موسوعة بطل العلقمي

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي

المؤلف : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»

 


الحسن السبط، أمه فاطمة الزهراء «عليها السلام».
الحسين السبط، أمه فاطمة الزهراء «عليها السلام».
المحسن السبط، أمه فاطمة الزهراء «عليها السلام».
العباس الأكبر، أمه أم البنين الكلابية. جعفر الأكبر، أمه ام البنين الكلابية.
العباس الأصغر، أمه أم ولد وقيل عربية. جعفر الأصغر، أمه أم ولد.
محمد الأكبر أمه خولة الحنفية. عثمان الأكبر أمه أم البنين.
محمد الأوسط أمه أمامة. عثمان الأصغر أمه أم ولد.
محمد الأصغر أمه أم ولد وقيل عربية. عبدالله الأكبر أمه أم البنين.
عمر الأكبر وهو الأطرف أمه التغلبية. عبدالله الأصغر أمه النهشلية
عمر الأوسط وهو الشهيد أمه أم ولد عبيد الله قتيل المذار أمه النهشلية.
عمر الأصغر(2) أمه أم ولد. عون الأكبر أمه أم ولد.
يحيى أمه الخثعمية. عون الأصغر أمه الخثعمية وقيل غيرها.
عمران على قول أمه أم ولد. معين أمه أم ولد.
عتيق علي قول أمه ولد. عبد الرحمن (3) أمه أم ولد.
إبراهيم أمه أم ولد أبو بكر أمه النهشلية.
(1) جمهرة أنساب العرب: ص 33. (2) على قول صاحب الحدائق الوردية.
(3) على قول صاحب المجدي.
(398)

(4) من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، ، محمد بن الحنفية:


محمد الأكبر بن أمير المؤمنين «عليه السلام»
أبو القاسم محمد الاكبر المعروف بإبن الحنفية، من جمع له رسول الله (ص) بين إسمه وكنيته وحرم جمعهما على سائر أمته حيث قال لامير المؤمنين «عليه السلام»: إنه سيولد لك ولد سمه باسمي وكنه بكنيتي كما ذكرنا ذلك في ترجمته المطولة عندنا في كتاب «الميزان الراجح».
ومحمد الأكبر سيد المحامدة وأفضل ولد أمير المؤمنين بعد الحسن والحسين أتفاقاً، وبعد العباس الأكبر على خلاف مرت الإشارة إليه، وقد أجتمعت فيه محاسن كثيرة لم تجتمع لأحد من العرب وهي الشجاعة وقوة البطش والفصاحة والزهد والعلم بجميع فنونه حتى العلم بالمغيبات، وليست علوم المغيبات عنده لضرب من الكهانة والتنجيم بل هي إضافات إلهية أضافها على باب مدينة العلم وورثها منه الحسنان فعلما محمد قسطًا منها، وكان لمحمد مع ذلك رئاسة وشرف وكان المظور إليه بعد الإمام زين العابدين «عليه السلام» عند ملوك ذاك العصر ولذلك آذوه وجرعوه المر الزعاق، وسقوه الذعاف الممقر خصوصاً وقد اعتقد فئام من الناس يعرفون بالكيسانية فيه الإمامة ولم يعرفوا رمز إشهاره لنفسه ولم يسيروا غوره، إن المقصد دقيق إلا على المتبحرين والمسلك دقيق إلا على الخريت الحاذق.
إنه قد وقى بنفسه نفس آبن أخيه الإمام زين العابدين «عليه السلام» فتصدر للفتيا وانتصب لمراجعة الشيعة فكان واسطة بين الأمة والإمام وباباً لهم إليه يرجعون لعلمه إن الملوك منصرفة أنظارها عن ولد علي «عليه السلام» إلا ذرية الحسين «عليه السلام»، لأنهم استيقنوا أن الإمامة في ولده فمن تصدر منهم للرياسة أو تصدى للفتيا ومراجعة الأمة قتل أو زج في السجن المطبق فلم يبال محمد بن الحنفية أن يصيبه البلاء إذا أحرز سلامة الامامة زين العابدين «عليه السلام» وقد أصابه رشح من البلاء وصب عليه شؤبوب من الجور من ناحية أبن الزبير وغيره.
وحيث أنه كان المتصدي لهذا المهم والمتصدر له ظاهراً ظن من لا علم له ولا تحقيق عنده أنه كان يريد الإمامة لنفسه، وقد ذكرنا هذه المسالة في كتابنا
(399)
«الميزان الراجح» وذكرنا أقوال القادحين فيه وأجبنا عن ذلك بأبدع أسلوب تحليلي وعضدناه بالشواهد فانحلت هذه الشبهة حلاً فنياً.
كما انحلت الشبهة الثانية وهي تخلفه عن أخيه الحسين «عليه السلام» فأثبتنا أنه كان مأموراً من الحسين «عليه السلام» بالإقامة بالحجاز بصفته سفيراً بينه وبين أهل الأمصار، وبصفته جاسوساً له يراقب حركات بني أمية فيرفعها إليه ويرفع إليه أيضاً نبأ ما يتجدد من الحوادث ومع هذا فقد كان مصاباً بمرض الشلل في أصابع يده الذي يمنعه من حمل السلاح بسبب قصة الدرع، وأيضاً أقامه مفتياً للشيعة بالحجاز حيث أنه لا بد للشيعة من فقيه ترجع إليه في أحكامها على مذهب أهل البيت، وقد خرج الإمام الحسين «عليه السلام» وابنه الإمام زين العابدين وأخووه العباس وابن عمه مسلم وولده علي الأكبر فلم يبق من يصلح للفتيا بعد هؤلاء في الحجاز إلا محمد بن الحنفية وابن عباس ومحمد أفقه من أبن عباس وأعلم بفقه علي والحسن والحسين «عليهم السلام» فأقامه هناك مرجعاً لنشر الأحكام وبث الفتوى.
وكذلك نفينا شبة الزاعمين أن أمه كانت سبية في صدر الإسلام أيام الردة فأخذها أمير المؤمنين «عليه السلام» منهم وبينا أنها سبيت على غير ارتداد من رهطها مجارات للخصوم وإلا فهي عندنا من المسبيات في العصر الجاهلي الوحشي، وقد أوكلنا عامة التفاصيل لكتاب «الميزان الراجح» ونلخص من ترجمته ما يعرف به قدره ويستبين فيه فضله.
قال الأبشيهي في المستطرف في طبقات الشجعان(1): أبو هاشم(2) محمد بن علي بن ابي طالب كان أبوه يلقيه في الوقائع ويتقي به العظائم وهو شديد البأس، ثابت الجنان.
قيل له يوماً: ما بال أمير المؤمنين علي «عليه السلام» يقحمك في الحروب دون الحسن والحسين «عليهما السلام»؟ فقال: لأنهما كانا عينيه وكنت أنا يديه فكان يتقي عينيه بيديه.
وقيل إن أباه علياً «عليه السلام» أشترى درعاً فلما استطالها أراد أن يقطع منها، فقال محمد: يا أبةچ علم موضع القطع، فعلم علي «عليه السلام» موضع منها فقبض محمد بيده اليمنى على ذيلها والأخرى على موضع العلامة ثم جذبها فقطع من موضع الذي حده أبوه.
(1) المستطرف 1/ 204.
(2) هذا من غلطه، أبو هاشم كنية ابنه لا كنيته.
(400)
وكان عبد الله بن الزبير مع تقدمه في الشجاعة يحسده على قوته وإذا حدث بهذا الحديث غضب، مات حتف أنفه بشعب رضوى، إنتهى.
وقال المبرد في الكامل وقد ذكر قصة الدرع(1): وحدث أن ملك الروم في ذلك الأوان بعث إلى معاوية أن الملوك قبلك كانت تراسل الملوك منا ويجهد بعضهم في أن يغرب على بعض أفتأذن لي في ذلك؟ فأذن له، فوجه إليه برجلين أحدهما جسيم والآخر أيد «يعني قوياً»، فقال معاوية لعمرو: أما الطويل فقد أصبنا كفاءه وهو قيس بن سعد وأما الآخر الايد فقد احتجنا إلى رأيك فيه، فقال: هاهنا رجلان كلاهما إليك بغيض: محمد بن الحنفية وعبد الله بن الزبير، فقال معاوية: من هو أقرب إلينا على حال، فلما دخل الرجلان وجه إلى قيس بن سعد بن عبادة يعلمه فدخل قيس فلما مثل بين يدي معاوية نزع سراويله فرمى بها إلى العلج فلبسها فنالت ثندوته فأطرق مغلوباً، فحدثت أن قيساً ليم في ذلك فقيل له: لم تبذلت هذا التبذل بحضور معاوية، هلا وجهت إلى غيرها؟ فقال:
أردت لكي ما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراويل عادي نمته ثمود
وإني من القوم اليمانين سيد وما الناس إلا سيد ومسود
وبذ جميع الخلق أصلي ومنصبي وجسم به أعلو الرجال مديد
ثم وجه إلى محمد بن الحنفية فدخل فخبره بما دعا له، فقال: قولوا له إن شاء فليجلس وليعطيني يده حتى أقيمه أو يقعدني، وإن شاء فليكن القائم وأنا القاعد، فأختار الرومي الجلوس، فأقامه محمد وعجز هو عن إقعاده ثم أختار أن يكون محمد هو القاعد فجذبه محمد فأقعده وعجز الرومي عن إقامته فانصرفا مغلوبين، إنتهى.
قال القاضي أبن خلكان في الوفيات(2): كان محمد كثير العلم والورع وكان شديد القوة وله في ذلك أخبار عجيبة، ثم ذكر القصتين قصة الرومي وقصة الدرع عن المبرد.

