معجم أنصار الحسين عليه السلام  (الهاشميون) الجزء الاول

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (الهاشميون) الجزء الاول

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

بتصرف الرسول ص قال له عمه أبو طالب: أذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً وأنشاء يقول من ابسط:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم            حتى أوسد في التراب دفينا

فأنفذ لامرك ما عليك مخافة(1)         وأبشر فقد قرت بذاك عيونا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي         ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

وذكرت ديناً لا محالة أنه               من خير أديان البرية دينــــا(2)

       وهكذا آزر أبو طالب محمداً في دعوته، ودافع عنه دفاع المستميت في موارد متفرقة ذكرها المؤرخون، ومما أنشاء في الرسول ص عندما استسقى به أهل مكة من الطويل:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه          كمال اليتامى عصمة الارامل(3)

يطوف به الهلاف من آل هاشم(4)             فهم عنده في نعمـــــة وتفاضل(5)

كذبتم وبيت الله يبزى محمد                   ولما ناصـــــــــــع دونه ونقاتل(6)

ونسلمه حتى نصرع حوله                    ونذهل عن أبنائنا والحلائــــــــل(7)

       ومن هنا فإن أمير المؤمنين عليه السلام قال عن شعر أبي طالب: «تعلموه وعلموا أولادكم فإنه كان على دين الله وفيه علم كثير»(8).

       وكتب في الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم من الطويل:

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداَ             رسولاً كموسى خط في أول الكتب

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في البحار: «اذهب بني فما عليك غضاضة».

(2) بحار الأنوار: 35/124.

(3) جاء في البحار: «ريبع اليتمامى».

(4) في البحار: «تلوذ به الهلاك».

(5) في البحار: «وفواضل».

(6) في نسخة:«ولما نطاعن دونه وتفاضل» كما في ديوان شيخ الأباطح.

(7) بحار الأنوار: 35/75، ديوان شيخ الأباطح: 5، زهرة الأدباء فيشرح لامية شيخ البطحاء:23.

(8) ديوان شيخ الأباطح:1.

(36)

 

 

وأن عليه في العباد محبة               ولا حيف فيمن خصه الله في الحب(1)

              ومن مدحه للرسول ص من الطويل:

لقد أكرم الله النبي محمداً         فأكرم خلق الله في الناس أحمد(2)

وشق له من إسمه بجلالة        فذو العرش محمود وهذا محمد

       وله مرتجزاً في أبنه علياً عليه السلام قبل ولادته في قصة رؤياه  في تزويجه من فاطمة بنت أسد(3):

قد صدقت رؤياك بالتعبير       ولست بالمرتاب في الأمور

أدعوك ب البيت والنذور              دعاء عبد مخلص فقير

فأعطني يا خالقي سروري             بالولد الحلاحل المذكور

يكون للمبعوث كالوزير                 يالهما يا لهما من نور

قد طلعا من هاشم البدور               في فلك غال على البحور(4)

       الى آخر أبياته، قال ابن أبي الحديد(5) بعد نقل أشعاره في الرسول ص: فكل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر لانه إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمد ص، ومجموعها متواتر(6).

       وهناك تصريحات أخرى شعراً ونثراً صدرت عنه لتدل على عقيدته في الرسول ص، أعرضنا عنها خوف الإطالة، ويما استعرضناه كفاية لمن لم يختم الله على قلبه غشاوة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار: 35: 159و 174، وفيه صفحة: 92 هناك أبيات أخرى ضمن المقطوعة.

(2) بحار الأنوار: 35/128.

(3) فاطمة بنت أسد: سنأتي على ترجمتها أنشاء الله تعالى.

(4) مناقب آل أبي طالب: 2/255.

(5) ابن أبي الحديد: هو عبد الحميد بن هبة الله المدائني (586ـ 656هـ) من أعيان المعتزلة ولد في المدائن وسكن بغداد، كان أديباً منشئاً، وشاعراً كاتباً، من مؤلفاته: العبقري الحسان، الفلك الدائر على المثل السائر، نظم فصيح ثعلب.

(6) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 14/78.

(37)

 

       وقال علي بن موسى الرضا عليه السلام في جواب السائل عن اسلام أبي طالب: «إنك أن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار»(1)

       روي عن العباس بن عبد المطلب وأبي بكر بن أبي قحافة: «أن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله»(2)

            وهناك الكثير من الروايات والنصوص التاريخية التي يرويها ابن أبي الحديد في إيمان أبي طالب فليراجع.

       وأما عن موت أبي طالب فروى ابن أبي الحديد: إن أبا طالب لما مات جاء علي عليه السلام إلى رسول الله ص فآذنه بموته، فتوجع عظيماً وحزن شديداً، ثم قال له: أمض فتول غسله فاذا رفعته على سريره فإعلمني، ففعل، فاعترضه رسول الله ص وهو محمول على رؤوس الرجال، فقال: «وصلتك برحم يا عم، وجزيت خيراً، فلقد ربيت وكفلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً،ثم تبعه الى حفرته، فوقف عليه، فقال: أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان»(3).

       ويضيف ابن أبي الحديد: والمسلم لا يجوز أن يتولى غسل الكافر، ولا يجوز للنبي أن يرق للكافر ولا أن يدعو له بخير، ولا أن يعده بالاستغفار والشفاعة، وإنما تولى علي عليها لسلام غسله، لأن طالباً وعقيلاً لم يكونا أسلما بعد، وكان جعفر بالحبشة، ولم تكن صلاة الجنائز شرعت بعد، ولا صلى رسول الله ص على خديجة إنما كان تشييع ورقة ودعاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لقد استوفى الأميني في الغدير: 7/330ـ409 جميع الروايات والنصوص على إسلامه كما أحصى تسعة عشر كتاباً في إيماناً أبي طالب من علماء الفريقين.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/71.

