أَضواءُ  على مدينة الحسين (ع)

اسم الکتاب : أَضواءُ على مدينة الحسين (ع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

 

(150)

المواد والعلوم الدراسية

          كانت الحوزات العلمية بشكل عام وحوزة كربلاء بشكل خاص- حيت كانت مدينة الحسين ع مهوى المحبين لاهل البيت عليهم السلام وبالاخص الامام الحسين عليه السلام وقبلة الزائرين وبوصلة المؤمنين- بمثابة جامعة علمية كبيرة ينتمي اليها الطلاب من جميع الجنسيات والغراض مختلفة كالفقه والأصول وسائر علوم الشريعة واللغة والبلاغة وسار العلوم العربية، والكيمياء والفيزياء وسائر العلوم الطبيعة الى جانب العلوم الرياضية والطب وغيرها وقد حاولنا أن نذكر كلاً من هذه العلوم وررجالاتها سواء المتخصصين بالنهج القديم أو الحديث في فصل خاص بهم واما هذا الفصل فقد خصصناه بالعلوم الشرعية والعربية لأنها الابرز من بينها وقد استمرت الى يومنا هذا بينما انحسر درو بقية العلوم والفنون.

          فكان الفقيه أحيانا طبيباً أو فلكياً، وقد يكون الطبيب رياضياً وهكذا، فهو كغيره يقوم بتدريس هذه المواد العلمية وله تلامذته، وربما كانت له عيادة إذا كان طبيباً أو يكون له  محل خاص أنشاه لتحليلاته الطبية أو صناعة الادوية او لبعض تجاريه في الكيمياء والفيزياء بل وفي جميع العلوم الاخرى.

          وبالاضافة الى ما قدمناه فإن الخطاط والرسام كانا من خرجي هذه الحوزة، كما كان المترجم والمحقق من خريجي هذه الحوزة، حيث كانت أغلب اللغات الحية وبالاخص الاسلامية منها تتداول في هذه الحوزة بل وفي غيرها من الحوزات.

          وإذا ما تعمقت وجدت أن صاحب القراطيس والاقلام والمجلد وما الى ذلك هم من خريجي هذه الحوزة، فكانت الحوزات غينة بالمختصين، ولكن المحتل الغاشم حينما غزا البلاد قضى على كل ذلك، وانحسر العلن

(151)

وانحصر فقط في العلوم العربية والاسلامية، وحاول المحتل أن يبعدهم عن السياسة والقضاء والاجتماع وما الى ذلك والتي كانت من مهام هذه الحوزة.

(152)

 

تمويل الحوزة

          إن الحوزات والمعاهد العلمية حسب دراستنا لها كانت لها مراحل ثلاث عبر التاريخ بشكل عام، وفي مختلف الاقطار.

          المرحلة الأولى: كانت تقام بشكل عفوي من دون رصد مال لذلك ولا حيازة مكان لأجل ذلك فكان العالم حسب اختصاصه يهمه بايعاز ديني ايصال المعلومة الى طلابها، وكان الطالب هو الآخر تواقا للحصول علىَ العلوم التي له علاقة بتعلمها، وكان الداعي الاساس في ذلك هو القربة الى الله تعالى، وبالاخص إذا كان الطلب لعلوم الشريعة أو كلما يتعلق بالاسلام عقيدة واحكاماً وأخلاقاً وسيرة.

          فكان الطالب والاستاذ يتفقان على وقت معين ومكان معين وموضوع معين فيدلي الاستاذ على الطالب ما لديه من المعرفة في الاتجاه المتفق عليه وها لا يحتاج الى مال لا للمكان ولا للا ستاذ ولا للتلميذ لأن الاستاذ والتلميذ كل منهما له موارده الخاصة للاعاشة، وكان حال كل العلماء والرواة على هذا الشكل الا نادراً، وهو الذي كان جارياً في أيام المعصومين ع حيث كان الجميع لهم أعمالهم ولكنهم يخصصون بعض أوقاتهم لاجل ذلك ، وكان الامام المعصوم هو الآخر يعمل ويكتسب كما هو حال الطالب.

