أول ما نبحثه في هذا الموضوع ، هو ان نرى أصل استعمال عبارة التربية الاسلامية هل هو صحيح ام لا ؟ وهل يمكننا التحدث عن التربية من وجهة نظر اسلامية أم لا ؟ ان الاجابة على هذا السؤال تتوقف على التصور الذي نحمله عن الاسلام ، فيجب أن ـ نرى ـ أولا ما هي النظرة التي نحملها تجاه الاسلام ؟ وما هو تقييمنا له كدين وعقيدة ؟
فالاسلام ـ كما نراه ـ شريعة الهية حضارية ، أو دين له نظام شامل ينطوي على كل الابعاد والافاق الخاصة بحياة الانسان ، وله رآيه في جميع الجوانب الاجتماعية لحياة الانسان الاقتصادية والسياسية والثقافية ، سواء المعنوية منها أو الاخلاقية ، وهو يقدم لنا نظرية في الحقل التربوي بأعتباره واحدا من شؤون الحياة الانسانية بل ان عماد الاسلام هو التربية ، وان الاسلام دين التربية وبناء الانسان . نعم اننا لو اعتبرنا الاسلام دينا الهيا كاملا وخاتما للاديان ، فسنرى ان بأمكان تعاليمه ان تقدم آراء جديدة في جميع آفاق الحياة ، سواء المتعلق منها بالماضي أم بالحاضر والمستقبل ، ومن جملة ذلك الجانب التربوي أيضا .
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
6
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
7
النظام التربوي في الاسلام
يرى المتخصصون في الدراسات الاسلامية ، ان للاسلام نظاما في جميع الشؤون السياسية والثقافية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وحتى المعنوية والاخلاقية . ومقصودنا من النظام ـ هنا ـ هو مجموعة التعاليم ، والتوجهات المنسجمة مع بعضها في طرح المواضيع المختلفة وأحد هذه النظم ، هو النظام التربوي ، وهو ـ كما نراه نظاما بناء سواء في البعد الفردي ، او البعد الاجتماعي ، اذ يتمكن الانسان في ظله من بناء ذاته ، وتزكية نفسه . أما في البعد الاجتماعي فهو (الاسلام ) كفيل بترية الافراد الصالحين ، القادرين على العيش سوية في منتهى الوئام ، والسلام ، والاستقرار ، والتعاون ، والتكافل . ويتسم هذا النظام بسعة النظر ، والرؤية الكونية الراقية ، وبشكل لم يهمل اي شأن أو بعد من شؤون الحياة الانسانية وأبعادها الكثيرة ، او يقتصر في بيان جانب من جوانبها .
ملامح هذه الرؤية الكونية :
نجد في النظام الفكري الاسلامي سعة نظر فريدة من نوعها ونستشف منها ما يلي :
1- ان هذا العالم بكل عظمته وسعته ، هو خلق الله وملك يده .
2- ان الطبيعة بكل أبعادها وجوانبها ، هي كتاب الخلقة الواسع .
3- ان حركة ومسار جميع الظواهر والتفاعلات قائمة على نظام العلة
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
8
والمعلول .
4- ان الانسان مخلوق لذلك الخالق ، وهو أفضل من كثير من المخلوقات .
5- وبما انه يشكل حلقة ضمن هذا النظام ، يتوجب عليه القيام بالسعي ، والتحرك الهادف .
6- وهو أيضا مكلف وملزما ببناء ذاته ، وبناء الاخرين .
7- ملتزم بالتدبر والتعمق في الامور ، والاخذ بما ينفعه وينفع مجتمعه .
8- له أبعاد عديدة في هذا الوجود ، وكل واحد منها مصدر لكثير من الخيرات له وللمجتمع .
9- أنه ليس موجودا ماديا محضا ، بل فيه نفحة من روح الله .
10- ليس له القدرة على تسخير كل ما في السماء وما في الارض .
11- بميسوره التسامي الى ما لا نهاية .
