موسوعة بطل العلقمي

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي

المؤلف : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

(13) شريح بن عوف بن الأحوص


فارس العصا من أشهر فرسان بني عامر وأبطالهم في الجاهلية له الصيت الذائع في أيامهم المشهورة مثل يوم رحرحان ويوم جبلة وغيرهما وهو قاتل لقيط بن زرارة التميمي قائد الجيش في جبلة على أشهر الأقوال وأصحها.
قال الجاحظ في البيان والتبيين(1): ولبني جعفر بن كلاب شحمة والغدير والعصا فشحمة فرس جزء بن خالد
والعصا فرس عوف بن الأحوص والغدير فرس شريح بن الأحوص، الخ.
ولا ينافي ما تقدم لجواز أن تكون فرس عوف صار لبنه قحافة.
ومن شعر شريح بن الأحوص ما ذكره الآلوسي في بلوغ الارب(2):
ومستنبج يبغي المبيت
الابيات المتقدمة في ترجمة عوف، ولعل الآلوسي اشتبه عليه الأمر فخلط في روايته.
ووصفه الدارمية في غزوة رحرحان لزرارة بن عدس، فقالت: ورأيت رجلا كأن شعر فخذيه حلق الدروع، فقال: ذاك شريح بن الأحوص.
قال أبو الفرج في الاغاني(3) في حديث رحرحان: فخرجت بنو عامر إلى الحرث بن ظالم حيث لجأ إلى زرارة وعليهم الأحوص بن جعفر، فأصابوا أمراة من بني تميم وجدوها تحتطب وكان رأس الخيل التي خرجت لطلب الحرث بن
(1) البيان والتبيين 3/47. (2) بلوغ الارب 1/66.
(3) الأغاني 10/30.
(151)
ظالم شريح بن الأحوص وأصابوا غلمانا يجتنون الكمأة.
ثم ساق القصة إلى هزيمة بني تميم وأسر بني عامر لمعبد بن زرارة، فيقول: وأسر(1) يومئذ معبد بن زرارة فأسره عامر بن مالك واشترك في أسره طفيل بن مالك ورجل من غني يقال له أبو عميلة وهو عصمة بن وهب وكان أخا طفيل بن مالك من الرضاعة، وكان معبد بن زارة أغار على عامر بن مالك في الشهر الحرام وهو رجب وكانت مضر تدعوه الأصم لأنهم كانوا لا ينادون فيه يا فلان ويا لفلان ولا يتغازون فيه ولا ينادون فيه يا لثارات، وهو أيضا متصل لآل الأسنة لأنهم كانوا إذا دخل رجب نصلوا اسنتهم من الرماح حتى يخرج الشهر.
وسال لقيط عامرا أن يطلق أخاه، قال: أما حصتي فقد وهبته لك ولكن أرضي أخي وحليفي الذين اشتركا فيه، فجعل لقيط لكل واحد مائة من الإبل فرضيا وأتيا عامرا فاخبراه، فقال عامر للقيط: دونك أخاك فأطلق عنه، فلما أطلق فكر لقيط في نفسه فقال: أعطيهم مائة بعير ثم تكون لهم النعمة علي بعد ذلك، لا والله لا أفعل، ورجع إلى عامر فقال: إن ابي زرارة نهاني أن ازيد على مائة بعير دية مضر فإن أنتم رضيتم أعطيتكم مائة من الإبل، فقالوا: لا حاجة لنا في ذلك، فأنصرف لقيط، فقال له معبد مالي يخرجني من أيديهم، فأبى ذلك عليه، فقال: إذا يقسم العرب بني زرارة.
فقال معبد لعامر: أنشدك الله لما خليت سبيلي فإنما يريد ابن الحمراء أن ياكل كل مالي ولم تكن أمه أم لقيط، فقال له عامر: أبعدك الله إن لم يشفق عليك اخوك فأنا أحق أن لا أشفق عليك، فعمدوا إلى معبد فشدوا عليه القد وبعثوا به إلى الطائف فلم يزل به حتى مات، فذلك قول شريح بن الأحوص:
لقيط وأنت أمرؤ ماجد ولكن حلمك لا يهتدي
ولما أمنت وساغ الشرا ب واحتل بيتك في ثهمد
رفعت برجليك فوق الفرا ش تهدي القصائد في معبد
وأسلمته عند حد القتال وتبخل بالمال أن يفتدي
ثم يقول أبو الفرج(2) في يوم جبلة ونزول ذلك الجيش العرمرم الذي لم تر العرب مثله لبني عامر وحلفائهم وجعل الأحوص ابنه شريحا على تعبئة الناس ثم يحكي في التحام الحرب بما نصه: وخرجت بنو تميم من الخليف على خيل
(1) الأغاني 10/31. (2) الأغاني 10/31.
(152)
فكركروا الناس حتى ردوهم وانقطع شريح بن الأحوص في فرسان حتى اخذ الجرف فقاتل الناس قتالا شديدا وجعل لقيط يومئذ وهو على برذون له مجفف بديباج أعطاه إياه كسرى وكان اول عربي جفف وذكر له أرجازا كثيرة وشجاعة باهرة، ثم قال: بينه وبينه جرف منكر، فضرب لقيط فرسه واقحم عليه الجرف فطعنه شريح وقد اختلفوا في ذلك فذكروا أن الذي طعنه جزء بن خالد بن جعفر، وبنو عقيل تزعم أن عوف بن المنتفق العقيلي قتله، وانشأ يقول:
ظلت تلوم لما بها عرسي جهلا وانت حليمة الامس
إن تقتلوا بكري وصاحبه فلقد شفيت بسيفه نفسي
فزعموا أن عوفا قتل يومئذ ستة نفر وقتل ابن له وابن أخ له، واما العلماء فلا يشكون أن شريحا قتله وارتث وبه طعنات(1) فبقي يوما ثم مات فجعل لقيط يقول عند موته:
يا ليت شعري عنك دختنوس إاذا أتاك الخبر المنحوس
أتحلق القرون أم تميس لا بل تميس إنها عروص
دختنوي بنت لقيط بن زرارة وكانت تحت عمرو بن عمرو بن عدس وجعلت بنو عبس يضربونه وهو ميت، فقالت دختنوس:
ألا يا لها الويلات ويلة من بكى لضرب بني عبس لقيطا وقد قضى
لقد ضربوا وجها عليه مهابة وما تحمل الضيم الجنادل من ردا
فلو أنكم كنتم غداة لقيتموا لقيطا ضربتم بالأسنة والقنا
غدرتم ولكن كنتموا مثل خضب أضائت لها القناص من جانب الشرا
فما ثاره فيكم ولكن ثاره شريح أأردته الأسنة أم هوى
فإن تعقب الأيام من فارس تكن عليكم حريقا لا يرام لها سنا
ليجزيكم بالقتل قتلا مضاعفا وما في دماء الحمس يا مال من بوا
ولو قتلتنا غالب كان قتلها علينا من العار المجدع للعلا
لقد صبرت للموت كعب وحافظت كلاب وما أنتم هنا لا لمن رأى
ثم قال: ونزل حسان بن معاوية بن الجون وصاح: يا آل كندة! فحمل عليه شريح بن الاحوص فأعترض دون ابن الجون رجل من كندة يقال له حوشب فضربه
(1) الأرتثات: أن يحمل وهو مجروح، فإن حمل ميتا فليس بمرتث.
(153)
شريح بن الاحوص في رأسه فأنكسر السيف فيه، فخرج يعدو بنصف السيف وكان مما رعب الناس مكانه، إنتهى.
وأخباره كثيرة، وابنه عبد عمرو بن شريح فارس دعلج من أبطالهم وشعرائهم ورحالهم المشهورين ومن شعراء الحماسة، ففي شرح الحماسة:
أقدم فيهم دعلجا وأكره إذا أكرهوا فيه الرماح تجمجما
البيت لعبد عمرو بن شريح فارس دعلج، قاله يوم فيف الريح وليس هو لعامر بن الطفيل، وأنشد في تصديق ذلك لمروان بن سراقة الجعفري:
وعبد عمر منع التواما ودعلجا أقدمها إقداما
لولا الذي جشمهم اجشاما لجفلته مذحج نعاما
ويوم فيف الريح كان في أول بعثة النبي (ص) ومن شعره في منافرة عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة:
لحى الله وفدينا وما ارتحلا له من السوأة الباقي عليهم وبالها
ألا إنما يردي صفاق متينة أبي الضيم أعلاها وأثبت حالها
قال في الأغاني، وعبيدة بن شريح بن الاحوص من فرسانهم المشهورين وأبطالهم المبرزين، وظهر أثر ثباته يوم فيف الريح حين صدم جموع أهل اليمن المتدفقة ولم يشرك بني عامر في هذه الوقعة غيرهم.
ويقول ابن الأثير: وممن أبلى يومئذ أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر وعبيدة بن شريح بن الأحوص وكان فيها الشرف لبني عامر.