(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/76، وجاء في هامش كتاب إيمان أبي طالب: 298 «ذكر هذا الامر جمع من المؤرخين، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته: 1/105، وابن عساكر كما في أسنى المطالب: 21، والبيهقي في دلائل النبوة كما في الغدير: 7/373، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 10، وفي السيرة الحلبية: 1/373، والبرزنجي كما في أسنى المطالب: 35، وتاريخ ابن كثير 3/125، والاصابة: 4/116، وشرح شواهد المغني: 136، ونهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنفي ما في الطرائف: 86، ودحلان في هامش السيرة الحلبية: 1/90.

(38)

 

       ومات أبو طالب مؤمناً بالإله الواحد وبنبوة محمد ص(1)، وقد مات عن زوجته فاطمة بنت أسد التي كانت من السابقات إلى الأسلام(2) وقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في كتاب جعفر بن أبي طالب للغبان: 64 نقلاً عن أبن أبي الحديد في شرح النهج: 14/81 «إنما لم يظهر أبو طالب الإسلام ويجاهر به لأنه لو أظهره له نصرة النبي ولكان كواحد من المسلمين الذين أتبعوه نحو أبي بكر وعبد الرحمن ابن عوف وغيرهما ممن أسلم وإنما تمكن من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش ».

وفي شرح النهج أيضاً: 14/71 روى العباس بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة: «أن أبا طالب ما مات حتى قال لا إله إلا الله محمد رسول الله».

وذكر أبو الفداء في تاريخه:«إنه لما تقارب من ابي طالب الموت جعل يحرك شفتيه فأصغى إليه أخوه العباس بإذنه ليسمعه فألتفت إلى النبي وقال: يا بن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها: فقال رسول الله: الحمد الله الذي هداك يا عم- راجع أيضاً شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/71. وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى: 1/123«أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب وقال لهم: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما أتبعتم أمره فاتبعوه وأعينوه ترشدوا».

هذا وقد روى ابن عساكر في تاريخه (تاريخ مدينة دمشق) وابن سعد في طبقاته: 1/123 «قال علي بن أبي طالب أخبرت رسول الله ص بموت أبي طالب فبكى وقال: إذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه».

وروى ابن سعد في الطبقات أيضاً: 1/124«عن العباس بن عبد المطلب أنه سأل رسول الله: أترجو لأبي طالب خيراً فقال رسول الله: كل الخير أرجوه له من ربي».

ويقول الجاحظ في رسالته في تفضيل بني هاشم على من سواهم: «وجملة أخرى مما لعلي بن أبي طالب عليه السلام خاصة، الأب ابو طالب والجد عبد المطلب بن هاشم، والأم فاطمة بنت أسد بن هاشم، والزوجة فاطمة بنت رسول الله ص سيدة نساء أهل الجنة، والولد الحسن والحسين سيدأ شباب أهل الجنة، والأخ جعفر الطيار في الجنة، والعم العباس وحمزة سيدا شهداء في الجنة، والعمة صفية بنت عبد المطلب، وابن العم رسول الله صلى عليه اله وسلم....

(2) فلو كان أبو طالب غير مسلم كيف بقيت فاطمة المسلمة في حباله وهذا مما لا يقره الاسلام، فبقاؤها في حبالته لدليل على عدم شركة وكفره، وبذلك ورد عن علي بن الحسين  عليه السلام حين سئل عن هذا، واعجبا إن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/69.

(39)

 

أنجبت له أربعة أشبال هم: طالب وعقيل وجعفر علي(1) وقد أمرهم باتباع الرسول ص قائلاً: إن محمداً لا يدعوكم إلا إلى الخير، وكان يلقب بالسيد المملق.

       وبموته في السابع من رمضان عام 3ق.هـ(2) أنهد أعظم سد أمام مشركي قرشي واعتبر النبي ص ذلك العام عام الحزن لفوت عمه أبي طالب وزوجته العظيمة خديجة(3) ولذلك روي أن جبرئيل نزل على رسول الله ص ليلة مات فيها أبو طالب قائلاً له: أخرج منها فقد مات ناصرك(4).

       مات أبو طالب وله من العمر حوالى 85عاماً، وقيل غير ذلك(5).

 وبدأت قريش تضايق المسلمين والرسول محمد ص، فعزم الرسول ص على الهجرة إلى المدينة بعد أن عانى الكثيرمنهم بعد موت عمه أبي طالب.

       وهنا نود أن نختم الكلام عن أبي طالب بأن أراء الباحثين ذهبت بعيداً جداً في تناقضها، ومن قائل بأنه كان مشركاً بالله سبحانه، ومن قائل أنه كان نبياً مرسلاً من قبل الله سبحانه(6) وكلاهما تطرفاً فيه وحادا عن الجادة الوسطى وهو القول بأنه آمن بالإسلام وبابن عمه الرسول الأكرم ص فلم يكن مشركاً ولم يكن نبياً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي أول هاشمية ولدت من هاشمي ـ راجع أعيان الشيعة: 8/388.

(2) وقيل توفي في النصف من شوال، وقيل في 26رجب.

(3) توفيت السيدة خديجة في العاشر من رمضان أيضاً.

(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/70، وكان النبي ص دخل شعب أبي طالب مع من أسلم معه في ليلة هلال محرم سنة سبع من البعثة النبوية- راجع الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/209، مما يدل على أنه ناصره في كل مراحل حياته.

(5) جاء في الشجرة النبوية: 63أنه ولد قبل الفيل بخمس وعشرين سنة أي عام 78ق.هـ فيكون عمره 75سنة.

(6) راجع كتاب «نبوة أبي طالب عبد مناف عليه السلام» حيث يستدل فيها المؤلف الشيخ مزمل الميثمي المتوفى سنة 1404هـ ببعض الآيات والروايات الواردة من الفريقين على نبوته، وقد عد من جملة أدلته أنه كان متستودعاً للودائع، هذا ولم يحصر النبوة في كتابه هذا بأبي طالب بل شمل مثل عبد المطلب ولؤي ونزار وأمثالهم من آباء الرسول ص وكتابه يقع في 160صفحة بالحجم المتوسط.