          المرحلة الثانية: وهذ إن شئت أن تحددها بفترة ما بعد الغيبة الكبرى سنة 329هــ (941م) حيث برز دور العلماء وتخصص جماعة منهم، فكان هؤلاء قد تعمقوا في العلم وأصبح لهم مقار للمحاضرة سواء في ذلك المساجد او غيرها من الاماكن العامة كما هو الحال في الشيخ الصدوق والكليني والمفيد وأضرابهم، كما وقد أخذ طلاب العلم يفدون اليهم من هنا وهناك، وكانوا في الغالب يستخدمون الخانات المعدة للمسافرين.

(153)

بغرض الايواء، وأخذ الناس يدفعون بحقوقهم الشرعية الى هؤلاء ويبعثونها اليهم، وفي الغالب اتخذوا من المدن المقدسة وجوار المراقد المشرفة مكاناً لتلقي العلم، وكان الامراء وكبار التجار يتعاطفون مع هؤلاء ويدفعون لهم العطايا وبالاخص عند زيارتهم للمراقد المقدسة فتوزع عليهم، وأخذ الامراء والأثرياء ببناء مدارس لاسكانهم وتلقيهم الدروس فيها وأوقفوا لها اوقافاً ومبرات يصرف من عائداتها وغلاتها على سكنة هذه المدارس كما هو الحال في المدرستين العضدية الأولى والثانية في كربلاء عند الامامية ومدرسة النظامية في بغداد وغيرها عند مدرسة الخلفاء.

          وكان الطالب والاستاذ، هما من يؤمنان معيشتهما، بل ربما أقارب الطلاب وهم الذين يؤمنون مصاريفهم ويغطونها، فكانوا يعيشون في ضنك الحياة، وقد عايش والدي المقدس نهاية هذه المرحلة، وكان لايمان الطالب والاستاذ الدور الكبير في مواصلة الدراسة.

          المرحلة الثالثة: بدأت في حدود منتصف القرن الماضي حيث قبلها كان المؤمنون يدفعون بحقوقهم على شكل أعيان دون ان تحول الى نقود الى من يقلدونه وهو بدوره متى ما وصله شيء من ذلك فكان يوزع على تلامذته تارة أقمشة وأخرى أرزاً أو حنطة او تمراً أو ربيباً سواء بعنوان الخمس أو بعنوان الزكاة او حقوق اخرى، ولكن لما توسعت مرجعية السيد أبي الحسن الاصفهاني المتوفى سنة 1365هــ (1946م) أقدم على توزيع اموال نقدية على رأس كل شهر هجري وكان الطالب يستعين بذلك على امر معاشه مضافا الى ما كان سحصل عليه من ذويه الذين كانوا من وراء إقامته في بلد الغربة لتحصيل العلم، وكان المتبع الى نهاية القرن الماضي أن أقارب الطالب كانوا بشكل وآخر يدفعون بزكاة التمر والحنطة، وكذلك الخمس الى من اوفدوه الى الحوزة، وأما الفقراء فكانت المرجعية، بل ربما بعض التجار يعينونهم على استمراريتهم في طلب العلم، فتعد هذه مساعدة اضافية لما تدفعه لهم المرجعية، وقسم منهم كانوا يذهيون أيام العطل بالاخص في موسم رمضان، وموسم محرم لأهاليهم لاجل التبليغ والارشاد فيحصلونه على بعض المساعدات.

          وأما اليوم وبعد ان كثرت المرجعيات وظهرت بسكة في المال وتحسن

(154)

الوضع الاقتصادي وأخذ التجار يدفعون الحقوق الشرعية الى من يقلدونه بالنقد فان كل مرجع يوزع شهريا راتباً لكل طالب منتم للحوزة مما يخفف عليه عناء تحصيل المال في إعاشة نفسه وعائلته، وفي الغالب للطلاب ارتباطات شخصية مع أهل الثراء بحيث يغطون جميع مصاريفهم بالاضافة الى وجود بعض المؤسسات لاجل هذه الغاية النبيلة ونتمنى ان يكون المستقبل أفضل من الماضي، وكنا قدوضعنا خطة مدروسة أيام تأسيس الحوزة الزينبية في دمشق بجوار مرقد السيدة زينب ع حيث كان الطالب مؤمناً من جميع النواحي سكناً ومعاشاً وطبابة، وحسب عدد أفراد عائلته، مراعين في ذلك سائر مصاريفه الاخرى.

