المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 105

4 علي :
المعروف بالزينبي ، وفي نسله الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية ، وهو كما في ( عمدة الطالب ) أحد ارجاء آل أبي طالب الثلاثة .
وفي ( تاج العروس ) مادة « زينب » : « والزينبون بطن من ولد علي الزينبي بن عبدالله الجواد بن جعفر الطيار ، نسبة الى أمه زينب بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وأمها فاطمة ( رض ) وولد علي هذا أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة ) (33) .
ويقول عنه السيد الهاشمي : وأما علي بن عبدالله فهو المعروف بالزينبي ، نسبة الى أمه زينب بنت علي (عليهما السلام) ذكروا (34) أنه كان ثلاثة في عصر واحد بني عم ، يرجعون الى أصل قريب ، كلهم يسمى علياً ، وكلهم يصلح للخلافة ، وهم : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( السجاد ) ، وعلي بن عبدالله بن العباس ، وعلي بن عبدالله بن جعفر الطيار ، ولكن إمام المسلمين وقتئذٍ كان السجاد زين العابدين ، يعظمه القريب والبعيد ، وتعنوا له كبار المسلمين ، وقد تزوج علي بن عبدالله بن جعفر ، لبابة بنت عبدالله بن عباس حبر الأمة ، وكان نسل عبدالله بن جعفر منه ، والسادة الزينبية كثيرون في العراق وفارس ومصر والحجاز والأفغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيب سلالتها (35) .
وقال ابن عنبة : كان علي الزينبي يكنى أبا الحسن وكان سيداً كريماً (36) .
وقد ألف الحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 911 ه ) رسالة حول ذرية السيدة زينب سماها ( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية ) (37) .

(33) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 127 .
(34) نقل ذلك الأزورقاني من كتاب ( المصابيح ) لأبي بكر الوراق .
(35) (عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 40 .
(36) ( عقيلة الطهر والكرم ) موسى محمد علي ص 114 .
(37) مجلة ( الموسم ) ص 858 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 106

5 أم كلثوم :
أم كلثوم : وهي البنت الوحيدة كما يبدوا للسيدة زينب ، ولابد وأنها قد ورثت شمائل أمها ، وتحلت بمكارم أخلاق أبيها ، ولذلك تسابق الخاطبون لطلب يدها وكان من جملتهم معاوية بن أبي سفيان خطبها أيام سلطته لولده يزيد ، وكلف واليه على المدينة مروان بن الحكم أن يخطبها من أبيها ليزيد بن معاوية ، فقال أبوها عبدالله بن جعفر .
إن أمرها ليس اليّ إنما هو الى سيدنا الحسين وهو خالها .
فأخبر الحسين بذلك ، فقال : أستخير الله ( تعالى ) اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد .
فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقبل مروان حتى جلس الى الحسين (عليه السلام) وقال :
إن أمير المؤمنين معاوية أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ، مع قضاء دينه ، واعلم ان من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفؤ من لا كفؤ له ، وبوجهه يستسقي الغمام ، فردّ خيراً يا أبا عبدالله .
فقال الحسين : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه .
ثم قال : يا مروان قد قلت فسمعنا .
أما قولك : مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو اثنتا عشرة أوقية يكون اربعمائة وثمانين درهماً .
وأما قولك : مع قضاء دين أبيها ، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ؟ .

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 107

وأما صلح ما بين هذين الحيّين ، فإنا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري لقد اعيا النسب فكيف السبب ؟ .
وأما قولك : والعجب كيف يستمهر يزيد ؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد ، ومن أبي زيد ، ومن جدّ يزيد ! .
وأما قولك : إن يزيد كفؤ من لا كفؤ له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته في الكفاءة شيئاً .
وأما قولك : وجهه يستسقى به الغمام : فإنما كان ذلك وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وأما قولك : من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا ، فإنما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل .
ثم قال ( عليه السلام ) : فاشهدوا جميعاً إني قد زوجت أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على اربعمائة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة أو قال أرضي العقيق وإن غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار ففيهما لهما غنى إن شاء الله تعالى . فتغير وجه مروان ، وقال :
أردنا صهركم لنجد وداً قد أخلقه به حدث الزمان
فلما جئتكم فجبهتموني وبحتم بالضمير من الشنان

