موسوعة بطل العلقمي

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي

المؤلف : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

استطراد إلى ذكر فرسان بني عامر ومشاهير قوادهم على سبيل الإجمال


ذكر ابن الأثير الجزري في تاريخ الكامل في سباق حديث غزو بني عامر لبني تميم يوم رحرحان الذي اسر فيه معبد بن زرارة التميمي وذلك بسبب استجارة
(1) العقد الفريد 1/172.
(118)
الحارث بن ظالم المري ببني تميم عقيب مقتل خالد بن جعفر الكلابي والقصة مطولة يقول فيها(1): فلما وصلوا مياه بين دارم رأوا أمراة تجني الكمأة ومعها جمل لها، فاخذها رجل من غني فتركها عنده فلما كان الليل نام فقامت إلى جملها
فركبته وسارت حتى صبحت بني دارم وقصدت سيدهم زرارة بن عدس فأخبرته الخبر وقالت: أخذني أمس قوم لا يريدون غيرك ولا أعرفهم.
قال: صفيهم لي؟ قالت: رأيت رجلا قد سقط حاجباه فهو يرفعهما بخرقة صغير العينين وعن امره يصدرون، قال: ذاك الاحوص سيد القوم، قالت: ورأيت رجلا قليل المنطق إذا تكلم اجتمع الناس إليه كما تجتمع الأبل حول فحلها أحسن الناس وجها ومعه ابنان له يلازمانه.
قال: ذاك مالك بن جعفر وابناه عامر وطفيل، قالت: ورأيت رجلا جسيما كان لحيته محمرة معصفرة، قال: ذاك عوف بن الأحوص، قالت: ورأيت رجلا هلقاما جسيما، قال: ذاك ربيعة بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب، قالت: ورأيت رجلا أسود أخنس قصيرا، قال: ذاك ربيع بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب، قالت: ورأيت رجلا اقرن الحاجبين كثير شعر السبلة يسيل لعابه على لحيته إذا تكلم، قال: ذاك جندع بن البكاء، قالت: ورأيت رجلا صغير العينين ضيق الجبهة يقود فرسا ومعه جفيرلا يفارق يده، قال: ذاك ربيعة بن كعب بن عقيل، قالت: ورايت رجلا معه ابنان اصهبان إذا اقبلا رماهما الناس بابصارهم فإذا أدبرا كانا كذلك، قال: ذاك الصعق بن عمرو بن خويلد بن نفيل وابناه يزيد وزرعة، قالت: ورأيت رجلا لا يقول كلمة إلا وهي أحد من شفرة، قال: ذاك عبد الله بن جعدة بن كعب، الخ.
وقال الآلوسي في بلوغ الارب(2): أفتخر رجلان بباب معاوية بن أبي سفيان: احدهما من بني شيبان والآخر من بني عامر بن صعصعة فقال العامري: أنا اعد لك عشرة من بين عامر فعد لي عشرة من بني شيبان، فقال الشيباني: هات إذا شئت، فقال العامري: هذ عامر بن مالك ملاعب الاسنة، والطفيل بن مالك قائد هوازن وفارس قرزل، ومعاوية بن مالك معوذ الحكام وربيعة بن مالك فارس ذي علق، وعامر بن الطفيل وعلققمة بن علاثة وعبتة بن سنان ويزيد بن الصعق وأربد بن قيس وهو اربد الحتوف، فقال الشيباني: خذ قيس بن مسعود رهينة بكر بن وائل، وهاني بن قيس أمين النعمان بن المنذر، وقبيصة بن مسعود وافد
(1) الكامل في التاريخ 1/202. (2) بلوغ الإرب 1/283.
(119)
المنذر، ومفروق بن عمرو حاضن الايتام، وسنان بن مفروق ضامن الدمن، والاصم عمرو بن قيس صاحب رؤوس بني تميم وعمارن بن مرة وهو الذي اسر يزيد بن الصعق مرتين، وعوف بن النعمان، فقال معاوية: عامر أفخر هوازن وشيبان أفخر بكر بن وائل، إلى آخر القصة وفيها طول.
وقال(1) في ذكر بيوت العرب المعظمة في الجاهلية ومن جملتها وفرعا ربيعة بن عامر ابن صعصعة جعفر وأبو بكر ابنا كلاب، الخ، وقال ابن مقبل في شعره:
كلاب وكعب لا بيت أخوهم ذليلا ولا تعيي عليه المسالك
فرسان بني كلاب وأبطالهم ورؤسائهم الذين قادوا هوازن في الحروب وشهرت نكاياتهم في العرب ونحن أن أوردنا كل فرسان بني عامر يطول بنا القام ويضيع الوقت ولكن نذكر فرسان بني كلاب في العصر الجاهلي إلى القرن الأول الإسلامي ولا نذكر كلهم بل نذكر مقدار ما يستبين به اهمية هذه القبيلة وصحة اختيار مولانا أمير المؤمنين «عليه السلام» لها على سائر نساء العرب، وإذا عرفت فرسان رهطها الأدنى لا يخفي عليك فرسان بقية قومها من بني عامر مثل بني نمير الذين هم جمرة العرب وبين قشير وبني عقيل وبني البكاء وامثال هؤلاء كعمرو ابن عامر فارس الضحيا وخداش بن زهير وغيرهما من الفرسان المضروب بهم المثل.
ولدت ام البنين الكبرى لمالك بن جعفر بن كلاب خمسة كل واحد منهم سيد من سادات قومه ورئيس من رؤسائهم وقائد من قوادهم وهم: ربيعة بن مالك وهو ربيعة المقترين وهو ابو لبيد الشاعر، ومعاوية بن مالك بن جعفر وهو معوذ الحكام، والطفيل بن مالك وهو فارس قرزل وهو ابو عامر بن الطفيل، وعامر بن مالك وهو ملاعب الاسنة، وسلمى بن مالك وو نزال المضيق، وفيها ضرب المثل فقالت العرب: انجب من ام البنين، ذكره أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال على هامش الميداني(2) والميداني أيضا في مجمع الأمثال(3)، وهي ابنة عمروو بن عامر فارس الضحيا العامري وبهؤلاء الخمسة افتخر لبيد بن ربيعة في مجلس النعمان حيث يقول: نحن بنو أم البنين الاربعة
وجعلهم أربعة لضرورة الشعر اظطرته القافية إلى ذلك.
(1) بلوغ الارب 2/190.
(2) جمهرة الامثال على هامش محمع الامثال 2/242.
(3) محمع الأمثال /205.
(120)
ومن بني جعفر خالد بن جعفر مدرك الثار والاحوص بن جعفر قائد مر يوم هزازي وقائد قومه يوم شعب جبلة وعامر بن الطفيل أحد فرسان العرب المجمع على فروسيتهم في الجاهلية وللبيد الشاعر المشهور صاحب المعلقة أحد فرسانهم واجوادهم جاهلية وإسلاما وأربد بن قيس وهو اربد الحتوف بطل مارد وهو أخو لبيد وجبار بن صخر بن سلمى فارسهم في الجاهلية والإسلام ويزيد بن الصعق الكلابي وعتبة بن جعفر وابنه عروة الرجال وعلقمة بن علاثة الصحابي والضحاك بن سفيان الكلابي والمحلق ممدوح الاعشى وو الجوشن الضبابي ابو الشمر وجواب وهو مالك بن كعب الكلابي وشتير بن خالد وابنه عتبة بن شتير وغيرهم ممن ستعرف اسمائهم.
واعلم أنا لم نذكر جميع فرسان بني كلاب في الجاهلية وصدر الإسلام، ولكن ذكرنا كثيرا منهم لأن الاحاطة بهم تحتاج إلى مؤلف مستقل.

