وصفين، وقد قيل في تأبينه:

لك موقف بالطف أنسى أهله            حرب العراق بملتقى صفين

                فلم يزل أبو الفضل العباس «عليه السلام» على شدة الخطر مبتهجاً مرتاحاً ووجوه الأعداء كالحة مقطبة لحراجة الموقف وفظاعة المعترك، ويعود رافلاً بالحديد مغيراً على جواده المحلق كنسر الجو منقضاً على حرس الشرائع وتلك القوات المتكدسة على ضفافها فيصدم تلك الحامية ويشق صفوفها المتراصة ويخترق خطوطها المحصنة وينزل بعد أمتلاك المشرعة إلى الماء فيملأ السقاء لعاطشى آل الرسول.

                وعقد الحسين «عليه السلام» رايتين دفع أحدهما لقائد الجبهة اليمنى زهير بن القين البجلي، والأخرى لقائد الجبهة اليسرى حبيب بن مظاهر الأسدي، وفي رواية المرندي: إن الحسين «عليه السلام» عقد رايات كثيرة ذكرنا ذلك في كتابنا «أعلام النضة الحسينية»(1).

                وقد أكثر الشعراء في مراثيه «عليه السلام» من ذكر اللواء كقول بعضهم عن لسان الحسين «عليه السلام»:

لمن اللوى أعطي ومن هو جامع        شملي وفي ظنك الزحام يقيني

                سيأتي في فصل شهادته في الجزء الثالث الروايات وحكايات المؤرخين في حمله لواء الحسين «عليه السلام» وما قاله الحسين «عليه السلام».

                ومن ألقاب العباس «عليه السلام» العميد والسفير وهما من الألقاب المشهورة ويأتي ذكرهما في الجزء الثالث في وظائفه.

                ومن ألقاب العباس الأكبر «عليه السلام» ما هو دون ما تقدم في الشهرة منها الصابر والمحتسب والمواسي والطيار؛ أما الصبر والاحتساب فأمر ظاهر فإنه «عليه السلام» صبر على الظمأ وحدود السلاح وأحتسب نفسه العزيزة ونفوس إخوته الأشقاء وأولاده الأعزاء في ذات الله ففدى بنفسه وبهم أخاه الإمام وأحتسب جميع ما أصابه في ذات الله، وأما المواساة فسنذكرها  في صفاته وجميع هذه الخصال جاء مدحه بها عن لسان ائمة أهل البيت «عليهم السلام» في زيارته وغيرها.

(1) مخطوط يقع في ستة أجزاء – يتحدث فيه عن أصحاب الحسين «عليه السلام»- الناشر -.

(89)

من ألقاب العباس «عليه السلام»

لقب العباس «عليه السلام» «الطيار»

                وسر هذا اللقب أن أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي «عليهما السلام» لما قطعت يداه المباركتان على اللواء يوم كربلاء جعل الله تعالى له جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لعمه جعفر بن أبي طالب «عليه السلام» وهذا نص صحيح ورد عن الإمام زين العابدين «عليه السلام».

                روى الصدوق القمي (رحمه الله) في كتاب الأمالي بالإسناد إلى ثابت بن أبي صفية يعني أبا حمزة الثمالي قال: نظر علي بن الحسين «عليهما السلام» إلى عبيد الله بن العباس «عليه السلام» فأستعبر ثم قال: ما من يوم أشد على رسول الله من يوم قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب، ولا يوم كيوم الحسين «عليه السلام» أزدلف إليه فيه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله يدمه وهو يذكرهم بالله فلا يتعظون حتى قتلوه بغياًَ وظلماً.

                ثم قال: رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب «عليه السلام»، وإن للعباس عند الله منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة، والحمدلله رب العالمين، انتهى.

                للمؤلف يذكر لقب الطيار:

طارت جماهير العدو مروعة               من خوف بأسك أيها الطيار

وكشفت حراس الشريعة فاتكاً                بالملحدين كأنك الكرار

فملكتها رغم الأعادي عنوة               بالسيف عزمك جحفل جرار

وملأت من عذب الروى ذاك السقا                 والقلب فيه من الأوام أوار

ما ذقت من ذاك المعين تذكراً             عطش الحسين ويهنك الإيثار

(90)

إن الحسين أذاب مهجته الظما            فعلاك حين ذكرته استعبار

ناديت هوني بعد سبط محمد               يا نفس غني المؤثر الصبار

يسقيك إذ واسيته من حوضه            يوم القيامة جده المختار

أقبلت تركض بالسقا مبادراً                خيم الحسين وما أفاد بدار

قطعت يداك وشق بالسهم السقا       والخيم كردسها لك الأشرار

فوقفت بين جموعم لا يمنة                  بقيت تقيك ولم تعنك يسار

فقد الحسين بك الحمية والوفا            وأخاًَ تحاذر بأسه الاقدار

قد كنت تحمل في الجلاد لوائه            ولك الفخار علامة وشعار

ألقاب العباس العامية

                للعباس الأكبر «عليه السلام» ألقاب لقبه بها العوام وهي كثيرة جداً مشتقة من صفاته وأفعاله كما كان القدماء يشتقون اللقب من صفات الملقب به.

