تكوين الاسرة في الاسلام 397


الباب العاشر


تكوين الاسرة في الاسلام 398

خلاصة ونتيجة البحث

الى هنا وينتهي البحث المتعلق بتشكيل الاسرة ونعتقد ان تضمن كل المسائل التي يجب طرحها ، كما ان هناك مباحث اخرى جديرة بالذكر . فهذا البحث ـ كما قلنا ـ يعد مقدمة تمثل ضوء يهتدي به الاشخاص الذين لا خبرة لهم ولا اطلاع فيكون هذا البحث بالمقدار الذي هو عليه كافيا لهم .
ففي هذا البحث ذكرنا ان الزواج امر مهم على المستويين الفردي والاجتماعي ، وله اثار ونتائج كاشباع الغريزة وبقاء النسل ، التكميل والتكامل ، ايجاد الراحة والاطمئنان كما ذكرنا ان الاسلام يعد الزواج احب بناء الى الله وعامل مهم لايجاد الطهارة والعفة وحسن الخلق كما جاءت بذلك الروايات عن المعصومين (عليهم السلام) واكدت على استحباب الشفاعة فيه ، كما ذكرنا بتوصية المعصومين (عليهم السلام) بالتسريع في تزويج الابناء بمجرد البلوغ وتنبه الغريزة .
وبينا ان الزواج امر ضروري وان امام الانسان ثلاث طرق لاسكات غريزته ؛ اما بكبح جماحها عن طريق الوعظ والارشاد او بالتهديد وبالعقوبة ، او بالادوية والعلاجات المختلفة وكلها تعود بالاضرار الفادحة والعواقب الوخيمة . او ان ترضى بشكل حر بلا قيد وهذا الامر اكثر وخامة واسوا عاقبة من سابقة واخيرا الطريق المشروع الذي يؤكد عليه الاسلام . فالزواج من جانب فردي ضروري

تكوين الاسرة في الاسلام 399

لانه استجابة لنداء الفطرة وعامل للتكامل وبروز المواهب والاستعدادات ويوجد الامن والسكينة وينجي من الوحدة .
اما من الجانب الاجتماعي فهو يضمن استمرار النسل وبقائه ومحاربة الفساد كما ان الدين يؤيده ويؤكد عليه باعتباره عاملا لحفظ العفة وتكميل الدين ، وينهي العزوبة واضرارها لذلك يعد امرا ضروريا .
ويواجه الزواج في عصرنا الحاضر مشكلات لم تكن موجودة في العصور السابقة مشاكل اقتصادية ، اجتماعية ، سياسية ، عاطفية وغيرها الا ان اهمها واغلبها المشاكل الاقتصادية . فهناك طرق كثيرة للحل وصفها الاسلام منها الاستفادة من مساعدات الاخرين كالوالدين او الافراد والخيرين والمؤسسات الاجتماعية ، وتقليل المطالب وتحديد التطلعات ، والتقليل من التشريفات ، والعقد بدون زواج ، والزواج المؤقت ، وفي كل حال فالتوكل على الله والثقة بوعده .
والزواج ككل امر له ابعاد وجوانب مختلفة منها البعد المادي ، المعنوي ، الاخلاقي ، القانوني ، وعلى كل حال فهو امر ذو اهداف وهذه الاهداف قد تكون غير ثابتة كالسعي وراء اشباع الرغبة او للفرار من الوحدة او من تعب الخدمات او للحصول على المال والجمال وقد يكون لاجل العطف والشفقة ... ومثل هكذا اهداف لا يمكن ان تكون وحدها هدفا للزواج . فهذا الزواج يجب ان يكون بصورة مجتمعة او تركيبة من ارضاء الغريزة وايجاد النسل وبقائه وطهارته ، وتكامل الانسان ، وايجاد الراحة والسكينة ، وايجاد المحبة الخالصة بالاضافة الى اداء الواجب الالهي .