(40)

 

 

       وسبحان الله فقد ذهب المتطرفون في نجله أبي تراب إلى مذاهب متعددة فهناك من سبه وأنكر فضله ونصب العداء له، وهناك من عبده گاله وكلا المذهبين تطرف لا يوافق المبادىء الإسلامية والنصوص الصريحة، والقول الوسط هو ماصرح به الرسول ص إنه وصيه وذلك في يوم خم بحجة الوداع (18/12/10هـ).

       وأما بنات أبي طالب فهم:

       1ـ أم هاني بنت أبي طالب: واسمها فاخته(1) تزوجها هبيرة ابن أبي وهب(2) المخزومي وهو الذي هرب الى نجران عند فتح مكة ومات بها مشركاً، وولدت له أربعة بنين(3):

       أـ جعدة بن هبيرة والذي كان عاملاً لعلي عليه السلام على خراسان أيام خلافته، ومن شعره يفتخر بنسبه من البسيط:

أبي من بني مخزوم إن كنت سائلاً           ومن هاشم أمي لخير قبيل(4)

فمن ذا الذي ينأى علي بخاله(5)        كخالي علي ذي الندى وعقيل

       ب- عمر بن هبيرة.

       ت- هاننى بن هبيرة.

       ث- يوسف بن هبيرة.

       وأم هاني كانت من السابقات إلى الأسلام(6) وفي بيتها نزل النبي ص

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشجرة النبوية: 70ويقال لها هند- راجع عيون الأثر: 2/384، والطبقات الكبرى: 1/122.

(2) وقيل هبيرة بن وهب.

(3) الدرجات الرفيعة: 412.

(4) في أسد الغابة: 1/340 «أبي من بني مخزوم» وهو أنسب مع العجز، وجاء في بعض المصادر «أنا من بني مخزوم».

(5) ينأى: يفتخر. حيث ورد في بعض المصادر «يبأى».

(6) هناك من يقول: بأنها أسلمت عند الفتح، ولكن التحقيق أنها أسلمت منذ البعثة النبوية وإنما أخفت إسلامها خوف الناس وأظهرته عندما أظهر الناس – راجع الشهيد مسلم بن عقيل:29.

(41)

 

من المعراج عام 2ق. هـ(1)، وكانت أول من حدثها بأمر الإسراء والمعراج قبل أن يخرج إلى الناس، وصدقت به إلا أنها أخفت ذلك خشية تكذيب قريش بإسراءالرسول ص ومعراجه.

       وأم هاني هي التي صلى الرسول ص في بيتها يوم الفتح وأكل عندها، وكانت قد أجازت بعض أصهارها فأمضى لها رسول الله إجارتها هذه وقال: قد أجرنا من أجرت يا أم هاني(2) وهاجرت الى المدينة، وتوفيت بها في نهاية عام 60هـ(3).

       2ـ جمانة بنت أبي طالب: تزوجها ابن عمها أبو سفيان (المغيرة) أبن الحارث بن عبد المطلب(4)، كان أحد الأبطال الشعراء في الجاهلية والإسلام، كما كان أبو سفيان عم الرسول ص من الرضاعة حيث أرضعتهما حليمة السعدية(5) وان يشبه الرسول ويألفه ألفة شديدة، أسلم يوم الفتح قبل

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هناك من يقول إن الإسراء والمعراج كان في السنة الثالثة من البعثة أي عام ق. هـ.

(2) سلسلة آباء الرسول: 324.

(3) حيث كان لها ذكر عند خروج الحسين عليه السلام إلى العراق، وقد أنشأت بيتين من الشعر – راجع ديوان القرن الأول: 1/146، وأما بعد رجوع أهل بيت الحسين عليه السلام الى المدينة لم نجد لها ذكراً، وأما ما ورد في ذلك: «خرجت أم لقمان بنت عقيل حاسرة ومعها أترابها وأم هاني  ورملة وأسماء» فإن أبا مخنف أضاف كلمة بنات علي عليه السلام مما رفع الشك من كونها أم هاني بنت أبي طالب- راجع باب السيرة-  أحداث عام 61هـ، وهذا يدحض ما قيل بأنها توفيت في عصر الرسول ص كما في مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: 1/110، أو ما قيل بأنها توفيت في عصر معاوية كما في تقريب التهذيب لابن حجر: 620، وعليه فإنها تجاوزت المائة إذا صدق الاحتمال بأن ولادتها كانت في 48ق.هـ وهذا ليس ببعيد، حيث هناك من كانوا كذلك في عصرها.

(4) هناك من لم يذكر أنه تزوجها- راجع الطبقات الكبرى :4/48.

(5) حليمة السعدية: هي بنت أبي ذؤيب عبدالله، تنتمي الى قبيلة بني سعد بن بكر، ويصل نسبها الى نزار بن معد بن عدنان، مرضعة الرسول ص، دخلت على الرسول ص بعد أن تزوج خديجة فأكرمها، ثم أقبلت عليه وهو في الجعرانية أيام فتح مكة فأكرمها، ثم أسلمت وحسن إسلامها، وكان قد أسلم زوجها أيضاً وقد كانت شاعرة مدح الرسول ص في شعرها، وقد روت عن الرسول  ص وعن عبد الله =

(42)

 

دخول الرسول ص مكة وحسن إسلامه، ويذكر أنه ما رفع رأسه الى النبيص حياء منه، وكان النبي ص يحبه وشهد له بالجنة(1) وثبت فيمن ثبت يوم حنين حين انهزم الناس عن رسلول الله ص ومات سنة ست وعشرين(2)، ويروى أنه حفر قبر نفسه قبل موته بثلاثة أيام(3)- ودفن في المدينة(4)، ويذكر أن ابنه عبد الله استشهد مع الحسين عليه السلام في كربلاء(5).