12- لاتنحصر حياته على هذه الدنيا ، بل تمتد الى العالم الاخر .
13-بامكانه الاستفادة من جميع الظواهر ، يشرط ان يسلك طريق التكامل .
14- ان امكانية التكامل متاحة لجميع الناس ، وبدرجات متفاوتة ، وعلى عدد الانفس البشرية .
وجهة التربية :
1- يعتبر عمل المعلم في هذا النظام اكمالا واستمرار لعمل وطريق الانبياء .
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
9
2- ان طريق التربية هو نفس طريق الفطرة ؛ وآحيائها يقع على عاتق المربين.
3- ان التعليم ضروري والتزكية مقدمة عليه .
4- يجب تقويم مسار الانسان نحو الاتجاه المطلوب ، والمطلوب هو ما يرتضيه الشرع .
5- يجب ان تنصب كل الجهود والمساعي على توجيه الانسان الى السير الى الله .
6- ان عمل المربي هو ترغيب الانسان بلقاء الله .
7- يجب الاهتمام بالعلم ، ولكن الموجه منه فقط والمعمور بالايمان .
في النظام التربوي الاسلامي :
يعترف هذا النظام بدور كل من الوراثة والمحيط ، على حد سواء
فنجد في التعالم الاسلامية تاكيدا واضحا على اختيار نوعية الزوجة ، ليكون المولود منها خاليا من النواقص الوراثية ؛ هذا من جهة ، فان التعاليم الاسلامية تؤكد ومن جهة اخرى على دور البيئة بالمعنى العام للكلمة ، بما في ذلك شروط الغذاء ، وظروف المناخ ، وأجواء المخالطة ، والاوضاع السياسية والثقافية و .....الخ والسبب الكامن وراء التاكيد على اهمية الوراثة ودور البيئة ، هو ان التربية السليمة والبيئة الصالحة يمكنها ازالة التأثيرات الرديئة ، والعكس صحيح أيضا ، اذ ان البيئة الموبوءة يمكنها الغاء الصفات الوراثية الايجابية .
يرى الاسلام ان اغلب الصفات والطبائع الخلقية ، وكل ما يستوجب
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
10
الثواب والعقاب تنتقل من البيئة الى الفرد ، وهذا هو سبب اهمية وضرورة بعث الانبياء وعمل المربين .
مصادر التعاليم التربوية :
ان المصادر الاربعة التي سنشرحها تباعا لا تخص بأمر التربية فقط ، بل تعتبر المصدر الوحيد لكافة التشريعات السياسية والاقتصادية والمعنوية والاخلاقية . ولما كان هذا الدين منزلا من الله تعالى ، والمؤتمن عليه هو النبي (ص) ، ومفسروه هم الائمة عليهم السلام ، وهؤلاء لهم معصومون من الخطأ والزلل ، اذن يمكن هنا تحديد تلك المصادر الاربعة للتربية كما يلي :
1- القران : وهو كتاب الله ، وأوثق سند اسلامي ، والمصدر الرئيسي لجميع الاحكام والقوانين ، ولا يثبت امام احكامه حكم او راي .
2- السنة : وتشمل قول وفصل وتقرير المعصوم ؛ ودورها بالنسبة للقران هو دور التفسير وطرح المصاديق .
3- اجماع صلحاء الامة من الفقهاء العارفين بمصادر السنة ، والمعروفين بصدق القول والسداد ، بشرط ان يطرحوا من الاراء ما لا يعارض النص والسنة ، وان تتفق آراؤهم بالاجماع حول حكم ما .
4- عقل الصالحين والاخيار وأهل الخبرة والفقهاء ، بشرط امتلاكهم الاسس والمبادئ المستمدة من القرآن والسنة .
موضوع التربية :
موضوع التربية هو الانسان بكل أبعاده الوجودية التي تصفها التعابير
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
11
الاسلامية بأن عددها بعدد أبعاد عالم الوجود ، ويمكن تلخيصها في الابعاد الثلاثة : البدن ، والروح ، والذهن .
