تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء الثاني

اسم الکتاب : تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء الثاني

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : دائرة المعارف الحسينية / المركز الحسيني للدراسات /لندن المملكة المتحدة

 

القرن الخامس

(15/ 8/ 1010ــ 21/ 8/1107م)

# في عام 402هـ أغدق الوزير البويهي فخر الملك(1) على خدم الحرم الحسيني والمجاورين فحمل إليهم في شهر رجب وشعبان ورمضان بالهدايا من المال والكساء والتمر وغيرها إكراماً للامام الحسين ع(2)، وقد أكسى يوم العيد زهاء ألف رجل منهم(3) كما عمر سور الحائر(4).

        # ولما كان عام 407هـ في الرابع عشر من شهر ربيع الاول(5) احترقت قبة مرقد الامام الحسين ع والأروقة إثر سقوط شمعتين كبيرتين في منتصف الليل على التآزير(6) فاحترقت وتعدت النار(7) جميع الحرم

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فخر الملك: محمد بن علي بن خلف، كان من أهل واسط انتقل الى خدمة السلطان بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي حتى استوزره، قتله سلطان الدولة بهاء الدولة في شيراز سنة 407هـ عن عمر ناهز 52سنة.

(2) المنتظم: 8/29.

(3) مدينة الحسين: 2/111.

(4) تتمة المنتهى: 437 عن تاريخ ابن كثير: 11/297، مدينة الحسين: 2/111.

(5) الموافق لشهرآب عام 1016م.  ومن الغريب أن الدكتور عبدالحميد الخياط ذكر في كتابه تاريخ الروضة الحسينية المصور: 10 « أن في سنتي 407، 408هـ شبت النار حول الضريح من شمعتين كانتا قد سقطتا على المفروشات فالتهمت النار القبة والأروقة ولم ينج من السور ومن الحرم شيء فقام بإعادتها ع السور الحسن بن الفضل وزير الدولة البويهية». والغرابة في ذكره السنتين ولعله أراد تعدد الحرق أو بيان تاريخ حالة الحرم في السنتينن، الحرق في الأولى والعمارة في السنة الثانية، ولكن عبدالحسين الكليدار في كتابة تاريخ كربلاء المعلى: 14 أرخ تاريخ الحرق في عام 408هـ مما يدلنا على أن الاختلاف في تاريخ الحرق لا تعدده وربما أراد الخياط الترديد بين العامين.

(16)

 

الحسيني وذلك في عهد القادر بالله العباسي(1)، وهناك من يرى أن حادث الحريق لم يكن صدفة وإنما كان حادثاً مدبراً(2)..

        # وعلى أثره في عام 408هـ شهر جمادى الأول منه ــ على مايظهرـ أرسل سلطان الدولة البويهي(3) وزيره الحسن بن الفضل الرامهرمزي(4) لتجديد بناء الحائر الحسيني الشريف بعد أن شبت فيه النار واحترقت القبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التآزير: من الازار وهو حويط يلزق بالحائط لتقويته، والتآزير جمع تأزيرة: وهو ما يلصق بالحائط للزينة.

(2) العراق قديماً وحديثاً: 129، موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء: 261، تراث كربلاء: 39، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك لأبي الفرج سبط ابن الجوزي: 7/28، تاريخ ابن الأثير: 7/295، نزهة أهل الحرمين للسيد حسن الصدر: 21، أعيان الشيعة: 4/306، النجوم الزاهرة في ملوك القاهرة: 4/241، تاريخ كربلاء وحائر الحسين: 179.

(3) القادر بالله: هو احمد بن إسحاق العباسي، الخامس والعشرون ممن حكم من العباسيين، ولي الأمر عام381هـ وحتى 422هـ، خلف الطائع لله عبدالكريم بن الفضل، وخلفه نجله القائم بأمر الله.