       كانت جمانة أحدى المبايعات لرسول الله ص، وقد أنجبت لأبي سفيان ثلاثة ذكور وبنتاً واحدة(6):

       أـ جعفر.

       ب- عبد الله.

       ت- ربما عبيد الله(7).

       ث- عاتكة وتزوجها متعب بن أبي لهب وولدت له(8)، أسلموا جميعهم عندما أسلم أبوهم(9).

       وقيل كان لأبي طالب بالإضافة إلى من ذكر من البنات والأبناء:

ـــــــــــــــــــــــــــــ

= أبن جعفر كما كانت أبنتها فاضلة راوية حاجحت الحجاج الثقفي في فضل أمير المؤمنين عليه السلام.

(1) سلسلة آباء الرسول: 326.

(2) وقيل توفي سنة 20هـ وصلى عليه عمر بن الخطاب ـ راجع الأعلام للزركلي:7/276، أعيان الشيعة: 10/132.

(3) الشجرة النبوية: 66.

(4) جاء في الدرجات المرفيعة: إنه دفن وقيل في دارعقيل، وفيه: «إن سبب موته أنه كان في رأسه لؤلولة فحلقه الحلاق فقطعها فلم يزل مريضاً حتى مات» ولعلها كانت غدة سرطانية أستأصلت فانتشر وقضى على حياته- راجع ترجمته في الأصابة: 4/90، والاستيعاب: 4/84.

(5) راجع الجزء الثاني من هذا المعجم.

(6) الدرجات الرفيعة:167.

(7) راجع وسيلة الدارين: 424.

(8) سلسلة آباء النبي: 326.

(9) الدرجات الرفيعة: 188، الإصابة 2/320 عن مقتل الحسين للواقدي.

(43)

 

       1ـ ريطة بنت أبي طالب وأمها فاطمة بنت أسد، قيل هي المكناة بأم طالب(1).

       2ـ أسماء بنت أبي طالب وأمها فاطمة بنت أسد(2).

       3ـ طليق بن أبي طالب وأمه علة(3) التي هي أم الحويرث بن أبي ذباب بن عبد الله بن عامر من تيم مرة(4).

       وفي أبي طالب وأولاده يقول الرسول  الأعظم ص: «لو ولد أبو طالب الناس كلهم لكانوا شجعاناً»(5).

       وفي نهاية الحديث عن أبي طالب يجدر التطرق بأيجاز عن زوجته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمها فاطمة بنت هرم ابن رواحة بن حجر بن عبد الله بن معيص بن عامر بن لؤي.

       ولدت نحو عام 73ق. هـ وتزوجت نحو عام 58هـ، وقد قال أبو طالب في خطية نكاحها: «الحمد الله ربا لعالمين، رب العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر الحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسادة، وعرفاء خلصاً وقادة، وحجبة بهاليل أطهاراً من الخنا والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضلنا على العشائر، وقد تزوجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر فاسألوه واشهدوا».

       فقال أبوها أسد: «زوجناك ورضينا بك».

       ثم نحر أبو طالب الإبل وأطعم الناس سبعة أيام وأنشا أمية بن أبي الصلت(6) في ذلك قائلاً من السريع:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الطبقات الكبرى: 8/48.

(2) الطبقات الكبرى: 1/122.

(3) هناك من يشكك بزاوج  أبي طالب من علة وينكر أن يكون أبو طالب قد تزوج بغير فاطمة بنت أسد- راجع كتاب جعفر بن أبي طالب: 29لدى الحديث عن فاطمة بنت أسد، حيث يقول: «ولم يقرن بسواها طيلة حياته».

(4) راجع الطبقات الكبرى: 1/122.

(5) أولاد الإمام علي عليه السلام: 15.

(6) أمية بن الصلت: هو أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي رفيعة بن عوف الثقفي،=

(44)

 

أغمرنا عرس أبي طالب        من راجل خف ومن راكب

فنازلوه سبعة أحصيت           أيامها للرجل الحاسب(1)

       وهي أول هاشمية أنجبت من هاشمي وكان ذلك عندما أولدت طالباً عام 53ق.هـ، رعت الرسول ص حين كفل زوجها أبو طالب به وذلك عام 45ق.هـ وكانت له أما وتفضله على أولادها، وأسلمت عام البعثة (13،ق.هـ) وكانت الحادية عشرة ممن أسلم من الرجال النساء، وقد التحقت بركب الرسول ص للهجرة الى المدينة، وهي أول مرأة بايعت الرسول ص حين نزل قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولايزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله أن الله غفور رحيم)(2) وكان الرسول ص يزروها ويقيل في بيتها كما كان يكرمها كثيراً ويدعوها أمي، إلى أن توفاها الله في المدينة عام أربعة للهجرة قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام فحزن عليها الرسول ص، ومشى في تشييعها حافياً وأمر أسمامة بن زيد(3)، وأبا أيوب الأنصاري(4) فحفرا قبرها في البقيع(5) ولما بلغوا لحدها حفره النبي بيده وأخرج ترابه، فلما فرغ من ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= المتوفى عام 5هـ، شاعر جاهلي من أهل الطائف، كان عالماً بالكتب القديمة، حكيماً في فعاله، لم يشرب الخمر، ونبذ عبادة الأوثان، وقال في الرسلو ص إنه على حق إلا أنه لم يوفق للإسلام ومات في الطائف.

(1) كتاب جعفر بن أبي طالب:29.

(2) سورة الممتحنة، الآية: 12.

(3) أسامة بن زيد: هو حفيد الحارثة بن شراحيل الكناني (7ق.هـ ـ 54هـ) ولد في مكة وتوفي بالجرف على مقربة من المدينة، نشأ على الإسلام، أمره الرسول ص على كبار الصحابة وهو بعد لم يبلغ العشرين من عمره، وبعد وفاة الرسول ص سكن المزة في الشام ثم عاد فرجع إلى الميدنة، روى عن الرسول ص.

