الذنوب الكبيرة - 2 57


وحرمة هذا القسم وان لم تكن مسلمة كما ذكر بعض الأكابر إلا أن الإحتياط الأكيد في تركه، وذلك أولا: لشمول إطلاقات الروايات السابقة وغيرها لهذا القسم وثانيا : إن الشخص في مثل هذا المورد يبتلى غالبا بالركون (الميل القلبي) للظالم، ويكون في معرض الخطر الكبير.

كلام الأمام الكاظم لصفوان الجمال:

صفوان الجمال الكوفي من أصحاب ألإمام الصادق «عليه السلام »و الإمام موسى الكاظم «عليه السلام» وهو رجل صاحب تقوى ، وكانت معيشته تعتمد على إجارة إبله.
يقول : دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر «عليه السلام» فقال لي:
يا صفوان كل شئ منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً،
قلت: جعلت فداك اي شئ؟
قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل ( يعني هارون الرشيد).
قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكني أكريته لهذا الطريق يعنى مكة ، ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.
فقال لي : يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟
قلت : نعم جعلت فداك.
قال فقال لي: اتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟
قلت : نعم.
قال: من احب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار.
قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن آخرها.
فبلغ ذلك الى هارون فدعاني فقال لي : يا صفوان بلغني انك بعت جمالك، قلت نعم، قال: ولِم؟
قلت : انا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال.
فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا،

الذنوب الكبيرة - 2 58


أشار عليك بهذا موسى بن جعفر،
قلت : مالي ولموسى بن جعفر؟
فقال: (دع هذا عنك، فوالله لو لا حسن صحبتك لقتلتك) «وسائل الشيعة/ التجارة».
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» انه قال:
(ومن احب بقاء الظالمين فقد أحب ان يعصى الله) «وسائل الشيعة/التجارة».
وعنه «عليه السلام» في قول الله عز وجل «و لا تَركَنوا الى الذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُم النار» قال: هو الرجل ياتي السلطان فيحب بقاءه إلى ان يدخل يده الى كيسه فيعطيه «وسائل الشيعة /التجارة».
4ـ معونة الظالم الذي لا يكون الظلم مهنته:


القسم الرابع هو ان يعين من لا يكون الظلم مهنته وحرفته، وإنما احيانا وفي بعض الحالات قد يظلم احدا، بان يضرب احدا بدون حق، أو يهتك حرمته، او ياخذ ماله بدون حق، او لا يؤدي حقه.
ولا شبهة في حرمة معونة مثل هذا الظالم في ظلمه، اي ان من يعلم بان هذا الشخص ظالم في هذا العمل، ومع عمله هذا يقوم بمعونته حتى يصل الى هدفه فان ذلك حرام، بل هو من الذنوب الكبيرة، ذلك ان الظلم نفسه من الكبائر ومن الذنوب التي اوعد الله عليها بالعذاب حيث يقول تعالى:
«إنّا أعتدنا للظالمينَ ناراً أحاط َ بِهم سُرادقها وإن يَستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمُهلِ يشوى الوُجوه بئسَ الشرابُ وساءَت مُرتفقا» 18/29. كما ان مساعد الظالم في ظلمه شريك معه في ألإثم كما قال الإمام الصادق «عليه السلام»:(العامل لظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم) «الوسائل/ التجارة» .
وقريب من هذا المضمون ما ورد عن الإمام الباقر«عليه السلام».
كما روي عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال:
(من نكث بيعة، او رفع لواء ضلالة ، او كتم علما، او اعتقل مالا ظلما او اعان ظالما