شجاعة محمد بن الحنفية:


لا نبرهن على شجاعته في هذا المختصر لشهرتها وقد استوفينا أخبار مواقفه في الحروب الطاحنة الجمل وصفين في كتابنا «الميزان الراجح».
(1) الكامل للمبرد 2/ 89. (2) وفيات الأعيان 2/ 12 طبع إيران.
(401)
علم محمد بن الحنفية:
لا يستراب في أنه كان من فطاحل العلماء وجهاً بذة الفقهاء، وإنه مشار اليه بالفضيلة في سائر العلوم الدينية والأدبية كالفقه والحديث والتفسير وسائر علوم الأدب، وكان من عظماء المشتهدين له رأي منفرد وفتيا مشهورة وكان أحد حملة العلم المغيب بما اقتبسه من أبيه وأخويه الحسن والحسين «عليهما السلام» نص على علومه القاضي شمس الدين بن خلكان والفقيه أبو إسحاق الشيرازي وكلاهما من الشافعية في في الوفيات وطبقات الفقهاء، وابن أبي الحديد الكاتب المعتزلي وغيرهم من العلماء، وقد أكثر من رواية الحديث عن أبيه علي «عليه السلام» وأخويه الحسن والحسين «عليهما السلام» وعن جابر وغيرهم من الصحابة، وروى عنه أئمة أهل الحديث من السنة والشيعة، راجع كتب الحديث.

