الذنوب الكبيرة - 2 90


الناس» وهو اشارة الى السحر غير الحقيقي، ثم اردفوه بالحقيقي «واسترهَبُوهُم وجاءوا بسحر ٍعَظيم» (1).
ثم ذكر بعد ذلك طرق السحر مما لا موجب لإطالة الكلام بذكره هنا مع قلة فائدته.

قدرة الساحر محدوة:

وفي حديث الامام الصادق «عليه السلام» لسائل سأله عن قدرة الساحر على ان يجعل الإنسان كلبا او بصورة الحمار قال «عليه السلام»:
(هو اعجز واضعف من ان يغير خلق الله، ان من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك لله تعالى في خلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والآفة ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته وان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين ويجلب العداوة على المتصافين) «سفينة البحار/1ـ605».
4 ـ التسخير:


التسخير وهو استخدام المَلَك، أو الجن ، او أرواح البشر، او سائر الحيوانات وغير ذلك ـ حرام وعد من اقسام السحر.
يقول الشيخ الانصاري في المكاسب:
(الظاهر ان التسخيرات باقسامها داخلة في السحر على جميع تعاريفه ، وقد عرفت ان الشهيدين مع إشتراط الإضرار في الحكم بحرمة السحر ذكرا ان استخدام الملائكة والجن من السحر، ولعل وجه دخوله تضرر المسخر بتسخيره).
5 ـ القيافة:


القيافة هى نسبة احد لآخر على خلاف الميزان الذي قرره الشارع المقدس لإثبات النسب.

(1) (الاعراف 116).
الذنوب الكبيرة - 2 91


مثل ان يحكم حكما قطعيا ـ استنادا الى معرفته بعلم القيافة ـ بان فلانا ابن او أخ لفلان ، في حين انه ليس كذلك حسب الميزان الشرعي، او ينفي ان يكون فلان ابنا لفلان في حين انه ابنه حسب قانون الشرع.
وهذا القسم من القيافة ملحق بالسحر، وهو حرام بإتفاق جميع الفقهاء ، اما ما يستكشفه العارف بالقيافة والفراسة من خلال الوضع الظاهري والباطني للشخص وبنحو الظن والحدس وبنحو لم يكن مستلزما للحرام، فمثل ذلك جائز.
وقد نقلت في هذا الباب أمور عجيبة عن مثل هؤلاء الأشخاص من جملة ذلك ما ورد في كتاب الكافي وبحار الأنوار عن احوال الإمام الصادق « عليه السلام»:
ان علي بن هبيرة وهو احد امراء بني العباس سخط على غلام له اسمه (رفيد) وغضب عليه فلجأ ذلك الغلام الى الإمام الصادق «عليه السلام» وعاذ به فقال له الإمام إنصرف إليه وإقرأه مني السلام وقل له: اني أجرت عليك مولاك رفيدا، فلا تهجه بسوء ، فقال رفيد: جعلت فداك، شامي خبيث الرأي.
فقال «عليه السلام»: اذهب اليه كما اقول لك.
قال رفيد : بين أنا في الطريق استقبلني إعرابي ببعض البوادي فقال : اين تذهب ؟ فاني أرى وجه مقتول، ثم قال لي : اخرج يدك، ففعلت، فقال ، يد مقتول ، ثم قال لي: اخرج لسانك ففعلت فقال امض فلا باس عليك فان في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لأنقادت لك ، قال رفيد : فجئت فلما دخلت عليه امر بقتلي ، فقلت : أيها الأمير لم تظفر بي عنده ، وإنما جئتك من ذات نفسي ، وههنا امر اذكره لك ثم انت وشأنك ، فامر من حضر فخرجوا فقلت له :
مولاك جعفر بن محمد يقرؤك السلام ويقول لك : قد أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء.
فقال : الله لقد قال لك جعفر هذه المقالة؟ واقرأني السلام؟
فحلفت ؟ فرددها علي ثلاثا، ثم حل كتافي ، ثم قال: لا يقنعني منك حتى تفعل بي

الذنوب الكبيرة - 2 92


مافعلت بك ، قلت : تكتف يدي يديك ، و لا تطيب نفسي فقال: والله ما يقنعني إلا ذلك ، ففلت كما فعل ، واطلقته ، فناولني خاتمه وقال : امري في يدك فدبر فيها ما شئت.
6 ـ التنجيم