(14) الصعق واسمه خويلد


على الأصح الكلابي الفارس المشهور من فرسان الجاهلية وأبطالهم وساداتهم وقد وصفته الدارمية لزرارة بن عدس وقد تقدم.
قال الفيروزآبادي في القاموس: الصعق لقب خويلد بن نفيل فارس بني كلاب، يقال في الصعق كإبل، لقب به لأن بني تميم أصابوا رأسه بضربة، وكان إذا سمع صوتا صعق، أو لأنه اتخذ طعاما فكفأت الريح قدوره فلعنها فأرسل الله عليه صاعقة(1)، الخ.
وقال المرزباني في معجم الشعراء(2) في ترجمة ابنه يزيد: اسم الصعق عمرو
(1) القاموس المحيط 3/253. (2) معجم الشعراء: ص494.
(154)
بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وقيل: إن الصعق هو خويلد بن نفيل والصعق لقب وذلك أنه أصابته صاعقة، الخ.
وقوله: «اسمه عمرو» ليس بصحيح، إنما عمرو ابنه كما سيأتي.
قال الحافظ بن عساكر في تاريخ الشام(1): خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب الكلابي شاعر، حكى ابن الأعرابي قال: كان الحارث ابن أبي شمر الغساني إذا اعجبته أمراة من قيس بعث إليها فأغتصبها نفسها فبعث إلى الداهرية بنت خويلد فأغتصبها فأتاه أبوها فقال في ذلك:
يا ايها الملك المخوف أما ترى ليلا وصبحا كيف يختلفان
هل تستطيع الشمس أن تأتي بها ليلا وهل لك بالمليك يدان
وأعلم وأيقن أن ملكك زائل وأعلم بأن كما تدين تدان
فقال الحارث: من هذا؟
فقالوا: الكلابي المغتصب بنته.
فتذمم وخاف العقوبة وأعطاه ثلثمائة بعير، إنتهى.
ولكن قال في الترجمة خويلد بن نفير وغير بعيد أن يكون تصحيفا من الناسخ.