          وأتمنى من المسؤولين في الدولتين الايرانية والعراقية ان يخصصوا نسبة من عائدات النفط للحوزات العلمية الامامية في العالم بما يكفل لهم التخرج في فترة اقصر وبشكل أحسن ليتمكنوا من أداء المهمات الملقاة عليهم، وقد تحدثنا بهذا الامر مع منيهمه الامر، ونأمل منهم الوفاء.

(155)

 

 

(156)

 

دور الحوزة

إن المعهد العلمي الذي يقام في أي بلدة بما أنها تضم عدداً من المجتهدين والعلماء ومجموعة من الطلبة التواقين لطلب العلم والمعرفة وبالأخص العلوم التي لها ارتباط بالعقيدة سواء بشكل مقدماتي او بشكل مباشر فانه يتحمل مسؤولية كبيرة تجاه المقيمين بهذا البلد وما جاورها من المدن والقرة والارياف وبالمجتمع بشكل عام وربما يمكن تلخيصها في التالي:

          1ـ ازدياد وعي الناس الذين لهم تعايش مع العلماء وأهل المعرفة شاؤوا أو أبوا ويعاشرونهم صباح مساء ويحتكون بهم وبكتسبون منهم الكثير من الآداب والأخلاق ومعالم الدين ويتعرفون على الكثير من الاحكام الشرعية فيكونوا في الاعم الاغلب من العارفين بأوليات العقائد والاخلاق والاحكام الشرعية ويكونون بشكل عام مثقفين بالثقافة الدينية ومؤمنين على الاعم الاغلب.

          2ـ يخف في مثل هذه المدن والبلدات الكثيرمن المشاكل الاجتماعية والنزاعات والصراعات ويخف عندها مراجعة المحاكم ودور القضاء، واذا ما حل بهم أي مشكلة فانهم يتوجهون الى أحد رجال العلم أو الى المرجع أو من ينوب عنه من الوكلاء فيقضي بينهم بالصلح أو بما يفرضه الشرع وتنتهي الخلافات في وقت قصير جداً.

          3ـ في الاعم الاغلب يكون سكان مثل هذه المدن من المقاومين سواء كانوا من المواطنين أو من المقيمين لاي احتلال أجنبي لوجود الشرعية معهم وتوجيه العلماء لهم بعدم الانصياع للمحتل ولا للحاكم الجائر، فهذه المدن عصية في الغالب على المحتل والحاكم الجائر’.

          4ـ في هذه المدن تكون المدنية والحضارة أرقى من غيرها باعتبار

(157)

والوضع الثقافي الذي يعيشه سكان هذه المدن، وهم يعرفون أن أي تصرف قد يسيء لعلمائهم وللمراقد المقدسة التي غالباً ما تقام عندها الحوزات العلمية فلذلك نجد أن العلماء حريصون على توعية الناس وهم ايضاً ينصاعون الوامر المرجعية والعلماء.

          5ـ تتأجج روح الاخوة في هذه المدن ويرتفع من مجتمعاتها الصراع القومي أو العرقي حيث أن الوافجين اليها من كل الاعراق والأجناس والاقطار يندمجون مع بعضهم البعض فيتولدد منهم نسيج خاص بهم فلا يفرقون بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض وأسود وتمحى سائر الفوارق الاجتماعية.

6ـ إن سكان هذه المدن في الغالب يتحدثون بأكثر من لغة بسبب ذلك الاندماج العرقي والقومي الذي سبق وذكرناه، ومن موارد الثقافة  والمعرفة معرفة اللغات ومن هنا فانهم متفوقون على سائر المدن الاخرى، ولديهم رصيد كبير لان يكون كل واحد منهم سفيراً في سائر المدن الأخرى ويقوم بالتبليغ والارشاد.