(4) كما هو رأي السيد عبد الجواد الكليدار في كتابة تاريخ كربلاء وحائر الحسين: 1/222، إذ يقول ما مجمله: « أليس من الغريب أن تقع كل هذه الحوادث الدامية بجميع أنحاء إفريقية في محرم عام 407هـ والتي ذهبت ضحيتها الشيعة بأجمعهم قتلاً ونهباً وسلباً وفي واسط في شهر ربيع الأول عام 407هـ، نهبت محال الشيعة والزيدية واحترقت وهربت وجوه الشيعة والعلويين، ونشب حريق بعد حريق كربلاء بعشرة أيام في حرم العسكريين بسامراء، كما واحترقت في نفس اليوم محلات الشيعة ببغداد في جانب الكرخ من محلة نهر طابق ومحلة دار القطن وقسم من محلة باب البصرة وفي ونفس اليوم تشعث الركن اليماني وسقط حائط بين يدي حجرة النبي ووقعت القبة الكبرى على الصخرة بالبيت المقدس»، المنتظم: 7/282، والكامل في التاريخ: 7/259، تتمه المنتهى: 437 عن أنس الجليل: 1/304.

(5) سلطان الدولة: أبو شجاع ابن بهاء الدولة (403ــ 415هـ) تولى الامر بعد أبيه وجمع بين إيران والعراق وعهد أمر كرمان الى أخيه «أبو الفوارس قوام الدولة» ثم دارت بينهما معارك.

(6) الرامهرمزي: وقيل هو ابن المفضل بن سهلان والمكنى بأبي محمد لقب بالكاتب، استوزر ما بين (404ــ 412هـ) قتل عام 412هـ.

(17)

فعمر القبة والاروقة وسائر أجنحة المرقد الشريف وجعله أكثر عظمة وأفخم بناءُ(1) ويبدو أنه بعدما انتهى من اعمار الروضة شرع بإقامة السور(2) حول كربلاء(3)، والى هذا يشير السماوي(4) في أرجوزته فيقول:

واحترق الساج عقيب الرابع          من القرون عند عام سابع

فشيد البناء سلطان الدول              ابن بويه وتناهى في العمل

وجعل البلدة ذات سور        وزيره القائم بالأمور

الحسن بن الفضل من بعد سنة                فياله من عمل ما أحسنهُ(5)

        # وفي عام 412هـ(6) انتهى من بناء السور وأحكمه ونصب في جوانبه الأربعة أبواباً مكينة استخدم في بعضها الحديد فأصبح هذا السور حصناً حصيناً لكربلاء(7) يقيها غزوات الأعداء(8).

        # وفي عام 422هـ اعترض أهل باب البصرة(9) ــ في بغدادــ قوماً من مدينة قم أرادوا زيارة قبر الحسين ع في كربلاء فقتلوا منهم ثلاثة

ــــــــــــــــــــــ

(1) تراث كربلاء: 40، موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء: 261، العراق قديماً وحديثاً: 129.

(2) وفي تاريخچه كربلاء: 64 أن هذا السور هو السور الذي ذكره الفقيه ابن إدريس الحلي في كتابه السرائر، عند البحث عن مقدار الحائر الحسيني عام 588هـ كما أن هذه العمارة هي التي وصفها ابن بطوطة في رحلته عام 727هـ حين زار كربلاء.

(3) مدينة الحسين: 2/112.

(4) السماوي: هو محمد بن طاهر(1292ــ 1371م) من الفضلاء الأدباء والقضاة المؤلفين، تولى القضاء الجعفري في عدد من المدن العراقية منها كربلاء والنجف من آثاره: مناهج الأصول، إبصار العين.

(5) مجالي اللطف:2/40.

(6) شهر حسين: 256 عن مدينة الحسين: 2/112.

(7) في التعبير عنه بسور كربلاء مسامحة والصحيح سور الحائر والمراد به سور الصحن على ما اصطلح عليه فيما بعد. ويدل على ذلك قول ابن إدريس في السرئر:1/342: لدى حديثه عن الحائر« والمراد بالحائر ما دار سور المشهد، والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه لان ذلك هو الحائر حقيقة».

(8) مدينة الحسين: 2/112.

(9) باب البصرة: محلة سكنية من محلات بغداد وكانت في ذلك الوقت مسكناً للعباسيين.

(18)

 

أشخاص(1) ولكن ذلك لم يمنعهم من أتيان عملهم فزاروا قبر الحسين ع وأدوا مراسيم الزيارة(2).