(15) يزيد بن الصعق الكلابي


فارس بني كلاب وشاعرها في العصر الجاهلي وشهد الوقائع العظمى مثل رحرحان وجبلة وغيرهما، وظهرت آثارها فيهما وعرفت الخلاف في إسم الصعق هل هو خويلد كما هو الأصح أو عمرو ما سيأتي التنبيه عليه ويزيد بن الصعق هو الذي أسر ابن رومانس أخا النعمان وقائد جيشه لحرب بني عامر.
قال ابن الاثير في التاريخ(2): يوم السلان كان بنو عامر بن صعصعة حمسا والحمس قريش ومن له فيهم ولادة والحمس متشددون في دينهم وكانت عامر أيضا لقاحا لا يدينون للملوك فلما ملك النعمان بن المنذر ملكه كسرى أبرويز كان يجهز كل عام لطيمة وهي التجارة لتباع بعكاظ فعرضت بنو عامر لبعض ما جهزه فأخذوه فغضب لذلك النعمان وبعث إلى أخيه لأمه وهو وبرة بن رومانس الكلبي وبعث إلى صنائعه ووضائعه – والضائع من كان يصنطعه من العرب ليغزيه والوضائع هم
(1) تاريخ دمشق 5/182. (2) الكامل في التاريخ 1/295.
(155)
الذين كانوا شبه المشائخ – وأرسل إلى بني ضبة بن أد وغيرهم من الرباب وتميم فجمعهم فأجابوا فأتاه ضرار بن عمرو الضبي في تسعة من بنيه كلهم فوارس، ومعه حبيش بن دلف وكان فارسا شجاعا فأجتمعوا في جيش عظيم فجهز النعمان معهم عيرا وأمرهم بتسييرها وقال لهم: إذا فرغتم من عكاظ وانسلخت الأشهر الحرم ورجع كل قوم إلى بلادهم فأقصدوا بني عامر فإنهم قريب بنواحي السلان.
فخرجوا وكتموا أمرهم وقالوا: خرجنا لئلا يعرض أحد للطيمة الملك فلما فرغ الناس من عكاظ علمت قريش بحالهم فأرسل عبد الله بن جدعان قاصدا إلى بني عامر يعلمهم الخبر، فسار إليهم وأخبرهم الخبر فحذروا وتهيئوا للحرب وتحرزوا ووضعوا العيون وعليهم عامر بن مالك ملاعب الأسنة وأقبل الجيش فالتقوا بالسلان فأقتتلوا قتالا شديدا، فبينما هم يقتتلون إذ نظر يزيد بن عمرو بن خويلد الصعق إلى وبرة بن رومانس أخي النعمان فأعجبه هيئته فحمل عليه فأسره، ثم ساق القصة، وقد أوردناها في ترجمة ملاعب الأسنة برواية ابن عبد ربه، فأطلبها.
ثم قال في آخرها: وأفتدى وبرة بن رومانس نفسه بالف بعير وفرس من يزيد بن الصعق فاستغنى يزيد وكان قبله خفيف الحال، الخ.
وفي الأغاني في حديث جبلة(1): وتحطم ذلك الجيش العظيم وغنم مرداس ابن أبي غاز رحلا ومائة بعير فأخذها منه بنو أبو بكر بن كلاب، فخرج مرداس إلى يزيد بن الصعق وكان له خليلا، فأنتهى إليه مرداس وهو يقول:
لعمرك ما ترجو معد ربيعها رجائي يزيدا بل رجائي أكبر
يزيد بن عمرو خير من شد ناقة أو اقتادها إذ الرياح تصرصر
تداعت بنو بكر علي كأنما تداعت علي بالأضرة بربر
تداعت علي إن رأوني بخلوة وانتم بإحراد(2) الفوارس أبصر
فركب يزيد حتى أخذ الإبل من بني أبي بكر فردها إليه فطرقه البكريون وسقوه الخمر حتى سكر ثم سألوه الإبل فأعطاهم إياها فلما أصبح ندم فخرج إلى يزيد فوجد الخبر قد جاءه فقال له يزيد: أصاح أنت ام سكران؟ فأطرد إبلا لبني جعفر فذهب بها، الخ.
(1) الأغاني 10/42.
(2) ويروى: بوحدان.
(156)
قال المزباني في معجم الشعراء(1): يزيد بن الصعق الكلابي العامري فارس بني عامر وشاعرهم كان بطلا مشهورا مسلم الفروسية.
وقال بعد الذي ذكرناه في أبيه: وهو الذي أسر رؤية بن رومانس أخ النعمان بن المنذر وهو القائل لبني أسيد بن عمرو بن تميم:
إذا مات ميت من تميم فسرك أن يعيش فجيء بزاد
بخبز أو بلحم او بتمر أو الشيء الملفف في البجاد
تراه ينقب البطحاء حولا ليأكل رأس لقمان بن عاد
وله فيهم:
ألا أبلغ لديك بني تميم بآية ما تحبون الطعاما
ولأوس بن غلفاء عنها جواب، وليزيد يرثي مالك بن صخر بن الشريد:
وأبلغ سليما أن مقتل مالك أذل سهول الارض والحزن اجمعا
أذل صريح الحي مصرع جنبه وأنف الموالي أصبح اليوم ادعا
وأضحت بلاد كان يمنع سربها خلاء لمن أجرى غليها وأوضعا
فلله عينا من رأى مثل مالك قتيلا بحزن أو قتيلا بأجرعا
مالك هذا يلقب ذو التاج قتلته كنانة ويزيد بن الصعق ذكره في الإصابة في ترجمة حفيده يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق(2) وإنه كان في زمان النعمان بن المنذر.
وقال الجواليقي في شرح أدب الكاتب(3): وليزيد بن عمرو الكلابي أبيات مؤسسة منها كأمس الدابر وهي:
أعقرتموا جملي برحلي قائما ورميتم جاري بسهم ناقر
فإذا ركبتم فالبسوا ادراعكم إن ارماح بصيرة بالحاصر
إذ تظلمون وتأكلوا صديقكم فالظلم تارككم بجد عاثر
إني سأقتلكم ثنا وموحدا وتركت ناصركم كأمس الدابر(4)
(1) معجم الشعراء: ص494.
(2) الإصابة 3/675. (3) شرح أدب الكاتب: ص394.
(4) الناقر: من السهام الذي يصيب القرطاس ويتعلق به، والحاسر: الذي لا درع عليه، والجاثي: البراك على ركبتيه، والعاثر: الكابي.
(157)
وسبب هذه الابيات أن رجلا أتى يزيد فقال: إني أريد الخروج إلى مكان كذا وغني بطريقي.
فقال يزيد: هذا جملي فأركبه فإن غنيا والد وجملي يعرف، فركب الأسدي الجمل فمر بالغنويين فخرجوا وعقروا البعير، فرجع إلى يزيد وأخبره فقال هذه الابيات.
قال أبو محمد: يقال مثنى كما يقال موحد ولا ينون لأنه معدول، إنتهى.
وهذه العرب في جاهليتها العمياء وفي دور عيشها الهمجي ليس عندها من الزواجر الإلهية ما تزدجر به عن الظلم ولا من الروادع الربانية ما يردعها عن الجور إذ لم يبعث إليها في ذلك الدور المظلم رسول ولم ينزل عليها في ذلك العصر الحالك كتاب وإنما اعتمدت على عقولها واستنارت بأفكارها في تقبيح الظلم والبغي وأدركت أن الظلم يشرف بصاحبه إلى الدمار ويوجب له العثار فما بال من درس أحكام الشريعة الإسلامية وتلا الآيات القرانية المحكمة لا يقلع عن الظلم للعباد؟ ولا ينتهي عن الجور المؤدي لخراب البلاد؟
ومن كلامه في ذم البغي ويضرب كليبا مثلا لذلك ذكره في كتاب بني شيبان(1):
وإلا تدع قيس المحلة بيننا تلاقي الذي لاقي كليب عن الشغب
تخبر قومي أنني لست منهموا ويزعم أنا معشر من بني وهب
ويزيد بن الصعق هو الذي استجارت به باهلة فأجارهم من بني جعدة بن كعب وأجار آخرين منهم عقال بن خويلد العقيلي، قاله في الأغاني(2).