منها المستعجل:

                يعنون إنه «عليه السلام» يسرع في قضاء حوائج الراغبين إليه المتوسلين به وبأهله الكرام إلى الله الذين هم من أعظم الوسائل عند وأجل الذرائع لديه وهذه صحيحة ومشاهدة بعضدها الوجدان، والتجربة أكبر برهان فإنه «عليه السلام» ما توسل به متوسل إلى الله تعالى ولا أستشفع فيه متشفع مع خلوص نية وصحة عقيدة ويقين صادق وإخلاص ثابت إلا وقضى الله حاجته عاجلاً ويسرها وسهلها سريعاً.

ومنها المضهضب:

                وضهضب النار بلسان العوام اشتد لهبها وعظم استعارها بالوقود، يعنون إنه «عليه السلام» شديد البطش سريع الفتك بالمعتدين والمتجرئين عليه فإن الحالف فيه كاذباً والمجترء بأكل نذره أو جحده أو جعل له شرطاً ولم يف به وما شاكل ذلك فأنه ينكبه سريعاً من دون إمهال ويبطش به البطش العاجل وذلك مشاهد محسوس تعرفه العامة والخاصة

ومنها أبو الشارة:

                وهذا لقب وليس كنية كما يظن لأنه بدء بـ«أب» فإن «أب» هنا بمعنى صاحب الشارة وهذه الشارة وهي نوع من كراماته الكثيرة المشهورة والتي لا شك فيها ولا ارتياب ولا خفاء فيها لأنه قد أشترك الجميع في العلم بها ومعنى الشارة هو أن

(91)

يصيب الحالف كذباً أو المعتدي بأي نوع كان نكبة إما موت أو حرق أو غرق أو مرض مزمن وما شاكل هذا وقد قصف الله أعمار من حلفوا به كذباً أو منعوا تأدية حقوقه من النذور وغيرها أو تجاسروا عليه عتواً وتكبراً، وجميع هذه الأمور المتسالم عليها عند عموم الشيعة وتواترت أخبارها لديهم يتناقلها الخلف عن السلف وينقلها الحاضر للغائب ولم تختص الشيعة بمشهادة تلك الكرامات الباهرة بل شاهدها غيرهم وكتمها عناداً وانحرافاً.

                للمؤلف:

لقد شاهدت رهان سيد رسلها                          بمكة لم يخصص بذلك عارف

ولما أعتدى كالشمس دانت طوائف                 ومالت عن التصديق فيه طوائف

كذلك برهان ابن حيدر ظاهر                            جلي ولكن مال عنه المخالف

ومنها أبو رأس الحار:

                وهو لقب أيضاً لا كنية ومعناه عندهم سرعة غضبه في ذات الله وعدم سماحه للجائر وعدم عفوه عن المجرم مهما كان.

ومنها الترهب بيبانه:

                يعني ابوابه ويعنون أن أبواب حضرته الشريفة ومرقده المقدس مخوفة مرهوبة لكثرة ما وقع منه «عليه السلام» من الكرامات المسماة بالشارة حتى أن الداخل إلى حضرته المقدسة يمتلئ رعباً وهيبة له وذلك لكثرة ما شاهدوا على أبوابها من أناس تجاسروا عليه بحلف كاذب أو سرقة أو إقدام بغير أحترام فجعلهم آية ونكالاً فسبب ذلك في صدورهم هيبة ورهبة وغرضهم التعبير عما يفهمه العلماء العارفون من أن لولي الله هيبة تمتلئ منها صدور الناس.

ومنها باب الحوائج:

                وقاضي الحاجات ولعل هذا اللقب قديم للعباس «عليه السلام» والغرض من ذلك قضاء الحاجات لمن توسل به وأستشفع إلى الله فيه وهذا أيضاً مجرب.

                ولقد حدثني من يوثق به ويعتمد على قوله من المجاورين لسيدنا العباس «عليه السلام» أن أمرأة جميلة بديعة الحسن كانت تطوف بقبر أبي الفضل العباس «عليه السلام» فرآها شاب يطوف بقبره أيضاً فأعجبته فلم يتمالك دون أن لمسها بيده فدعت عليه فشلت يده ودعا الله بجاه العباس «عليه السلام» أن يزوجه إياها وبعد مدة تزوج أمرأة وهو لا يعرف تلك الامرأة فلما آنست به سألته عن سبب

(92)

شلله فأخبرها بالقصة، قالت له: يا هذا وأنت قد قضى الله حاجتك إنها هي الامرأة التي دعت عليك في ساعة كذا في وقت كذا بعلامة كذا فعرف القصة وحمد الله على ذلك.