هو الإخبار القطعي الجازم عن حوادث كونية كالغلاء والرخص والقحط والكثرة وزيادة الامطار وقلتها وامثال ذلك من انواع الخير والشر، والنفع والضر، اعتمادا على حركات الأفلاك واتصالات الكواكب واعتقادا بانها مستقلة في التأثير على عالمنا.
اما الأخبارعن هذه الأمور بنحو الاحتمال ، ومن دون الاعتقاد باستقلالية الافلاك في التاثير ، بل الاعتقاد بان ألله تعالى هو المؤثر الحقيقى، فمثل ذلك جائز كالتنبؤ بالكسوف والخسوف ، وتقارب النجوم وتباعدها عن بعضها فانه لا مانع من ذلك، اذ ان مثل هذه الأخبار تعرف بواسطة الحسابات الدقيقة لحركات الأفلاك والكواكب، ومدارتها واوضاعها ، ولها اصول وقواعد مضبوطة لا تقبل الخطأ، وما يحصل من الاخطاء في تنبؤات المنجمين فيها ناشيء من اشتباه في الحساب.
وبالجملة فالحرام هو الإخبار القاطع الجازم بالحوادث الكونية باعتقاد انها من اثار الافلاك وحركاتها ، وهذا القسم من علوم النجوم ملحق بالسحر.
ولأجل اكمال البحث نذكرـ مختصرا ـ كلام الشيخ الانصارى ضمن فروع اربعة :
الاول : الظاهر انه لا يحرم الإخبار عن الاوضاع الفلكية المبتنية على سير الكواكب كالخسوف الناشيء عن حيلولة الأرض بين النيرين ـ الشمس والقمر ـ والكسوف الناشيء عن حيلولة القمر او غيره.
الثاني: يجوز الإخبار بحدوث الاحكام عند الاتصالات والحركات المذكورة بان يحكم بوجود كذا في المستقبل عند الوضع المعين من القرب والبعد والمقابلة والإقتران بين الكوكبين اذا كان على وجه الظن المستند الى تجربة محصلة او منقولة

الذنوب الكبيرة - 2 93


في وقوع تلك الحادثة بارادة ألله عند الوضع الخاص ومن دون اعتقاد ربط بينهما أصلا، بل الظاهر جواز الإخبار على وجه القطع إذا استند الى تجربة قطعية إذ لاحرج على من حكم قطعا بالمطر في هذه الليلة نظرا الى ما جربه من نزول كلبه عن السطح الى داخل البيت مثلا.
الثالث : الإخبار عن الحادثات والحكم بها مستندا الى تاثير الإتصالات المذكورة فيها بالإستقلال او بالمدخلية وهو المصطلح عليه بالتنجيم فظاهر الفتوى والنصوص حرمته.
عن النبي «صلى الله عليه واله» انه (من صدق منجما او كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد «صلى الله عليه واله») وعن الإمام الصادق «عليه السلام» (المنجم ملعون والكاهن والساحر ملعون ).
وفي نهج البلاغة (انه«عليه السلام» لما اراد المسير الى بعض أسفاره فقال بعض أصحابه ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال «عليه السلام» له : اتزعم انك تهدي الى الساعة التي من سارفيها انصرف عنه السوء وتخوف من الساعة التي من سارفيها حاق به الضر؟
فمن صدقك بهذا القول كذب القرآن ، وإستغنى عن الإستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب ودفع الكروب).
(ومثل ذلك ما ورد عن الصدقة وسائر الامور التي يدفع بها البلاء)
وبناءا على ذلك لا مانع من ان يحكم المنجم لا بنحو القطع، بل مؤملا بالله ـ تعالى ـ في الوصول الى الخير، ومستعيذا بالله ـ تعالى ـ وبواسطة الدعاء والصدقة في دفع الشر.
الرابع : اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات ، والربط يتصور على وجوه:
1 ـ الإستقلال في التأثير بحيث يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول عن العلة ، وظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا (سواءا كان منكرا لصانع العالم او لا بل