          7ـ من الناحية الاقتصادية فان كثافة الدارسين في هذه المدن تحول المدينة الى مدينة اقتصادية، ومع أخذنا بعين الاعتبار وجود العتبات المقدسة فيها الذي يجعلها من موارد السياحة الدينية. وقد تميزت كربلاء بأنها أعظم بلد تنشط فيه السياحة الدينية لان كل ليلة جمعة هي موسم من تلك المواسم وفي كل شهر زيارة، وزيارات المواسم الكبيرة كنصف من شعبان ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الاربعين وزيارات شهر رجب وأمثالها هي الاخرى يفد فيها الى هذه المدينة سنويا نحو نصف مليار زائر.

          8ـ تتحول هذه المدن الى مراكز للتبليغ والنشر ومنابر للوعظ والارشاد وتنشأ فيها المكبتات والمعارض والمطابع ودور النشر والى ماشاء من المؤسسات الخيرة والمنشآت الحيوية.

          وبالتابي تكون هذه الحوزات صمام أمان للناس ومصدر رزق وعلم والهام وتكثر فيها الندوات، الى جوانب اخرى لا مجال لذكرها.

(158)

 

آداب التعليم

          هناك مادة كانت تدرس في الحوزات العلمية وبالأخص كربلاء وكنت انا ممن درستها هي: « آداب التعليم» وقد حدد لها كتابان: الأول آداب المتعلمين لمحمد بن محمد بن الحسن الطوسي المعروف بخواجة نصير الدين المتوفى سنة 672هــ(1274م) والثاني منية المريد لزين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني والمتوفى سنة 965هــ (1557م) ودور هذيين الكتابين هو تأهيل المتعلم للدراسة وتحصيل العلم وتهيئته تهيئة نفسية باعبتار أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة(1)، وبما أن هذا النوع من التعليم يعد عبادة شرعية فيها من الاجر والثواب لذلك على المتعلم أن يتأهل لذلك ومن هنا قام العلماء بوضع بعض الاداب المستخرجة من النصوص الدينية والروائية والأخلاقية كدستور عمل لطلب، فمنها ما يتعلق بشخص المعلم والمتعلم، ومنها ما يتعلق بالتعليم والتعلم، ومنها ما يختص بالمعلم في نفسه ومنها آداب المعلم مع تلامذته، ومنها آداب المعلم في تدريسه، ومنها الآداب الخاصة بالمتعلم، ومنا آداب المتعلم مع معلمه، ومنها آداب الخاصة بالمتعلم، ومنا آداب المتعلم مع معلمه، ومنها آداب تداول البحث والحديث.

          وكان الطالب أول ما يبتدىء به بعد البسملة والحمدلله والصلاة على نبيه وآله عليهم افضل الصلاة وأزكى السلام قول الرسول ص: « اول العلم معرفة الجبار وآخر العلم تفويض الأمر إليه»(2).

          وعلى أي حال وجدت من المفيد هنا أن أذكر أهم تلك الآداب بإيجاز وترك رواياتها وتفاصيلها الى المفصلات.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الانوار:67/68 مروي عن الرسول ص.

(2) جامع المقدمات:1/17 (شرح الامثلة).

(159)

 

1ـ إخلاص المتعلم في طلب العلم، بعد معرفة الغرض من ذلك وعدم الغرور في طلبه، وعفة النفس وعلو همته في طلبه.

2ـ الاجتهاد في طلب العلم والاشتغال به، مع ملاحظة عدم التعنت والتعجيز في سؤاله للمعلم، بل عليه التواضع في سؤاله، وعدم التعصب للرأي بل الانقياد للحق والرجوع اليه، مع تهذيب صيغة السؤال.

3ـ أن يكون المعلم والمتعلم على طهارة لدى حضور مجلس الدرس.

4ـ أن لا يتولى المعلم التدريس الا اذا وجد نفسه أهلا لذلك.

5ـ العمل بما تعلم كي يكون عالما عاملا، وأن يكون المعلم عاملا بما يعلم غيره.

6ـ مراعاة حسن الخلق مع الطالب.

7ـ أن لا يقدم على تدريس من ليس أهلا لذلك لكي لا يضيعا وقتهما.

8ـ المبادرة من قبل العالم للتعليم اذا وجد من بحاجة الى ذلك وكان أهلا له.