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :
أماط الله عنهم كل رجس وطهرهم بذلك في المثاني
فمالهم سواهم من نظير ولا كفو هناك ولا مداني
أتجعل كل جبار عنيد الى الأخيار من أهل الجنان (38)

(38) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 129 .
مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 108




مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 109

مع أبيها علي


المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 110




المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 111

طبيعي أن تنشد البنت لأبيها وتتعلق به ، وخاصة اذا ما فقدت البنت أمها فسيصبح أبوها حينئذٍ هو المنبع الوحيد للعاطفة والحنان والرعاية تجاهها .
وفي علاقة السيدة زينب بأبيها علي بن أبي طالب هناك عامل اضافي يتمثل في الصفات والسمات النفسية والأخلاقية التي يتمتع بها الإمام علي والتي تفرض حبّه وعشقه واكباره على كل من التقى به أو عاشره أو سمع عنه .
بل إن أي واحدة من سوابقه ومناقبه لحرية باخضاع النفوس والقلوب لمكانته وجلالته كما يقول أبو الطفيل :
قال بعض أصحاب النبي : لقد كان لعلي من السوابق مالو أن سابقه منها بين الخلائق لو سعتهم خيراً (1) .
ومن عرف علياً أو تعرف عليه فلم يهيمن حب علي على قلبه فذلك دلالة على انحراف في طبعه وخلل في ذاته .

(1) ( أسد الغابة في معرفة الصحابة ) ابن الاثير ج 3 ، ص 598 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 112

وهل يكره الخير عاقل ؟ ! أو هل يبغض النور سويّ ؟ لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام علي : « لا يحبّك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق » (2) .
وقال أبو سعيد الخدري : كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب (3) .
وحتى ألدّ خصومه وأعدائه معاوية بن أبي سفيان لم يستطع كتمان اعجابه بشخصيته (عليه السلام) حيث قال لما بلغه قتله :
ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب .
فقال له اخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام ؟ .
فقال له : دعني عنك (4) .
وحينما وصف ضرار بن ضمرة شخصية الإمام علي بمحضر معاوية بعد وفاة الإمام بكى معاوية ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها ، وجعل ينشفها بكمّه ، وقد اختنق القوم بالبكاء ، وقال معاوية :
رحم الله أبا الحسن والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها (5) .
واذا كانت شخصية علي تأسر حتى قلوب أعدائه فضلاً عن أصحابه وأتباعه فما هو مدى تأثير شخصيته على ابنته القريبة منه والمتعلقة به ؟ .

(2) المصدر السابق ص 602 .
(3) المصدر السابق ص 607 .
(4) ( أئمتنا ) علي دخيّل ج 1 ، ص 91 .
(5) المصدر السابق ص 92 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 113

نحاول في السطور التالية أن نقتطف من ذاكرة التاريخ ما سجلته من صور ولقطات عن تلك العلاقة الإيمانية الانسانية الحميمة بين السيدة زينب وابيها الإمام (عليهما السلام) ، لنرى كيف عاشت السيدة زينب في ظل أبيها :

الحفاظ على مهابة زينب وصونها :

حدّث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته ، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً ، وكانت اذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) تخرج ليلاً ، والحسن عن يمينها ، والحسين عن شمالها ، وأمير المؤمنين أمامها ، فاذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخمد ضوء القناديل .
فسأله الحسن مرة عن ذلك ؟ .
فقال : أخشى أن ينظر أحد الى شخص أختك زينب (6) .
سيدة بيت أبيها تزوج الإمام علي (عليه السلام) بعد فقد الزهراء (عليها السلام) أكثر من زوجه ، لكن أياً من زوجاته لم تكن لتأخذ مكان السيدة زينب وموقعها في بيت أبيها فهي سيّدة البيت بما تمثله من امتداد لأمها الزهراء وبما تمتلكه من صفات ومؤهلات ، وبما تتمتع به من محبة واحترام متبادل مع أبيها وأخويها الحسنين .