الذنوب الكبيرة - 2 94


كان معتقدا بان الكواكب هى مدبرة العالم).
2 ـ انها تفعل الآثار المنسوبة اليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم كما يقوله بعضهم.
وهذا القسم وان لم يكن موجبا للفكر إلا انه قول بدون علم، وادعاء بدون دليل ، اذ لا دليل على ان الأجرام السماوية لها حياة وشعور وارادة،أو انها قادرة على تدبير هذا العالم.
3 ـ استناد الأفعال اليها كاستناد الإحراق الى النار (بمعنى ان ارادة الله تعالى اقتضت انه متى ما تحقق فلان أمر تحقق كذا...) .
(وهذا الإعتقاد كالقسم الثاني لا يوجب الكفر، الا أنه غير ثابت بدليل).
4 ـ ان يكون ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف والمكشوف، والظاهر ان هذا الإعتقاد لم يقل احد بكونه كفرا.
(وهذا المطلب وهو كاشفية بعض الأحوال العلوية يستفاد من بعض الاخبار، لكن لا يتيسر الإطلاع على ذلك لأحد من البشر غير النبي«صلى الله عليه واله» والإمام «عليه السلام» ، ومايعرفه المنجمون هو حد ناقص من هذا العلم).
عن الإمام الصادق «عليه السلام» انه قال في علم النجوم:
(كثيره لا يدرك ، وقليله لا ينفع ) « وسائل الشيعة ـ كتاب التجارة»
ثم قال الشيخ ـ الأنصاري ـ بعد ان نقل الروايات وكلمات الأصحاب أنها :
دالة على ان ما وصل اليه المنجمون قليل من إمارات الحوادث من دون وصول الى معارضاتها، ومن تتبع هذه الأخبار لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة عنها فضلا عن القطع، نعم قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف الظن بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية ، فالأولى التجنب عن الحكم بها، ومع الإرتكاب فالأولى الحكم على سبيل التقريب وأنه لا يبعد ان يقع كذا عند كذا..) «المكاسب».

الذنوب الكبيرة - 2 95



لا يتحقق ما يدّعون:

وافضل دليل على نقص علم النجوم هو اشتباهات وأخطاء المنجمين التي سجل عدد منها في كتب التواريخ.
من ذلك ما جاء في كتاب (تتمة المنتهى) ان الكواكب السبعة سنة 582 هجرية اجتمعت بكوكب (الميزان)، فحكم ابو الفضل الخوارزمي وباقي المنجمين بخراب العالم، نتيجة حدوث عاصفة جوية وشرع الناس بحفر المخازن تحت الأرض ونقلوا لها الماء والطعام وانتظروا حدوث العاصفة الشديدة ، وكانوا على أهبة الإنتظار حتى ليلة الموعد المحدود والمصادف ليلة التاسع من جمادى الآخرة ولم يحدث فيها عاصفة بل ولا نيسم وكان ألهواء ساكنا حتى ان شعلة الشمع الذي اشعلوه لم تكن تتحرك ، وقد نظم الشعراء شعرهم حول هذا الموضوع .
وقبل سنوات اعلن منجموا عصرنا عن خبر مماثل اقلق الناس وأوحشهم بل سمع ان بعض الأوربيين اغرق نفسه قبل حلول الساعة المحددة لتلاشي الكرة الارضية ولكن حلت تلك الساعة ولم يتحقق اي خبر عن ارتطام الارض بباقي الكواكب.

السحر والمعجزة أمران:

متى شوهد امر خارق للعادة من شخص ولم يكن مُدعيا لمقام، وكان ذا إيمان وتقوى وزهد، فذلك الامر الخارق للعادة يسمى كرامة وهو شاهد على صدق ذلك الشخص وكرامته على الله . واذا كان ذلك الشخص مدعيا لمقام من المقامات الإلهية كالنبوة مع توفر الشروط الثلاثة الآتية يسمى ذلك الأمر بالمعجزة ويكون دليلا على صدقه.

الشرط الاول:


ان يكون إدعاوه مقبولا عقلا اما اذا كان إدعاوه غير قابل للتصديق سُمّيَ ما أتى به

الذنوب الكبيرة - 2 96


سحرا، سواءا عُلم سببه أم لا.
مثلا ثبت بالضرورة لكل مسلم ان النبوة قد ختمت بالوجود المبارك لسيدنا محمد بن عبدالله «صلى الله عليه واله»، وشريعته خالدة الى يوم القيامة، ولا يوجد بعده نبي، بناءا على ذلك لو وجد شخص يدعي النبوة فهو كاذب يقينا مهما جاء به من الامور الخارقة للعادة التي توجب الحيرة ، ويعلم من دعواه أنه ساحر ماهر.
أو إدعى الإمامة مع ما ثبت عند الشيعة ان الأئمة إثنا عشر اولهم سيدنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب «عليه السلام» وآخرهم سيدنا الحجة بن الحسن «عليه السلام» الغائب عن الأبصار حتى ياذن له الله تعالى بالظهور ، بناءا على ذلك فمن يدع مقام الامامة كاذب مهما اتى به من الامور الغربية، وهكذا مقام النيابة الخاصة بعد ان ثبت لدينا بنحو مسلم ان النيابة الخاصة انتهت بوفاة علي بن محمد السمري وهو النائب الخاص الرابع للإمام، فلاشك ان من يدعي النيابة الخاصة كاذب.
الشرط الثاني:


يجب توفر الشروط العقلية في المدعي.
مثلا: من جملة شروط النبي والإمام العصمة ، بمعنى ان لايصدر منه ذنب قبل النبوة والإمامة وبعدها، لا كبير ولا صغير ، و يجب ان يكون في العلم والعمل أفضل أهل زمانه وأحد آثار ذلك ان لا يكون طالب مال وجاه دنيوي ، اذن فلو صدرت بعض الامور الغريبة من شخص مرتكب للذنب، او جاهل بالمعارف الإلهية، او طالب للدنيا، فهو ساحر يقينا.
الشرط الثالث:


ان يستند صدور ذلك الأمر الخارق للعادة منه إلى القدرة الإلهية فقط لا بتحصيل مقدماته واكتساب اسبابه، اذن فلو علم ان ذلك الامر مستند الى جهده وعمله، وصدر منه ذلك الامر عن طريق السحر ـ كما سبق الإشارة اليه ـ فذلك سحر لا ربط له اصلا بالمعجرة.

الذنوب الكبيرة - 2 97


وبالجملة المعجزة من الله فقط ، أمّا السحر فهو من عمل الساحر وجهده.
وحول هذا المطلب يوجد بحث مفصل في علم الكلام ، وفيما ذكرناه كفاية (1).

علاج السحر

قال كثير من الفقهاء انه يجوز إبطال السحر بالسحر.
مثلا: اذا ادعى النبوة بسحره جاز ان يُسحرهو فيفتضح، او اذا سحر شخصاً أو عَقَلـَهُ بسحره جاز إبطال سحره ، وفك ذاك الشخص.
يروى ان عيسى بن شقفي دخل على الإمام الصادق «عليه السلام» وقال له: جعلت فداك انا رجل كانت صناعتي السحر، وكنت آخذ عليه الأجر، وكان معاشي وقد حججت منه ومَنَّ الله علي بلقائك وقد تبت الى الله عز وجل فهل لي في شئ من ذلك مخرج؟

(1) ينقل في كتاب (قصص العلماء) ان ملك الإفرنج ارسل شخصا للسلطان الشاه عباس الصفوي وكتب له قل لعلماء مذهبك ان يتناظروا مع هذا الشخص فان أجابوه دخلت دين الاسلام وان أجابهم لزمك ان تكون نصرانيا.
وكان عمل ذلك الشخص هوان يخبر بما تخفيه اليد وذلك من خلال ما لديه من الرياضات الباطلة ، ومن تصفية النفس.
فجمع السلطان سائر العلماء وكان في ضمنهم المرحوم العلامة الشيخ محسن الفيض ، فقال لذلك الرجل الإفرنجي ألم يجد سلطانك عالما حتى يرسل مثلك من العوام لمناظرة العلماء؟
فقال الرجل الإفرنجي : إنك لا تخرج من عهدتي ، خذ بيدك شيئا حتى اخبرك به.
فأخذ المرحوم الفيض مسبحة من تربة سيد الشهداء «عليه السلام» وأخفاها في يده.
فكر الإفرنجي طويلا وسكت، فقال الفيض : لماذا بقيت عاجزا؟ فقال الإفرنجي:
انا لست عاجزا ، ولكن ارى حسب أصولنا ان في يدك قطعة من تراب الجنة وإني متحير اين كانت هذه القطعة وكيف وصلت الى يدك؟
فقال الفيض : صحيح ماقلت ، هي تربة قبر الحسين «عليه السلام» سبط نبي الإسلام ، وقد ظهر باعترافك ان الحسين «عليه السلام» هو إمام المسلمين، فيلزمك ان تسلم، فانصف ذلك الإفرنجي وأسلم .
ورغم ان المرحوم الفيض في هذا المورد قد دخل من أفضل طريق وكان سببا في نجاة ذلك الشخص وهدايته إلا أنه يجب ان يعلم إن أشخاصا من هذا القبيل وحتى لو كانت معلوماتهم اكثر، وكان الشخص إفرنجيا فلا ينبغي الإعتناء به وهو ساحر قطعا، لأن الشرائط الثلاثة غير متوفره فيه.
الذنوب الكبيرة - 2 98