الذنوب الكبيرة - 2 59

على ظلمه ، وهو يعلم انه ظالم فقد بريء من الإسلام) «المستدرك ـ التجارة باب 35».
وفي حديث المعراج قال «صلى الله عليه واله»:
(ورايت على ابواب النار مكتوبا على الباب الاول ... الى ان قال:
وعلى الباب الرابع مكتوب ثلاث كلمات:
أذل الله من اهان الاسلام.
أذل الله من اهان اهل البيت،
اذل الله من اعان الظالمين على ظلمهم للمخلوقين) «المستدرك التجارة ـ باب 35»
وبالجملة فانه يستفاد من الآيات والروايات ان الظالم ذنب كبير، والمعين للظالم في ظلمه مساو له في المعصية.هذا مضاف إلى ان معونة الظالم هي ترك لأهم الواجبات الإلهية وهو النهي عن المنكر، بل في الحقيقة يصبح المعين منافقا من حيث انه لم ينه عن المنكر وذلك من صفات المنافقين، كما في الآية 66 من سورة التوبة حيث يقول تعالى:
«المنافقونَ والمنافقات بعضهُم من بعضٍ، يأمرونَ بالمنكرِ ِوينهونَ عنِ المعروف».

يجب منع الظلم:

يجب على المسلم الذي يرى ظالما وهو يظلم احدا ان يمنعه اذا كانت شروط وجوب النهي عن المنكر مجتمعة، كما قال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
انصر اخاك ظالما كان او مظلوما، فقيل يا رسول الله ننصره مظلوما فما بالنا ننصره ظالما؟
فقال: (خذوا على يديه وامنعوه عن الظلم فهذا نصرتكم لأخيكم).
اي امنعوا عن تلوثه بالوزر واثم الظلم.

* * *
الذنوب الكبيرة - 2 60


واما معونة الظالم الذي لا يكون الظلم حرفته في سائر الجهات فانها أمر مباح، وانما تكون حراما اذا كانت سببا في جرأة ذلك الشخص على تكرر او شتداد ظلمه، او كانت باعثة على عدم ندمه وتوبته من ذلك الظلم.
والخلاصة ان معونة الظالم في سائر الأمور تكون حراما من باب وجوب النهي عن المنكر ، أما إذا لم يكن لتلك المعونة أي أثر صغير في ظلمه إثباتا ونفيا إبتداءاً وإستمرارا فإنها ليست حراما، وبناءأ على ذلك لا تحرم معونة الظالم في غير مجال ظلمه إذا لم تكن موردا من موارد النهي عن المنكر.


تحرم الإعانة على الاثم:

اما معونة المذنب الذي ذنبه غير الظلم، مثل ترك الصلاة والصيام وشرب الخمور، والزنا، ولعب القمار وغير ذلك ، فقد ذكرنا في اول البحث ان الآيات والروايات تعتبر كل مذنب ظالما لنفسه ، وبناءا على ذلك فكل من يعين الغير في ارتكاب معصية يكون معينا للظالم، وذلك حرام يقينا، وهو شريك معه في الاثم والعقوبة، كما جاء في سورة المائدة حيث يقول تعالى:
«وتعاوَنوا على البِر ِوالتقوى ، ولا تعاونوا على الإثمِ والعدوان، وإتقوا اللهَ إن اللهَ شديدُ العقاب»(1)«المائدة/2».
وجميع ادلة وجوب النهي عن المنكر، والتهديدات الواردة على تركه والتي ذكرت سابقا تشمل هذا المورد.

المعونة في الإثم على قسمين:

1ـ توفير المقدمة لمن يريد ان يرتكب ذنبا، مثل ان يصنع من العنب خمرا لأجل

(1) نظرا لشدة العقوبة الإلهية التي ذكرت جاء في بعض الاحاديث لو ان اهل النار وجدوا مكانا في نار الدنيا لغلبهم النوم، واستراحوا فيها.
الذنوب الكبيرة - 2 61