(16) عمرو بن الصعق


وهو عمرو بن خويلد بن نفيل أخو يزيد بن الصعق وكان عمرو بن الصعق من فرسان بني عامر وشياطينهم وشهد الحروب الكثيرة مع قومه كيوم رحرحان وجبلة وغيرهما.
قال الميداني في مجمع الأمثال(3): إن عمرو بن الصعق خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب كانت شاكر من همدان قد أسروه فأحسنوا إليه وروحوا عنه وقد كان يوم فارق قومه نحيفا فهرب من شاكر فبينما هو بقيء من الأرض إذ اصطاد
(1) كتاب بني شيبان: ص38. (2) الاغاني 4/137.
(3) مجمع الأمثال 2/31.
(158)
أرنبا فشواه، فلما بدأ ياكل منها أقبل ذئب فأقعى غير بعيد، فنبذ إليه من شوائه فولى به، فقال عمرو عند ذلك:
لقد أوعدتني شاكر فخشيتها ومن شعب ذي همدان في الصدر هاجس
وثار بموماة قليل أنيسها أتاني عليها اطلس اللون بائس
قبائل شتى ألف الله بينها له جحفة فوق المناكب يابس
نبذت إليه حزة من شوائها فآب وما يخشى على من يجالس
فولى بها جذلان ينفض رأسه كما أض بالنهب المغير المخانس
فلما وصل إلى قومه قالوا: اي عمرو! خرجت من عندنا نحيفا وأنت اليوم بادن؟! قال: القيد والرتعة، فأرسلها مثلا، إنتهى.
واستعار هذا المثل الغضبان الشيباني لما حسبه الحجاج وكان حرض ابن الأشعث على الحجاج فأخرجه من الحبس بعد مدة فقال له: سمنت يا غضبان؟ فقال: اصلح الله الأمير! القيد والرتعة، ومن يك جار الأمير يسمن، في قصة مطولة استوفاها ابن قتيبة في كتاب الأمامة والسياسة.
ومن شعر عمرو بن خويلد وذكره الجاحظ في الحيوان(1):
ركيات حسل أشهر الصيف بدنها وناقة عمرو ما يحل لها رحل
إذا ما اتنينا بيتنا لمعيشة يعود لما بيني فيهدمه حسل
ويزعم حسل أنه فرع قومه وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل
ولدت بحول النجم تسعى لسعيه كما ولدت بالنحس رباتها عكل