(6) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 22 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 114

وحتى بعد زواجها بابن عمها عبدالله بن جعفر فإنها لم تنقطع عن بيت أبيها ، ولم تشغلها التزاماتها الزوجية والعائلية عن أداء دورها المميز في بيت علي .
يقول السيد بحر العلوم : ورغم أن زينب عاشت في بيت الزوجية ، لكن الزواج لم يشغلها عن تحمل مسؤليات بيت أبيها علي ، فهي بنت الزهراء ، وحفيدة خديجة ، وتحمّل المسؤلية من خصال ربّات هذا البيت . وزينب عقيلة بني هاشم ، وسيدة البيت العلوي ، وزعميت القوم ، رغم أنها تزوجت ، وانتقلت الى بيت ابن جعفر الا أنها لم تتخل عن المسؤولية ، لتدير بيت أبيها ، وتهتم بشؤون أخويها ، وتصبح المسؤولة عنهم أولاً وآخراً (7) .
وتقول بنت الشاطيء : ولم يفرق الزواج بين زينب وأبيها واخوتها ، فقد بلغ من تعلق الإمام علي بابنته وابن أخيه أن أبقاها معه ، حتى إذا ولي أمر المسلمين وانتقل الى الكوفة ، انتقلا معه ، فعاشا في مقر الخلافة ، موضع رعاية أمير المؤمنين واعزازه ، ووقف عبدالله بجانب عمه في نضاله الحربي ، فكان أميراً بين أمراء جيشه في صفين .
وعرف الناس مكانة عبدالله من بيت النبوة ، فكانوا يلتمسون لديه الوسيلة الى أمير المؤمنين ، والى ولديه الحسن والحسين ، فلا يردّ له طلب ولا يخيب رجاء .
جاء في ( الأصابة ) ( ج 4 ص 48 ) نقلاً عن محمد بن سيرين : أن دهقاناً من أهل السواد كلّم ابن جعفر في أن يكلم علياً في حاجة ، فكلّمه ، فقضاها ، فبعث اليه الدهقان أربعين ألفاً فردّها قائلاً : إنا لا نبيع معروفاً (8) .

(7) ( في رحاب السيدة زينب ) بحر العلوم ص 37 .
(8) ( السيدة زينب ) عائشة عبد الرحمن بنت الشاطيء ص 50 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 115


في موكب أبيها الى الكوفة :

بعد أن اختارته جماهير الأمة حاكماً وخليفة ، وبايعه الناس برغبتهم واختيارهم ، وبشكل لا شبيه له في تاريخ المسلمين ، وذلك في شهر ذي الحجة سنة ( 35 ه ) في أعقاب مقتل الخليفة عثمان بن عفان .
قرر الإمام علي الأنتقال الى الكوفة لمواجهة التطورات السياسية حيث نكث بعض مبايعيه بيعته كطلحة والزبير واستقطبوا معهم السيدة عائشة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتخذوا البصرة بؤرة لتمردهم عليه ، كما كان معاوية يعبّيء أهل الشام ضدّ خلافة الإمام .
وكان الإمام مدركاً لما ينتظره من أوضاع خطيرة في عاصمة خلافته الجديدة « الكوفة » ولكنه قرّر أن يصطحب معه ابنته زينب ، فهو يريدها الى جانبه في الظروف الحساسة والحرجة ، وهي تصعب عليها مفارفة أبيها والابتعاد عنه .
وهكذا ودعت السيدة زينب مسقط رأسها ومرتع طفولتها ومثوى جدّها وأمها المدينة المنورة ورافقت اباها في رحلته الى الكوفة بمعية زوجها عبدالله بن جعفر .
ويصف الشيخ النقدي ظروف سفر السيدة زينب في موكب أبيها بقوله : سافرت زينب هذه السفرة وهي في غاية العز ، ونهاية الجلالة والأحتشام يسير بها موكب فخم رهيب من مواكب المعالي والمجد ، محفوف بأبّهة الخلافة ، محاط بهيبة النبوة ، مشتمل على السكينة والوقار ، فيه أبوها الكرار أمير المؤمنين ، واخوتها الحسنان سيدا شباب أهل الجنة ، وحامل الراية العظمى محمد بن الحنفية ، وقمر بني هاشم العباس بن علي ، وزوجها الجواد عبدالله بن جعفر ، وأبناء عمومتها عبدالله بن عباس ، وعبيد الله وأخوتهما ، وبقيّة أبناء جعفر الطيار ، وعقيل بن أبي طالب ، وغيرهم من فتيان بني هاشم ، وأتباعهم من رؤساء القبائل ، وسادات العرب مدجّجين بالسلاح ، غاصّين في الحديد ، والرايات ترفرف على رؤوسهم ،

المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 116

وتخفق على هاماتهم ، وهي في غبطة وفرح وسرور (9) .