ان يبيعه بائع الخمور.
2ـ ان يوفر مقدمة العمل الحرام لكن من دون ان يقصد بذلك ارتكاب الحرام من قِبَل ذلك الشخص، إلا أن الأمر كان بنحو بحيث لو لم يهيئ تلك المقدمة لما وقع الحرام. مثلا: ان يبيع العنب لصانع الخمر ولم يكن يقصد بذلك ان يصنع خمرا، إلا انه حيث كان بائع العنب منحصرا بهذا الشخص ـ مثلاـ بحيث لو لم يبعه لتعطل صانع الخمر (اذ لا يوجد عنب في مكان آخر، اولا يبيعونه ، غير متاح له) ففي هذه الصورة لاشك في حرمة بيع العنب وان لم يقصد بائعه ان يصنع خمرا، وذلك لأن بيعه في هذه الصورة هو (إعانة على صنع الخمر) عرفا.

معونة المذنب في غير الذنب:

معونة المذنب في غير الذنب مثل ان يعطي شارب الخمر او تارك الصلاة قرضا، او يغيثه في موارد الضرورة والحاجة، وهو أمر كثيرا ما يتفق للناس، وتعيين التكليف في مثل هذه الموارد مشكل جدا، اذا أنه من موارد تزاحم الحقوق ، فمن جهة ورد الأمر بوجوب الإبتعاد عن اهل المعاصي، كما ورد عن امير المؤمنين «عليه السلام»انه قال:
(امرنا رسول الله «صلى الله عليه واله» ان نلقي اهل المعاصي بوجوه مكفهرّة) «وسائل الشيعة» .
وقال الامام الصادق في توبيخ بعض اصحابه:
(وانتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا توذونه حتى يترك) «التهذيب ـ الطوسي».
وقد ورد بالنسبة الى بعض الذنوب روايات مشددة، منها قوله «عليه السلام»:
(من اعان تارك الصلاة بلقمة اوكسوة فكأنما قتل سبعين نبيا اولهم آدم وآخرهم محمد «صلى الله عليه واله») «لئالي الأخبار».

الذنوب الكبيرة - 2 62


وفي خبر آخر قال«صلى الله عيه واله»:
(من أعان تارك الصلاة بشربة ماء فكأنما حارب وجادل معي ومع جميع الأنبياء)«لئالي الأخبار».
وقال«عليه السلام»:
(من تبسم في وجه تارك الصلاة فكأنما هدم الكعبة سبعين مرة وقتل سبعين مَلـَكاً )
وهناك روايات أخرى بهذا المضمون ومثلها ما ورد في إجتناب مصاحبة شارب الخمر، وقاطع الرحم، والكذاب، فقد وردت تهديدات عديدة.
ومن جهة أخرى وردت روايات عديدة في وجوب رعاية حق المؤمن ، والمحب لأهل البيت «عليهم السلام»، والرَحِم ، والسادات والجار، وغيرهم، ووجوب محبتهم ومصاحبتهم، وظاهر هذا الروايات غير مختص باهل التقوى، اي ان رعاية حق الرحم واجبة وقطع الرحم حرام بشكل عام، حتى وان لم يكن من أهل التقوى ، كما تقدم في قطع الرحم وعقوق الوالدين حتى وإن كان كافرا او فاجرا فانه حرام، وورد بالنسبة الى السادات.
(اكرموا اولادي، الصالحون لله ، والطالحون لي)(1).
وفي محبي آل محمد «صلى الله عليه واله» يقول الإمام الرضا «عليه السلام»:
(كن محبا لآل محمد «صلى الله عليه واله» وان كنت فاسقا، ومحبا لمحبهم وان كانوا فاسقين) «دارالسلام2/ص203 » .
وفي الجار ورد قوله «صلى الله عليه واله»: (الجيران ثلاثة فمنهم من له ثلاثة حقوق حق الاسلام وحق الجوار وحق القرابة، ومنهم من له حقان حق الاسلام وحق الجوار، ومنهم من له واحد، الكافر له حق الجوار) «المستدراك /ابواب احكام العشرة /باب 72 ».

