موسوعة بطل العلقمي

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي

المؤلف : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

هروب حرب بن أمية من الزبير بن عبد المطلب


ذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ، والجاحظ في المحاسن والأضداد، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ولفظ الجاحظ عن ابن عباس قال: قدمت على معاوية وقد قعد على سريره وجمع بني أمية ووفود العرب عنده فدخلت وسلمت وقعدت، فقال: يا بن عباس، من الناس؟ قلت: نحن، قال: فإذا غبتم؟ قلت: فلا أحد، قال: فإنك ترى أني قعدت هذا المقعد بكم؟ قلت: نعم، فبمن قعدت؟ قال: بمن كان مثل حرب بن أمية، قلت من كفأ عليه إنائه وأجاره بردائه؟ قال: فغضب وقال: أرجني من شخصك شهرا، قد أمرت لك بصلتك وأضعفتها لك.
فلما خرج ابن عباس قال لخاصته: إلا تسألوني ما الذي أغضب معاوية؟ قالوا: بلى، قل بفضل علمك.
قال: إن أباه حربا لم يلق أحدا من رؤساء قريش في عقبة ولا مضيق إلا تقدمه حتى يجوزه، فلقيه يوما رجل من بني تميم في عقبة فتقدمه التميمي فقال حرب: أنا حرب بن أمية فلم يلتفت إليه وجازه، فقال: موعدك مكة، فخافه التميم ثم أراد دخول مكة فقال: من يجيرني من حرب بن أمية؟ فقيل له: عبد المطلب، فقال: عبد المطلب أجل قدرا من أن يجير على حرب، فأتى ليلا إلى دار الزبير بن عبد المطلب فطرق بابه فقال الزبير لعبده: قد جاءنا رجل إما طالب قرى وإما مستجير، وقد أجبناه إلى ما يريد ثم خرج الزبير إليه فقال التميمي شعرا:
لاقيت حربا في الثنية مقبلا والصبح أبلج ضوءه للساري
نادى مليا واكتني ليروعني وسما علي سمو ليث ضاري
(256)
فتركته كالكلب ينبح ظله وقصدت قرم معالم وفخار
ليثا هزبرا يستجار بعزه رحب المباءة مكرما للجار
ولقد حلفت بمكة وبزمزم والبيت ذو الأحجار والأستار
إن الزبير لما نعى من خوفه ما كبر الحجاج في الأمصار
فقدمه الزبير وأجاره ودخل به المسجد فرآه حرب فقام إليه فلطمه، فحمل عليه الزبير بالسيف فولى هارب يعدو حتى دخل دار عبد المطلب وقال: أجرني من الزبير، فأكفأ عليه جفنة كان هاشم بطعم فيها الناس فبقي تحتها ساعة ثم قال له: أخرج، قال: وكيف أخرج وعلى الباب تسعة من بنيك قد احتبوا بسيوفهم؟! فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف بن ذي يزن له طرفان خضراوان، فخرج عليهم فعلموا أن أباهم قد أجاره، فتفرقوا عنه، إنتهى.
وابن أبي الحديد يذكر أن هذه المحاروة بين يزيد ومعاوية وابن عباس في مجلس معاوية وأن يزيد أفتخر على ابن عباس بآبائه، فقال ابن عباس: بأي آبائك تفتخر؟ بعبد شمس الذي كفلناه؟ أم بامية الذي ملكناه؟ أم بحرب الذي أجرناه؟ وساق القصة وفيها بيان حال عبد شمس وأنه عيال على هاشم وحالة أمية لما نافر هاشما فملكه عبدا، ثم هذه القصة.
كما ذكرنا تأسيس الزبير بن عبد المطلب قانون الانتصار للمظلوم واحداثه قاعدة الاجتماع على مكافحة الظلم والعدوان بعقد حلف بين القبائل يدعى بـ«حل الفضول» ولهذه النهضة المحترمة أسباب ودواعي شتى حركت عواطف هذا الرجل العظيم وأثارت شعوره فنهض لمكافحة المسيطرين على ضعفاء البشر وقمع عاديتهم وكبح جماحهم فإن في مكة أناس لهم السلطة والسيطرة وهم أهل بغي وعدوان يغتصبون الأموال والفروج للفجور من التجرة والقادمين إليها للأعتمار مثل أبي جهل في بني مخزوم، وأبي بن خلف في بني جمح والعاص بن وائل ونبيه بن الحجاج في بني سهم.
وقصة هذا الحلف مشهورة ذكرها جماعة منهم المسعودي واليعقوبي وابن إسحاق وابن أبي الحديد وكون الداعي إلى هذا الحلف هو الزبير بن عبد المطلب أمر منصوص.
قال المسعودي في مروج الذهب(1): كان الحلف في ذي القعدة بسبب رجل
(1) مروج الذهب 1/ 296.
