موسوعة بطل العلقمي

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي

المؤلف : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

تألم النبي (ص) لأسر العباس وأنينه:


قال الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب بهامش الإصابة(2): حدثنا يزيد بن الأصم أن العباس عم النبي (ص) كان ممن خرج مع المشركين يوم بدر فأسر فيمن أسر منهم وكانوا قد شدوا وثاقه فسهر النبي (ص) تلك الليلة ولم ينم فقال له بعض أصحابه: ما اسهرك يا نبي الله؟ فقال: أسهرني أنين العباس، فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه فقال رسول الله (ص): ما لي لا أسمع أنين العباس؟ فقال الرجل أنا أرخيت من وثاقه، فقال رسول الله (ص) فافعل ذلك بالأسرى كلهم، الخ.
للمؤلف:
ما نامت الليل عين المصطفى سهراً ما دام يعلو أنين العم عباس
والآسرون له قوم لهم شرف ما فيهم وعلاه قط من باس
فكيف لو ينظر السجاد تسحبه لابن الطليقين أرجاس لأرجاس
القيد والغل في جيد الإمام غدا مثل المحاجم لكن حاسر الراس
لذاك يطلب من سهل كما ذكروا ثوباً عتيقاً وهذا شاع في الناس
فالقيد كان ثقيلاً لا يطيق له حملاً وحادي المطايا فاجر قاسي
ليت الرسول رآه حين أوقفهم بباب جيرون يوماً أفسق الناس
أقامهم فرجة للناظرين بها مدنس العرض من أبناء أدناس
(1) العقد الفريد 2/ 320. (2) الاستيعاب بهامش الإصابة 3/95.
(289)
موقف العباس عم النبي (ص) من الخلافة الإسلامية:
لا يرتاب العاقل أن موقف العباس هنا موقف المدافعين عن ابن أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» والمناصحين له والحريصين على نيله حقه من الخلافة والمجتهدين في توليته والكلام في هذا طويل عريض نورد منه ما ذكره ابن قتيبة الدينوري في تاريخه المعروف بـ (الامامة والسياسة) ومن القصة المطلوة في حديث السقيفة منها ما نصه(1) قال: أتى المغيرة بن شعبة فقال: أترى يا أبا بكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له نصيباً يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم؟
قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح حتى دخلوا على العباس «رضي الله عنه» فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث محمداً نبياً وللمؤمنين ولياً فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتى أختار الله له ما عنده فخلى على الناس أمرهم فاختاروا لأنفسهم ومصلحتهم متفقين لا مختلفين، فأختاروني عليهم والي لأمورهم راعياً وما أخاف بحمد الله وهناً ولا حيرة، ولا جبناً، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم عليه توكلت وإليه أنيب، وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ما أجتمعت عليه عامة المسلمين ويتخذونكم لحافاً، فاحذروا أن تكونوا جهد المنيع، فإما دخلتم فيما دخل فيه العامة أو دفعتموهم عما مالوا إليه، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في الأمر نصيباً يكون لك ولعقبك من بعدك إذ كنت عم رسول الله (ص) وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم على رسلكم يا بني عبد المطلب فإن رسول الله (ص) منا ومنكم.
ثم قال عمر: أي والله وأخرى إنا لم نأتكم حاجة منا إليكم ولكن كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما أجتمع عليه العامة فتفاقم الخطب بهم ولكم فيما نظروا لأنفسكم ولعامتكم.
فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث محمداً – كما زعمت – نبياً وللمؤمنين ولياً، فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتى أختار له ما عنده فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم(2) مصيبين الحق لا مائلين عنه بزيغ
(1) الإمامة والسياسة 1/ 12.
(2) لم يكن العباس ممن يكون بصحة الخلافة بالرأي ولا يعتقد إهمال النبي (ص) لهذا المهم
الديني ولكن المحاورة الجدلية ألجأته الى التسليم ليفحم الخصم بحل حجته ودحضها فإن
ذلك أبلغ، فلهذا قال: إن كان ترك النبي (ص) لأمته حرية الانتخاب وأباح لهم ولوج باب
الأختيار انما هو حيث يختاروا وينتخبوا المحق فإذا أخطأوا هذا فلا حق لهم في الاختيار إذ النبي (ص) لا يرضى بترك الحق.
(290)
الهوى فإن كنت برسول الله (ص) طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم متقدمين، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين فأما ما بذلت فإن يكن حقاً لك فلا حاجة لنا فيه، وإن يكن حقاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم عليهم وإن كان حقنا لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض.
وأما قولك أن رسول الله (ص) منا ومنكم فإنه قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، إنتهى.
زاد ابن أبي الحديد في القصة(1) في جوابه لعمر: وأما قولك يا عمر إنك لا تأمن الناس علينا فهذا الذي قدمتوه أول ذلك، إنتهى.
للمؤلف:
جاءت عدي وتيم وهي طامعة أن تخدع الشهم عباساً وتغويه
لما رشته بقسط من إمارتها كي تقوي حجتها في زعمها فيه
ويصبح المرتضى ذو الحق منفرداً وينزل الوهن في شتى نواحيه
إذ أنها أغوت الأنصار فانخدعت يوم السقيفة في زيف وتمويه
رامت خداع أبي الفضل يزخرفها وربما زبرج قد راق رائيه
لكن عباس شهم ليس يخدعه زخارف القول مهما كان مبديه
هناك قابلها بالجد فانخزلت والسبق تحرزه حقاً مذاكيه
أصابت الهدف الأقصى قواذفه إن المسدد لا تخطي مراميه
أبدى لها حجة أودت بحجتها وفال رأي الذي قد غرها فيه
برهان عم رسول الله أحكمه إذ خاصموه فما أجلى معانيه
ونبه الناس للمعنى وألفتهم نحو الذي فيهم الأقوام تنويه
لكنما الناس في ذاك الزمان مضت على الجمود وردت كل تنبيه

شاعرية العباس بن عبد المطلب


لا يرتاب المتبحر في شاعريته ولا يشك في مهارته وإنه من شعراء قريش المبرزين وله جزالة الألفاظ وحسن السبك وجودة المعاني، وأورد له البحتري في حماسته شعراً جيداً، ومن شعره يصف ثباتهم مع النبي يوم حنين وقد اجفل
(1) شرح نهج البلاغة 1/ 173.