(1) في كتاب الكلمة الطيبة للمرحوم النوري ، نقلا عن الشهيد الاول في كتاب الدرة الباهرة، وهكذا في كتاب فضائل السادات.
الذنوب الكبيرة - 2 63


بناءا على ذلك يجب محبة محبي أهل البيت «عليهم السلام»، ومعونتهم، وقضاء حوائجهم حتى وان لم يكونوا من أهل التقوى.
كما يجب احترام السادات ورعاية الرحم حتى اذا كان من العاصين.
اذن ماهو التكليف؟
في صورة تزاحم الحقوق، واجتماع عدة تكاليف يجب في المرحلة الأولى الجمع بينها اذا كان ممكنا، واطاعة الكل وامتثاله.
واما اذا لم يكن الجمع ميسورا وكان مضطرا للعمل ببعض وترك الآخر، فيجب ملاحظة الأهم والمهم.
يعني : اي تكليف كان أقرب للشارع المقدس ، وجب تقديمه على الآخر، مثلا اذا كان صائما صوما واجبا معينا ، وغرق ابنه في الماء بنحو تعين ان يغطس في الماء وينجيه ، ففي هذه الصورة يتوجه على هذا الشخص تكليفان مختلفان لا يمكن الجميع بينهما ، أحدهما حرمة غمس الرأس في الماء لأنه صائم ، والآخر وجوب إنقاذ النفس المحترمة وهو متوقف على غمس رأسه في الماء ، فهنا عمل واحد هو حرام من جهة وواجب من جهة.
ولا شك ان انقاذ النفس المحترمة اهم في نظر الشارع ، ومقدم على الإفطار الذي هو امر قابل للتدارك بالقضاء.
بناءا على ذلك يجب عليه ان يغمس رأسه في الماء وإنقاذ الطفل، ومن دون ان يكون قد ارتكب بذلك ذنبا، بل عمل بواجبه ويؤجر عليه.

النهي عن المنكر هو الأهم:

اذا اتضح هذا الأمر يعلم ان الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر بمقتضى نص الآيات والروايات من الواجبات الإلهية المهمة التي لاشك في تقدمها اذا تزاحمت مع بعض الحقوق الواجبة.

الذنوب الكبيرة - 2 64


مثلا اذا كان الأب او الأم او الولد او سائر الأقارب غير مصلين ، او يعملون الماضي، وكان حالهم بنحو اذا لم يحسن لهم، او يساعدهم عند الضيق ، امتنعوا عن عملهم القبيح ، او يصيروا من المصلين، ففي هذه الصورة يجب من باب النهي عن المنكر ان لا يحسن لهم وان لا يساعد رحمه.
وبنحو عام اذا كان ترك الإحسان نافعا وجب ذلك واما اذا كان لا يتنبه العاصي بقطع الإحسان عنه ولم يكن مستعدا لإجتناب المعصية فإنه لا يثبت حينئذ إن ألإحسان وتقديم المعونة اليه حرام وذلك ان تقديم المعونة للعاصي انما كان حراما في صورة ما اذا كان قطع المعونة يدعوه لإجتناب المعصية، اما اذا كان تقديم المعونة وعدمه سواءا في عدم اجتنابه للمعصية، فسوف تسقط حرمة ذلك من باب النهي عن المنكر ، ولا يعلم انه حرام من جهة أخرى.
مثلا: حرمة مساعدة تارك الصلاة ـ التي ذكرت قبلا ـ إنما هي في صورة ما اذا كانت عدم مساعدته سببا في التزامه بالصلاة ، إذن لوكان والد الشخص او اقرباؤه غير مصلين، ولو قطع عنهم الإحسان لبقوا غير مصلين ايضا، ففي هذه الصورة تبقى حرمة قطع الرحم، وحرمة العقوق ثابتة على حالها.

