معجم  أنصار الحسين  (النساء)     (الجزء الأول)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (النساء) (الجزء الأول)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

الطبعة الأولى

1430هـ ـ 2009م

 

(4)

بســم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى(2) ادم ونوحاً وال إبراهيم وال عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(2)، إنه لقول رسول كريم(4) إني لكم رسول أمين(5)، أبلغكم رسالات ربي(6) لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى(7) وآت ذا القربى حقه(8) ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون(9).

 

صدق الله(10) العلي العظيم(11)

 

 

 

________________

(1) سورة النمل، آية 30.

(2) سورة النمل، آية 59.

(3) سورة آل عمران، آية 33-34.

(4) سورة الحاقة، آية 40.

(5) سورة الشعراء، آية 107.

(6) سورة الأعراف، آية 62.

(7) سورة الشورى، آية 23.

(8) سورة الإسراء، آية 26.

(9) سورة الروم، آية 38.

(10) سورة آل عمران، آية 59.

(11) سورة البقرة، آية 255.

 

(5)

 

 

 

              قال الرسول الأعظم (ص):

                    

                     «أن الحسين مصباح الهدى

                           وسفينة نجاة

                                  وإمام خيرٍ ويمنٍ

                                                وعزٍ وفخرٍ

                                                وبحر علم وذخر»(1).

                                                       وصدق رسوله الكريم

 

______________

(1) عيون أخبار الرضا: 1/62، وقريب منه في فرائد السمطين: 1/155 ح: 477.

 

(6)

مقدمة الناشر

       کرمَ الإسلام المرأة، ورفع من شأنها، فوضع الأسس والقوانين التي ترعاها وتكفل لها حقوقها كاملة كزوجة، وكأم، وكابنة، وكأخت، وتصونها من الهوان والابتذال. فالمنقب في شؤون المرأة في كتب الفقه يتأكد له ذلك.

       والقرآن الكريم، تزخر آياته بالحديث عن نساء سجلن على صفحات الإنسانية مواقف ناصعة، في سبيل إعلاء كلمة الله و الدفاع عن الشرائع السماوية، وأعطين دروس في الجهاد والعفة، رغم ما كان يكتنف عصورهن من ظلم و طغيان، فيروي لنا حكايات من نساء الأنبياء وأمهاتهن وبناتهن وأزواجهن كأم موسى والسيدة مريم «عليه السلام» ، وابنة النبي شعيب «عليه السلام» زوجة النبي موسى «عليه السلام» ، وغيرهن من نساء کامرأة فرعون.

       كذلك تزخر كتب التاريخ والسيرة بسير نساء كن مثالاً في النبل، والكرامة ، والشجاعة والوفاء، والعفة، والطهارة، والجهاد في سبيل الله، وعلى رأسهن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، والسيدة خديجة الكبرى، أول المجاهدات بمالها وصبرها وعونها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)من أجل دين الله.

       تشير کتب التاريخ وكتب السيرة والكتب التي تناولت واقعة الطف الأليمة في يوم العاشر من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة إلى حوارات دارت قبل رحيل الإمام الحسين «عليه السلام» من المدينة إلى الكوفة، بعد أن عقد العزم على ذلك، بين الإمام الحسين «عليه السلام» والعديد من الشخصيات البارزة في ذلك الحين، كانت تتخوف من ذهاب الإمام الحسين إلى الكوفة، وتحثه على عدم الرحيل خوفاً عليه، ولكن إثر إصراره «عليه السلام» على ذلك، طرحت تلك الشخصيات لاسيما أخوه محمد ابن الحنفية تساؤلا مرفقاً بالرجاء عن سبب اصطحابه للعيال من نساء وأطفال، فكان جوابه «عليه السلام» يومها :« إن الله شاء أن يراني قتيلاً وشاء أن يراهن سبايا».

       من هذه الأسطر الوجيزة أردنا الدخول إلى ما نريد الحديث عنه في هذه المقدمة، وهو وجود النساء الأنصار ومشاركتهن في واقعة الطف الأليمة.

       ويوحي جواب الإمام الحسين «عليه السلام» بأن لأولئك النسوة دوراً هاماً سیقمن به

(7)

       أثناء تلك الواقعة، التي بقيت حتى يومنا صفحة سوداء في تاريخ البشرية. وفي المرحلة التي بعدها.

       فالمتبع لوقائع تلك المعركة يمكن أن يرى نساء قاتلن إلى جانب الرجال واستشهدن ونساء حاولن المشاركة في القتال فووجهن برفض الإمام الحسين «عليه السلام» ونساء لعبن دور المحرض لرجالهن وأبنائهن على خوض المعركة دفاعاً عن الحسين وأهل بيته، ونساء قمن بدور الرعاية والإشراف وحفظ النسوة والأطفال خلال المعركة وما بعد المعركة كالعقيلة زينب «عليه السلام»، التي يبرز دورها أكثر نصاعة بعد الواقعة، حيث ذكرت كتب التاريخ والسيرة والمصرع أن السيدة زينب لعبت دور إيضاح الحقائق أمام الناس بعد تعميتها من قبل زيد وأتباعه والدفاع عن الدين وإظهار مظلومية الحسين «عليه السلام» وفضح يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زیاد من خلال مواقفها وكلماتها في محضر عبيد الله بن زياد في الكوفة أو في محضر یزید بن معاوية في الشام، الأمر الذي أدى إلى انقلاب الناس على يزيد بن معاوية وكذلك خلال الرحلة التي قطعتها قافلة السبايا إلى الشام ثم كربلاء ثم المدينة ما دفع بیزید بن معاوية إلى إصدار الأوامر بإعادة السبايا إلى المدينة المنورة خوفاً من قيام ثورة في وجهه ، كما لا ننسى دور ام کلثوم بنت علي «عليه السلام» في ذلك.