فقال له ابو عبدالله «عليه السلام» (حِلْ ولا تعقد) «وسائل الشيعة ـ كتاب التجارة ».
وظاهر كلام الإمام «عليه السلام»هو حِل ماعقدته من السحر بسحر آخر ، ولا تبتدىء بسحر إلا ان بعض الفقهاء حصروا جواز إبطال بالسحر بصورة الضرورة ، بمعنى انه اذا امكن إبطال السحر بطريق آخر وجب ذلك، ولا يجوز اللجوء الى السحر، وذلك كالأدعية والتعويذات الواردة شرعا لإبطال أثر السحر.


الذنوب الكبيرة - 2 99


الإسراف

الثاني والثلاثون من الذنوب التي ورد التصريح بإعتبارها من الكبائر (الإسراف والتبذير) كما في صحيحة الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا «عليه السلام» وهكذا في رواية الأعمش عن الإمام الصادق «عليه السلام» حيث ذكر الإسراف والتبذير في عداد الكبائر.
ولاجل معرفة ذلك نذكر عددا من الآيات والروايات الواصلة بهذا الشأن وبعد ذلك نذكر معناه واقسامه.
يقول تعالى : « وكُلوا واشربوا ولا تُسرِِفوا إنه لا يُحبُ المُسرفين » (1)
وذكر بعض المفسرين ان من لا يحبه الله هو من أهل العذاب إذ ان محبة الله تعني وصول الثواب.
ويقول تعالى في سورة الأنعام:

(1) (الاعراف 31).
الذنوب الكبيرة - 2 100


«كُلوا من ثَمرِه ِإذا أثمَرَ، وآتوا حقَهُ يومَ حَصادِه ِولا تُسرِفوا إنه لا يُحبُ المُسْرفِين» (1).
ويقول تعالى :
« كذلك يُضِلُّ اللهُ منْ هوَ مُسرِِفٌ مُرتاب » (2) وقال تعالى في نفس السورة : « وإن المُسرفين هُم أصحابُ النار» (3).
وقال تعالى في سورة طه:
« وكذلك نُجزيَ من أسَرَفَ ولم يُؤمن بآيات ِربّهِ ولَعذابُ ألآخرَةِ أشدّ وأبقى » (4).
وقال تعالى :
« ولا تُبذر تبذيرا، إن المُبذرين كانوا إخوانَ الشَياطينِ وكانَ الشَيطانُ لرَيِهِ كَفورا » (5).
وروي عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال:
(ان القصد أمر يحبه الله عز وجل ، وان السرف يبغضه حتى طرحك النواة فانها تصلح لشيء ، وحتى صبك فضل شرابك) «وسائل الشيعة ـ النكاح ـ النفقات » وعنه «عليه والسلام» أيضا:
(اتق الله ولا تسرف ولا تقتر وكن بين ذلك قواما، ان الإسراف من التبذير، قال الله تعالى « ولا تُبذر إنّ اللهَ لا ُيعذبُ على القصدِ » وسائل الشيعة كتاب النكاح/ النفقات«.
يقول بشر بن مروان: دخلنا على أبي عبدالله «عليه السلام» فدعا برطب فأقبل بعضهم يرمي بالنوى ، قال وأمسك ابو عبدالله يده فقال : لا تفعل ان هذا من التبذير

(1) (الأنعام 141).
(2) (غافر 34).
(3) (غافر 43).
(4) (طه 127).
(5) (الإسراء 26،27).
الذنوب الكبيرة - 2 101