        ولا بد هنا من الاشارة الى أن أعمال الفتنة والشغب التي سادت في تلك الفترة والتي قامت بها مجموعة من المتعصبين سببت رعباً للزوار فأثرت سلباً على مراسم الزيارة للعتبات المقدسة في العراق بشكل عام وكربلاء المقدسة بشكل خاص.

        # وفي عام 431هـ(3) زار السلطان جلال الدولة البويهي(4) الحائر وقد رافقته حاشية كبيرة من أهله وأتباعه ومواليه من الأتراك وفيهم وزيره كمال الملك(5)، وكان في أكثر الطريق يمشي على قديمه طلباً لمزيد الأجر والثواب(6) ومكث بها مدة من الزمن وأجزل خلالها العطايا والنعم على سكان الحائر(7).

        # وفي سنة 436هـ زار السلطان أبو كاليجار(8) البويهي مرقد الامام الحسين ع(9) ورافقه في الزيارة الأمير دبيس بن مزيد الأسدي(10)

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مدينة الحسين:2/112، تاريخ كربلاء وحائر الحسين: 223، الكامل لابن الأثير: 7/356.

(2) مدينة الحسين: 2/112.

(3) وقيل إنه زار كربلاء عام 422هـ.

(4) جلال الدولة البويهي: أبو طاهر محمد بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة فناخسرو وقيل ابن ركن الدولة الحسن بن بويه، ولد سنة 383هـ وتوفي في السادس من شعبان سنة 435هـ ملك بغداد للفترة من (421ــ 435هـ).

(5) كمال الملك: أبو المعالي عبدالرحيم ، استوزره جلال الدولة البويهي وكذلك الملك الرحيم ابن أبي كاليجار، فقد في الوقعة التي جرت بين الملك الرحيم والسلطان طغرلبك السلجوقي عام 443هـ كما في المنتظم لابن الجوزي: 8/105، الكامل في التاريخ:8/59.

(6) وقدرت المسافة التي مشاها حافياً بفرسخ واحد(5،5 كيلومتراً تقريباً) كما في موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء: 96، الكامل في التاريخ: 8/37.

(7) مدينة الحسين: 2/113، تراث كربلاء: المنتظم: 8/105، تاريخ الحركة العلمية في كربلاء: 17، أعيان الشيعة:4/197 وفيه أنه مشى حافياً قبل ان يصل الى مشهد الحسين ع نحو فرسخ (5،5 كيلومتراً) فعل ذلك تديناً.

(8) أبو كاليجار: هو مرزبان ابن سلطان الدولة البويهي، ولد سنة 399هـ وتوفي 440هـ.

(19)

 

وأجزل العطايا والنعم على ساكنيها(1).

        # وفي عام 442هـ يحدثنا التاريخ ان الوفود الموالية أعادت الكرة لزيارة قبر الامام الحسين ع وكان في استقبالهم(2) وفود من أهالي بغداد من كلا الطائفتين السنة والشيعة ورافقوهم في المسير قاصدين كربلاء جميعاً ووزعوا الاموال والدراهم على الفقراء والساكنين بجوار قبر الحسين(3).

        # وفي سنة 451هـ يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول زار الوزير البويهي أرسلان البساسيري(4) قبر الامام الحسين ع واصطحب معه غلالاً كثيرة ليوزعها على العمال الذين قد شغلهم في تطهير نهر العلقمي ويصال ماه الى الحائر الحسيني وذلك إيفاءُ بنذر كان قد نذره(5) خدمة اللزوار والمجاورين لقبر أبي عبدالله ع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

= وكانت مدة حكمه على بغداد أربع سنوات وشهرين.

(1) موسوعة العبتات المقدسة قسم كربلاء: 96، الكامل في التاريخ:8/40.

(2) دبيس بن مزيد: ابن أبي الحسن المزيدي، خلف أباه على أمارة المزيدية عام 408هـ في الحلة، وتقع حلة بني مزيد غربيا لفرات وهي على بضعة أميال جنوبي أطلال بابل، هذا وقد خلع عليه سلطان الدولة البويهي لقب (نور الدولة) قام بشؤؤن الامارة وعمره 14 سنة وكانت مدة أمارته سبعاً وستين سنة. توفي سنة 474هـ.