(257)
من بني زبيد من اليمن كان باع له سلعة من العاص بن وائل السهمي فمطله بالثمن حتى يئس فعلا جبل أبي قبيس وقريش في مجالسها حول الكعبة فنادى بشعر يصف فيه ظلامته رافعا صوته مناديا يقول:
يا للرجال لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الحي والنفر
إن الحرام لمن تمت حرامته ولا حرام ليومي لابس الغدر
فمشت قريش بعضها إلى بعض وكان أول من سعى في ذلك الزبير بن عبد المطلب وأجتمعت قريش في درا الندوة وكانت للحل والعقد وكان ممن أجتمع بها من قريش بنو هاشم وبنو عبد امطلب وبنو زهرة وبنو تيم بن مرة وبنو الحارث بن فهر فأتفقوا على أنهم ينتصفون للمظلوم من الظالم فساروا إلى دار عبد الله بن جدعان فتحالفوا هناك ففي ذلك يقول الزبير بن المطلب شعرا:
حلفت لنعقدن حلفا تميما وإن كنا جميعا أهل دار
نسميه الفضول إذا عقدنا يبلغه الغريب لذي الجوار
ويعلم من حوالي البيت أنا أباة الضيم نهجر كل عار
إنتهى.
زاد اليعقوبي في القبائل المتحالفة: أسد بن عبد العزى وهي زيادة صحيحة، وأسقظ ابن إسحاق بن الحارث بن فهر.
قال ابن أبي الحديد: قال الجاحظ: كان هذا الحلف في بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن العزى وبين زهرة وبني تيم بن مرة فتعاقدوا في دار ابن جدعان في شهر حرام قياما يتماسحون بأكفهم صعدا ليكونن مع المظلوم حتى يؤدوا إليه حقه ما بل بحر صوفة وفي التأسي في المعاش والتساهم بالمال وكانت النباهة في هذا الحلف للزبير بن عبد المطلب ولعبد الله بن جدعان أما ابن جدعان فلأنه عقد في داره أما الزبير فلأنه هو الذي نهض فيه ودعا إليه وحث عليه وهو الذي سماه «حلف الفضول»، ثم ذكر قصة الزبيدي وقال بعد البيتين: فحمى وحلف ليعقدن حلفا بينه وبين بطون قريش يمنعون القوي من ظلم الضعيف والقاطن من عنف الغريب ثم ذكر شعر الزبير المتقدم، ثم قال: فبنو هاشم هم الذين سموا ذلك الحلف بـ«حلف الفضول» وهم الذين كانوا سببه والقائمين به دون جميع القبائل العاقدة له، والشاهدة لأمره، قال أبو عثمان: وكان الزبير بنعبد المطلب شجاعا أبيا وجميلا مهيبا وكان شاعرا خطيبا وسيدا جوادا، وهو الذي يقول:
ولولا الحمس لم سلبس رجال ثياب أعزة حتى يموتوا
ثيابهموا شمال(1) أو عباء بها دنس كما دنس الحميت
ولكنا خلقنا إذ خلقنا لنا الحبرات والمسك الفتيت
وكاس لو تبين لهم كلاما لقالت إنما لهموا سبيت
تبين لنا القذى إن كان فيها رصين الحلم يشربها هبيت
وتقطع نخوة المختال عنا رقاق الحد ضربته صموت
بكف مجرب لا عيب فيه إذا التقما الكريهة يستميت
قال: والزبير هو الذي يقول:
وأسحم من راح العراق مملأ محيط عليه الجيش جلد مراثره
صبحت به طلقا يساق إلى الندى إذا ما انتشى لم يختصره معاقره
ضعيف بجنب الكاس قبض بنانه كليل على جلد النديم أظافره
قال: وبنو هاشم هم الذين ردوا على الزبيدي ثمن بضاعته وكانت عند العاص ابن وائل، وأخذوا للبارقي ثمن سلعته من أبي بن خلف الجمحي وفي ذلك يقول البارقي:
يأبى لكم حلف الفضول ظلامتي بني جمح والحق يؤخذ بالغضب
وهم الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج السهمي قتولا الحسناء بنت التاجر الخثعمي وكان كابره عليها حين رأى جمالها، وفي ذلك يقول نبيه:
وخشيت الفضول حين أتوني قد أراني ولا أخاف الفضولا
إنني والذي يحج له شمط أياد وهللوا تهليلا
وفيها يقول:
لولا الفضلو وإنه لا أمن عــــروائـــهــــا
لدنوت من أبياتها ولطفت حول خبائها
في رجال كثير انتزعوا منهم الظلامات ولم يكن يظلم بمكة إلا رجال أقوياء ولهم العدد والعارضة منهم من ذكرنا قصته ثم ذكر هذه القصة بصفة مفصلة لا
(1) جمع شملة معروفة.