وجاء عن رسول الله «صلى الله عليه واله» ضمن حديث المناهي:
(ومن بنى بنيانا رياءا وسمعة حمله يوم القيامة من الأرض السابعة وهو نار تشتعل ثم يطوق في عنقه ويلقى في النار فلا يحبسه شيء منها دون قعرها إلا ان يتوب.
قيل : يا رسول الله «صلى الله عليه واله» كيف يبني رياء وسمعة؟
قال «صلى الله عليه واله» يبني فضلا على ما يكفيه استطالة منه على جيرانه ، ومباهاة لإخوانه) « بحار الأنوار ـ جوامع مناهي النبي «صلى الله عليه واله ».
وعن امير المؤمنين «عليه السلام»: ان الله اذا أراد بعبد خيرا الهمه الإقتصاد وحسن التدبير وجنبه سوء التدبير والإسراف «مستدرك الوسائل».
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» :
(أترى الله تعالى أعطى من أعطى من كرامة عليه ومنع من منع من هوان به عليه ! ؟ ولكن المال مال الله يضعه عند الرجل ودايع ، وجوز لهم ان يأكلوا قصدا ويشربوا قصدا وينكحوا قصدا ويركبوا قصدا ، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ويلمّوا به شعثهم فمن فعل ذلك كان ما ياكل حلالا ويشرب حلالا ويركب حلالا وينكح حلالا ومن عدا ذلك كان عليه حراما، ثم قال «عليه السلام»« ولا تسرفوا ان الله لا يحب المسرفين »، اترى الله إئتمن رجلا على مال خول له ان يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم، ويجزيه بعشرين درهما ويشتري جارية بالف دينار ويجزيه بعشرين دينارا ، وقال« لا تسرفوا ان الله لا يحب المسرفين» «مستدرك الوسائل».
وعن العياشي قال: استأذنت الرضا «عليه السلام» في النفقة على العيال فقال «عليه السلام» بين المكروهين، فقلت : جعلت فداك لا والله لا أعرف المكروهين فقال «عليه السلام» لي: يرحمك الله ما تعرف ان الله تعالى كره الإسراف وكره الإقتار فقال:« والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يَقتُروا وكانَ بينَ ذلكَ قَوَاما» (1) «وسائل الشيعة» .

(1) (الفرقان 67).
الذنوب الكبيرة - 2 102


وروي عن الإمام الصادق «عليه السلام» :
(اربعة لا يستجاب لهم، احدهم كان له مال فأفسده فيقول: يارب ارزقني فيقول الله عز وجل « ألم آمرك بالإقتصاد» «فروع الكافي ـ كتاب الزكاة».

معنى الإسراف وأنواعه:

الإسراف بمعنى تجاوز الحد والزيادة عليه، وذلك أما من جهة الكمية وهو صرف المال في موضع غير مناسب شرعا أوعقلا حتى لو كان المال بمقدار درهم واحد، أو من جهة الكيفية وهو صرف المال في موضع مناسب لكن بأكثر مما يستحق، مثل ان يشتري لباسا بقيمة خمسمائة (درهم) ويلبسه والحال أن اللباس الذي يناسبه ويليق بحاله يساوي مائة درهم.
وقال بعض أن صرف المال في غير موضعه المناسب يسمى تبذيرا، وصرف المال باكثر مما يستحق المورد يسمى إسرافا.
عن أمير المؤمنين «عليه السلام» انه قال:
(للمسرف ثلاث علامات: يأكل ما ليس له، ويلبس ما ليس له، ويشتري ما ليس له)«بحارالأنوار».
عن الإمام الصادق «عليه السلام»:
(إنما السَرف ان تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك) «مستدرك الوسائل».

الإسراف يتفاوت حسب الأشخاص :

يجب ان يعلم ان الإسراف يختلف بإعتبار الأشخاص من حيث الشأن والشرف والصحة والمرض والفتوة والشيخوحة، ومن حيث الغنى والفقر وزيادة العلاقات وقلتها، ذلك انه قد لا يكون إسرافا صرف المبلغ الفلاني لشراء ملابس بالنسبة لشخص صاحب مقام وشخصية وعلاقات في المجتمع، بينما يكون إسرافا بالنسبة لشخص آخر.

