حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 1

حكم ومواعظ
من حياة الانبياء عليهم السلام

تاليف
السيد مرتضى الميلاني

الجزء الاول
مؤسسة
دار الكتاب الاسلامي

حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 2


حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 3


بسم الله الرحمن الرحيم


حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 4


حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 5

المقدمة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله

عزيزي القارئ بين يديك القسم الاول من سلسلة «حكم ومواعظ من حياة الانبياء» وابتدئها بحياة الانبياء الخمسة الذين سماهم القران الكريم بـ «اولي العزم» لما يوجد في حياتهم من حكم ومواعظ وعبر ودروس قيمة يمكن الاستفادة منها والاعتبار بها في تهذيب النفس وتزكيتها ، حيث نحن الان بامس الحاجة لمثلها ، وخاصة في زماننا هذا حيث تحيط بنا من كل جانب وصوب التيارات المنحرفة ، وكثرت وسائل اللهو والفسق والفجور التي تزداد يوما بعد يوم ، والحرب الفكرية التي هاجمتنا من الشرق والغرب .
وقد فكرت في ان اقدم خدمة ولو بسيطة ومختصرة من المواعظ والارشادات والعبر لابنائي واخوتي واخواتي الاعزاء ، ليتمكنوا من الاتعاظ بها والعمل على ضوئها لتزكية انفسهم وتحصنها من اقتحام جنود الشيطان الى داخل قلعة القلب ، وقد شجعني بعض الاصدقاء على ذلك .
وقد وجدت افضل طريق واقصر مسير ، هو سيرة السلف الصالح من الانبياء والرسل والاوصياء والائمة الاطهار عليهم افضل الصلاة والسلام .
وقد وجدت اقرب اوجه التشابه بين الحوادث والوقائع والمحن التي نعيشها ونشاهدها في ايامنا هذه ، بتلك التي مرت على الامم والشعوب من قبلنا ، ومن بداية ما خلق لله عز وجل ادم عليه السلام وابنائه ، فاحببت ان امر مرورا سريعا
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 6

ومختصرا على بعض ما جرى على انبيائنا ورسلهم واوصيائهم من اهل بيت النبوة عليهم السلام ونتعض ونعتبر منهم ونجعلهم قدوة لنا ولابناءنا واجيالنا القادمة ، حيث قال عز وجل :
«قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون الله ـ الى قوله تعالى ـ لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر»(1) .
لقد كان الانبياء والرسل والاوصياء لنا اسوة حسنة ، ولا يزالون كذلك ، وليس فقط في موقفهم ضد منهج الكفر وعبدة الاوثان والمستكبرين ، بل هم اسوة لنا في الدعاء بين يدي الله عز وجل ، وقدوة لنا في طلب المغفرة منه تعالى ، كما هم عليهم السلام عبر ودروس اخلاقية ، ومنهج سليم ومتكامل .
وعلى هذا الاساس بعث الله عز وجل الانبياء والرسل ، وبعث مع بعضهم الكتب والشرائع السماوية ، ليحكموا بين الناس بالعدل ، ومبشرين ومنذرين ، وجعل الجنة لمن اطاعه ولو كان عبدا حبشيا ، والنار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا .
وقد اختار الله عز وجل من جميع الانبياء خمسة ، وسماهم «اولي العزم» ، واختصهم بكتب وشرائع لم يخص غيرهم من الانبياء ، وذلك لمصلحة هو اعلم بها منا .
وقد خاطب خاتم الانبياء وخامس اولي العزم (ص) بالصبر والثبات وتحمل المسؤلية الخطيرة في قوله تعالى : «فاصبر كما صبر اولي العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ...» (2) .
1 ـ الممتحنة : 4 ـ 6 .
2 ـ الأحقاف : 35 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 7