(4) أبو أيوب الأنصاري: هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة من بني النجار ولد قبل الهجرة بسنوات وتوفي في القسطنطينية عام 52هـ ودفن عند حصنها، صحابي جليل شهد العقبة وبدراً، وشهد مع علي عليه السلام كل مشاهده، ورى عن الرسول ص، نزل النبي ص بيته عند هجرته إليها.

(5) ولعل القبر الذي يعرف بقبر فاطمة بنت النبي محمد ص، هو قبر فاطمة بنت أسد لأن الدلائل تشير إلى أنها دفنت في بيتها عند مسجد الرسول ص ، وهناك روايات بأن الإمام =

(45)

 

اضطجع فيه وقال: «الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت، اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع مدخلها،بحق نبيك محمد والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين» وألبسها قميصه.

       فقيل: يا رسول الله رأيناك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه بأحد قبلها.

       فقال ص: «ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبرفأنها كانت من أحسن خلق الله صنيعاً بي بعد عمي أبي طالب»(1).

       وربما كانت ولادتها لبناتها على شاكلة أبنائها كل عشر سنوات, وذلك بولادة كل منهن بعد كل واحد منهم بخمس سنوات فتكون ولادة أم هاني فاخته عام 48ق.هـ وجمانة عام 38ق.هـ، وريطة عام 28ق.هـ، واسماء إن ثبت أنها ابنته- عام 18ق.هـ، فبذلك لم تخرج عن سن من تحيض حيث إنها هاشمية تحيض للستين،فيكون تمام الستين عندها على ما احتملناه عام 13ق.هـ عام البعثة والله االعالم بحقائق الأمور.

46ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= الحسن عليه السلام وصى أن يدفن عند قبر جدته فاطمة بنت أسد إن منعوهم من الدفن عند أمه فاطمة الزهراء عليها السلام. راجع الجزء الاول من تاريخ المراقد، وجاء في مقاتل الطالبيين:9، إن فاطمة بنت أسد دفنها الرسول ص بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة.

(1) راجع كتاب جعفر بن أبي طالب: 30، الطبقات الكبرى: 8/222، بحار الأنوار:

(46)

 

(2)

طالب بن أبي طالب

53ق. هـ- 3هـ= 570- 624م

       ولد طالب بن أبي طالب في مكة عام 53ق.هـ.

       أمه فاطمة بنت أسد الهاشمية ونشأ على أبيه وأمه كان على الحنفية ولم يعلن إسلامه.

       والظاهر أنه أسلم وأخفى إسلامه خوفا من بطش قريش اعتماداً على احتمالات ثلاث ظهرت عندما أكره من قبل قريش للقتال معهم في معركة بدر، وقد أوعز الرسول ص إلى أصحابه قائلاً: «إني قد عرفت رجالاً م بني هاشم قد خرجوا إلى بدر كرهاً فمن لقي منكم أحداً منهم فلا يقتله»(1) وقد ذكروا بأنه أراد بذلك أبن عمه طالب وغيره، مضافاً إلى أنهم نسبوا إليه أنه ارتجز مخاطباً ربه عند خروجه من مكة:

يا رب أما خرجوا بطالب

في مقنب من هذه المقانب
فليكن الملطوب غير طالب

والرجل المغلوب غير الغالب(2)

       ففيما أنشأه دلالة واضحة على عدم رغبته في مشاركتهم القتال ضد الرسول ص، ويضاف إلى ذلك أن المؤرخين ذكروا بأنه غيب نفسه وحملها على الغرق فانقطعت أخباره(3)، وربما قيل إنه أكره فرسه بالبحر حتى غرق(4) مما يدل على أنع عارض خروجه فعرفوا بميله للرسول ص، وربما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الطبري: 2/282.

(2) عمدة الطاب: 30الطبقات الكبرى: 1/121.

(3) المجدي: 7.

(4) عمدة الطالب: 30، سر السلسلة العلوية: 12. وفيه: ولا يصح نسب من ينسب إلى طالب بن أبي طالب.

(47)

 

عرفوا إسلامه فاغرقوه في البحر(1)، مضافاُ الى تصريح الرسول ص في الخبر المتقدم عن معراجه ص.

       ومن يوم بدر افتقد خبره، هذا ولا نعلم أكان قد تزوج أم لا، أما ما هو مسلم به أنه لم يعقب من الأولاد، ولذلك ذكر علماء النسب لايصح النسبة إلى أبي طالب عبر طالب.

       ومن الجدير ذكره أن نسبة الطالبيين إلى أبي طالب وليس إلى طالب ابنه، حيث اشتهر أبو طالب بكنيته، وإنما كني بذلك نجله الأكبر وهو طالب.

       وبما أنه ليس لطالب عقب نكتفي بهذا القدر من ترجمته.

(3)

عقيل بن أبي طالب

43ق.هـ 60هـ = 580ـ680م

 

       ولد أبو يزيد عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب في مكة بعد أخيه بعشر سنوات وتوفي في المدينة ودفن في البقيع(2). وأمه فاطمة بنت أسد الهاشمية ونشأ في مكة وهاجر الى المدينة.

       وكان أبوه يحبه حباً شديداً، ولذلك قال له الرسول ص إني لأحبك حبين حباً لك وحباً لحب أبي طالب(3) ومن هنا يظهر مدى حب الرسول ص لأبي طالب. أسلم عقيل قبل الهجرة على الظاهر إلا أنه اضطر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في الطبقات الكبرى: 1/121: إن طالباً أكره على الخورج إلى بدر فلما انهزموا لم يوجد- طالب- في الأسرى، ولا في القتلى، ولا رجع الى مكة، ولا يدري ما حاله وليس له عقب.

(2) كشف الارتياب للمرعشي:10.

(3) راجع هامش عمدة الطالب: 31وجاء في مقدمة كتاب الشهيد مسلم بن عقيل: 7 قال رسول الله ص لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «إني أحب عقيلاً حبين حباً له وحباً لحب أبي طالب له وإن ولده لمقتول في محبة ولدك تدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون ثم بكى رسول الله ص وقال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي بعدي».

(48)

إلى التستر والاستخفاء وكان من قبل على الحنفية(1).

       وقد أخلص عقيل لاخيه علياً في حياته وبعد مماته، ولم يحدث أن وقع بينهما فجوة أبداً، وما يقال في مسألة الحديدة المحماة إلا دليل على إخلاص علي لأخيه عقيل حيث إن الأخ والصديق من يشرد أخاه إلى حقيقة الأمر بالدليل والبرهان، فقد عمد علياً عليهه السلام عندما طلب منه أخوه عقيل أن يسدد دينه من بيت المال، أبى ذلك وأفحمه بدليل لا يحتمل الشك، حيث إن علياً عرفه على أن من يئن من قرب الحديدة المحماة بنار الدنيا من دون أن تمسه كيف يتحمل نار الآخرة التي وصفها الله بنزاعة الشوى(2).

       ثم إنه أمر ابنه الحسن عليه السلام أن يعطيه من ماله الخاص فأعطاه أربعمائة درهم وبذلك اعتبر وقال من مجزء الطويل:

سيغني الذي أغناك عني         ويقضي ديننا رب قريب(3)

وفي ذلك ليس ما يدل على اقترافه إنما أو خروجاً عن الطاعة، وإنما أراد علياً أن يهذب أخاه بأكثر مما تتهذب سائر الناس، وبذلك اعتبره عقيلاً أكبر عبرة، وشده ذلك إلى أخيه أكثر شداً ولذلك عندما توفي علي عليه السلام ووفد على معاوية ـ كما استظهر ذلك أبن أبي الحديد(4) وأكده المدني(5)- وقف مع أخيه علياً بكل ما أوتي من شجاعة وجرأة ولم تأخذه في الله لومة لائم وذلك حيث سأله معاوية: يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقيل أنه أسلم يوم بدر بأمر من الرسول ص كما في المعارف لابن قتيبة: 68، وجاء في الطبقات الكبرى: 4/43إنه كان ممن أكرهه قريش من الهاشميين للخروج معهم إلى بدر فلما حضر بدراً  أسر ففداه العباس حيث لم يكن له مال.

(2) راجع كتاب الشهيد مسلم بن عقيل: 42. وقوله نزاعة للشوى وردت في سورة المعارج، الآية: 16.

(3) مناقب آل أبي طالب: 2/109.

(4) لقد استظهر ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة: 16/148 أن سفر عقيل إلى معاوية كان بعد وفاة علي عليه السلام لا في حياته وأكد ذلك السيد علي خان المدني في الدرجات الرفيعة.

(5) المدني: هو علي خان بن أحمد بن معصوم الشيرازي (1025ـ 1130هـ) ينتهي نسبه إلى الإمام زين العابدين عليه السلام. ولد في المدينة المنورة وسافر الى الهند وإيران، من علماء الإمامية، من مؤلفاته: رياض السالكين، أنوار الربيع، الكلم الطيب.

(49)

 

       فقال عقيل: لقد مررت بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله ونهار كنهاره إلا أن رسول الله ليس فيهم وما رأيت فيهم الا مصلياً ولا سمعت إلا قارئاً، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله ليلة العقبة(1).

       وقال له معاوية: إن علياً قطع قرابتك ولم يصلك.

       فقال عقيل: والله لقد أجزل أخي العطية وأعظمها، ووصل القاربة وحفظها، وحسن ظنه بالله إذ ساء به مثلك وحفظ  أمانته وأصلح رعيته إذ خنتم وأفسدتم فاكفف لا أباً لك ، فإنه عما تقول بمعزل(2).

       ثم صاح: يا أهل الشام لقد وجدت الحق قد جعل دينه دون دنياه، وخشي الله على نفسه، ولم تأخذه في الله لومة لائم، ووجدت معاوية قد جعل دنياه دون دينه، وركب الضلالة واتبع الهوى، فأعطاني ما لم يعرق فيه جبينه، ولم تكدح فيه يمينه، رزقاً أجراه الله على يديه، وهو المحاسب عليه دوني لا محموداً ولامشكوراً.

       ثم التفت إلى معاوية وقال: أما والله يابن هند ما تزال منك سوالف يمرها منك قول وفعل، فكأني بك وقد أحاط بك ما الذي منه تحاذر.

       فأطرق معاوية ثم قال: ما الذي يعذرني من بني هاشم، وأنشأ من الطويل:

أزيدهم الإكرام كي يشعبوا العصا             فيأبوا لدى الإكرام أن يكرموا

وإذ عطفتني رقتان عليهم                     نأوا حسداً عني فكانوا هم هم

وأعطيتهم صفو الأخا فكأنني                  معاً وعطاياي المباحة علقم

وأغضي عن الذئب الذي لا يقبله             من القوم إلا الهزبري المعمم

حباً واصطباراً وانعطافاً ورقة         واكظم غيظ القلب إذ ليس يكظم

       أما والله يابن أبي طالب لولا أن يقال عجل معاوية لخرق ونكل عن جوابك لتركت هامتك أخف على أيدي الرجال من حوي الحنظل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدرجات الرفيعة: 155.

(2) العقد الفريد: 2/134(باب الأجوبة المسكتة).