(291)
الصحابة كلهم منهزمين رواها الشيخ المفيد وابن عبد البر والمرزباني وابن عساكر وبعضهم يزيد وبعضهم ينقص والمتحصل من المجموع تسعة أبيات هي:
ألا هل أتى عرسي مكري ومقدمي بوادي حنين والأسنة شرع
نصرنا رسول الله كالبدر تسعة وقد فر من قد فر عنه وأقشعوا
وعاشرنا(1) لاقى الحمام بنفسه لما ناله في الله لا يتوجع
حنون إليه حين لا يحنئ أمرء على بكره والموت في القوم مقنع
وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه على القوم أخرى يا بني ليرجعوا
وعند ابن عساكر بعد البيت الأول هكذا:
وقولي إذا ما النفس جاشت لها قري وهام تهتدي بالسيوف وأذرع
وكيف رددت الخيل وهي مغيرة بزوراء تعطي في اليدين وتمنع
كأن السهام المرسلات كواكب إذا أدبرت عن عجسها وهي تلمع
وما أمسك الموت الفظيع بنفسه ولكنه ماض على الهول أروع
وقال لأخيه أبي طالب يحرضه على قريش وذكر بعضها المرزباني في معجم الشعراء، والبحتري في حماسته وابن عساكر في تأريخه ونصها عنه(2):
أبا طالب لا تقبل النصف منهم وإن أنصفوا حتى تعق وتظلما
أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت قواطع في أيماننا تقطر الدما
إذا خالطت هام الرجال رأيتها كبيض نعام في الوغى قد تحطما
وزعناهم وزع الحوامس غدوة بكل يماني إذا عض صمما
تركناهم لا يستحلون بعدها لذي رحم يوما من الدهر محرما
فسائل بني حسل وما الدهر فيهم يقينا ولكني سألت ليعلما
أغشماً أبا عثمان أنتم قتلتم ستعلم حسل أينا كان أغشما
ضربنا أبا عمرو خداشاً بعامر وملنا على ركنيه حتى تهدما
وقال يمدح رسول الله (ص) بقصيدة رنانة وهي مشهورة وأنا أذكر بعضها بلفظ الدميري في حياة الحيوان:
(1) عاشرهم أيمن الانصاري، أستشهد «رحمه الله» في هذه الوقعة.
(2) تاريخ مدينة دمشق 7/ 228.
(292)
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسراً وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
وردت نار الخليل مكتتما في صلبه أنت كيف يحترق
حتى اجتوى بيتك المهيمن من خندق عليا وتحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد تخترق

وفاة العباس


قال في الإصابة: مات في المدينة في رجب أو في رمضان سنة (32) هـ وكان طويلاً جميلاً أبيض.
وفي الاستيعاب كانت وفاته في خلافة عثمان يوم الجمعة لاثني عشر ليلة خلت من رجب سنة (32) هـ وعمره (88) سنة وقيل (89) سنة أدرك في الإسلام (32) سنة وفي الجاهلية (56) سنة.
وحكى هذا صاحب تاريخ الخميس وزاد: قيل في رمضان سنة (32) هـ وقيل (33) هـ وهو ابن (88) سنة وقيل (87) سنة بعد أن كف بصره أدرك منها في الإسلام (32) سنة وصلى عليه عثمان ودفن في البقيع ودخل قبره ابنه عبد الله ومروياته في كتب الحديث خمسة وثلاثين حديثاً، وهذا بعينه لفظ ذخائر العقبى(1).
تسلية وتعزية على فقدان العباس
قال الغزالي في الإحياء(2): إن أعرابياً عزى ابن عباس عن أبيه فقال:
إصبر تكن من صابرين فإنما صبراً لرعية بعد صبراً لراس
خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس
(1) ذخائر العقبى: ص206.
(2) إحياء علوم الدين 4/ 113.
(293)
أولاد العباس بن عبد المطلب
أختلف النسابون في كمية الذكور منهم فقيل تسعة وقيل عشرة وقيل اثني عشرة أو سبعة أمهم أم الفضل الكبرى لبابة بنت الحارث الهلالية.
قال ابن قتيبة في المعارف(1): كان له من الولد عبد الله والفضل وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن وأم حبيب أمهم أم الفضل بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي (ص) وإسم أم الفضل لبابة، وتمام وكثير والحارث وآمنة وصفية لأمهات أولاد.
ومثله في ذخائر العقبى لكنه قال: إن أم الحارث بن العباس هذلية، وقال: قال هشام بن الكلبي: وصبيح ومسهر ابنا العباس، ولم يتابع على ذلك، قال إبراهيم المزني: ولبابة وأمينة، ذكر ذلك كله الدار قطني.
وذكر في تاريخ الخميس(2): في أولاد العباس بن عبد المطلب، عون بن العباس، حكى ذلك ابن عبد البر وإنه لم يعرف إسم أمه، وقال: هؤلاء عشرة يعني غير من ذكرهم ابن الكلبي وقال: كان تمام أصغرهم وكان العباس يحمله ويقول شعراً:
تموا بتمام فصاروا عشرة يارب فأجعلهم كراماً برره
وأجعل لهم ذكراً وأنمي الشجرة
وذكر ابن عبد البر وغيره أن كثير ولد قبل وفاة النبي (ص) بأشهر وكذلك تمام أيضاً، فإذا كان الأمر كذلك فمن الجائز أن يولد للعباس في المدة التي عاشها بعد رسول الله (ص9 وهي (23) سنة لأنه مات سنة (33) هـ وفي ظرف ثلاثة وعشرين سنة في قوة الإمكان ولادة ذكرين للعباس كما قال هشام الكلبي فيكون مجموع ولد العباس اثني عشر ذكراً، وقول هشام وهو المعتمد في علم الأنساب وأخبار الناس وقد قال ياقوت الحموي في بعض مواضع معجم البلدان: لله در ابن الكلبي ما أختلف الناس في علم الأنساب وأخبار الناس إلا رجعوا إلى قوله لضبطه وإتقانه، أو ما هذا معناه.
