موسوعة بطل العلقمي

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي

المؤلف : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

(205)
أول وقت من خلافته ويررن الصواب في إشارة ابن عباس والمغيرة بن شعبة عليه في إقرار معاوية على الشام إلى وقت ما حتى تنتظم له الأمور وتستحكم قوى الخلافة وتثبت قواعد المملكة ويبايع له معاوية وأهل الشام فإذا تمت له بيعتهم واستقاموما له وأمن غائلة معاوية في الوثوب عليه وذلك هو الصواب في ناحية السياسة وبه يرتق هذا الفتى الذي فتقه معاوية وقد يتراءى من لا علم له ولا إدراك ولم ينظر ببصيرة وتدبر أنه رأى صحيح وهو خطأ صرف وجهل محض وهو ضد السياسة لا من حيث الدين فقط وإنه لا يجوز استعمال من لا يوثق بديانته حسب ما ذكره الله تعالى في قوله: (وما كنت متخذ المضلين عضدا)(1) بل من حيث السياسة الدنيوية التي في محط أنظار هؤلاء الغفل من المنتقدين، فإن أمير المؤمنين «عليه السلام» أعلم الخلق بالسياسة وأطوارها وأعرفهم بشؤون الإدارة وأنظرهم في مصالح الأمة من كل أحد.
إن أمير المؤمنين «عليه السلام» على ثقة ويقين منأن معاوية لا ينخدع وقد علم كل أحد أن معاوية كان داهية شيطان مارداً ماهراً بأمور الدنيا متيقضاً لدرس الفنون الدنيوية فهو غير ناس قديم الأحقاد وما بينه وبين بني هاشم من التعادي المتأصل والبغض الشديد والحقد القديم وقد قيل: كل شجر إذا قطع مات إلا شجر الحقد إذا قطع عاد.
أليس معاوية هو الذي كتب في صفين لأبي أيوب الأنصاري: لا تنسى الشيباء أبا عذرتها ولا قاتل بكرها يعني أنه لا ينسى قتل عثمان كما لا تنسى المرأة المسنة من افتض بكارتها ولا قاتل أول أولادها فهو كذلك غير ناس قتل عثمان وغير ناس من نفسه تهجماته على أمير المؤمنين «عليه السلام» في حياة ابن عمه عثمان وشططه عليه في القول المغلط وتهديده إياه بالقتل إن خدش عثمان بخدش أو أصابه ما يرموه منه السملمون من القتل والخلع من الخلافة عندما أنكروا عليه ما أحدث، وينسب معاوية كل شيء قامت به الصحابة ونهضت به الأمة على عثمان لأمير المؤمنين «عليه السلام» ويعده من تحريضه لأنه لا يرى منافسا له غيره في نظره ويعلم بمصير الخلافة إليه بعده لا يشك في ذلك فيعد تلك الأعمال إيعازات منه على عثمان ويتخيل أنه يعمل على انتزاع الخلافة منه تحت السر والتكتم ولا يتظاهر إلا لخاصة الذين يثق بهم.
كل هذا في نفس معاوية على أمير المؤمنين «عليه السلام» فهو يتلظى عليه
(1) الكهف: 51.
(206)
غيظا وحنقا لأنه يأمل بأمتداد أيام عثمان انتقال الخلافة إليه وإذا عوجل عثمان أخفق مسعاه وفله عليها أمير المؤمنين «عليه السلام» لأن المسلمين لا يعدلون به أحد وأمير المؤمنين «عليه السلام» لن ينسى تلك الخطابات القاسية والكلمات الغليظة المؤلمة التي ألقاها معاوية تجاه أمير المؤمنين «عليه السلام» بمحضر الصحابة من دون تحاش ولا إكتراث، فأستبان له «عليه السلام» من ذلك أنه سيعاديه ويخالفه متى ما صار الأمر إليه، ولا ينقاد إليه أبدا طائعا ما وجد موافقا له على رأيه خصوصا وقد قتل عثمان وأمير المؤمنين «عليه السلام» حاضر في المدينة لم ينصره، فرسخ في عقيدة معاوية ذلك الظن الذي كان يظنه وتحول اشلك عنده يقينا بأنه «عليه السلام» قد قتل عثمان وأكد ذلك عنده وعند بني أمية جميعا أخذه أدراع عثمان وخيله وهي من أموال المسلمين لا يسع الخليفة إلا ردها لبيت المال خزينة الدولة وهم يرون أنها من أمواله لأنهم لا يرون للمسلمين مالا إلا لهم حق التصرف فيه وقد قال في ذلك الوليد بن عقبة:
بني هاشم كيف الهوادة بيننا وعند علي درعه ونجائبه
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
هموا قتلوه كي يكونوا مكانه كما قتلت كسرى بليل مرازبه
هذا وقد صادر «عليه السلام» الأموال التي عند عمال عثمان التي هي من أموال المسلمين ورد القطائع التي ا‘طاها عثمان لبني أمية وغيرهم من أراضي الخراج وهي جميعا حقوق المسلمين كل ذلك بمرأى من معايو ومسمع وهو يخاف مثلها إن تمكن منه فكيف ينخدع؟ أم كيف تثق نفسه بأمير المؤمنين «عليه السلام»؟ حتى يناصحه وينجر إلى ناحيته وكيف تخفى نوايا معاوية على أمير المؤمنين «عليه السلام» كلا عقله أوفى، وعلمه أعظم ورأيه أعلى ولقد قال فيه وفي أصحابه من بني أمية للخوارج يوم سفين لما رفت المصاحف على الرماح وانخدع بها الخوارج، قال أمير المؤمنين «عليه السلام»: عباد الله أنا أحق من أجاب إلى كتاب الله لكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال.