تكوين الاسرة في الاسلام 400

وفي نظر الاسلام لا يمكن الاقدام على الزواج بدون تفكر وتدبر بالامر وتدقيق فهذه الضرورة والدقة امر مطلوب عقلا واخلاقا وفي الوقت نفسه يجب ان يطلب العون من الله في تسديد الخطى لاختيار الشريك المناسب . وصحيح ان الفرد حر في اختيار شريك حياته الا ان مشاورة الوالدين واخذ رايهما ايضا امر مهم . ومن الامور التي يجب مراعاتها عند الاختيار هي الايمان والتقوى والكفاءة وكذلك توافق التفكير ووحدة الامال والطموحات ، والنمو والاستعدادات ، والتوافق السني والجسمي .
ومن اجل تشخيص الشروط الواجب مراعاتها في الشريك خصصنا لذلك فصلين ونذكر هنا عند اختيار الزوج يجب مراعاة الجانب الديني والاخلاقي والفكري والنفسي والجسماني ، والسني والاقتصادي له وعدم ادمانه على اي نوع من المواد المحرمة واعطاء اهمية اقل لمسالة المال والمقام والجاة . كما ان البحث والتحري والسؤال عنه يكون عن طريق سؤال ذوي الخبرة والمعرفة ، او عن طريق المحادثة وجها لوجه ، او بالزواج المؤقت الذي ياخذ صورة شرعية لفترة الخطوبة من اجل الوصول لتحقيق هذا الهدف . ولا شك ان جميع تلك الخصائص لا تجتمع في شخص واحد ولكن يجب السعي لاختيار زوج تتوفر فيه اكبر نسبة منها .
اما الامور التي يجب مراعاتها عند اختيار الزوجة فهي الجوانب التالية :
الاسرة ، الايمان ، العقيدة ، الاخلاق ، الجانب الفكري والذهني ، الجسمي ، السن وان تكون باكرا ولودا . ويقع التركيز الاكبر على مسالتي

تكوين الاسرة في الاسلام 401

الايمان ، والاخلاق كما يجب عدم التجاوب مع الفتاة التي يلتقي بها في طريق المدرسة او الحديقة او السيارة لانها غير اهل للثقة والاعتماد عليها . اما المسائل التي لا يجب مراعاتها في المراة فهي ثروة واملاك ابيها والمنزلة والمقام الاجتماعي ، الجمال وغيرها ، وكذلك يجب السعي لاختيار من تتوافر فيها اكثر الشروط .
هناك موانع للزواج في الاسلام منها انه لا يجوز للمسلم الزواج من الكفار والمشركين ، كما لا يجوز الزواج من المحارم النسبية والسببية والرضاعية وهذه المحارم تقسم الى طبقات اشرنا اليها واحدا واحدا ، بالاضافة الى ذلك هناك موانع اخرى غير الكفر والمحرمية تاتي عن طريق الزنا واحيانا الطلاق وغيره .
يبدا الزواج عادة ـ حسب سنن الاسلام ـ بالخطبة من جانب الرجل وبواسطة اهله واقاربه بالتقدم لولي الفتاة . وعلى الشاب والفتاة ـ تقديرا لابائهم واستفادة من تجاربهم ـ ان يستشيروهم وياخذوا ارائهم في امر زواجهما . كما ان اجازة ولي امر الفتاة الباكر امر مهم وواجب وفيه مصلحة وخير الفتاة ولا يجوز للاب ان ينظر الى مصلحته الشخصية ويهمل مصلحة الفتاة وخيرها ، وان القبول بالخاطب يقوم على اساس دينه وخلقه ، ويؤكد الاسلام على تزويج الاكفاء ويعني الكفاءة من الجانب الديني والاعتقادي وعدم البحث عن امور اخرى كالمنزلة والجاه.
ومن واجب الرجل ـ حسب سنة الاسلام ، ان يقدم المهر للمراة عنوانا لصدقه وصفاء نيته في طلب يدها ، وهو يعد هدية منه اليها كما يجب ان يكون حلالا ماديا كان او معنويا . ومنذ اللحظة الاولى للعقد

