كربلاء منذ القدم الى يومنا هذا

القرن الثاني عشر الهجري

كربلاء في القرن الثاني عشر الهجري

(1685 ـ 1784 ميلادي )

قام الوالي العثماني على بغداد ، الوزير حسن باشا ، بإصلاحات يمكن القول بسببها أن العراق دخل في عهده مرحلة جديدة. ولقد قام بزيارة مشهد الإمام الحسين (ع) سنة 1116هـ (1704م) وأجزل العطاء على القائمين على الحرم وعلى الفقراء. ثم زار كربلاء مرة أخرى سنة 1127هـ (1715م) وأمر بتعمير الطارمة الحسينية ، وبنى في كربلاء خان الباشا الذي كان يقع مقابل (باب الرجاء) أحد أبواب الروضة الحسينية.

وفي عام 1131 هـ زارها الرحالة عباس المدني فوصفها في ( نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس ص 84 ) بقوله : فلما أسفر الصباح عن وجه الهنا والانشراح رابع ربيع الأول ، عام ألف ومائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي المرسل ، توكلنا على الرب العلي ورحلنا من مشهد علي قاصدين زيارة الشهيد المبتلى المدفون بكربلا الحسين بن علي ومن معه من الشهداء الصابرين رضوان الله عليهم أجمعين . ففي خامس الشهر المذكور أتينا على موضع يقال له الخان الأخير ومررنا في طريقنا بقبر النبي ذي الكفل عليه السلام فزرناه وبلغنا المرام . وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر ، مشهد الحسين الطاهر . سلام الله عليه ، وعلى جده وأبيه ، وأمه وأخيه ، وسائر مواليه ومحبيه :

لله أيام مضت بكربلا   محروسة من كل كرب وبلا
بمشهد الحسين ذو العلا   ونسل خير الخلق من كل الملا

حتى يقول : فتشرفت والحمد لله بالزيارة ، ولاح لي من جنابه الشريف اشارة ، فاني قصدته لحال ، وما كل ما يعلم يقال . وقرت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر بن مولانا الحسين الشهيد الأكبر . وزيارة سيدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأما ضريح سيدي الحسين : فيه جملة قناديل من الورق المرصع . والعين ما يبهت العين . ومن أنواع الجواهر الثمينة ، ما يساوي خراج مدينة . وأغلب ذلك من ملوك العجم . وعلى رأسه الشريف قنديل من الذهب يبلغ وزنه منين بل أكثر . وقد عقدت عليه قبة رفيعة السماك متصلة بالأفلاك . وبناؤها عجيب ، صنعة حكيم لبيب .

وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين . بلدة من كل المكاره جنة ، كأنها من رياض الجنة . نخليها باصقات ومائها عذب زلال من شط الفرات . وأقمارها مبدرة ، وأنوارها مسفرة ، ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة . وقصورها كغرف الجنان مصنوعة ، فيها سرر مرفوعة ، وأكواب موضوعة . وفواكهها مختلفة الألوان ، وأطيارها تسبح الرحمن على الأغصان . وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور ، وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور .

وأهلها كرام أماثل ، ليس لهم في عصرهم مماثل . لم تلق فيهم غير عزيز جليل ، ورئيس صاحب خلق وخلق جميل . وعالم فاظل ، وماجد عادل . يحبون الغريب ، ويصلون من برهم وبرهم بأوفر نصيب . ولا تلتفت الى قول ابن أياس في نشق الأزهار بأنهم من البخلاء الأشرار . فلله خرق العادة ، فانهم فوق ما أصف وزيادة :

هينون لينون أيسار ذو كرم   سواس مكرمة أبناء أيسار
ان يسئلوا الحق يعطوه وان خبروا   في الجهد أدرك عنهم طيب أخبار
لا ينطقوا عن الفحشاء ان نطقوا   ولا يمارون ان ماروا باكثار
فيهم ومنهم يعد المجد متلداً   ولا يعد ثنا خزي ولا عاد
من تلق منهم تثقل لاقيت سيدهم   مثل النجوم التي يسري بها الساري

واجتمعت بالرئيس المعظم والعظيم المفخم . ذي الشرف الباذخ والفخر الوضاح . مولانا السيد حسين الكليدار ، يعني صاحب المفتاح . وبأخيه الشهم الكريم النبيل العظيم ، مولانا السيد مرتضى ، حماه الله تعالى من حوادث القضاء ، وبالعالم العلامة الحبر النحرير الرحله الفهامة . ذي الوصف الجميل ، والذكر الحسن ، مولانا الفاضل الملا أبو الحسن ، فجمع بيني وبين الأمير المظفر الشجاع الغظنفر ، البحر الغطمطم ، الأسد الغشمشم ، بحر الأحسان ومعدن الكرم ، الأمير حسين أوغلي بيك أيشك أغاسي باشي حرم سلطان العجم . وكان قد أستأذن من السلطان في ذلك العام ، أن يسير الى العراق لزيارة الأئمة أعلام الهدى ومصابيح الظلام . . .

وفي سنة 1138 هـ (1726م) أستطاع نادر شاه الافشاري أن يقضي على الدولة الصفوية ويتسنم عرش إيران ويمد نفوذه إلى العراق ، حيث سيطر عليه بعد أن قام بحصار بغداد. ثم توجه لزيارة مرقد الإمام الحسين (ع) في كربلاء ومرقد الإمام علي (ع) في النجف. وقامت زوجته وهي كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي بإنفاق أموال كثيرة لتعمير الحائر الحسيني سنة 1153هـ (1740م).

وزار نادر شاه الأفشاري كربلاء مرة أخرى سنة 1156 هـ (1743م) مع وزرائه وعساكره. وقد أولى مرقد الإمام الحسين (ع) والمراقد الأخرى في المدينة عنايته وساهم في تحسين المدينة.

ويقدم لنا الرحالة الألماني كارستن نيبور الذي وصل كربلاء يوم 27 كانون الأول سنة 1765م ، ضمن الرحلة الدنيماركية ، وصفاً ممتعاً عن المدينة. فقد ذكر كثرة النخيل في كربلاء ، ويقول بأن عدد سكانها يفوق عدد سكان النجف ، ويتحدث عن سور كان يحيط كربلاء له خمسة أبواب ولكن خلال زيارته وجده متهدماً.

ويتحدث نيبور مبهوراً بالروضة الحسينية التي تتألف من الحضرة والصحن (الفناء المكشوف) الذي يحيط بالحضرة التي كانت تشع منها الأنوار ومضاءة كلها في منظر فريد أخاذ لكثرة الشبابيك الزجاجية التي كانت موجودة فيها.

ويذكر أيضاً أن العباس بن علي بن أبي طالب (ع) قد شيد له جامع كبير تقديراً لبطولته التي أبداها في يوم عاشوراء سنة 61هـ (680م) ، وذكر كذلك مبنى المخيم الذي كان في تلك الفترة حسب ما يصفه حديقة واسعة الأرجاء في نهاية البلدة.

وكان العصر منعماً بالإضطرابات وسيطرة الحكومة على البلاد غير كافية فوقعت ثورة في كربلاء في عهد الوالي ( يوسف باشا ) انتصر فيها أهل المدينة على الجنود العثمانيين . ومع ذلك تمتعت البلاد بشيء من الهدوء والاستقرار بالنسبة للعهود السابقة .

تابع ايضا : تاريخ الروضة الحسينيةتاريخ الروضة العباسيةفي هذا القرن