كما ذكرهم الله تعالى باسمائهم في اية اخرى من كتابه الكريم في قوله تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم :«واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ، ومن نوح ، وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا» (1) .
تشير هذه الاية المباركة بان الله تعالى اخذ الميثاق من جميع الانبياء ، على تبليغ الرسالة ، وكلفهم بان يؤيد بعضهم بعضا ، والانبياء اللاحقين يصدقون الانبياء السابقين ، ويبشرون بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم خص منهم بالذكر خمسة انبياء وهم اولو العزم ، وعلى راسهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لعظمة جلالته وشرفه وفضله على سائر الانبياء ، وبعده ياتي الانبياء الاربعة وهم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، صلوات الله عليهم اجمعين .
وكذلك قال الله تعلى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى : «فاصبر كما صبر اولي العزم ...» اي لست انت الوحيد الذي واجهت مخالفة هؤلاء البشر وعداوتهم ، وقد واجه من قبلك اولو العزم مثل هذه المشاكل والاتهامات ، ولكنهم ثبتوا واستقاموا امامها .
مثلا نرى النبي نوح عليه السلام دعا قومه «950» عاما ولم يؤمن به الا فئة قليلة ، وكان قومه يؤذونه دائما ويتهمونه بالجنون .
والنبي ابراهيم عليه السلام : القوه في النار ، وذهب بزوجته وابنه اسماعيل الرضيع وتركهم في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع ، وامتحنه الله بذبح ابنه .
وكذلك موسى عليه السلام : هددوه بالقتل ، وخرج من مدينته هاربا خائفا ، وكان قلبه قد امتلأ قيحا من عصيانهم .
والنبي عيسى بن مريم عليه السلام : ارادوا قتله وصلبه فانجاه الله منهم ، وصلبوا
1ـ الاحزاب : 7 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 8

شبيهه بعد ان اذوه كثيرا واتهموا امه .
لقد واجه الانبياء الخمسة من اولي العزم مصاعب كثيرة وتحملوا الام ومشاق من اجل هداية الناس وتبليغ الرسالة وسعادة البشرية ، ومن اجل مواجهة التيارات المنحرفة والعقائد الباطلة من المشركين وعبدة الاصنام ، منحهم الله تعالى العزيمة والارادة القوية والصبر ، وسماهم بـ «اولي العزم» وكذلك توجد روايات كثيرة تدل على ان اولي العزم كانو خمسة منها :
روي عن ابي جعفر عليه السلام قال : اولو العزم من الرسل خمسة : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين (1) .
وجاء في تفسير قوله تعالى : «فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل» هم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد (ص) .
ومعنى اولو العزم ، انهم سبقوا الانبياء الى الاقرار بالله واقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم ، وعزموا على الصبر مع التكذيب لهم والاذى .(2)
وروي عن ابن عباس انه قال : اول المرسلين ادم ، واخرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت الانبياء مائة الف واربعة وعشرين الف نبي ، الرسل منهم ثلاث مائة . (3)
وخمسة منهم اولو العزم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وخمسة منهم من العرب : هود، وصالح ، وشعيب ، واسماعيل ، ومحمد صلى الله عليهم .
وخمسة منهم سريانيون : ادم ، وشيث ، وادريس ، ونوح ، وابراهيم عليهم السلام .
1ـ الخصال : ج1 ص 144 .
2ـ تفسير علي بن ابراهيم : 624
. 3ـ وفي رواية ، ثلاث مائة وثلاثة عشر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 9

واول انبياء بني اسرائيل ، موسى واخرهم عيسى عليهم السلام ، والكتب التي انزلت على الانبياء عليهم السلام مائة كتاب واربعة كتب ، منها على ادم خمسون صحيفة ، وعلى ادريس ثلاثون ، وعلى ابراهيم عشرون ، وعلى موسى التوراة ، وعلى داود الزبور ، على عيسى الانجيل ، وعلى محمد الفرقان ، صلى الله عليهم اجمعين . (1)
وعن ابي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ان اول وصي على وجه الارض هبة الله بن ادم ، وما من نبي مضى الا وله وصي ، كان عدد جميع الانبياء ، مائة واربعة وعشرين الف نبي ، خمسة منهم اولو العزم ، نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين .
وان علي بن ابي طالب كان هبة الله لمحمد ، ورث علم الاوصياء وعلم من كان قبله ، اما ان محمد ورث علم من كان قبله من الانبياء والمرسلين .(2)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الانبياء والمرسلين وعلى خاتم النبيين محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين .
المؤلف
1ـ البحار : ج11 ص 42 عن الاختصاص .
2ـ بصائر الدرجات : 33 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 10


حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 11
حكم و مواعظ
من حياة الانبياء عليهم السلام
(1)







النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم





حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 12


حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 13

الموعظة:

قال تعالى :«يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور»(1) .
كتب هارون الرشيد الى ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : عظني واوجز ، فكتب اليه : «ما من شيء تراه عينيك الا وفيه موعظة‌»(2) .
وقال علي عليه السلام : ابلغ العظات النظر الى مصارع الاموات والاعتبار بمصائر الاباء والامهات(3) .
معنى الوعظ والموعظة : هو النهي الممتزج بالترغيب والتهديد ، والموعظة عبارة عن التذكير بنعم الله والطيبات ، والخيرات ، والبركات ، والنصح والارشاد الى طريق الحق والرشاد ، وكذلك التذكير باهوال يوم الحساب وعقاب المذنبين ، والتخويف من عقاب الله للعاصين والمخالفين وانه تعالى رؤوف رحيم وشديد العقاب .
الموعظة ، هي النصيحة والمحبة التي يقدمها الاخ الى اخيه والاب الى
1ـ يونس : 57 .
2ـ بحار : ج 78 ص 319 .
3ـ غرر الحكم .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 14

ابنه ، والمعلم الى تلميذه ، والوالي الى رعيته .. ، ويرشده فيها الى الطريق المستقيم والتمسك به والعمل فيه ، وفي نفس الوقت يخوفه وينهاه من السيئات والموبقات والذنوب ، ويحذره من السقوط في الهاوية والظلام .
والموعظة اذا خرجت من القلب تدخل في القلب ، والموعظة تؤثر في القلوب المستعدة لتلقي الوعظ والارشاد ، بشرط ان يكون الواعظ متعظ .
وافضل واعظ هو القران الكريم : قال الامام الصادق عليه السلام : «اصدق القول ، وابلغ الموعظة ، واحسن القصص ، كتاب الله» (1) .
القران شفاء لما في الصدور ، وشفاء للامراض القلبية ، وجلاء للتلوثات الروحية والمعنوية ، كالبخل ، والحسد ، والحقد ، والغل ، والجبن ، والشرك ، والنفاق ، وامثال ذلك من الامراض الروحية .
والقران هو الذي يعظ البشر على اختلاف طبقاته ، وهو الذي يغسل القلوب من تبعات الذنوب والصفات القبيحة ، والقران هو الذي يوقد نور الهداية في القلوب ليضيئها .
والواعظ الثاني ياتي بعد القران هم الانبياء .
القران هو الواعظ الصامت والنبي هو الواعظ الناطق .
بعث الله تبارك وتعالى الانبياء والرسل «عليهم افضل الصلاة والسلام» ليبلغوا رسالات الله ويوعضوا الناس ورشدوهم لطريق الحق والصواب ويهدوهم الى طريق الحق ويدعوهم للعمل والجهاد وانقاذهم من الهاوية ...«الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله وكفى بالله
1ـ بحار : ج 77 ص 114 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 15

«حسيبا» (1) .
بعث الله تعالى الانبياء والرسل ليدعون الناس الى الحق والعدالة والحرية والايمان وعبادة الله ، ولم يختصر الانبياء في دعوتهم لتربية الناس فقط ، بل اهتموا بتربية المعلمين والمربين وقادة الجماعات ، اي تربية افراد بحيث يستطيع كل فرد منهم ان يقوم بدور الانبياء والرسل ويربي مما تعلم محيطا واسعا من حوله ... «انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا»(2) .
والواعظ الثالث الذي ياتي بعد الانبياء هم اوصياء الانبياء وخلفائهم وحوارييهم ، وافضلهم واشرفهم هم الائمة الاطهار المعصومون علي بن ابي طالب وابناءه الاحد عشر عليهم افضل الصلاة والسلام ...
وهناك مراحل اربعة تمر بها الموعظة والنصيحة حتى تستقر في روح الانسان وتؤثر في افعاله وتصرفاته هي :
المراحلة الاولى : مرحلة القاء الموعظة والنصيحة على الانسان ، والتي نعبر عنها بالتخلية .
المرحلة الثانية : مرحلة تطهير النفس والروح الانسانية من مختلف الرذائل الاخلاقية ، والتي نعبر عنها بالتجلية . تجلي الذنوب وتطهر القلب منها .
المرحلة الثالثة : مرحلة الهداية التي تجري بعد مرحلة التطهير ، وهي مرحلة التحلية ، تزينها وتحليها بالاعمال الصالحة كما تزين جيد الفتاة بالقلادة المرصعة بالمجوهرات .
1ـ الاحزاب : 39 .
2ـ الفتح : 8و9 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 16