فإذا اقر معاوية على الشام وقد ظهرت له آثار التباعد من معاوية عنه مع بغضه له ولبني هاشم وحقده الأصيل وحسده له وغيظة الشديد على رهطه وأسرته فكأنه عمل على تقوية معاوية عليه ومساعدته على حربه وق أعانه على نفسه لأنه
(207)
متى ما وصل إلى معاوية منشور أمير المؤمنين «عليه السلام» بالتوليه له على الشام وإقراره على إمارته يقرؤه معاوية على بقر أهل الشام وطغام الأمة ويقول: هذا الخليفة الجديد والإمام القائم بأمر أمة محمد قد ارتضاني للولاية عليكم ورآني أهلا ومستحقا غير إني لا أرتضيه إمام ولا مستحقا للخلافة لأنه قتل إمامكم عثمان مظلوما وبيعته في عنقه، فلست بمبايع له حتى يخرج من تبعة دم عثمان التي لزمته فتتمكن شبهة الباطل وتتمركز دعوة الضلالة في نفوس بقر الشام وتقوى فيشتد كلبهم على أمير المؤمنين «عليه السلام»، ويعظم فيكون المحذور من ناحية معاوية والحال هذه أعظم والخطر أشد فيحتاج الرجل السياسي العظيم المجرب صاحب الخبرة بشؤون السياسة المصير إلى غير هذا المسلك فإن السياسة توجب التحرز عما يخاف منه والتحفظ مما يحذره السياسي والعقل يمنع من تمكين الإنسان براثن الأسد من جسمه أو تسليط الأفعى على أنامله ودفع السلاح إلى من يريد قتله وابن عباس والمغيرة ومن هو على هذا الراي الذي هو خيال لا حقيقة لم ينظرا في حقائق الأشياء وعواقب الأمور، إنما نظرا إلى المبادئ الحالية التي لا تجدي نفعا، وقد قال شاعر العرب:
إن أمرؤ أمكن أعداءه من نفسه يخدع ألبابه
والمدار في إصابة الرأي على استعمال مادة العقل في تطبيق المبادئ على النتائج فإن صحت النتيجة وأثمرت كان الرأي صحيحا صائبا وإلا فذاك الرأي فائل لا يجوز للحازم أن يعمل به ولا للعاقل أن يعول عليه وأمير المؤمنين «عليه السلام» أحزم عربي وأعقل ملك سياسي فلا يدخله خلل من ناحية العقل والعلم والتجربة مع ما حرسه الله به من التسديد الرباني والرعاية الإلهية وإن كان في ذلك عناء كلفة فإن الدنيا ما خلقت مصاعب وشدائد في قبالهما للصابر المحتسب الجزاء المضاعف والأجر الجزيل عند الله تعالى.
ونعود إلى ما كنا بصدده والعرب تقول في من له شرف الآباء من الطرفين معرق في الشرف كما يقولون معم مخول، قال الفرزدق:
من آل حنظلة الاغر وإنني في آل ضبة للمعم المخول
فرعان قد بلغ السماء ذراهما وإليهما من كل خوف يعقل
قال شبيب بن يزيد الشيباني الخارجي في خالد بن عتاب بن ورقاء: معرق في الشجاعة.
قال الطبري بعد أن سلسل القصة التي فيها مقتل عتاب أبي خالد وهجوم
(208)
شبيب على الكوفة وما صنعه خالد بشبيب حتى كسره وقتل أخاه مصادا وزوجته غزالة، ثم اقتفى أثر الخوارج حتى عبروا دجلة وهو في أثرهم، ثم كانت لهم الكرة على خالد وأصحابه فكسروهم، قال: فمظوا حتى قطعوا حسر المدائن فدخلوا ديرا هناك، وخالد يقفو أثرهم فحصرهم في الدير فخرجوا عليه فهزمهم نحو من فرسخين حتى ألقوا انفسهم في دجلة بخيلهم، وألقى خالد نفسه بفرسه فمر به ولوائه بيده فقال شبيب: قاتله الله فارسا وفرسه فرسا، هذا أشد الناس وفرسه أقوى فرس في الأرض فقيل له: هذا خالد بن عتاب فقال: معرق في الشجاعة والله لو علمت لأقحمت خلفه ولو دخل النار، الخ.
والشواهد لهذا المعنى لا تحصى، فإذن يزول الشك ويرتفع التشكيك بأن أبا الفضل العباس «عليه السلام» بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» أشجع العرب وأشدهم بأسا من حيث أنه من معم مخول.
أما من حيث العمومة: قما يقول القائل في بيت منهم رسول الله (ص) أشجع الخلق قاطبة، وقد قال أمير المؤمنين «عليه السلام» في وصفه: «كنا إذا أشتد البأس لذنا برسول الله (ص) وقد فر عنه الجيش يوم أحد وثبت هو وأمير المؤمنين «عليه السلام» وأنهزم الناس يوم حنين وثبت هو وتسعة معه من بني عبد المطلب.
ومنهم أمير المؤمنين «عليه السلام» أشجع البشر الذي عجبت الملائكة من ثباته حتى قال قائلهم:
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي
وكانت له درع لها صدر ولا ظهر لها فقيل له في ذلك، فقال: إن امكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى علي.