فصاحة محمد بن الحنفية:


إنا لا نجد برهان أقوى ولا دليل أدل على بلوغه الدرجة العالية في الفصاحة من أنه تربى في بيت الفصاحة ونشأ في دار الإبانة والبيان، ولا خلاف في أن قريشاً أفصح العرب، ونزول القرآن بلسانهم من أقوى الدلائل على بلوغهم الغاية القصوى في الفصاحة وإن بني هاشم أفصح قريش، ولا شاهد أعظم من الوجدان فرسول الله (ص) أفصح من نطق بالضاد، وعلي «عليه السلام» أمير البلغاء، وفي حفظ كلامه بلغ رجال أقوى ذروة للبلاغة كابن المقفع صاحب رسائل البلاغة وعبد الحميد صاحب الكتب الطوال المختارة ثم الحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو طالب وعقيل والزبير بن عبد المطلب وعبد المطلب والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من بني هاشم مما لا يستريب أحد أنهم أفصح العرب وأبلغ الخطباء.
ومحمد بن الحنفية أحد أغصان تلك الشجرة المثمرة وفرع تلك الدوحة الباسقة ولو لم يكن له إلا هذه الخطبة الرنانة التي ألقاها يوم صفين في ذلك الجمع الرهيب واليوم العصيب والموقف الحجر الذي غص فيه البطل المشيح بريقه، وأخذ الرعب فيه بمخنقه فألقاه محمد القاء مترسل هادئ لا يحس رهبة ولا يهجس في نفسه خيفة فجاء بها محبرة موشاة بأحسن طراز في أبدع أسلوب قل أن تجتمع السلاسة والابتكار والعذوبة والارتجال فلو فكر في مثلها قس وسحبان حولاً كاملاً لما يهيئ لهما الإتيان بمثلها، ولو أمهل أبن القرية وابن صفوان عامين لما استطاعا الإتيان بمشاكلها لذلك أدهشت عقول السامعين وأذهلت أفكار المستمعين.
(402)
ذكرها الخطيب الخوارزمي الحنفي في كتاب المناقب(1) وسبط ابن الجوزي الحنفي في التذكرة(2) قالا: قال الأشتر النخعي لمحمد بن الحنفية يوماً من أيام صفين: قم بين الصفين وأمدح أمير المؤمنين «عليه السلام» واذكر مناقبه فبرز محمد بن الحنفية وأومأ إلى عسكر معاوية وقال:
يا أهل الشام! إخسؤوا يا ذرية النفاق وحشور النار وحصب جهنم عن البدر الزاهر والقمر الباهر والنجم الثاقب والسنان النافذ والشهاب المنير والحسام المبير والصراط المستقيم والبحر الخضم العليم (من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا)(3) أو ما ترون أي عقبة تقتحمون؟ وأي هضبة ومسنمة علو تتسنمون؟ فأنى تؤفكون؟ بل ينظرون إليك وهم لا يبصرون، أصنو رسول الله تستهدفون؟ ويعسوب دين الله تلمزون؟ فأي سبيل رشاد بعد ذلك تسلكون؟ وأي خرق بعد ذلك ترقعون؟
هيهات هيهات، برزوا لله وفاز بالسبق وفاز بالفصل واستولى على الغاية فاحرز قصبها وفصل الخطاب فانحسرت عنه الأبصار وانقطعت دون الرقاب، وفرع الذروة العليا التي لا تدرك، وبلغ الغاية القصوى فعجز من رام رتبته في سعيه فأعياه، وعناه الطلب وفاته المأمول والأرب، ووقف عنه شجاعة الشجاع الهمام، وبطل سعي البطل الضرغام، فأنى لهم التناوش من مكان بعيد، فخفضاً خفضاً ومهلاً مهلاً لا أبا لأبيكم من اللوم، أوسدوا المكان الذي سد، وأنى تسدون؟ أصديق رسول الله (ص) تثلبون؟ أم لأخيه تسبون؟ وذا قربى منه تشتمون؟ وهو شقيق نسبه إذا نسبوا، ونديد هارون إذا مثلوا، وذا قرباه إذا أمتحنوا، والمصلي إلى القبلتين إذا انحرفوا، والمشهود له بالإيمان إذ كفروا، والمدعو بخيبر وحنين إذ نكلوا، والمندوب لنبذ عهودهم إذ نكثوا، والمخلف على الفراش ليلة الهجرة إذ جبنوا، والثابت يوم أحد إذ هربوا، والمستودع الأسرار ساعة الوداع إذ حجبوا.
هذي المكارم لا عقبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وأنى يبعد من كل سناء وسمو وثناء وعلو وقد نجلته ورسول الله (ص) أبوه وأنجدبت بهما جدود ورضعا بلبان ودرجا في سنن وتمهدا حجراً وتفيئا في ظل وشبح ذا فنن، وتفرعا من أكرم أصل، فرسول الله (ص) للرسالة، وأمير المؤمنين «عليه السلام» للخلافة، رتق الله به فتق الإسلام حتى أنجابت طخية الريب، وقمع
(1) مناقب الخوارزمي ص:134. (2) تذكرة خواص الأمة: ص 167.
(3) النساء: 47.
(403)
نخوة النفاق حتى أرقأن جيشانه، وطمس رسم الجاهلية وخلع ربقة الصغار والذلة، وكف أيدي الخانة ورنق شربها، وحلأها عن وردها وأطأ كواهلها أخذاً بأكظامها، يقرع هامها وينكت ربضها، ويحمل شجومها ويرحضها عن مال الله حتى كلمها الخشاش، وعضها النغاف، وعقها الثقاف، ونالها فرض الكتاب فجرجرت جرجرة العود الموقع فزادها وقرأ، ولفظته أفوهاها وأزلفته بأبصارها، ونبت عن ذكره أسماعها فكان لها كالسم الممقر والذعاف المرعف لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يزيله عن الحق نقيق متهدد، ولا يحيله عن الصدق ترهيب متوعد.
فلم يزل كذلك حتى انشعت غيابة الشرك، وخنع طيخ الإفك، وزالت فحمة الإشراك حتى تنسمتم روح النصفة، وتطعمتم قسم السواء بعد أن كنتم لوكة الأكل ومذقة الشارب وقبسة العجلان بسياسة مأمون الحرفة، مكتمل الحنكة، طب بأدوائكم قمن بدوائكم، يبيت بالربوة كالثاً حوزتكم، حامياً لقاصيكم ودانيكم، مثقفاً لأودكم، يقتات الجبنة، ويرد الخمس، ويلبس الهدم، حتى إذا برزت الرجال وطاح الوشيط واستسلم المشيح وغمغمت الأصوات وقلصت الشفاه وقامت الحرب على ساقها، وهدرت شقاقها، وصرت بأنيابها، وضربت بأذنابها، وخطرت فنقها، وجمع قطريها، وسالت بأبراق الغي أمير المؤمنين «عليه السلام» مثبتاً لقطبها، مديراً لرحاها، قادحاً زنادها، مورياً لهبها، مذكياً جمرتها، دلافاً إلى البهم ضراباً لقمم، غصاباً للمهج تراكاً للسلب خواضاً للغمرات، مثكل أمهات مؤتم أطفال، مشتت آلاف، قطاع أعناق، طافياً عن الجولة راكداً في الغمرة، يهتف بأولادها فتنكشف أخراها، فتارة يطويها طي الصحيفة، وآونة يفرقها تفريق الزبرة، فبأي آلاً أمير المؤمنين تمترون؟ وأي حديث بعد حديثه تأثرون، وربنا المستعان على ما تصفون.
فلم يبق في الفريقين إلا من أعترف بفضل محمد، إنتهى.
وإذا كانت محل إعجاب الجميع في ذلك العصر وهم البلغاء الفصحاء كانت نهاية في الفصاحة وصاحب الذوق السليم والفطرة الصحيحة لا يغيب عنه قدرها في البلاغة ومحلها في بديع الخطابة.
وذكرها صاحب الحدائق الوردية وقد ذكرنا سابقاً توصية أمير المؤمنين والحسن والحسين «عليهم السلام» بفضل محمد وأحلناه على كتابنا «الميزان الراجح».
(404)

