تاريخ مرقد الحسين و العباس (عليهما السلام )

اسم الکتاب : تاريخ مرقد الحسين و العباس (عليهما السلام )

المؤلف : د.سلمان هادي آل طعمة
المطبعة : مؤسسة الأعلى للمطبوعات

 

 

 

66 - سعد بن الحرث الأنصاري.

       6۷ - سعد بن حنظلة . مولی عمرو بن خالد الصيداوي .

       6۸ -سعيد بن عبد الله الخثعمي.

       6۹ -سلمان بن مضارب البجلي.

70- سوار بن منعم (أبو عمر النهمي).

71۔ سوید بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي

۷۲ -سیف بن الحرث الجابري .

73- سيف بن مالك العبدي.

74 - شبيب مولى الحرث بن عبد الله النهشلي .

75 - شوذب ۔ مولی عباس الشاكري.

       76 - الضحاك بن القيس المشرفين.

       ۷۷ - ضرغام بن مالك التغلبي .

       ۷۸ - الطرماح بن عدي.

       ۷۹ ۔ عائذ بن مجمع العائدي.

۸۰ - عابس الشاکری.

۸۱ - عامر بن مسلم العبدي .

82 - عباد بن المهاجر الجهني .

       ۸۳ - عبد الله بن بشير الجعفي .

       84 - عبيد الله بن عمير الكلبي .

       85 - عبد الله بن عروة الغفاري.

86۔ عبید الله بن يزيد العبدي.

87- عن عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري .

88- عبد الرحمن بن عروة الغفاري .

       89- عبد الرحمن الأرحبين.

۹۰ -عبد الرحمن بن مسعود التيمي .

(60)

91- عقبة بن الصلت الجهني.

92- عبد الله المذحجي .

93۔ عمر بن جنادة الأنصاري.

       94- عمرو بن صنيعة الضبعي

95۔ عمرو بن خالد الصيداوي .

96- عمرو بن عبد الله الجندعي .

       ۹۷ - عمرو بن فرطة الأنصاري.

       ۹۸ - عبد الرحمن اليزني.

۹۹ - عمرو بن أبي مطاع الجعفي

۱۰۰ ۔ عمرو بن جندب الحضرمي

       ۱۰۱ - عمرو بن کعب (أبو تمام الصائدي).

       ۱۰۲ - عمار بن حسان الطائي

       ۱۰۳ - عمار بن صلخب الأزدي .

104 - عمار بن سلامة الدالاني.

       105 - علي بن مظاهر الأسدي. ساری

       ۱۰۹ - عقبة بن سمعان.

       ۱۰۷- قره بن أبي قرة الغفاري.

       ۱۰۸ - قلوب بن عبد الله الدولي .

۱۰۹ - قاسط بن زهير التغلبي .

۱۱۰ - قاسم بن حبيب الأزدي.

       ۱۱۱ -تعتب النمري.

       112 - کردوس التغلبي .

       ۱۱۳- كنانة التغلبي .

114- مالك بن سريع الجابري .

       115 - مجمع العائلي .

(61)

۱۱6 – مجمع الجهني

       -117مسلم بن عوسجة الأسدي .

118- مسلم بن كثيرالأزدي.

119-مسعود بن الحجاج التيمي

۱۲۰ – مقسط بن زهير التغلبي

  • 121منجح بن سهم – مولي الحسنين علي(عليه السلام)

۱۲۲ – موقع بن تمام الأسدي.

۱۲۳ – نصر بن أبي نيزر.

۱۲4-نعمان الراسبين.

       ۱۲5 – نعيم الأنصاري.

۱۲6 . نافع بن هلال البجلي المرادي.

۱۲۷ . واضح مولى الحرث السلماني.

۱۲۸ – وهب بن عبد الله بن حيان الكلبي.

۱۲۹ – یزید بن ثبیط العبدي البصري

       ۱۳۰ – یزید بن زياد الكندي.

 -131 يزید بن معقل الجعفي.

۱۳۲ – يحيى بن هانی بن عروة بن نمران

۱۳۳ – يحيى بن سليم المازني

۱۳4 – الهفهاف بن المهند الراسبي.