مدرستها العلمية :

لم تكن دار علي في الكوفة مجرد مركز للسلطة والحكم ، ولا كان وجوده الشريف منحصراً في شخصيته ودوره كحاكم وقائد ، بل كانت داره مركز اشعاع للمعرفة والفكر ، وكان دوره في التوجيه الروحي الفكري لا يقل عن دوره في الزعامة السياسية الإجتماعية .
ولكي تنتشر المعرفة في جميع أوساط المجتمع ، وحتى لا يحرم أحد من حقه في الثقافة والوعي ، عهد الإمام علي الى ابنته العقيلة زينب أن تتصدى لتعليم النساء وأن تبث المعرفة والوعي في صفوفهن .
فكانت العقيلة زينب تفسر لهنّ القرآن الكريم ، وتروي لهنّ أحاديث جدها المصطفى (صلى الله عليه وآله) وأخبار أمها الزهراء (عليها السلام) وتوجيهات أبيها المرتضى ( عليه السلام ) .
فقد ورد أنه كان لها مجلس في بيتها أيام اقامة أبيها (عليه السلام) في الكوفة ، وكانت تفسر القرآن للنساء ، وقد دخل عليها أبوها ذات يوم وهي تفسر بداية سورة الكهف وسورة مريم ( كهيعص ) (10) (11) .

(9) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 92 .
(10) سورة مريم ، الآية ( 1 ) .
(11) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 36 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 117


امتيازات الخلافة والحكم :

الوصول الى سدّه الخلافة والحكم يعني الحصول على الأمتيازات والمكاسب المادية والسياسية والإجتماعية ، فالحكم تتمركز بيده القوة وتكون تحت تصرفه الثروة والامكانات فيعيش في أعلى درجة من الراحة والرفاه ، وتنعم عائلته واقرباؤه واعوانه بصنوف النعم والأمتيازات من مناصب واقطاعات وعطاءات وهبات .
هذا ما ينقله التاريخ لنا من تلاعب الحكام الأمويين والعباسيين وغيرهم في الماضي بثروات الأمة ، وبناء القصور بها والأستيلاء على الأراضي واكتناز الثروات ، وبسط الموائد الفاخرة .
فقد كان شباب بني مروان ايام حكمهم يرفلون في الوشيئ كأنهم الدنانير الهرقلية ، وكان مروان بن ابان بن عثمان يلبس سبعة اقمص كأنها درج بعضها أقصر من بعض ، وفوقها رداء عدني بألفي درهم ، أما نساؤهم فقد كنّ يلبسن الديباج والحرير (12) .

(12) ( حياة الإمام الباقر ) باقر شريف القرشي ج 2 ، ص 151 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 118

ولما تزوج مصعب بن الزبير بعائشة بنت طلحة أمهرها بألف ألف درهم واهدى لها ثماني حبّات من اللؤلؤ قيمتها عشرون ألف دينار ، وكانت تحج ومعها ستون بغلة عليها الهوادج والرحائل (13) .
وكان معاوية بن أبي سفيان يقول : الأرض لله وأنا خليفة الله فما آخذ من مال الله فهو لي وما تركته كان جائزاً لي (14) .
وكتب معاوية الى زياد بن أبيه عامله على العراق أن يصطفي له الصفراء والبيضاء ، فأوعز زياد الى عماله بذلك ، وأمرهم أن لا يقسموا بين المسلمين ذهباً ولا فضة (15) .
وكذلك كان الحال لدى حكام بني العباس ، فقد ورد أن هارون الرشيد كان ينفق كل يوم على موائد طعامه عشرة آلاف درهماً ، وربما اتخذ له الطباخون ثلاثين لوناً من الطعام (16) .
وقد شغف هارون الرشيد بالجواهر والأحجار الثمينة فاشترى خاتماً بمائة ألف دينار ، وكان عنده قضيب زمرد أطوال من ذراع ، وعلى رأسه تمثال طائر من ياقوت أحمر لا تقدير لثمنه ، نظراً لنفاسته وقد قُيّم الطائر وحده بمائة ألف دينار (17) .
ويتحدث التاريخ عن ترف واسراف زوجته زبيدة ، فقد اشترت غلاماً ضرّاباً على العود مجيداً بثلاثمائة ألف درهم ، واتخذت الخفاف الأحذية المرصعة بالجوهر تلبسها في قصرها ، واتخذت سبحة من يواقيت رمانية كالبنادق اشترتها بخمسين ألف دينار . وصنعت لها بساطاً من الديباج جمع صورة كل حيوان من جميع الأجناس ، وصورة كل طائر من الذهب وأعينها من يواقيت وجواهر يقال أنها أنفقت عليها نحواً من ألف ألف دينار ، واتخذت آله من الذهب المرصع