يجب مراعاة المراتب:

ولا يفوتنا القول ان ما تقدم من أولوية قطع المساعدة والإحسان من باب النهي عن المنكرـ على سائر الحقوق ـ مثل حق الرحم والسيادة والجوار إنما هو في صورة:
اولا: إجتماع شرائط وجوب النهي عن المنكر (والتي من جملتها احتمال التأثير) .
ثانيا: ان تكون المرتبة الأقل من ترك المساعدة غير مفيدة، ذلك انه يشترط في النهي عن المنكر ـ على تفصيل سيأتي ـ مراعات المراتب، يعني الأخذ بالمرتبة الأسهل مهما أمكن، ولا يتجاوز الى المرتبة الأشد.
بناءا على ذلك فاذا كان العاصي يتخلى سريعا عن المعصية بمجرد قطع الإحسان عنه فلاشك حينئذ في وجوب ذلك من باب النهي عن المنكر.

الذنوب الكبيرة - 2 65


واما إذا كان الأب أو الإبن غير مصلٍ ، ويحتمل قويا من خلال المحبة وتقديم المعونة إليه (كما هو كذلك في الغالب لأن الإنسان عبد الإحسان) ان يصير مصليا ما دام الإحسان مستمرا عليه.
ففي هذه الصورة يجب الإحسان إليه ومعونته ويحرم قطع رحمه وصلته.
وخلاصة المطلب : انه في صورة ما اذا لم يكن للإحسان و المعونة اي تأير في استمرار ذلك الشخص على المعصية فحرمته غير معلومة، بل في بعض المواردـ التي تكون تلك الحقوق مسلمة شرعا ـ تجب الإعانة وألإحسان ويحرم تركها.

الذنوب الكبيرة - 2 66




الذنوب الكبيرة - 2 67


30
عدم نصرة ألمظلومين

الذنب الثلاثون من الذنوب التي ورد التصريح بأنها من الكبائر عدم نصرة المظلومين وعدم دفع الظلم عنهم، كما عُدّ ذلك من الكبائر في رواية الأعمش عن الإمام الصادق «عليه السلام» حيث قال«عليه السلام» (وترك معونة المظلومين) أي ان من جملة الذنوب الكبيرة ترك معونة المظلومين.
وفي الحقيقة ان نصرة المظلوم هي نهي عملي عن المنكر، إذن فمن لم ينصر المظلوم يكن تاركا لأعظم واجب الهي.
عن الإمام موسى بن جعفر «عليه السلام»:

(من قصد اليه رجل من اخوانه مستجيرا به في بعض احواله فلم يجره بعد ان يقدر عليه فقد قطع ولاية الله) «الكافي».
وعن الإمام الصادق «عليه السلام»:
(أيما مؤمن بخل بجاهه على أخيه المؤمن وهو أوجه جاها منه إلا مسه قتر وذلة في الدنيا والآخرة واصابت وجهه يوم القيامة نفحات النيران معذبا كان او مغفورا له)

الذنوب الكبيرة - 2 68


«بحار الأنوار».
وعن الإمام الباقر«عليه السلام» قوله:
(لايحضرن احدكم رجلا يضربه سلطان جائر ظلما وعدوانا ولا مقتولا ولامظلوما اذا لم ينصره، فان نصرة المؤمن على المؤمن فريضة واجبة اذا هو حضره ، والعافية اوسع مالم يلزمك الحجة الباهرة) «سفينة البحار /مجلد 2/590».
وفي الرواية ان الحسين «عليه السلام» اجتمع في قصر بني مقاتل بـ ( عمرو بن قيس المشرقي وابن عمه ) فقال لهما الحسين:
جئتما لنصرتي؟
قال : لا ، إنّا كثيرو العيال وفي أيدينا بضائع للناس ولم ندر ماذا يكون ونكره ان نضيع الأمانة.
فقال لهما «عليه السلام»: انطلقا فلا تسمعا لي واعية ولا تريا لي سوادا فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا أو يغثنا كان حقا على ألله عز وجل أن يكبه على منخريه في النار «عقاب ألأعمال/للصدوق».
وعن الإمام الصادق «عليه السلام»:
(جُلِدَ بعض الأحبار في قبره من عذاب الله فأمتلأ قبره نارا لأنه صلى يوما بغير وضوء ومرّ على ضعيف فلم ينصره) «سفينة البحار/ مجلد 2».
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
)وينصره ظالما ومظلوما ، نصرته ظالما فيرده عن ظلمه ، واما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه) «دار السلام/مجلد 2/197».
وقال الأمام الصادق «عليه السلام»:
(ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلا خذله الله في الدنيا والآخرة) «بحار الأنوار».
وعن الإمام الباقر«عليه السلام»:

الذنوب الكبيرة - 2 69


(من أعيب عنده اخوه المؤمن فلم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه فضحه الله في الدنيا والآخرة).
يعلم من هذا الحديث وأحاديث اخرى ان وجوب نصرة المظلوم لا اختصاص له بالمظلوم من الناحية ألمالية او البدنية، بل من ناحية الكرامة والشرف ايضا، حيث ان كرامة المؤمن محترمة كالمال والدم، فكما ان اهراق دمه وسلب امواله غير جائز فكذلك هدر كرامته حرام ايضا.
وقد جاء في الروايات تهديد شديد على ذلك(1).
وكما يجب نصرة المؤمن والوقوف ضد قتله، وسلب امواله، فكذلك يجب نصرته في حفظ كرامته وماء وجهه.
قال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من تطول على اخيه في غيبة سمعها فردها عنه رد الله عنه الف باب من الشر في الدنيا والآخره، فان هو لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة).
يقول الشيخ الانصاري:
(ولعل وجه زيادة عقابه انه اذا لم يردّه تجرأ المغتاب على الغيبة فيصر على هذه الغيبة وغيرها).
والظاهر ان الرد هو الإنتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة ، فان كان عيبا دنيويا انتصرله بان العيب ليس الا ما عاب الله من المعاصي التي من اكبرها ذكرك اخاك بما لم يعبه به الله ، وان كان عيبا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية(2).
فاذا قيل ـ مثلاـ فلان لا يؤدي الصلاة! يقال في جوابه: لعله : نسي، او صلى ولم

(1) عن الامام الصادق (ع) (من روى على مؤمن يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقطه من أعين الناس اخرجه الله من ولايته الى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان) «اصول الكافي».
(2) المكاسب المحرمة /الشيخ الأنصاري.
الذنوب الكبيرة - 2 70


تعرف بذلك،
واذا قيل فلان يشرب الخمر، يقال: لعله لم يكن خمرا، واذا افترض صحة الخبر قال : المؤمن غير معصوم ، وقد يبتلي احيانا بمعصية، فيجب الإستغفار له والشفقه به، لا الطعن به في غيابه.
وتفصيل هذا المطلب يذكر في بحث (الغيبة) ـ «ان شاء الله تعالى» ـ

الإعانة لا تنحصر بالمستغيث:

ويجب ان يعلم ان وجوب اعانة المظلوم لا ينحصر بالمظلوم الذي يطلب العون منه، بل كل من علم بذلك ، وكان قادرا على دفع الظلم عن المؤمن، وجب عليه.
نعم، اذا استنصر ذلك المظلوم كان الوجوب مؤكدا وشديدا.
يقول رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم) «وسائل الشيعة/ الجهاد باب/ 59».
ويقول الامام الصادق «عليه السلام»:
(أيما مؤمن سأله اخوه المؤمن حاجته وهو يقدر على قضائها فرده سلط الله عليه شجاعا(1)في قبره ينهش أصابعه) «المستدرك كتاب الأمر بالمعروف».
وايضا قال «عليه السلام»:
(لم يدع رجل معونة أخيه المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يؤجر) «الكافي».
وبهذا المضمون وردت روايات عديدة.
يقول الإمام السجاد «عليه السلام»:
(والذنوب التي تنزل البلاء ترك إعانة الملهوف) «معاني الأخبار».