(62)

63

(63)

(64)

السجودعلى تربة الحسين (عليه السلام)

مما لا ينكر أن تربة كربلاء الزكية امتزج بها الدم الذي اريق من الحسین «عليه السلام» ودماء أهل بيته وأصحابه. يقول السيد عبد الرزاق المقرم إن من أهم أسرارها تذكر المصلي في أوقاته الخمسة حينما يضع جبهته عليها تضحية روح النبي وأهل بيته البهاليل وصحبه المناجيد في سبيل تركيز المبدأ الصحيح وما قاساه الشهداء من فجائع تفطر الصخر الأصم وقابلها بالصبر الذي تعجبت منه ملائكة السموات كما جاء في زيارته ثم يتذكر أن هذه التربة امتزج بها دم المظلوم ودماء الأزياء من أهل بيته وصحبه الذين وصفهم أمير المؤمنين بأنهم سادة الشهداء لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق كما في كامل الزيارة(1).

وفي التذكرة ص ۱4۲: فلما قيل للحسين «عليه السلام» هذه أرض كربلاء شمها وقال هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبریل رسول الله (ص) وأنني أقتل بها. وفي خطبته «عليه السلام» المشهورة - وقد رواها المجلسي وغيره من الشيعة ومن السنة الشيخ أحمد مفتاح مدرس الإنشاء في كتابه مفتاح الأفكار التي خطبها بمكة حين عزم على الخروج منها قاصداً أرض العراق: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أوتهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مضجع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاء وأجربة سغباً لا محيم عن يوم خط بالقلم رضي الله رضانا نصبر على بلانه ويوفينا أجور الصابرین لن نشذ عن رسول الله (ص) لحمته وهي مجموعة له غداً في

______________

(1) مقتل الحسين/ عبد الرزاق المقرم ص/۱۰۳.

(65)

 

(66)

 67

مخطط الجانب الشرقي – الغربي لمرقد الإمام

الحسين (عليه السلام) من إعداد المستشرق الالماني نولدكه Noldeke

 

(67)

 

كربلاء في 1881 نقلاً عن رحلة مدام ديولافوا

 

(68)

 

القبة والمنارتين المذهبتين لمرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء

ويشاهد في الصورة الإيوان القديم

 69

(69)

حضيرة القدس تقربهم عينه ويثلج بهم قلبه ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فليرتحل معنا فإني راحل مصبحاً غداً إن شاء)(1).

أما المزايا التي تتجلى بها هذه التربة الطاهرة فهي كثيرة ومتعددة ، يقول كاشف الغطاء: وهذه التربة هي التي يسميها أبو ریحان البيروني في كتابه الجليل (الآثار الباقية) التربة المسعودة في كربلاء نعم - وإنما يعرف طيب الشيء بطيب آثاره وكثرة منافعه وغزارة فوائده ويدل على طيب الأرض وامتیازها على غيرها، طيب ثمارها ورواء أشجارها وفوة بنعها وريعها وقد امتازت تربة کربلاء من حيث المادة والمنفعة بكثرة الفواكه وتنوعها وجودتها وغزارتها حتى إنها في الغالب هي التي تمون أكثر حواضر العراق وبواديه بكثير من الثمار اليانعة التي تخصبها ولا توجد في غيرها إذن فليس هو صمیم الحق والحق الصميم أن تكون أطيب بقعة في الأرض مرقدة وضريحة الأكرم شخصية في الدهر. نعم لم تزل الدنيا تمحض لبلد أكرم فرد في الإنسانية وأجمع ذات لأحسن ما يمكن من مزايا العبقرية في الطبيعة البشرية وأسمن روح ملكوتية في أصقاع الملكوت وجوامع الجبروت فولدت نورة واحد شطرته نصفين سيد الأنبياء محمد وسيد الأوصياء علية ثم جمعتهما ثانية فكان الحسين مجمع النورين وخلاصة الجوهرين كما قال (ص) : «حسین مني وأنا من حسین ثم عصمت أن تلد لهم الأنداد أبد الآباد(۲).

يظهر للقارىء مما تقدم أن السجود على تربة الحسين (ع) يذكرنا بتضحية الإمام الشهيد من أجل الدين الإسلامي الحنيف.

تشييد المرقد الحسيني

       إن الحديث عن تاريخ تشييد الروضة الحسينية الطاهرة على ما هي عليه الآن حدیث جليل عن تاريخ طويل يمتد إلى أربعة عشر قرنا فقد ذكر المؤرخون لواقعة الطف أن تاريخ بناء الروضة الحسينية يبدا منذ دفن الأجساد الطاهرة من قبل أفراد من عشيرة بني أسد. قال السيد محسن

______________

(1) بطل العلقمي ج ۱ ص/ 394 .

(۲) الأرض والتربة الحسينية / للشيخ محمد حسين الكاشف الغطاء ص/۲۱.