(1) ربيعة المقترين


وهو ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب وهو فارس ذي العلق ووالد لبيد الشاعر المشهور الذي كان من سادات بني عامر جودا وشجاعة وقيادة قادهم في كثير من الحروب وقتلته بنو أسد.
قال ابن قتيبة الشعر والشعراء(1) في ترجمة لبيد ابنه: وكان يقال لأبيه: ربيعة المقترين وقتله بنو أسد في حرب، ويقال: قتله منفذ بن طريف الأسدي ويقال: قتله صامت بن الافقم من بين الصيداء يقالك ضربة خالد بن نضلة وتمم عليه هذا وأدرك بثار ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب أخوه، وذلك أنه قتل قاتله، الخ.
وذكر قصة مقتله ابن الاثير الجزري في تاريخه الكامل(2): يوم ذي علق وهو يوم التقى فيه بنو عامر بن صعصة وبنو اسد بذي علق افتتلوا قتالا شديدا قتل في
المعركة ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري أبو لبيد الشاعر، وأنهزمت بنو عامر فتبعهم خالد بن نضلة الاسدي وابن حبيب والحرث بن خالد بن المضلل وأمنعوا في الطلب فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم ابو براء عامر بن مالك من وراء ظهورهم في نفر من اسحابه فقال لخالد: يا ابا معقب: إن شئت أجزتنا وأجزناك حتى نحمل جرحانا وندفن قتلانا، قال: قد فعلت، فتوقفوا، فقال له ابو
(1) البشعر والشعراء: ص88.
(2) الكامل في التاريخ 1/396 الطبعة الأولى.
(121)
براء: هل علمت ما فعل ربيعة؟ قال: نعم تركته قتيلا، قال: ومن قتله؟ قال: ضربته أنا وأجهز عليه صامت بن الأفقم، فما سمع أبو براء بقتل ربيعة حمل على خالد هو ومن معه فمانعهم خالد وصاحباه وأخذوا سلاح حبيب بن خالد ولحقهم بنو أسد فمنعوا أسحابهم وحموهم، فقال الجميح:
سائل معدا عن الفوارس لا أوفوا بجيرانهم ولا سلموا
يسعى بهم قرزل ويستمع الناس إليهم وتخفق اللمم
ركضا وقد غادروا ربيعة في الآثار لما تقارب النسم
قرزل فرس الطفيل والد عامر بن الطفيل، وقال لبيد من قصيدة يذكر أباه:
ولا من ربيعة المقترين وريته بذي علق فاقني حيائك واصبري

(2) معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب


وهو معوذ الحكام ضبطه الفيروز آبادي في القاموس «معود» بالدال المهملة،
والكل محتمل فيصلح أن يكون من عوده عادة وعوذه إذا أجاره من الخلط والخطأ ولكن فرق الآمدي بين معوذ الحكام فجعله معاوي ةالجعفري وبين معود الفتيان – بالدال املهملة- فجعله ناجية الجرمي، وكلام الآمدي أحرة بالصواب من الفيروز آبادي.
ومعوذ الحكام سيد من سادات بني عامر ومن شعرائهم وأبطالهم المشهورين وهو القائل – وذكره عبد الرحيم العباسي في معاهد التنصيص(1) -:
اجد القلب من سلمى اجتنابا واقصر بعم ما شابت وشابا
وشاب لداته فعدلن عنه كما انضيت من لبس ثيابا
فإن يك نبلها طاشت ونبلي فقد نرمي بها حقبا صيابا
فتصطاد الرجال إذا رمتهم وأصطاد المخبأة الكعابا
وكنت إذا العظيمة أفزعتهم نهضت الغنائم والرقابا
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
بكل مقلص عبل شواه إذا وضعت أعنتهن سابا
(1) معاهد التنصيص 1/228.
(122)
ولم يذكر البيت الذي لقب بسببه إنه به سمي معوذ الحكام وهو قوله:
أعوذ مثلها الحكام مثلي إذا ما الامر في الاشياع نابا
ذكره في القاموس وغيره.
قال المرزباني في معجم الشعراء(1): معوذ الحكام الجعفري: إسمه معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب وهو عم لبيد الشاعر وسمي معوذ الحكام ببيت قاله وهو القائل:
تفاخرني بكثرتها قريط فيا لك والد الحجل الصقور
بغاث الطير أكثرها فراخا وأم الباز مقلات نزور
فإن أك في عدادكم قليلا فإني في عدوكم كثير
وذكر بيتين من البائية.
وقال الأمدي في المؤتلف والختلف(2): معوذ الحكام معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب وقيل له: معوذ الحكام لشيء كان جرى بين بني عقيل وبني قشير فأصلح بينهم وهو غلام حديث السن:
أعوذ بعدها الحكام مثلي إذا ما الأمر في الاشياع نابا
في أبيات كثيرة.