أما بشأن الاسئلة المطروحة عن ماهية الانسان ، فهنالك اجابات متعددة بهذا الشأن . ويمكن القول عموما : بانه كائن مركب من المادة والمعنى ، منشأه ترابي ، وفيه نفحة ربانية ؛ له أبعاد علوية وسفلية ؛ قابل للتغيير ؛ ولديه استعداد لتحمل المسؤولية ؛ ملتزم ؛ بامكانه الوصول الى ذروة الكمال ؛ وفيه بذور القدرة على الحياة الفردية والجماعية ؛ لديه عقل وشعور ؛ ويمتلك القابلية على التفكير والارادة ، والقدرة على اتخاذ القرار ؛ مهيأ ومهيء للتسامي والتسافل على حد سواء ؛ وخلق من ماء وتراب وفيه طبائع من كلا المادتين ؛ كائن عجول وحريص ؛ اذا مسه الشر جزوع ؛ مناع للخير ؛ بخيل ؛ طماع ؛ طويل الامل ؛ له ابعاد غريزية ؛ متمرد وطاغ ... الخ .
نفخ فيه من روح الله ، وعلى هذا الاساس ففطرته مجبولة على معرفة الله وحب الخير والاحسان ، والتقوى والايثار ، والعدالة والتضحية ، والافاق الملائكية السامية .
بذور التكامل في الانسان :
ان بذور التكامل متوفرة في الانسان على الصعيدين الجسدي والروحي .فعلى الصعيد المادي خلق الانسان من تراب وماء ، واجتاز مراحل تكامله الواحدة تلو الاخرى ، من التراب الى النطفة ، ومن النطفة الى العلقة ، ومن العلقة الى المضغة ، ثم نشوء العظام في المضغة ، ثم اكتسائها باللحم ... الخ ، حتى يصير انسان كاملا .
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
12
وعلى الصعيد الروحي يمكنه استثمار ما يتهيأ له من التربية من قبيل الاذن والعين ، والفهم والادراك ، والحواس الظاهرة والخفية ، والاستفادة والتعبير ، حتى يمكنه ان يبلغ بذلك درجة اسمى من الملائكة ، فيدرك مقام القرب ويفوز بلقاء الرب .
وعلى صعيد تكامله الجسدي فتتوفر مستلزماته الخاصة به ايضا ، فهو يتحول من التراب الى النطفة حيث يدخل عالمه المحدود في رحم الام ، ثم ينتقل من هناك الى رحم الدنيا ، ثم يولد بعد الموت من جديد ويدخل عالم الاخرة ويرجع الى الله .
يتلخص عمل المربي في توفير الوسائل والامكانيات التي تتيح له السير في هذا الطريق ، ومن ثم تقويمه بالاستفادة من الوسائل المختلفة ، ومن خلال استخدام مختلف الفنون والاساليب .
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
13
في تربية الانسان
للانسان ثلاث صفات وخصائص :
1- الصفات الذاتية : المنبثقة عن الخلقة والوراثة ، وهو ليس مسؤول عنها .
2- الصفات والخصائص التي اكتسبها طوعا واختيارا أو عن طريق تهيئة مستلزماتها ، وهو مسؤول عنها .
3- الصفات والخصائص التي اكتسبها لا اراديا من البيئة التي يعيش بها ، وهو ملزم بتهذيب نفسه من رذائلها ، والتحلي بفضائلها . ان الانسان مسؤول في جميع الاحوال عن نفسه وعن اصلاحها كمسؤولية الوالدين والمربين تجاهه . ويجب ان يفرض امر التربية عليه فرضا ، لان افتقاره للتربية يجعل منه انسانا لا اباليا ، بل وفي ذلك خطورة عليه ، وما اكثر المخاطر والعواقب الوخيمة المترتبة على انعدام التربية .