قدرة محمد الأكبر على إيراد الحجة:


قال أبن أبي الحديد في شرح النهج(1): كان عبد لله بن الزبير يبغض علياً «عليه السلام» وبنقصه وينال من عرضه، روى عمر بن شبه وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير أنه مكث أيام ادعاءه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي (ص).
ثم قال: روى عمر بن شبه عن سعيد بن جبير قال: خطب عبد الله بن الزبير فنال من علي «عليه السلام» فبلغ ذلك محمد بن الحنفية فجاء إليه وهو يخطب فوضع له كرسي فقطع عليه خطبته وقال: يا معشر العرب! شاهت الوجوه! أينتقص علي «عليه السلام» وأنتم حضور؟! إن علياً «عليه السلام» كان يد الله على أعداء الله، وصاعقة من أمره أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه فقتلهم بكفرهم فشنؤوه وأبغضوه وأضمروا له السيف والحسد وابن عمه «عليه السلام» بعد حي، فلما نقله الله إلى جواره وأحب له ما عنده أظهرت رجال أحقادها، وشفت أضغانها، فنهم من أبتزه حقه، ومنهم من أتمر به ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل، فإن يكن لذريته وناصري عترته دولة تنشر عظامهم وتحضر أجسادهم والأبدان يومئذ بالية بعد أن تقتل الأحياء منهم وتذل رقابهم فيكون الله عز أسمه قد عذبهم بأيدينا وأخزاهم ونصرنا عليهم وشفى صدورنا منهم، وإنه والله ما يشتم علياً «عليه السلام» إلا كافر يسر شتم منكم من امتد عمره، وسمع قول رسول الله (ص) فيه: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون)(2).
فعاد أبن الزبير إلى خطبته وقال: عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال أبن أم حنفية؟!
فقال محمد «رضي الله عنه»: يا ابن أم رومان! وما لي لا أتكلم وهل فاتني من الفواطم إلا واحدة ولم يفتني فخرها لأنه أم أخوي: أنا أبن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم جدة رسول الله (ص)، وأنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله (ص) والقائمة مقام أمه، والله لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد بن عبد العزى عظماً إلا هشمته، ثم قام وخرج، إنتهى.
وقد اقتبس ابن الزبير كلام من خالته عائشة عند دفن الحسن «عليه السلام»
(1) شرح نهج البلاغة 4/ 358.
(2) الشعراء: 227.
(405)
في حديث الفاضل المجلسي في البحار(1): قال: فقام محمد بن الحنفية وقال: يا عائشة! يوم على جمل ويوم على بغل، فما تملكين نفسك عداوة لبني هاشم، قال: فأقبلت إليه وقالت: يا بن الحنفية! هؤلاء أبناء الفواطم يتكلمون فما كلامك أنت؟ فقال لها الحسين «عليه السلام»: وأنت تبعدين محمداً من الفواطم فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمر بن مخزوم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي، فاطمة بنت أسد بن هاشم، فقالت للحسين «عليه السلام»: نحوا أبنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون، قال: فمضى الحسين «عليه السلام» إلى قبر أمه أخرجه فدفنه بالبقيع.

ما لاقاه محمد بن الحنفية من جور أمراء زمانه:


كأبن الزبير وابن مروان والحجاج، ذكرناه مفصلاً في «الميزان الراجح» وكذلك أوردنا هناك الجواب عن قدح القادح فيه بأدعاء الإمامة وملخص الجواب هنا أن ادعاء من أدعى فيه الإمامة لا يقدح فيه كما لا يقدح في المسيح ادعاء من أدعى الربوبية له.
وأما ما قيل من أنه أظهر نفسه وتصدر لها وتصدى لجذب الناس إلى ناحيته ومن رشح نفسه وأشهرها لا يرتاب في أنه يدعي الإمامة ويتطلبها، وجواب هذا إن منع ابن الحنفية لأتباعه من الحرب وتفريقه لأعوانه وأمره لهم بالأنصراف وقد كان لهم شوكة وقوة على الدفاع يدل على نفي دعوى الإمامة، ولا يقال قد كان الحسين إماماً ومتطلباً للإمامة وقد أمر أتباعه بالأنصراف غير مرة إذ نقول: إن الحسين قد كان يعلم أنه مقتول لا محالة وأكثر من تابعه أعراب على غير بصيرة وقد قادتهم الأطماع فهم يتبعونه على شك وأرتياب لذلك أخبرهم بحقيقة الأمر حتى لاينسب إلى الخديعة والتغرير.
وأتباع أبن الحنفية أهل بصائر واعتقاد دل على ذلك عدم أنصرافهم عنه حين رخص لهم، ولا يعلم أنه يقتل ويغلب على ظنه الأنتصار لو قاوم ومع ذلك كله فقد أبى ولو كان طالباً لها لأتاها من أبوابها وقد أمكنته الفرصة بأختلاف طالبي الخلافة فالتحقيق إذا أنه نصب نفسه لا ليصبح إماماً وخليفة بل ليقي مهجة أبن أخيه الإمام زين العابدين «عليه السلام» من فتك فراعنة عصره فإنهم ولا شك يقتلون كل متظاهر بالأمر من ولد الحسين «عليه السلام» لما عرفوه من سلسلة
(1) بحار الأنوار 10/ 134.
(406)
النص فيهم دون غيرهم من ولد أمير المؤمنين «عليه السلام» والواقف على ما قاله المنصور الدوانيقي بعد موت الإمام الصادق جعفر بن محمد «عليهما السلام»: أنظروا إلى من أوصى جعفر فاقتلوه، وحيث أن الإمام الصادق «عليه السلام» كان يعلم بهذه البلية أوصى إلى خمسة نفر أحدهم المنصور وجعل وصيه الحقيقي وهو أبنه الإمام موسى الكاظم «عليه السلام» واحداً منهم، ولما أخبر المنصور بهذا كف ونجى الله الكاظم «عليه السلام» من ذلك الجبار الجائر.
فأبن الحنفية يدري أن الشيعة ستراسل علي بن الحسين لعدم استغنائهم عن إمام معصوم يبين لهم ما يحتاجون إليه فيما يتجدد من الوقائع والأحكام فإذا نصب نفسه لهم اشتهر أمره واستراب به الجبابرة وظنوا أنه ظهر للدعاية إلى نفسه وطلب الإمامة فنصبوا له وكادوه وصمموا على قتله وبقتله ينقطع نسل رسول الله (ص) من أبنه الحسين «عليه السلام» فنصب محمد نفسه لهم ليكون مرجعاً عاماً في ظاهر الأمر، والإمام زين العابدين «عليه السلام» هو المرجع الحقيقي في واقع الأمر وبهذا الاختفاء والتكتم وتظاهر محمد بن الحنفية سلم من معرة مسلم بن عقبة المري يوم الحرة، ومن جور أبن الزبير وضغط الحجاج قائد جيوش عبد الملك بن مروان.
فمحمد بن الحنفية كسفير بين الشيعة والإمام، وما قيل أنه ادعى الإمامة صراحة ونازع متشدداً حتى حاكمه الإمام إلى الحجر الأسعد فنقول: لم يكن ذلك التنازع المدعى في المقام حقيقياً بل هو صوري حيث أن محمد بن الحنفية لا يستطيع إقناع الكيسانية بأن الإمام غيره وهو ابن أخيه لاعتقادهم أنه العم وأفضل ولد علي بعد الحسن والحسين «عليهما السلام» هو محمد بن الحنفية والعم عندهم أولى من أبن الأخ وأحق وهذا رأي جرى عليه أوائل الأمة من تقديم الأعمام على أبناء الإخوة وعلى هذا قامت دعاة الكيسانية في تشييد دولة بني العباس وكذلك رأي ذوي الأغراض في تقديم ذوي الأسنان على فضلاء الأحداث وغير خفي قول القائل لأمير المؤمنين «عليه السلام»: إن في قومك من هو أسن منك وإن طال بك عمر فستنالها.
ومحمد بن الحنفية هو العم والأكبر سناً عند الكيسانية مع أعتقادهم فيه أنه المهدي فهم غير قابلين منه الأعتراف المجرد بإمامة أبن أخيه زين العابدين «عليه السلام» دون البرهان القاطع فتوصل لإقناعهم من باب إظهار المعجزة فنازع صورة إمامهم حتى أتفقا على تحكيم الحجر الأسود فشهد لعلي بن الحسين «عليهما
(407)
السلام» بالإمامة فأهتدى بسبب ذلك كثير من علماء الكيسانية ودانوا بإمامة زين العابدين «عليه السلام»، منهم كثير الشاعر، وأبو الطفيل، والجدلي، وأبو خالد الكابلي وغيرهم، وإلا فمحمد لا يشك في صحة عقله ولا يرتاب في صفاء ذهنه فكيف يقدم على تحكيم الحجر وهو يعلم أنه لا يشهد له ولولا ما ذكرنا لما أقدم على ما يفتضح به وهو يطلب الرياسة العامة ويدعي الإمامة عند الكيسانية، والكيسانية رجال الأمة لا يستهان بهم فإنهم هم الذين زعزعوا مملكة بني أمية ودكوا صروحها وعروشها ومحوها من لوح الوجود بتاتاً، وأقاما على إنقاضها الدولة الهاشمية العباسية فالدعاة والثوار على بني أمية كلهم كيسانية.

ولادة محمد بن الحنفية ووفاته وموضع قبره


قال أبن خلكان في الوفيات(1): كانت ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وتوفي «رحمه الله» في أول المحرم سنة (89) وقيل (72)، وقيل (73) بالمدينة، وصلى عليه أبان أبن عثمان بن عفان ودفن بالبقيع، وقيل: إنه خرج إلى الطائف هارباً من أبن الزبير فمات هناك، وقيل: إنه مات ببلاد أيلة، الخ.
ونقل الحموي في معجم البلدان في جزيرة خارك من الساحل الفارسي أن له هناك مزاراً، وأصح الأقوال أنه بالمدينة لما رواه الكشي من حضور الإمام محمد الباقر «عليه السلام» وفاته.