 

(70)

الأمين: إن أول من بني القبر الشريف بنو أسد الذين دفنوا الجسد الطاهر اللحسين بن علي وأجسام أصحابه(1)، هذه البناية الصغيرة الرمزية تدل على مكان القبر الشريف وتهدي الزائرين له، ثم وضعت علامات ترشد إليه. وفي حديث زائدة عن الإمام السجاد (ع): [ أخذ الله میثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض هم معروفون في أهل السماوات يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة والجسوم المضرجة وينصبون بهذا الطف علما على قبر سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام].

ومما يؤيد بناء القبر في ذلك الوقت ورود التوابين في ربيع الأول من عام 65 وزيارتهم للقبر واجتماعهم حوله، وكان عددهم يقارب الأربعة آلاف نسمة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي يطالبون بثارات الحسين رافعين شعارهم بقتل من قتل الحسين، ولم يكن إذ ذاك ما يظلل القبر فكان ظاهراً معروفاً(2).

ومكثوا في كربلاء يوماً وليلة ثم رحلوا عنها إلى عين الوردة

العمارة الأول:

لما ولي المختار بن أبي عبيد الثقفي الكوفة في شعبان سنة 65 هـ مطالباً بثأر الحسين، وقضى على المشاركين بقتل الحسين (ع) وصحبه ، بنی مرقد الحسين في كربلاء وشيد له قبة من الأجر والجص وهو أول من بني عليه بناء أيام إمرته (۳) وكانت على القبر سقيفة ومسجد، ولهذا المسجد بابان أحدهما نحو الجنوب والآخر نحو الشرق. ويؤيد ذلك القول الوارد عن الإمام الصادق (ع) في كيفية زيارة قبر الحسين (ع) فقد قال : (إذا أتيت الباب الذي يلي الشرق ففف على الباب وقل...) وقال (ع): (ثم تخرج من السقيفة وتقف بإزاء قبور الشهداء). وما زال هذا

__________________

(1) أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين ج 4 ص/۳۰۲ .

(۲) تاريخ الطبري/ ابن جریر، مجلد 4 ج ۲ .

(۳) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين/ للسيد حسن الصدر ص/ ۲۳ طبعة کربلاء .

۱۱

 

(71)

المسير قائماً حتى الآن، فالجهة المحاذية لقبور الشهداء حتى الشرق، ومرقد الشهداء يقع في شرقي مرقد الحسين وابنه علي الأكبر، من هذا يعرف أن السقيفة كانت تضم قبر علي الأكبر ايضاً. وذكر الشيخ المفيد في المزار بسنده عن صفوان بن مهران الجمال عن الإمام الصادق (عليه السلام) :إذا اردت زيارة قبر الحسين في كربلاء قف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليه السلام) ثم توجه إلى الشهداء ثم امش حتی تأتي مشهد أبي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلم(1). كل ذلك دليل قاطع على أن البناء الأول للمرقد الحسيني كان له باب من جهة الشرق وباب غيره هو باب القبلة الواقع نحو الجنوب، ويدل على وجود سقيفة على ضريح العباس ايضاً، كما هو وارد في قول الصادق (عليه السلام) .

       وبعد قيام الأسديين أهل الغاضريات بدفن الجثث الطاهرة والأجساد المطهرة المضرجة بالدماء التي أريقت بسيف البغي والعدوان، إلا أن أشلاءهم لم تقبر كلها في صعيد وأحمد، إذ لم ترض بنو تمیم ترك شئو صاحبهم الحر بن یزید عند تلك الأشلاء، فأخذوه إلى موضع قبره المعلوم، وشلو العباس بن علي (عليه السلام) ترك على المسناة على شاطىء العلقمي التعشر إلحاقه بجثة أخيه ، إذ كانت مبضعة إرباً إرباً، إلا أن الحائر محیط بأشلاء بقيتهم، وليس اليوم علم يركن إليه للوقوف على حفرهم، سوی الحسين (عليه السلام) وولده المقتول بين يديه على الأكبر، وهما في ضريح واحد. وهناك موضع يشير إلى حفرة الشهداء كأنهم أقبروا فيه، وعلم يشير إلى ضريح حبیب بن مظاهر الأسدي.(2)

       ومما يذكر أن أول من زار القبر الشريف في الحائر عبيد الله بن الحر الجعفي ووقف على القبر واستعبر باكية ورثي الحسين وأصحابه بأبيات:

يقول أمير غادر وابن غادر            ألا كيف قاتلت الشهيد ابن فاطمة

فوا ندمي أن لا أكون نصرته           ألا كل نفس لا تسد نادمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أعيان الشيعة/ السد محسن الأمين ج 4 ص/ 5۰۲.

