كربلاء منذ القدم الى يومنا هذا

القرن الثامن الهجري

كربلاء في القرن الثامن الهجري

(1302 ـ 1395 ميلادي )

في سنة 703 هـ (1304م) جاء اولجياتو محمد خدابنده خلفاً لأخيه غازان الذي وافاه الأجل سنة 703 هـ وكان هو الآخر مهتماً بالعمران وبناء المدن واقتفى اثره واهتمامه بالمشاهد وبالعلويين وقد اعتنق اولجياتو المذهب الشيعي على يد العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر اثر زيارته للنجف الأشرف

وأشار ابن بطوطة في رحلته إلى كربلاء سنة 727هـ (1327م) إلى مشهد الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وقال عن كربلاء أنها: (مدينة صغيرة تحفها حدائق النخيل ، ويسقيها ماء الفرات والروضة المقدسة داخلها ، وعليها مدرسة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر ( يعتقد السيد حسن الكليدار ان هذه المدرسة هي مسجد ابن شاهين البطائحي ، وان الزاوية الكريمة هي : ( دار السيادة ) التي انشأها محمود غازان ) . وعلى باب الروضة الحجاب والقومة ، لا يدخل أحد إلا عن أذنهم . فيقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة ، وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة ، وعلى أبواب أستار الحرير . وعلى هذه المدينة طائفتان ، أولاد زحيك وأولاد فائز. وبينهما القتال ابداً ، وهم جميعاً يرجعون إلى أب واحد ، وبسبب فتنتهم تخربت هذه المدينة) .

ففي أواسط عهد أبي سعيد ( 716 ـ 736 هـ ) دب النزاع بين القبيلتين العلويتين آل فائز وآل زحيك ، وفي أواخر عهد أبي سعيد خمدت نار الفتنة وعادت المياه إلى مجاريها الطبيعية .

وزار المدينة في نفس السنة تقريباً المؤرخ والعالم الجغرافي الشهير (حمد الله المستوفي) فوصف كربلاء بقوله: (وغربي الكوفة بثمانية فراسخ ، في صحراء كربلاء مشهد (الإمام) الحسين (ع) المعروف بالمشهد الحائري) وقد ذكر في عهد الخليفة المتوكل انه أجرى الماء عليها بقصد تخريبه حتى حار الماء عند قبره الشريف وظلت البقعة الطاهرة عند القبر جافة . وقد شيد عمارته عضد الدولة فنا خسرو الديلمي . وحول هذا الموضع قرية مساحتها ألفين وأربعمائة خطوة » .

لم تهدأ الأحوال السياسية في العراق زمن الأيلخانيين فكثرت الفتن والاضطرابات. وقد مهدت هذه الأوضاع الطريق للشيخ حسن الجلائري مؤسس الدولة الجلائرية ، التي كانت عاصمتها تبريز في إيران ، للأستيلاء على بغداد سنة 738هـ (1337م) والقضاء على سلطة الإيلخانيين فيها. وبالرغم من قصر فترة السيادة الجلائرية فقد تميزت بالأستقرار النسبي الذي ساعد على قيام نهضة عمرانية وعلمية وفنية في العراق وخاصة في المدن الدينية ومنها مدينة كربلاء.

وفي سنة 767 هـ (1366م) قدم بغداد السلطان أويس الجلائري ، الذي أصبح سلطاناً على خراسان والعراق بعد أبيه الأمير الشيخ حسن الجلائري ، ليخمد فتنة عبده الأمير مرجان الذي كان قد عينه والياً على العراق. وأراد (مرجان) هذا أن يستقل بالعراق ولذلك فإن السلطان أويس جهز جيشاً لإخضاعه. وما إن اقترب من بغداد حتى هرب مرجان إلى كربلاء وأستجار بحرم الإمام الحسين (ع) .وعندما علم السلطان أويس بذلك تيقن من صدق مرجان في حبه لأهل بيت النبوة (ع) فأحضره وأكرمه وعفا عنه وأعاده والياً على العراق. وكان مرجان حينما أستجار بالحرم الحسيني المطهر قد نذر أن يبني مئذنة خاصة في الروضة الحسينية إن خرج ناجياً من هذه المحنة ، ففعل ذلك وبنى حولها مسجداً. ثم أجرى لهما من أملاكه في كربلاء وبغداد وعين التمر والرحالية أوقافاً يصرف واردها على المسجد والمئذنة التي عرفت بـ(مئذنة العبد) .