(17) أبو علي عامر بن الطفيل بن مالك


ابن جعفر بن كلاب العامري الجعفري عدو الله، كان فارس العرب، مجمع على فروسيته، وكان سيد بني عامر وشاعرهم وخطيبهم وأحد الأجواد المشهورين، دعا عليه رسول الله (ص) فهلك، كان أعور فقئت عينه يوم فيف الريح، وشهد في فروسيته عمرو بن معد يكرب الزبيدي فارس اليمن.
ذكر المسعودي في مروج الذهب(2) من قصة ذكرناها في «السياسة العلوية» في ترجمة عمرو بن معد يكرب، قال له عمر بن الخطاب: فأي العرب أبغض إليك أن تلقاه؟
(1) حياة الحيوان 26/29 او 2. (2) مروج الذهب 1/430.
(159)
قال: أما من قومي فوادعة من همدان وغطيف من مراد وبلحرث من مذحج وأما من معد فعدي من فزارة ومرة من ذيبان وكلاب من عامر وشيبان من بكر بن وائل ثم لو جلت بفرسي على مياه معد ما خفت هيج أحد ما لم يلقني حراها وعبداها.
قال: ومن حراها وعبداها؟
قال: أما حراها فعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب التميمي وأما عبداها فعنترة وسليك، الخ.
وإنما كره هذا البطل لقاء هذه القبائل لنجدتها وثباتها فخاف أن يفتضح في لقائها.
ذكر الراغب في المحاضرات وابن عبد ربه في العقد ولفظه(1): ومن فرسان العرب في الجاهلية عنترة الفوارس وعتيبة بن الحارث بن شهاب وأبو براء عمرو بن مالك ملاعب الأسنة وزيد الخيل وبسطام بن قيس والأحيمر السعدي وعامر بن الطفيل وعمرو بن عبد ود وعمرو بن معد يكرب.
وقال ابن قتيبة في الشعراء(2): عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري وهو ابن عم لبيد الشاعر وكان فارس قيس وكان أعورا عقيما لا يولد له ولد، قال:
لبئس الفتى أن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
لعمري وما عمري على بهين لقد شان حر الوجه طعنه مسهر
وقد كان له فرس يقال له المزنوق، وله يقول:
لقد علم المزنوق إني أكره على جمعهم كر المنيح المشهر
إذا أزور من وقع السلاح زجرته قلت له أربع مقبلا غير مدبر
قال الميداني في مجمع الأمثال(3): عامر عامر بن الطفيل هو ابن أخي عامر ملاعب الأسنة وكان أفرس وأسود أهل زمانه، ثم ذكر تأبين جبار بن سلمى له وسيأتي، وقال: وكان منادي عامر بن الطفيل ينادي بعكاظ: هل من راجع فأحمله؟ أو جائع فأطعمه؟ أو خائف فأؤمنه؟.
وذكر الجاحظ في البيان والتبيين(4) ما لفظه: وكانت كنية عامر بن الطفيل
(1) العقد الفريد 1/62. (2) الشعر والشعراء: ص179.
(3) مجمع الأمثال 2/22. (4) البيان والتبيين 1/270.
(160)
في الحرب غير كنيته في السلم، كان يكنى في الحرب بـ«ابي عقيل» وفي السلم بـ«أبي علي».
وقال ابن نباتة في شرح رسالة ابن زيدون على هامش شرح لامية العجم(1): أما عامر بن الطفيل فكان شجاعا مشهورا وشاعرا مقداما، قال أبو عبيدة: أجمع العكاظيون على أن فرسان العرب ثلاثة: ففارس تميم عتيبة بن الحارث بن شهاب أحد بني ثعلبة صياد الفوارس، وفارس ربيعة بسطام بن قيس، وفارس قيس عامر بن الطفيل، الخ.
وقال في العقد الفريد(2): في يوم الرقم غزت بنو عامر فأغاروا على بلاد غطفان بالرقم وهو ماء لبني مرة وعلى بني عامر بن الطفيل ويقال يزيد بن الصعق فركب عيينة بن حصن في بني فزارة ويزيد بن سنان في بني مرة ويقال الحارث ابن عوف فأنهزمت بنو عامر وجعل يقاتل عامر بن الطفيل ويقول يا: قيس! إن تقتلي تموتي، الخ.
ثم قال: يوم النتأة خرجت بنو عامر تريد أن تدرك بثأرها يوم الرقم فهجموا على بني عبس بالنتأة وقد أنذروا بهم وعلى بني عامر عامر بن الطفيل وعلى بني عبس الربيع بن زياد فأقتتلوا قتالاً شديداً فأنهزمت بنو عامر وقتل منهم صفوان بن مرة قتلة الأحنف بن مالك ونهشل بن عبيدة بن مالك بن جعفر قتله أبو زغنة بن حارث وعبد الله بن أنس بن خالد وطعن ضبيعة بن الحارث عامر بن الطفيل فلم يضره ونجا وهربت بنو عامر.
ثم قال(3): قال أبو عبيدة: إن عامر بن الطفيل هو الذي طعن ضبيعة بن الحارث ثم نجا من طعنته، وقال في ذلك:
فإن تنجوا منها يا ضبيع فإنني وجدك لم أعقد عليك التمائما
إنتهى.
وقد هم صاحب العقد يوم النتأة بين بني عامر وبني تميم كما ذكرنا سابقا وهو قول ابن الأثير والحموي وغيرهما وهو الصحيح.
وحروب عامر بن الطفيل كثيرة، وهو الصحيح، وأشهر أيام بني عامر يوم فيف الريح تداعت عليهم قبائل اليمن كلها فانتصفوا منها وانتصروا عليها وأنهزمت اليمن وظهرت كفاءة عامر بن الطفيل في هذا اليوم وفيه فقئت عينة وعامر هذا هو
(1) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم 1/171.
(2) العقد الفريد 3/335. (3) العقد الفريد 3/ 336.
(161)
الذي فاخر ابن عمه علقمة بن علاثة في قصة مشهورة.
أما هلاك ابن الطفيل فكان بالطاعون بدعوة النبي (ص) في السيرة الهشامية(1): قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله (ص) وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل واربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم، فقدم عامر بن الطفيل عدو الله وهو يريد الغدر برسول الله (ص) وقد قال له قومه: يا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم، قال: والله قد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي فأنا اتبع عقب هذا الفتى من قريش! ثم قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فإني سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فأعله بالسيف.
فلما قدموا على رسول الله (ص) قال عامر بن الطفيل: يا محمد، خالني؟ قال (ص): لا والله حتى تؤمن وحده لا شريك له، قال: يا محمد، خالني، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به، فجعل أربد لا يحير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال: يا محمد، خالني.
قال(ص): لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له.
فلما أبا رسول الله (ص)، قال: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً، فلما ولى قال رسول الله (ص): اللهم اكفني عامر بن الطفيل.
فلما خرجوا من عند رسول الله (ص) قال عامر لاربد: ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على وجه الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك، وأيم الله لا أخافك على نفسي بعد اليوم أبدا.
قال: لا أباً لك، لا تعجل علي والله ماهممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك فأضربك بالسيف.
وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت أمراة من سلول، فجعل يقول: يا بني عامر أغدة كغدة البكر في بيت أمراة من بني سلول، الخ.
وفي مجمع الأمثال(2) في هذه القصة: قال النبي (ص): اللهم أكفينا بما شئت، فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صائف صاحي فأحرقته وولى عامر هاربا وقال: يا محمد، دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا.
(1) سيرة ابن هشام 3/38. (2) مجمع الأمثال 2/2.
(162)
فقال رسول الله (ص): يمنعك الله من ذلك وابناء قيلة – يريد الاوس والخزرج -.
فنزل عامر بيت أمراة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه وخرج وهو يقول: واللات لئن أصحر محمد وصاحبه «يعني ملك الموت» لأنفذتهما برمحي.
فلما رأى الله ذلك منه أرسل عليه ملكا فلطمه بجناحه فارداه في التراب وخرجت على ركبته في الوقت غدة عظيمة فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير، وموتا في بيت سلولية، ثم مات على ظهر فرسه، إنتهى.
وذكر له في الإصابة ترجمة مطولة تشاكل ما ذكرناه.
وذكره الأب لويس في شرح مجاني الأدب في الطبقة الثالثة من الشعراء وأورد له شعرا سنذكره، وقال: أدرك الإسلام ووفد على رسول الله (ص) في آخر عمره مع ابن عم له يقال له أربد بن قيس ومعهم جماعة من بني عامر وذلك في سنة (11) هجرية سنة (633) ميلادية، ثم أنصرف فمات في أثناء الطريق فواراه أصحابه وجعلوا على قبره أنصابا.
وقال الزركلي في الأعلام: ولد سنة (70) قبل الهجرة سنة (544) بعد الميلاد وهلك سنة (12) هجرية سنة (632) ميلادية، والصحيح ما قاله الأب لويس لأنه مات في عر النبي (ص) بدعوة النبي (ص).
أشعاره كثيرة وراقية وشيقة جزالة ومرصفة منها قوله وذكر ابن قتيبة في الشعراء:
وما الأرض إلا قيس عيلان أهلها لهم ساحاتها سهلها وحزونها
وقد نال آفاق السماوات مجدنا لنا الصحو من آفاقها وغيومها
وقوله:
ونستلب الأقران والجرد كلح على الهول يسعفن الوشيج المقوما
ونحن صبحنا حي أسماء غارة أبال الحبالى غب وقفتنا دما
وقوله:
وإني إن كنت ابن فارس عامر وسيدها المشهور في كل موكب
فما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقي أذاها وأرمي من رماها بمنكب
وقوله وذكراه ابن نباتة في شرح رسالة ابن زيدون:
(163)
وكم مظهر بغضا لنا وداننا إاذا ما التقينا كان أخفى الذي أبدي
مطاعيم في الأواء مطاعين في الوغى شمائلنا تتلى وأيماننا تندي
وقوله:
وصاحب صدق قد أخذت بضبعه وقلت له وآزر أخاك فآزرا
ضروب بنصل السيف حالف ضربه إذا اغبر أولاد المقاريف اسفرا
وقوله مفتخرا:
ليت إسما عرفت أعراضها في تنائي الدار منها والفند
عاينت من غير بغض موقفي فرأت جودي بنفسي والجلد
لفدتني بأبيها وابنها وبعميها جميعا وبجد
فترى الفرسان منا ناقض فوق محبوك سرحان الثمد
فسلي عنا سرايا مذحج مع همدان على كثر العدد
اسلموا كل كعاب طفلة جدلة الساقين ملساء الكبد
وروينا الأوس يوم المنحنى ومن الخزرج قتلى لا تعد
وطحنا حميرا طحن الرحى فضله الحب إلى ونب الجدد
لم تغادر خيلنا من جمعهم غير فل وشقاء ونكد
فلنا النعمى على الناس معا ولنا الإذعان في كل بلد
ليس يصلى الحرب إلا مثلنا واليماني إذا قام قعد