تكوين الاسرة في الاسلام 402

تملك المراة نصفه فاذا تزوجها تملكه كله ، وكما يوصي الرجل المراة بوجوب اداء المهر يوصي المراة ايضا ان تتصدق بمهرها على زوجها لتنال ثوابا واجرا .
الزواج عقد ، اي معاملة واقامة مثل هكذا عقد له اثار فردية واجتماعية وله شروط منها ان يكون كل طرف فيه عاقلا بالغا مختارا (غير مكره) حرا ، له اهلية وصلاحية ، ويستحب الاشهاد عند اجرائه قدر الامكان حتى لا يكون النسل الذي ياتي منه فيما بعد معرضا للتهمة . ويمكن للطرفين اجراء العقد بانفسهما او ان يوكلا غيرهما . والفاظ العقد يجب ان تكون واضحة صريحة . ويعقد بارادة الطرفين وقصدهما . وبعد وقوعه تترتب للطرفين على بعضهما حقوق وواجبات يلتزمان برعايتها .
وفي الاسلام مراسم للزواج من قبيل الوليمة التي لها اثار قيمة للطرفين ولبقية افراد المجمتع اما مسالة الجهاز فيجب ان يكون الى حد الامكان بسيطا وقليلا ونحن ولاجل وضع النموذج المثالي للجهاز كقدوة يقتدى به ذكرنا جهاز سيدة نساء العالمين (عليها السلام) ، ثم مسالة زينة العروس وانتقالها الى بيت زوجها برفقة الاهل والاقارب . والاسلام في كل حال يتابع حياة المرء منذ تولده الى نهاية حياته ، من بلوغه ، في حياته الاسرية ، في السوق ، في العمل ، وحتى في مسالة الدخول هناك اوامر وارشادات لخيره وسعادته . ثم مسالة نثار العروس .
وعلى كل حال يجب مراعاة تعليمات الاسلام في كل مجال من مجالات الحياة . تعاليم الاسلام بعيدة النظر جدا فهو بخلاف بعض المذاهب ـ ينظر نظرة واقعية ويقدر مسالة الرغبات الجنسية ويحبذ اقامة

تكوين الاسرة في الاسلام 403

العلاقة بين الرجل والمراة ويوصي بان يكون ذلك برضا الزوجة كما يؤكد على مراعاة عدة مسائل فيها وهي وقت الجماع ، الوضوء ، والدعاء ، ذكر الله ، طلب الولد منه ، وامور اخرى مستحبة حتى انه يراعي مسالة مكان اقامتها ، فيبين الاماكن التي يكره او يحرم فيها . كما يوكد على بقاء الزوج مع عروسه عدة ايام وكذلك يستحب له ان يسهر معها .
احد اهداف الزواج انجاب الابناء ، وفي العالم اليوم هرج ومرج وصيحات تتعالى قائمة على اساس نظرية مالتوس القسيس والاقتصادي الغربي في ان النسل البشري يتزايد تزايدا لا يتناسب مع كمية الغذاء ووسائل الحياة والرفاهية التي لا تسد حاجتهم وصوروها بانها فاجعة انعكست على تنظيم الاسرة ، ولهذه النظرية ابعاد سياسية نرى في الوقت نفسه ان الاسلام يحبذ الانجاب ويوصي به ويشجع عليه .
ولا شك ان وصايا الاسلام مقبولة عند الفرد المسلم الملتزم فالاسلام يريد الافتخار بتكثير النسل العفيف الطاهر الاصيل والا ففي غير هكذا حالة لا يحبذه ولا يرغب فيه .
وفي ظل عقد الزواج يتعهد الزوجان باداء حقوق وواجبات بعضهما البعض ومراعاة الالتزام بها كما ان هناك تفاوت طبيعي في الحقوق والواجبات تعود الى طبيعة خلق كل منهما وفطرته . ومن جانب اخر هناك تفاوت اجتماعي يرتبط الى حد ما بالجانب الفطري والطبيعي .
فحقوق المراة على الرجل او واجبات الرجل تجاه المراة عبارة