9ـ الخضوع للحق اذا وجد الطالب على حق في قوله دون تكبر.

10ـ ارشاد المعلم للمتعلم بما يرضي الله في العقيدة والأخلاق والأحكام ولو باختصار إن وجدت هناك حاجة الى ذلك.

11ـ أن لا يبخل المعلم على المتعلم بما لديه من العلم.

12ـ فسح المجال من قبل المعلم للمتعلم في الاستفسار، وإعطاء المجال من قبل المتعلم للمعلم في اكمال كلامه لاستيفاء بيانه.

13ـ عدم تفضيل طالب على آخر ولا ضير في تقديم الاسبق فالاسبق في التعليم.

14ـ أن لا يقوم المعلم بتقبيح علم في نظر المتعلم.

15ـ أن لا يسقط المعلم عند المتعلم شخصية او دور المعلم الآخر

(160)

 بل يحافظ على احترامه، وأن لا يمنع المعلم المتعلم من حضور درس الآخر.

16ـ تعظيم المعلم للمتعلم والاشادة به إن كان ناشطا ومتفوقاً.

17ـ على المعلم أن يبدا كلامه بالحمد لله والصلاة على النبي وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام وببعض الادعية المناسبة للمقام، وأن يختم بذلك ايضا.

18ـ أن تكون نية المعلم إيصال المعرفة الى غيره قربة الى الله تعالى وحبا لنشر العلم لاغير.

19ـ محاولة المعلم إيصال المعلومة الى المتعلم بأسهل الطرق وأقصرها، وعدم الالتواء في البحث.

20ـ مراعاة المعلم والمتعلم الآداب الاجمتاعية في حلقات الدرس وبشكل عام وأن يتأدبا بآداب الانبياء والمرسلين والأوصياء المعصومين عليهم السلام.

21ـ رفق المعلم بالمتعلم والتودد له ليكون بمثابة أب له وهكذا ينبغي أن يعتبره الطالب.

22ـ على المعلم ان يصحح مقولته اذا أخطأ ولا يجوز له كتمان ذلك.

23ـ على المتعلم ان يكون حسن النية في تحصيل العلم وأن يهذب نفسة مما لا يليق بطالب العلم ليوفقه الله تعالى.

24ـ على المتعلم أن يغتنم الفرص في مجلس الدرس وفي فراغاته ولا يلهي نفسه بغير ذلك.

25ـ أن يكون المتعلم عالي الهمة في تحصيل العلم وأن يحدد أولوياته.

26ـ أن يختار من الصداقات ما يساعده على المعرفة ومزيد العلم دون سواهم.

(161)

27ـ على المتعلم أن يختار معلمه بعناية فائقة من حيث العلم والعقيدة والأخلاق والتقوى.

28ـ ينبغي للمتعلم أن يعتبر معلمه بمثابة أبيه ويحترمه حتى وان كان أصغر سناُ منه.

29ـ على المتعلم أن يكون المبادر للوصول الى حلقة الدرس وأن لا يتأخر عن استاذه.

30ـ على المتعلم أن يصغي بكل حواسه ولا يلتهي عنه بأمورأخرى.

31ـ على المتلعم أن يسلم على معلمه ويستفسر عن خاله ولا يخرج الا باذنه.

32ـ لايحق للمتعلم ان يرفع صوته على صوت معلمه وأن لا يجرح مشاعره.

33ـ عدم احراج المعلم بسؤال خارج عن موضوع الدرس الذي يلقيه عليه.

34ـ على المتعلم أن يتعامل مع زملائه كأخوة متحابين ويساعد أحدهم الآخر في درك المسائل العلمية وفهمها.

35ـ على المتعلم أن ينظم وقته ويقسم أوقاته بما يوجب الاستفادة أكثر في تحصيل العلم.

36ـ على الاستاذ أن يطالع ويحضر بشكل جيد ما يريد القاءه على الطلبة.

37ـ على الطلبة المطالعة قبل الدرس للمادة تحصيرا وأن يباحثه بعد الدرس ليتقنه.

38ـ على المعلم والمتلعم العمل بالتخصص في العلوم.