أولاد محمد بن الحنفية


قال أبن قتيبة في المعارف(2): فولد محمد بن علي بن أبي طالب الحسن وعبد الله وأبا هاشم وجعفر الاكبر وحمزة وعلياً لأم ولد، وجعفر الأصغر وعوناً أمهما أم جعفر، والقاسم وإبراهيم.
فاما أبو هاشم فكان عظيم القدر وكانت الشيعة تتولاه، فحضرته الوفاة بالشام فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وقال له: أنت صاحب هذا الامر وهو في ولدك ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة إليه وليس لأبي هاشم عقب.
وأما علي وحمزة فلا عقب لهما.
وأما إبراهيم وهو الملقب بثعرة.
وأما القاسم فكان مؤخراً عن مسجد رسول الله (ص) لا يقدر أن يدخله، إنتهى.
(1) وفيات الأعيان 2/ 23. (2) المعارف: ص95.
(408)
قال سبط أبن الجوزي في التذكرة(1): أولاده أبو هاشم واسمه عبد الله وهو أكبر ولده وكان من العلماء الأشراف، قدم على سليمان بن عبد الملك فأكرمه ثم سار إلى فلسطين فبعث إليه سليمان من قعد له على الطريق بلبن مسموم فلما شرب منه أحس بالموت فعدل إلى الحميمة وأجتمع بمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأعلمه أن الأمر في ولده وسلم إليه كتب الدعاة وأوقفه على ما يفعل ثم مات عنده بالحميمة من أرض الشراة بالبلقاء، وكان لأبي هاشم هاشم وبه كان يكنى، ومحمد الأصغر أمهما بنت جلدة كنانية ولا بقية له، ومحمد الأكبر ولبابة أمهما فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عباس، وعلي وأمه عثمان بنت أبي جدير قضاعية، وطالب وعون وعبيد الله لأمهات أولاد شتى، وريطة وهي أم يحيى أبن زيد المقتول بخراسان، وأم سلمة لأم ولد، ذكر أبن سعد في الطبقات: كان أبو هاشم ثقة وكانت الشيعة – يعني الكيسانية – يتولونه وكان بالشام مع بني هاشم وعندهم توفي.
وكان لمحمد بن الحنفية من الولد: (2) جعفر الأكبر و(3) علي و(4) حمزة و(5) جعفر الأصغر و(6) الحسن لأمهات شتى، وكان الحسن هذا من ظرفاء بني هاشم وهو من تلكم في الأرجاء وكان يقدم على أخيه أبي هاشم، قال أبن إسحاق: أمه جمال بنت قيس بن محزمة بن المطلب بن عبد مناف وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز وليس له عقب، و(7) إبراهيم وأمه مسرعة بنت عباد بن شيبان بن جابر عوفية، و(8) القاسم و(9) أم أبيها و(10) عبد الرحيم وأمهم أم عبد الرحمن وأمها برة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن نوفل، و(11) جعفر الأصغر و(12) عون و(13) عبد الله الأصغر وأمهم أم جعفر بنت محمد بن جعفر أبن أبي طالب و(14) عبد الله و(15) رقية و(16) محمد أمهم أم ولد سندية، إنتهى.
وقال السيد الداوودي في العمدة: فولد أبو القاسم محمد بن الحنفية أربعة وعشرين ولداً منهم أربعة عشر ذكراً، ثم قال في العقب المتصل من محمد من رجلين: علي وجعفر قتيل الحرة فأما ابنه أبو هاشم عبد الله الأكبر إمام الكيسانية وعنه أنتقلت البيعة إلى بني العباس فمنقرض، إنتهى.
(1) تذكرة الخواص: ص 169.
(409)

(5) محمد الأوسط أبن أمير المؤمنين «عليه السلام»


(5) من إخوة العباس الأكبر أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» محمد الأوسط أبن الأموية.
ومحمد الأوسط من الذين أهمل ذكرهم شيخنا المفيد فلم يذكره في إرشاده في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام» وقد نص عليه جماعة من العلماء الذي يوثق بنقلهم.
قال الفاضل المجلسي «رحمه الله» في البحار(1) نقلاً عن النسابة العمري العلوي في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام»: ومن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله (ص) محمد الأوسط.
وقال أبو جعفر الطبري في التاريخ(2): وتزوج «عليه السلام» أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وأمها زينب بنت رسول الله (ص) فولدت له محمد الأوسط.
وقال المحب الطبري الشافعي في ذخائر العقبى والرياض النظرة(3): ومحمد الأوسط أمه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وبن عبد مناف وأمها زينب بنت رسول الله (ص).
قال سبط أبن الجوزي الحنفي في التذكرة6(4): ومحمد الأوسط بن علي «عليه السلام» أمه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله (ص) تزوجها بعد الصهباء، الخ.
وذكره كمال الدين أبن طلحة الشافعي في مطالب السؤول في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام»(5).
ونور الدين أبن الصباغ المالكي في الفصول المهمة(6) نقلاً عن صاحب الصفوة.
وذكره أبو الفرج أبن الجوزي الحنبلي في صفة الصفوة والحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب وصاحب ناسخ التواريخ والشبلنجي الشافعي في نور الأبصار وغيرهم.
(1) بحار الأنوار 9/ 705 طبع تبريز. (2) تاريخ الطبري: 6/ 89.
(3) ذخائر العقبى: ص117، الرياض النظرة 2/ 249.
(4) تذكرة الخواص: ص32. (5) مطالب السؤول: ص62.
(6) الفصول المهمة: ص144.
(410)
وعده صاحب ذخيرة الدارين في شهداء الطف وحيث لم أجد نصاً عليه بالشهادة لم أذكره في المستدرك على مقاتل الطالبيين ولا في أعلام النهضة(1) وإن قوي الظن بذلك، وصاحب الذخيرة لا يعتمد على نقله.