(3) الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب فارس قرزل


وهو ابو عامر بن الطفيل فارس العرب وكان الطفيل من فرسان بني عامر في الجاهلية ومن الرؤساء والأجواد والشعراء.
قال ابن قتيبة في ترجمة ابن عامر(3): وأبوه فارس فرزل، وقال بعض الشعراء لعامر:
فإنك يا عام بن فارس قرزل عن القصد إذ يممت ثهلان جائر
والطفيل ,اخوه ملاعب الاسنة اسرا معبد بن زرارة التميمي يوم رحرحان.
قال ابن عبد ربه في العقد الفريد(4): بعد أن ذكر هرب الحارث بن ظالم المري حين اغتال خالد بن جعفر الكلابي ونبت به الدار فلجأ إلى معبد بن زرارة فأجاره فقالت بنو تميم لمعبد: ما لك آويت هذا المشؤوم الأنكد وأغريت بنا
(1) معجم الشعراء: ص391. (2) المؤتلف والمختلف: ص188.
(3) الشعر والشعراء: ص118. (4) العقد الفريد3/ 313.
(123)
الاسود؟ وخذوله غير بني معاوية وبني عبد الله بن دارم قال: وبلغ الاحوص بن جعفر بن كلاب مكان الحارث بن ظالم عند معبد بن زرارة، فغزا معبدا فالتقو برحران فأنهزمت بنو تميم، وأسر معبد بن زرارة، أسره عامر والطفيل ابنا مالك بن جعفر بن كلاب فوفد لقيط بن زرارة في فدائه، فقال لهما: لكما عندي مائتا بعير، فقالا: يا ابا نهشل، انتسيد الناس واخوك سيد مضر فلا نقبل فيه إلا دية ملك فابى أن يزيدهم، فقال معبد للقيط: لا تدعني يا لقيط فوالله لئن تركتني لا تراني ابدا، فقال: صبرا ابا القعقاع فأين وصاة ابينا «لا تؤاكلوا العرب انفسكم ولا تزيدوا بفدائكم على فداء رجل منكم فتذأب بكم ذؤبان العرب»، ورحل لقيط فمنعو معبدا بالماء وضاروه حتى مات هزالا، ففي ذلك يقول عامر ابن الطفيل:
قضينا الحزن من عبس وكانت منية معبد فينا هزالا
وذكر في الاغاني في يوم شعب جبلة: أسر حسان بن الجون الكندي وكان أخوه قدر اسره عوف بن الاحوص وأطلقه فقتلته بنو عبس فغضب عوف وطلب منهم احياءه أو يأتوه بملك مثله فخافوه فاستغاثوا بملاعب الاسنة فأحالهم على اخيه سلمى بن مالك فشفع لهم عند أخيه الطفيل والقصة تأتي في ترجمة عوف بن الاحوص فوهب لهم الطفيل أسيره حسان فدفعوه إلى عوف فجز ناصيته واطلقه فسمته العرب الجزاز، وقال فيها: إن الطفيل لما رأى القتال يوم جبلة قال: ويلكم! أين نعم هؤلاء؟ فأغار على نعم همرو وإخوته وهم من بني عبد الله بن غطفان ثم من بني الثرماء فأستاق الف بعير فلقيه عبيدة بن مالك فأعطاه مائة بعير، وقال: كأني بك وقد لقيت ضيبان بن قرة بن خالد فقال لك: أعطاك من ألف مائة فغضبت، فلقي عبيدة ظبيان، فقال له: كم أعطاك؟ فقال: مائة، فقالك مائة من الف، فغضب عبيدة، الخ.

(4) سلمى نزال المضيق


وهو سلمى بن مالك بن جعفر بن كلاب وهو والد جبار بن سلمى.
قال في الإصابة(1) في ترجمة ابنه جبار: وكان يقال لأبيه نزال المضيق، وضبطه سلمى – بالضم – ويقال سلمى – بالفتح – وذكر الميداني والعسكري في أمثالهما، وأنه نزال المضيق، وعامة علماء النسب وأكثر المؤرخين يقولون سلمى نزال المضيق إلا ابن الأثير فإنه ذكر أن إسمه عبيدة ويمكن الجمع بين القولين بأنه
(1) الاصابة 1/219.
(124)
له اسمين احدهما عبيدة وثانيهما سلمى وهو به أذكر وأشهر، كما ان عبد الله بن الصمة أخا دريد له ثلاثة أسماء وثلاثة كنى كما سنذكر ولولا اتفاق علماء النسب والتاريخ أن اولاد مالك بن جعفر خمسة لقلنا أن سلمى غير عبيدة قتل يوم ذي نجب.
وقال ابن الاثير في تاريخه(1): يوم ذي نجب ومن حديثه أن بني عامر لما أصابوا من تميم ما اصابوا يوم شعب جبلة رجوا أن يستأصلوهم فكاتبوا حسان بن كبشة الكندي وكان ملكا من ملوك كندة وهو حسان بن معاوية بن حجر فدعوه إلى أن يغزو معهم بني هنظلة من تميم فأخبروه انهم قد قتلوا فرسانهم ورؤساءهم، فأقبل معهم بصنائعه فلما اتى بني حنظلة الخبر بمسيرهم قال هم عمرو بن عمرو: يا بني مالك، إنه لا طاقة لكم بهذا الملك وما معه من العدد فأنتقوا من مكانكم وكونوا في أعالي الوادي مما يلي مجيء القوم وكانت بني يربوع بأسفله فتحولت بني مالك حتى نزلت خلف بني يربوع فلما رأوا ما يصنع بنو مالك استعدوا وتقدموا الى طريف الملك فلما كان وجه الصبح وصل ابن كلشة فيمن معه وقد استعد القوم،ن فاقتتلوا، فلما رآهم بنو مالك قد صبروا في القتال سارو إليهم وشهدوا معهم القتال، فاقتتلوا قتالا شديدا فضرب جشيش بن نمران الرياحي ابن كبشة الملك على رأسه فصرعه فمات، وقتل عبيدة بن مالك ابن جعفر وانهزم طفيل بن مالك على فرسه قرزل وقتل عمرو بن الأحوص بن جعفر وكان رئيس بني عامر وانهزمت بنو عامر وصنائع بنو كبشة، الخ.
وسماه ابن نباتة في شرح رسالة ابن زيدون «نزار» فتحصل له ثلاثة أسماء: سلمى وعبيدة ونزار ويحتمل أن يكو نزار تصحيف نزال فكثيرا ما يفعل النساخ ذلك فيقع في الخطأ بسببهم.
وفي معجم البلدان(2) وذكر ملخص القصة وقتل ابن كبشة الملك وأسر يزيد ابن الصعق وغيره ومن وجوه عامر فقال سحيم بن وثيل الرياحي:
ونحن ضربنا هامة بن خويلد يزيد وضرجنا عبيدة بالدم
بذي نجب إذ نحن دون حريمنا على كل جياش الاجاري مرجم
وسماه المرتضى عبيدة الوضاح(3)، وفي الاغاني في قصة شعب جبلة: إن عبيدة تسرع يومئذ إلى القتال فنهاه أخواه عامر وطفيل أن يفعل حتى يرى مقاتلا
(1) الكامل في التاريخ 1/217. (2) معجم البلدان 8/356.
(3) الامالي للسيد المرتضى 1/137.
(125)
فعصاهما وتقدم فطعنه رجل في كتفه حتى خرج السنان من فوق ثديه فأستمسك فيه السنان فأتى طفيلا وقال: دونك السنان فأنزعه، فأبى أن يفعل غضبا فأتى عامر فلم ينزعه منه غضبا فأتى سالم بن مالك فانتزعه منه وألقي جريحا مع النساء حتى فرغ القوم من القتال.