39ـ على المتعلم أن يتجنب أكل وشرب ما لا يساعده على الفهم سواء من حيث النوعية او الكمية او التوقيت، او مايورث عدم الحفظ او النسيان.

40ـ على المتعلم والمعلم التجنب من تناول ما يوجب نفرة الاخرين

(162)

 منه بل السعبي الى ما أمر به الرسول ص من استخدام العطر والاعتناء بالملبس(1).

          بما بأن الاسالم يهتم بالعلم وتحصيله فقد اعتبروه عبادة وطاعة لأوامر الله سبحانه وتعلاى، ومن هنا فانه قد خصص له آداباً أجملها العلماء فيما قدمناه، ونتمنى أن يكون طالب العلم الين تفرش الملائكة اجنحتها لهم متخلفين بأخلاق الرسول ص ومتأدبين بآداب الاسلام وملتزمين بأحكامه.

          ووجدت من الجدير أن الحق بما قدمناه ما ورد في خاتمة كتاب الاشارات لجدنا الامام الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي المتوفى سنة 1261هـ (1845م) حيث ذكر في تلك الخاتمة الوصايا النافعة للمتعلمين وغيرهم فقال:

          « فمنها: الترغيب والتحريض في أمر الكتاب فبالحري أن يعرفوا قدره بان لا يبذلوه الى من لايعرف الهر من البر ولا يضيعوه بأن يزفوه الى من لا يبذل له مهراً أو يبذل صداقاً نجساً أن لا يقدر عليه.

          وعليكم بكثرة النظر والفحص والبحث عن مبانيه والتعمق والتدبر في مآخذه فانه كنز اودع فيه نقود الحقائق، وفريد درر الدقائق، ومعادن جواهر اللطائف مما لا يوجد في غيره من السوالف، كيف وهوبحر بلا ساحل ولا طرف فاني قد مخضت لكم فيه من زبد الحق مالا يتمكن منه الا  من الا من أيده الله سبحانه وألقمتكم قفي المسائل في لطيف الكلم بألفاظ مختصرة وعبارات محررة لا يقدر عليها الا من عصمه الله سبحانه من الضلالة والغواية وأسعده معارج الحق بالدراية.

          فصونوه عن المتبذلين والجاهلين ومن لم يرزق الفطنة الوقادة والدراية النفاذة، وأوضحت لكم فيه نهج الرشاد وطريق السداد وذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء.

          وشرعت فيه وقد أشرفت على الخمسين وأتممته وقد جاورت السبعين ولولا صرف العمر في العلم بأنواعه في استعماقها عند غفير من فضلاء المعلول والمنقول وأكثرهم ممن انتهت رئاسة الامامية في عصرهم إليهم، وهم في الحقيقة أئمة الاعصار وقل من يتفق ذلك له ممن كانوا في هذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مدنية المريد: 41ـ135، آداب المتعلمين:49ـ 60.

(163)

 الحزب لما كنت تمكنت من مثله ولا قدرت عليه، وكيف يتمكن من مثله الآحاد.

          وقد اشتمل على ما لا يشتمل عليه الكتب والأسفار من دون حشو ولا نقصان، ولا أيجاز مخل ولا إطناب ممل فاشكروا الله سبحانه عليه وترحموا علي حتى ترحموا.

          ومنها: إن شرف العلم وفضله من بين الاعمال ما لا يخفى على ذي مسكة فلا ينبغي للعاقل ترك الاهتمام في تحصيله، وقلة الاعتناء به، ويشهد لذلك العقل والنقل من الكتاب، والسنة، والاجماع، فهل له فضلاً عن الطلبة أن يصرف عمره في غيره بتسويف، أو بتضييع، أو بلهو، أو بلعب أو نحوها وقد قال سيد الاولياء: ( وما الفضل الا لأهل العلم إنهم « على الهدى لمن استهدا ادلاء») والزمخشري: (وكل فضيلة فيها سناء« وجدت العلم من هاتيك أسنى») ( فلا تعتد غير العلم ذخراً«فإن العلم كنز ليس ييفنى»).