وقد وضعنا تراجم لولد العباس في كتابنا «الميزان الراجح» كل على حسبه وعلى مقدار نباهته ووصيته.
(1) المعارف: ص53. (2) تاريخ الخميس 1/ 191.
(294)

إخوة العباس بن أمير المؤمنين «عليها السلام»


ولد أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» أختلف النسابون في عددهم أختلافاً عظيماً فبين من أقتصر في الذكور منهم على أحد عشر وبين من وصل بهم إلى الثلاثة وعشرين ذكراً، ونحن نسير في هذه المواضيع مع من أثبت الأكثر، وليست قاعدة الاختصار على الأقل تجدي هنا فيقال إنه المتيقن لأن ذلك في التكليف الذي هو خلاف الأصل عند علماء أصول الفقه على أن تلك القاعدة هناك يرجح فيها أيضاً جانب الأكثر لأن قاعدة الأحتياط تعضده ويكون معها الخروج عن عهدة التكليف متيقنة ومع الاقل مشكوكة وفي مقامنا هذا يحب المصير إلى قول من أثبت الأكثر لأمرين:
أحدهما: إن المثبت مقدم على النافي وذلك لأن النافي لم يعلم فنفى، والمثبت قد علم وعرف فأثبت.
وثانيهما: تعبير من أقتصر على الأقل بقوله فلان الأكبر ولم يكر الأصغر والقاعدة تقضي في قول القائل جاء فلان الأكبر وهي قاعدة أفعل التفضيل أن يكون هناك صغير وهذا أكبر منه ومثله قول القائل فلان الكبير أو فلان الصغير كل واحد منهما دليل وجود الآخر وإلا لم تكن فائدة لهذا التقييد.
إذا عرفت هذا ووثقت بما عرفناك سقنا إليك الأقوال المتعارضة في كميتهم في طرفي القلة والكثرة ونبدأ بكلام الشيخ المفيد وندع كلام الطبري المؤرخ إلى التراجم المخصصة للأفراد:
قال في الإرشاد(1): أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام» سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى: الحسن والحسين وزينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بأم كلثوم، أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص).
ومحمد المكنى بأبي القاسم أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية.
وعمر ورقية كانا توأمين أمهما أم حبيب من ربيعة.
والعباس وجعفر وعثمان وعبد الله الشهداء مع أخيهم الحسين «عليه السلام» بطف كربلاء أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم.
ومحمد الأصغر المكنى بأبي بكر وعبيد الله الشهيدان مع أخيهما الإمام
(1) الإرشاد للمفيد: ص139.
(295)
الحسين «عليه السلام»، أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية.
ويحيى وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية «رضي الله عنها».
وأم الحسن ورملة أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.
ونفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى وأم هانئ وأم الكرام وجمانة المكناة أم جعفر وأمامة وأم سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة رحمة الله عليهن لأمهات شتى، وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة «عليها السلام» أسقطت بعد النبي (ص) ذكراً كان سماه رسول الله (ص) وهو حمل محسناً، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام» ثمانية وعشرون والله أعلم وأحكم، إنتهى كلامه «قدس الله روحه ونور ضريحة».
وفيما حرره قلمه الشريف مجال للنظر من وجوه من حيث أثبت في آباء والدة العباس «عليه السلام» دارم وقد ظهر مما ذكرنا نفى ذلك وسيأتي زيادة إيضاح له، ومن حيث قصره في المحسن بن فاطمة الزهراء «عليها السلام» على قول بعض الشيعة وستعلم أنه قول أكثر الشيعة وأكثر السنة وقد أثبته من علماء الطائفتين من لا يستهان بهم.
وقال ابن شهر آشوب «رحمه الله» في كتاب المناقب(1) وزاد في أولاد فاطمة «عليها السلام» محسن وذكر أبا بكر وعبيدة الله ابني النهشلية وهو صريح في أن محمد الأصغر غير أبي بكر وهو رأي المحققين غير المفيد ثم قال: ومن أمامة بنت أبي العاص وأمها زينب بنت رسول الله (ص) محمد الأوسط ومن محياة بنت أمرء القيس الكلبية جارية هلكت صغيرة، الخ، وهذه الكلبية أخت الرباب بنت أمرء القيس الكلبية زوجة الحسين بن علي «عليهما السلام»، وقد قال الطبري عنها(2): محياة بنت أمرء القيس بن عدي بن أوس ابن جابر بن كعب بن عليم من كلب فولدت له جارية هلكت وهي صغيرة، قال الواقدي: كانت تخرج إلى المسجد وهي جارية، فيقال لها: من أخوالك؟ فتقول: وه وه «تعني حو حو» تعني كلباً. فجميع ولد علي «عليه السلام» لصلبه أربعة عشر ذكر وسبعة عشر أنثى.
وقال السيد الداوودي في عمدة الطالب(3): ولد لأمير المؤمنين «عليه السلام»ثمانية عشر ذكراً وثمانية عشر أنثى، وروي خمسة وثلاثون وحكى الشيخ العمري بخط الشيخ الشرف العبيدلي النسابة ما صورته: قال محمد بن محمد –
(1) المناقب لابن شهر آشوب 3/ 162.
(2) تاريخ الطبري 5/ 90. (3) عمدة الطالب: ص46.
(296)
يعني نفسه -: مات من أولاد علي «عليه السلام» الذكور وهم تسعة عشر ستة في حياته وورثه منهم ثلاثة عشر قتل منهم بالطف ستة، والله أعلم.
وقال كمال الدين بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول(1): أعلم أيدك الله بروح منه أن أقوال الناس أختلفت في عدد أولاده ذكوراً وإناثاً، فمنهم من أكثر فعد فيهم السقط ولم يسقط ذكر نسبه ومنهم من أسقط ولم يرى أن يحتسب في الذكور فجاء قول كل واحد بمقتضى ما اعتمده في ذلك، والذي نقل في كتاب صفة الصفوة وغيره من تآليف الائمة المعتبرين أن أولاده أربعة عشر ذكراً، والإناث تسعة عشرة أنثى، وهذا تفصيل أسمائهم الذكور: (1) الحسن، (2) الحسين، (3) محمد الأكبر، (4) عبيد الله، (5) أبو بكر، (6) العباس، (7)عثمان، (8) جعفر، (9) عبيد الله، (10) محمد الأصغر، (11) يحيى، (12)عون، (13) محمد الأوسط، (14) عمر، ثم ذكر الإناث.