(13) المصدر السابق ص 152 .
(14) ( حياة الإمام موسى بن جعفر ) باقر شريف القرشي ج 1 ، ص 301 .
(15) المصدر السابق ص 301 .
(16) المصدر السابق ج 2 ، ص 39 .
(17) المصدر السابق ص 46 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 119

بالجوهر ، والثوب من الوشي الرفيع يزيد ثمنه على خمسين ألف دينار (18) .
ولم تقتصر مظاهر البذخ وحياة الترف على الخلفاء والحاكمين وعوائلهم بل شملت وزراءهم وأعوانهم ، فقد كانت لأم جعفر الوزير البرمكي للعباسيين مائة وصيفة لباس كل واحدة وحليها خلاف لباس الأخرى وحليها (19) .
هكذا يعيش الخلفاء ونساؤهم وعوائلهم فكيف كان يعيش علي بن أبي طالب مع نسائه وعائلته أيام خلافته ؟ وماذا نالت ابنته زينب من امتيازات الخلافة والحكم ؟ وهي كبرى بنات الخليفة ، وحبيبة قلبه ، وسيدة بيته ؟ .
لنستعرض بعض ما ينقله لنا التاريخ عن حياة علي أثناء خلافته لنرى الظروف والأوضاع التي عايشتها السيدة زينب في ظل خلافة أبيها في الجانب الحياتي المادي .
كان علي يوزع ما في بيت المال اسبوعياً كل جمعة ، ثم يكنس بيت المال وينضحه بالماء ، ثم يصلي فيه ركعتين ويقول : « أشهد لي يوم القيامة أني لم أحبس فيك المال على المسلمين » (20) .
وعن الشعبي قال: دخلت الرّحبة وأناغلام في غلمان فاذا أنا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على صرتين من ذهب وفضة ، فقسمه بين الناس حتى لم يبق منه شيء ورجع ولم يحمل الى بيته منه شيئاً ، فرجعت الى أبي فقلت : لقد رأيت خير الناس أو أحمق الناس .
قال : ومن هو يا بني ؟
قلت : رأيت أمير المؤمنين علياً فقصصت عليه الذي رأيته يصنع فبكى وقال :

(18) المصدر السابق ص 48 .
(19) المصدر السابق ص 50 .
(20) ( الغارات ) أبو اسحاق الثقفي ( المتوفى : 283 ه ) ج 1 ، ص 49 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 120

يا بني بل رأيت اليوم خير الناس (21) .
وعن أبي رجاء يزيد بن محجن أن علياً أخرج سيفاً له الى السوق فقال : من يشتري مني سيفي هذا ؟ فوالذي نفسي بيده لو أن معي ثمن إزار لما بعته ! .
قال أبو رجاء : فقلت: يا أمير المؤمنين أنا أبيعك ازاراً وأنسئك ثمنه الى عطائك .
فبعته ازاراً الى عطائه ، فلما قبض عطاءه أعطاني حقي (22) .
وعن سويد بن غفلة قال : دخلت على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فاذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته ، وفي يده رغيف ترى قشار الشعير على وجهه ، وهو يكسره ويستعين أحياناً بركبته ، وإذا جاريته فضة قائمة على رأسه ، فقلت لها :
يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ ؟ لو نخلتم دقيقه .
فقالت : إنا نكره أن يؤجر ونأثم ، وقد أخذ علينا أن لا ننخل له دقيقاً ما صحبناه .
فقال علي : ما يقول ؟
قالت : سله .
فقلت له : ما قلت لها : لو ينخلون دقيقك .
فبكى ثم قال : بإبي واُمي من لم يشبع ثلاثاً متوالية من خبز برّ حتى فارق الدنيا ، ولم ينخل دقيقه يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) (23) .