ومنهم الحسن والحسين وطالب بن أبي طالب وهو الذي امتنع من قريش في بدر بسيفه حين رجع فلم يتبعه أحد منهم خوفا، وما صنع أحد من قريش صنعه وفيهم كثي ممن يكره حضور بدر.
ومنهم جعفر الطيار وهو أول عربي عقر فرسه في سبيل الله.
ومنهم حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله.
ومنهم الزبير بن عبد المطلب صاحب حلف الفضول والذي حمى مكة أن يظلم بها أحد، وكنت قريش لا تبرم أمرا حتى يشهده، وهو الذي طرد حرب بن أمية حتى استجار منه بابيه عبد المطلب.
(209)
ومنهم أبو طالب بن عبد المطلب قائد قريش في حروب الفجار، وشهد له رسول الله (ص) حيث قال: «لو أن الناس كلهم ولدهم أبو طالب ما كان فيهم إلا شجاعا»، ذكره ابن أبي الحديد في قصة أم هانئ في فتح مكة وكل بني عبد المطلب شجعان.
وأما من حيث الخؤلة: فقد عرفت فرسان بني كلاب، ومن فرسان بني عامر غيرهم كثير مهم عمرو بن عامر فارس الضحيا ومعاوية الأخيل ومعاوية بن البكاء وخداش وجابر بن سمرة وعبد الله بن الطفيل والمنتفك وغيرهم مما طوينا عن ذكرهم صفحا إيثارا للاختصار على التطويل.
فإذن يطمئن كل ذي فكرة وروية أن نسبا تسلسل من لدن آدم حتيإنتهى إليه ونظم في سلسلته محمد المصطفى وعلي المرتضى وأسد الله وأسد رسوله والطيار والسبطين لا نظير له ولا مثيل ولا يشك في تفوقه على كل نسب لعربي وغيره ولا شك فهو مفتخر العرب قاطبة.
وحيث أعلمناك ما للعباس «عليه السلام» من الشرف من حيث الآباء ومن حيث الأمهات بقي علينا أن نحرر تراجم موجزة لاعمام العباس «عليه السلام» نقتصد فيها فأنا قد ترجمنا لهم تراجم مطولة في كتاب (الميزان الراجح) وهذا الكتاب لا يحتمل ذلك التطويل.
عمومة العباس «عليه السلام» فريقان: فريق هم عمومته اخوة أبيه، وفريق عمومة ابيه.
فالقسم الأول: أعمامه ثلاثة: طالب وعقيل وجعفر:

(1) طالب بن أبي طالب


أما طالب بن أبي طالب وهو أكبر ولد أبي طالب وبه كان يكنى، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أول هاشمية ولدت لهاشمي ولم يتزوج أبو طالب غيرها.
وكان طالب قد أدرك الإسلام وحضر بدرا مع المشركين ورجع قبل القتال رغما على آناف قريش وهو من المسلمين الذين كانوا يكتمون إسلامهم كأبيه أبي طالب وإن كان علماء الرجال والنسب من أهل السنة قد حكموا بكفره وليس عندهم أكثر من أنه لم يظهر إسلامه وهذا دليل ظني لا ينتج إلا الظن والشواهد تقضي بضد ذلك فإنهم قد حكموا في العباس بن عبد المطلب وغيره من بني هاشم
(210)
كام هاني بعض رجالهم ونسائهم أنهم أسلموا وأخفوا إسلامهم عن قريش فإذا جاز ذلك فيهم جاز في طالب أن يكون ملهم فد أسلم وأخفى إسلامه عن قريش وكتمهم إياه.
ومن وجهة ثانية قد نص البرنجي الشافعي في كتاب «أسنى المطالب» وغيره وذكرناه في «الميزان الراجح» في ترجمة أبي طالب «من» أن أحدا من ولد هاشم لم يعبد صنم، كلهم كانوا على التوحيد وحيث كان ذلك لم يبلغنا أن طالبا قد كفر وأشرك بعد توحيده ولو كان لاشهر كما اشتهر كفر عمه أبي له، وابن عمه أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، بل بلغنا العكس وهو إسلامه في شعره الآتي.
وأما عندنا فإسلامه منصوص عليه، نص على إسلامه ابن شهر اشوب في المناقب والمجلسي في البحار وغيرهما وسنذكر كلاهما.
وكان طالب بن أبي طالب من رجال قريش وفتيان بني هاشم شجاعة وفصاحة وله شعر جيد وهو أكبر إخوته بأتفاق علماء النسب نص على ذلك منهم ابن إسحاق والطبري وابن الصباغ وابن قتيبة وسبط ابن الجوزي والخوارزمي وغيرهم من السنة وابن شهر آشوب والمجلسي واليعقوبي والمسعودي وغيرهم من الشيعة.
قال الخوارزمي في مناقبه(1) عن الزبير بن بكار قال: ولد أبو طالب بن عبد المطلب طالبا لا عقب له وعقيلا وجعفر وعليا «عليهم السلام» كل واحد منهم أسن من صاحبه بعشر سنين على الولاء وأم هاني واسمها فاختة وأم كلهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي وقد اسلمت وهاجرت إلى رسول الله (ص) وماتت بالمدينة وشهدها رسول الله (ص) وأمير المؤمنين «عليه السلام».