ومنها المصفي بالياء المنقطة:

                وهو من التصفية ومعناه عندهم حسم الخصومة بين المتشاجرين إذا أنتهت إليه فإن المتهم الذي يصر على المناكرة والحجود إذا أريد منه الحلف بحضرة سيدنا العباس «عليه السلام» لا يحلف خوفاً ولا بد له من الاعتراف فتنتهي الخصومة، وإذا حلف علموا أنه بريء مما قرف به فتنحسم مادة النزاع والتشاجر على الحالين جميعاً وهذا معنى قولهم المصفي.

ومنها أبو فرجة:

                لقب لاكنية وهم لا يقصدون أن له بنتاً تسمى فرجة إنما يقصدون أنه يقصدون أنه يفرج الكرب عن القاصد إليه والمستجير بجانبه والمتوسل إلى الله بجاهه وجاه أهل بيته الكرام والألقاب العامية كثيرة يكفي هذا المقدار منها.

                للمؤلف:

ليست كرامته تخفى على أحد              إلا على حاسد في غيه سبحا

أم كيف تخفى وأدناها إذا ظهرت      من شبل حيدر مثل الشمس زاد ضحى

بعض الكرامات كنا شاهدين لها        وبعضها شاهدتها سائر الصلحا

يا أيها الناس إن الواثقين بهم               فازوا وخاب الذي عن حبهم جمحا

فكم جلى الله عنا في محبتهم كرباً وذنباً عفى عنا بهم ومحى

فلازموا حبهم تنجو بحبهموا           يوم القيامة وأعصوا من جفى ولحى

فالشاهرون عليهم سيف بغيهموا      خابوا ومبغض آل الله ما ربحا

لأنهم حجة الباري وخيرته                 أهل التقى وخير الأمة الصلحا

إلعن يزيد وثني ابن الدعي ولا          تنسى ابن سعد من اللعنات مصطبحا

القاطعين يد العباس سيدنا                 والقاتلين حسيناً سيد الصلحا

من لو يوازن بالدنيا وساكنها              مكارماً ومزايا خيرة رجحا

(93)

صفات العباس الأكبر «عليه السلام»

                والصفات قسمان: خلقية وخلقية؛ فالأولى صفات البدن نحو الجمال وطول القامة وطول العنق وتناسب الأعضاء وما شاكل ذلك، والثانية صفات النفس نحو الكرم والشجاعة والعلم والحلم وما شابه ذلك.

الصفات البدنية للعباس «عليه السلام»:

                فقد كان سيدنا العباس بن علي «عليهما السلام» من أحسن الناس خلقة وشكلاً وأتمهم بدناً ومحاسناً، ويعد من رجال بني هاشم المتميزين بصفاتهم الجسمانية من الجسامة وطول القامة والجمال الباهر، وقد وصفه بعض العلماء – وهو أبو الفرج الأصبهاني – بأنه كان جسيماً وسيما يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض.

أثر الضخامة في الإرهاب ومدح البسطة الجمسية:

                لا شك أن للضخامة تأثيراً في إرهاب العدو وإرغامه وكلما كان البطل جسيماً ضخماً طوالاً كان في الصدور أهيب وللأعداء أرهب، وكان في البطولة مقدماً لأن البطولة تكسو الرجال مهابة فيصبح لدى أعدائه مهيباً مرهوباً، ولم يزل وصف البطولة عند العرب القدماء فخراً لكماتها الممتازين وفرسانها المشهورين لأن البطولة في الشخص تشتمل على أنواع من إرهاب الأعداء نحو الشجاعة وشدة البأس والبطش والجرأة والإقدام والقوة والضخامة البدنية ممدوحة وبالأخص طول القامة وقد امتن الله تعالى على عبيده عاد حيث خلقهم ضخام الأبدان طوال القامات بقوله: (وزادكم في الخلق بصطة)(1)، وقوله تعالى توبيخاً لبني إسرائيل على امتناعهم من طاعة طالوت لما ملكه عليهم بقوله تعالى: (وزاده بسطة في العلم والجسم)(2).

                وقد قال مولانا سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين «عليه السلام» في أحد أصحابه وهو عبد الله بن عمير الكلبي وقد رآه طويلاً جسيماً: أحسبه للأقران قتالاً.

                قال أبو جعفر الطبري في تاريخه: خرج يسار مولى زياد بن أبيه وسالم مولى عبيد الله بن زياد (فقالا:) فليخرج إلينا بعضكم فوثب حبيب بني مظاهر وبرير بن

(1) الأعراف: 69.                                                             (2) البقرة: 247.

(94)