          ونحن نكتفي في بيان شرفه بنبذة من الاخبار وهي العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء، وأفضل من العبادة والمال لان المال ينقصه النفقة والعلم يزكو وينمو بالانفاق، ولو علم الناس ما في طالب العم لطلبوه ولو بسفك المهد وخوض اللجج، وفضل العالم على العابد كفضلي- يعني نبينا- على أدناكم، وأن الملائكة لتضع أجنحاتها لطالب العلم رضى به، وأنه ليستغفر لطالب العلم من في السماوات ومن في الارض حتى الحوت في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمرعلى سائر النجوم ليلة البدر، وأن العلماء ورثة الانبياء، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ألا إن الله يحب بغاة العلم ويقول الله نعم يوم القيامة إني لم أجعل علمي وحكمتي الا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي، والعالم كمن معه شمعة تضيء للناس فكل من أبصر بشمعته دعا له بخير، كأن العالم معه شمعة تزيل بها ظليمة الجهل والحيرة فكل من أضاءت له  فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن أعتقه.

          ومنها: الحث على التحصيل والاهتمام فيه فإنه مما يشه بحسنه العقل والنقل فعليك بالاكباب على طلب العلوم فانه السعادة العظمى في الدنيا

(164)

والأخرى، وليس يمكنك البلوغ الى مرتبته القصوى والوصول الى غايته العليا.

          فعليك بما هو أكثر فائدة وأغرعائدة، وأعود عليك وأحرى وليكن تعلمك لله سبحانه حتى تنجا من المهلك ويبلغك الى المقام المحمود عنده وتسلم من المراء والرياء، وبحثك لاصابة الحق لتخلص عن قواطع الأهمية، وأثر التطلع في الأقوال والأدلة لتظفر مزايا الاحتمال،واستقص البحث عن مباينها حتى لا تقع في خبط كما وقع جمع غفير بفقدانه في خبط عشواء وعليك بالمبالغة على الحفظ فانه أقرب الى التكميل وأسرع ودوام البحث فانه من أقوى أسباب الاستعداد والبلوغ الى نهاية الكمال، ولا تصاحب بل لا تجالس مع الكسل البطال بل اختر العكس لو احتجت والا فلا تشغل نفسك الا بالجهد والاجتهاد فأن الحية مؤثرة جداً، واختر صاحب السابقة والسجية المستقيمة، والاخلاق الكريمة، واجعل كيفية أمروك بالمشورة لا سيما كيفية تحصيلك وكميته وتقديم فن أو كتاب على آخر فان أكثلر أسباب الهلاك والفساد والتصييع ينشأ من عدم مراعاة ذلك ولا يحيط بيبان ضرره قلم ولا مداد فان ضرر ذلك أشد على المحصل من شر الدجال فكم خرج بذلك عن الاسلام، أو الايمان، أو الاستعداد بل ابتلى بموبقات تخلده في النار والعياذ بالله.

          وعليك بكثرة الاجتهاد في ازدياد التقوى، والعلم، والتفقه في الدين في الاصول والفروع، ولأجاد من قال عليك بالفقه وعليك بالفقه وعليك بالفقه فإنه شرف لك في الدنيا وذخر لك في الآخرة، ولن يتيسر لك ذلك الا بحسن السيرة، ونقاء الباطن، وطهارة الاخلاق، والتوقي مما لا يليق به، وأقامة دعائم الاسلام، والاذعان لقواعد الاحكام، والتعظيم لامر الله فإن الله سبحانه لم يخلق الخلق عبثاً ولم بتركهم مهملاً بل خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وعلم ضمائرهم، وخبر سرائرهم، وأحصى أعمالهم، وحفظ أحوالهم، واحتج عليهم بارسال الرسل مبشراً ومنذراً، وبانزال الكتب آمراً ومخبراً وداعياً وزاجراً، ولله الحجة البالغة، والنعمة السابغة، وله الحمد على نعمه والشكر على فيض كرمه حمداً وافياً وشكراً كافياً.

(165)

ثم واياك والحشوية من العلماء والمقلدة لهم، ومن كان منهم في أبواب السلاطين والأمراء، واستغرق وقته في تحصيل تقربهم أو بصرف نهاره وليله في مجالسة العوام.