(6) محمد الأصغر بن أمير المؤمنين «عليه السلام»


(6) من إخوة العباس الأكبر أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» محمد الأصغر.
أختلف فيه من ناحيتين: أحدهما في أمه هل هي الخثعمية أم أم ولد؟ ثانيهما: هل هو المكنى بأبي بكر أن هو غيره؟ والتحقيق أنه غير أبي بكر فإن أبا بكر إسمه كنيته وأمه أم ولد، وخذ نصوص العلماء فيه:
قال أبن شهر آشوب المازندراني «رحمه الله» في المناقب في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام»(2): ومحمد الأصغر من أم ولد، ثم ذكره في الشهداء مع الحسين «عليه السلام»(3).
وقال الفاضل المجلسي في البحار(4) في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام»: ومن أسماء بنت عميس الخثعمية يحيى ومحمد الأصغر، وقيل: ولدت له عوناً ومحمد الأصغر من أم ولد.
وفي بحاره نقل كلام أبي الفرج الآتي وكلام أبن شهر آشوب(5).
قال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: ومحمد الأصغر بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» عن المدائني أن رجلاً من بني تميم من بني أبان بن دارم قتله.
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد(6): ومحمد بن الأصغر المكني بأبي بكر وعبيد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين «عليه السلام» بالطف أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية ألخ، وسنذكر أن أبا بكر غير محمد.
وقال أبو جعفر الطبري في التاريخ(7): وتزوج أسماء بنت عميس الخثعمية فولدت له فيما حدثت عن هشام بن محمد يحيى ومحمد الأصغر ولا عقب لهما.
(1) المستدرك على مقاتل الطالبيين «مجلدين»- مخطوط، وأعلام النهضة الحسينية «مجلدات» - مخطوط -.
(2) مناقب ابن شهر آشوب 3/162. (3) نفسه 4/ 99.
(4) بحار الأنوار 9/ 705. (5) أنظر: بحار الأنوار 10/ 220و 227.
(6) الإرشاد: ص190. (7) تاريخ الطبري 6/ 89.
(411)
وأما الواقدي فإنه قال فيما حدثني الحارث قال: حدثنا أبن سعد قال: أخبرنا الواقدي أن أسماء ولدت لعلي «عليه السلام» يحيى وعونا أبني علي «عليه السلام»، ويقول بعضهم محمد الأصغر لأم ولد وكذلك قال الواقدي في ذلك وقال: قتل محمد الأصغر مع الحسين «عليه السلام».
وقال في الشهداء(1): ورمى رجل من بني أبان بن دارم محمد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه.
وذكره أبو الفدا الحنفي في تاريخه(2) وقال: أمه أسماء.
وذكره المحب الطبري في الرياض النظرة وذخائر العقبى وقال: أمه أم ولد وقتل مع الحسين «عليه السلام».
وذكره المسعودي المؤرخ في مروج الذهب(3) وقال: قتل مع الحسين «عليه السلام» محمد بن علي وهو الأصغر.
والشبلنجي في نور الأبصار(4) قال: قتل مع الحسين «عليه السلام» أمه أم ولد.
وسبط أبن الجوزي الحنفي في التذكرة(5): ومحمد الأصغر قتل مع الحسين وأمه أم ولد.
والحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب(6): محمد الأصغر أمه أم ولد.
وقال(7): وأسقط أبو عبد الله المفيد العون من الخثعمية وجعل أبا بكر كنية لمحمد الأصغر ولم يذكر محمد الأوسط، ولكنه في الشهداء(8) أعتمد قول المفيد.
وابن الصباغ في الفصول المهمة ذكره في أولاد أمير المؤمنين (9) وقال في شهداء كربلاء(10): وقتل محمد بن علي وأمه أم ولد، قتله رجل من بني أبان بن دارم.
وملا عبد الله في مقتل العوام(11) عول على كلام أبي الفرج.
(1) نفسه 6/ 267. (2) تاريخ الطبري 1/ 181.
(3) مروج الذهب 2/ 91. (4) نور الأبصار: ص92.
(5) تذكرة الخواص: ص32 و 145. (6) كفاية الطالب: ص 625.
(7) نفسه: ص266. (8) نفسه: ص298.
(9) الفصول المهمة: ص144. (10) نفسه: ص209.
(11) مقتل العوالم: ص 260.
(412)
وفي ناسخ التواريخ الفارسي(1): ومحمد بن الأصغر أمه أم ولد قتل يوم الطف وهو ملازم ركاب الحسين «عليه السلام»، قتله رجل من بني أبان بن دارم من بني تميم.
والفاضل الدربندي في أسرار الشهادة أورد كلام أبن شهر آشوب ونقل عنه أنه قال: لم يقتل محمد الأصغر بن علي لمرضه ويقال رجل من بني أبان بن دارم فقتله، هذا قول شاذ قاله بعض المؤرخين ولم يعرج عليه أحد.
وذكر الحافظ المقريزي الشافعي في اتعاظ الحنفاء(2) ولكنه نسبه لأمامة ونسب محمد الأوسط لأم ولد.
وعلى كل فالقول أن محمداً هو المكنى بأبي بكر تفرد به الشيخ المفيد ولم يتابع.
وفي زيارة الناحية ذكر محمد بن علي وأبي بكر وهو لا يعرف إلا بالكنية.
وبعضهم قال: إسمه كنيته، وقال بعضهم: إسمه عبد الله، وقال بعضهم: محمد كما سيجيء وكل ذلك يوجب الحيرة عند غير المحقق وأنت إذا تأملت كلمات هؤلاء العلماء وأنهم جميعاً ينصون أن محمد الأصغر ليست نهشلية بل هي إما الخثعمية أو أم ولد، أنفرد شيخنا المفيد بهذا القول وهو أعرف بما كتب ويجوز لنا مخالفته بعد أتضاح المطلب كما جاز للفقهاء مخالفته في كثير من المسائل الفقهية لأن المسألة لا تخلو من أمرين: إما أن تكون تقليدية فقد قلدنا في النقل غيره، وإما أن تكون اجتهادية فقد أدى أجتهادنا إلى التفرقة كما أدى أجتهاده إلى الأتحاد، والله العالم بحقيقة الأمر.