وقال السبط في التذكرة(2) في ذكر أولادهما: وجميعهم من أبي طالب وهم ستة أربع ذكور فانثيان، فالذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي «عليه السلام» وبين كل واحد وبين الآخر عشر سنين فطالب أكبر أولاد أبي طالب وبه كان يكنى، وبين طالب وعقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر عشر سنين وبين جعفر وعلي «عليه السلام» عشر سنين فعلي «عليه السلام» أصغر ولده وطالب أكبرهم وكنيته أبو
(1) مناقب الخوارزمي: ص11. (2) تذكرة خواص الامة: ص7.
(211)
بريد وكان عالما بأنساب قريش، وأخرجهم المشركون يوم بدر لقتال رسول الله (ص) كرها، فقال:
لا هم إما تغزون بطالب في مقنب من هذه المقانب
وليكن المغلوب غير الغالب وليكن المسلوب غير السالب
فلما انهزم المشركون يوم بدر لم يوجد لا في القتلى ولا في الاسرى ولا رجع إلى مكة ولا يدرى ما حاله، وليس له عقب، إنتهى.
هذه الرواية تمسك بها من نص منهم على موته كافرا كالديار بكري في تاريخ الخميس والمحب الطبري في ذخائر العقبى ولا شاهد فيها على ما ذهبوا إليه والصيحيح أنه لم يشهد القتال وأنه عاش بعد الوقعة ورثى من قتل من قريش ومدح النبي (ص).
وفي السيرة الهشامية(1): كان بين طالب بن أبي طالب – وكان في القوم – وبين بعض قريش محاورة، فقالوا: والله لقد عرفنا يا بني هاشم وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد فرجع طالب بن أبي طالب إلى مكة مع من رجع، وقال:
طالب بن أبي طالب لا هم إما يغزون طالب
في عصبة محالف محارب في مقنب من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غيرالغالب
وذكرها في تاريخ الخميس(2)، وقال الطبري في تاريخه(3).
وأما ابن الكلبي فإنه قال فيما حدثت عنه: شخص طالب بن أبي طالب إلى بدر مع المشركين، أخرج كرها فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولم يرجع إلى مكة وكان شاعرا وهو الذي يقول – وذكر الشعر المتقدم- .
ومثل هذه العبارة في مروج الذهب(4).
وفي عمدة الطالب(5): أما طالب بن أبي طالب فاكرهته قريش على الخروج إلى بدر ففقد فلم يعرف له خبر، ويقال: إن أكره فرسه بالبحر حتى غرق، وهو القائل حين أخرجته قريش كرها – وذكر الشعر -.
وقال الفاضل المجلسي في البحار(6) بأسناده عن الصادق «عليه السلام»
(1) سيرة ابن هشام 2/ 209. (2) تاريخ الخميس 1/ 422.
(3) تاريخ الطبري 2/ 276. (4) مروج الذهب 2/2.
(5) عمدة الطالب: ص15. (6) بحار الأنوار 6/605.
(212)
قال: لما خرجت قريش إلى بدر، أخرجوا بني عبد المطلب ومعهم طالب بن أبي طالب فنزل رجازهم يرتجزون ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز – وذكر الشعر المتقدم – فقالت قريش: إن هذا ليغلبنا فردوه، وفي رواية أخرى عن الصادق «عليه السلام»: إنه كان أسلم.
وقال ابن شهرآشوب في المناقب(1): وإخوته «عليه السلام» طالب وعقيل وجعفر وعلي «عليه السلام» أصغرهم وكل واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا الترتيب واسلموا كلهم وأعقبوا إلا طالب فإنه أسلم ولم يعقب، إنتهى.

محبة أبي طالب لطالب وعقيل


قال ابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمة»(2): لما نشأ علي بن أبي طالب «عليه السلام» وبلغ سن التمييز أصاب أهل مككة جدب شديد وقحط أجحف بذوي المروة وأضر بذوي العيال إلى الغابة فقال رسول الله (ص) لعمه العباس – وكان أيسر بني هاشم -: إعلم أن اخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى فانطلق بنا إليه لنخفف من عياله فتأخذ أنت رجل وأخذ أنا رجلا ونكفلهما له.
قال العباس: أفعل. فأنطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى يكشف الله عن الناس ما هم فيه.
فقال: إذا تركتما لي عقيلا وطالبا فأصنعا ما شئتما.
فأخذ رسول الله (ص) عليا فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا، فضمه إليه فلم يزل علي «عليه السلام» مع رسول الله (ص) حتى بعث الله عز وجل محمدا نبيه (ص) فأتبعه علي «عليه السلام» آمن به وصدقه، إنتهى.

شعر طالب


كان شاعرا مجيدا – حسبما سمعت -، جمع بني الجزالة والسلالة، في سيرة ابن هشام(3): قال ابن إسحاق: قال طالب بن أبي طالب يبكي أصحاب القليب من قريش يوم بدر ويمدح رسول الله (ص).
ألا أن عيني أ،فذت مائها سكبا فتبكي على كعب وما إن ترى كعبا
(1) مناقب ابن شهر آشوب 3/ 161. (2) الفصول المهمة: ص15.
(3) سيرة ابن هشام 2/ 218.
(213)
ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا وأوردهم ذا الدهر واجترحوا ذنبا
وعامر تبكي للملمات غدوة فياليت شعري هل أرى لهم قربا
هما أخواي لم يعدا لغبة تعد ولن يستام جارهما غصبا
فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا فديتكما لا تبعثا بيننا حربا
ولا تصحبا من بعد ود وألفة أحاديث فيها كلكم يشتكي النكبا
ألم تعملوا ما كان في حرب داحص وجيش أبي يكسوم إذ ملؤا الشعبا
فلولا دفاع الله لا شيء غيره لأصبحتموا لا تمنعون لكم سربا
فما أن جنينا في قريش عظيمة سوى أن حمينا خير من وطأ التربا
أخا ثقة في النائبات مرزء كريما ثناء لا بخيلا ولا ذربا
يطيف به العافون يغشون بابه يؤمون بحرا لا نزولا ولا صربا
فوالله لا تنفعك نفسي حزينة تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا
وفي قوله «فلولا دفاع الله» في قصة أبي يكسوم صاحب الفيل.