          ومنها: الاهتمام بتقوى الله فان الله سبحانه حث عليه في الكتاب الكريم أمراً ومدحاً على فعل فعله وزجراً على تركه، ما لم يأت به في غيره حتى الصلاة، وقال العاقبة للمتقين، وقد عد تكراره فيه زيادة على خمسين كيف وهي سفينة النجاة بها يبلغ الطالب الى السعادة الابدية، وينجو الهارب من الهلكة، وزلزلة الساعة، واعتصموا بحبله وتمسكوا بطاعته، وتحرجوا عن معصيته، وأخلصوا في العمل بما يرضيه، وتوفروا على التفكر فيما يزيد في معرفتكم ويقينكم ويعينكم على أمور معادكم ودينكم ويمنعكم عن التورط في الشبهات ويردعكم عن التميل الى الشهوات، ويردعكم عن ركوب المحارم ويزعجكم عن التسرع الى المآثم.

          واستعينوا به على أمور دينكم ودنياكم فإنكم إن توكلتم عليه كفاكم ونعم الوكيل، واياكم وغفلة الاغترار وفترة الاصرار، ولا يغرنكم الدنيا الدنية فانها دار فناء لادار بقاء، فلا تغتروا بغرورها، ولا بعزها وصعودها فإنها غدارة مكارة فرارة في كل لحظة لها صديق وخليل، وفي كل إن لها طريد وقتيل فوا أسفاه على ما فرطنا في جنب الله، فتنبهوا للموت قبل حلوله تذكروا يوم « تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد»(1)، وما نحن والمعاصي، ولاسيما كبائرها والاصرار على صغائرها، والحكم بغيرما أنزل الله سبحانه، ألا ترون التشديد من الله سبحانه فيه حتى حكم في كتابه العزيز بكفر من لم يحكم بما أنزل الله تارة، وفسقه أخرى، وظلمه ثالثة.

          وقال الصادق ع: إن النواميس شكت الى الله عز وجل شدة حرها فقال لها عز وجل اسكتي فان مواضع القضاة أشد حراً منك.

          فعليكم بالتجنب عن الفتوى الا بعد اتقان شرائطها، وما يتعلق بها فانكم مخبرون في فتواكم عن ربكم، وأما جرأة للعبد في الافتراء على الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الحج، الآية:2.

(166)

 سبحانه مع اعترافه بعلمه، ألا تنظرون الى التهديد الواقع في الكتاب على أشرف المرسلين، ولو من من باب إياك أعني واسمعي يا جارة,« ولو تقول علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين* ثم لقطعنا منه الوتين* فما منكم من أحد عنه حاجزين»(1) والى قوله سبحانه « أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل الله أذن لكم أم على الله تفترون»(2)، وفيما ورد عن أل البيت ع ويتولول منه الفتاوى، ويبكي منه المواريث، ويصرخ منه الدماء ومن أفتى الناس بغير علم ولا هدى عليه من الله اللعنة ومن ملائكة الرحمة ومن ملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتواه، الى غير ذلك ولولا ما في هذه الفقرات من مناجاة سيد الساجدين وزين العابدين سلام الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين لكفت في النصح والتنيبه.

          يا الهي لو بكيت اليك حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبت حتى تنقطع صوتي وقمت لك حتى تنتشر قدماي وركعت لك حتى ينخلع صلبي وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي وأكلت تراب الأرض طول عمري وشربت ماء الرماد أمد دهري وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني ثم لم أرفع طرفي الى آفاق السماء استيحاء منك ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سياتي.

          أسأل الله سبحانه ا، يحفظني واياكم عما يدخل العباد الى النار بل الى أشد العذاب وأسألكم إخواني أن لا تنسوني من صالح دعائكم في حياتي وبعد مماتي ولاسيما إذا انقطعت يدي عن أسباب وصلات الدنيا بل عن التوبة والانابة وأبتلي بعملي وأيدي الاحبة عني منقطعة أعوذ بالله سبحانه منه ومن أمثاله»(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الحاقة، الآيات: 44ـ 47.

(2) سورة يونس، الآية: 59.

(3) راجع كتاب نصائح العلماء لطلبة علوم الأنبياء:5.

(167)

 

(168)