       هذا الجانب الهام في واقعة کربلاء أضاء عليه مؤلف دائرة المعارف الحسينية سماحة آية الله الشيخ الدكتور محمد صادق محمد الكرباسي دام ظله، فإلى جانب معجم الأنصار الرجال من الهاشميين وغير الهاشميين وضع سماحته معجم الأنصار النساء من الهاشميات وغير الهاشميات الذي يتناول بالتفصيل مجموع النسوة اللاتي شاركن في واقعة الطف ، فقد أفاض سماحته في الحديث عن حياتهن وأنسابهن وأزواجهن وأبنائهن، وأدوارهن في كربلاء، وما قبلها وما بعدها ببحث علمي و تاریخي دقيق لم يسبق أن تناوله أحد بهذا الشكل، مع إيراد مقدمة وافية تناول فيها مختلف جوانب المرأة وما سنه الله من سنن لإكرامها ، وما يقوم به الآخرون للحط من قدرها وأهانتها.

        وقبل أن نشرك هذا القلب لابد من الإشارة إلى أن هذا الجزء هو الجزء الخمسون من أجزاء دائرة المعارف الحسينية التي طبعت حتى الآن بالاتكال على الله  سبحانه وتعالى الذي منه نستمد العون، إنه نعم المعين على كل المهمات، والحمد الله في السراء والضراء.

28/ذو القعدة /1429هـ

26/ تشرين الثاني /2008م

(8)

 

سيدي لك الشكر والثناء على كل فيض

وعلى نعمة الانتماء السيد السماوات والأرض

وعلى التوفيق بالولاء لأصحاب الحوض

لندن

محمد صادق

صيف 1423هـ ـ۲۰۰۳ م

 

 

(9)

(10)

 

تمهيد

       قد تكون هذه حلقة من حلقات معجم الأنصار، وقد يكون فصلا من فصوله، وربما باباً مستقلاً، ولكن له علاقة بالهاشميين من جهة وبغير الهاشميين من جهة أخرى، بحيث انتزع منها شخصيات أنثوية ليعطى لها حقها حسب شأنها وتكرم كرامة مميزة، ويلقي عليها الضوء باستقلالية ومن هنا فقد ضم هذا الكتاب الهاشميات مع غير الهاشميات ممن حضرن كربلاء وكان لهن مشاركة في الحركة التصحيحية التي قادها الإمام الحسين «عليه السلام» من خلال نهضته المباركة عام واحد وستين للهجرة.

       وما هذا الفصل إلا لأن للمرأة خصوصياتها ومميزاتها التي تختلف عن الرجل، وهذا لا يعني تفضيل أحد الجنسين على الآخر، بل الحديث عن المميزات والخصوصيات، فإنك لو تحدثت مثلا عن الليمون والتفاح أو عن القرنفل والياسمين و ميزت بينهما لا يعني أنك فضلت أحدهما على الأخر، بل تروم بذلك بيان خصوصيات كل واحد منهما دون تفضيل.

       والتفصيل ربما يكون بسبب بعض الخصوصيات الملائمة مع هذا الموقع دون غيره أو بالعکس، فيكون الأفضل بهذا الموقع دون ذاك،وهكذا، إذاً فلا تفصيل مطلقاً ولا ترجيح أبدأ.

       هناك عدد من العناوين المشتركة بين هذا القسم والقسمين الآخرين لا نكررها بل تستعين بها لكي لا نقع في التكرار، ولكن إلى جانب تلك العناوين فإن هناك عناوين أخرى تخص كل قسم، ومنها هذا القسم المختص بالأنثى تحاول إيرادها وثبتها هنا إكمالاً للفائدة، وإتماماً للبحث و لتكون جميعها الحلقة التي تبحث عنها دائما في هذه الدائرة التي من شأنها دراسة كل ما يرتبط بالإمام أبي عبد الله الحسین «عليه السلام» من قريب أو بعيد بحول الله وقوته، إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير، وخير مسدد ومعين.

(11)

 

 

(12)

 

شأن المرأة

 

       هذا الموضوع شائك ومترامي الأطراف وعميق يصعب الغوص فيها من خلال صفحات، ولذلك علينا أن نوجز الكلام عنه بما يعنينا ويهما مع رسم صورة سريعة عن الفارق بين حقيقة الأنثى والواقع المعاش.

       ولا يخفى أن الأنثى كانت مضطهدة في الجاهلية الأولى بحيث كانت تدفن وهي على قيد الحياة خوف العار والشنار، وجاء الإسلام ليرفع عنها الظلم ويحررها من العبودية التي كانت تعيشها في ظل الأنظمة اللاإنسانية وتبرزها على جميع الأصعدة كإنسانة لها حقوقها وعليها واجباتها. مراعية في ذلك بنيتها الجسمية «الفسيولوجية» والنفسية «السيكولوجية» فأصبحت تلك الريحانة تساهم بشكل فاعل في الحياة البشرية في شتى مجالاتها ، وتقودها نحو الخير والصلاح، وقد شاركت الجنس الآخر مشاركة بناءة في وضع أسس هذه الحياة بأسلوب حضاري مميز، بدءا من الحياة الزوجية التي هي في الواقع وكذا في الحقيقة مشاركة جادة من كلا الجنسين المواصلة الحياة المقدسة وبناء الجيل الجديد، وانتهاء بكل الخيوط التي تتشعب من تلك المشاركة الفاعلة التي لا يمكن فصلها وتميزها بین الجنسين اللذين هما ناموس الحياة ليس في الجنس البشري فحسب بل في كل جزئیات هذا العالم المترامي الأطراف.

       ولكن من المؤسف جدا أن تتغلب العادات والتقاليد من جهة، والروح السلطوية من قبل الجنس الخشن والذي هو بحق أسم على مسمى فتعانق المصالح لتؤدي إلى إعادة أسر المرأة بشكل آخر، وربما كان أسوأ حالا من ذي قبل وبعناوین مختلفة ربما حملوا الكثير منها على الدين والمعتقد الإسلامي بالذات من جهة، وباسم التحرير من قبل المحررين أنفسهم من جهة أخرى، وربما زجوا المرأة كأدوات في هذا التراجع

(13)

المقيت الذي لم يؤد إلا إلى تحجيم المرأة أو تحميلها أكثر من طاقتها الجسدية والنفسية ليرتاح الطرف الآخر أو ليجني ثمار ذلك بأقل قدر من الخسائر.