(21) المصدر السابق ص 54 .
(22) المصدر السابق ص 63 .
(23) المصدر السابق ص 87 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 121

وعن الإمام جعفر بن محمد قال : اُتي علي بخبيص فأبى أن يأكله .
قالوا : تحرّمه ؟ .
قال : لا ولكني أخشى أن تتوق اليه نفسي .
ثم تلا :«أَذْهَبْتُمْ طَيِبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الْدُنْيَا »(24)(25) .
هكذا كانت السيدة زينب ترى حياة أبيها الخليفة ، وكانت سياسة أبيها تنعكس بالطبع على حياتها فقد روي أن زوجها عبدالله بن جعفر أصابته حاجة وهو ثري لكنه ينفق أمواله كرماً وجوداً .
فجاء الى عمه أمير المؤمنين علي ليطلب منه معونة من بيت المال ، وعبدالله عزيز على قلب عمه ، وهو زوج ابنته العزيزة الأثيرة زينب ، فبماذا أجابه علي ؟ . .
لنقرأ نص الرواية :
قال عبدالله بن جعفر بن أبي طالب لعلي : يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة فوالله ما عندي الا أن أبيع بعض علوفتي .
وفي رواية : الا أن أبيع دابتي .
قال له علي : لا والله ما أجد لك شيئاً الا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك ! ! (26) .
فعلي لا يجد لابن أخيه العزيز وزوج ابنته العزيزة عطاءً أكثر من حصته المقرّرة كسائر المسلمين ، ويعتبر أي عطاء اضافي نوعاً من السرقة من بيت المال ! ! .

(24) المصدر السابق ص 90 .
(25) سورة الأحقاف ، الآية ( 20 ) .
(26) ( الغارات ) أبو اسحاق الثقفي ج 1 ، ص 66 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 122

وقال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : إن علياً ولي الخلافة خمس سنين وما وضع آجرة ولا لبنة على لبن ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاء ولا حمراء (27) .
وقصة أخرى ينقلها التاريخ تحكي عن وضع بنات الإمام علي وعائلته اثناء خلافته ، وكيف انهم لم يستفيدوا أي شيء مادي من امتيازات الخلافة والسلطة :
عن علي بن أبي رافع قال : كنت على بيت مال علي بن أبي طالب وكاتبه ، وكان في بيت المال عقد لؤلؤ .
قال : فأرسلت اليّ بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقالت لي : بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين عقد لؤلؤ وهو في يدك ، وأنا أحب أن تعيرنيه أتجمل به في أيام عيد الأضحى . فأرسلت اليها ، وقلت : عارية مضمونة يا ابنة أمير المؤمنين . .
فقالت : نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام . .
فدفعته اليها . . وإن أمير المؤمنين رآه عليها فعرفه ، فقال لها : من أين صار اليك هذا العقد ؟ . .
فقالت : استعرته من ابن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزين به في العيد ثم أردّه . .
قال : فبعث اليّ أمير المؤمنين فجئته ، فقال : أتخون المسلمين يابن أبي رافع ؟ .
فقلت : معاذ الله أن أخون المسلمين .
فقال : كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير اذني ورضائي ؟ .
فقلت : يا أمير المؤمنين إنها ابنتك ، وسألتني أن أعيرها إياه تتزين به ، فأعرتها

(27) ( علي من المهد الى اللحد ) القزويني ص 140 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 123

إياه عارية مضمونة مردودة ، وضمنته في مالي ، وعليّ أن أردّه مسلّماً الى موضعه .
فقال : ردّه من يومك وإياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي ، ثم اولى لإبنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت أذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة .
قال : فبلغ مقالته ابنته ، فقالت له : يا أمير المؤمنين أنا ابنتك وبضعة منك فمن أحق بلبسه مني ؟ .
فقال لها أمير المؤمنين : يا بنت علي بن أبي طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق ، أكل النساء المهاجرين تتزين في هذا العيد بمثل هذا ؟ .
قال ابن أبي رافع : فقبضته منها ورددته الى موضعه (28) .
من كانت تلك البنت ؟ هل هي زينب ؟ أم احدى أخواتها ؟ لعلها لم تكن زينب لأن تقواها ومعرفتها بسياسة أبيها تمنعها من ذلك .
والمهم أن نعرف أن زينب لم تنل من امتيازات الخلافة والحكم شيئاً ، حتى بمقدار سدّ عوز وحاجة بيتها ، أو في حدود استعارة شيء من بيت المال كعارية مضمونة مردودة .

(28) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 40 ص 338 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي