معجم أنصار الحسين عليه السلام  (الهاشميون) الجزء الاول

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (الهاشميون) الجزء الاول

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

(3)

فاطمة بنت حرام الكلابية

ق4 ق.هــ ـ 13/6/64هـ

ق 618ـ 17/1/684م

 

       هي فاطمة بنت حرام(1) بن (خالد بن)(2) ربيعة(3) بن عامر (الوحيد)(4) بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

       تكنى فاطمة بأم البنين بل اشتهرت بذلك، وقيل إن اسمها وايسي(5) ولكنها عرفت بفاطمة.

       وأمها ثمامة (ليلى) بنت سهيل(سهل) بن عامربن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر.

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) حرام: بالحاء والراء المهملتان وجاء في بعض المصادر بالزاي المعجمة، ولكن المظفر في بطل العلقمي:1/91 يؤكد على أنه بالزاي غلط رغم أن جمعاً من المؤرخين ذكروه بالزاي كابن الأثير في الكامل وابن جرير في تاريخ الأمم والملوك، وأبي الفداء في تاريخه، ولكن هناك طائفة أخرى وهم الأكثرية ذكروه بالراء المهملة، وجاء في نسخة من تذكر ة الخواص:54«خلة» بدل «حرام».

(2) جاء في مقاتل الطالبيين: 87«حرام بن خالد بن ربيعة» ولكن في الإصابة: 1/375 جاء بدون خالد.

(3) جاء في تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج البغدادي:16«أم البنين بنت خالد بن يزيد الكلابية».

(4) جاء في كتاب العباس للمقرم:125«الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب».

(5) جاء في تاريخ الخميس: 2/317 إن أسم أم البنين:«وايسي» راجع العباس للمقرم:125.

(104)

 

       وأم ثمامة: هي عمرة (عامرة) بنت الطفيل بن مالك الأخرم بن جعفر ابن كلاب بن ربيعة بن عامر.

       وأم عمرة: هي كبشة بنت عروة الرحال (بن عتبة) بن جعفر بن كلاب ابن ربيعة بن عامر.

       إذا فأم البنين كلابية عامرية من هوازن من الآباء والأمهات، وللتمييز بين قبيلتها وقبيلة لبيد الشاعر اللذين ينتميان إلى جد اواحد تلقب هي بالوحيدية نسبة الى جدها عامر الوحيد، ويلقب لبيد وقومه بالجعفري نسبة إلى جدهم جعفر بن كلاب وذلك لوجود من هو سمي لأبيها وجدها(1).

       واشتهرت فاطمة بنت حرام بكنيتها أم البنين ـ كما أشرنا سابقاً ـ لأنها أنجبت للإمام علي عليه السلام أربعة من الأبناء، وسنأتي على بعض التفاصيل عن كنيتها.

       وكان زواجها من علي عليه السلام على الأشهر بعد أمامة بنت أبي العاص التي كانت فاطمة الزهراء عليها السلام قد أوصت علياً عليه السلام بالزواج منها لترعى شؤون أولدها: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم عليهم السلام، وهذا أحد القولين في زواجها، حيث هناك من يقول بأن زواج علي منها كان أولاً(2)، ولكننا نستبعد أن يخالف علي وصيتها، فلذلك نرجح أنه تزوج بأمامة أولاً ثم بأم البنين ثانياً، ولا نرى تعارضاً بين القولين: إذ الذين ذهبوا الى أن زواج علي من أمي البنين كانوا أولاً استندوا الى ما ورد في كلام بعض المؤرخين أنه تزوجها بعد فاطمة عليها السلام، ومن المعلوم أن البعدية بتصدق على زواجه من أمامة ثم أم البنين، بالأخص إذا لم يفصل بين الزواجين فترة طويلة، وليس في ذلك تضاريب بين القولين، وربما أرادوا بذلك مجرد بيان أن الزواج لم يقع في عهد فاطمة عليها السلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهناك من يسمى من قبيلة لبيد بـ «حرام» وهو ابن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري.

(2) راجع العباس للمقرك 132 عن تاريخ الطبري:6/89، الكامل لابن الأثير: 3/158، تاريخ أبي الفداء:1/181.

(105)

 

ما نقله ابن شهر آشوب بأن زواج علي من أمامة كان بعد تسعة أيام من وافاة فاطمة(1).

       ويعود زواج علي عليه السلام بهذه السرعة من أمامة هو حاجة الأولاد إلى من يقوم بشؤونهم ومن هنا جاءت وصية فاطمة عليه السلام.

       وأما زواجه من أم البنين فله بعد آخر حيث نقل الداودي(2) في عمدة الطالب: روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأخيه عقيل رضي الله عنه، وكان نسابة، عالماً العرب وأخبارهم: أنظر لي امراة قد ولدتها الفحولة من العرب لاتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً.

       فقال له: تزوج أم البنين الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها، فتزوجها(3) الإمام.

       والكل أجمع على أن آباءها كانوا من الفرسان الشجعان، يضرب بهم المثل في البسالة والشجاعة.

       ويظهر من بعض أقوال المؤرخين أنا الغرض من الزواج والإنجاب كان إدخار الأبناء ليوم معركة الطف، حيث سألة عقيل: يأ أخي ما تصنع بها؟

       قال: أرجو أن أتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً ينصر ولدي الحسين بطف كربلاء، فأشار عقيل عليه بأن يتزوج أم البنين(4).

       وأما أبوها حرام بن ربيعة الوحيدي فكان يكنى بأبي المجل(5) وكان ممن أدرك الرسول ص(6) وقد أورده أبن حجر العسقلاني في القسم الثالث من كتابه الإصابة، ومن المعلوم أنه خصص هذا القسم بالمخضرمين الذين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مناقب آل أبي طالب:3/305.

(2) الداودي: هو أحمد بن علي المتوفى سنة 828هـ، وقد مضت ترجمته.

(3) عمدة الطالب: 357.

(4) هامش أعيان النساء: 48.

(5) تاريخ الطبري: 6/89.

(6) الإصابة: 1/375.

(106)

 

أدركوا الجاهلية والإسلام ممن لم يثبت اجتماعه مع الرسول ص، ولا رآه، ويبدو أنه أسلم في حياة الرسول ص، إلا أنه لم يرد المدينة الابعد وفاته، وكانت مضارب قبائل بني عامر على أطراف المدينة حيث ينقل كحالة: بأن ديارهم كانت حمة الربذة(1) في جهات المدينة المنورة وفدك(2) والعوالي(3)، ثم انتقلوا إلى الشام، وكان لهم في الجزيرة(4) صيت(5).

       وأما عم عمرها فما يمكن فهمه من نقل الؤرخين لزواجها من علي عليه السلام أنه كان في السنة التي فيها توفيت فاطمة الزهراء عليها السلام وبعد الزواج من أمامة- كما سبقت الإشارة إلى ذلك- ويضم ذلك الى كون مضاربهم كانت على أطراف المدينة ربما يفهم أن سبب نزوح أبيها حرام إلى المدينة هو مصاهرته لعلي عليه السلام حيث خطبها عقيل حسب الظاهر من أبيها وهم في مضاربهم ويروى أن عقيلاً جاء إلى أبيها حرام وقال له: جئتك بشرف الدنيا والآخرة.

       قال حرام: وما ذلك يا عقيل؟

       قال عقيل: جئت خاطباً ابنتك لاخي علي بن أبي طالب، وقد أحب مصاهرتك لعلو نسبك وشرفك.

       قال حرم: لا ينال هذا إلا ذو حظ عظيم، ولكن أمهلني حتى أشاور أمها.

       فبقي عقيل ينتظر الجواب، ودخل حرام على زوجته فسمع ابنته تقص رؤياً على أمها قد رأتها في المنام، تقول لها: إني رأيت كان القمر قد

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الربذة: بفتحتين، من قرى المدينة تقع على ثلاثة أميال منها وهي في طريق مكة، إليها أبعد أبو ذر الغفاري رضوان الله عليه، وفيها توفي ودفن.

(2) فدك: قرية كانت على بعد من المدينة مقدار سير يومين وفيها واحة زراعية اشتهرت قديماً بتمرها وقمحها، صالح الرسول ص أهلها عام 7هـ.

(3) العوالي: بالفتح، ضيعة تابعة للمدينة، تبعد عنها أربعة أميال، وليست العوالي المدينة البحرانية المعروفة بشركات النفط فيها.

(4) الجزيرة: منطقة تقع في شمال سوريا بين نهري دجلة والفرات، والتي من هنا جاءت التسمية، منها انطلق الحمدانيون لتأسيس دولتهم.

(5) معجم قبائل العرب: 3/989.

(107)

 

انقض من السماء ووقع في حجري ومه ثلاثة كواكب فما تأويل رؤياي؟

       سمعها أبوها فأجابها على الفور: إبنتي أبشري سوف يتزوجكي رجل كريم ترزقين منه أربعة أولاد يسمى أحدهم قمر العشيرة(1).

       ثم أخبر أمها بالأمر فقبلت(2).

       وبما أن ولادة ابنها بكر العباس عليه السلام كانت في الرابع من شعبان عام 26هـ(3)، وزواجها كان بعد زواج أمامة والذي جرى في 12/6/11هـ أي بعد تسعة أيام من وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام(4)، كما كانت وفاتها على الظاهر عام 61هـ حيث انقطع خبرها بعد شهادة الإمام  الحسين عليه السلام بفترة وجيزة، وقد ماتت كمداً على شهداء الطف، ولعلها توفيت في آخر عام 61هـ أو أول عام 62هـ لما وصلنا من أن السيدة زينب عليها السلام- كما سيأتي ـ كانت تزورها أيام العيد، وأول الأعياد بعد معركة الطف الحزينة كان عيد الفطر عام 61هـ ثم يعد الأضحى عام 61هـ، والله العالم(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاءت الرواية في كتاب أم البنين سيدة نساء العرب: 39بالشكل التالي: «رأيت كان قمر السماء وثلاثة كواكب معه قد صاروا في حجري فضممتهم إل صدري، وأنا فرحة مسرورة وانتبهت من نومي فلم أجدهم وحزنت على فقدهم» فذهبت الأم الى من يعبر لها رؤيا ابنتها، فقال لها: تتزوج من رجل عظيم تنجب له أربعة بنين، أكبرهم يكون بينهم وبين عشيرته كالقمر بين الكواكب والنجوم.

(2) هامش أعيان النساء:49.

(3) راجع أم البنين سيدة نساء العرب:9عن تاريخ ابن الأثير والمجدي والأنوار النعمانية وأنيس الشيعة، فإنهم ذهبوا إلى أنه ولد عام 26هـ، ولكن ستأتي في ترجمته أنه ولد عام 18هـ.

(4) ويمكن أن تؤكد بأن زواجها كان قبل الزواج من خولة بنت جعفر الحنفية لعدد من النصوص التي تصرح بأن زاجها كان الأول بعد فاطم عليها السلام ولكن لا عتبارات فنية ذكرنا أن زواج أمامة كان مقدماً على زواجها ولكن لا دليل لنا أن يؤجل زواجها إلى بعد الزواج من خلة فلذلك نرجع ونؤكد أن زواجها كان قبل شهر ذي الحجة من عام 11هـ وبعد شهر جمادى الثانية عام 11هـ.

(5) لقد نقل السويج في كتابه أم البنين سيدة نساء العرب: 84 عن كتاب كنز المطالب 87للسيد محمد باقر القراباغي الهمداني الذي يعود تاريخه الى عام 1221هـ لدى الحديث عن فاطمة عليها السلام وحديث الكساء: «وقد خلفتها في تربية الحسنين عليهما السلام أمامة بنت أختها ثم فاطمة أم البنين الكلابية، وقد توفيت بعد مقتل الحسين عليه السلام ودفنت في البقيع بالقرب من فاطمة الزهراء عليها السلام، ففي الأختيارات عن الأعمش=

(108)

 

       وهناك من ذكر بأنها توفيت عام 64هـ وذلك في الثالث عشرمن شهر جمادى الثانية(1)، ولكن انقطاع خبرها لا يؤكد ذلك.