(3) مدينة الحسين: 2/113.

(4) ويبدو أن عقلاء الطائفتين اتفقوا على الميسر الى كربلاء برفقة الزوار زيادة في الطمأنينة والأمان، وبذلك فتح طريق الزيارة وعادت الى سابق عهدها، بعدما خفت الزيارة على أثر مقتل ثلاثة من الزوار عام 422هـ.

(5) مدينة الحسين: 2/112.

(6) أرسلان البساسيري: هو ابو الحارث المظفر، الذي استوزره الملك الرحيم ابن أبي كاليجار البويهي، وجاء في مدينة الحسين:2/114 نقلاً عن المتظم: 8/105، دبيس بن مزيد على قطع خطبة العباسيين من بغداد والخطبة للفاطميين خلفاء مصر، فخطب لهم على المنابر فأمر السلطان العباسي القائم بأمر الله بقتله فقتل عام 451هـ

(7) مدينة الحسين: 2/114.

(20)

        هذا وازدهرت كربلاء في عهد البويهين ازدهاراً واسعاً فنشطت فيها التجارة والصناعة والزراعة كما نشط الجانب العلمي والفكري والأدبي فبرع فيها الشعراء والعلماء والأدباء والمفكرون وتفوقت مركزيتها الدينية(1) والعلمية.

        # ولما كانت سنة 479هـ زار مرقد الامام الحسين ع السلطان ملكشاه السلجوقي(2) مع وزير نظام(3) الملك(4) وحاشيته(5) وأمر بتعمير سور الحائر، كما أجزل على سكان الحائر بأكثر من ثلاثمائة دينار(6).

        # وفي سنة 489هـ أغارت خفاجة(7) على إمارة الحلة التي كانت بإمرة سيف الدولة صدقة بن دبيس(8)، فأرسل إليهم سيف الدولة جيشاً يقوده ابن عمه قريش بن بدران(9)، فوقع أسيراً في أيدي خفاجة ثم اطلق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تراث كربلاء: 38.

(2) ملكشاه السلجوقي: أبو الفتح جلال الدولة ابن أبي شجاع محمد ألب أرسلان بن داوود بن ميكائيل بن سلجوق ولد سنة 448هـ وتولى السلطة ما بين 465ــ 485هـ وهو السلطان الثالث للدولة السلجوقية الفارسية الذين حكموا بغداد.

(3) نظام الملك: الحسن بن إسحاق الملقب بأبي علي الطوسي استوزره السلطان ألب أرسلان السلجوقي وولده ملكشاه فكانت مدة وزارته 29سنة، كان مولده عام 408هـ ومقتله في عام 485هـ اشتغل بالعلم والفقه وسمع الحديث.

(4) تراث كربلاء: 40، الكامل للمبرد: 9/15.

(5) تراث كربلاء: 79، المنتظم لابن الجوزي: 8/74.

(6) مدينة الحسين:2/114، المنتظم لابن الجوزي:9/29.

(7) خفاجة: عشيرة عربية سكنت الحلة وكربلاء وديالى، وقد تفرعت منها بعض عشائر كربلاء وهي: الوزون والطهامزة والصلخة والبهادرية، والذين هجموا على كربلاء لم يكونوا في تلك الفترة من الامامية.

(8) صدقة بن دبيس: ابن علي بن مزيد، تولى الامارة المزيدية بعد وفاة والده دبيس، وكانت مدة ولايته 22 سنة (479ــ 501هـ)، مصر الحلة وعمرها قتل في حربه مع السلاجقة قرب بغداد ونقلت رفاته الى كربلاء ودفن فيها.

(9) قريش بن بدران المزيدي: لم أعثر على ترجمته بهذا اللقب والموجود قريش بن بدران العقيلي المتوفى عام 453هـ الذي كان من أمراه بني عقيل في الموصل ونصيبين، وهذا مزيدي وهم من أمراء الحلة وكان المترجم له قائد جيش الامارة المزيدية بالحلة الفيحاء.