  (2) بنية النبلاء في تاريخ كربلاء / السيد عبد الحسين العليداد ص/ ۱۲.

(72)

ويا ندمي إن لم أكن من حماته         لذو حسرة ما إن تفارق لأزمة

سقى الله أرواح الذين تآزروا           على نصره سقيا من الغيث دائمة

وقفت على أجدائهم ومحالهم            فعاد الحشئ ينفض والعين ساجمة

العمري لقد كانوا مصاليت في الوغی         سراعاً إلى الهيجا حماة خضارمة

تأسوا على نصر ابن بنت نبيهم        بأسيافهم آساد غيل ضراغمة(1)

       قال الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري لقومه عندما زار قبر الحسين في ۲۰ صفر سنة 6۲ هـ مع جماعة من المسلمين من أهل المدينة واجتمع بنفس السنة مع الإمام السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) .(المسوني القبر)، ويفهم من قول جابر أن سكان الغاضرية من بني أبد هم الذين دفنوا الأجسام وبنوا للقبر علائم لا يدرس أثرها(2)وقال الشيخ محمد السماوي في أرجوزته:

جاءت بنو غاضرة إلى الجثث         بعد ثلاث لتواریها الجدث

وجاء جابر له والعـــــــــوفي          عطية ولم يبل بالخوف

وقال المنیه قلب يعني المرقدا          وصاح يا فلذة قلب أحمدا

وجاء بـــــعد ذلك المختــــار           حين دعاه والجنود الثار

وعمر المسجد فوق الجدث             فهو إذن أول شي محدث

وبقي المسجد حــول المرقد             إذ كان قد أســــس للتعبد(3)

       وقد وضع الأمويون المسالح المتعددة لمنع الزوار والوافدين إلى القبر الشريف، وكان القاصدون للزيارة يختفون نهاراً ويقدمون ليلا خوفاً من عساكر الأمويين وسلطانهم الغاشم.

       بقيت تلك السقيفة والمسجد طيلة فترة العهد الأموي وسقوط دولتهم سنة ۱۳۲ هـ وقيام دولة بني العباس. فقد كانت الحركة المناهضة للحكم الأموي بزعامة أبناء علي، ولم يكن لبني العباس شأن يذكر، فالدعوة كانت باسم العلويين وانضم الناس إلى دعوتهم شعورا منهم بأحقية الحكومة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الطبري المجلد ۳ ج 6 ص/ ۲۷۰.

(2)  مدينة الحسين/ محمد حسن الكليدار آل طعمة ج ا ص/19.

 (3) مجالي اللطف بأرض الطف/ الشيخ محمد السماوي ص/18.

(73)

والإدارة السياسية والدينية للعلويين، ونفورة من الحكم الأموي الجائر، فقد قام زید بن علي وأبناء الحسن المجتبي السبط بحركات ثورية ، وقد بايعهم العباسيون على الخلافة والإمامة. فدعوة بني العباس لم يكن لها شأن يذكر. وإنما ذكرت الدعوة العباسية بعد استيلائهم على الخلافة ووفاة العلويين قادة الحركة ضد الأمويين. فهي لم تلق رواجا ولم تنجح لهم حركة إلا باسم آل البيت، ولما تمكن العباسيون من الاستيلاء على مقاليد الحكم والخلافة قلبوا ظهر المجن، وكادوا للعلويين كيدهم ونصبوا لهم المشانق وتتبعوا قبورهم فهدموها، ومن الخلفاء الذين ناصبوا العلويين العداء الرشيد أثناء توليه الخلافة ، فسعى إلى هدم تلك القبور العلوية الطاهرة مؤملا أن يمحو ذكر آل محمد وعترته التي كانت فضائلهم تسمو على المخلوقين في حياتهم وبعد وفاتهم، والدليل أن محبي العترة المحمدية لم يتركوا زيارة تلك القبور، فقد كانت تلك المراقد المقدسة والمعالم تنطق بالحق المغتصبة وتدعو إلى مقاومة الظلم الذي اضطهد آل محمد وشيعتهم، وكانت تلك المراقد تمنح الدروس للأجيال اللاحقة، في التضحية والفداء من أجل ترسيخ شعائر الإسلام، وحفظ الكتاب المنزل على النبي المرسل من كل تحريف وتزييف، ونشر العدل في أمة محمد والإنسانية. إن تلك المراقد المقدسة تذكر الناس بدينهم ووجوب اتباع السنة النبوية والشريعة المحمدية التي حفظها أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، فهي تعلم الأجيال معنى الاباء والنجدة والغيرة على الإسلام والدفاع عن الفضيلة والكرامة الإنسانية واحترام النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق والعدل. فصارت الجماعات تلو الجماعات تقصد قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وذلك للصفات الحميدة ونعوته الفاضلة وشهادته في سبيل إصلاح أمة جده الرسول الأكرم، مما أثار غيظ الرشيد وحفيظته، فأذي به الأمر أن ينتقم من تلك المشاهد المشرفة، فأرسل أناسا طبع الله على قلوبهم فنسوا ذكر الله ورفع عن نفوسهم الخوف منه تعالى فقدموا إلى المرقد الحسيني لتهديم منار الهدی و نبراس النجاة للأمة. فهدموا المسجد في حرم الحسين والمسجد المقام على قبر أخيه العباس (عليه السلام)، كما دمروا وخربوا كل ما فيهما من الأبنية والمعالم الأثرية، وأمرهم الرشيد بقطع شجرة السدرة التي كانت نابتة عند القبر وکرب موضع القبر ثم أعيد على زمن المأمون