(5) أبو براء ملاعب الأسنة


واسمه عامر – على المشهور – وقيل: عمرو بن مالك بن جعفر بن كلاب فارسالعرب مجمع على فروسيته ادرك الإسلام وأسلم على المشهور وقيل: لم يسلم، وهو الذي أجار أصحاب رسول الله (ص) فغدر بهم عامر بن الطفيل يوم بئر معونة فمات ابو براء كمدا وحزنا وينبغي أن تكون ترجمته أوسع مما ذكرناه لكثرة آثارها واشتمالها على سبب تسميته ملاعب الاسنة وإخفار ابن اخيه ذمته وما يتعلق بإسلامه وفروسيته وشرفه عند عرب الجاهلية.
قال العسقلاني في الإصابة: أبو براء المعروف بملاعب الأسنة ذكره خليفة والبغوي واب نالبرقي والعسكري وابن قانع البراوددي وابن شاهين وابن السكن في الصحابة، وقال الدار قطني: له صحبة.
وروى ابن الاعرابي في معجمه من طريق مسعر بن خشرم بن حسان عن عامر ابن مالك قال: بعثت إلى رسول الله (ص) ألتمس منه دواء فبعث إلي بعكة من عسل.
ورواه ابن مندة بهذا الوجه ثم ذكر له طرقا كثيرة وذكر ما ينافيها وذكر عقده لأصحاب رسول الله (ص) الذمام حتى أخرجهم فقتلوا في بئر معونة وأشار إلى القصة إشارة ولم يذكرها مفصلة.
ثم قال ذكر عمر بن شبة في الصحابة له باسناده عن مشيخة بني عامر قالوا: قدم على رسول الله (ص) خمسة وعشرون رجلا من بني جعفر ومن بني أبي بكر
فيهم عامر بن مالك الجعفري فنظر إليهم فقال: قد استعملت عليكم هذا – وأشار إلى الضحاك بن سفيان الكلابي- وقال لعامر بن مالك: أنت على بني جعفر، وقال للضحاك: استوصي به خيرا.
فهذا يدل على أنه وفد بعد ذلك مسلما، وأول من لقبه ملاعب الاسنة ضرار بن عمرو القيسي ولقبه الرويم وذلك في يوم السوبان ثم ذكره ما سنورده عن غيره.
(126)
قال ابن قتيبة في الشعراء(1): ملاعب الاسنة هو عم لبيد وهو عامر بن مالك، وسمي ملاعب بقول أوس بن حجر فيه:
ولاعب أطراف اأسنة عامر فراح له حظ الكتيبة اجمع
وكان ملاعب الاسنة اخذ اربعين مرباعا في الجاهلية.
وقال محم بن نباتة في شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم(2): هو عامر بن مالك بن جعفر من بني صعصعة المعروف بملاعب الاسنة، ويكنى أبا براء وأمه أم البنين أنجب امراة في العرب فذكر إخوته ولكنه ذكر نزار بدل سلمى وذكر مثل ثول ابن قتيبة، وقال: وقيل لقول آخر وقد وفرعنه أخوه في الحرب:
فردت وأسلمت ابن أمك عامرا يلاعب اطراف الاسنة الوشيج المزعزع
وقيل لقول حسان بن نمير وقد رآه بين فرسان اطافوا به يقاتلهم: ما هذا إلا ملاعب الاسنة.
وقال ابن عبد ربة في العقد الفريد(3): قال ابو عبيدة:اغارت بنو عامر على تميم وضبة، ورئيس وبرة حسان لن ضبة وهو أخو النعمان لأمه فأسره يزيد بن الصعق وأنهزمت تميم فلما رأى ذلك عامر بن مالك بن جعفر حسده فشد على درار بن عمرو القيسي وهو الرويم فقال لابنه ادهم: أغن عني فشد عليه فطعنه فتحول من سرجه إلى جنب أبدانه ثم لحقه فقال لأحد ابنيه: أغنه عني، ففعل مثل ذلك ثم لحقه فقال لابن له اخر: اغنه عني، ففعل مثل ذلك فقال: ما هذا إلا ملاعب الاسنة، فسمي يوئذ ملاعب الاسنة فلما دنى منه قال درار – نسخة: ضرار -: إني لا أعلم ما تريد، اتريد اللبن؟ قال: نعم، قال: إنك لن تصل إلي من هؤلاء عين تطرف كلهم بنوه، قال له عامر: فأحلني إلى غيرك، فدله على حبيش بن الدلف، قال: عليك بذاك الفارس فشد عليه فاسره فلما راى سواده وقصصره جعل يتفكر وخاف ابن دلف ان يقتله، فقال: الست تريد اللبن؟ قال: بلى، قال: فإني لك به، وفادى حسان بن وبرة نفسه من يزيد بن الصعق بألف بعير فداك الملوك فكثر مال يزيد ونما ثم أغار بعد ذلك يزيد بن الصعق على عصافي النعمان بذي ليان، وذو ليان عن يمين العرنين.
(1) الشعر والشعراء: ص90.
(2) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم 1/130.
(3) العقد الفريد 3/335.
(127)
وقال(1): قال ابو عبيدة: تجمعت قبائل مذحج وأكثرها بنو الحارث بن كعب وقبائل من مراد وجعفي وزبيد وخثفم وعليهم أنس بن مدركة وعلي بني الحارث الحصين فأغاروا على بني عامر بن صعصعة بفيف الريح وعلى بني عامر بن مالك ملاعب الاسنة، الخ.
وذكر في حروب الفجار(2): بعد أ، ذكر مقتل عروة الرحال الكلابي: وبلغ قريشا خبر البراض بسوق عكاض فخلصوا نجيا، وأتبعتهم قيس لما بلغهم أن البراض قتل عروة الرحال على قيس ابو براء عامر بن مالك فأدركوهم وقد دخلوا الحرم فنادوهم: يا معشر قريش إنا نعاهد الله أن لا نبطل دم عروة الرحال أبدا أو نقتل به عظيما منكم وميعادنا وإياكم هذه الليالي من العام المقبل، الخ.
وفي هذه يقول خداش بن زهير العامري وهو الذي شهر قريشا بالسخينة:
يا شدة ما شددنا غير خائبة على سخينة لولا الليل بالسخينة:
فعيرهم بالسخينة، وتلاه كعب بن مالك الانصاري شاعر النبي (ص) يعيبهم بذلك لما حاربوا رسول الله (ص) مجدين:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب
أما عقد أبي براء الذمام لأصحاب رسول الله (ص) وأن عامر بن الطفيل أخبره، فقد ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل السيرة والتاريخ، ونحن نورد ما قاله ابن نباتة في شرح الرسالة وابن إسحاق ولفظه من السيرة الهاشمية(3) عن جماعة من أهل العلم قالوا:
قدم أبو براء عامر بنة مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله (ص) المدينة فرعرض عليه الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام، وقال: يا محمد، لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله (ص): إني أخشى عليهم اهل نجد، فقال له ابو براء: أنا لهم جار فأبعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك، فبعث رسول الله (ص) المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعتق ليموت في اربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين منهم الحراث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو عدي بن النجار وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة
(1) العقد الفريد 3/367. (2) العقد الفريد 3/379.
(3) سيرة ابن هشام 3/47.
(128)
مولى أبي بكر في رجال مسلمين من خيار المسلمين فساروا حتى نزلوا بئر معونة – وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم كلا البلدين منها قريب وهي إلى حرة بني سليم أقرب – فلماء نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله (ص) إلى عدو الله عامر بن الطيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، وقالوا: لن نخفر أبا براس وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فأستصرخ عليهم قبائل من سليم عصية ورعل وذكوان فأجابوه إلى ذلك، ثم ذكر مقتل الصحابة «رضي الله عنهم»، وقال: فقال حسان بن ثابت يحرض بني أبي براء على عامر بن الطفيل:
بني ام البنين الم يرعكم وانتم من دوائب أهل نجد
تهكم عامر بأبي براء ليفخره وما خطأ كعمد
الا ابلغ ربيعة ذا المساعي فما أحدثت في الحدثان بعدي
ابوك أبو الحروب أبو براء وخالك ماجد حكم بن سعد
قال ابن إسحاق: فحمل ربيعة بن عامرم بن مالك على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فأشواه، ووقع عن فرسه، فقال: هذا عمل أبي براء إن مت بدمي لعمي فلا يتبعن به وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتي إلي، إنتهى.
والذي في الإصابة(1): إنه استشار رسول الله (ص) في أن يطعن عامر بن الطفيل أو يضربه.
وفي السيرة الحلبية(2): ولما بلغ أبا براء ان عامر بن الطفيل ولد أخيه ازال خفارته شق عليه ذلك وشق عليه ما أصاب أصحاب رسول الله (ص) بسببه، ثم ذكر ما صنع ابنه ربيعة بابن عامر بن الطفيل.
وذكر ابن نباتة في شرح الرسالة ان ابا براء لم يكن حاضرا حين قتل ابن الطفيل أصحاب رسول الله (ص) فقال(3): قالوا: وقد كان عامر بن مالك خرج قبل القوم إلى ناحية نجد وأخبرهم أن أجار أصحاب محمد (ص) فالا تعرضوا لهم، ثم نقل ما يشاكل قول ابن إسحاق.
وقال(4): ثم أقبل ابو براء سائرا – هو شيخ كبير هرم – فأخبر بما فعل عامر
(1) الإصابة 1/512. (2) السيرة الحلبية 3/166.
(3) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم 1/131.
(4) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم 1/133.
(129)
بن الطفيل فشق ذلك عليه ولا حركة به من الضعف، وقال: اخفرني ابن أخي مرتين، وسار حتى لحق ابن الطفيل فطعنه بالرمح فاخطأ مقتله، وقيل: كان الطاعن ربيعة ولده، فتصايح الناس فقال ابن الطافل: إنها لم تضرني وقد وهبتها لعمي، وانصرف ونزل عامر بن مالك بقومه فدعاهم إلى الارتحال إلى النبي (ص) وطلب ثار القتلى الذين كانوا في جواره، فتثاقلوا عليه وقال له بعض بنو أخيه: إنهم يقولون: إنه حدث لك عارض في عقلك فدعا ابن اخيه لبيدا وقينه له فشرب وقال لها غني وقال: يا لبيد، لو حدث بعمك حدث ما كنت قائلا فإن قومك يزعمون أن عقله ذهب والموت خير من ذهاب العقل، وقال: يا لبيد، إسمع:
قوما تنزحان مع الانواح فأبنا ملاعب الرماح
أبا براء مدره الشياح إن غياث المرمل الممتاح
وهي من أبيات، ثم شرب الخمر صرفا حتى مات وهو يقول: لا خير في العيش وقد عصتني بنو عامر وبنو جعفر يزعمون إنه مات مسلما، الخ.
وهذا رأي من زعم إنه مات مشركا فيجعل موته في شربة الخمر صرفا، وقد ذكر هذا القول في الإصابة(1) عن كتاب المعمرين لأبي حاتم عن هشام بن الكلبي أن عامر بن الطفيل لما أخفر ذمة عمه عامر بن مالك، عمد عمه عامر بن مالك إلى الخمر فشربها صرفا حتى مات ولم يبلغنا أن احدا من العرب فعل ذلك إلا هو وزهير بن جناب وعمرو بن كلثوم، إنتهى.
ولفظ أبي حاتم في المعمرين(2) في ترجمة زهير بن جناب الكلبي: ثم شرب زهير بن جناب الخمر صرفا حتى مات وشربها عمرو بن كلثوم التغلبي صرفا حتى مات ولم يبلغنا أن احدا من العرب فعل ذل كإلا هؤلاء، إنتهى.
وكان ابو براء مع البطولة والقيادة والسيادة شاعرا مجيدا، قال ابن نباتة في شرح الرسالة(3): يزعمون أنه لما تنافر ابن أخيه عامر ابن الطفيل مع علقمة بن علاثة سال عمه الاعانة فأعطاه نعليه وقال: استعن بهما في مفاخرتك فإني ربعت فيهما أربعين مرباعا مع أنه كان كارها للمنافرة، وفي ذلك يقول:
أؤمر أن أسب بني شريح ولا والله الفعل ما حييت
ومن أحسن ما سمعت من شعره:
(1) الإصابة 3/258. (2) كتاب المعمرين: ص28.
(3) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم 1/134.
(130)
لحى الله إن آنا عن الضيف بالقرى وألمتنا عن عرض والده ذبا
وأدخلنا للبيت من قبل أسته إذ القور أبدى من جوانبه ركبا
وفي البيان والتبيين(1) قال: قال عامر ملاعب الأسنة:
دفعتكم عني وما دفع راحة بشيء إذا لم تستعن بالأنامل
يضعضعني حلمي وكثرة جهلكم علي وإني لا أصول بجاهل
وذكر الآمدي في المختلف والمؤتلف(2) بعد قوله: «أؤمر أن اسب» البيت:
ولا اهدي إلى هرم لقاحا فنحيا بعد ذلك أو نموت
تخيرتم أمور الناس شرا فما أدري أؤلج أم أبيت
وقد غلط الزركلي في ترجمة ابي براء في كتاب الاعلام(3) في أربعة أشياء: في تاريخ وفاته حيث قال سنة (10هـ) سنة (621) وهذا غلط واضح لأتفاق المؤرخين أنه مات بعد مقتل أصحاب رسول الله (ص) بلا فصل كمدا وحزنا ومقتل أصحاب بئر معونة سنة (4) للهجرة نص عليه الطبري وابن إسحاق وغيرهما.
وفي قوله هو خال عامر بن الطفيل وهذا غلط فاضح إذ هو عمه أتفاقا.
وفي قوله: قدم بعد تبوك على النبي (ص) وهو خطأ لما علمت إنه مات قبلها والوافد بعد تبوك هو عامر بن الطفيل كما سنذكر خبره.
وفي جزمه بعد إسلامه وقد سمعت قول من نص عليه من الحفاظ وقول من نفا إسلامه ضعيف لا يعتني به.