(21)

 

سراحة(1) وبعدها أغارت خفاجة على كربلاء واعملت في رقاب أهلها السيف فغضب سيف الدولة الأسدي وجهز لهم جيشاً حاصرهم في الحائر الحسيني وقتل منهم خلقاً كثيراً(2)، ولم يسلم منهم احداً وأعاد الطمأنية الى المدينة ثم كر راجعاً الى الحلة وأمر بتعويض خسائر أهل الحائر من خزانته الخاصة(3)، والى هذه الحادثة يشير السماوي في أرجوزته فيقول:

والحادث الخامس ما أهاجه          بنهب كربلاء بنو خفاجة

وذلك أنهم أتوا من غزو              واستطرقوا الطف بفرط زهو

فنهبوا سكانه وفتكوا           وأخفروا ذمامه وانتهكوا

فكبس الطف عليه صدقة(4)           وكلم السيف بهم وصدقه

كما سمعته بمعجزات          له فأرخه(5): أباد عاتي(6)

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) تراث كربلاء: 360.

(2) فتظاهروا فيه بالفساد فوجه إليهم صدقة جيشاً وقتل منهم قتلاً كثيراً في المشهد حتى عند الضريح وألقى رجلاً منهم وهو على فرسه من على السورفسلم هو والفرس.

(3) تراث كربلاء:360.

(4) صدقة: هو ابن دبيس أمير الحلة.

(5) قوله: « أباد عاتي» يعادل «8+271= 489» وهو سننة غزو خفاجة لكربلاء.

(6) تراث كربلاء: 361، مجالي اللطف:2/56.

(22)

 

القرن السادس

(22/ 8/ 1107ــ 28/ 8/ 1204م)

# في عام 501هـ توفي الأمير سيف الدولة(1) ونقل جثمانه من الحلة الى الحائر ودفن في الحرم الحسيني(2) وبذلك زاد من أهتمام أبنائه بالحائر الحسيني.

        # وفي عام 513هـ زار الأمير دبيس بن صدقة الأسدي(3) الحائر الحسيني ودخل الروضة حافياً باكياً متضرعاً الى الله أن يمن عليه بالتوفيق والنصر على أعدائه، ولما فرغ من مراسيم الزيارة أمربكسر المنبر(4) في الروضة الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي في صلاة الجمعة قائلاً لاتقام في الحائر

        # وفي سنة 526هـ نهب المسترشد العباسي(6) الخزانة الحسينية التي كانت مليئة بالمجوهرات الثمينة والتحف القيمة مما أهداها الملوك والرؤساء والتي منها القناديل الذهبية والفضية(7) بحجة أن القبر لا يحتاج الى الخزانة(8).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) سيف الدولة: هو صدقة بن دبيس الأسدي الماضي ذكره.

(2) الشعر العراقي في القرن السادس الهجري:195.

(3) دبيس: هو الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد أبو الأغر الاسدي ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء 17عام وقتل عام 529هـ بتحريض السلطان السلجوقي.

(4) وذلك لكرهه للعباسيين المعادين للعلويين.

(5) تراث كربلاء: 79، المنتظم: 9/74، موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء: 88، مدينة الحسين: 2/120.

(6) المسترشد: هو الفضل بن المستظهر، التاسع والعشرون ممن حكم من بني العباس ما بين (512ــ 529هـ) هزم في قتاله مع السلطان مسعود السلجوقي.

(7) تاريخچه كربلاء: 102.

(8) بحار الانوار: 45/ 401/ ح 11، عن مناقب آل أبي طالب: 4/64،تظلم.