وفي قوله: «خير من وطأ التربا» يعني به النبي (ص) دليل قاطع على إسلامه.
وأما قوله: «حتى تصدوا الخزرج الضربا» فليس هو من الدعاء على الإسلام والتحريض على المسلمين ولكنه مما أثارته العواطف الرحيمة وأهاجه الشعور النسبي لأن قريشا قومه والقومية في الغيور داعية الحماس ولا يلام الرجل في حب قومه.
«يطيف به العاقون»يشبه قول أبيه أبي طالب في مدحه (ص):
تطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل

(2) عقيل بن أبي طالب


العلامة النسابة الفصيح اللسان الحاضر الجواب الذي لا يجاري في محاورة، ولا يقام له في خطاب، كان سريع البديهية حاد الذهن وقاد القريحة حاضر الجواب لسانه كسنانه وجوابه أحد من شفرة السيف وكان شجاعا شهد غزوة مؤتة وما بعدها من غزوات النبي (ص) وأخرجته قريش كغيره من بني هاشم كرها إلى بدر، فأسر وفداه عمه العباس وكان أبوه أبو طالب شديد المحبة له ورسوله الله (ص) يحبه حبا شديدا لأمرين سنذكرهما إن شاء الله ونحن نورد هنا من
(214)
أخباره ما يناسب هذا الكتاب وإلا فقد ترجمنا له في «الميزان الراجح» ترجمة مطولة تصح أن تكون كتابا منفردا.
وقد كان عقيل مبغوضا إلى قريش لعلمه بمساويهم فهو ينشرها ولا يخفيها فيفتضحون بذلك، فلذا أبغضوه ونسبوا إليه كلما يشينه ويوجب القدح فيه حتى أنهم نسبوا إليه الانحراف عن أخيه أمير المؤمنين «عليه السلام» وزعموا أنع فارقه ولحق بمعاوية وجر هذا التشنيع عليه بغضهم له وقد ذكرنا كلما ذكروا في «الميزان الراجح» وأجبنا عنه.
وهنا كلمة للحافظ المقريزي وقعت في موقعها من الصواب وقد أوردها مورد الاحتجاج على بني أمية(1) ما لفظه هذا: وهم يزعمون أن عقيلا أعان معاوية على علي «عليه السلام» فإن كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب، وإن كانوا صادقين فما جازوه خيرا إذ ضربوا عنق مسلم بن عقيل صبرا، وقتلوا معه هاني بن عروة لأنه آواه ونصره، الخ.
وسيجيء كلام الجاحظ في هذا المعنى.
ذكر الحفاظ الثلاثة ابن عبد البر و ابن الأثير والعسقلاني في كتب الصحابة والألفاظ متقاربة ولفظ الأول(2): عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي يكنى أبا زيد، روينا أن رسول الله (ص) قال: يا أبا يزيد إني أحبك حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك.
قدم عقيل البصرة ثم أتى الكوفة ثم أتى الشام وتوفي في خالفة معاوية وله دار بالمدينة.
قال العدوي: كان عقيل قد أخرج إلى بدر مكرها ففداه عمه العباس ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد غزوة مؤتة وكان أكبر من أخيه جعفر بعشر سنين وكان جعفر أكبر من علي «عليه السلام» بعشر سنين وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامهم.
قال: ولكنه كان مبغضا إليهم لأن كان يعد مساويهم.
قال: وكانت له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله (ص) يصلي عليها ويجتمع إليه في علم النسب وأيام العرب وكان أسرع الناس جوابا، وأحضرهم مراجعة في القول وأبلغهم في ذلك.
(1) النزاع والتخاصم: ص13. (2) الاستيعاب 2/ 252.
(215)
قال: وحدثني ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان في قريش أربعة يتحاكم إليهم ويقف عند قولهم – يعني في النسب – عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل الزهري وأبو جهم بن حذيفة العدوي وحويطب بن عبد العزى العامري.
زاد غيره: كان عقيل أكثرهم ذكرا لمثالب قريش فعادوه لذلك وقالوا فيه بالباطل ونسبوه إلى الحمق، وأختلفوا عليه أحاديث مزورة وكان مما أعانهم عليه مغاضبته لأخيه علي «عليه السلام» وخروجه إلى معاوية وإقامته معه ويزعمون أن معاوية قال له يوما بحضرته: هذا أبو يزيد لولا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، قال عقيل: أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي وأسأل الله خاتمة خير، إنتهى.
وزعم ابن الأثير أنه بعد غزوة مؤتة عرض له مرض فلم يشهد فتح مكة وحنينا والطائف وأطعمه رسول الله (ص) أوساقا من خيبر كل سنة وقد قيل: إنه ممن ثبت حنين مع رسول الله (ص)، الخ.
وسنذكر بعض ما ذكره من أجوبته، ثم قال: روى عنه ابنه محمد والحسن البصري وغيرهما وهو قليل الحديث.
قال العسقلاني: أخرج له النسائي وابن ماجة حديثا.