العوامل الداخلية المساعدة على التربية :
هنالك عوامل داخلية متعددة تساعد المربين والمسؤولين على تربية الاشخاص . بعض هذه العوامل يتعلق بذات الشخص ، وبعضها الاخر له علاقة بالمربي . ويمكن استعراض نماذج من تلك العوامل كما يلي :
1-الارضية الفطرية أو الفطرة السليمة ، وتمتاز بالشفافية والقرب من
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
14
مصدر الفضائل .
2- حب الاستطلاع ووجوده في نفس الانسان فطري ، وبأعتقاد البعض غريزي .
3- حب الذات وهو ما يدفعه لكسب كل منفعة لنفسه .
4- الرغبة في الرقي ، وهي رغبة نابعة من حب الذات وفيها مصلحة كبرى له ، فهي تدفعه دوما الى التطور والتكامل .
5- حب العدل ، وكره الظلم والظالم ، والتعاطف مع المظلوم ، والرغبة في التضحية والايثار ، وطلب الحق ... الخ .
على من تقع مهمة التربية ؟
من البديهي ان التربية حق من الحقوق ، الطفل والتهاون فيها تقصير بحقه ، وقد وردت روايات واحاديث عديدة تؤكد صحة هذا ، المعنى ، ولكن على من تقع هذه المسؤولية ؟ وقبل الاجابة على هذ السؤال ينبغي ان نعرف أولا لمن تعود ملكية هذا الطفل ؟
ـ الطفل ليس ملكا للدولة كما يصرح بذلك انصار الفكر الشيوعي .
ـ الطفل ليس للمجتمع كما يعتقد انصار الاشتراكية .
ـ الطفل ليس ملكا للوالدين ، لانه لايحق لهما استخدام ما يشاءان من اساليب التربية .
ـ والطفل ليس ملكا لنفسه حتى يستطيع اتخاذ اي قرار بشأن نفسه وكما يحلو له .
يعتبر الطفل من وجهة نظر الاسلام ملكا لله ، وهو امانة بيد الدولة
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
15
والمجتمع والناس والوالدين ونفسه ، وتقع مسؤولية تربيته وتوجيهه الوجهة السليمة على الوالدين اولا ، ثم عليه هو شخصيا ، وواجب الدولة والمجتمع هو تقديم الخدمات له في سبيل تكامله . فلا يستساغ قتله ، أو معاقبته ، أو سجنه الا في اطار القانون والمعايير الدينية ، ومعنى ذلك عدم جواز اتخاذ اي قرار بشأنه .
استمرار حق التربية :
حق الطفل في التربية أمر مقطوع به ، واداؤه من قبل الابوين واجب ، وتقع على عاتق أفراد المجتمع مسؤولية بناء شخصيته . فان تنصل الوالدان عن أداء مهمتها ، فعلى الفقيه العادل أخذه منهما ، وانتداب جهة أخرى لاداء هذه المسؤولية .
وعلى هذا ، فأمر التربية لا ينحصر في الوالدين والمدرسة بحيث يربيان الاطفال كيفما اتفق ، بل ان للحكومة الاسلامية رأيا في ذلك ، وبأمكانها ان تفرض نوعا من الانسجام بين ما هو كائن ، وما لا ينبغي ان يكون .
يتواصل حق التربية حتى سن 21 عاما ، وتتحول مهمة البناء من بعد ذلك اليه هو شخصيا ، وتقع على الاخرين وحتى الوالدين مسؤولية الاشراف والتوجية .
وبناءا على هذا ، فان الرقابة التربوية تمتد من لحظة ما قبل الولادة ، ومن فترة نشوء الجنين حتى نهاية العمر .
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
16
الزامية التعليم والتربية :
وعلى هذا الاساس يمكننا الادعاء : ان للتربية والتعليم طابعا الزاميا في الاسلام بل هما أمران واجبان . وتشير الروايات الاسلامية في مجال التربية الى ان من حق الابن على الاب أن يحسن اختيار اسمه ، ويحسن تربيته ، ويعلمه القراءة والكتابة والقران .