(259)
يحتمل هذا اكتاب إيرادها، وقد ذكرناها في كتابنا «السياسة العلوية»، وإن أردت أخذها بلا واسطة فأطلبها في رسائل الجاحظ(1).
شاعرية الزبير بن عبد المطلب
قد عرفت أنه كان عربيا قحا ذا عبقرية وشعره فحل ذا جزالة وهو بين الجودة على مذاهب العرب ومسالكها الأدبية في ضخامة الألفاظ وشظف القوافي إلا أنها محكمة رصينة وقد سمعت بعض أشعاره ولعله أول عربي أسس تأبين الرجل الشريف لنفسه قد عقد لذلك فصلا صاحب الأغاني، فقول الزبير بن عبد المطلب في تأبين نفسه بديع جدا وهو كما قال وصدق في القول:
يا ليت شعري إذا ما حمتي وقعت ما ذا تقول ابنتي في القول تنعاني
تنعى أبا كان معروف الدفاع عن الـ ـمولى المضام وفكاكا عن العاني
ونعم صاحب عان كان رافده إذا تضجع عنه العاجز الواني
ومن شعره ينفي الظلم فيحلف الفضول:
أن الفضول تحالفوا وتعاقدوا إن لا يقيم ببطن مكة ظالم
وقوله يرقص النبي (ص) وهو طفل ذكره السهيلي في الروض الأآنف وحيث أن القصة عند القالي مطولة وهي تمصل مقدرة الزبير الأدبية أوردناها عن القالي ونصه في أماليه(2) باسناده إلى رافع بن بكار ونوح بن دراج قالا: دخل النبي (ص) على عمه الزبير بن عبد المطلب وهو صبي فأقعده في حجره وقال:
مــــحــــمــــد بـن عــبــدم عشت بعيش أنعم
ودولــــــــة ومـــــــغنـــــم في فرع عز أسنم
مـــــكـــرم معــــــظـــــــم دام سجيس الأزلم(3)
ثم دخل عليه العباس بن عبد المطلب وهو غلام فأقعده في حجره وقال:
إن أخي عباس عف ذو كرم فيه عن العوراء إن قيلت صمم
يرتاح للمجد ويوفي للذمم وينحر الكوماء في اليوم الشمم
ثم دخل عليه ضرار بن عبد المطلب وهو أصغر من العباس، فقال:
ظني بمياس ضرار خير ظن أن يشتري الحمد ويغلي في الثمن
(1) رسائل الجاحظ: ص71، الطبعة الأولى بمصر.
(2) أمالي القالي 2/ 115. (3) أي: أبد الدهر.
(260)
ينحر للأضياف ريان السمن ويضرب الكبش إذا البأس ارجحن
ثم دخلت عليه ابنته أم الحكم فقال:
يا حبذا أم الحكم ساهم فيها فسهم
ثم دخلت عليه جارية له يقال لها أم مغيث، فقالت: مدحت ولدك وبني أخيك ولم تمدح بني مغيثا، فقال: علي به عجلية، فجاءت به، فقال:
وإن ظني بمغيث إن كبر أن يسرق الحج إذا الحج كثر
ويوقر الأعيار من قرف الشجر ويأمر العبد بليل يعتذر
ميراق شيخ عاش دهرا غير حر


أولاد الزبير بن عبد المطلب


له ولدان ذكران مات أحدهما صغيرا في الجاهلية وهو الذي به يكنى، ولم يذكره النسابون لموته صغيرا، وثانيهما أدرك الإسلام فالذي توفي صغيرا هو الطاهر وبأسمه سمى رسول الله (ص) ولده الطاهر وللزبير بنتان هما ضباعة وأم الحكم، وقيل: واحدة وأحدهما كنية والصحيح أنهما اثنان.
ففي ذخائر العقبى(1): جملتهم ثلاثة: عبد الله وابنتان أم الحكم ويقال أم حكيم وضباعة وأم عبد الله عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية أدرك الإسلام وثبت مع النبي (ص) يوم حنين فيمن ثبت يومئذ، ذكره الدار قطني فقتل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر ثم ذكر أنه قاتل روميا فضربه وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب فقطع السيف الدرع وأسرع إلى منكبه ووجد عبد الله مقتولا في ربضة من الروم عشرة، الخ وذكرنا ترجمته مفصلة في كتابنا «السياسة العلوية» وكانت سنة ثلاثون سنة ولم يعقب فأنقرض عقب الزبير بن عبد المطلب.
ويظهر من كلام محمد بن حبيب النسابة أن له ولدا يسمى عليا، ولعلي ولد يسمى عتيقا، وهذا لفظه في كتاب المحبر(2): تزوجت أم سفيان بنت غبراهيم بن إبراهيم بن عبد الأسد بن مالك بن حسل عتيق بن علي بن عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، إلى آخر ما هناك وفيه ذكر أزواجها.