(1) الشجاع: الثعبان.
الذنوب الكبيرة - 2 71


وفي دعائه «عليه السلام»:
(اللهم إني اعتذر اليك من ظلم بحضرتي فلم أنصره) «الدعاء 38 من الصحيفة السجادية».

نصرة المظلوم لاتختص بالمؤمن:

لا اختصاص لوجوب نصرة المظلوم بالمؤمن، بل مقتضى اطلاق بعض الأدلة الواردة في المقام ، وعموم ادلة وجوب النهي عن المنكر، هو وجوب نصرة المظلوم عند القدرة، حتى وان لم يكن شيعيا، بل كان من سائر فرق المسلمين، بل حتى اذا كان كافرا (غير حربي) ، او كان المظلوم حيوانا فانه يجب من باب النهي عن المنكر منع ودفع ذلك الظلم.
جاء في (منتهى الآمال) ان المنصور الدوانيقي في السنة التي ذهب فيها الى مكة المكرمة جيء اليه بمجوهرة ثمينة لغرض بيعها عليه فنظر فيها المنصور طويلا ثم قال انها من مجوهرات هشام بن عبد الملك بن مروان التي يجب ان اظفر بها وقد بقى له ولد اسمه محمد ما أراه إلا انه هو الذي عرضها ليبيعها، ثم دعا حاجبه (الربيع) وأمره ان يغلق ابواب المسجد الحرام بعد صلاة الصبح من اليوم الآتي ، ويترك واحد منها مفتوحا لخروج الناس ، ويقبض على محمد بن هاشم ويحضره اليه.
وفي اليوم التالى بدأ الناس بالخروج من ذلك الباب الواحد، ولكن محمد بن هشام عرف بان المقصود من ذلك القبض عليه فظهر عليه القلق والإضطراب ولم يدر ما يفعل، وهنا التقي معه محمد بن زيد بن علي بن الحسين «عليه السلام» فسأله من انت ؟ومم اضطرابك ؟ فقال له لئن عرفتك بنفسي هل تعطني الأمان ؟ فقال : نعم ، فقال : أنا محمد بن هشام بن عبدالملك بن مروان،فمن أنت ؟فقال: انا محمد بن زيد بن علي بن الحسين «عليه السلام» ولئن كان ابوك قد قتل أبي (زيد) إلا انك ياابن العم في أمان، فلست انت قاتل أبي ، ولا بد ان انقذك الآن مما انت فيه، وقد حضرني الآن ما استطيع به انقاذك شريطة ان توافق عليه ولا تخف فلما وافق محمد بن هشام خلع

الذنوب الكبيرة - 2 72


محمد بن زيد رداءه والقاه على وجهه وبدا يجره قليلا، ويضربه بين حين وآخر فلما انتهي الى باب المسجد نادى الربيع قائلاً: هذا جمال من أهل الكوفة قد أجرني بعيرا ثم دفعه لغيرى، ولي على ذلك شاهدان عادلان فابعث معي رجلين من شرطتك لأخذه الى القاضى، فلما سمع الربيع بذلك ارسل معه اثنين من رجاله، وخرجوا جميعا من المسجد ، وفي وسط الطريق التفت محمد بن زيد الى محمد بن هشام وقال له : يا خبيث لو دفعت لي حقي لأرحنا بذلك القاضي و الشرطة. فقال له محمد بن هشام ـ وقد التفت الى ما يريده ـ يا ابن رسول الله سمعا وطاعة! فالتفت محمد بن زيد الى الشرطة وقال لهم قد تعهد لي بحقي فانصرفا.
ولما انصرفا ونجا محمد بن هشام من خطر الموت وقع على محمد بن زيد يقبل رأسه ووجهه قائلا فداك ابي وامي الله اعلم حيث يجعل رسالته ، ثم اخرج من جيبه مجوهرة وقال: اقبلها مني فقال له محمد بن زيد نحن أهل بيت لا نأخذ أجرا على خير عملناه، وقد أعفيتك من دم أبي فما أصنع بالمجوهرة؟
وروى الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق «عليه السلام» (ان رجلا من عباد بني اسرائيل كان مشغولا بصلاته فرأى طفلين ينزعان عن ديك ريشه وهو يستغيث، فلم يعبأ له العابد واستمر مشغولا بصلاته، فأوحى الله الارض ان تخسف به فهو تحتها الى آخر الدنيا) ـ ألرواية ليست نصا ـ