       ولا داعي إلى سرد أو رواية ما قام به الإسلام بعد ما عانته المرأة في ظل الجاهلية الأولى والتي كان الوأد أبرز مظاهرها، وإلى نقل  عينات من بريق الجاهلية الثانية في ظل دعاة التحرير المستورد من الغرب الذي هو أصلا لم يعترف بالمرأة كإنسانة إلا قبل عقود من الزمن، وقد أدى بهم إلى جعلها ومفاتنها سلعة تباع وتشترى لارتفاع رصيد الأثرياء، وظلت المرأة من جهة أخرى بأيدي دعاة الجاهلية الأولى ممن ترسخت فيه تلك المفاهيم في ظل العادات والتقاليد موشحة بوشاح الدين والعقيدة، ولقد بدأ بإعادة تلك المفاهيم الموروثة من الجاهلية معاوية بن أبي سفيان وأترابه والتي ظلت آثارها تخيم على مجتمعنا إلى هذا اليوم.

       وعلى أي حال بقيت المرأة بين مطرقة الجاهلية الثانية وسندان الجاهلية الأولى تعاني الأمرين، وليس من ينقذها من تلك الاضطهادات المتتالية، ولا خلاص لها إلا إذا ما رجعت إلى الإسلام الذي حررها أول مرة والرجوع إلى تعالیم قادة الإسلام وبناته وحملة أفكاره المطهرون من الرجس، بكل ما في النظام الإسلامي من أبعاد، والابتعاد عن المصالح الشخصية التي لعبت بها الأهواء لتحركها ذات اليمين وذات الشمال.

       ونعود لنكرر أن بحث المرأة شائك يحتاج إلى دراسة كل الجوانب المتعلقة بها مما لا يمكن أن يفصل في مثل هذه المقدمة التمهيدية، ولكن ما لا يمكن تجاوزه في مسائل مفروضة علينا طرحها، نظراً لأهميتها وإثارة الآخرين لها تنقيصاً بالعقيدة الإسلامية، وسنورد باختصار شيئا منها في النقاط التالية:

       1ـ بلوغ الأنثى.

       2ـ نقصان العقل.

       3ـ فرض الحجاب.

       4ـ الاختلاط.

(14)

 

       5- التعليم.

       6ـ المرأة والعمل.

       7ـ ولاية المرأة.

       8ـ قيمومة الرجل.

       9ـ تعدد الزوجات.

       10ـ الحضانة.

       11ـ حق الطلاق.

       12ـ نصيبها من الإرث.

       13ـ الحداد.

       14ـ إعفاؤها من القتال.

       15ـ المرأة والدية.

       إلى جانب مواضيع أخرى تعتبر ثانوية نستعرضها إن شاء الله تعالى، وهنا لا بد من الإشارة إلى أمور يجب أن لا ننساها:

       ۱ـ إن العبرة دائمة بالأعم الأغلب، ولا مجال للحديث في أي بحث أو مناقشة علمية الأخذ بالشاذ النادر، أو ببعض الحالات الاستثنائية .

       ۲- إن التفضيل أمر نسبي، أي أنك تفضل أمر أو شخصاً في هذا  المجال أو هذا المكان أو الزمان بدلاً عن ذلك.

       ۳- إن العمل بالاختصاصات أو المميزات ليس تفضي ، فلو أنك اخترت اللون الأزرق في المستشفيات ليس لأنه أفضل الألوان بل لأنه تبتعد عنه الجراثيم، كما أنك لو شربت الماء البارد في أوانه لا يعني أن الماء البارد هو المفضل دائماً ولكن لكل حالة استخداماتها، بل إن الماء الحار للغسيل في الشتاء القارس هو المختار.

        4 - إن الحديث يجب أن يتم بموضوعية دون أي أغراض أخرى، وأن يرفق بالدليل، إذ لا مجال للاعتباط والفرض.

(15)

 

بلوغ الأنثى

 

       اشتهر بين الفقهاء أن الأنثی تبلغ بانتهاء العام التاسع من عمرها لتستقبل ربيعها العاشر، لتكتف بأوامر الله ونواهيه، وتكون مستقلة في الرأي والعمل ويكون لها كامل الصلاحية في أخذ القرارات والعمل بمقتضاها، ويستدل بقول الإمام الصادق «عليه السلام»: «إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، وجاز أمرها في مالها، وأقيمت الحدود التامة لها وعليها»(1).

       وهناك روايات ترى غير ذلك، إلا أنها شاذة لم يعمل بها، وإن أخذ البعض يميل إليها تماشياً مع القوانين الغربية حيث جعل رؤيتها للدم هو دليل بلوغها، وقد حصلنا على رواية واحدة أو روايتين في هذا المجال، وهو المروي عن الرسول (ص)- ظاهراً- حيث جاء هكذا: وفي خبر آخر على الصبي إذا احتلم الصيام، وعلى المرأة إذا حاضت الصيام »(2).

       ومن الملاحظ أن الغرب قد وضع السنة الثامنة عشرة الحد الفاصل بين الطفولة والفتوة ولكنه تنازل مرتين في بعض الدول وربما ثلاث مرات في دول أخرى حيث قالوا: في السابعة عشرة ثم في السادسة عشرة وأخيراً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة : ۱۸/ 114.

(۲) وسائل الشيعة: 1/45 عن من لا يحضره الفقيه: 2/76 ، فإن صح سند الرواية، دل نصها على المطلوب، ولكن الظاهر أن الأحلام في الرجال ينبئ عن البلوغ وكذلك الحيض في النساء، ولكنهما لو تأخرا فإن الروايات الصريحة والمتواترة تدل على أن البلوغ يحدد بالعمر، ففي الرجال هو اتمام الخامسة عشرة، وفي النساء إتمام التاسعة، وجاء في نيل الأوطار: ۲/ 6۷ مروية عن عائشة: «لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار»، وفي الروايتين نظر من حيث السند والدلالة، وعلى فرض صحة السند ففي دلالتها على المطلوب المدعي تأمل، إذ المتبادر إلى الذهن: أن الحيض والاحتلام کاشفان عن البلوغ، إذ لا تحيض المرأة قبل البلوغ، وكذلك الفتى لا يحتلم قبل البلوغ.

(16)

 

في الخامسة عشرة مما يدلنا على أن مواكبة الغرب أصلاً لا يصح أن يكون معیاراً.

       ولقد بحثنا موضوع بلوغ المرأة بالذات فقهياً في مكان آخر ولا مجال لبحثه هنا ثانية، ولكن الذي تريد طرحه هنا ما يتردد في بعض الأوساط البعيدة عن روح الإسلام: لماذا تظلم الأنثى بتحملها المسؤولية وهي صغيرة دون الذكر الذي يبلغ بانتهاء عامه الخامس عشر، وفي الحقيقة كان الجواب عن هذا يحتاج إلى مجال أوسع من الذي نحن فيه، ولكن بإيجاز فإن العلم الحديث قد وصل بعد تجارب مضنية إلى أن الأنثى تسبق الذكر في تكميل قدراتها الفكرية من جهة وغرائزها البدنية من جهة أخرى، بمعنی آخر أن الأنثى في الأغلب الأعم تصل إلى سن الرشد قبل الذكر، وأن قابلياتها جسدياً تكتمل قبل الرجل، ومن هنا نجد أن الأنثى تمر بمراحل التكامل منذ بداية السنة العاشرة حيث ينبت عندها الشعر الخشن على العانة وتحت الإبطين ثم يبرز النهدان، وتأتي أخيراً مسألة رؤية الدم، فهذه سنوات ثلاث تؤهلها بعدها للحمل، بينما نجد الذكر في مثل هذا العمر يعبث ويلهو بأفكاره الصبيانية ولن تجد فيه تغييراً ملحوظاً نحو الكمال الجنسي حيث يتأخر حتى العام الخامس عشر وما بعده.

       وما هذه الأسبقية إلا دليل على أنها مقدمة على الذكر في تكوين شخصيتها، ومن هنا فإنها بعد النصف الأول من العقد الأول من عمرها تبدأ فيها مميزات الجنسين من حيث نوعية التفكير، ومن حيث الاستیعاب، وقد دلت الإحصاءات بالنسبة إلى المدارس الابتدائية وكذلك في المراحل التالية عليها أن الفتيات متفوقات على الفتيان بشكل عام، وما هذا إلا لأن هناك فوارق عديدة أودعت في جسم المرأة تجعل نمو قدراتها أسرع من الرجل، وعليه فلا غرابة أنها تكلف قبل الرجل وتتحمل المسؤولية حسب امتلاكها لتلك القدرات، وهذا ملحوظ على كل أنثى.

       وما تكليف المرأة في هذا العمر إلا تكريم لها حيث جعلها بمستوى البالغين ليؤخذ برأيها في جميع المجالات، وتأخذ مجراها في الحياة نحو الاستقلال، بل من العدالة أن يتعامل معها حسب تلك القدرات التي تمتلكها وأن تجاهل مثل هذه القدرات يعد ظلماً لها وتضييعاً لحقها.

(17)

       وكما أن المرأة تسبق الرجل في الكمال فإنها تسبقه في الشيخوخة، ففي الغالب أنها لا تنجب بعد الستين، وأما الرجل فيبقى قادرة على الإنجاب، مما يدلنا على اختلاف القدرات في تكوين الجسم، فلا مجال للقول بأن هناك حالة واحدة في كل من الرجل والمرأة، ونسبة الحيف والظلم عليها إنما تصدق إذا لم توضع قوانین خاصة بها كما هو الحال في الرجل، ومن الجدير بالذكر أن الدوائر الغربية في غالبها قدرت سن التقاعد في المرأة قبل الرجل بخمس سنوات.

(18)

 

نقصان العقل

       إن المقولة الشائعة بأن المرأة ناقصة العقل تسربت من بعض الأحاديث الواردة في هذا المضمار، وقد استقطعت من الروايات استقطاعاً غير صحيح، دون أن يراعى في ذلك التفاصيل و التفاسير التي وردت في شأنها.

       في البداية لا بد من الإشارة إلى أن الغرائز المودعة في الإنسان تختلف من جنس إلى آخر فالجنس اللطيف الذي أودعت فيه تلك الغرائز تختلف نسبتها عن التي أودعت في الجنس الخشن، إذ تزيد النسبة تارة في هذا وتارة أخرى في تلك حسب الحاجة والواجبات، وعلى سبيل المثال فإن نسبة العاطفة المودعة في النساء هي أكبر من النسبة المودعة في الرجال ، وهذا ما يلاحظ عليها ولا حاجة إلى دليل علمي يثبت ذلك، ومع هذا فقد تحدث عنه العلماء بعدما انكشفت لهم الكثير من الحقائق عن الإنسان وتكوينه كرجل وامرأة.

       ومن هنا فقد أوكل إليها بعض الأعمال والواجبات المتناسبة مع غرائزها وأحاسيسها المرهفة وتكوينها الجسدي، بينما أوكل إلى الرجل مهام أخرى تتناسب وغرائزه وإحساساته وطبيعة تركيبته الجسدية، ومن هنا  لو قيست المرأة بالرجل لوجدناها أكثر عاطفية من الرجل، بينما يلاحظ أن الرجل أكثر عقلانية من المرأة، ولذلك صح القول أن الرجل غیر عاطفي والمرأة غير عقلانية بهذا المنظور، ولا يعني بالطبع أن الرجل ليس له عاطفة ولا يتعامل معها، وأن المرأة ليس لها عقل ولا تتعامل معه، بل المراد أن الرجل لا يتعامل مع الأمور التي تحيط به بعاطفته بل يتعامل معها بعقله بشكل عام، وأن المرأة تتعامل مع الأمور المحيطة بها بعاطفية شديدة، والحاصل أنهما عاقلان عاطفيان ولكن أحدهما يقدم العاطفة على العقلانية، والآخر يقدم العقلانية على العاطفة، وهذا في الأعم الأغلب.

(19)

 

       ولنعد إلى الحديث الوارد في هذا المقام حتى لا نبتعد عن الموضوع، فإن هناك حديثين أحدهما منسوب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو برواية أمير المؤمنین «عليه السلام» والذي يقول: «يا أيتها المرأة لأنكن ناقصات الدين والعقل»(1)، والثانية مروية عن أمير المؤمنين «عليه السلام» حيث يقول: «معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ، نواقص العقول»(2) بغض النظر من أن المجلسي روى الحديث الأول عن تفسير العسكري الذي ذهب البعض إلى عدم حجيته للطعن في نسبته إلى الإمام الحسن العسكري «عليه السلام»، وروى الحديث الثاني عن نهج البلاغة التي أرسل السيد الرضي روايته، ورغم أننا لنا رأي آخر بالنسبة إلى المصدرين حيث نرى بأنهما موثقان حالهما حال سائر المصادر الروائية التي لا بد من دراسة كل حدیث لوحده فإنما أشرنا إلى ذلك لأن الذين يروجون مثل هذه الأحاديث هم أنفسهم لا يعتمدون على مثل هذه المصادر، ولكن الأهواء أخذت بهم إلى قبول ما يناسبهم وترك ما لا يناسبهم.

       ولنعد إلى نص الروايتين لنقول : إن الذين ينقلون مثل هذه الروايات لا يذكرونها بحذافيرها، وهو كما لو تليت آية الصلاة: ((لا تقربوا  الصلاة))(3) دون أن يقرأ ما بعدها ((وأنتم سكارى)).  فبالنسبة إلى الرواية الأولى فقد فسر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كلامه بعدها مباشرة حين سألته المرأة التي خاطبها وكانت موفدة بني جنسها حيث تقول الرواية: «إذ جاءت امرأة فوقفت قبالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك فما من امرأة يبلغها مسيري هذا إليك إلا سرها ذلك، يا رسول الله إن الله عز وجل رب الرجال والنساء وخالق ورازق الرجال والنساء، وإن آدم أبو الرجال والنساء، وإن حواء أم الرجال والنساء، وإنك رسول الله إلى الرجال والنساء، فما بال المرأتين برجل في الشهادة وفي الميراث؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أيتها المرأة، إن ذلك قضاء من ملك

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار: 101/306 عن تفسير العسكري:276.

(2) بحار الأنوار: 32/ 247. عن نهج البلاغة: الخطبة 23.

(3) سورة النساء، الآية: 43.

(20)

       عدل حكيم لا يجور ولا يحينف ولا يتحامل، لا ينفعه ما منعکن، يدبر الأمر بعلمه، يا أيتها المرأة لأنكن ناقصات الدين والعقل. قالت: يا رسول الله وما نقصان دیننا؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن إحداكن تقعد نصف دهرها لا تصلي بحيضة عن الصلاة، وإنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشيرة، تمكث إحداكن عند الرجل عشر سنين فصاعداً يحسن إليها، وينعم عليها فإذا ضاقت يده يوماً أو خاصمها قالت له: ما رأيت فيك خيراً قط، ومن لم يكن من النساء هذا خلقها فالذي يصيبها من هذا النقصان محنة عليها لتصبر فيعظم الله ثوابها فأبشري».

       وأما بالنسبة إلى الرواية الثانية فكمالها بالتالي: المعاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين منهن شهادة الرجل الواحد، وأما نقصان حظوظهن  فموارثهن على الإنصاف، فاتقوا شرار النساء».

       وللحديثين تكملة سبق وذكرناها سابقاً وهي حول بعض صفات المرأة  وخصوصياتها، والملاحظ من الحدیثین بیان واقع الحال من نقصان الدين أريد به أن الصلوات الخمس مفروضة عليها بأقل من الثلث تقريباً، وهذا يعد قلة حظ في العبادة المفروضة، والتي يمكنها تداركها بالجلوس في مصلاها والتعبد لله تعالى بما لا يشترط فيه الطهارة، وهو في الأساس تخفيف عنها لما يصيبها من التعب والإرهاق أيام الدورة الشهرية، بل إن الله سبحانه وتعالى عوضها عن ذلك بما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)مخاطباً لهن:  حیض يوم لك خير من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً : «من ماتت في حيضها ماتت شهيدة»(1) وهذا الأمر ينطبق على المرأة  النفساء فإن الصلاة وضعت عنها ولكن عوضها الله عن ذلك بما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «النفاس خير لهن من عبادة سبعين سنة صيام نهارها وقيام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مستدرك وسائل الشيعة: 2/41 عن لب اللباب للقطن الراوندي وفيه روايتان آخرتان تشيران أن في غسلها عن الحيض أجر كبير وفي الأخرى ان بغسلها تكفر عن ذنوبها.

(21)

 

ليلها»(1) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيما امرأة مسلمة ماتت في نفاسها، لم ينشر لها دیوان يوم القيامة»(2).

       وأما نقصان العقل فالمراد به نقصان الذاكرة، ومن هنا فقد جاءت شهادتها بنصف شهادة الرجل، وقد وردت علة ذلك في قوله تعالى: ((فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما  فتذكر إحداهما الأخرى))(3)، وقد توصل العلم الحديث إلى أن المرأة يطرأ  عليها النسيان أكثر من الرجل وربما بنسبة النصف، وقد حلل العلماء هذه المسألة علمياً بما يطابق الآية الكريمة، وبما لا شائبة فيه وقد سبق وتحدثنا عن ذلك في محله فلا حاجة إلى التكرار.

       وما يدل على أن المراد ليس نقصان العقل الذي هو القوة المدركة بل المراد به قوة الذاكرة، أن للعقل معاني متعددة منها العلم(4) والذي هو قبال غيبوبته، وقد شاع استعمال اللفظ فيما له ارتباط بحقيقة أخرى ولو بأدنى مناسبة، وذلك من باب أنه من مستلزماته، ومن تلك مفردة العقل المستخدمة هنا في قوة الذاكرة بدلاً من القوة المدركة، ويكفي في ذلك مجرد أن القوتين مرتبطتين بالمخ ووظائفه، وعلى أي حال فإن المسألة مأخوذة على الأعم الأغلب والذي هو مناط لوضع القوانين بشكل عام. ومما قدمناه اتضح أن المراد بنقصان العقل هو ضعف الذاكرة وليس كما ذهب إليه المغرضون الذين أرادوا التلاعب بالألفاظ لبس لصالح الرجل بل بضرب الإسلام والانتقاص من المرأة، وإلا فإن في النساء من هن راجحات العقول على الرجال كما يشهد بذلك التاريخ ومواقف النساء  المسلمات على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار «عليه السلام» .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك وسائل الشيعة: 2/50 عن لب القباب للراوندي.

(۲) مستدرك وسائل الشيعة: 2/50 عن الهداية: ۲۲ وجاء في المصدر عن آمالي الطوسي وعوالي اللالي ولب اللباب أحاديث تشير إلى غفران الله للتي تموت في نفاسها وأن الله سبحانه وتعالى لا يحاسبها.

(3) سورة البقرة، الآية: 282.

(4) راجع تاج العروس: 30/18 وفيه «وعليه اقتصر الكثيرون» ما يعني انه المرادف للعقل.

(22)

فرض الحجاب

       في البداية لا بد من الإشارة إلى تفسير الحجاب حسب المصطلح الشرعي المتطور، فإنه في الواقع هو حجب نظر الرجل عن جسم المرأة بحيث يصد من الوقوع فيما ينافي العفة التي هي جزء لا يتجزأ من كرامة المرأة.

       إذاً فنوعية الحجاب وأسلوبه متروك إلينا وليست منوطة بشكل معين من الأشكال التي فرضتها العادات والتقاليد وهرج لها الأعداء، و انتقصوا الإسلام بسببه وجعلوه عائقاً أمام المرأة لممارستها الحياة بالشكل المطلوب.

       إن الحجاب فرض، بمعنى أنه قانون إلهي وضع لأجل المنع من الوقوع في الفتن التي تؤول في الغالب إلى فساد المجتمع، والجدير ذكره أنه لا يختلف اثنان على وجوب سن قوانين تمنع من وقوع المجتمع في الفساد عبر التبرج حتى في الأنظمة الوضعية المتحررة، ولكن الخلاف وقع في الحدود والأساليب، فالإسلام أختار أسلوب قمع الفساد الجنسي من جذوره، ومعالجته معالجة صادقة بالقضاء على أسبابه ، وذلك عبر وضع عدد من القوانين التي كان الحجاب في مقدمتها، وجاء فرضها من خلال آیات متعددة مفادها مجموعة ما يلي على المرأة أن تستر جميع بدنها بشكل لا يوجب الإثارة ولا يعيق عنها حركة الحياة، ومن هنا جاءت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذ كثير منها لا يفي بالغرض بل يوجب المزيد من الإثارة، وقسم منها يوجب القرف، لذا علينا أن نلتزم بما ألزمنا به الشرع ولا نتبع الأهواء من العادات والتقاليد.

(۲) هذه بريطانيا قد منعت بعض أنواع التبرج لأنه يوجب الإخلال بالنظام من جهة وفساد المجتمع من جهة أخرى.

(23)

 

الاستثناءات والتي حددها الفقهاء بعدم وجوب ستر الوجه والكفين وظاهر الرجلين، وإليك الآيات التي نزلت في فرض الحجاب: ((ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى))(1) وقوله تعالى: ((وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زینتهن))(2) وقال جل شأنه: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازکی لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها))(3) وقال تبارك اسمه: ((وقل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذین))(4) وقال عز اسمه: ((والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن))(5).

       وبغض النظر عن الروايات والأحاديث والسيرة والإجماع والعقل، فإن الآيات ظاهرة بل شبه صريحة بوجوب الستر وبالأخص مواضع الافتتان والزينة بشكل يمنع من الوقوع في المحرمات حيث يفهم منها أن المقصود ليس فقط ستر الجسم بل كل ما يوجب الوقوع في الفتنة، وهو الملاحظ من استخدام المفردات التالية: إبداء الزينة، عدم الإظهار، الجلابيب، وغيرها».

       وعلى أي حال، فإن سؤالاً يطرح نفسه هو: لماذا تقيد المرأة بالحجاب، دون الرجل والجواب في غاية البساطة، هو أن الذي يملك بعض المؤهلات والخصائص، عليه أن يحافظ عليها من العبث، فالمرأة

ــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب، الآية 33، وقد ذكر فيها التبرج وقيدت بالشكل الذي كان متعارفاً أیام الجاهلية، حيث کن مكشوفات الرأس وربما بعض من صدورهن كما ورد في بعض المصادر.

(2) سورة النور، الآیة: 31، والجيوب كنايه عن الصدر ومواقع الزينة في الصدر والرقبة والشعر.

(3) سورة النور، الآيتان: ۳۰ـ31 وفيه : ((ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)) مما يفهم منها مسألة الإثارة.

(4) سورة الأحزاب، الآية: 59  تدل الآية على أن الزينة إذا ظهرت من دون اختيارهن لذلك لا إثم فيه.

(5) سورة النور، الآية: 60، وفي هذه المرحلة لا تملك مؤهلات الإثارة.

 

(24)

 

هي التي تمتلك النسبة العالية من الجمال والافتتان وهذا يعود إلى تركيبتها الجسدية «الفسيولوجية» فمن امتلك جوهرة عليه أن يحافظ عليها من الأيادي الأثیمة، مضافاً إلى ما ثبت علمياً من خلال علماء النفسي بان المرأة بأستتارها هذا لا يؤثر في تدني مستوى الفساد فحسب بل يزيد في رغبة الرجل بالنساء مما يتلاءم مع تكوين المجتمع الفاضل وتكوين الأسرة على المحبة والوئام من خلال الأسس الصحيحة دون أن يكلفها شیئاً باهظاً الترغيب الرجال بالزواج منها، وهنا لا نريد أن نتحدث عن التكاليف الباهظة التي تكلف المرأة المتبرجة، حيث ذهبت الإحصائيات إلى أن 80% من مدخولهن يصرف في الكماليات، بالإضافة إلى استهلاك الوقت الذي هو أثمن ما يملكه الإنسان في هذا الاتجاه(1).

       وفي عملية عكسية، وهي أن تلزم الرجل بالتجنب عن النظر إلى المرأة، فهذا فرض غير واقعي إذا ما أريد به أن المرأة لا تتحجب والرجل عليه أن يغض الطرف عنها، إذ إن مؤداه التطبيقي هو تصل الرجال عن النساء تماما في كل مرافق الحياة، لأن السيطرة على المناظر لا يمكنه والسيطرة على المنظور ممکن.

       وأما مسالة أن الحجاب يعيق من حركة المرأة بشكل عام فهذا ما لا يمكن قبوله بعدما وجدنا البريطانيات المسلمات المحجبات يعملن في

جميع الحقول دون استثناء، فمنها السائقة للحافلات والقاطرات ومنها الموظفة، حتى أن المجلس البريطاني في عام ۲۰۰۱م أقر لهن زياً خاصاً لمن أراد منهن الالتحاق بسلك الشرطة، مما يتناسب والحجاب الشرعي، وهناك دول أوروبية أخرى حذت حذوها.

       ونشفع ما سبق بأن الحجاب حالة فطرية اختارها الإنسان بفطرته وإعمال عقله، فقد كانت الحضارات جميعها قد تعاملت معه كواحد من الأسس الحضارية والتزمته كضرورة اجتماعية، وليس هو بدعة إسلامية كما يحلو للبعض تصويره، يقول لاروس(2): «كان من عادة نساء اليونانيين

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع کتاب حوار عن المرأة: ۳۳.

(۲) لاروس پیر larousse pierre: أديب فرنسي ولد سنة 1232هـ (1817م) وتوفي سنة =

 (25)

 

القدماء أن يحجبن وجوههن بطرف مآزرهن أو بحجاب خاص کان يصنع في جزائر کوس(1) وأمرجوس(2) وغيرها وكان شفاف جميل الصنعة»، ويضيف قائلاً: «وكانت الفينيقيات يحتجبن بحجاب أحمر، وقد تكلم عن الحجاب أقدم مؤلفي اليونان، حتى يروى أن بنيلوب(3) امرأة الملك عولیس(4) ملك جزيرة أيتاك(5) كانت تظهر متحجبة»، كما يتحدث ويقول: « وكن نساء مدينة ثيب(6) تحجبن بحجاب خاص وهو عبارة عن غطاء يوضع على الوجه وله ثقبان أمام العينين لتنظر منها المرأة، وفي اسبرطا(7) کان الفتيات يظهرن أمام الناس سافرات، ولكنهن متى تزوجن احتجبن عن الأعين، وقد كان أن حصلت النساء على شيء من الرخصة حيث دلت النقوش على أن النساء کن يغطين رؤوسهن ويكشفن وجوههن فقط، ولكنهن متى خرجن إلى الأسواق وجب عليهن الاحتجاب سواء کن عذاری أو متزوجات، وكان الحجاب موجوداً عند نساء السيبيرين(8) والشعوب

ــــــــــــــــــــــــــــــ

=1292هـ (1875م) بدأ نشاطه بإعاب جديدة في التربية والتعليم، وألقي في الفرنسية كناية ليدرس في مدارس فرنسية ، وقد تزج أعماله الثقافية بالريفي دائرةمعارف القرن التاسع عشر.

(1) جزيرة كوس:جزيرة يونانية تقع في بحر إيجه على مقوية من السواحل التركية الجنوبية الغربية، على مدخل عنيع كرمة.

(2) جزيرة آمرجوس amorgos : جزيرة يونانية تقع في منتصف بحر إيجه الى جهة الجنوبيده في الشمال الشرقي من جزيرة كريت.

(3) بينلوب  Penelope هي زوجة عوليس ووالدة تيلماك، اشتهرت بأمانتها لزوجها في غيابه عنها مدة عشرين سنة بسبب الحروب التي كان بطلها.

(4) عوليس أو عولس Ulysse كان من أبطال اليونان الأسطوريين في حرب طروادة، وكان ملك ايتاك «إيتاق» وزوج بينيلوب وأباً لتيلماك.

(5) جزيرة إيتاك: أو إيتاكا، تقع في بداية خليج كورنثيا على جهة البحر الأيوني، وهي جزيرة يونانية.

(6) ثيب: أو ثيبة Thebes مدينة قديمة في اليونان بمقاطعة بيوسا، ينسب إنشاؤها إلى قدموس الفينيقي، اسما الحالي ثيفا.

(7) أسبرطا أو أسبرطة Sparte: من عواصم اليونان القديمة، زاحمت أثنيا على السيادة، لم يبق منها غير بعض الآثار.

(8) سيبريا:Siberie: هو القسم الشمالي في آسيا موزعة بين روسيا وكازخستان، تقع بين بحر قزوين والباسيفيكي.

(26)

النازلة في آسيا الصغرى والميديين(1) والفرس والعرب وغيرهم..، وكانت نساء الرومان مغاليات في الحجاب لدرجة أن القابلة «المولدة» كانت لا تخرج من دارها إلا مخفورة ملثمة باعتناء زائد، وعليها رداء طويل يلامس الكعبين، وفوق ذلك عباءة لا تسمح برؤية شكل قوامها(2).

       وقد أثبتت التجارب بأن الحجاب يزيد من قيمة المرأة في المجتمع، كما أن الحجاب بنفسه يزيد من اشتياق الرجل إليها، بينما المرأة غير المتحجبة وبالأخص غير المحتشمة فإنها تكون مبتذلة ويتعامل معها كسلعة يقضي الرجل منها وطره إذا نظر إليها، ويتمتع بها في لحظات، ولكنه سرعان ما يلفظها حين شبعت منها غرائزه الحيوانية.

       وكان الحجاب قانونياً ملزماً في سائر الأديان السماوية بل وغير السماوية، وكان المتدينون يلتزمون به أشد الالتزام، ومن الجدير بالذكر أن تذكر بعض النصوص التي تتحدث عن الحجاب نفسه وبالصراحة، تارکین النصوص الأخرى الدالة على الحشمة وعدم التبرج المؤديان إلى الحجاب، فقد ورد في نصائح زردشت(3) لأتباعه المجوس، والتي يحاول فيها ترسيخ مبدأ عفة النساء وعدم تبرجهن والتزامهن بالحجاب الذي كان سائدة آنذاك، وفي حديثه يخاطب الزوجين: «أيها العروسان أصغوا إلى كلامي واحفظوا نصائحي وتمسكوا بالغيرة حتى تكون لكم حياة طاهرة، وكل واحد منكما لا بد وأن يراعي العمل الصالح والمحبة حتى تنعما بالسعادة»(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الميديون: نسبة إلى ميديا أو ماد، كما يسميها الفرس، وهي منطقة في شمال غربي إيران، وقد عرف سكنة هذه المنطقة بالماد أو الميديون، وحكمتهم سلالة عرفت بالماد أو الميديون وكانت عاصمة حكمهم همذان «اکبتانا» وذلك سنة 705 ق.م (1369ق.هـ)

(۲) دائرة معارف القرن العشرين : ۳/ 335، عن دائرة معارف لاروس.

(3) زردشت: أو زرادشت، من زعماء المجوس المدعي النبوة، ظهر في إيران حدود سنة 1261ق.هـ (600 ق. م)، يقال أصله من أذربيجان وهو من عائلة سپتيمه، اسم أبيه پور وشسپ واسم أمه دغدوية، وكان معاصرة للملك كشتاسب الهخامنشي، ولما اعتنق الملك دينه انتشر في إيران.

 (4) حجاب در ادیان الهي: ۸۷ عن يسنا: 53 قسم النصائح 5 - ۸.

(27)

 

ويعلق الكاتب بأن المرأة في ضل الدين المجوسي «الزرادشتي» كانت تغطي شعر رأسها وتلبس الملابس الطويلة والمقنعة والعباءة (1) ولا زالت النساء المجوسيات في ايران يرتدين الحجاب الخاص بهن والذي هو عبارة عن غطاء للرأس وثوب طويل وسروال مفضفضين بالإضافة إلى قلنسوة نسائية(2).

       وأما نساء اليهود فكان مفروضاً عليهن الحجاب، فقد ورد في التوراة  في تسلسل الحديث عن رفقة زوجة إسحاق وام عيسو ويعقوب: «ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل، وقالت للعبد من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا؟ فقال العبد هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت»(3) ويقول في مكان آخر عن المرأة التي خانت زوجها: فيقدمها الكاهن ويوقفها أمام الرب، ويأخذ الكاهن ماء مقدساً في إناء خزف ويأخذ الكاهن من الغبار الذي في أرض المسكن ويجعل في الماء، ويوقف الكاهن المرأة أمام الرب ويجعل في يديها تقدمة التذكار التي هي تقدمه الغيرة وفي يد الكاهن يكون ماء اللعنة المر»(4) ولا زالت اليهوديات الملتزمات يغطين شعرهن ويلبسن ملابس محتشمة لا تظهر أجسادهن، وقد  احتال بعض المتجددات بوضع قلنسوة تناسب تحرير المرأة وفرض ستر شعورهن، بل وهناك منهن من يضعن الشعر المصطنع لتغطية شعورهن، هذا  وقد جاء تفصيل مسألة الحجاب عند اليهود وأنه فريضة سماوية في كتاب التلمود الذي يعد أهم تفسير وضع التوراة فليراجع

       وأما الدين المسيحي فهو الآخر حث النساء على الحجاب وستر أجسادهن وشعورهن من الرجل الأجنبي عليهن، وعليه سيرة المتدينين منهم وكذلك الراهبات ومن الملاحظ أن النساء الملتزمات منهن يسترن جميع أجسامهن بملابس فضفاضة سوداء يستثنى فيها الوجه والكفان، ومما ورد

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حجاب در أديان الهي : ۸۲.

(۲) حجاب در أديان الهي: ۹۰.

(3) التوراة، سفر التكوين، الاصحاح : 25، الفقرة: 65 - 66.

(4) التوراة، مسفر العدد، الاصحاح : 5، الفقرة: 16 - ۱۸.

(28)

 

في أمر الحجاب وستر الشعر في الإنجيل قول بولس الرسول(1) في رسالته الأولى إلى تيموثاوس(2): وكذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس  الحشمة مع ورع وتعقل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلىء أو ملابس غالية الثمن، بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله وبأعمال صالحة»(3).

        ويقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس(4) وفيها عن عبادة المرأة: «وأما كل امرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى، فتشين رأسها

لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه، إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها»(5).

       فالحجاب لا يعني حجبها عن المعرفة والعلم والعقل بل الحجاب يعني حجبها من السوء والشر اللذين يمكن أن يأتياها من الأشرار وأصحاب السوء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بولس الرسول : (۱۰ - 6۷ م) كان اسمه شاول، ولد في طرسوس «اتر کيا» من عائلة يهودية ثم انتقل إلى أورشليم ليدرس اللاهوت اليهودي وصار معلماً الأصول الدين وتفرغ لهذه المهنة في طرسوس «24ـ34م»، تزعم حملة ملاحقة المسيحيين، ثم تحول إلى المسيحية وصار داعية لها، وعمل مع برنابا في أنطاكيا واعترف به رسولاً مع أنه لم يكن من تلامذة السيد المسيح «عليه السلام» وأعدم في روما سنة 67م.

(۲) تموثاوس أو تيموتاوس - بالمثناة -: هو القديس الذي تتلمذ على يد بولس ورفيق دربه في الرسالة، أقام في أفسس في تركيا، مات مقتولاً في حدود سنة ۹۷م.

(3) الإنجيل، رسالة بولس إلى أهالي تيموثاوس، الإصحاح : ۲ الفقرة : ۹- ۱۰.

(4) كورنثوس : مدينة يونانية قديمة نافست أثينا وأسبارطة، وجه بولس الرسول رسالتين إلى أهلها وذلك سنة 55م (585 ق.هـ) وسنة 57م (583ق.هـ).

(5) الإنجيل: رسالة بولس إلى أهل كورنتوش، الإصحاح : ۱۱، الفقرة: 5.

(29)