أما البنتان فذكر ابن قتيبة في المعارف أن أم الحكم كانت تحت ربيعة بن
(1) ذخائر العقبى: ص248. (2) المحبر: ص453.
(261)
الحارث بن عبد المطلب، ولم يضكر ضباعة على أنه ذكر في ترجمة المقداد بن عمرو البهرائي المعروف بابن الأسود الكندي أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أم ولده معبد بن المقداد وهذا هو المشهور بل المتفق عليه والمنصوص عند علماء الرجال، وقتل معبد بن المقداد يوم عائشة يوم الجمل ولأمير المؤمنين «عليه السلام» كلام يذمه فيه ويمدح أباه المقداد وذلك حين وقف عليه قتيلا، ذكره الشيخ المفيد وغيره.
(10) عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم والد رسول الله (ص)
أجمل فتى في العرب وأفصحهم وأظرفهم، وأجمعهم لخصال الخير ومحاسن الأخلاق وأعلاهم سناءا ومجدا، وأشرفهم حسبا، وهو عند عرب الجاهلية أعظم ولد ابيه بعد أخويه أبي طالب والزبير شقيقه وعند عرب الإسلام أعظم الكل بشرف رسول الله (ص) وولادته إياه وهو أحب ولد أبيه عبد المطلب إليه وأحب إخوته إلى أخويه أبي طالب والزبير.
أما خصال الخير المجتمعة في عبد الله فالشجاعة والسخاء وفصاحة اللسان والجمال البديع والوفاء والعفة والآباء وحماية النزيل والجار والذب عن العشيرة والدفاع عن المظلوم وما شابه هذه الخصال ثم كانت له منقبة لم يدركها الأولون ولم ينل مثلها الآخرون وهي ولادة رسو الله (ص) وهو سيد من مضى وسيد من بقي من ولد آدم إلى يوم القيامة.
قال السويدي في سبائك الذهب: يكنى أبا قثم، وقيل أبا محمد، وقيل أبا أحمد.
وفي السيرة الهشامية(1): كان عبد الله بن عبد المطلب أصغر بني أبيه «يعني إخوته لأمه» كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد الله بن عمران بن مخزم بن يقظة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
وفي تاريخ الخميس(2): قال أصحاب السير والتواريخ كانت ولادة عبد الله بن عبد المطلب لأربعة وعشرين سنة من ملك كسرى اأنو شروان، وكان يوم ولد عبد الله علم بمولده جميع أحبار الشام وذلك أنه كانت عندهم جبة صوف بيضاء وكانت الجبة مغموسة في دم يحيى بن زكريا وكانوا قد وجدوا في كتبهم إذا رأيتم الجبة البيضاء والدم يقطر منها فأعلموا أن أبا محمد المصطفى فد ولد تلك الليلة
(1) سيرة ابن هشام1/ 143. (2) تاريخ الخميس 1/ 206.
(262)
وقدموا بأجمعهم إلى الحرم و أرادوا أن يغتالوا عبد الله فصرف الله شرهم عنه ورجعوا إلى بلادهم ولم يكن يقدم عليهم أحج من الحرم إلا سألوه عن عبد الله فيقولون: تركناه نورا يتلألأ في قريش فتقول الأحبار: ليس ذلك النور لعبد الله إنما ذلك النور لمحمد (ص).
قال: فخرج عبد الله أجمل قريش، فشغفت به كل نساء قريش وكدن أن تذهل عقولهن، فلقى عبد الله في زمنه من النساء ما لقى يوسف في زمنه من أمراة العزيز وكان عبد الله يخبر أباه بما يلقى من العجائب يقول: يا أبت! إني إذا خرجت إلى بطحاء مكة وصرت على جبل بثير خرج من ظهري نوران أخذ أحدهما شرق الأرض والآخر غربها ثم إن ذينك النورين يستدريان حتى يصيروا كالسحابة ثم تنفرج لهما السماء فيدخلان فيها ثم تخرجان ثم يرجعان في لمحة واحدة، وإني لأجلس في الموضع فأسمع فيه من تحتي: «سلام عليك أيها المستودع ظهره نور محمد (ص)»، وإني لأجلس في الموضع اليابس أو تحت الشجرة اليابسة فتخضر وتلقي علي أعصانها فإذا قمت وتركتها عادت إلى ما كانت. فقال له عبد المطلب: إبشر يا بني فإني أرجوا أن يخرج الله من ظهرك المستودع المكرم فأنا قد وعدنا ذلك وإني قد رأيت قبلك رؤيا كلها تدل على أنه يخرج من ظهرك أكرم العالمين.
وكان عبد الله أبو النبي (ص) كلما أصبح وذهب ليدخل على صنمهم الأكبر صاح كما تصيح الهرة ونطق وهو يقول: ما لنا ولك أيها المستودع ظهره نور محمد (ص) الذي يكون هلاكنا وهلاك أصنام الدنيا على يديه، إنتهى.