       ومن كل ما قدمناه ربما نستقر على أنها كانت عند زواجها في سن يؤهلها للزواج، وما تأخير الحمل إلى أواخر عام 25هـ إلا لعوامل طبيعية منها صغر سنها والذي هو الأبرز من بقية الأسباب، فلعلها كانت لدى الزواج في سن من تحيض وعليه فلا بد أن تكون ولادتها قبل الهجرة بأكثرمن أربع سنوات(2).

       وعلى أي حال فإنها أنجبت أربعة أشبال للإمام أمير المؤمنين عليه السلام هم العباس (الأكبر) عام 26هـ وجعفر (الأكبر) عام 31هـ، وعبد الله(الأكبر) عام 35هـ، وعثمان عام 39هـ، وربما يتبادر إلى الذهن أنها كنيت بأم البنين لأنها أنجبت أربعة من الأبناء، وعلى هذا الاحتمال لابد أن تكون قد أنجبت ثلاثاً من الأبناء حتى صح تكنيتها بأم البنين وذلك عام 35هـ، أو على أنها كنيت بأم البنين قبل ذلك حيث ورد في تعريف عقيل لها بأم البنين عندما طرح لعلي عليه السلام الزواج منها، مما يفهم أنها كانت تكنى بأم البنين، إلا إذا قيل بأن رواية عقيل كانت بعد الإنجاب فذكرها بكنيتها التي نالتها بعد الإنجاب، ويحتمل أتها كنيت منذ أن رأت تلك الرؤيا فكان أهلها على علم بأنها ستلد أربعة من الأبناء.

       ولا يخفى أن من جداتها من طرف أمها من كنيت بام البنين والتي تشترك هي ولبيد الشاعر في أنها جدته من أبيه وهي جدتها من أمه حيث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= قال: دخلت على الإمام زين العابدين عليه السلام في الثالث عشر من جمادى الثانية وكان يوم جمعة فدخل الفضل بن العباس عليه السلام وهو باك حزين وهو يقول: لقد ماتت جدتي أم البنين».

(1) جاء في كتاب أم البنين سيدة نساء العرب: 85عن هامش كتاب وقائع الشهور والأيام للبيرجندي: 107:«وفي الثالث عشر من جمادى الثانية توفيت أم البنين الكلابية سنة 64هـ عن الأعمش.

(2) وعلى ما ذكرناه فما احتمله مؤلف كتاب أم البنين سيدة نساء العرب:10بأنها ولدت بعد الهجرة بخمس سنين لا يناسب.

(109)

يقول لبيد(1) بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب مخاطباً النعمان بن المنذر(2) من الرجز:

يا واهب الخير الجزيل من سعة

نحن بنو أم البنين الأربـــــــــعة(3)

       حيث درجت تكنية أم جعفر زوجة ملك بن كلاب بأم البنين لأنها أنجبت ملاعب الأسنة وربيعة عبيدة ومعاوية(4)، فالذي نستخلصه أنها ربما كنيت بذلك وهي في بيت أهلها، وهناك من يذكر بأنه عندما دخلت بيت علي عليه السلام طلبت منه أن لا يناديها باسمها لكي لايتأذى الحسن والحسين عليه السلام(5)، وربما لبى الإمام طلبها فكناها بأم البنين أو نادها بكنيتها التي كانت بالأساس دراجة وهي في بيت أبيها.

       ومما يذكر عن حياتها أنها لم تخرج إلى أحد قبل علي عليه السلام(6) فقد وردت بيته بكراً، وربما كانت في أول قطفها، ولم تخرج إلى غيره بعدها(7) حيث أبت أن تشارك غير حياتها، بل عكفت على خدمة أولاد فاطمة عليها السلام، ويذكر أنها لما دخلت على علي عليه السلام كان الحسنان مريضين فأخذت تسهر معهما، وتقابلهما بالبشاشة ولطيف الكلام كالأم الحنون(8)،

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) لبيد: أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية، من أهل عالية نجد، أدرك الإسلام، ووفد على النبي ص وهو أحد أصحاب المعلقات السبع، سكن الكوفة وتوفي عام 41هـ.

(2) النعمان بن المنذر: هو النعمان الثالث بن المنذر الرابع بن امرىء القيس اللخمي المتوفى نحو 15ق.هـ، يكنى بأبي قابوس، من أشهر ملوك الحيرة في الجاهلية، أخباره كثيرة.

(3) كتاب العباس للمقرم: 130 ع شواهد المفني للسيوطي: 68 وجمهرة الأمثال للعسكري: 175.

(4) العباس للمقرم:130.

(5) معالم مكة والمدينة: 440، وذلك لأن اسمها فاطمة فإذا ما ناداها بذلك تذكروا أمهم وحزنوا عليها.

(6) سر السلسلة العلوية: 114.

(7) سر السلسلة العلوية: 114.

(8) راجع أدب الطف: 1/73.

(110)

 

 ولعلها تأخرت في الإنجاب تعمداً ليمكنها من خدمة أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام، ولوصح لابد وأن يكون برضى عليا عليه السلام.

       وكانت أم البنين من أهل الفضل والمعرفة ذات إيمان راسخ وصاحبة أدب ووفاء، متكلمة شاعرة رثت أبناءها وشهداء الطف بأبيات تنسب إليها، وقد وصلتنا مقطوعتان تقول في أولهما من مجزوء الرجز:

يا من رأى العباس كر           على جماهير النقد(1)

              وتقول في ثانيها من الرجز التام:

لا تدعوني ويك أم البنين        تذكريني بليوث العرين(2)

       ويذكر في وفائها أن بشراً كلما نعى أليها بعد وروده الى المدينة أحداً من أولادها الأربعة قالت- ما معناه- أخبرني عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام فلما نعى أليها الحسين عليه السلام قالت: قد قطعت نياط قلبي، أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبدالله الحسين(3) ويذكر أن السيدة زينب عليها السلام بعدما رجعت الى المدينة قامت بزيارتها لتعزيها بأولادها الأربعة، كما كانت تزورها أيام العيد(4).