(50)

 

       فأجابه عقيل من الطويل:

عذيرك منهم من يلوم عليهم                   ومن هو منهم في المقالة أظلم

لعمرك ما أعطيتهم منك رأفة                 ولكن لاسباب وحولك علقم

أبى لهم أن ينزل الذل عنوة                   إذا ما طغا الجبار كانوا هم هم

فدونكما أسديت فاشدد بداً به                   وخيركم المبسوط والشر فالزموا

       ثم رمى عقيل عليه بالمائة ألف درهم، وقام من مجلسه فكتب إليه معاوية:

       «أما بعد يا بني عبد المطلب، أنتم والله فرع قصي، ولباب عبد مناف، وصوفة هاشم، ولكم الصفح الجميل، فإن أحلامكم الراسخة، وعقولكم لكاسية، وحفظكم الأوامر، وحبكم العشائر، ولكم الصفح الجميل والعفو الجزيل، مقرونان بشرف النبوة، وعز الرسالة، وقد والله ساءني ما كان جرى ولن أعود لمثله إلى أن أغيب في الثرى».

       فكتب إليه عقيل من الهزج التام:

صدقت وقلت حقاً غير أنــــي          أرى ألا أراك ولا تراني

ولست أقول سوءاً في صديقي          ولكني أصد إذا جفاني

       فكتب إليه معاوية يستعطفه ويناشده الصفح وألح عليه في ذلك فرجع إليه(1).

       فقال معاوية: لم جفوتنا يا أبا يزيد، فأنشأ يقوول من الطويل:

وأين امرؤ مني التكرم شيمة           إذا صاحبي يوماً على الهون أضمرا

       ثم قال: يا معاوية لئن كانت الدنيا أفرشتك مهادها، وأظلتك بسرادقاتها، ومدت عليك أطناب سلطانها، ما ذك بالذي يزيدك مني رغبة وتخشعاً لرهبته.

       فقال معاوية: لقد نعتها أبو يزيد نعتاً هش له قلبي ، ثم قال له: لقد أصبحت يا أبا يزيد علينا كريماً وإلينا حبيباً وما أصبحت أضمر لك إساءة(2).

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) ربيع الأبرار للزمخشري (باب المعاتبات).

(2) العقد الفريد: 1/135.

(51)

 

       هذا وقد كتب عقيل من مكة ألى أخيه علي عليه السلام وهو باكلوفة بعد وقعة صفين، عند غارة(1) الضحاك(2) على الحيرة، كتاباً فيه مدى حرصه على أخيه ومعرفة أخباره وكان آنذاك مكفوفاً. وإليك نص كتابه:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

       لعبد الله أمير المؤمنين، من عقيل بن أبي طالب، سلام الله عليك فإني أحمد أليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن الله حارسك من كل سوء، وعاصمك من كل مكروه، وعلى كل حال فإني خرجت من مكة معتمراً فلقيت عبد الله بن أبي سرح(3) مقبلاً من قديد(4) في نحو من أربعين شاباً من أبناء الطلقاء(5) فعرفت في وجوههم المنكر، فقلت إلى أين يا أبناء الشائنين أبمعاوية لاحقون عداوة لله منكم غير مستنكرة تريدون إطفاء نورا لله وتبديل أمره، فأسمعني القوم وأسمعتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غارة الضحاك: كانت بدعم من معاوية بن أبي سفيان على مناطق نفوذ علي بن أبي طالب عليه السلام في العراق.

(2) الضحاك: هو ابن قيس بن خالد الفهري (5ـ65هـ) لم يثبت أن له صحبة للرسول ص، كان من أصحاب معاوية وقاتل علياً مع معاوية في صفين، سكن دمشق، وبعد هلاك يزيد غلب على دمشق ودعا لابن الزبير ثم دعا لنفسه وقتل بمرج راهط في قتاله لمروان بن الحكم في شهر ذي الحجة، وابنه عبد الله كان على ميمنة الحيش الأموي عندما خرجوا لمقاتلة سليمان بن صرد.

(3) عبد الله بن أبي سرح: هو عبدالله بن أبي سرح القرشي، كان أخا عثماً بن عفان المولود عام 47ق.هـ من الرضاعة، وبمقتضى وفاة عبد الله بشكل طبيعي عام 59هـ يحتمل أن تكون ولادته بعد عقد أو عقدين من ولادة عثمان، ولد في مكة، أسلم وهاجر إلى المدينة، وكان له خط حسن، وكان أذا نزل الوحي على رسول الله ص دعاه فكتب ما يميله عليه رسول الله ص فكان إذا قال له الرسول: «سميع بصير» يكتب «سميع عليم» فأرتد كافراً ورجع إلى مكة وقال لقريش والله ما يدري محمداً ما يقول، فلما فتح مكة أمر بقتله فتوسط عثمان فلم يقتله فكان من الطلقاء، وفتح افريقيا أيام عثمان بن عفان، ثم ولاه عثمان مصر، فلما قتل عثمان لحق بمعاوية، وكان في صفين مع معاوية يحرضه على ممنع الماء عن جيش علي عليه السلام».

(4) قديد: بضم أوله مصغر القد وهو اسم موضع قرب مكة.

(5) أبناء الطلقاء: أراد بهم بني أمية.

(52)

 

       فلما قدمت مكة سمعت أهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة، فاحتمل من أموالها ما شاء، ثم أنكفأ راجعاً سالماً وان الحياة في دهر جرأ عليك الضحاك لذميمية، وما الضحاك الأفقع(1) بقرقر(2) وقد توهمت حيث بلغني ذلك أن شيعتك وأنصارك خذولك، فاكتب إلي يا بن أبي برأيك فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أخيك وولد أبيك، فعشنا معك ما عشت، ومتنا معك إذا مت، فوالله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك، فواق ناقة واقسم بالأعز الأجل أن عيشاً نعيشه بعدك لاهنيء ولامريء ولا نجيع، والسلام.

       فكتب إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم

 

       من عبد الله أمير المؤمنين، إلى عقيل بن ابن أبي طالب، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد كلانا الله وإياك كلاءة من يغشاه، وقد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمان بن عبيد الأزدي(3)، تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن أبي سرح مقبلاً من قديد في نحو أربعين فارساً من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة المغرب، وإن ابن أبي سرح طالما كاد لله ورسوله وكتابه وصد عن سبيله وبغاها عوجاً، فدع عنك ابن أبي سرح ودع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق.