(7) عبد الله الأكبر بن أمير المؤمنين «عليه السلام»


(7) من إخوة العباس الأكبر أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام» عبد الله الأكبر شقيق العباس «عليه السلام».
والعبادلة ثلاثة في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام»: عبد الله بن الكلابية، وعبد الله الأصغر وعبيد الله أمهما النهشلية.
وعبد الله الأكير شقيق العباس الأكبر يلقب بعبد الله الأكبر هو أحد الشهداء السعداء مع أخيه الحسين «عليه السلام» بكربلاء، أمه أم البنين الصغرى الكلابية
(1) ناسخ التواريخ 5/ 306. (2) اتعاظ الحنفاء: ص6.
(413)
تقدم نسبها وهو معروف عند جمهور العلماء.
قال أبن قتيبة في المعارف(1): وجعفر وعبد الله والعباس أمهم أم البنين بنت حزام الوحيدية، وشذ في تاريخه الإمامة والسياسة فأسقطه من الشهداء.
وذكر الشبلنجي في نور الإبصار(2) وقد مر كلامه.
وذكره المحب الطبري في كتابيه ذخائر العقبى والرياض النظرة(3).
وابن الصباغ في الفصول المهمة(4) وقد تبع الشيخ المفيد في جعل أمهم بنت حزام بن خالد بن دارم.
وذكره الكنجي الشافعي في كفاية الطالب(5) في أشقاء العباس، وفي الشهداء(6).
وذكره المسعودي في مروج الذهب(7) في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام» وفي الشهداء أيضاً.
وقال سبط أبن الجوزي الحنفي في التذكرة(8): العباس الأكبر وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين «عليه السلام» أمهم أم البنين بنت حزام وقيل بنت خالد كلابية، تزوجها علي «عليه السلام» بعد وفاة فاطمة «عليها السلام».
وفي الشهداء قال(9): والعباس بن علي قتله زيد بن رقاد، وقتل إخوته جعفر وعثمان وعبد الله أمهم أم البنين التي ذكرناها.
وقال أبو جعفر الطبري في التاريخ(10) بعد أن ذكر فاطمة الزهراء «عليها السلام»: وتزوج بعدها أم البنين بنت حزام وهو أبو المحل بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب أبن عامر بن كلاب، فولد له منها العباس وجعفر وعثمان وعبد الله قتلوا مع الحسين «عليه السلام» بكربلاء ولا بقية لهم غير العباس «عليه السلام»، والشيخ المفيد في الإرشاد وآخرون يطول تعدادهم.
(1) المعارف ص 92. (2) نور الإبصار: ص92.
(3) ذخائر العقبى: ص117؛ الرياض النظرة 2/ 249.
(4) الفصول المهمة: ص144.
(5) كفاية الطالب: ص265. (6) نفسه: 298.
(7) مروج الذهب 2/ 92. (8) تذكرة الخواص: ص23.
(9) نفسه ص 145.
(10) تاريخ الطبري 6/ 89.
(414)

حديث شهادة عبد الله الأكبر


قال أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري في الأخبار الطوال(1): فلما رأى ذلك العباس أبن علي «عليهما السلام» «يعني كثرة القتل في بني هاشم» قال لإخوته عبد الله وجعفر وعثمان بني علي «عليه السلام» وأمهم جميعاً أم البنين العامرية من آل الوحيد: تقدموا بنفسي أنتم فحاموا عن سيدكم حتى تمتوا دونه، فتقدموا جميعاً فصاروا أمام الحسين «عليه السلام» يقونه بوجوههم ونحورهم، فحمل هاني بن ثبيت الحضرمي على عبد الله بن علي فقتله.
ومثله قال الطبري المؤرخ(2) إلا أنه ذكر أن العباس «عليه السلام» قال لهم: تقدموا لأرثكم فإنه لا وارث لكم، ولنا نظرة في هذه الفقرة تقدمت في علم العباس إذ أن هذه المقالة لا تصلح على مذهب أهل البيت إذ الأخ لا يرث مع الأم فقول أبي حنيفة أثبت من قول الطبري وأقرب للحق.
وقال الشيخ المفيد «رحمه الله» في الإرشاد(3): فلما رأى العباس «عليه السلام» كثرة القتل في أهله قال لإخوته من أمه وهم عبد الله وجعفر وعثمان: يا بني أمي! تقدموا حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله فإنه لا ولد لكم، فتقدم عبد الله فقاتل قتالاً شديداً فأختلف هو وهاني بن ثبيت الحضرمي من ضربتين فقتله هاني.
وقال أبو الفرج الأصبهاني في المقاتل بعد نسب أمه المتقدم ما لفظه(4): عن الضحاك المشرقي قال: قال العباس بن علي «عليهما السلام» لأخيه من أبيه وأمه عبد الله بن علي: تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك فإنه لا ولد لك، فتقدم بين يديه وشد عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقتله.
قال أبو الفرج عن عبيد الله بن الحسن وعبيد الله بن العباس قالا: قتل عبد الله بن علي أبن أبي طالب «عليه السلام» وهو أبن (25) سنة ولا عقب له.
وقال أبن شهر آشوب في المناقب (5) بعد شهادة أخيه جعفر: ثم برز أخوه عبد الله قائلاً:
أنا أبن ذي النجدة والأفضال ذاك علي الخير ذو الفعال
سيف رسول الله ذي النكال في كل يوم ظاهرالأهوال
(1) الأخبار الطوال: ص 254. (2) تاريخ الطبري 6/ 257.
(3) الإرشاد: ص254. (4) مقاتل الطالبيين: ص32.
(5) مناقب ابن شهر آشوب 4/97.
(415)
فقتله هاني بن ثبيت الحضرمي «لعنه الله» وكذلك ذكر المجلسي في البحار وملا عبد الله في مقتل العوالم والخوارزمي في مقتله وآخرون.