المرحلة الرابعة : هي مرحلة العمل ، المرحلة التي يصل فيها الانسان الى ان يكون لائقا لان تشمله رحمة الله ونعمته .
الموعظة هي التي تغسل القلوب من تبعات الذنوب والصفات القبيحة ، وتوقد نور الهداية في القلوب ليضيء له الدرب ويبصر طريقه ويستمر بسيره حتى يصل الى السعادة ، سعادة الدارين ...

نسب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم


رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن عبد الله ، بن عبد المطلب ، بن هاشم ، ابن عبد مناف ، بن قصي ، بن كلاب ، بن مرة ، بن لوي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك ، بن النضر ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن الياس ، ابن مضر ، بن نزار ، بن معد ، ابن عدنان «وقد روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : اذا بلغ نسبي الى عدنان فامسكوا» ، بن اد ، بن ادد ، بن اليسع ، بن الهميسع ، بن سلام ، بن البنت ، بن حمل ، بن قيداد ، بن اسماعيل ، بن ابراهيم الخليل عليه السلام ، ... بن سام ، بن نوح ، ... بن انوش ، بن شيث ، بن ادم عليه السلام .
امه امنة بنت وهب بن عبد مناف ، بن زهرة ، بن كلاب ، بن مرة ، الى اخر النسب ، وهي من اشراف العرب ومن عشيرة بني كلاب معروفة في اصلها ونسبها طاهرة مطهرة ، كذلك اجداد النبي كلهم اطهار مطهرين حيث ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجور طاهرة مطهرة .
روي عن ابن كثير الهاشمي قال : سمعت ابا عبدالله الصادق عليه السلام يقول : نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يامحمد ان الله جل جلاله يقراك السلام ويقول : اني قد حرمت النار على صلب انزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ،
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 17

فقال : يا جبرئيل بين لي ذلك ، فقال : اما الصلب الذي انزلك فعبد الله بن عبد المطلب ، واما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، واما الحجر الذي كفلك فابو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت اسد . (1)
اتفقت الامامية على ان والدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكل اجداده الى ادم عليه السلام كانوا مسلمين ، بل كانوا من الصديقين : اما انبياء مرسلين ، او اوصياء معصومين ، ولعل بعضهم لم يظهر اسلامه لتقية او لمصلحة دينية ، او من اجل الحفاظ على حياته صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : لم يزل ينقلني الله من اصلاب الطاهرين الى ارحام المطهرات ، حتى اخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية (2) وهناك ادلة كثير على طهارتهم لا يسع المجال لسردها ، ونكتفي بدليل واحد هو قوله تعالى :«الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين»(3) .
ظاهر الاية ، ان الله يرى قيامك وانتقالك وحركاتك ، ويراك حين تقوم من فراشك الى الصلاة وحين تقوم بالليل لانه لايطلع عليه احد غير الله . وقيل حين تقوم للانذار واداء الرسالة ، «وتقلبك في الساجدين» ايضا له اقوال ، ان يرى الله تصرفاتك في المصلين بالركوع والسجود والقيام والقعود ...
والتقلب معناه الحركة والانتقال من حال الى حال .
1ـ قرب الاسناد ص 27 عنه بحار الانوار ج / 15 ص 108 .
2ـ روى هذا الحديث كثيرون من مفسري الشيعة والسنة ، الطبرسي في مجمع البيان والنيسابوري في تفسيره غرائب القران ، والفخر الرازي : التفسير الكبير والالوسي في روح المعاني .
3ـ الشعراء 218 و 219 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 18