وذكر ابن قتيبة في أولاد فاطمة «عليها السلام»: محسنا(2).
وفي ذخائر العقبى والرياض النضرة للمحب الطبري(3) – وسنذكر بعضه في التراجم – كذلك عدهم أربعة عشر ذكراً، أثبت في أولاد فاطمة «عليها السلام» محسناً، وقال: مات صغيراً وغاير بين محمد الأصغر وأبي بكر.
وكذلك الكنجي الشافعي في كفاية الطالب أثبت محمد الأصغر وقال: أمه أم ولد، وعوناً وسنذكر كلامه في التراجم الآتية، وقال(4) : وأسقط أبو عبد الله المفيد العون من الخثعمية وجعل أبا بكر كنية لمحمد الأصغر ولم يذكر محمد الأوسط، وذكر أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل آل أبي طالب جعفر وعبد الله وعثمان والعباس ومحمد الأصغر وأسقط عبيد الله وما ذكره المفيد «رحمه الله» أشبه عندي بالصواب، إنتهى.
وكل هؤلاء يقولون العباس الأكبر وعمر الأكبر.
أثبت السويدي في سبائك الذهب المحمدين الثلاثة: محمد الأكبر ومحمد الأوسط ومحمد الأصغر أمه جارية.
وقد ذكر الشبلنجي الشافعي في نور الإبصار أكثر الأقوال في عددهم
(1) مطالب السؤول: ص36.
(2) المعارف: ص91.
(3) ذخائر العقبى: ص 116، الرياض النظرة 2/ 249.
(4) كفاية الطالب: ص266.
(297)
وأسمائهم وهذا لفظه(1): اعم أن الناس قد اختلفوا في عدد أولاده ذكوراً وإناثاً فمنهم من أكثر ومنهم من اقل، ففي كتاب الأنوار لأبي القاسم أن اولاده اثنان وثلاثون: ستة عشر ذكراً وستة عشر أنثى، وقال اليعمري: تسع وعشرون: اثنى عشراً ذكر وسبعة عشر أنثى، وقال المحب الطبري: كان له من الولد أربعة عشر ذكراً وثمان عشر أنثى، وفي الصفوت: أربعة عشر ذكر وتسعة عشر أنثى، وفي بغية الطالب أولاده «عليه السلام» خمسة عشر ذكر وثمان عشر أمراة بالأتفاق، وأختلف في الذكور إلى عشرين والإناث إلى اثنين وعشرين.
أما الذكور: (1)فالحسن، (2)والحسين، (3)والمحسن، وفي كلام غيره مات صغيراً، أمهم فاطمة البتول بنت رسول الله (ص)، سميت البتول لأنقطاعها عن النساء فضلاً وديناً وحسباً قيل لأنقطاعها عن الدنيا، يقال أمرأة بتول منقطعة عن الرجال، وبه سميت أم عيسي «عليه السلام» أمهم أم البنين بنت حزام الوجيدية ثم الكلابية، (11) ومحمد الأصغر قتل مع الحسين «عليه السلام» أمه أم ولد، (12) ويحيى، (13) وعون أمهما أسماء بنت عميس، (14) وعمر الأكبر أمه ام حبيب الصهباء التغلبية من سبي الردة، (15) ومحمد الأوسط أمه أم أمامة بنت العاص ابن الربيع العبشمية وهي التي حملها رسول الله (ص) في صلاة الظهر وامها زينب بنت رسول الله (ص).
ثم ذكر البنات وقال: والعقب من ولده «عليه السلام» من الحسن والحسين «عليهما السلام» ومحمد الأكبر وعمر والعباس السقاء، وفي حاشية البجيرمي على المنهج في باب الوصايا نقلاً عن البرماوي ما نصه: جملة أولاد علي بن أبي طالب «عليه السلام» من الذكور أحد وعشرون والذي أعقب منهم خمسة: الحسن والحسين ابنا فاطمة «عليها السلام» والعباس بن الكلابية، ومحمد ابن الحنفية نسبة إلى بني حنيفة وعمر بن التغلبية نسبة لقبيلة يقال لها بني تغلب ومن الإناث ثمان عشرة والتي عقبت منهن واحدة فقط وهي زينب أخت السبطين من فاطمة «عليها السلام»، إنتهى.
(1) نور الإبصار: ص93.
(298)
وقال الصبان الشافعي في إسعاف الراغبين على هامشه(1): رزق علي «عليه السلام» من الأولاد الذكور أحد وعشرون ومن الإناث ثمان عشرة على خلاف في ذلك والذين أعقبوا خمسة فذكرهم كما تقدم.
وقال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة خواص الأمة(2): أتفق علماء السير على أنه كان له «عليه السلام» من الولد ثلاثة وثلاثون: أربعة عشر ذكراً وتسعة عشر أثنى: الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى وأمهم فاطمة بنت رسول الله (ص) ذكر الزبير بن بكار ولداً آخر من فاطمة «عليه السلام» بنت رسول الله (ص) إسمه محسن مات طفلا، وفاطمة «عليها السلام» أول زوجاته لم يتزوج عليها حتى توفيت، ومحمد الأكبر وهو ابن الحنفية وأمه خولة بنت جعفر من سبي بني حنيفة، وعبد الله قتله المختار بن أبي عبيد وأمه ليلى بنت مسعود من بني تميم، وأبو بكر قتل مع الحسين «عليه السلام» أمه أيضاً ليلى بنت مسعود، والعباس الأكبر وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين «عليه السلام» أمهم أم البنين بنت حزام، وقيل بنت خلة كلابية، تزوجها بعد فاطمة «عليها السلام»، ومحمد الأصغر قتل مع الحسين «عليه السلام» أمه أم ولد، ويحيى وعون أمهما اسماء بنت عميس وكان جعفر بن أبي طالب قد تزوج أسماء، ثم قتل عنها فتزوجها أبو بكر فمات عنها فتزوجها علي «عليه السلام» بعد ام البنين فأولدها.