تكوين الاسرة في الاسلام 404

عن النفقة يدفعها لها لحفظ الهدوء والسكينة للمراة وفي ظل ذلك تكون متفرغة لادارة المنزل وقادرة على تربية جيل سالم وايجاد جو اسري دافيء هاديء . هذه النفقة تشمل المأكل ، الملبس ، المسكن وحتى الزينة على ان تكون بعيدة عن الاسراف والاقتار .
ومن الحقوق الاخرى لها حق المقاربة الجنسية والمعاشرة والتزين لها . والتي يعد التخلف عن ادائها موجبا للعقوبة .
وللزوج كذلك على زوجته حقوق فعليها طاعته وعدم عصيان امره وادارة المنزل والتمكين الجنسي وعدم الخروج من بيته الا باذنه وعدم اقامة علاقات مع اشخاص اجانب وان تحفظ ماله وعرضه وان تتزين وتتجمل له . ان طاعة المراة للرجل وعدم خروجها من البيت الا باذنه شرع لاجل حفظ الاسرة وامنها وليس عدم استقلال للمراة او تبعية الرجل ، والا فالمراة مستقلة في جوانب كثيرة منها العبادات ، الامور الاقتصادية والمعاملات ، وفي الجانب المالي فهي حرة التصرف باموالها ، والاسلام يعطيها الحق في انجاز المعاملات ويعدها صحيحة .
وبين الرجل وزوجته علاقات انسانية غير الحقوق والواجبات التي يعد التخلف عنها موجبا للعقوبة ، ولهذه العلاقات الانسانية دور في استقرار الاسرة وسعادتها فعلاقاتهما يجب ان تقوم على المودة والرحمة واظهار مشاعر الحب لها وحمايتها ، والمعاشرة الحسنة والاخلاص والصفاء والتفرغ لها وللابناء بعض الوقت ، وتحمل سوء خلقها والتجاوز عن خطائها . ورعاية مثل هذه الامور تحتاج الى سعة صدر .

تكوين الاسرة في الاسلام 405

في مقابل ذلك يجب ان تقوم علاقة الزوجة بزوجها على اساس الطاعة والحب والتفاهم والاحترام وان تستقبله وتتواضع له . تتزين له . وان لا تمن عليه وكذلك حسن الخلق تحمل سوء خلقه . تمكنه من نفسها ، تساعده في طلب العلم والجهاد ، الانسجام معه في كل الظروف حتى حين فقره . تجلب نظره ، عدم التبرم واظهار التعب له ، عدم تقييده ، رعاية الادب معه والتوافق والانسجام ، كل ذلك يحتاج الى صبر وبعد نظر وتحمل .
من المسائل التي كثر البحث فيها في المجتمعات الاخرى ـ خصوصا المجتمعات الغربية ـ مسالة تعدد الزوجات ومسالة زواج المتعة . واتهموا الاسلام بانه المخترع لتعدد الزوجات ، ونحن في هذا البحث بينا حكم الاسلام في هذه المسالة انه جائز وليس واجب ، وبينا كذلك الاحصائيات الاجتماعية والطبيعية مثلا الحلول الموضوعة لتزايد عدد النساء في مقابل عدد الرجال في العالم وهي اما عدم الاكتراث بهن ، او حرمانهن من حق الزواج او اقامة العلاقات اللامشروعة ، او الزواج من رجل متزوج وهذا الحل هو الذي يرتضيه الاسلام يؤيده في حالات معينة وليس في كل حال كوجود الامراض او الاعذار او لتدخل عوامل خارجية وجوانب خلقية .
في مجال تعدد الزوجات اشكالات وشبهات مطروحة منها ان التعدد سلب لحق شخص اعزب في الزواج او استمالة للفتاة بسبب ثروة رجل متزوج .
واضطراب الوضع الاسري وسوء الاستفادة من ذلك التعدد في الحياة ، واتساع نطاق التفرقة والمشاكل وغيرها واجبنا على كل تلك