آثار عظيمة لنصرة المؤمن في الدنيا والآخرة:

الاخبار الواردة في اهمية، وزيادة ثواب نصرة المظلومين ـ وبنحو كلي السعي في حاجات المؤمنين ـ كثيرة نشير الى بعضها لمزيد الإطلاع.
وروي زيد الشحام عن الإمام الصادق «عليه السلام» انه قال:
(من اغاث اخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفس كربته وأعانه على نجاح حاجته كتب الله عزوجل له بذلك ثنتين وسبعين رحمة من الله يعجل له منها واحدة يصلح بها امر معيشته ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله) «وسائل

الذنوب الكبيرة - 2 73


الشيعة ـ كتاب الأمر بالمعروف /29».
وقال «عليه السلام»: أوحى الله عز وجل الى داود: ان العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فادخله الجنة ، قال : يا رب وما تلك الحسنة؟
قال : يفرج عن المؤمن كربته ولو بتمرة فقال داود «عليه السلام» حق لمن عرفك ان لا ينقطع رجاؤه منك (1)«بحار الأنوار»
وروى في كتاب (الفقيه) عن ميمون بن مهران انه قال:
(كنت جالسا عند الحسين بن علي «عليهما السلام» فأتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله ان فلانا له علي مال ويريد ان يحبسني فقال«عليه السلام»: والله ماعندي مال فاقضي عنك ، قال فكلّمه. قال: فلبس «عليه السلام» نعله فقلت له يا ابن رسول الله انسيت اعتكافك؟
فقال: لم أنس، ولكني سمعت أبي«عليه السلام» يحدث عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال من سعى في حاجة اخيه المسلم فكأنما عبد ألله عزوجل تسعة الآف سنة صائما نهاره قائما ليله.

رسالة الإمام الصادق(ع) لحاكم الأهواز:

ورد ان عاملا من عمال النجاشي ـ كان حاكما على الأهوازـ دخل على الإمام الصادق «عليه السلام» وقال له: ان في ديوان النجاشي علي خراجا وهو مؤمن يدين بطاعتك فان رأيت ان تكتب لي اليه كتاب قال فكتب اليه ابو عبدالله «عليه السلام» (بسم

(1) يقول بعض الأكابر: رايت رايت شخصا وهو في حالة الاحتضار في غاية الظلمة فاستوحشت وقلت في نفسي لو مات على هذا الحال فماذا سيكون مصيره ؟ وفجأة ارتفع نداء يقول: يا ملك الموت انتظر فان له علي حقا يجب ان اؤديه له ، وفجأة شعت عليه أنوار فانقلبت ظلمته الى نور، وعفونته الى عطور ، وقبح منظرة الى أجمل صورة، واصبح بدنه يتلألأ كأنه قطعة بلور ثم مات وهو في تلك الحال.
فسالت الله تعالى ان يعرفني ما كان حقه عليه ، فرأيت في عالم الرؤيا ذلك الشخص وسألته فقال : اما سيآتي فقد رايت ولكن يوما ما رأيت مظلوما يريدون إعدامه من دون ذنب ، وحيث كان لي يد في جهاز السلطان سعيت وانقذته، وكان ذلك سببا في ان اغاثني ربي وانا في اسوأ ألأحوال.

السابق السابق الفهرس التالي التالي