الذنوب الكبيرة - 2 103


روى الكليني عن الإمام الصادق«عليه السلام» انه قال:
(رب فقير هو أسرف من الغني ان الغني ينفق مما أوتي ، والفقير ينفق من غير ما اوتي) «فروع الكافي».
بناء على ذلك فان اكثر التكلف في الوسائل الحياتية والمعيشية والمبتلى به اكثر الناس من دون ملاحظة الشأن الإجتماعي للفرد ومستوى دخله المعيشي والتورط غالبا بالقروض والهموم، ان اكثر هذا التكلف هو إسراف ، وسببه أن كل واحد ينظر لمن أعلى منه ويريد أن يصبح مثله لا أقل ، وبالتالي يتورط بالإسراف ، ويكون دائما في الشدة، والصعوبة والإنزعاج ، وعدم الرضا ، والهم ، في حين انه لونظر لمن هو دونه ـ حسب منهج الشرع ـ في الامور الدنيوية لم يبتل ابدا بالإسراف والقلق والإضطراب ، على ذلك فان اكثر حالات الإحباط والانكسار تنبع من الإسراف، بحيث لو ان الشخص عمل بقرار الشارع ، وحكم الفطرة والعقل السليم ، وترك هذا الذنب الكبير، وفي جميع حالاته راعى الإقتصاد والإعتدال، وكانت القناعة هى دليله، لنال بذلك سعادة الدنيا والآخرة.
يقول امير المؤمنين «عليه السلام» :
(لايذوق المرء من حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: الفقه في الدين ، والصبر على المصائب ، وحسن التدبير في المعاش)«سفينة البحار».
وعن الإمام الصادق «عليه السلام»:
(ضمنت لمن إقتصد ان لا يفتقر) «وسائل الشيعة».
وعن الإمام الباقر «عليه السلام» انه قال:
(وأما المنجيات فخوف الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر ، وكلمة العدل في الرضا والسخط) «سفينة البحارـ مجلد1 ـ 34».
وقال الإمام الصادق «عليه السلام» أيضا:
(ومن قنع بالمقسوم استراح من الهم والكد والتعب) «سفينة البحار مجلد 2 ـ 452».

الذنوب الكبيرة - 2 104


وسئل «عليه السلام» عن قوله تعالى «فلنُحيّينَهُ حياةً طيبةً » فقال : هي القناعة «المصدر السابق».

أبو ذر لا يخدع:

ارسل عثمان الى أبي ذر موليين له ومعهما مئتا دينار فقال لهما إنطلقا الى ابي ذر فقولا له ان عثمان يقرئك السلام ويقول لك هذه مئتا دينار فإستعن بها على ما نابك فقال ابوذر:
هل اعطى أحدا من المسلمين مثلما أعطاني؟
قالا: لا،قال إنما انا رجل من المسلمين يسعنى ما يسع المسلمين ، قالا له : أنه يقول هذه من صلب مالي وبالله الذي لا إله إلاهو ما خالطها حرام ولا بعثت بها اليك الا من حلال. فقال لاحاجة لي فيها، وقد اصبحت يومي هذا وانا من اغنى الناس، فقالا له:
عافاك الله واصلحك مانى في بيتك قليلا ولا كثيرا مما يستمتع به فقال : بلى تحت هذا الأكاف الذي ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيام فما اصنع بهذه الدنانير؟
لا والله حتى يعلم الله اني لا اقدر على قليل ولا كثير ، وقد اصبحت غنيا بولاية علي بن ابي طالب« عليه السلام» وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون « سفينة البحار جـ 2 /452».
وفي رواية أخرى ان معاوية صنع معه مثل ذلك فلما لم يقبل ابو ذر من الغلامين، قالا له : لئن قبلت منا المال ففي ذلك عتق رقابنا.
فقال: لئن كان في ذلك حريتكما ففيه رقي.
جاء في كتاب (الإسلام والمعضلة الاقتصادية) للاستاذ ابو الأعلى المودودي ـ بعد ان اكد ان جميع مفاسد العالم المعاصر ناشئة من إسراف وتبذير الرأسماليين الأثرياء ـ مايلي:
هؤلاء الاثرياء يعدون الزنا من لوازم الحياة، ومن اجل ذلك فقد جعلوا عددا من النساء مهمتهم الرقص والبغاء، وعددا من الرجال مهمتهم القيادة دون ان يكون لهم