(23)

 

وأنفق قسماً منها على عسكره، واحتفظ بالقسم الآخر لنفسه وضمه الى ممتلكاته الشخصية، واستعان بهذه الأموال على قتال السلطان مسعود السلجوقي(1) ولكنه وقع أسيراً(2) ثم قتل، وذلك عام 529هـ. كما قتل ابنه الراشد(3) وسلبت كل ممتلكاته فبلغت حمل خسمة آلاف ناقة وأربعمائة بغل(4) وكان أكثرها من ممتلكات الخزانة الحسينية والتي منها السجاد الثمين(5)، ويصف السماوي حادث النهب والسرقة التي قام بها المسترشد العباسي بقوله:

والحادث السادس للمسترشدٍ                     إذ فعل الفعل الذي لم يُعهد

من الى خزانة الحسين كف                     وباع ما قد كان فيها من تحف

فقيل لم تمد للخزانه                               كفاً بلا رهن ولا ضمانه

فقال ما الحسين بالمحتاج                                لكل إكليل وكل تاج

وما درى أو كان في تلاه                                بأنها شعائر الاله

وجند الجنود ثم صارا                           لهمدان يبتغي انتصار

وقتلوه وهو في مراغه(6)                       خزاء ما سوغه وساغه

ـــــــــــــــــــــــــــ

= الزهراء: 219، تاريخ كربلاء المعلى: 13.

(1) مسعود السلجوقي: هو أبو الفتح غياث الدين بن محمد السلجوقي السلطان الرابع من سلاجعة العراق توفى الأمر من عام 528هـ وحتى عام 547هـ.

(2) تاريخچة كربلاء: 103، مدينة الحسين: 2/119.

(3) الراشد: هو أبو جعفر المنصور العباسي الملقب بالراشد بالله ابن المسترشد حكم للفترة ما بين (529ــ 530هـ) وهو الثلاثون ممن حكم من بني العباس، وجاء في البحار وكذا في منجد الأعلام أنهما لم يكونا معأً وإنمال حكم الراشد بعد أبيه ولكن السلطان السلجوقي لم يمهله فدخل بغداد واضطر الراشد الى الهروب فقتل قرب أصفهان.

(4) تاريخچه كربلاء: 102، مدينة الحسين: 2/119.

(5) تاريخچة كربلاء: 102.

(6) مراغة: بالفتح بلدة من أعمال أذربايجان الايرانية، مركز قضاء، تقع على شرق بحيرة أرومية، ويثال في وجه تسميتها بمراغة أن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم عندما كان والياً لارمينية وأذربايجان مر من هنا وتوقف بها فتمرغ بها دوابه فجعلوا يقولون: أبنوا قرية مراغة.

(24)

وكان ذا في سنة الخمسمئه            والتسع والعشرين دون توطئة(1

 

                                ويقول في الراشد العباسي:   

وسوغ ابنهُ الذي قد ساغه             فقتلوه وهو في مراغه

ولميفده الجند والعديد                   فإن بطش ربنا شديد

وما تهنا الراشدُ أبنه سوى             أقل من عام وراه فثوى

قتلاً وكل سحبوه جراً                 جزاءً ما كان به تجرا

أليس في المجرب المتضح            من مد للوقف يدا لم يربح

فكيف وقف خالدٍ منظم                شعائر الله بع تعظمِ(2)

        وعلى أثر مقتل المسترشد العباسي ارتاحت الشيعة من الضغوط التي كان فرضها عليهم وبذلك سهل الوصول الى زيارة مرقد الامام الحسين ع بكربلاء(3).

        # ولما كانت سنة 529هـ مضى الى زيارة مرقد أمير المؤمنين وأبي عبدالله الحسين ع خلق لايحصون وظهر التشيع(4) طكت يرويه ابن الجوزي(5).

        # وفي سنة 540هـ لما تولى طلائع بن رزيك(6) وزارة الفائز بنصر الله الفاطمي(7) بالقاهرة وارتفع شأنه وعظمت هبيته فأمر يصنع ستائر من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجالي اللطف: 2/56.

(2) مجالي اللطف:2/30.

(3) تاريخچه كربلاء: 2.

(4) ظهر الشيع: لعله أراد بالظهور الحصول على بعض الحريات التي مكنتهم من الظهور وممارسة طقوسهم المذهبية.

(5) تراث كربلاء: 40، المنتظم: 10/53، مدينة الحسين: 2/120.

(6) طلائع بن رزيك: المولود عام 495هـ بأرمينية وزير الفائز والعاضد الفاطميين لقب بالملك الصالح، وزج ابنته للعاضد، أغتيل عام 557هـ، أو عام 559هـ.