(6) براء بن أبي براء


ملاعب الأسنة عامر بن جعفر بن كلاب الكلابي كان فارسا شاعرا بطلا من أبطال بني كلاب في العصر الجاهلي، قتل يوم النتأة.
قال ابن الأثير الجزري المؤرخ في تاريخ الكامل في سياق قصة يوم النتأة(4): وقتل من أشرافهم البراء بن عامر بن مالك بن جعفر وبه كان يكنى وقتل معه من أشرافهم نهشل وأنس ونزار بنو مرة بن أنس بن خالد بن جعفر وعبد الله بن الطفيل أخو عامر بن الطفيل قتله الربيع بن زياد العبسي، قال: وغيرهم كثير،
(1) البيان والتبيين 2/201.
(2) المختلف والمؤتلف: ص187.
(3) الأعلام 2/466. (4) الكامل في التاريخ 1/237.
(131)
وتمت الهزيمة على بني عامر بن الطفيل على فرسه المزنوق، القصة بطولها في تاريخ الكامل(1).

(7) ربيعة بن أبي براء


ملاعب الاسنة أخوالمتقدم كان صحابيا فارسا من فرسان بني كلاب وبطال من أبطال العرب.
قال الحافظ العسقلاني في كتاب الإصابة(2): ربيعة بن ملاعب الاسنة أبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب الكلابي ثم الجعفري لم أرى من ذكره في الصحابة إلا ما قرأت في ديوان ضبيعة لأبي سعيد السكري روايته عن أبي جعفر بن حبيب، قال: قال حسان لربيعة بن عامر بن مالك وهو ملاعب الأسنة في قصة الرجيع(3) يحرض ربيعة بن عامر على عامر بن الطفيل بأخفراه ذمة أبي براء: ألا من مبلغ عني ربيعا
الأبيات المتقدمة، وقال: فلما بلغ ربيعة هذا الشعر جاء إلى النبي (ص) وقال: يا رسول الله، ايغسل عن ابي هذه الغدرة أن اضرب عامر بن الطفيل بضربة أو طعنة؟ قال: نعم، فرجع ربيعة فضرب عامرا ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه، فقالوا لعامر: اقتص، فقال: قد عفوت، قلت: فذكر غير واحد من أهل المغازي أنه أهدى لرسول الله (ص) بغلة أو ناقة، ورأيت له رواية عن أبي الدرداء من طريق حبيب بن عبيد عنه فليعلم ذلك.
وقال الديار بكري في تاريخ الخميس(4) في أفراس النبي (ص): واللحيف كأمير وزبير فرس لرسول الله (ص) لأنه كان يلحف الأرض بيديه، أهداه له ربيعة بن أبي براء فأثابه عليه من نعم بني كلاب.
أورد اللحيف في القاموس بالحاء المهملة والجيم وفي المنتقى بالجيم وقال: من قولهم سهم لجيف إذا كان سريع المر.
وفي المواهب اللدنية: أهداه له ربيعة بن أبي براء، الخ.
وذكر أبو جعفر الطبري المؤرخ في تاريخه(5) أبيات حسان في تحريض ربيعة
(1) الكامل في التاريخ 1/399. (2) الإصابة 1/512.
(3) قصة الرجيع خطأ، هي قصة معونة.
(4) تاريخ الخميس 1/206.
(5) تاريخ الطبري 3/35.
(132)
على ابن الطفيل من رواية ابن إسحاق بني أم البنين الابيات، وقال: قال كعب بن مالك أيضا:
لقد طارت شعاعا كل وجه خفارة ما أجار أبو براء
فمثل مسهب وبني أبيه بجنب الرده من كنفي سواء
بني أم البنين أما سمعتم دعاء المستغيث مع المساء
تنوبه الصريخ بلى ولكن عرفتم أنه صدق اللقاء
فما صفرت عياب بني كلاب ولا القرطاء من ذم الوفاء
أعامر عامر السوآت قدما فلا بالعقل فزت ولا السناء
أأخفرت النبي وكنت قدما إلى السوآت تجري بالعراء
فما كنتم كجار أبي داود ولا الأسدي جار أبي العلاء
ولكن عادكم داء قديم وداء الغدر فأعلم شر داء
فلما بلغ ربيعو بن عامر أبي براء قول حسان وقول كعب حمل على عامر بن الطفيل فطعنه فشطب الرمح عن مقتله فخر، فقال: هذا عمل أبي براء إن مت فدمي لعمي، الخ.
وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام(1) في قصة أصحاب الرجيع: ثم إن النبي (ص)لقى ربيعة بن ملاعب الأسنة فقال له: ما فعلت ذمة أبيك؟ فقال: نقضتها بضربة سيف أو بطعنة رمح، فقال له: نعم، فخرج ربيعة فأخبر أباه فشق عليه ما فعل عامر بن الطفيل وما صنع ولا حركة به من الكبر والضعف وقال: أخفرني أبن أخي من بين بني عامر فسار حتى كانوا على ماء من مياه بلي يقال له الهدم فركب ربيعة فرسا له وتلحق عامرا وهو على حجل له فطعنه بالرمح فأخطأ مقتله وتصايح الناس، فقال عامر بن الطفيل: إنها لم تضرني، فقال ربيعة: نقضت ذمة أبي براء، فقال ابن الطفيل: قد عفوت عن عمي هذا فعله، وقال رسول الله (ص): واطلب خفرتي من عامر بن الطفيل ثم ذكر قول حسان: ألا أبلغ ربيعة الابيات، وذكر أبياتا أخرى لحسان يعير بها بني كلاب وهي قوله:
ألا أبلغ جميع بني هلال وعامرها وكعبا أجمعينا
بأن الغدر عم بني كلاب وخص به بني أم البنينا
(133)
فلو مدوا بحبل من عقيل لألفوا حبلهم صلبا متينا
أو القرطاء ما أن اخفروهم وقدما ما وفدوا إذ لا يغونا
وقال أيضا:
لقد ذهبت شنارا كل وجه خفارة ما أجار أبو براء
فما كنتم كجار أبو دؤاد ولا الأسدي جار أبي العلاء
ولا جار السمؤل إذ فداه جهارا بابنه عرض البلاء
إنتهى، وقد رواها ابن إسحاف لكعب بن مالك.

(8) نهشل بن عبيدة نزال المضيق


ابن مالك بن جعفر بن كلاب الجعفري الكلابي أحد أبطال الجاهلية وسادات بني عامر وأشرافهم وفرسانهم قتل يوم النتأة مع براء بن أبي براء قتلهما بنو عبس وقاتله منهم أبو زغنة، ذكره ابن عبد برة في العقد الفريد(1) في قصة هذا اليوم وقتل في هذا اليوم من أبطالهم أيضا صفوان بن مرة وعبد الله بن أنس بن خالد.

(9) مدرك الثار خالد بن جعفر بن كلاب


الملقب بالاصبع وذي الشامة الجعفري الكلابي أحد سادات العرب وأبطالهم الأباة الحماة وممن يضرب به المثل في الشجاعة نص على ذلك الالوسي في بلوغ الأرب وهو قائد هوازن ووافدهم إلى الملوك وكان له عند الملوك محل سامي وهو الذي أنكر الظلم والجور والبغي في الأرض والأسراف في إراقة دماء الأبرياء مع كونه شابا لم يكتهل وانتقم من الجائر زهير بن جذيمة العبسي.
وأم خالد خبيئة الغنوية إحدى المنجبات من نساء العرب فإنها ولدت لجعفر بن كلاب مالك وخالد والأحوص ربيعة كل واحد منهم ساد قومه وأجمع على ذلك علماء العرب في مجلس معاوية(2).
وقال امرصفي في رغبة الأمل شرح الكامل(3): إن خبيئة بنت رياح الغنوية رأت في منامها قائلا يقول: أعشرة هدرة أحب إليك أم ثلاثة كعشرة؟ فقال لها
(1) العقد الفريد 2/235.
(2) انظر اغاني أبي الفرج 16/19 ساسي.
(3) رغبة الآمل شرح الكامل 3/44.
(134)
زوجها جعفر بن كلاب: إن عاد لك الثانية فقولي ثلاثة كعشرة.
وبنوها هم: خالد الملقب بالإصبع لشامة بيضاء في مقدم رأسه، ومالك الملقب بالطيان لكثرة ما يطوي بطنه يؤثر على نفسه وربيعة الملقب بالأحوص لصغر عينيه، إنتهى.
قال ابن عبد ربه في العقد الفريد(1): يوم النقروات لبني عامر على بني عبس فيه قتل زهيربن جيدمة العبسي وكانت هوازن تؤدي إليه أتاوة وهي الخراج فأتته يوما عجوز من بني نصر بن معاوية بسمن في نحي واعتذرت إليه وشكت سنين تتابعت على الناس فذاقه فلم يرضى طعمه فدفعها في قوس في يده عطل في صدرها فأستقلت على قفاها متكشفة فقال خالد بن جعفر: والله لأجعلن ذراعي في عنقه حتى يقتل او اقتل.
وكان زهير عدوسا مقداما لا يبالي ما أقدم عليه فأستقل أي أنفرد من قومه بأهليه وبني أخويه زنباع وأسد يراعي الغيث في عشر أوات له وشول،فأتاه الحارث بن الشريد وكانت تماضر بنت الشريد تحت زهير فلما عرف الحارث مكانه أبرز إليه بني جعفر رهط خالج بن جعفر فركب منهم ستة فوارس فيهم خالد بن جعفر وصخر بن شريد وابن البكا معاوية بن عبادة بن عقيل فارس الهرات ويقال لمعاوية الأخيل وهو جد ليلى الأخيلية، وثلاث فوارس من سائر بني عامر.
فقال أسيد لزهير: أعلمتني راعية غنمي أنها رأت على رأس الثنية أشباحا ولا أحسبها إلا خيل بني عامر لحق بنا بقومنا.
فقال زهير: كل أزرب نفور.
وكان أسيد أشعر القفا، فذهب مثلا.
فتحمل أسيد بمن معه وبقي زهير وابناه ورقاء والحارث وصحبتهم الفوارس، فمرت بزهير فرسه القعساء ولحقه خالد ومعاوية الأخيل فطعن معاوية القعساء فقلبت زهيرا وخر خالد فوقه قرفع المغفر عن رأس زهيروقال: يا آل عامر أقبلوا جميعا، فأقبل معاوية فضرب زهيرا على مفرق رأسه ضربة بلغت الدماغ، وأقبل ورقاء بن زهير فضرب خالدا وعليه درعان فلم يغن شيئا وأجهض ابنا زهير القوم عن زهير واحتملاه وقد اثخنته الضربة فمنعوه الماء، فقال: أنا ميت أنا عطشان أسقوني الماء وإن كان فيه نفسي فسقوه فمات بعد ثلاثة أيام، فقال في
(1) العقد الفريد 3/211.
(135)
ذلك ورقاء بن زهير:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
إلى بطلين ينهضان كلاهما يريدان نصل السيف والسيف نادر
فشلت يمين حين اضرب خالدا ويستره مني الحديد المظاهر
فيا ليت إني قبل ضربة خالد ويوم زهير لم تلدني تماضر
لعمري لقد بشرت بي إذ ولدتني فما ذا الذي ردت عليك البشائر
وقال خالد بن جعفر في قتله زهيرا:
أم كيف تكفرني هوازن بعدما أعتقتهم فتوالدوا أحرارا
وقتلت ربهم زهيرا بعدما جدع الأنوف وأكثر الأوتارا
وجعلت مهر بناتهم ودياتهم عقل الملوك هجائنا وبكارا
وهذا يخالف أكثر الناقلين في قصر سبب قتل زهيرعلى هذا، فابن الأثير في تاريخه والشريف المرتضى في اماليه الغرر والدرر اضافا لهذا السبب سببا آخر،
وقد ذكر الشريف «رحمة الله» في الأمالي(1) ما نصه:
فاما خبر مقتل زهير بن جذيمة العبسي أبي قيس فأختلف الرواة في سببه: فيقال إن هوازن بن منصور كانت تؤتي الأتاوة زهير بن جذيمة ولم تكثر عامر بن صعصعة بعد فهم أذل في رحم فأتت عجوز من هوازن إلى زهير بن جذيمة بسمن في نحي فأعتذرت إليه وشكت السنين التي تتابعت على الناس فضاقه فلم يرض طعمه فدها – أي دفعها – بقوس في يده عطل في صدرها فسقطت وبدت عورتها فغضبت من ذلك هوازن وحقدته إلى ما كان في صدرها من الغيظ، وكانت يومئذ قد أمرت بنو عامر بن صعصعة – أي كثرت – فآلى خالد بن جعفر بن كلاب فقال: والله لأجعلن ذراعي وراء عنقه حتى أقتل او يقتل، وفي ذلك يقول خالد بن جعفر:
أريغوني أراغتكم فإني وحذفة كالشجا تحت الوريد
مقربة أواسيها بنفسي وألحفها ردائي في الجليد
لعل الله يمكنني عليها جهارا من زهير او أسي
فأما تثقفوني فأقتلوني فمن أثقف فليس إلى خلود
(1) الأمالي للمرتضى 1/152.
(136)
ويقال: بل كان السبب في ذلك أن زهير بن جذيمة لما قتل في غني بابنه شاس وافى عكاظ فلقيه خالد بن جعفر بن كلاب – وكان حدثا – فقال: يا زهير، ما أن لك أن تشتفي وتكف – يعني مما قتل بشاس -؟ فالظ له زهير وحقره، فقال خالد: اللهم امكن يدي هذه الشعراء القصية من عنق زهير بن جذيمة ثم أعني عليه، فقال زهير: اللهم امكن يدي هذه البيضاء الطويلة من عنق خالد ثم خل بيننا، فقالت قريش: هلكت والله يا زهير.
قال: أنتم والله الذين لا علم لهم، ثم أجمع خالد بن جعفر على قصد زهير وقتله واتفق نزول زهير بالقرب من أرض بني عامر وكانت تماضر بنت عمرو بن الشريد أمراة زهير بن جيدمة وام ولده فمر به اخوها الحارث بن عمرو بن الشريد فقال زهير لبنيه: إن هذا الحماؤ لطليعو عليكم فأثقوه،، فقالت أخته لبنيها: أيزوركم خالكم فتوثقوه، وقالت له: إني ليريني اكبئنانك وقروتك إلا كبئنان الغم والقروب السكوت فلا يأخذن فيك ما قال زهير فإنه رجل بيذارة غيذارة شنؤة.
قال اللأثرم: البيذارة الكثير الكلام، والغيذارة السيء الخلق.
ثم حلبوا له وطبا وأخذوا عليه يمينا أن لا يخبر عنهم ولا ينذر بهم أحدا فخرج الحارث حتى أتى بني عامر فقعد إلى شجرة يجتمع إليها بنو عامر فألقى الوطب تحتها والقوم ينظرون، ثم قال: أيتها الشجرة الذليلة إشربي من هذا اللبن فأنظري ما طعمه.
فقال القوم: هذا الرحل مأخوذ عليه وهو يخبركم خبرا فذاقوه اللبن فوجدوه حلوا لم يقرص بعد.
فقالوا: إنه يخبرنا أن مطلبنا قريب، فركب خالد بن جعفر بن كلاب وكان معه جماعة وكان راكبا فرسه خذفة، فلقوا زهيرا فأعتنق خالد زهيرا وخرا عن فرسيهما، ووقع خالد فوق زهير ونادى: يا بني عامر اقتلوني والرجل واستغاث زهير ببنيه فاقبل إليه ورقاء بن زهير يشتد بسيفه فضرب خالد ثلاث ضربات وكان على خالد درعان قد ظاهر بينهما ثم ضرب جندع رأسس زهير فقتله، ثم ذكر شعر ورقاء.