ونحن نعلم ان مسألة حق الابن عندما تطرح على الاب ، وهذا ما يشعر بالالزام ، ووجوب اداء الدين . فعدم رعاية هذا الدين تعني العقوق من قبل الوالدين ، فالاحاديث الشريفة تقول انه كما يعق الابناء ، كذلك يعق الاباء . ووردت في الشرع الاسلامي روايات كثيرة تحث بل وتأمر بطلب العلم وتعلم كل ما هو ضروري ، وهناك حديث مروي عن المعصوم (ع) انه قال : « لو ددت ان أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا » وكل هذا يدل على الوجوب والالزام في أمر التربية .
الاهداف العامة للتربية :
ينبغي من كلمة الاهداف هي النقاط العامة التي ينبغي الوصول اليها .
ويتلخص واجب المربي في الاخذ بيد الطفل حيثما هو كائن وايصاله الى حيث النقطة التي نطمح اليها . وتتباين هذه الاهداف حسب تباين زوايا النظر ، فالنظرة الاسلامية ترى ان هدف التعليم انقاذ الفرد من الجهل ، وهدف التربية توعيته وخلق روح الرفعة لديه لغرض سوقه نحو التكامل ،
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
17
وايصاله الى مقام العبودية ، اي ان يصبح عبدا صالحا .
هدف التربية انقاذ البشرية من الظلمات ، والربط بين الابعاد المادية والمعنوية وبين الدنيا والاخرة وايصال الانسان الى الكمال اللا متناهي ، وتهدف التربية من جانب اخر الى اعداد الانسان الى العيش والاستثمار التام والصحيح لجميع النعم الموجودة في هذا العالم ، والاستعداد اللازم للاستمرار الحياة في العالم الاخر . ان بناء الفرد وتوجيهه الوجهة الصحيحة للحياة يتطلب توفير مستلزمات المجاهدة ، لاجل تطبيق قانون الحق ، وتوجيه سفينة الحياة في هذا البحر المتلاطم وايصالها الى ساحة السعادة . وعلينا ان نجعل منه انسانا قادرا على تحمل المسؤوليات الفردية والجماعية ، وحثه على اداء واجباته ، وخلق الثقة فيه بنفسه ، وجعله يدرك الامور ويشعر بها و ....الخ .
أما بشأن اعداده لمواصلة الحياة في العالم الاخر ، فالغرض منه الوصزل الى روح الحق الحاكمة على الكون ، وعليه ان يدرك في مسيره هذا بأنه «كل امرىء بما كسب رهين » «وان ليس للانسان الا ما سعى» (1) ، وانه مسؤول عما اكتسب اختيارا ، وان التكليف الذي يفرض عليه منوط بمدى قدرته و ...الخ .
وعليه ان يدرك ايضا ما هو سر الحياة ، ليفكر ويتأمل في مسائل هذه الدنيا ، وليعلم ان خلق السموات والارض لم يكن عبثا بل كان لحكمة ، وان
(1) (39 النجم )
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
18
في خلق هذه الظواهر « لايات لاولي الالباب» (1) . ولا شك ان بلوغ الاهداف يستلزم تهذيب الغرائز وتوعية القلوب ، والالتفات الى أهمية القيم الحقة و ... الخ .
تقسيم الاهداف :
يمكن تقسيم الاهداف التربوية من جهة .. الى اربعة أقسام وهي : الاهداف التي تخص ذات الانسان ، والاهداف المتعلقة بخالقه ، والاهداف المتعلقة بالناس ، والاهداف المتعلقة بالكون بالمعنى العام للكلمة .
1- فالهدف الخاص بالانسان ، غرضه معرفة النفس وبناؤها وفق للمعايير الدينية ، وبالشكل الذي يضمن تحركها صوب الكمال والنضوج .
2- اما الهدف من معرفة الخالق ، فهو العبودية له ، والاستقامة لاجل تكامل الانسان .