وذكر هذه الأرهاصات من علمائنا «رضوان الله عليهم» ابن شهرآشوب «نور الله مرقده» في كتاب المناقب(1).
تحيل اليهود على الفتك بعبد الله ومحق الله لهم وظهور شجاعة عبد
الله وثباته الباهر
في تاريخ الخميس(2): روي أنه خرج عبد الله يوما إلى قنصه وقد قام عليه تسعون رجلا من أحبار الشام معهم السيوف المسمومة أن يغتالوه ويقتلوه وكان وهب بن عبد مناف أبو آمنة صاحب قنص أيضا، قال: فلما نظرت إلى الأحبار قد أحدقوا بعبد الله وعبد الله يومئذ وحده تقدمت إليه لأعينه عليهم، فنظرت إلى رجال
(1) مناقب ابن شهر آشوب 1/ 16. (2) تاريخ الخميس 1/ 207.
(263)
لا يشبهون رجال الدنيا على خيل شهب قد حملوا على الأحبار حتى هزموهم عن عبد الله، الخ.
وقال الفاضل المجلسي «رحمه الله» في بحاره(1): من قصة مطولة ذكر فيها حفلة القسس والرهبان التي أقاموها في سوريا وعقدوا جلسة خاصة أجتمع فيها علمائهم للمفاوضة في كيفية التخلص من نبي العرب قبل أن يولد فاتفق رأيهم على تأجيل هذه المفاوضة إلى أن يطالعوا رأي أكبر حبر لهم يقطن شرق الأردن لم يحضر جلسة لهم ولا مفاوضة فساروا إليه وفاوضوه في كيفية التخلص من نبي الإسلام العربي قبل أن يولد وأعلموه أنهم على أهبة واستعداد للمسير إلى مكة للفتك بأبيه وأغتياله قبل أن يخرج ذلك النبي العربي السافك لدماء العبرانيين الذي يستأصل الصهيونية اليهودين، فخالف رأيه آراءهم محتجا بأن الأمر الرباني لا يقاومه شيء وأن هذا النبي لابد من ظهوره على الرغم من أنف مبغضيه فالحراسة الإلهية تصاحب أباه كما تصاحبه إذا ولد ولكن المعارض له وهو الشقي المسمى هيوبا حاز كل أصوات اليهود بالموافقة له فكان رأيه المعمول به عندهم في هذه الجلسة الأخيرة ودحض رأي ذلك الحبر المثقف السديد فأجمعوا رئاسة هيوبا الفاجر على قصد مكة بزي التجار ليرصدوا بها عبد الله فيوقعوا به غيلة وفتكا، فساروا بالرغم من نصيحة ذلك الحبر العاقل ونهيه إياهم وبالرغم أيضا من نصيحة الهاتف الذي أسمعهم قوله وهم في الطريق:
قصدتم لأزر القوم في السر والجهر تريدون كرا بالمعظم في القدر
ومن غالب الرحمن لا شك أنه سيرديه باريه بقاصمه الظهر
ستضحون يا شر الانام كأنكم نعام اسيقت للذباحة والنحر
ثم قال في سياق تلك القصة المطولة: وكان عبد الله قد رأى رؤيا فقصها على أبيه فقال: رأيت سيوفا مجردة في أيدي قردة وهي قعود على أدبارها وأنا أنظر إليهم وهم يهزون السيوف يشيرون بها إلي فبينما أنا كذلك إذا نار من السماء فوقعت على القردة القردة فأحرقتهم، فقال أبوه: وقاك الله شر ما تحاذر من الحساد والأضداد فإن الناس يحسدونك على هذا النور الذي في وجهك ولكن لو أجتمعت أهل الأرض إنسها وجنها لم يقدروا على شيء لأنه وديعة من الله لخاتم الأنبياء
(1) بحار الأنوار 6/ 29.
(264)
وهاهنا أحبار من اليهود من الشام وفيهم الحكمة والمعرفة فقم معي حتى اقصن عليهم رؤياك، فقبض عبد المطلب يد ولده عبد الله ودخلا عليهم فلما نظر إليه الأحبار وهو كأنه البدر نظر بعضهم إلى بعض وقالوا هذا نطلبه.
قال: فلما قص عليهم عبد المطلب الرؤيا زادهم حنقا وقال له هيوبا: أيها السيد! إنها أضغاث أحلام وأنتم سادة كرام وليس لكم معاد ولا مضاد.