تكوين الاسرة في الاسلام 406

الشبهات والاشكالات كما ذكرنا ان منع التعدد امر غير عملي وحتى على فرض كونه عمليا فليس في صالح المجتمع ، والاسلام اذ يبيح التعدد يشترط العدالة ورعاية الجانب العاطفي ، ويحدده الاسلام باربع نساء فقط ، وكذلك وجود الامكانات للاقدام على هكذا امر كما انه لايبيح التعدد للمراة حفاظا على النسل من الضياع وعدم معرفة اصله .
اما فيما يخص المتعة ذكرنا بان اساس قبول هذه الفكرة قائم على الحاجة الجنسية وهو امر مسلم به فالانسان امام ضغط الغريزة اما ان يترهب ويسيطر عليها بشدة او ان يلجأ الى تعقيم نفسه ، او يتمتع جنسيا بكل فوضى وحرية مطلقة او ان يتزوج مؤقتا وهذا ما يحبذه الاسلام . وللمتعة فوائد كثيرة منها تقييد الافراد برعاية اصول وضوابط صحيحة في ارضاء الغريزة ، منع الفحشاء والتحلل ، وهناك فوارق بين الزواج المؤقت والدائم مثل تحديد المدة ، وعدم وجود حق النفقة والكسوة والارث الا اذا اشترط ذلك في متن العقد ، وان كل الفرق الاسلامية تقول بالمتعة انها كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) ثم منعها عمر لاسباب سياسية واجتماعية وبقول امير المؤمنين (عليه السلام) : «لو لانهي عمر عن المتعة ، مازنا الاشقي» .
وكما اثيرت اشكالات حول تعدد الزوجات اثيرت كذلك حول زواج المتعة واعتبروه نوعا من الزنا ، ويسبب سقوط قيمة المراة وسقوط الاسرة . واتباع الاهواء والرغبات وايجاد الخطيئة واتساع نطاق المشاكل العاطفية وتشرد الابناء وغيرها .
ونحن في هذا البحث اجبنا على كل تلك الاشكالات وبيناها واعتبرنا ان وجود المتعة امر ضروري لاشخاص معينين في ظل

تكوين الاسرة في الاسلام 407

ظروف معينة وشروط معقدة ومراعاة للحقوق فيه ، وضرورته في عالمنا المعاصر وشروط نسخه .
مسالة الامن الاسري مسالة مهمة جدا والاسلام يعتني بها اشد العناية ويضع خططا لطهارة المجتمع والمحيط لان منشأ الخراب في الاسرة هو المجتمع . فيضع وسائل للسيطرة على الفساد مثل منع الاختلاط ، منع الكلام غير اللائق ، منع النظر الحرام ، وكذلك يضع قيودا للعلاقات كمنع الملامسة الجنسية ومنع النوم في فراش واحد ومنع المصافحة بين الرجل والمراة من غير المحارم ويمنع التفكير في الاثم كما يمنع الاستمناء اما في مجال السيطرة على بواعث الاثم فيمنع تشبيه الرجل بالنساء وبالعكس ويمنع تبرج المراة لغير الزوج ويمنع عملها غير المشروع وخروجها من البيت كما يمنع الاعمال التي تزلزل الكيان الاسري كالزنا واللواط والمساحقة .
كما يضع الاسلام وسائل لضمان امن الاسرة وصلاحها ، وهذه الضمانات عبارة عن بناء الجانب الايماني والعقيدي للفرد ، التخويف من الذنب وعواقبه ، اجراء الحدود الشرعية والتعزيرات وفي الوقت نفسه يضع طرقا للاصلاح . كالزواج والمقاربة عند الاحساس بالاثم ، الزواج المؤقت وتوطين النفس وتهذيبها للمحافظة عليها والاستفادة من طرق اخرى لتسكين الغريزة واشغال النفس ، كالصيام ، المطالعة ، الرياضة .
ومن الطرق الاخرى لأمن الاسرة والسيطرة على المجتمع يسعى الاسلام للسيطرة على عوامل الفساد مثل منع اقامة علاقات لامشروعة ، معاقبة المفسدين ، منع شرب الخمرة منع الادمان بكل