(7) الفائز بنصر الله: هو عيسى ابن الظافر (544ــ 555هـ) نصب عام 549هـ، وكان طفلا عند وفاة أبيه فتولى الوزارة وأدارة الأمور الملك طلائع بن زريك، مات صغيراً.

(25)

الديبق(1) لأبواب المشهدين الشريفين العلوي والحسيني وقد أرصد من أمواله مبالغ طائلة لهذا الغرض وتحرى فيها أن تكون الستور في غاية الحياكة  والابداع مع تطريز آيات قرآنية حولها، فلما تم عملها عرضها في مقر زوارته ثم أرسلها مع نفر من خدمة وعبيده وجعل فيها قصيدة ذكر فيها عمله الذي تفرد بشرفه وفخره وفاز دون ملوك الاسلام بجزيل ذخره وجميل ذكره والقصيدة ــ من الطويل ــ وهي:

هل الوجـــد الازفرة وأنين                    أم الشوق الأصبوه وحنينُ

وجيش دموع كلما شن غارة                          أقام له بين الضلوع كمينُ

إذا ما التظى شوق معين بثاره                        تحدر ماءُ العين عين معين(2)

وما خلت أن القلب يصبح للبكا                        قليباً ولا ان العيون عيون(3)

وأن عقود الدر من بعد إلفها                   نحور الغواني في الخدود تكون(4)

خليلي ما الدمعُ الذي تريانهِ                    على اسر أن حان الفراق أمينُ

يُلامُ اذا خان الأنام جميعهم                       وليس يلام الدمع حين يخونُ

ولي لوعة لا يستقر نزاعها                           لها كلما جن الظلام جنونُ

إذا عن لي تذكارٌ سكان كربلا                  فما لفُؤادي في الضلوع سكونُ

فَان أنا لَم أحزن على إثر ذاهب                       فأني على آل الرسول خزينُ

ألم ترهم خلوا حماهم كما خلا                 بخفان من أسد العرين عرينُ(5)

وساروا وقد غروابأيمان معشر                       وما علموا أن اليمين يمينُ

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدييق: معربة ديبة الفارسية، المخففة من ديبا وهو نوع من القماش المصنوع من الحرير الثمين.

(2) بثارة: لو قال بناره لكان أفضل، المعين: الماء الجاري، وفيه إقواء حيث إن القافية مضمومة وجاءت كلمة «معين» هنا مكسورة.

(3) القليب: البئر.

(4) في بعض النسخ: «بحور الغواني».

(5) خفان: موضع تكثر فيه الآساد.

(26)

وما أخلفتهم في الاله ظنونهم          إذا أخلفتهم في الرجال ظنونُ

فإن يخل في الدنيا مكانهم أما         مكانٌهٌمٌ يوم المعاد مكينُ

هوت وزوت منهم عشية قتلوا                أصول زكت أعرقها وغصونُ

وأظلم مبيض النهار عليهم                    وحقهم مثلٌ النهار مبينُ

تصرف حكم البيض والسمر فيهم             فمنهم صريع بالظبى وطعينُ(1)

بنفسي صرعى لم تجن لحومهم               بكتهم سهول حولهم وخزونُ

ولو أن صم الصخر تقرب منهم               لأبصرت صم الصخر كيف تلين

قبورهم قبلى وأموات نكبة                    بطون سباع مرة وسجون(2)

جرت منبني حرب شؤون عليهم              جرت بعدها منا الغداة شؤون(3)

وريضت عليهم خيلهم وركابهم               فرضت ظهور منهم وبطونُ

ألاكل رُزء بعد يوم بكربلاء                  وبعد مصاب ابن النبي يهونُ

ثوى حوله من آله خير عصبة                        يطالب فيهم للطغاة ديونُ

يذادون عن ماء الفرات وغيرهم              يبيت بصرف الخمر وهو بطينُ

أسادتنا لو كانت حاضر يومكم                        لشابت بسيفي للطغاة قرون

أسادتنا أهديت جهدي إليكم                            فقير إليكم كيف كان مهينٌ

سطور بأبيات من الذكر طرزت                      تبرهن عن أوصافكم وتبين(4)

أوقي بها مثواكم حاد ربعهُ                    حيا المزن عن لحظ العدى وأصون

وأرجو بها ستراُ من النار عندما                      يقيني غداً كيد الشكوك يقينٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظبى: جمع ظبية وهو حد السيف أو السنان.