وقيل ايضا معنى «تقلبك في الساجدين» المراد منه نقله وانتقاله في اصلاب النبيين من لدن ادم حتى ابيه عبد الله ، كله تحت نظر الله سبحانه ، اي حين تنتقل نطفتك المباركة من نبي موحد ساجد الى ساجد اخر فان الله عليم بذلك .
وقد روي عن بن عباس ، في رواية عطاء وعكرمة عن الامامين الباقر والصادق عليهما السلام ، قال ؛ في اصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى اخرجه من صلب ابيه من نكاح غير سفاح من لدن ادم عليه السلام ...»(1) .
ملاحظة :
«للاطلاع اكثر يمكنك مراجعة تفاسير الشيعة وبعض تفاسير اهل السنة ، مثل : تفسير غرائب القران للنيسابوري ، والتفسير الكبير للفخر الرازي ، والالوسي في روح المعاني ، وتفسير الاية 74 من سورة الانعام تفسير الامثل ، ولله در الحافظ جلال الدين السيوطي حيث الف رسائل في هذا الباب واثبت «تنزيه الانبياء عن دنائة الاباء» وصرح به الحافظ ابو نعيم الاصفهاني في كتاب سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، عقد السيوطي بابا في ذلك في كتابه «الخصائص الكبرى ج 1 ص 31 طبع حيدر اباد» ، واخرج الطبراني عن بن عباس فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء وما ولدني الا نكاح كنكاح الاسلام ، واخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرجت من نكاح غير سفاح .
وما اخرجه البيهقي في دلائل النبوة عن انس : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ... وخرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن ادم حتى انتهيت الى ابي وامي
1ـ مجمع البيان : ج 5 ص 189 ، في تفسير الاية .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 19

فانا خيركم نفسا وخيركم ابا .
وقوله تعالى :«وجعلها كلمة باقية في عقبه»(1) تدل على ذلك ، وقوله تعالى على لسان ابراهيم عليه السلام : «واجنبني وبني ان نعبد الاصنام» (2) الى غير ذلك الكثير الكثير من الاحاديث والايات .

بدء خلق النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم


قال الله تعالى :«واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال ءاقررتم واخذتم على ذلكم اصري * قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين»(3) .
يظهر من الاية المباركة انها تعبر عن مسالة عامة ، وان كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الانبياء هو مصداقها البارز .
ينقل الفخر الرازي في تفسيره عن الامام علي عليه السلام قال : «ان الله تعالى ما بعث ادم عليه السلام ومن بعده من الانبياء الى اخذ عليهم العهد لان بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو حي ، ليؤمنن به ولينصرنه»(4) .
والواقع ان القصد من اخذ الميثاق من الانبياء لم يؤخذ منهم وحدهم ، بل من اتباعهم ومن اممهم والاجيال التي تولد بعدهم وتدرك عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
1ـ الزخرف : 28 .
2ـ نفس المصدر : ص 15 . ابراهيم : 35 .
3ـ ال عمران : 81 .
4ـ التفسير الكبير : ج 8 ص 123 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 20

وحتى العصور ما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن خلفاء الانبياء .
عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال : ان بعض قريش قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : باي شيء سبقت الانبياء وفضلت عليهم وانت بعثت اخرهم وخاتمهم ؟ قال : اني كنت اول من اقر بربي جل جلاله ، واول من اجاب ، حيث اخذ الله ميثاق النبيين ، واشهدهم على انفسهم : الست بربكم ؟ قالوا : بلى ، فكنت اول نبي قال «بلى» فسبقتهم الى الاقرار بالله عز وجل . (1)
روي عن سفيان الثوري ، عن جعفر عن محمد الصادق عن ابائه عليهم السلام ، عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام انه قال : «ان الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل ان يخلق السماوات والارض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ، وقبل ان يخلق ادم ... باربع مائة الف سنة ... الحديث(2) .
كما روي عن انس بن مالك ، عن معاذ بن جبل ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ان الله خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين من قبل ان يخلق الدنيا بسبعة الاف عام ، قلت : فاين كنتم يا رسول الله ؟ قال : قدام العرش ، نسبح لله ونحمده ونقدسه ونمجده ... الحديث(3) .
وروي عن ابي ذر رحمة الله عليه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول : خلقت انا وعلي بن ابي طالب من نور واحد ، نسبح الله يمنة العرش قبل ان خلق ادم بالفي عام ، فلما ان خلق الله ادم عليه السلام جعل ذلك النور في صلبه ، ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه ، ولقد هم بالخطيئة ونحن في صلبه ، ولقد ركب نوح عليه السلام
1ـ نفس المصدر : ص 15 .
2ـ بحار : ج 15 ص 4 .
3ـ البحار : ج 15 ص 7 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 21