تكوين الاسرة في الاسلام 408

اشكاله ، منع ترويج الشعر والفن والادب الرخيص . اما في جانب المحافل والمجالس فيسيطر على الاماكن العامة ويفرض رقابة عليها ، يعطل الخمارات ، ودور الفحشاء واخيرا يسيطر على وسائل الاعلام كالمطبوعات والمذياع ، والتلفزيون ، ويضع ضوابط لبرامجها .
واخيرا يسعى الاسلام للحفاظ على الاسرة من خلال المراقبة داخل الاسرة ومنع نفوذ عوامل الطلاق والانفصال ويسعى لايجاد حياة مشتركة في ظل التقوى والاخلاق واداء الحقوق ، وينبه الافراد الى الانتباه لردود فعل كل عمل يقدمون عليه ، من جانب اخر يسعى الاسلام الى اقناع الافراد بالانسجام مع بعضهم ، وايقاف الزوج والزوجة عند حدودهما ، ومراعاة الضوابط في اقامة العلاقة الجنسية والسيطرة على العلاقات الاجتماعية . واذا ما حدث خلاف بينهما يسعيان الى تحكيم طرفين من اسرتيهما لحله . واجراء الحدود ، وفي حالة عدم النجاح في ذلك فباب الطلاق مفتوح .
والبناء الاسري يقوم على اساس استمرار حياة الزوجين معا الى اخر العمر ولكنه يحدث احيانا ان تكون هناك ضرورة لمنع حدوث اخطار اكثر فيكون الانفصال افضل فيقع الطلاق . وللطلاق فوائد كثيرة منها انقاذ كل من الزوجين من حياة كجهنم ولكن في الوقت نفسه له اضرار ونتائج خطيرة ايضا . ففي نظر الاسلام الطلاق حلال ولكنه ابغض الحلال ويستفاد منه حينما يصل الى الامر طريق الى طريق مسدود او كما يقال تصل السكين الى العظم . ولايحق لاحد ان يعمل على انفصال الزوجين كما يوصي الاسلام بالمحافظة على الرباط الاسري الى اقصى

تكوين الاسرة في الاسلام 409

حد ممكن . وللطلاق اسباب متعددة تقسم الى ؛ اجتماعية نفسية ، جسمية .
يحدث الطلاق عادة من حدوث المشاكل وعدم الانسجام بين الزوجين وبهذا يجب السعي الى عدم تفاقم واتساع نطاق الخلافات . والتدابير التي يتخذها الاسلام في هذا الشان هو تحكيم طرفين عادلين . اقامة العلاقات الجنسية ، وضع حق الطلاق بيد الزوج كما وضع طرقا لتاخير وقوعه لعل الله يصلح بينهما وترجع المياه الى مجاريها .
وعلى كل حال فنتائج وابعاد الطلاق معلومة ومعروفة ، والطلاق نوعان ؛ رجعي وبائن ففي الطلاق الرجعي يمكن للرجل مراجعة زوجته ما دامت في العدة بدون الحاجة لعقد زواج جديد اما في حالة الطلاق البائن كطلاق الخلع والمباراة فالامر عكس ذلك .
ويوصي الاسلام ان يكون الطلاق رجعيا قدر الامكان . ومن المسائل المهمة في الطلاق مسالة طلاق الثلاث ومسالة المحلل الشائعة في المجتمع والتي يساء استغلالها . ونحن هنا بحثنا هذه المسائل مع شروط وقوعها . ثم تناولنا مسالة العدة والحقوق في ظلها والحياة بعد الطلاق .
والطلاق ـ لاي سبب كان ـ له اثار نتائج مختلفة على افراد مختلفين فهو يسبب انكسار قلب كل من الزوجين ويسبب اليأس من الحياة والتردد عند الزواج مجددا وسبب لوقوع التناقض في حياتهما ، اما اثاره على الاطفال فاكثر لانهم ضحايا الطلاق . واثاره نفسية وروحية ويجعلهم يائسين من حياتهم ويسبب يتمهم وتشردهم كما يسبب لهم الاحساس بالذنب والشرود الذهني بالاضافة الى الحرمان العاطفي