       ويروى أنها كانت تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها فيجتمعون إليها يسمعون منها(5)، وكانت بذلك تؤلب الجماهير على الأمويين، ولم تكتف بذلك بل كانت تحمل عبيد الله بن العباس معها(6) لتثير الناس على قاتلي آل الرسول ص وأنصارهم، وكانت تقيم العزاء على الحسين ويجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين وأهل بيته، وعندما

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ديوان القرن الأول: 1/151 عن أعيان الشيعة: 8/389.

(2) راجع ديوان القرن الأول: 2/163 عن منتهى الآمال:1/709.

(3) تنقيح المقال: 3/70.

(4) العباس للمقرم: 133 عن مجموعة الشهيد الأول، وهذا يعد تراجعاً من المقرم عما أورده في كتابه مقتل الحسين: 336 عن التشكيك في حياتها بعد معركة الطف.

(5) مقاتل الطالبين:90.

(6) إبصار العين: 31.

(111)

 

 التفتت بأم سلمة بكت أم سلمة وقالت: فعلوها ملأ الله قبورهم ناراً(1) وظلت على هذا الحال إلى أن ماتت كمداً في المدينة، ودفنت في البقيع(2)، وقبرها في جوار عمات النبي ص على يسار الداخل إلى البقيع(3).

       وسنأتي على بعض مآثرها لدى ترجمة أبنائها الأربعة في هذا الباب كما سنترجمها في معجم الشعراء أيضاً، وقد ذكرناها في تاريخ المراقد بالمناسبة، وذكرنا بأنها لم تحضر كربلاء بل ظلت في المدينة عند زوجة ابنها العباس وأبنائه.

       وسنأتي أيضاً على اختيار عام 18هـ سنة ولادة العباس عليه السلام.

       وأما بالنسبة إلى تاريخ وفاتها فقد ورد في كتاب أم البنين رمز التضحية والفداء(4) نقلاً عن كنز المطالب(5) عن كتاب الاختيارات(6) روي عن الأعمش أنه قال: كنت عند الإمام علي بن الحسين عليه السلام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر جمادى الثانية ـ بالمدينة ـ إذ دخل عليه الفضل ابن العباس باكياً وقال: «توفيت جدتي أم البنين، انظروا الى هذا الدنيا الغادرة لقد أدخلت الحزن على أهل الكسائ في شهر واحد مرتين»(7).

       وقد ورد في كتاب وقائع الشهور والأيام(8) أن أم البنين توفيت يوم

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أدب الطف:1/74 عن رياض الأحزان.

(2) يقع مرقدها على الزاوية الشمالية الغربية أي على يسار الداخل إلى البقيع في آخر القبور تقريباً على مقربة من الشباك الشرقي المحيط بالمقبرة.

(3) معالم مكة والمدينة: 440.

(4) أم البنين رمز التضحية والفداء تأليف محمد رضا عبد الأمير الأنصاري، وترجمة إلى الفارسية الأستاذ موسى دانش تحت عنوان أم ابنين نماد أزخود گذشتكي.

(5) كنز المطلب: تأليف السيد محمد باقر قره باغي الهمداني، ليس له ذكر في الذريعة، ولكن جاء في المصدر أن النسخة التي نقل عنها كتبت في سنة 1321هـ.

(6) الاختيارات: هناك عدد من المصنفات بهذا العنوان وكلها جاءت مضافة، وقد ذكرها الطهراني في الذريعة، ولكن لم نجد فيها ما يناسب هذا الموضوع هنا.

(7) راجع أم البنين نماد أزخود گذشتكي: 33.

(8) وقائع الأيام: جاء في المصدر أنه للبير جندي، حيث لم نجد له ذكر في الذريعة وغيرها.

(112)

 

13 جمادى الثانية سنة 64هـ معتمداً على رواية(1) الأعمش(2).

       ومن الجدير ذكره أن يوم الجمعة يطابق حسب مراجعة التطبيقات مع يوم الثالث عشر من شهر جمادى الثانية من سنة 64هـ، وبمعنى آخر لانجد ما ينافي هذا الاختيار، ربما إننا كالغريق نتثبت بكل حشيش ما لم ينف بنص آخر أو ينقض بأمر آخر.

       ومما يذكر من سيرة أم البنين: أن إلامام أميرالمؤمنين عليه السلام كان جالساً في المسجد(3) وحوله الحسن والحسين والعباس، إذ عطش الحسين عليه السلام فقام العباس وهو صبي صغير وجاء إلى أم البنين فقال لها أماه إن أخي الحسين عطشان فقامت فاطمة أم البنين وملأت له الركوة ووضعتها على كتفيه جتى جاء بها الى الحسين، فلما رآه أمير المؤمنين عليه السلام صاح ولدي عباس أنت ساقي عطاشى كربلاء فسمي عند ذلك بالسقاء(4).

       ويذكر أن أبا الفضل العباس أخذ علماً جماً في أوئل عمره عن أبيه (علي) وأمه (ام البنين)(5).

       كما يذكر أن أم البنين رأت أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الأيام أجلس أبا الفضل عليه السلام على فخذه وشمر عن ساعديه وقبلهما وبكى فأدهشه الحال لأنها لم تكن تعهد صبياً بتلك الشمائل العلوية ينظر إليه أبوه ويبكي من دون

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع أم البنين نماد ازخودگذشتكي: 34.

(2) الأعمش: هو سلمان بن مهران الكوفي، ولد في الكوفة ونشأ فيها، وكان والده مهران ممن شهد قتل الحسين عليه السلام في كربلاء، وكان أصله من نهاوند، توفي سليمان سنة 147هـ، وكان من خواص الإمام الصادق عليه السلام.

(3) المسجد: الظاهر أنه أريد به مسجد الرسول في المدينة حيث يقول عن العباس وهو صبي صغير.

(4) ثمرات الأعواد: 1/166 ولم يوثقه إلا أن المؤلف من المحققين.

(5) كذا ورد في أم البنين سيدة نساء العرب: 51نقلاً عن معالي السبطين: 1/31عن كنز المصائب، إلا أننا لم نعثر على ذلك في المصدر، وذكر بأن الداودي وصف أم البنين بالعالمة في كتابه عمدة الطالب، الإ أننا لم نعثر على ذلك.

(113)

 

سبب ظاهر ولما أوقفها أمير المؤمنين على غامض القضاء وما يجري على يديه من القطع في نصرة الحسين عليه السلام بكت وأعولت وشاركها من افي الدار في ازفرة والحسرة غير أن سيد الأوصياءبشرها بمكانة ولدها العزيز عند الله جل شأنه وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب، فقامت تحمل بشرى الأبد والسعادة الخالدة(1).

       بقي هنا أمران نختم بهما حديثنا عن حرم أمير المؤمنين عليه السلام وأم شباله الأربعة:

       الأول: هل هي رافقت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة بعد أن بدأت القلائل في مدينة البصرة أم لا؟

       فالذي لاشك ولا ريب فيه أنها سكنت الكوفة حيث أنجبت شبلها الرابع عثمان فيها، وذلك عام 39هـ، ولكن هل خرجت مع علي عليه السلام في يوم الاثنين 30/3/36هـ(2) (26/9/656م)، أو أنها التحقت به حين وصل الكوفى بعد حرب الجمل يوم الأثنين 12/7/36هـ (26/12/656م) فالظاهر أنها وصلت إلى الكوفة بعد وصول ليث العرين إلى الكوفى واستقر بها لتكون عاصمة الدولة الإسلامية، ومن المفروض أن بيتها كان على مقربة من مسجد الكوفى.

       الثاني: حول مدفنها وتجهيزها، وفي الحقيقة أن كتب التاريخ التي وصلتنا لحد الآن لم نكتب شيئاً عن ذلك، ولكن بعدما تبينلنا أنها بقيت على قيد الحياة إلى ما بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام وسائر أهل بيته الطاهرين وأنصاره الكرام في الطف، وأنها لازمت بيتها وبقيع الغرقد ترثي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا ورد في كتاب العباس للمقرم:138 عن كتاب قمر بني هاشم: 21، ولكن الواضح من العبارة أنها صياغة جديدة وربما نقلت بالمعنى، وبما أن المقرم من المحققين فقد أوردنا المعلومة اعتماداً عليه.

(2) جاء في تذكرة الخواص: 68 أنه ترك المدينة إلى العراق في آخر شهر ربيع الأول من سنة 36هـ.

(114)

 

قتلى الطف، فلا شك لدينا بأن الذي أشرف على تجهزيها هو الإمام السجاد عليه السلام عبر ثلة من الهاشميات والمواليات. وكان من المتعارف ان يكون الدفن في مقبرة بقيع الغرقد، وقد ذكربأنه دفنت في جوار قبر عمات النبي ص على يسار الداخل إلى البقيع(1).

       وفي يومنا هذا هناك قبر ينسب الى سيدة بني كلاب أم البنين ويقع على يسار الداخل الى البقيع أي في شمال غربي البقيع على مقربة من الحائط الشرقي للبقيع في محوطة تعرف بقبر صفية عاتكة(2) ابنتي عبد المطلب عمتي الرسول ص.

       ويذكر أي حال فأن في هذه البقعة كانت خارجة عن البقيع ثم إن السلطات المحلية عام 1373هـ أضافتها إلى البقيع وكانت تعرف ببقيع العمات(3).

       وعلى أي حال فإن في هذه البقعة ثلاثة قبور أحدها عرف باسم صفية والآخر باسم عاتكة والثالث باسم أم البني رضوان الله تعالى عليهن، والمؤمنون يقومون بزيارتها في هذا المكان وذلك بتحديد أن الأولى من جهة الجنوب صفية والتي في الوسط عاتكة والتي الى جهة الشمال أم البنين والله العالم.

       وأخيراً فإذا صح القول بأنها كانت تندب قتلى الطف في البقيع فإنها تأست بسيدتها فاطمة الزهراء سلام الله عليها حيث كانت تندب أباها في بيت الأحزان في البقيع، ولعلها هي الأخرى أتخذت من ذكل المكان محلاً للحزن والله العالم بحقائق الأمور.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معالم مكة والمدينة بين الماضي والحاضر:440.

(2) وهناك من يقول أخها جمانة هي المدفونة هناـ راجع معالم مكة والمدينة: 440.

(3) بقيع الغرقد: 85ــ 86.

(115)

116

(116)

 

 

4

خولة بنت جعفر الحنفية

نحو عام 9ق- هـ ـ نحو عام 19هـ

نحو 613ــ نحو 640م

 

       هي: خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبد الله بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدئل بن حنفية بن لجيم(1) بن مصعب بن علي بن بكر ابن وائل(2).

       وأمها: ابنة عمرو بن أرقم(3) بن عبدالله بن إياس بن جعفرالحنفي(4).

       فهي إذاً وائلية نسبة الى جدها الثلاث عشر، وحنفية نسبة الى جدها الثامن، كما أنها حنيفة لانها من بني حنيفة.

       وعن كيفية وصولها إلى بيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثة أقوال، أشرها أنها سبية من سبايا بني حنيفة على يد خالد بن الوليد أيام أبي بكر، وعليه موطنهم كان في اليمامة، حيث يقول كحالة(5):

ـــــــــــــــــــــــ

(1) عمدة الطالب: 352، أنساب الاشراف: 2/200 وفيه:«بالجيم».