(18) أبو عقيل لبيد بن ربيعة


ابن مالك بن جعفر الشاعر المشهور صاحب المعلقة كان صحابيا من فحول شعراء الجاهلية وترك الشعر في الإسلام وكان من اجواد العرب وفرسانهم زاد بالإسلام عزا، وكان شيعيا.
قال ابن قتيبة في الشعراء بعد نسبه: يكنى أبا عقيل، وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم وكان الحارث بن أبي شمر الغساني وهو الأعرج وجه إلى المنذر بن ماء السماء مائة فارس وأمره عليهم فصار إلى عسكر المنذر وأظهروا أنهم أتوه داخلين عليه فلما تمكنوا منه قتلوه وركبوا خيلهم فقتل أكثرهم ونجا لبيد فأتى ملك غسان فأخبره فحمل الغسانيون على عسكر المنذر فهزموه فهو يوم حليمة.
(164)
وحليمة بنت ملك غسان وكانت طبيت هؤلاء الفتيان وألبستهم الأكفان وبرنس الأضريح.
وأدرك لبيد الغسلام وقدم على رسول الله (ص) في وفد بني كلاب فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم وقدم لبيد الكوفة وأقام بها إلى أن مات فدفن في صحراء بني جعفر بن كلاب.
ويقال: إن وفاته كانت في أول خلافة معاوية وهو ابن (157) ولم يقل في الإسلام شعرا إلا بيتا واحدا، قال ابو اليقضان وهو قوله:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى لبست من الإسلام سربالا
وقال ابن سلام في طبقات الشعراء(1): كان لبيد بن ربيعة أبو عقيل فارسا شجاعا وكان عذب المنطق رقيق حواش الكلام وكان مسلما رجل صدق كتب عمر بن الخطاب إلى عامله أن سل لبيدا والأغلب العجلي ما أحدثا من الشعر في الإسلام؟ فقال الأغلب:
أرجزا سألت أم قصيدا فقد سالت هينا موجودا
وقال لبيد: قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران.
فزاد عمر في عطائه فبلغ به ألفين: فلما ولي معاوية قال: يا أبا عقيل، عطاني وعطاؤك سواء، وما أرداني إلا سأحطك، قال: او تدعني قليلا ثم تضم عطائي إلى عطائك فتأخذه أجمع.
وعمر عمرا طويل وكان في الجاهلية خير شاعر لقومه يمدحهم ويرثيهم ويعد أيامهم ووقائعهم وفرسانهم، وكان يطعم ما هبت الصبا وكان المغيرة بن شعبة إذا عبت الصبا قال: أعينوا أبا عقيل على مروته.
وذكره أبو حاتم في المعمرين والعسقلاني في الإصابة(2) عن المرزباني بعد النسب: كان فارسا شجاعا شاعرا سخيا قال الشعر في الجاهلية دهرا ثم أسلم، وذكر مثل ثول ابن سلام ثم قال: عن أبي سعيد السكري قال: لما أشتد الجدب على مضر بدعوة النبي (ص) وفد عليه وفد قيس وفيهم لبيد، فأنشده:
أتيناك يا خير البرية كلها لترحمنا مما لقينا من الأزل
أتيناك والعذراء تدمي لبانها وقد ذهبت أم الصبي عن الطفل
فإن تدعو بالسقيا وبالعفو تر سل السماء لنا والأمر يبقى على الأصل
(1) طبقات الشعراء: ص45. (2) الإصابة 3/336.
(165)
وألقى لكنيته الشجاع استكانة من الجوع حتى ما يمر وما يحل
... الخ.
وأختلف المؤرخون في مدة عمره فذكر الأب لويس أنه عاش (160) سنة، وقد قيل أقل وقيل أكثر.

أول ما ظهرت فيه نباهة لبيد:


ذكر الميداني في مجمع الأمثال(1) أن عامرا ملاعب الأسنة وعوف بن الأحوص وسهيل بن مالك ولبيد بن ربيعة وشماسا الفزاري وقلابة الاسدي قدموا على النعمان وخلفوا لبيدا يرعى ابلهم وكان أحدثهم سنا وجعلوا يغدون على النعمان ويروحون فأكرمهم وأحسن نزلهم غير أن الربيع «ابن زياد العبسي» كان أعظم عنده قدرا، فبينما هم ذات يوم عند النعمان ذ رجز بهم الربيع وعابهم وذكرهم باقبح ما قدر عليه فلما سمع القوم ذلك انصرفوا إلى رحالهم وكل إنسان مقبل على بثه وروح لبيد الشول فلما رأى ما بهم من الكآبة سألهم: ما لكم؟ فكتموه، فقال لهم: والله لا أحفظ لكم متاعا ولا اسرح لكم إبلا أو تخبروني بالذي كنتم فيه وإنما كتموا عنه لأن ام لبيد أمراة من بني عبس وكانت يتيمة في حجر الربيع فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك وصد بوجهه عنا.
فقال لبيد: هل فيكم من يكفيني الإبل وتخلوني على النعمان معكم فواللات والعزى لأدعنه لا ينظر إليه.
فخلفوا في إبلهم قلابة الأسدي وقالوا للبيد: أو عندك خير؟
قال: سترون، قالوا: إنا نبلوك في هذه البقلة لبقلة كانت بين أيديهم دقيقة الأغصان قليلة الأوراق تدعى التربة، صفها واشتمها، فقال: هذه التربة التي لا تذكى نارا ولا تؤهل دارا ولا تسر جارا عودها ضئيل وفرعها كليل وخيرها قليل شر البقول مرعى وأقصرها فرعا، فتعسا لها وجدعا، ألقوا ببي أخا عبس أرده عنكم بتعس وأدعه من أمره في لبس، قالوا: نصبح ونرى، فقال لهم عامر: انظروا هذا الغلام فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء فإنما يتكلم بما جاء على لسانه ويهذي بما يهجس في خاطره وإن رأيتموه ساهرا فهو صاحبكم.
(1) مجمع الأمثال 2/33.
(166)
فرقموه فرأوه قد ركب جمبال حتى أصبح فخرج القوم وهو معهم حتى دخلوا على النعمان وهو يتغدى والربيع يأكل معه فقال لبيد: أبيت اللعن، أتأذن لي في الكلام؟ فأذن له، فقال:
يا رب هيجا هي خير من دعه آكل يوم هامتي مقزعه
نحن بنو أم البنين الأربعة ونحن خير عامر بن صعصعة
المطعمون الجفنة المذعذعة الضاربون إلهام تحت الخيضعه
يا واهب الخير الكثير من سعة مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه
إن أسته من برص ملمعمة وإنه يدخل فيها إصبعه
يدخلها حتى يواري أشجعه كأنما يطلب شيئا ضيعه
فلما سمع النعمان الشعر أنف ورفع يده من الطعام وقال للربيع: أكذلك أنت؟
قال: لا، واللات كذب ابن الفاعله.
فقال النعمان: لقد خبث علي طعامي، إلى آخر القصة وفيها طول.
وهذه القصة من أشهر القصص التاريخية العربية ورواها الشريف المرتضى (رحمه الله) في الامالي(1): بأبسط وأتم مما ذكره الميداني وأكثر مصادر التأريخ والأدب تذكرها.
وأخبار لبيد كثيرة لا يتسع لها هذا الكتاب ولشرهتها وشهرت أشعاره تركنا أيرادها وأشهرها المعلقة وكل شعره في غاية القوة والأحكام والمتانة والجزالة، فمنه قوله في البيان والتبيين:
ومقام ضيق فرجته ببيان ولسان وجدل
لو يقوم الفيل أو فياله زل عن مثل مقامي وزحل
ولدى النعمان مني موقف بين مأثور أفاق فالدحل
إذ دعتني عامر أنصرها فالتقى الالسن كالنبل الدول
فرميت القوم رشقا صائبا ليس بالعطل ولا بالمفتعل
وانتضلنا وابن سلمى قاعد كعتيق الطير يعضي ويحل
(1) الأمالي للمرتضى 1/135.
(167)
وقبيل من لكيز شاهد رهط مرحوم ورهط ابن المعل
وقوله:
ولو كان حي في الحياة مخلد في الدهر أدركه أبو يكسوم
بكتائب خرس تعود كبشها نطح الكباش شبيهة بنجوم
ولقد بلوتك بلوتك خليقتي ولقد كفاك معلمي تعليمي
وقوله:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتأكلون مغالة وخيانة ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
وقوله في مرثية أخيه أربدا وأوردها في الشعر والشعراء:
فلا جزع إن فرق الدهر بيننا فكل أمرء يوما به الدهر فاجع
وما الناس إلا كالديار واهلها بها يوم حلوها وغدروا بلاقع
وما المرء إلا كالشهاب وضوءه يحور رمادا بعد ما هو ساطع
وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع
وما الناس إلا عاملان فعامل يتبر ما يبني وآخر رافع
فمنهم سعيد أخذ بنصيبه ومنهم شقي بالمعيشة قانع
أليس ورائي أن تراخت منيتي لزوم العصا تحني عليها الأصابع
أخبر اخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكع
فأصبحت مثل السيف أخلق جفنه تقادم عهد القين والسيف قاطع
فلا تبعدن إن المنية موعد علينا فدان للطلوع وطالع
أعاذل ما يدريك إلا تظنيا إذا رحل السفار من هو راجع
أأجزع مما أحدث الدهر بالفتى ويي كريم لم تصبه القوارع

(19) أربد الحتوف الجعفري الكلابي


كان بطلا ماردا شجاعا متمردا ويلقب بـ«أربد الحتوف» وأبوه قيس من فرسان بني عامر وجده جزء بن خالد من فرسانهم وساداتهم وهو فارس شحمة وكان أربد بطلا فاتكا شيطانا متجبرا، وقد أعترف عامر بن الطفيل له بالفروسية وأقر له بالبطولة والفتك ومع كونه بطلا كان شاعرا مجيدا أدرك الإسلام فتمرد عليه
(168)
فقتله الله بالصاعقة بدعوة النبي (ص) عليه، وكان إسمه عمرو ولقبه أربد.
قال المرزباني في معجم الشعراء(1): أربد أخو لبيد بن ربيعة لأمه وإسم أربد عمرو بن جزء بن خالد بن جعفر، وفد أربد مع عامر إلى النبي (ص) فدعا رسول الله (ص) عليهما فأرسل الله على أربد في طريقه صاعقة فأحرقته، ورثاه لبيد بقوله:
أخشى على أربد الحتوف ولا أخاف نوء السماك والاسد
ومات عامر بن الطفيل في طريقه بالغدة، وسمي أربد بقوله:
فقل لقريش تبلغوا رأس حية تدلى عليهم من تهامة أربد
وقال الآمدي في المختلف والمؤتلف(2): أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة أخو لبيد بن ربيعة لأمه وهو الذي صار إلى النبي (ص) مع عامر بن الطفيل ليتقلاه، فهلك عامر في رجوعه بالغدة وأصابت أربد صاعقة فهلك، وذكر بيت لبيد المتقدم، وقال: وأربد شاعر وهو القاتل:
وكائن إلى الدار بعدك من شهر وصفق رياح من سوار ومن قطر
فأمسك فيها أبتغي العلم عندها فظنت علينا بالجواب وبالخير
وقد أشعرتني جارتي ملامة على اللهو يوما في القداح وفي الخمر
وعقر لأصحابي الغداة مطيتي إذا أرملوا زادا بأبيض ذي أثر
فلا تودعني بالفراقق فإنني على بين ذي الفقد المفارق ذي صبر
لعلكما إن ترشدا إن رشدتما بأمركما أو تغويان فلا أدري