وعمر ورقية أمهما الصهباء سبية تزوجها بعد أسماء بنت عميس والصهباء يقال لها أم حبيب بنت ربيعة من بني وائل أصابها خالد بن الوليد لما أغار على بني تغلب بناحية عين التمر، وهذا عمر الأكبر نذكر سيرته فيما بعد وقد روى عمر الحديث وكان فاضلاً، وتزوج أسماء بنت عقيل بن أبي طالب وعاش (85) سنة حتى حاز نصف ميراث أبيه أمير المؤمنين «عليه السلام»، ومحمد الأوسط وأمه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله (ص) وتزوجها بعد الصهباء.
ثم ذكر البنات وقال: النسل منهم لخمسة فذكرهم كما تقدم، وقال: وقيل: لمحمد الأصغر عقب أيضاً، الخ، أما الفاضل المجلسي (رحمه الله) في تاسع البحار فساق كلام المفيد وسبط ابن الجوزي وابن أبي الحديد وغيره.
ولم يذكر هؤلاء العلماء في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام» إبراهيم الشهيد
(1) إسعاف الراغبين بهامش نور الإبصار: ص156.
(2) تذكرة خواص الامة: ص31.
(299)
ونفاه أبو الفرج وأثبته ابن قتيبة وغيره وسنذكر عند ذكره منفردا.
وذكر القلقشندي في نهاية الارب في أولاد أمير المؤمنين «عليه السلام» من إسمه موسى ومن إسمه إسحاق ومن إسمه إسماعيل والسجاد وطلحة ويعقوب(1)، ولم نتحقق في ذلك ولم نثبته حيث أنه حكاه عن المحب الطبري في الرياض النظرة ولم أجده في الارياض النظرة ولا في ذخائر العقبى كتابي المحب الطبري فقوله مردود عليه غير مقبول عندنا لما ذكرنا.
ويستفاد من مجموع الأقوال أن الشهداء من ولد أمير المؤمنين «عليه السلام» يوم كربلاء أحد عشر رجلاً سيدهم وسيد الناس جميعاً: (1) الحسين بن علي «عليه السلام»، (2) العباس الأكبر وإخوته الأشقاء، (3) جعفر الأكبر، (4) عبد الله الأكبر، (5) عثمان الأكبر، (6) أبو بكر، (7) محمد الأصغر، (8) محمد الأوسط، (9) عون، (10) عمر الأصغر، (11) إبراهيم (على قول مشهور).
ونحن نذكر تفصيلاً ونبدأ بساداتهم وسيدي شباب أهل الجنة ونعتذر عن ترجمة الحسنين «عليهما السلام» بمثل ما اعتذرنا به في ترجمة أبيهما أمير المؤمنين «عليه السلام» من أن الاستيفاء لأحوالهما يدعو إلى تأليف أكبر كتاب ذا أعداد ومجلدات والاختصار يشرف بصاحبه على التقصير في حقهما، ونحن نقتصر في فضائلهما على نقل بعض ما أورده الحفاظ المتقنون من علماء السنة.
ونبدأ أولاً بإيضاح السبب في تفاوت سياستهما الموجبة لأختلاف سيرتهما حتى أختار كل واحد منهما خطة تباين خطة الآخر بينما كان الحسن «عليه السلام» يتحرى بكل جهوده ما يؤكد تأسيس القواعد السلمية واختيار الراحة، كان الحسين «عليه السلام» يسعى جاهداً في إثارة الحرب واختيار الحالة المقلقة لراحته المزعجة له وهذا على ما يظن الظان المحطئ بظنه ويتخيل المتخيل برأيه القائل إن الحسن «عليه السلام» اكثر أنصاراً من أخيه الحسين «عليه السلام» وأقوى استعداداً وقد نهض معه أهل العراق وسائر الأمصار التي كانت مطيعة لأبيه فسالم معاوية طائعاً ومختاراً، والحسين «عليه السلام» رفض المسالمة بتاتاً على حين لم يكن له ناصر وليس عنده من الاستعداد من القوة ما يقاوم به أهل الشام وحكومة بني أمية القوية الرابطة سيطرتها على أنحاء المدن الإسلامية فقام والحال هذه يطلب أمراً يحتاج إلى جيش ضخم في أكمل الأهبة والاستعداد حتى يغلب على ظنه معه السلامة ويظن بواسطته الوصول إلى الغرض ونهضته كانت في أشد حراجة من
(1) نهاية الارب: ص130.
(300)
الموقف الخطر حتى إنه القى بنفسه إلى التهلكة.
فنقول وبالله نستعين: أما الحسين «عليه السلام» إن ظن من لم يحقق الأشياء ولم يتبحر في مصادر التاريخ المعتبرة في جهتي النظر والتحقيق معاً وليس له فكرة ولا رؤية صادقة توقفه على معاني الأشياء وحقائقها قد يتخيل ذلك لما يراه من فخفخة الجيش الناهض مع الحسين «عليه السلام» وعظمة تلك المواكب المحتشدة وضخامتها أنها شيء عظيم وعند التحقيق إنها خيالات وأوهام وسراب رقراق في بيداء بقلع لا يجدي الضمآن ولا ينقع غلة الصادي.