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/244.

(3) عمدة الطالب: 353.

(4) سر السلسلة العلوية: 107.

(5) كحالة: هو عمر بن رضا الدمشقي (1323ـ 1397هـ) ولد في دمشق وتوفي فيها، رحل إلى أفريقيا الغربية البريطانية بعد أن زار الكثير من الدول الافريقية والأوروبية إلى أن استقر بسيراليون، ثم عاد إلى دمشق وتولى إدارة دار الكتب الظاهرية في دمشق، له من المؤلفات: أعلام النساء، معجم المؤلفين، الأدب العربي في الجاهلية والإسلام.

(117)

 

حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار(العدنانية) كانت تقطن اليمامة، ثم تفرقت في كثير من البلدان(1).

       ويقول ياقوت الحموي: يمامة معدورة من نجد وقاعدتهم حجر، وكانت تسمى قديماً جواً فسميت باليمامة باسم بنت سهم بن طسم، كما كانت تسمى بالعروض، وكان فيها منازل عاد الأولى والاحقاف(2)، وهي اليوم تقع بين القصيم والهفوف من جهة، وبين الدنان والغيد من جهة أخرى(3).

       ويذكر المؤرخون أن أبا بكر(4) لما تولى الأمر بعد الرسول ص لم تطاوعه الكثير من القبائل وكان منها بنو حنيفة في اليمانة، وكان مالك بن نويرة(5) يتولى رئاسة أحياء اليمامة(6)، وكان مالك بن نويرة عندما علم بخبر وفاة الرسول ص جاء الى المدينة ليبايع علي عليه السلام ولكنه وجد أن البيعة قد تمت لأبي بكر، فاعترض على ذلك في قصة طويلة ليس هنا مكانها(7) وقد عقد أبو بكر بعد ذلك لواء لخالد بن الوليد يضم أربعين ألفاً من المقاتلين لياخذ منهم البيعة واعتبرها ردة عن الإسلام، وتوجه خالد إلى ديارهم في شهر ذي القعدة من العام 11هـ، ووصلها في ذيالحجة، وذكل لأن بعض المعاصرين حددها بآخر سنة 11هـ،  بداية عام 633هـ(3)، ومن المعلوم أن

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم القبائل العربية: 1/312.

(2) معجم البلدان:5/442.

(3) أطلس تاريخ الأسلام: 54.

(4) أبو بكر: هو عبد الله بن عثمان التيمي (51ق- هـ ـ 13هـ) أول من تولى الحكم بعد الرسول ص في دولة الراشدين، تولى الحكم عم 11هـ، وترجمته معروفة.

(5) مالك بن نويرة: هو حفيد بن شداد اليربوعي، فارس شاعر، من أردان الملوك في الجاهلية يقال له «فارس ذي الخمار» حيث إن ذا الخمار فرسه، أدر ك الأسلام وأسمل وولاء رسول الله صدقات قومه بني يربوع، وقتله خالد بن الوليد شر قتلة وظلماً وارتكب العديد من الفجور في حقه وقومه وزوجته.

(6) أعيان النساء: 118.

(7) راجع الغدير: 7/158، الفضائل لابن شاذان: 75.

(8) كتاب «أبو بكر الصديق» لمحمد رضا: 78.

(118)

 

بداية عام 633م تطابق يوم الجمعة 13/شوال/ 11هـ، وبما أن خالد بن الوليد كان في شهر محرم في اليمامة حيث كتب إليه أبو بكر في محرم بأن يتوجه من هناك إلى العراق لفتح الحيرة(1) يفهم أن المعركة وقعت في شهر ذي الحجة.

       وكان من أمر خالد بن الوليد أنه قتل من بني حنيفة سبعة آلاف بالعقرباء(2)، ومثلها في الحديقة(3)، وكذلك في الطلب(4) فبلاغ مجموع من قتل أحدى وعشرين ألف نسمة، حتى تمكن من أخذ البيعة لأبي بكر، وعزم على أن يتزوج ابنة مجاعة(5)، كما فعل بأم تميم ليلى زوجة مالك بن نويرة مما أثار حفيظة المسلمين، فوصل الخبر لأبي بكر فعنفة وكتب إليه:« لعمري يا بن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد»(6).

       فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول: «هذا عمل الأعيسر يعني عمر ابن الخطاب»(7).

       واعتلى أصوات الصحابة مطالبيين بإجراء الحد على خالد بن الوليد وكان من بينهم عمر بن الخطاب الذي لم يسكت طيلة أيام أبي بكر، ولما تولى الأمر عزل خالد بن الوليد.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع التوفيقات الإلهامية: 1/44.

(2) العقرباء: بفتح العين والراء بينهما سكون منزل من أرض اليمامة في طريق النباج.

(3) الحديقة: بالتفح ثم الكسر، اسم لبستان كان بقنا حجر من أرض اليمامة، وقد قتل فيها مسيلمة الكذاب ولذلك سمت بحديقة الموت، وأما الحديقة بضم ثم فتح، موضع في قلة الحزن من ديار بني يربوع.

(4) الطلب: موقع قريب من الحديقة.

(5) مجاعة: هو ابن مرارة بن سلمى الحنفي المتوفى في حدود عام 45هـ من يمامة الصحاب، كان بليغاً حكيماً من رؤساء قومه في اليمامة، أقطعه الرسول ص أرضاً بها، وكان شاعراً، وفي شهر حكمة.

(6) هذا من كان من المقتولين في موقع كان فيه خالد بن الوليد ـ راجع كتاب «أبو بكر الصديق».

(7) كتاب«أبو بكر الصديق» لمحمد رضا:88.

(119)

 

       وما يرتبط بموضوعنا أن خولة بنت جعفر كانت من جملة النساء اللاتي سباهن خالد بن الوليد فلما وصلت المدينة اشتراها علي «عليه السلام» ومن سوق ذي المجاز(1) وفك أسرها، حيث كان على علم بأسباب القتال وأراد إنقاذها مما وقع عليا وعلى قبيلتها من الجور(2)، وسنأتي على ما يرتبط  بهذا الأمر عما قريب.