ثم انصرف عبد المطلب بولده وأقاموا أياما وكان بعد الله مغرما بالصيد وكان إذا خرج إلى الصيد لا يرجع إلا ليلا، فخرج ذات يوم وحده فخرجوا ورائه من حيث لا يشعر بهم أحد وقد أخفوا سيوفهم تحت ثيابهم والعبد أمامهم حتى أوقفهم على عبد الهل وكان عبد الله قد صاد حمار وحش فهو يسلخه فما أحس وعبد الله إلا وقد أحاطوا به وكانوا قد أفترقوا فرقتين وزعموا أنهم قد حكموا عليه فرفع عبد الله رأسه إلى السماء ودعا الله وأقبل إليهم وقال: ما شأنكم؟ فوالله ما بسطت يدي إلى واحد منكم بمكروه ولا اغتصبت لكم مالا، واليهود عدد كثير لم يبن منهم إلا الحذف، فلم يردوا جوابا وأشار بعضهم إلى بعض وهموا بالهجوم عليه فجعل نبلة في كبد قوسه ورمى بها نحوهم فأصابت رجلا منهم فوقع ميتا فرماهم بأربعة نبال أصابت أربعة رجال، وأنشأ يقول:
ولي همة تعلو على كل همة وقلب صبور لا يروع بالحرب
ثم ركب فرسه وأخذ قوسه وعطف على ناحية المضيق فلما رآه القوم قد أقبل يريد الخروج بادروا إليه بأجمعهم وجعلوا يرمونه بالحجارة وهو يكر فيهم وكلما رمى رجلا خر صريعا، فنزل عن فرسه واستند إلى المضيق وقد أقبلوا إليه من كل جانب وهم يرمون بالحجارة فبينما هو كذلك وإذا برجال أقبلوا وبأيديهم السيوف مشهورة وهم مسرعون وإذا هم بنو هاشم وفتيان مكة وكان أخبرهم الخبر رجل يقال له وهب بن عبد مناف لأنه أشرف عليهم في المعركة فهم أن ينزل فخاف على نفسه من كثرتهم فأتى الحرم ونادى في بني هاشم فلما رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك فهرب منهم حماعة والتجأوا إلى حبل وظنوا أنهم قد نجوا ولحقهم عبد المطلب وأصحابه وقتلوا منهم أ،اسا كثر، والقصة مطولة هذبنا منها هذا المقدار حسب الوسع والإمكان.
(265)
نذر عبد المطلب والعزم على ذبح ابنه عبد الله ففداه الله بمائة من
الإبل
روى الكراجكي «رحمه الله» في كنز الفوائد والماوردي الشافعي في أعلام النبوة واللفظ متفق ولكنه للأخير(1) عن صالح بن كيسان أن عبد المطلب بن هاشم نذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكور ورآهم بين يديه رجالا أن ينحر أحدهم للكعبة شكراً لربه حين علم أن إبراهيم أمر بذبح ولده تصوراً من أنه أفضل قربة فلما استكمل ولده العدد وصاروا له من أظهر العدد قال لهم: يا بني! ما تقولون؟ قد كنت نذرت نذراً علمتوه قبل اليوم، قالوا: الأمر إليك ونحن بين يديك.
فقال: لينطلق كل واحد منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه.
ففعلوا ثم أتوه بالقدح فأخذها وجعل يرتجز:
عاهدته وأنا موف عهده والله لا يحمد شيء حمده
إذ كان مولاي وكنت عبده نذرت نذرا لا أحب رده
ولا أحب أن اعيش بعده
ثم دعا بالأمين الذي يضرب القداح فدفع إليه قداحهم وقال: حرك ولا تعجل وكان عبد الله أحب ولد عبد المطلب إليه فضرب القداح فخرج السهم على عبد الله فأخذ عبد المطلب الشفرة فأتي بعبد الله واضجعه بين امساق ونائلة وأنشأ مرتجلا:
عاهدته وأنا موف نذره والله لا يقدر شيء قدره
هذا بني قد أردت نحره وإن يؤخره ليقبل عذره
وهم بذبحه فوثب أبو طالب وكان أخا عبد الله لأبيه وأمه وأمسك يد عبد المطلب بن أخيه وأنشأ مرتجزا يقول:
كلا ورب البيت ذو الأنصاب ما ذبح عبد الله بالتلعاب
يا شيب إن الريح ذو عقاب إنا لنا الخيرة في الخطاب
أخوال صدق كأسود الغاب
فلما سمعت مخزوم هذا من أبي طالب وكانوا أخواله قالوا: صدق ابن
(1) أعلام النبوة: ص126.
(266)
أختنا ووثبوا إلى عبد المطلب فقالوا: يا أبا الحارث! إنا لا نسلم ابن أختنا للذبح فاذبح من شئت من ولدك غيره.
فقال: إني نذرت نذرا وقد خرج القدح عليه ولا بد من ذبحه.