هذه الآثار التأريخية التي يعول عليها وأنباء السير الصحيحة التي لا تدفعها التشهيات الخاطئة ولا ترها نظرات المستعجلين عن التفكير الذين يصيبون البعرة ويخطئون البعير كلها تصرح بانتقاض صفوف أهل العراق المتراصة أمام زحوف أهل الشام جبناً ورعباً ووهناً وتخاذلاً ورجاءً وطعماً، كل هذه الأسباب أوجبت لجيش أهل العراق الظافر المتقدم في جميع هذه الحروب أن ينحط انحطاطاً فاضحاً ويتقهقر تقهقراً شنيعاً ليس في عهد الحسن «عليه السلام» فقط بل في أواخر عهد أبيه أمير المؤمنين «عليه السلام» حتى كانت غارات أهل الشام تغير على ضواحي أهل العراق وأمهات مدنها كالأنبار حبانية وعين التمر شفاثة وما إلى ذلك الصقع من ناحية البر وأهل العراق قد احتجروا احتجار الضباب في حفرها لا تحركهم الحمية الدينية ولا تهزم عواطف الحفاظ العربي والشعور الإنساني والنخوة البشرية التي يتصف بها أحرار الشعوب وخصوصاً العرب المشهورة في إبائها وأنفتها من الذل والاهتضام، وأمير المؤمنين «عليه السلام» يقرعهم بأمض القوارع الكلامية ويرميهم بما هو أمضى من السهام نفوذاً فيشمهم طورا ويتبرأ من فعلهم أخرى ويقبح ما ارتبكوه تارة وتارة يود أن يبادله معاوية بكل عشرة من جيشه بواحد من جيش أهل الشام ومرة يتمنى بدل جميع أهل العراق مائة فارس من بني فراس بن غنم الكنانيين ولم يجد في جميع ذلك منفعة ولا رأى فيهم خيراً حين استنهضهم لحماية أعراضهم ووقاية أموالهم من عادية أجلاف أهل الشام وطلب منهم أن يخرجوا معه وأن يفروا عنه فما فعلوا فحينئذ دعا على نفسه بفراقهم قائلًا: «اللهم أبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شرا مني».
فهذا هو الجيش الناهض مع الحسن بن علي «عليهما السلام» الذي يستعظمه المستعظم ويرى أنه ذا أثر في القوة واستعداد للمقاومة، ولا يرى أن في مثل هذا الجيش رجال الأطماع والخيانة وأهل الأوتار والأحقاد الذين قتل أمير المؤمنين
(301)
«عليه السلام» آبائهم وأبنائهم وإخوانهم بالنهروان فهم يتذكرون تلك الأحقاد لذا أغاروا على رحل الحسن «عليه السلام» فانتبهوا كلما في فسطاطه وطعنوه في فخذه، هذه أمور لا ينكرها منكر فكيف يوثق بجيش يخذل فيه حتى ابن العم ويخون فيه الحميم القريب ذو الرحم الماسة والقرابة القريبة؟! هذا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب قائد القوات المتقدمة المقدمة وأمير القوة الأولى الزاحفة لملاقاة أهل الشام وهي عمدة الجيش ونخبة العسكر قد التحق بمعاوية رغبة منه في عطائه وأسلم ابن عمه الحسن السبط «عليه السلام» مع كونه كان موتوراً وله ثار عند معاوية، فإنه وتره بقتل ولديه الصغيرين في سرية بسر بن أرطأة العامري وغارته على اليمن.
وقد حكى المؤرخون أن بعض الأشراف من الكوفيين قال لعمه: دعنا نقبض على الحسن ونسلمه إلى معاوية قبضاً باليد لنضع عنده يداً وننال به من عنده الحباء الجزيل.
فقال له عمه: بئس ما قلت، أتأمرني بتسليم ابن بنت رسول الله (ص) لمعاوية يقتله؟ فبماذا أعتذر عند جده؟ وقد صرحت الآثار الصحيحة فيما نقله عمدة المؤرخين أن معاوية كاتب وجوه أهل العراق واطعمهم بالأموال والولايات أن هم خذلوا الحسن «عليه السلام» فأجابوه إلى ذلك ووعدوه بتسليم الحسن «عليه السلام» قبضاً باليد عندما يلتقي العسكران، وقد أرسل معاوية إلى الحسن «عليه السلام» بتلك الكتب وأعلمه بنية أصحابه.
ولم تزل أفعال أهل العراق على هذه الوتيرة قديماً وحديثاً ويكفيك فعلهم مع المختار بن أبي عبيدة ومصعب بن الزبير ويزيد بن المهلب وغيرهم.
فخاف الحسن «عليه السلام» أن يسلموه أو يسلموه لعدوه قبضاً باليد وإن حارب حارب بإخوته خاصة لا يشركهم في ذلك إلا نفر يسير من أهل الكوفة خلص شيعة أبيه وخاصته وهم أعداد قليلة لا تقوم لدفاع ذلك التيار الجارف ولا شك أنهم يستأصلون لو أراد المحاربة فيقتل هو وإخوته وينقطع بقتلهم نسل رسول الله (ص) وقد كان أمير المؤمنين «عليه السلام» في صفين إذا رأى تسرع الحسن والحسين «عليهما السلام» إلى الحرب يقول: «أملكوا عني هذين الغلامين لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (ص).
وخذ من التاريخ ما لك فيه مقنع ولعلك لا تشك بعد هذا أن هذه السياسة الحسنية والحال هذه هي التي يجب اتباعها والعمل بموجبها عقلا وشرعا.
(302)
قال الطبري في التاريخ(1) في أخبار الحسن السبط «عليه السلام»: ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألف وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينما الحسن «عليه السلام» في المدائن إذا نادى مناد في العسكر: إلا إن قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا فنصبوا سرادق الحسن «عليه السلام» حتى نازعوه بساطاً كان تحته وخرج الحسن «عليه السلام» حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن زيد عاملاً على المدائن وكان إسمه سعد بن مسعود فقال له المختار – وهو غلام شاب - هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية، فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله (ص) فأوثقه؟ بئس الرجل انت.
فلما رأى الحسن «عليه السلام» تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن «عليه السلام» بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قال الحسن «عليه السلام» في أهل العراق: يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي وطعنكم لي وانتهابكم متاعي.
وقال أبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال(2) من جملة حديث المصالحة: فوقف عبد الله بن عامر فنادى: يا أهل العراق! إني لم أر القتال وإنما أنا مقدمة معاوية وقد وافى الانبار في جموع أهل الشام فاقرأوا أبا محمد الحسن «عليه السلام» وقولوا له: أنشدك الله في نفسك وأنفس هذه الجماعة التي معك، فلما سمع ذلك الناس انخذلوا وكرهوا القتال.
وذكر المسعودي في مروج الذهب(3) خطبة الحسن «عليه السلام» في الخصال الثلاثة التي ذكرها الطبري وقال: وقد كان أهل الكوفة انتهبوا سرادق الحسن «عليه السلام» ورحله وطعنوه بالخنجر في جوفه، فلما تيقن ما نزل به أنقاد إلى الصلح.