وعندما علم السلطان أويس بما قام به واليه على بغداد مرجان من تكريم وتعظيم لمرقد الإمام الحسين (ع) وجعل أمواله وأملاكه وقفاً عليه ، اقدم هو الآخر على على تجديد عمارة المرقد الشريف وقام من بعده أبناه السلطان حسين والسلطان أحمد بهادر خان بأستكمال البناء سنة 786هـ (1384م) ، وهو البناء الذي ما زال هيكله موجوداً إلى آلان وقد شيد أيضاً في هذه الفترة البهو الأمامي للروضة الحسينية المعروف بإيوان الذهب .

قبل أن يستولي تيمورلنك على بغداد سنة 795هـ (1393م) ترك السلطان أحمد بهادر خان بغداد متوجهاً إلى كربلاء مع جيشه البالغ حوالي ألفي مقاتل. فقد أرسل تيمورلينك جيوشه تتعقب السلطان أحمد فدارت معركة شديدة بين الطرفين في سهول كربلاء أنهزم في آخرها السلطان أحمد إلى الشام ومنها إلى مصر محتمياً بسلطانها الملك الظاهر برقوق .

وذكر محمد مير خواند شاه في كتابه ( روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفاء ) في المجلد السادس تفصيل هذا الحادث فقال : ان الأمير تيمور كوركان بعد فتحه إيران كان همه محصوراً في مناجزة السلطان أحمد الجلائري. وبعد رفضه لهداياه سار بجيشه نحو بغداد ، وكان السلطان أحمد قد إستطلع الخبر فأخذ أهبته وعبر دجلة إلى الجانب الغربي ، وحمل معه جميع أثقاله وكنوزه وخيله وجنده وأهل حرمه ولما كان صبيحة يوم الثلاثاء عشر شوال سنة 795 هـ دخل الجانب الشرقي من بغداد الأمير عثمان بهادر وطلائع جيش التحرير .

وكان السلطان أحمد في الجانب الغربي وقد أمر برفع الجسر وغرق السفن ، ولكن قواد تيمور تمكنوا من عبور نهر دجلة إلى الجانب الغربي ، أما السلطان أحمد فر إلى الحلة للاحتماء بها ولكن جيش تيمور تبعه . وفي الطريق التمس القواد من الأمير تيمور الرجوع إلى بغداد ، وهم يكفونه تعقيب ابن اويس فرجع تيمور إلى بغداد ، وواصل قواده تعقيب ابن اويس ، ولما استطلعوا خبره عرفوا أنه التزم طريق كربلاء إلى مصر .

أما ابن اويس لما عرف أن الحلة لا تحميه تركها وترك بها معظم نفائسه وذهب إلى النجف ومنها إلى كربلاء ، فأعقبه الأمير عثمان بهادر مع خمس وأربعين رجلاً من أمراء الجيش بضمنهم كان اينايج اغلان وجلال حميد وسيد خواجة بن الشيخ علي بهادر ظفر بالسلطان أحمد في كربلاء ومعه مائتي فارس من أعوانه وأتباعه وأهل حرمه فالتحم القتال بين الفريقين في أرض كربلاء وأخذوا يرشقون الآخر بالنبال . فتطايرت السهام والنبال فيما بينهم ، فانتهز ابن اويس انشغال الطرفين في الحرب فولى هارباً إلى مصر محتمياً بالسلطان برقوق ، بعد أن ترك ذخائره ونفائسه وأمواله الباقية ورجاله في سهل كربلاء .

أما الأمير عثمان بهادر بعد دحره رجال ابن اويس وأسرهم وجد بينهم زوجة السلطان ونجله علاء الدين ونديم السلطان عزيز بن اردشير الاسترابادي مؤلف كتاب ( بزم ورزم ) أما أمراء تيمورلنك بعد استيلائهم على خزائن السلطان توجهوا قاصدين زيارة مرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام يتبركون به يستجمعون قواهم ، وبعد فراغهم من مراسيم الزيارة أجزلوا بالنعم والهدايا على السادة العلويين الملازمين لقبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ثم رحلوا عن كربلاء بعد أن مكثوا فيها بعض يوم .

تابع ايضا : تاريخ الروضة الحسينيةوكذلكتاريخ الروضة العباسيةفي هذا القرن