وقال ابن سعد: قالوا: مات في خلافة معاوية.
وفي تاريخ البخاري الأصغر بسند صحيح أنه مات في خلافة يزيد قبل الحرة.
وقال الجاحظ في البيان والتبيين(1): كان عقيل بن أبي طالب نسابا عالما بالأمهات، بين اللسان، شديد الجواب، لا يقوم له أحد.
وقال(2): وأربعة من قريش كانوا رواة الناس للأشعار وعلماؤهم بالأنساب والأخبار: مخزمة بن نوفل بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة وأبو الجهم بن حذيفة بن غانم بن عام بن عبد الله بن عوف وحويطب بن عبد العزى وعقيل بن أبي طالب وكان عقيل أكثرهم ذكرا لمثالب الناس فعادوه لذلك وقالوا فيه وحمقوه وسمعت ذلك العامة منهم فلا تزال تسمع الرجل يقول للرجل يحمقه حتى ألف بعض الأعداء فيه الأحاديث فمنها قولهم: ثلاثة حمقاء كانوا إخوة ثلاث عقلاء
(1) البيان والتبيين 1/256. (2) البيان والتبيين 1/258.
(216)
والأم واحدة: علي وعقيل وأمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم، وعتبة ومعاوية ابنا أبي سفيان وأمهما هند بنت عتبة، وعبد الملك ومعاوية ابنا مروان أمهما عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، فكيف وجعدة بن هبيرة يقول شعرا:
أبي من بني مخزوم إن كنت سائلا ومن هاشم أمي لخير قبيل
فمن ذا الذي يأبى علي بخاله كخالي علي ذي الندا وعقيل
وقال قدامة بن موسى بن قدامة بن مظعون شعرأ:
وخالي بغاة الخير تعلم أنه جدير بقول الحق لا يتوعر
وجدي علي ذو التقى وابن أمه عقيل وخالي ذو الجناحين جعفر
فنحن ولاة الخير وفي كل موطن إذا ما ونى عنه رجال وقصروا
وقال(1): وكان عقيل رجلا قد كف بصره وله بعد لسانه ونسبه وأدبه وجوابه، فلما فضل نظرائه من العلماء بهذه الخصال صار لسانه أطول، وغاضب عليا «عليه السلام» وأقام في الشام فكان ذلك أيضا أطلق اللسان الساعي عليه والحاسد فيه وزعموا إنه قال لمعاوية – ذكر ما قاله في الاستيعاب من قوله «انت خير لي في دنياي» -.
وقال مرة اخرى: أنت معنا يا أبا يزيد، قال: ويوم بدر كنت معكم.
وقال معاوية يوما: يا أهل الشام هل سمعتم قول الله تعالى في كتابه العزيز: (تبت يدا أبي لهب وتب)(2)؟ قالوا: نعم، قال: فإن أبا لهب وعمه، فقال عقيل: هل سمعتم قول الله عز وجل: (وامراته حمالة الحطب)(3)؟ قالوا: نعم، قال: فإنها عمته، قال معاوية: حسبنا ما لقينا من أخيك.
وذكروا أن امراة عقيل وهي فاطمة بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا بني هاشم، لا يحبكم قلبي ابدا: اين أبي؟ أين عمي؟ أين أخي؟ كان أعناقهم أباريق الفضة ترد أنفهم قبل شفاههم.
قال لها عقيل: إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك.
وقال ابن الأثير(4) إن عقيل بن أبي طالب لزمه دين فقدم على علي «عليه السلام» الكوفة فأنزله وأمر ابنه الحسن «عليه السلام» فكساه، فلما أمسى أتى بعشائه فإذا خبز وملح وبقل، فقال عقيل: ما هو إلا ما أرى؟ قال: نعم، قال:
(1) البيان والتبيين 2/ 260. (2) المسد: 1.
(3) المسد: 4. (4) أسد الغابة 3/ 224.
(217)
فتقضي ديني؟ قال: كم دينك؟ قال: أربعون الفا، قال: ما هي عندي ولكن إصبر حتى يخرج عطائي فإنه أربعة آلاف أدفعها إليك.
قال عقيل: بيوت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك؟! قال: أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين وقد ائتمنوني عليها؟ فقال عقيل: فإني آتي معاوية، فأذن له فأتى معاوية فقال له: يا أبا يزيد كيف تركت عليا وأصحابه؟ قال: كأنهم أصحاب محمد (ص) إلا أني لم أر رسول الله (ص) فيهم، وكأنك أصحابك أبو سفيان وأصحابه إلا أني لم أر أبا سفيان فيكم.
فلما كان الغد قعد معاوية على سريره وأمر بكرسي إلى جنب السرير ثم أذن لعقيل فقال: يا معاوية، من هذا معك؟
قال: الضحاك بن قيس.
فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة وتمم النقيصة هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا بالأبطح، لقد كان بخصائها رفيقا، فقال الضحاك: إني لعالم بمحاسن قريش وإن عقيلا عالم بمساويها.
فأمر له معاوية بخمسين ألف، فأخذها ورجع، الخ.
وهذه القصة رواها المفيد بن الشيخ الطوسي رحمة الله عليهما في مجالسة(1) وفيها يقول: قال معاوية: مرحبا بك يا أبا يزيد، ما نزع بك الينا؟ قال: طلب الدنيا في مظانها.
قال: وفقت وأصبت وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، ثم قال: أخبرني عن العسكرين اللذين في مظانها.