3- أما فيما يخص الهدف التربوي من العلاقة مع الناس فهو لغرض اقامة العلاقة السليمة والبناءة معهم ، بحيث تنبثق عنها حركة عامة لغرض المسير نحو الهدف .
4- أما العلاقة بالكون ، فالهدف منها ايجاد نوع صحيح من التعامل مع الكائنات الموجودة فيه من حيوان ونبات والاستفادة منها في طريق تكامله . ومن جهة اخرى يمكن تقسيم الاهداف على النحو التالي : ـ
(1) آل عمران 190 .
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
19
1- الاهداف الدينية ، والغرض منها الانشداد الى الله تعالى والمعاد والانبياء والملائكة والكتب السماوية ، والايمان بها جميعا .
2- الاهداف الاخلاقية التي تسعى لبناء الانسان استنادا الى التعاليم الدينية ، واحياء فطرته ، وتعويده على الفداء والتضحية والتقوى والعفة والاخلاص والوفاء .
3- الاهداف السياسية التي تستند الى الحريات المشروطة في اطار الظوابط القانونية وايجاد التابع او المتبوع الصالح .
4- الاهداف الاقتصادية ، ومهمتها التأكيد على الانتاج السليم والمشروع والتوزيع العادل ، واستثمار الظروف المتاحة ، واجتناب الاسراف والترف .
5- الاهداف الاجتماعية : لقد اكد القرآن على ضرورة اقامة علاقات صحيحة بين الناس مبنية على أسس التعاون والمودة والتكامل ، والاغراض الاجتماعية السامية .
6- الاهداف الثقافية : وتركز على التعليم والتعلم ، وأحياء السنن الاصيلة وأبرازها وتؤكد أيضا على الفن الذي يخلق الوعي لدى الامة ، والادب الهادف البناء.
الفردية ام الجماعية في الاهداف :
لايستند المذهب التربوي في الاسلام على أصالة الفرد ، ولا على أصالة المجتمع ، بل يستند على اصالة الفرد الممزوجة بالمجتمع ، فهو يؤكد من جهة على أصالة الفرد انطلاقا من الايمان بأن « كل امرء بما كسب
تربية الطفل دينيا واخلاقيا
20
رهين»(1) ، وان أحد لا يحتمل وزر غيره ، ولا يعاقب أحد نيابة عن سواه .فالانسان مسؤول عن ذاته وهو على نفسه بصير . ويؤكد من جهة أخرى على أصالة المجتمع انطلاقا من النظرة الاسلامية التي تؤكد ان أفضلية الامة رهينة بخدمة الناس .
فالناس مكلفون بالتعاون على البر والتقوى ومأمورون بالتعاون مع أبناء دينهم الذين يعتبرهم الاسلام بمثابة الاخوة ، ومأمورون أيضا بالعدل والاحسان الى أتباع الاديان الاخرى ، اذ يعتبرون نظراء لهم في الخلق . ففي الوقت الذي تبدو فيه أغلب التشريعات الاسلامية فردية ، فهي ذات طابع أجتماعي ، كالصلاة والصيام ، والحج ، والجهاد ، وصلة الرحم ، والاحسان الى الجار ، والاخوة ، والنصح والارشاد ،.... وأمثال ذلك ، ويجب
ان تؤكد التربية على هذه الجوانب .
قائد أم تابع ؟
والكلام هو : هل ان التربية تخلق القائد أم المقود ؟ والجواب هو : أن التعاليم الاسلامية تؤكد على ان الناس كلهم منقادون للاحكام الالهية ، وللسبل التي اختطها الانبياء ، ولكن يتحمل كل شخص فيه من المسؤولية بما يتناسب ومقدرته ، فهذا يعمل معلما ، وذلك قائدا ، والثالث خبازا ، الى اخر ذلك من المهام والوظائف . فالجميع تابع لحكم الله تعالى ، ولا أفضلية لاحد على الاخر .