       وذكر البلاذري: بأن قومها قدموا إلى علي «عليه السلام» فاخبروه بموضعها منهم فأعتقها ومهرها وتزوجها(3)، ولا ينتقض هذا بما قيل بأن شراء علي «عليه السلام» لها يعد اعترفاً منه بالسبي والقتال، رغم أنهم لم يخرجوا عن ربقة الإسلام، لأنه  إنما فعل هذا ليفديها وينقذها، ولذلك لم يطأها كأمة بل اعتقها وتزوجها، كما أنه كان من جملة المعترضين على فعلة خالد ومن وراءه(4)، وسنأتي على بعض التفاصيل.

       وهناك من يروي بأن بني أسد بن خزيمة أغاروا على بني حنفية فسبوا خولة، ثم قدموا بها المدينة في أول خلافة أبي بكر فباعوها من علي(5)، وأضاف: بأن الذي اشتراها أولاً هو أسامة بن زيد بن حارثة، ثم باعها من أمير المؤمنين«عليه السلام».

       وآخرون قالوا: بأن الرسول (ص) لما أرسل علياً «عليه السلام» إلى اليمن في رمضان عام 10هـ أصاب خولة من بني زبيد، وكانوا قد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم فصارت من سهم علي «عليه السلام»(7) وأضاف  البعض: بأن عندما رجع من اليمن وهبها لفاطمة الزهراء «عليه السلام»، وهي باعتها من مكمل الغفاري

______________
(1) عمدة الطالب: 353.

(2) راجع تنقيح المقال: 3/111.

(3) أنساب الأشراف: 2/201.

(4) راجع بطل العلقمي: 3/516.

(5) أنساب الأشراف: 2/201.

(6) عمدة الطالب: 353.

(7) أنساب الأشراف: 1/200.

(120)

 

فولدت له عونة بنت مكمل(1)

       وهاتان الروايتان لم يعمل بهما جل الأصحاب، وقد قال الداودي بعد نقل الأقوال الثلاثة: الأولى هي الأشهر(2).

       وفي الحقيقة فإنها جاءت تلك لتلميع صورة خالد بن الوليد، والإ فإن غارة بني أسد لم تكن شرعية لتباع سباياها، وكيف تقع في عهد أبي بكر إلا إذا قيل بانفلات الأمور، ومع هذا فكان بإمكانه منع بيع السبايا، وأما أن تكون ممن سباهن عمرو بن معدي كرب من بني حنيفة فإن ذلك وقع في عهد الرسول ص كردة فعل له، وقام علي عليه السلام بأمر الرسول ص لتأديبه، واسترد ما سباه، والقواعد الشرعية تحكم عليه بإرجاع السبايا لأنهم غير شرعيين وهم مسلمون، ولا يحق بيعهم، والتاريخ أيضاً لايساعد هذا القول.

       ويؤيد الرواية المشهورة بل يوضح معالمها ما رواه جابر بن عبدالله الانصاري وهو بمحضر الإمام الباقر عليه السلام، وكان ذلك أن رجلين سألا الباقر عليه السلام عن التناقض في موقف علي عليه السلام، حيث كان ينكر فعلة خالد من جهة، واشترى ما سباه، فطلب الباقر عليه السلام من جابرأن يوضح الأمر للرجلين.

       فقال جابر: إني كنت جالساً إلى جانب أبي بكر وقد سبوا بني حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد وبينهم جارية مراهقة، فلما دخلت المسجد.

       قالت: أيها الناس ما فعل محمد ص.

       قالوا: قبض.

       فقالت: هل له بنية تقصد.

       فقالوا: نعم هذه تربته ص.

       فنادت: السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سر السلسلة العلوية: 105.

(2) عمدة الطالب: 353.

(121)

 

أنك عبده ورسوله وأنك تسمع كلامي وتقدر على رد جوابي، وإننا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

       ثم جلست، فوثب طلحة الزبير فطرحا ثوبيهما عليهما.

       فقالت: ما بالكم يا معاشر العرب تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم.

       فقالا لها: لمخالفتكم الله ورسوله حتى قلتم إننا نزكي ولانصلي، أو نصلي فلا نزكي.

       فقالت لهما: والله ما قالها أحد من بني حنيفة: وإنا نضرب صبياننا على الصلاة من التسع، وعلى الصيام من السبع، وإنا لنخرج الزكاة من حيث يبقى في جمادى الآخرة عشرة أيام، ويوصي مريضنا بها لوصيه، والله يا قوم ما نكتنا ولا غيرنا، ولا بدلنا حتى تقتلوا رجالنا وتسبوا حريمنا، فإن كنت يا أبا بكر بحق، فما بال علي لم يكن سبقك علينا، وإن كان راضياً بولايتك فلم لا ترسله إلينا يقبض الزكاة منا ويسلمها إليك، والله ما رضي ولا يرضى، قتلت الرجال، ونهبت الأموال، وقعطت الأرحام، فلا نجتمع معك في الدنيا ولا في الآخرة، افعل ما أنت فاعله.

       فضج الناس: واقال: طلحة الزبير: إنا لغلون في ثمنك.

       فقالت: أقسمت بالله وبمحمد رسول الله أنه لا يملكني ويأخذني إلا من يخبرني بما رأت أمي وهي حامل بي، وأي شيء قالت لي عند ولادتي، وما العلامة التي بيني وبينها؟ وإلا فإن(1)، ولم يخبرني بذلك بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويكوم مطالباً بدمي.

       فقالوا لها: أبدي رؤياك التي رأت أمك وهي حامل بك حتى تبدي لك العبارة(2) بالرؤيا.

       فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا مني وبالعبارة من الرؤيا.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) إن نافية، أي ما ملكني، وربما كانت شرطية وكانت الواو من «ولم» من زيادة النساخ، ليكون كالتالي:«وإلا فإن لم يخبرني».