تكوين الاسرة في الاسلام 410

وتاخير نموهم وشؤم نظرتهم بالنسبة لاحد الابوين واخيرا يسبب لهم اضطرارات نفسية وحتى لايترك الطلاق اثرا سيئا على الاطفال يجب ان يرى الطفل والديه باستمرار .
ثم تناولنا اثر الطلاق على الزواج المجدد للمراة والرجل ، ثم اثره على الاقارب . والاهم من كل ذلك استمرار نتائجه واثاره .
وتحدث في بعض الحالات امور تسبب فسخ عقد الزواج او بطلانه منها ؛ التدليس في امر الزواج ، وجود عيب في احد الطرفين فيكون في هذه الحالة الحق للطرف الاخر في فسخ العقد . اما عوامل بطلان الزواج فهي ؛ الزواج من المحارم ، الزواج من الكفار ، الزواج من امراة ذات زوج ، او في حالة عدة ، الزواج من محارم شخص ملوط به وغيرها ففي الحالات التي يحدث فيها التدليس تفرض على المدلس خسارة مادية يدفعها للطرف الاخر .
احيانا يكون الزواج صحيحا ومشروعا بين الطرفين ولكن يحدث فيما بعد ما يوجب بطلانه ويمنع استمراره مثلا ارتداد احد الزوجين فعندها لايجوز استمرار حياتهما الزوجية معا او يحدث الايلاء وهو ان يقسم الزوج على عدم مقاربة زوجته فلا يحل له بعد ذلك مقاربتها الا ان يدفع كفارة عن يمينه وهذا الحكم ايضا بالنسبة للظهار الذي يحرم فيه الزوج زوجته على نفسه ويجعلها بحكم امه . ومن الحالات الاخرى اللعان وهو اتهام الزوج زوجته بالزنا دون ان يكون له شاهد على ذلك غير نفسه ففي هذه الحالة هناك قسم معين يؤديه كل منهما وعلى اثره ينفصلان

تكوين الاسرة في الاسلام 411

وقد يحدث احيانا ان يخرج الزوج من بيته فلا يعود ولاتعلم الزوجة بخبره ففي مثل هذه الحالة وبعد التحقيق لعدة سنوات ، ان وصلت الزوجة الى نتيجة فبها وان لم تصل او لم يحصل لها يقين بموته فعليها ان تلتزم عدة وفاة وبعدها يمكنها الزواج ثانية . او من الممكن ان يموت الزوج وفي هذه الحالة تلتزم عدة وفاة ايضا سواء كانت حاملا ام غير حامل اداء منها لحق زوجها . وقد شرعت عدة الوفاة اطول مدة من عدة الطلاق بناء على علل معينة ذكرناها مفصلة .
وبهذا يصل البحث الى نهايته . وهناك نقطة لابد ان نشير اليها هي ان المسائل الشرعية الواردة ضمن فصول الكتاب يراجع فيها كل قاريء الرسالة العملية لمرجع تقليده اذ اننا سعينا هنا الى ذكر المسائل التي يشترك الحكم فيها .

السابق السابق الفهرس