قالوا: كلا لا يكون ذلك أبدا وفينا روح وإنا لنفديه بجميع أموالنا من طارف وتالد، وأنشأ المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم مرتجزا يقول:
يا عجبا من فعل عبد المطلب وذبحه ابنا كتمثال الذهب
كلا وبيت الله مستور الحجب ما ذبح عبد الله فينا باللعب
فدون ما يبغي خطوب تضطرب
ثم وثب السادات من قريش إلى عبد المطلب وقالوا: يا أبا الحارث! إن هذا الذي عزمت عليه عظيم وإنك إن ذبحت ابنك لم تتهن بالعيش من بعده ولكن لا عليك أنت على رأس أمرك تثبت حتى نسير معك إلى كاهنة بني سعد فما أمرتك من شيء فامتثله.
فقال عبد المطلب: لكم ذلك وكانوا يرون الكاهنة حقا ثم خرج في جماعة من بني مخزوم نحو الشام إلى الكاهنة فلما دخلوا عليها أخبرها عبد المطلب بما عزم عليه من ذبح ابنه وأرتجز:
يا رب إني فاعل لما ترد إن شئت ألهمت الصواب والرشد
يا سائق الخير إلى كل بلد قد زدت في المال وأكثرت العدد
فقالت الكاهنة: انصرفوا عني اليوم، فأنصرفوا وعادوا من الغد، فقالت كم دية الرجل عندكم؟
قالوا عشرة من الإبل.
قالت: فارجعوا إلى بلدكم وقدموا هذا الغلام الذي عزمتم على ذبحه وقدموا معه عشرة من الإبل ثم اضربوا عليه وعلى الإبل بالقداح فإن خرج القدح على الإبل فانحروها وإن خرج على صاحبكم فزيدوا في الإبل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم.
فانصرفوا إلى مكة وأقبلوا عليه يقلون: يا أبا الحارث! إن لك في إبراهيم أسوة فقد علمت ما كان من عزمه على ذبح إسماعيل وأنت سيد ولد إسماعيل فقدم مالك دون ولدك.
فلما أصبح عبد المطلب غدا بإبنه عبد الله إلى الذبح وقرب معه عشرة من
(267)
الإبل ثم دعى بأمين القداح وجعل للإبل قدحا ولابنه قدحا وقال: اضرب ولا تعجل، فخرج القدح على عبد الله فجعلها عشرين فضرب فخرج القدح على عبد الله وجعلها ثلاثين وضرب فخرج القدج على عبد الله ولم يزل كذلك حتى بلغ بها مائة وضرب فخرج القدح على الإبل فكبر عبد الله وكبرت قريش وقالوا: يا أبا الحارث! قد أنهي رضاء ربك وقد نجى ابنك من الذبح.
فقال: لا والله حتى أضرب عليه وعلى الإبل ثلاثا، فضرب ثانية وثالثة فخرج على الإبل فعلم عبد المطلب إنه قد أنهي رضاء ربه في فدا ابنه، فارتجز يقول:
دعوت ربي خلصا وجهرا يا رب لا تنحر بني نحرا
وفادي بالمال تجد لي وفرا أعطيك من كل سوام عشرا
عفوا ولا تشمت عيونا خزرا بالواضح الوجه المغشى بدرا
فالحمد لله الأجل شكرا فلست والبيت المغطى سترا
مبدلا نعمة ربي كفرا ما دمت حيا أو أزور القبرا
ثم قربت الإبل وهي مائة من جملة ابل عبد المطلب فنحرت كلها فداء لعبد الله وتركت في مواضعها لا يصد عنها أحد ينتابها من دب ومن درج فجرت السنة في الدية بمائة من الإبل إلى يومنا هذا، وانصرف عبد المطلب بابنه عبد الله فرحا فكان عبد الله يعرف بالذبيح، ولذلك قال النبي (ص): أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل بن إبراهيم وأباه عبد الله «عليهم السلام»، إنتهى.
وإني لأعجب كلما مررت بهذه القصة المدهشة في سيرة أو تاريخ لأم عبد الله فاطمة إذ لم أكن أسمع لها بذكر وقد قدم عبد الله للذبح، أتراها كانت أصبر من الرجال؟ لا أظن هذا، أم أصابها الأغماء خوفا على ولدها؟ هذا في نظري اصوب إذ المرأة للرقة والجزع أقرب.

عفة عبد الله وصيانته


ذكر عامة المؤرخين منهم الطبري وابن إسحاق والديار بكري وغيرهم ولفظ الماوردي أعلام النبوة(1): حكى أن كاهنة بمكة يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية قرأت الكتب فمر بها عبد الله مع أبيه عبد المطلب يريد أن يزوجه آمنة
(1) أعلام النبوة: ص132.