(2) العبارة: التعبيير.

(122)

 

فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسا، فدخل أمير المؤمنين عليه السلام وقال: ما هذا الرجف(1) في مسجد رسول الله؟

       قالوا: يا علي امراة من بني حنيفة حرمت نفسها على المؤمنين، وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حامل بي وعبرها لي فهو يملكني.

       فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما ادعت باطلاً، أخبروها تملوكها.

       فقالوا: يا أبا الحسن ما فينا من يعلم الغيب، أما علمت أن ابن عمك رسول الله قبض، وأن أخبار السماء انقطعت من بعده.

       فقال أمي المؤمنين عليه السلام: ما ادعت باطلاً، أخبرها أملكها بغير اعتراض؟

       قالوا: نعم.

       فقال عليه السلام: يا حنيفة أخبرك أملكك؟

       فقالت: من أنت أيها المجتري دون أصحابه؟

       فقال عليه السلام: أنا علي بن أبي طالب.

       فقالت: لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله ص صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس.

       فقال: عليه السلام: أنا ذلك الرجل.

       قالت: من أجلك أصبنا، ومن نحوك أوتينا، لأن رجالنا قالوا لا نسلم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلا إلى من نصبه محمد ص فينا وفيكم علماً.

       فقال عليه السلام: إن أجركم غير ضائع وإن الله تعالى يؤتي كل نفس ما أنت من خير.

       ثم قال: يا حنيفة، ألم تحمل بك أمك في زمان قحط منعت السماء قطرها، والأرض نباتها، غارت العيون حتى أن البهائم كانت تريد المرعى.

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرجف: الاضطراب.

(123)

 

فلا تجد، وكانت أمك تقول: إنك حمل مشؤوم في زمان غير مبارك، فلما كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كان وضعتك وأنها تقول إنك حمل مشؤوم، وفي زمان غير مبارك، وكانك تقولين يا أمي لا تطيرين بي فإنا حمل مبارك نشوت نشواً صالحاً، ويملكني سيد، وأرزق منه ولداً يكون لبني حنيفة عزاً.

       فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين فإنه كذلك.

       فقال عليه السلام: إنها لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب فملا كان بعد حولين عرضته عليك فاقررت به، فلما كان ثمان سنين عرضت عليك فاقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح فقالت لك: يا بنية إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، ناهب لأموالكم، سباب لذراريكم، وسبيت فيمن سبي، فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلا من يخبرك بالرؤيا بما في هذا اللوح.

       قالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فأين اللوح؟

       قال عليه السلام: في عقيصتك؟

       فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

ثم قالت: يا معاشر الناس، اشهدوا أني قد جعلت نفسي له عبدة.

فقال عليه السلام: بل قولي زوجة.

فقالت: اشهدوا أني قد زوجت نفسي ـ كما أمرني ـ بعلي عليه السلام.

فقال عليه السلام: قد قبلتك زوجة.

فماج الناس(2).

وهذا الرواية لا تنافي الرواية المشهورة، وربما كان علي عليه السلام دفع ما يوازي أمثالها لإسكات الآخرين مراعياً الوضع السياسي الذي كان يسود المدينة آنذاك، ويكون قد وصل وفد من أهلها إلى المدينة وجرى الحديث بينه وبينهم. بي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العقيصة: ضفيرة الشعر.

(2) الفضائل لابن شاذان.

(124)

 

       وبمقتضى ما قدمناهه فإن وصولها الى المدينة نرجح أن يكون في أواخر ذي الحجة من عام 11هـ، ولا مجال للفل الكثير بين الوصول والشراء والعتق الصوريان، ثم الزواج منها.

       وأما عن أنجابها فقد ذكر المؤرخون والرواة بأن ابنها محمداً (ابن الحنيفة) توفى عام 80هـ(1) أو 81هـ(2) أو 82هـ(3) وذكروا بأن وفاته كانت في شهر محرم(4) أو ريبع الأول(5) وقد اختلفوا في عمره بثلاثة أقوال: ستون، أو خمس وستون، أو سبع وستون(6)، وإذا ما اعتبرنا أن أمور الزواج والحمل والأنجاب جرت بشكل طبيعي وعادي فمعنى ذلك أن الزواج تم في محرم عام 12هـ، وإذا علقت نطفة محمد في الوقت نفسه فالإنجاب يكون في شهر شوال عام 12هـ ويكون في محرم عام 80هـ عمره 67هـ عاماً وثلاثة أشهر، وعليه فترجيح القول بأن وفاته فلا بد من القول بأن نطفته علقت في عام 13هـ على القولبأن وفاته كانت في محرم أو ربيع الأول من عام 81هـ، أو نقول إن نطفته علقت في عام 14أو 15أو 16أو 20أو 21هـ،  على اختلاف الروايات(7).

       إذاً فالقول بأن محمداً (ابن الحنيفة) ولد في شوال عام 12هـ وتوفي في محرم عام 80هـ هو الأولى والمرجح.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما عليه ابن حنبل: راجع تنقيح المقال: 3/112.

(2) راجع أعيان الشيعة: 9/435.

(3) راجع أنساب الأشراف: 2/201.

(4) كما عليه أبو نصر البخاري: سر السلسلة العلوية: 105.

(5) راجع سر السلسلة العلوية: 105هامشه.

(6) راجع هامش عمدة الطالب: 352 وسرالسلسلة العلوية:105.

(7) وذكر المقرم في كتابه العباس: 100أن وفاته كانت عام 81هـ استناداً إلى تذكرة سبط ابن الجوزي وابن كثير في البداية. وأنه توفي عن خمس وستين سنة فاستنتج أن ولادته كانت سنة 16هـ، وجاء في وفيات الأعيان: 4/172 أن ولادته كانت لسنتين بقيتا من خلافة عمر(23هـ) أي في عام 21هـ كانت ولادة محمد ابن الحنفية.

(125)