وقال الحافظ العسقلاني في كتابه الإصابة(4) عن الشعبي: بايع أهل العراق بعد علي «عليه السلام» الحسن «عليه السلام» فسار إلى الشام وفي مقدمته قيس بن
(1) تاريخ الطبري 6/92. (2) الأخبار الطوال: 219.
(3) مروج الذهب 2/ 53. (4) الإصابة 1/ 320.
(303)
سعد في اثنى عشر ألف يسمون شرطة الخميس فنزل قيس بسكن من الأنبار، ونزل الحسن «عليه السلام» المدائن فنادى مناد في عسكر الحسن «عليه السلام»: ألا إن قيساً بن سعد قد قتل، فوقع الانتهاب في العسكر حتى انتبهوا فسطاط الحسن «عليه السلام» وطعنه رجل من بني أسد بخنجر فدعا عمرو بن سلمة الأرحبي وأرسله إلى معاوية يشترط عليه وبعث معاوية عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر فأعطيا الحسن «عليه السلام» ما أراد.
وقال الحافظ الدميري في حياة الحيوان(1): بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه ثم سار إلى المدائن وأستقر بها، فبينما هو بالمدائن إذ نادى مناد أن قيساً قد قتل فانفروا، وكان الحسن قد جعله مقدمة الجيش وهو قيس بن سعد بن عبادة فلما خرج الحسن «عليه السلام» عدا عليه الجراح الأسدي قاتله الله وهو يسير معه فوجأه بالخنجر في فخذه ليقتله فقال الحسن «عليه السلام»: قتلتم أبي بالأمس ووثبتم علي اليوم تريدون قتلي زهداً في العادلين ورغبة في القاسطين، والله لتعلمن نبأه بعد حين، ثم كتب إلى معاوية بتسليم الأمر اليه.
وقال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين(2): وجه معاوية إلى عبيد الله بن العباس أن الحسنقد راسلني بالصلح وهو مسلم إلي الأمر فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا وإلا دخلت وأنت تابع ولك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم يعدل لك النصف في هذا الوقت وإذا دلت الكوفة النصف الآخر فانسل عبيد الله ليلاً فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعد، الخ.
وقال ابن أبي الحديد(3): فسار معاوية قاصداً إلى العراق وبلغ الحسن «عليه السلام» مسيرة نحوه وأنه قد بلغ جسر منبج فتحرك عند ذلك وبعث حجر بن عدي، فأمر العمال بالتهيؤ ونادى المنادي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يوثبون ويجتمعون وقال الحسن «عليه السلام»: إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني، وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال له: أخرج فخرج الحسن «عليه السلام» وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد، فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرهاً ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا إن الله مع الصابرين، فلستم أيها الناس نائلون ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون، بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا بالمسير إليه فتحرك
(1) حياة الحيوان 1/ 53. (2) مقاتل الطالبيين: ص29.
(3) شرح نهج البلاغة 4/ 14.
(304)
لذلك أخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون، قال: وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له.
قال: فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف، فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال: أنا ابن حاتم، سبحان الله! ما أقبح هذا المقام، ألا تحبون إمامكم وابن بنت نبيكم؟ أين خطباء مضر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فراغون كالثعالب؟ أما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها؟ ثم استقبل الحسن «عليه السلام» بوجهه فقال: أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد وروده وصدوره قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليوافي، ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه وكان عدي بن حاتم أول الناس عسكر.
وقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن خصفة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن «عليه السلام» بمثل كلام عدي بن حاتم في الاجابة والقبول، فقال لهم الحسن «عليه السلام» صدقتم رحمكم الله ثم نزل وخرج الناس فعسكروا ونشطوا للخروج.
ثم ساق القصة وفيها خذلان عبيد الله بن العباس للحسن «عليه السلام» وغدره به وما صنع أهل العراق بالحسن «عليه السلام» من نهب أمتعته حتى انتزعزا مطرفه وكل ذلك مشهور يكفي فيه ما أوردنا، وإن معاوية نفسه ليعترف بخذلانهم للحسن «عليه السلام» فاعتبر وصيته لابنه يزيد عند موته وقد ذكرها كثير من أهل العلم وأنا أحكيها لك بلفظ الجاحظ فإنه قال في البيان والتبيين(1):
لما حضرت معاوية الوفاة ويزيد غائب دعا معاوية مسلم بن عقبة المري والضحاك بن قيس الفهري وقال بلغا عني يزيد وقولا له: أنظر إلى أهل الحجاز فهم أصلك وعترتك فمن أتاك منهم فأكرمه، ومن قعد عنك فتعهده، وانظر إلى أهل العراق فإن سألوك عن عامل لهم كل يوم فاعزله عنهم فإن عزل عامل أهون عليك من سل مائة ألف سيف ثم لا تدري ما أنت عليه منهم ثم أنظر إلى أهل الشام فأجعلهم الشعار دون الدثار فإن رابك من عدوك ريب فارمه بهم فإن أظفرك الله به فاردده إلى بلادهم ولا يقيموا بغير بلادهم فيتأدبوا بغير أدبهم ولست أخاف عليك غير عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسين بن علي، فأما عبد
(1) البيان والتبيين 2/ 108.
(305)
الله بن عمر فرجل قد وقذه الورع، وأما الحسين فإني أرجوا أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل اخاه، وأما ابن الزبير فإنه خب ضب، الخ.
وليس غرضنا الاستيفاء في نقل القصص ولكن حسبك أن تعرف كيف كانت حال الحسن «عليه السلام» مع تلك الجماهير الخونة والجموع الغدرة التي لا ثبات لها ولا وفاء.