الذنوب الكبيرة - 2 105


اى شيء آخر.
الغناء والطرب هو نوع من انواع الترفيه والأنس لهؤلاء الاثرياء، ومن اجل ذلك فقد استخدموا عدد من المغنين والرقاصين والفنانين والموسيقيين والعازفين.
ولقد اوجد هؤلاء حالة من العشق والهيام البالغ حد الجنون بانواع اللهو واللعب المضرة بالمجتمع الإنساني ، وبذلك اوجدوا مجالا للعديد من المجانين، والراقصين، والراقصات ، والفنانين ، والرسامين، ومن هنا وايضا وجدت الفنون الجديدة التي لا تتطلبها ، الحياة الإنسانية الشريفة ، بل كان وجودها وانتشارها بضرر الإنسانية والأخلاق.
كما ان الصيد هو واحد من وسائل اللهو والترفيه الهامة لهؤلاء الاثرياء في الوقت الذي هو منع لمضاعفة ثرواتهم، وعلى اساس ذلك فقد استخدموا لانفسهم عديدا من ابناء الشعوب بعنوان الأعوان والمرافقين، ولولا شهوة اولئك الراسماليين لأنصرف هؤلاء الناس للأشغال ألإنسانية النافعة ، كما أن هؤلاء ألأثرياء البعيدين عن ألله سخروا العديد من الناس لصنع انواع المسكرات من مشروبات الكحول ، وألافيون والحشيش.
كما ان هؤلاء الراسماليين ينفقون معظم اموالهم في بناء القصور والعمارات ذات الطوابق المتعددة ، وأنواع البساتين ، والمتنزهات ، والمسارح وقد بلغ هؤلاء في إسرافهم اللاانساني واللاإسلامي حدا بنوا فيه العمارت الضخمة ليدفنوا فيها بعد مماتهم، وبنوا المقابر الواسعة التي ينبغي ان تعطى لسكنى الآخرين ممن لا بيت لهم ولا مأوى.
بل لقد بلغ إسرافهم الى حد بناء الغرف العالية لكلابهم، وتلبيسها القلائد الذهبية،واستخدام المربين لها، وإنفاق الثروات الطائلة في هذا المجال.
جاءفي مجلة (نيواستيتسمن) الأمريكية انه يصرف سنويا على الكلاب وسائر لوازمها مبلغ ثلاثة ميلياردات دولار، في وقت الذي يلزم صرف هذه المبالغ لسد

الذنوب الكبيرة - 2 106


حاجات الفقراء المعوزين من أبناء النوع البشري كما أن هؤلاء ألاثرياء يميلون جدا للألبسة الفاخرة، الغالية والأواني الذهبية والفضية، ونقش الجُدُر بانواع النقوش ذات التكاليف الباهضة ، والصور الثمينة، والستر المزركشة بالذهب... انتهى.
وضمناً يجب ان نشير الى الملاحظة التالية:
ان قولنا بان صرف مبلغ كذا من المال هو إسراف بالنسبة للفقير وليس اسرافا بالنسبة للغني، حتى لا يدعوا هذا القول للاشتباه وتخيل انه لا مانع للغني من صرف اي مبلغ وفي اي طريق ، حتى يجوز له صرف المال في الملذات والأهواء، وحيث انه ثري فذلك لا يعتبر اسرافا منه ، بل الصحيح ان حكمه أشد، وتكليفه اكبر من الفقير، وذلك .
اولا: ان صرف المال فيما زاد على حاجته من المسكن، واللباس، والفرش، واللوازم الحياتية ، والمعيشة اليومية، وفيما زاد على ما يليق بشأنه في تلك الأمور حرام عليه.
وثانيا: ان ما زاد على نفقاته اللازمة والمناسبة لشأنه لايحق له خزنه ، بل يجب اخراج الخمس منه وصرفه في موارده المعينة ، كما يجب اخراج زكاته اذا كان موردا لتعلق الزكاة، واذا كان لدية ارحام واقرباء فقراء فانه يجب عليه مساعدتهم بنحو تحفظ به صلة الرحم ، مثلا اذا كان رحمه الفقير بحاجة الى رأسمال وجب عليه دفعه اليه، وإذا كان مدينا وجب عليه ان يؤدي دينه، واذا كان مريضا وجب عليه توفير الدواء له ووسائل سلامته، بل يجب عليه اغاثة كل مسلم مضطر ومحتاج يعرف وضعه، واذا لم يعمل بهذه التكاليف كان ممن قال فيهم الله تعالى « والذينَ يكنزونَ الذهبََ والفضة َولايَنفِقُونها في سبيلِ اللهِ فبشّرهُم بعذابٍ أليم، يومَ يُحمى عليها في نارِ ِجَهنّم فتُكوى بِها جِباهُهُم وجُنوبُهُم وظُهورُهُم هذا ما كنزتُم لأنفُسِكُم فذوقوا ما كُنتُم تكنِزُون »«سورة التوبة ـ آية 34 ـ 35 ».
وورد عن رسول الله «صلى الله عليه واله» في تفسير هذه الآية انه قال:
«ما من ذي كنز لايؤدي حقه إلا جيء به يوم القيامة تكوى به جبينه وجبهته ، وقيل له

السابق السابق الفهرس التالي التالي