السفينة ونحن في صلبه ، ولقد قذف ابراهيم عليه السلام في النار ونحن في صلبه ، فلم يزل ينقلنا الله عز وجل من اصلاب طاهرة الى ارحام مطهرة حتى انتها بنا الى عبد المطلب ، فقسمنا بنصفين ، فجعلني في صلب عبد الله ، وجعل عليا في صلب ابي طالب ، وجعل في النبوة والبركة ، وجعل في علي الفصاحة والفروسية ، وشق لنا اسمين من اسمائه ، فذو العرش محمود وانا محمد والله الاعلى وهذا علي . (1)
عندما خلق الله تعالى ادم عليه السلام ونفخ فيه من روحه جعل نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في جبهته ، ثم انتقل من ادم الى ولده شيث ، واخذ ينتقل النور ، نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين ابناء ادم حتى انتقل الى فهر ومنه الى عبد مناف ومنه الى هاشم ، وكان نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في جبهة هاشم ، وكان هاشم اذا اقبل الى الكعبة تضيء منه الكعبة وتكتسي من نوره نورا وشعاعا .
لما كان في بعض الليالي وقد طاف هاشم بالبيت وسال الله ان يرزقه ولدا يكون فيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فاخذه النعاس ، فمال عن البيت ثم اضطجع ، فاتاه ات يقول في منامه : عليك بسلمى بنت عمرو فانها طاهرة مطهرة الاذيال ، فخذها وادفع لها المهر الجزيل فلم تجد لها مشبها من النساء ، فانك ترزق منها ولدا يكون منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... فانتبه هاشم فزعا مرعوبا واخبر اخاه المطلب وبني عمه فذهبوا الى بني النجار في يثرب وخطبوا «سلمى» وتمت الخطبة وتزوج هاشم من سلمى بنت عمرو النجارية ، ودخل بها وحملت بعبد المطلب جد رسول الله ، وانتقل النور الى جبين عبد المطلب وتزوج عبد المطلب من فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم ، فولدت له ابو طالب ، وعبد الله ، والزبير ، وكان عبد الله ابرز اولاده ، ولما ولد عبد الله سطع نور النبوة في جبينه ،
1ـ نفس المصدر ص 11 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 22

النور الذي كان يحمله اجداده ، ولما تزوج عبد الله من امنه بنت وهب انتقل النور اليها ومنها الى ولدها محمد بن عبد الله عليه السلام (1) .

ولادة النبي محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم


المشهور عند الامامية ان ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانت في السابع عشر من ربيع الاول ، وذهب اكثر علماء اهل السنة الى انها كانت في الثاني عشر منه والمشهور ان ولادته كانت عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل ، اليوم الذي جاؤوا بالفيل لتخريب الكعبة المعظمة فاهلكهم الله تعالى بحجارة من سجيل .
روي انه لما كانت ليلة الجمعة عشية عرفة وكان عبد الله قد خرج هو واخوته وابوه ، فبينما هم سائرون واذا بنهر عظيم فيه ماء زلال ولم يكن قبل ذلك اليوم هناك ماء فبقي عبد المطلب واولاده متعجبين ، فبينما عبد الله كذلك اذ نودي يا عبد الله اشرب من هذا النهر ، فشرب منه ، واذا هو ابرد من الثلج ، واحلى من العسل ، وازكى من المسك ، فنهض مسرعا والتفت الى اخوته فلم يرو للنهر اثرا فتعجبوا منه ، ثم ان عبد الله مضى مسرعا الى منزله فرئته امنة طائشا ، فقالت له : مالك ؟ صرف الله عنك الطوارق ، فقال لها : قومي فتطهري وتطيبي وتعطري ، واغتسلي ، فعسى الله ان يستودعك هذا النور ، فقامت وفعلت ما امرها ، ثم جاءت اليه فغشيها تلك الليلة المباركة ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانتقل النور من وجه عبد الله في ساعته الى امنة بنت وهب ، فقالت امنة : لما دنا مني ولامسني اضاء منه نور ساطع ، وضياء لامع ، فانارت منه السماء والارض ،
1ـ راجع البحار : ج 15 ص 51 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 23