قال: وفقت وأصبت وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، ثم قال: أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما قبل عسكري وعسكر علي؟
قال: في الجماعة أخبرك أم في الوحدة؟
قال: بل في الجماعة.
قال: مررت على عسكر علي «عليه السلام» فإذا ليل كليل النبي (ص) ونهار كنهار النبي (ص) إلا أن رسول الله (ص) ليس فيهم ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبو الأعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله (ص) إلا أن أباسفيان ليس فيهم.
فكف عنه حتى إذا ذهب الناس قال: يا أبا يزيد! أي شيء صنعت بي؟ قال: الم أقل لك في الوحدة أو في الجماعة؟ فأبيت علي.
(1) مجالس ابن الشيخ: ص89.
(218)
قال: أما الآن فاشفني من عدوي.
قال: ذلك عند الرحيل.
فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله وأقبل نحو معاوية وقد جمع معاوية خوله فلما إنتهى إليه قال: يا معاوية! من ا على يمينك؟ قال: عمرو بن العاص.
فتضاحك ثم قال: لقد علمت قريش أنه لم يكن أخصى لتيوسها من أبيه، ثم قال: من هذا على شمالك؟ قال: أبو موسى.
فتضاحك وقال: لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها أمرأة أطيب من قلب أمه.
ثم قال له: أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد، قال: اتعرف حمامة؟ ثم سار.
فألقي في خلد معاوية وقال: أم من امهاتي لست أعرفها، فدعى بنسابين من أهل الشام فقال: أخبراني عن أم من أمهاتي يقال لها حمامة لست أعرفها.
فقالا: نسألك بالله لا تسألنا عنها اليوم.
قال: أخبراني أو لأضرربن أعناقكما ولكما الأمان.
قالا: فإن حمامة جدة أبي سفيان السابعة وكانت بغيا ولها بيت توفي فيه، إنتهى. في تعليقة النزاع والتخاصم(1): يقال: إن الزرقاء هذه هي أم بني أمية بن عبد شمس واسمها أرنب، وكانت في الجاهلية من صواحب الرايات وذكر ابن أبي الحديد هذه القصة.
أيضا في شرح النهج(2) لكنه ذكر أن عقيلا قال بعمرو بن العاص: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر لغلب عليه جزار قريش، فمن الآخر؟
قال: الضحاك بن قيس الفهري.
قال: أما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس، فمن هذا الآخر؟
قال: أبو موسى الاشعري، قال: هذا ابن السراقة.
ثم ذكر حمامة وقال: إنها جدته أم أبي سفيان وكانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية.
وقال البيهقي في المحاسن والمساوئ(3): إن الوليد بن عقبة قال لعقيل بن أبي طالبب: غلبك أبو تراب على الثروة والعدد.
(1) النزاع والتخاصم: ص22. (2) شرح نهج البلاغة 1/ 157.
(3) المحاسن والمساوئ 2/ 133.
(219)
قال: نعم وسبقني وإياك إلى الجنة.
فقال: أما والله إن شدقيه لمتوضفان من دم عثمان.
فقال عقيل: ما أنت وقريش فإنما أنت فيهم كمنيح المسير.
فقال الوليد: إني أرى لو أن أهل الأرض اشتركوا لوردوا صعودا.
فقال عقيل: كلا، ما ترغب له عن صحبة أبيك، إنتهى.
وذكرها ابن أبي الحديد وذكر أيضا(1): قال معاوية لعقيل: إن فيكم لينا يا بني هاشم؟
قال: نعم، إن فينا لينا من غير ضعف وعزا من غير عنف، وإن لينكم يا معاوية غدر وسلمكم كفر.
فقال معاوية: ولا كل هذا يا أبا يزيد.
قال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص: لأضحكك من عقيل، فلما سلم،
قال معاوية: مرحبا برجل عمه أبو لهب، فقال عقيل: وأهلا برجل عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد.
فقال معاوية: يا أبا يزيد! ما ظنك بعمك أبي لهب؟
قال: إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجهد مفترشا عمتك حمالة الحطب، أفناكح في النار خير أم منكوح؟ قال: كلاهما شر والله.
وذكر في العقد الفريد(2) قال: دخل عقيل على معاوية وقد كف بصره، فأجلسه معاوية على سريره ثم قال: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم.
قال: وأنتم معشر بني أمية تصابون بصائركم.
وذكر له أجوبة كثيرة منها بعد قوله: «ناكح في النار»(3): وقال له معاوية يوما: ما أبين الشبق في رجالكم يا بني هاشم!
قال: لكنه في نسائكم أبين، الخ، وهذا كثير جدا فهذا المقدار يكفي.

صفة عقيل وبعض حكايته:


قال أبو الحجاج البلوي في كتاب «ألف باء»(4): عقيل بن أبي طالب كان طوالا وكان أحد العشرة الذين طولهم عشرة أشبار،الخ، سنذكر الطوال في عنوان البطولة، وعشرة أشبار بشبر نفسه.
(1) شرح نهج البلاغة 2/ 268. (2) العقد الفريد 2/325.
(3) العقد الفريد 2/ 226. (4) ألف باء: ص81.
(220)
قال الحلبي في سيرته(1) في غزوة حنين: إن عقيلا دفع لامرته إبرة أخذها من الغنيمة، فإنها قالت له: قد علمت إنك قاتلت فماذا أصبت من الغنيمة؟
فقال: دونك هذه الابرة تخيطين بها ثيابك.