       ألا وإن العرب(4) أجمعت على حرب أخيك اليوم أجماعها على حرب النبي قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا حقه، وجحدوا فضله، وبادروه بالعداوة، ونصبوا له الحرب، وجهدوا عليه الجهد، وجروا اليه جيش الأحزاب، اللهم فاجز قريشاً عني الجوازي؛ فقد فطعت رحمي، وتظاهرت

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقع: الذئب.

(2) قرقر: موضع يقع بين الفلج ونجران.

(3) عبد الرحمان بن عبيد الأزدي: ليس له ذكر في المعاجم ولعله هو عبدالرحمن بن عبيد المكنى بأبي الكنود، والذي كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والراوي عنه، ويروي عنه الحارث بن كعب، والحارث بن حصيرة، وأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي عن الحارث بن حصيرة، وقيل بدون واسطة.

(4) العرب: أراد بني أمية واتباعهم.

(53)

 

علي ودفعني عن حقي، وسلبتني سلطان ابن أمي، وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابة من الرسول(1) وسابقتي في الإسلام، إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد الله على كل حال.

       وأما ذكرت من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل وأٌل أن يسلب بها وأن يدنو منها، ولكنه قد أقبل في جريدة خيل(2) فأخذ على السماوة(3) حتى قربوا من واقصة(4) وشراف(5) والقطقطانة(6) وما إلى ذلك الصقع، فوجهت إليه جنداً كثيفاً من المسلمين، فلما بلغه ذلك فر هارباً، فاتبعوه ولحقوه ببعض الطريق وقد أمعن، وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب فتناوشوا القتال قليلاً فلم يبصر إلا بوقع المشرفية وولى هارباً، وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلاً، ونجا جريضاً(7) بعد ما أخذ منه بالمخنق فلاياً بلأي ما نجا.

       وأما ما سألتني أن أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه، فإن رأي جهاد المحلين حتى ألقى الله، لا تزدني كثرة الناس عزة، ولا تفرعهم عني وحشة، لأني محق، والله مع المحق، ووالله ما أكره الموت على الحق، وما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقاً.

       وأما ما عرضت به مسيرك إلي ببنيك وبني أبيك، فلا حاجة لي في ذلك، فأقم راشداً محموداً فوالله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت، ولاتحسبن أبن أبيك لو اسلمه الناس متخشعاً متضرعاً ولا مقراً للضيم

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أراد معاوية بن أبي سفيان.

(2) جريدة خيل: جماعة الخيل.

(3) السماوة: مدينة في جنوب العراق تابعة إداراياً لمحافظة المثنى (الديوانية).

(4) الواقصة: بكسر ثالثة تقع بعد القرعاء وقبل العقبة في طريق الحاج من الكوفة الى مكة وهي في العراق ويقال لها واقصة الحزون.

(5) شراف: بفتح أوله نسبة إلى رجل استنبط فيها ماء وتقع بين الواقصة والقرعاء، وهي في العراق.

(6) القطقطانة: بضم أوله وثالثه وتبعد عن الرهيمية نحو 38,5 كيلومتر وهي في العراق أيضاً.

(7) الجريض: الغصة، والمراد نجا ذا جريضٍ. وفي المثل: «حال الجريض دون القريض».

(54)

 

واهناً ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطيء الظهر للراكب المتقعد ولكنه كما قال أخو بني سليم من الطويل:

فإن تسأليني كيف أنت فغإنني          صبور على ريب الزمان صليب

يعز علي أن ترى بي كآبة                    فيشمت باغ أو يساء حبيب(1)

       ولو ثبت بأنه وفد على معاوية بن أبي سفيان فلا شك أنه كان لاسباب اقتصادية لشخصه، وسياسته لصالح موقف أخيه علي.

       وكان عقيلاً من أعلام النسب والتاريخ فكانت له قطيفة تفرش له في مسجد رسول الله ص يصلي عليها ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب(3).

       وكان يتميز على علماء النسب بإحاطته بالمحاسن والمساوئ وعلمه بالمناقب والمثالب، فكان لايتورع عن ذكر مثالب بني أمية ومنافقي قريش فأبغضته هذه الشريحة وبهتوه بأعظم الأشياء حتى نسبوا إليه أنه فارق أخاه علياً ولحق بمعاوية تنقيصاً به وبأخيه(3).

       هذا وقد شهد عقيل من مشاهد رسول الله حنيناً وما بعدها وقيل إنه شهد خيبر ومؤتة(4).

       ونكتفي بهذا القدر من حياة عقيل، ولنذكر عدد أولاده، فقد قيل إن لعقيل من الذكور ثمانية عشر، ومن الإناث ثمانية من أمهات شتى سنذكرهم طياً، فالإناث من أولاده هن:

       1ـ زينب: وأمها أم ولد، كانت أكبر بنات عقيل وأوفرهن عقلاً(5) وقيل إنها شاعرة رثت الإمام الحسين عليه السلام(6).

ــــــــــــــــــــــــــ

(1)الأغاني: 15/44. شرح نهج البلاغة: 16/148، الإمامة والسياسة: 1/45، الدرجات الرفيعة: 155، جمهرة رسائل العرب: 1/596.

(2) نكت الهميان للصفدي: 200 ذخائر العقبى: 222.

(3) سفير الحسين مسلم بن عقيل:5.

(4) مبعوث الحسين: 29، سفير الحسين: 6.

(5) راجع سفير الحسين: 33 عن تهذيب الأنساب للعبيدلي، وجاء في المعارف لابن قتيبة: 204. «عبد الرحمن وحمزة وعلي وجعفر وعثمان وزينب وأسماء وأم هاني لأمهات أولاد شتى».

(6) راجع ديوان القرن الاول: 2/78، عن مجمع الزوائد للهيثمي.

(55)