مهلك أريد انتقاما من الله له:


ذكر أبو الفرج في الاغاني(3) عن الطبري رواية ابن إسحاق وسنذكرها، ثم قال بعدها: عن علي بن صالح صاحب المصلى قال: حدثنا ابن دأب قال: كان أبو براء عامر بن مالك قد أصابته دبيلة فبعث لبيد بن ربيعة إلى رسول الله (ص) وأهدى له رواحل فقدم بها لبيد وأمره أ نيستشفيه من وجعه فقال رسول الله (ص): لو قبلت من مشرك لقبلت منه، وتناول من الأرض مدرة فتفل عليها ثم أعطاها لبيدا، ثم قال له: دفها له بماء ثم أسقه إياه، وأقام عندهم لبيد يقرأ القرآن وأكتتب منهم: (الرحمن(1) علم القرءان)(4) فخرج بها ولقيه أخوه أربد على ليلة من
(1) معجم الشعراء: ص21. (2) المختلف والمؤتلف: ص25.
(3) الأغاني 15/131. (4) الرحمن: 1و 2.
(169)
الحي فقال له: إنزل، فنزل فقال: يا أخي، أخبرني عن هذا الرجل فإنه لم ياته رجل أوثق عندي فيه قولا منك.
فقال: يا أخي، ما رأيت مثله، وجعل يذكر صدقه وبره وحسن حديثه، فقال له: هل معك من قوله شيء؟
قال: نعم، فأخرجها له فقرأها عليه فلما فرغ منها قال له أربد: لوددت أني ألقى الرحمن بتلك البرقة فإن لم أضربه بسيفي فعلي وعلي.
قال: ونشأت سحابة وقد خليا عن بعيرهما، خرج أربد يريد البعيرين حتى إذا كان عند تلك البرقة غشيته صاعقة فمات.
وقدم لبيد على أبي براء فاخبره خبر رسول الله (ص) وأمره، قال: فما فعل فيما استشفيته؟ قال: تالله ما رايت منه شيئا كان أضعف عندي من ذلك، وأخبره الخبر.
قال: فأين هي؟
قال: ها هي ذه معي.
قال: هاتها.
فأخرجها له فدافها ثم شربها فبرأ، الخ ما ذكر ابو الفرج.
وهذه القصة تمثل الجبروتية العربية والفظاظة البدوية وتجبر الأعراب وتمردهم عن قبول الحق ولهذا أخبر الله تعالى عنهم: (الاعراب أشد كفرا ويفاقا)(1) وهذه القصة قدعرفتنا أن اسباب الشقاء الأبدي قلة العلم وضعف العقل، وأن الجهل والتهور وعدم التفكير وقلة النظر في العواقب من أسباب العطف ودواعي الهلاك، وقد أكثر المؤرخون من ذكر هذه الحادثة الخطيرة لغرابتها وذكروا لها طرقا:
ومنها ما رواه الطبري في التاريخ عن ابن إسحاق وهذا نصه في السيرة الهشامية(2) قال ابن إسحاق: ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بني عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما ورائك يا أريد؟
قال: لا شيء والله، وقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
(1) التوبة: 97. (2) سيرة ابن هشام 3/ 382.
(170)
وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لامه.
وعن ابن عباس: فأنزل الله تعالى في عامر واربد: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) إلى قوله: (وما لهم من دونه من وآل)(1)، قال: والميقات هي من أمر الله يحفظون محمدا (ص) ثم كر أربد وما قتله الله به، فقال: (ويرسل الصوعق فيصيب بها من يشاء وهم يجدلون في الله وهو شديد المحال)(2).
قال ابن إسحاق: فقال لبيد يبكي أربد:
ما ان تعري المنون من أحد لا والد مشفق على ولد
أخشى على أربد الحتوف ولا أخاف نوء السماك و الأسد
فعين هلا بكيت اربد إذ قمنا وقام النساء في كبد
إن يشغبوا لا يبالي شغبهم أو يقصدوا في الحكوم يقتصد
حلو أريب وفي حلاوته مر لطيف الأحشاء والكبد
وعين هلا بكيت اربد إذ ألوت رياح الشتاء بالعضد
وأصبحت لاقحا مصرمة حين تجلت غوابر المدد
أشجع من ليث غاية لحم ذو تهمة في العلا ومتقد
لا تبلغ العين كل نهمتها ليلة تمسي الجياد كالقدد
الباعث النوح في مآتمه مثل الضباء الأبكار بالجرد
فجعني البرق والصواعق بالـ ـفارس يوم الكريهة النجد
والحارب الجابر الحريب إذا جاء نكيبا وإن يعد يعد
يعفو على الجهد والسؤال كما ينبت غيث الربيع ذو الرصد
كل بنى حرة مصيرهم قل وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما فهم للهلاك والنقد
وذكر له مراثي كثيرة منها التي مطلعها:
ألا ذهب المحافظ والمحامي ومانع ضيمها يوم الخصام
منها:
فودع بالسلام أبا حريز وقل وداع أربد بالسلام
(1) الرعد: 8 – 11. (2) الرعد: 13.
(171)
وكنت إمامنا ولنا نظاما وكان الجزع يحفظ بالنظام
ولولا الإطالة أوردتها بطولها وأوردت غيرها من مراثيه لحكمها وأدبها، فإن مثل قوله:
يذكرني باربد كل خصم ألد تخال خطته ضرارا
إذا اقتصدوا فمقتصد كريم وإن جاروا سواء الحق جارا
ويهدي الثوم مطلعا إذا ما دليل القوم بالمومات حارا
هلك هو وعامر بن الطفيل في عام واحد.