فسمع منادي رسول الله (ص) يقول: من أخذ شيئا فليرده حتى الخياط والمخيط، فرجع وأخذها منها وألقاها في الغنائم.
وتروى بصورة أخرى وفيها زيادة: ما أرى إبرتك إلا وقد أخذت منك فأخذها وألقاها في الغنائم.
قال سبط ابن الجوزي في التذكرة(2) بأسناده عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد «عليهما السلام» يقول: قال رسول الله (ص) يوم بدر: انظروا من هاهنا من أهل بتي من بني هاشم فجاء علي «عليه السلام» فنظر إلى العباس ونوفلا وعقيلا، ثم رجع فناداه عقيل: يا ابن أم والله لقد رأيتنا.
فجاء علي «عليه السلام» غلى رسول الله (ص) فأخبره، فجاء رسول الله (ص) فوقف على رأس عقيل فقال: أبا يزيد! قتل أبو جهل؟
فقال: إذن لا تنازعوا في تهامة فإن كنت أثخنت القوم وإلا فاركب أكتفهم - وفي رواية: الآن صفا لك الوادي -.
ثم رجع عقيل إلى مكة وأقام إلى سنة ثمان من الهجرة ثم خرج مهاجرا إلى المدينة فشهد غزوة مؤتة وأطعمه رسول الله (ص) من خيبر مائة واربعين وسقا كل عام.
قال الواقدي: أصاب عقيل يوم مؤتة خاتما عليه تماثل فنفله إياه رسول الله (ص) فكان في يده، إنتهى.
لم يشهد عقيل الجمل وصفين مع أخيه أمير المؤمنين «عليه السلام» بل تخلف عنه لغي شك في إمامة اخيه، ولا خذلان له بل امتثل أمر إمامه بالتخلف في المدينة ليكون له عينا في الحجاز يكتب إليه بما يحدث.
وروى الصدوق القمي «رحمه الله» في كتاب الأمالي(3) عن ابن عباس قال: قال علي «عليه السلام» لرسول الله (ص): إنك لتحب عقيلا؟
قال: إي والله إني لأحبه حبين: حبا له وحبا لحب أبي طالب له، وإن ولده
(1) السيرة الحلبية 3/ 138. (2) تذكرة خواص الامة: ص7.
(3) الأمالي للصدوق: ص88 مجلس 27.
(221)
المقتول في محبة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون، ثم بكى رسول الله (ص) حتى جرت دموعه على صدره ثم قال: اللهم إني اشكو إليك ما تلقى عترتي من بعدي، إنتهى.
ونقلها عنه جماعة منهم الوحيد البهبهاني في التعليقة وأبو علي الرجالي والفاضل المجلسي وغيرهم والمشار إليه في هذه الرواية المستحق لصلاة الملائكة المقربين وبكاء المؤمنين الشهيد مسلم بن عقيل «عليه السلام» البطل العظيم فإنه حري بذلك لأنه وقف في الكفة موقفا نبيلا حفظ فيه وصية المصطفى بالعترة الطاهرة، وأدى أجر الرسالة الذي لم يسأل الله غيره في موالاتهم حيث يقول: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)(1)، فأدى من محض الإخلاص لسيد الشهداء الحسين بن علي «عليهما السلام» ما أبهر به عقول ذوي العقول وحير ألباب ذوي الألباب.
رجل يقاد أسيرا ليقتل فسيعتبر باكيا ليس على نفسه والنفس لا أعز منها عند أكثر البشر ولا أغلى، بل للحسين «عليه السلام» فيقال له: أتبكي وأنت تطلب ما تطلب؟ فيقول: لا والله ما لنفسي بكيت وإن كنت لا أحب لها تلفا بل أبكي للحسين «عليه السلام» وآل حسين، فهذا لعمرك الإخلاص في المحبة وهذه هي المواساة العظيمة التي لم يعهد لها نظير في التاريخ ولم يعرف قبله رجل قيد المنية سحيا لا تهمه حياته وإنما يهمه سيده إلا هذا البطل العظيم فإنه قد أبدى هذا الإخلاص العجيب وقد رفرف طير المنية على رأسه ولك حالاته معجبة.
هل سمعت أو ذكر لك أن بطلا من الأبطال أو شجاعا من الشجعان مهما بلغ من الشجاعة حارب بلدة عظيمة بأسرها وأي بلدة؟ الكوفة أعظم المدن في ذلك العصر، وأكبر الأمصار محتشدة بالسكان مكتضة بالجيوش المرابطة للغزو وكان فيها ثمانون ألف جندي مسلح سوى من لم يثبت له الديوان «دائرة النفوس» إسما في المتطوعة والسكان فأنثالت كلها عليه رجالها تحاربه في الأزقة ونساؤها وصبيانها تقذدفه بالحجارة من أعالي السطوح وترمي عليه اطنان القصب المستعرة بالنيران فلم ترهبه تلك المظاهرة البدائية ولا زعزعته الكوارث المحدقة به ولا هالته أهوالها، بل كان يشتد ويشد عليهم مصلتا سيفه فيهربون قدامه أشتاتا وهو
يرتجز:
آليت لا أقتل إلا حرا
(1) الشورى: 23.
(222)
لم يزل هذا دأبه يفني الجمع بعد الجمع، ويبيد الكتيبة بعد الكتيبة، حتى أحدثت هجماته في البلدة رجة عظيمة أرعبت قلب الطاغير المتمرد فلاذوا منه بالامان، فمثل هذا حرب بصلاة الملائكة المقربين وبجريان دموع المؤمنين.