(268)
بنت وهب، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: هل لك أن تغشاني وتأخذ مائة من الأبل؟ فعصمه الله تعالى من اجابتها وقال لها:
أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
فلما تزوجت به آمنة وحملت منه برسول الله (ص) قال لها: هل لك فيما قلت؟ فلم تر ذلك النور في وجهه، فقالت له: قد كان لك ذلك قبل أما اليوم لا، ماذا صنعت؟ قال: زوجني أبي آمنة بنت وهب الزهرية، فقالت: قد أخذت النور الذي كان في وجهك، وأنشأت تقول:
الآن قد ضيعت ما كان ضاهرا عليك وفارقت الضياء المباركا
غدوت علينا خاليا فبذلته لغيري هنيئا فالحقن بنسائكا
ولا تحسبن اليوم أمس وليتني رزقت غلاما منك في مثل حالكا
وداخلها الأسف على ما فاتها والحسرة على ما تولى عنها، فحسدت آمنة على ما صار إليها، فأنشأت تقول:
إني رأيت مخيلة نشأت فتلأ لأت كتلألؤ الفجر
ولما بها نور يضيء به ما حولها كإضاءة البدر
ورأيتها مبينا شرفا ما كل قادح زنده يوري
لله ما زهرية سلبت ثوبيك ما استلبت ولا تدري
وأنذرت بني هاشم فقالت:
بني هاشم قد غادرت من أخيكموا أمنية إذ للباء يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خموده فتائل قد ميتت له بدهان
وما كل ما يحوي الفتى من بلاده بحزم ولا ما فاته لتوان
فأجمل إذا ما طالبت أمرا فإنه سيكفيكه جدان يعتلجان
ولما حوت منه أمينة ما حوت حوت منه فخرا ما لذلك ثاني
سيكفيكه إما يد مقفعلة وإما يد مبسوطة لبنان
وهذا من آيات الله تعالى في رسوله أن عصم أباه حين كان في ظهره أن يضعه من سفاح حتى وضعه من نكاح ثم زالت العصمة بعد وضعه حتى عرض بالطلب بعد أن كان مطلوبا وراغبا بعد أن كان مرغوبا، إنتهى.
(269)
وقد أخطأ هذا العلامة المهر في توجيه هذا الحديث من وجهين:
أولا: إن طلب عبد الله منها أخيراً ما طلبته منه أولاً لم يكن عدولاً عن رأيه في العفة التي هي غريزة نفسية ومنعة عقل وعلم لحرمة الزنا كما هو صريح شعره، وإنما أراد أن يعرف لمَ بذلت هذه الامرأة على نفسها هذا المقدار الكثير من الأبل وأن العادة تقضي ببذل الرجل للمرأة فهل هذه الرغبة للجمال وطلب اللذة النفسية فقط؟ وهذا بعيد أم إنه لداع مهم يوجب الرغبة ولو يبذل هذا المقدار؟ فلما صارحها بالإجابة أخيراً استكشافاً منها ذلك أخبرته بأنها أيضاً عفيفة مصونة غير راغبة في الزنا ولا طالبة للذة ولم يدعها الجمال ولكنها تطلب ذلك النور الذي كان في وجهه.
ثانياً: إن عصمة الله التي صاحبته ما دام رسول الله (ص) في صلبه غير ممتنع على الله أن يجعلها مصاحبة له إلى آخرة إكراماً له (ص) عن أن يلحقة دنس التعبير فإن عهر الآباء وصمة تعير به الأبناء كما عير حرب بن أمية بعهر أبيه أمية حتى قال نفيل له في مفاخرته لعبد المطلب:
أبوك معاهر وأبوه عف وذاد الفيل عن بلد حرام
وقد صان الله ورسوله وحماه عن كل عيب ووصمة تلحق نسبه الشريف فالماوردي مخطأ فيما قال.

جمال عبد الله المعجب:


قال الحلبي في سيرته(1): وكان عبد الله أحسن فتى يرى في قريش وأجملهم، وكان نور النبي (ص) يرى في وجهه كأنه الكوكب الدري حتى شغفت به نساء قريش ولقي منهن عناء، قيل: إنه لما تزوج آمنة لم تبق أمراة من قريش إلا مرضت أسفاً على عدم تزوجها به.
و«قال»(2): كان عبد الله أحسن رجل في قريش خلقاً وخلقاً وكان نور النبي (ص)، في وجهه وفي رواية: كان أكمل بني أبيه وأحسنهم وأعفهم وأحبهم إلى قريش.
وفي تاريخ الخميس(3): قال ابن عباس عن أبيه: إنه ليلة بنى عبد الله بآمنة أحصينا مائتي أمرأة من بني مخزوم وعبد مناف متن وخرجن من الدنيا ولم يتزوجن أسفاً على ما فاتهن من عبد الله، الخ.
(1) السيرة الحلبية 1/ 42. (2) السيرة الحلبية 1/ 35.
(3) تاريخ الخميس 1/ 208.
(270)
وحيث أن الاحاطة بأخبار هذا الرجل الزعيم تطول نكتفي بهذا وقد ترجمنا له في «الميزان الراجح» ترجمة مطولة وأجبنا عن جسارة المتجاسرين من أهل السنة على القول بكفره.