(2) قبلي: كذا في المصدر ولعلها تصحيف «قتلى» والمعنى قبورهم ـ وهم قتلى وأموات نكبة ــ بطون سباع مرة، فيكون عليه جملة معترضة.

(3) بنو حرب: هم بنو أمية.

(4) استخدم في هذه الأبيات تورية لطيفة حيث أن الستار نقشه بالأبيات وهي تأتي على شكل سطور فشبه قصيدته بها، كما أنه يذكر بأن بصنعه للستار يرجو أن يكون ستراً له لنار جهنم.

(27)

 

فجودوا عليها بالتقبل منكم            فودي وإخلاصي لذلك ضمين

وجدكم سن الهدايا وانني              لما سن قدماً في بنيه أدين(1)

        # وفي عام 553هـ في ربيع الثاني(2) منه خرج من بغداد المقتفي لأمر الله العباسي(3) قاصداً الأنبار(4) ولما عبر الفرات توجه الى مرقد الامام الحسين ع للزيارة(5).

        وهناك من يقول:بأنه كان قد قصد زيارة الامام الحسين ع وتصدق بمبالغ طائلة للفقراء العلويين الساكنين بجوارقبره الشريف وذلك إيفاءٌ منه لنذر كان قد نذره في مرضه(6)

        # وفي عام 577هـ كان منصور الخازن(7) على سدة السدانة في الحرم الحسيني(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ديوان القرن السادس: 239 (من هذه الموسوعة)، ديوان طلائع بن رزيك: 159، أدب الطف: 3/123.

(2) مدينة الحسين: 2/120.

(3) المقتفي لأمر الله: هو أبو عبدالله محمد بن أحمد المستظهر بالله العباسي ولد سنة 489هـ تولى الأمر عام 530هـ حتى وفاته في ليلة الأحد ثاني ربيع الاول عام 555هـ، وقيل أن اسمه حسين. وهو الواحد والثلاثون ممن حكم من العباسيين.

(4) الأنبار: من المدن العراقية فتحها خالد بن الوليد عام 12هـ، وقد جعلها السفاح العباسي عاصمة للدولة العباسية قبل بناء بغداد، وكانت تقع على نهر الفرات إلا أنها اندثرت، وقد سميت أخيراً محافظة الرامادي بالأنبار لاحياء ذكرها حيث أصبح موقعها ضمن هذه المحافظة، ولا زالت آثارها قائمة حتى يومنا هذا.

(5) تراث كربلاء: 40، المنتظم لابن الجوزي: 10/181.

(6) تاريخ الحركة العلمية في كربلاء: 39، مدينة الحسين: 2/120، تراث كربلاء: 37 عن الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري لآدم متز: 112، ترجمه محمد بن عبدالهادي أبو ريدة.

(7) منصور الخازن: هو ابن علي بن منصور من رجال العلم في القرن السادس الهجري كتب بخطه رجال الكشي وفرغ منه يوم الاربعاء الرابع عشر من شهر ربيع الاول عام 577هـ.

(8) الثقات العيون:310.

(28)

# وفي عام 584هـ دفن الأمير التركي علاء الدين تنامش في المشهد الحسيني(1).

        # وفي عام 599هـ كان نصر النحوي الحائري(2) لا زال سادناً للروضة الحسينية(3).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع كتاب الشعرالعراقي في القرن السادس الهجري: 195 عن الكامل في التاريخ: 9/198.

(2) نصر النحوي: هو ابن علي بن منصور المعروف بالخازن النحوي الحائري، كان من مشايخ الشيخ محمد بن إدريس الحلي المتوفى عام 598هـ ومن تلامذة الشيخ ذاكر بن كامل بن أبي غالب، وبيدو أنه تولى السدانة من أخيه.

(3) الأنوار الساطعة:130.

(29)