فادهشني ما رايت ، وكانت امنة بعد ذلك يرى النور في وجهها كانه المرآة المضيئة . (1)
روي انه ولد صلى الله عليه وآله وسلم في يوم السابع عشرة من شهر ربيع الاول في عام الفيل ، وانه ولد صلى الله عليه وآله وسلم عند طلوع الفجر من يوم الجمعة بعد خمس وخمسين يوما من هلاك اصحاب الفيل .
وذكر الطبري ان مولده صلى الله عليه وآله وسلم كان لاثنين واربعين سنة من ملك انوشيروان وهو الصحيح ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ولدت في زمن الملك العادل انو شيروان بن قباد قاتل مزدك والزنادقة(2) .
وكانت ولادته في داره المباركة بمكة ، ثم وهبها النبي صلى الله عليه واله وسلم لعقيل بن ابي طالب .
وتقول امنة بنت وهب ام محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما ولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسقط الى الارض ، ثم رفع راسه الى السماء فنظر اليها ، ثم خرج مني نورا اضاء له كل شيء ، وسمعت في الضوء قائلا يقول : انك قد ولدت سيد الناس فسيمه محمدا (3) ، واتي عبد المطلب لينظر اليه وقد بلغه ما قالت امه ، فاخذه فوضعه في حجره ثم قال : الحمد لله الذي اعطاني هذا الغلام الطيب الاردان ، قد ساد في المهد على الغلمان .
ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتيما حيث توفي عبد الله بن عبد المطلب والد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند رجوعه من الشام في تجارة لابيه عبد المطلب ، فمرض وتوفي
1ـ البحار : ج 15 ص 103 .
2ـ نفس المصدر ص 250 .
3ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 24

من مرضه وزوجته امنة حامل بمحمد صلى الله عليه واله وسلم ودفن جثمانه الطاهر في دار النابغة بالمدينة المنورة .
وروي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي بن ابي طالب عليه السلام : لما خلق الله عز وجل ادم ونفخ فيه من ررحه واسجد له ملائكته واسكنه جنته وزوجه حواء امته ، فرفع طرفه نحو العرش فاذا هو بخمسة سطور مكتوبات ، قال ادم : يارب من هؤلاء ؟ قال الله عز وجل له : هؤلاء الذين اذا تشفع بهم الي خلقي شفعتهم ، فقال ادم : يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ قال : اما الاول : فانا المحمود وهو محمد ، والثاني : فانا العالي الاعلى وهذا علي ، والثالث : فانا فاطر وهذه فاطمة ، والرابع : فانا المحسن وهذا حسن ، الخامس : فانا ذو الاحسان وهذا حسين ، وكل يحمد الله عز وجل (1) .

ظهور العجائب حين الولادة


لما ولد النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ظهرت عجائب وغرائب حين ولادته صلى الله عليه واله وسلم يقول عبد المطلب لما ولد محمد صلى الله عليه واله وسلم اتيته فرايت النور بين عينيه يزهر ، فحملته وتفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسك ، وصرت كاني قطعة مسك من شدة ريحي ، ثم اخذته الى الحرم وعوذته باركان الكعبة .
وتقول امنة بنت وهب سلام الله عليها : انه لما اخذني الطلق ، واشتد بي الامر ، سمعت جلبة وكلاما لا يشبه كلام الادميين ، ورايت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والارض ، ورايت نورا يسطع من راسه حتى بلغ السماء ، ورايت قصور الشامات كانها شعلة نار اضاءت بنورها قصور
1ـ نفس المصدر : ص 14 .

align="baseline">
الفهرس التالي التالي