شاعر:
تسر وفاء ثم تظهر غدرة لعمرك إن الرأي فيك لعازب
فقد عرف المنصف أن تلك الموادعة والمصالحة كانت اضطرارية وتنازل الحسن «عليه السلام» عن سلطانه لمعاوية الغاصب كان مقهوراً عليه قد غلبته على رأيه من المضي في طلب حقه خيانة الخائنين على أعطائه مادة السلم ورضاه به ثم تجلت المصلحة في هذه الموادعة بأجلى مضاهر النفع العام لراحة الأمة والمصلحة الخاصة بنشر التشيع حتى في الشام القطر الأموي كما ظهرت ثمرة مصالحة النبي (ص) وموادعته لقريش بالحديبية فقد كره ذلك جماعة من الصحابة وأنكره بعضهم أشد الإنكار، ورأى أن ذلك من الوصمة والعار الذي يلحق المسالم بظنه القاصر وكذلك الآراء القاصرة بهجن المطالب المهمة ذات المصالح الكبرى والفوائد الجمة فاستبان رغم إنكارهم ثمرة متاركة الحرب وتقرير القاعدة السلمية بين رسول الله (ص) ومشركي قريش حيث أن بها سهل اختلاط المسلمين بالمشركين لما رفعت الموانع عنهم وزالت التحجيرات فتمكنوا بذلك من بث الدعاية إلى الإسلام ونشر عقائد الدين وتقرير أصول الشريعة فاتسع بسبب ذلك نطاق الإسلام وكثر المعتنقون له.
حتى قال بعض المحققين من العلماء: إن المسلمين الذين أسلموا في مدة صلح الحديبية أربوا أضعافاً على المسلمين الذين أسلموا في بدء الدعوة الإسلامية ومن زمن البعثة إلى مدة الصلح وعقد الهدنة تحت الشجرة بالحديبية، وفي موادعة الحسن بن علي «عليهما السلام» لمعاوية ومهادنته لأهل الشام أختلط العراقي بالشامي لأن التحجير قد ارتفع وزال المنع من اختلاط القطرين حيث أصبحت مملكة واحدة وحكومة واحدة فلما حصل الاختلاط بين أهل القطرين وتآلفت المجتمعات وضمت الأندية حفلات جامعة للعراقي المفكر والشامي البسيط فجرت محادثة أدى فيها العراقي جهوداً بذلها في إقناع الشامي المنحرف عن أهل البيت فعرف حقهم كثير من أهل الشام ودان بولاياتهم جماعات حتى أنتشر التشيع في جميع عواصم سوريا وقراها.
حتى قال ياقوت الحموي في معجم البلدان في أهل حمص(1): ومن عجيب ما تأملته من أمر حمص فساد هوائها وترابها الذين يفسدان العقل حتى يضرب بحمقهم المثل، إن أشد الناس على علي «عليه السلام» بصفين مع معاوية كان أهل حمص وأكثرهم تحريضاً وجداً في حربه، فلما انقضت تلك الحروب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة حتى أن في أهلها كثيراً ممن رأى مذهب النصيرية وأصلهم الإمامية الذين يسبون السلف فقدد التزموا الظلال أولاً وأخيراً فليس لهم زمان كانوا فيه على الصواب، إنتهى.
وحمله الغيض والحنق حتى تكلم بالبهت والباطل وينطق بالكذب ولا يلام لأنه خارجي والخارجي يرى تكفير المسلمين ديناً ويبغض بطبعه محب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب «عليه السلام» فهو يتحرى التشنيع عليه في كل اموره ويتطلب انتقاصه بكل صفة ويجهد في تشويه سمعته بكل ما أمكن ولا ذنب للإمامية إلا محبة من أحبه الله ورسوله (ص) وهو علي بن أبي طالب «عليه السلام» كما في حديث خيبر المتواتر روايته من الفريقين السنة والشيعة، وإنما أوردنا كلامه لتعرف أن التشيع أنتشر في عواصم الشام بعد الموادعة والمصالحة العامة وإلقاء تلك الحروب أوزارها.
وقد ذكر البيهقي الشافعي في كتاب المحاسن والمساوء(2): إن أهل حمص أوفدوا رجلاً إلى ابن عباس فاستفسره عن فضل علي بن أبي طالب «عليه السلام» فأخبره بحجج قاطعة وأقنعه بدلائل ساطعة وبراهين لامعة في قصة مطولة يقول في آخرها(3): فقال الشامي: يا ابن عباس! ملأت صدري نوراً وحكمة وفرجت عني فرج الله عنك، أشهد أن علياً مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وجميع ذلك نتج عن اختلاط الشعبين العراقي والسوري عند الموادعة وعقد الهدنة وقبل ذلك ما كان يخطر في أذهان أهل الشام فضل لآل محمد (ص) حتى يوفدوا وفدهم مستفسراً من علماء الصحابة وأكابر أهل البيت، مضت أيام الحروب كلها بعد مقتل عثمان وامرة معاوية ولم تذكر لرسول الله (ص) قرابة حتى أن بعض الشاميين لما مضت تلك الشدة كان يحلف بالله أنهم لم يعرفوا لرسول الله (ص) قرابة غير آل أبي سفيان، وبسبب مهادنة الحسن «عليه السلام» زالت تلك التمويهات وتجلى الحق بارزاً بأجلي مظاهرة وانكشف الستر المسدول على الحقيقة فتألقت ناصعة.
(1) معجم البلدان 3/ 340. (2) المحاسن والمساوئ 1/ 30. (3) المحاسن والمساوئ: ص32.
(307)
فسياسة الحسن «عليه السلام» في هذه الموادعة هي السياسة الوحيدة في نوعها وهي التي يتحراها كبار الرجال السياسيين ولا سيما الدول الحرة والحكومات المتمدنة التي تطمع في استعمار الشعوب فمدت نفوذها على الأقطار فأستعمرتها بهذا الأسلوب فهذه الخطة التي رسمها شبيه رسول الله أبو محمد الحسن «عليه السلام» هي دستور الرجال السياسيين اليوم ولا يجهل فضيلتها إلا مطموس البصيرة معدوم العقل والتفكير جاهل بمواد السياسة وشؤون الإدارة وليس له حظ من علم ولا ميزة من عقل ولو عقل لعلم أن الظافر الحسن «عليه السلام» لا معاوية وأن المغلوبة أمية لا هاشم وقد ظهرت النتيجة أخيراً بانحطاط أمية واستعلاء هاشم في الشرق والغرب ولم يبق لأمية رسم إلا رسم المقت ولا إسم إلا إسم المذمة والتهجين، (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العلمين)(1).