 (74)

وغيره(1) كل ذلك لئلا يهتدي إليه القاصدون ويقبل عليه الزائرون. كما أنه وضع رجالاً مسلحين يمنعون الناس من الوصول إلى المرقد المعظم والمرقد المکرم. قضي الرشید نحبه وتولى ابنه المأمون بعد نزاعه مع الأمين أمر الخلافة، فعندئذ انبثق نور الهدى يبدد الظلام.

العمارة الثانية :

       عندما تسلم المأمون الخلافة العباسية، وقف ضده كل بني العباس، ولأجل أن يثبت حكمه وينقذ نفسه منهم، التجا إلى أبناء علي وشيعتهم وتقرب إليهم، حتى يحفظ حكمه ويديم سلطانه ويقمع الحركة التي قادها أبناء الحسن بن علي(عليه السلام) وأتباع زید بن علي بن الحسين، ولذلك عقد ولاية العهد للإمام علي الرضا ابن الإمام الكاظم (عليه السلام) ، كما أراد أن يرضي أهل خراسان الذين آزروه على أخيه الأمين ولأنهم من محبي أهل البيت ، فتظاهر بالتقرب والميل إلى العلويين باعتبارهم أصحاب حق بالخلافة، فأسند ولاية العهد إلى الإمام علي بن موسی الرضا (عليه السلام) واستبدل شعار العباسيين بشعار العلويين وذلك في سنة ۱۹۳ هـ، وأمر ببناء قبر الحسين (عليه السلام) وفسح المجال للعلويين وغيرهم بالتنقل وزيارات قبور الأئمة، فتنفس الشيعة نسيم الحرية وعبير الكرامة وذاقوا طعم الاطمئنان . ففي عهد المأمون أعيد البناء على القبر الشريف وأقيم عليه بناء شامخ بقي على هذه الحال إلى سنة ۲۳۲ هـ حيث جاء دور المتوكل العباسي الذي دفعه حقده وقادته ضغينة على علي بن أبي طالب وأولاده ومحبيه إلى أن ينتقم من العلويين، فقد ضيق على الشيعة الخناق وشدد عليهم النطاق، فقد أمر بتتبع الشيعة ومنعهم من زيارة قبر الحسين (عليه السلام) ولم يكتف بوضع المسالع ومراقبة الزائرين ومطاردتهم مطاردة شديدة دامت طيلة خمس عشرة سنة من حكمه بل أمر بهدم قبر الحسين خلال تلك الفترة أربع مرات وكربه وخربه وحرثه وأجرى الماء على القبور.

       وقبل تولي الخلافة من قبل المتوكل شيدت في كربلاء الدور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1)  نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين/ للسيد حسن الصدر ص 28.

(75)

والمساكن وقدم الناس للاستيطان حول قبر الحسين. وقد أورد الطبري في حوادث سنة 236 هـ: أن المتوكل أمر بهدم قبر الحسين بن علي وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فذكر أن عامل الشرطة نادي في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثناه إلى المطبق(1) وهرب الناس وأقلعوا من المسير إليه، وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه(2) .

       وفي رواية أوردها الطوسي في الأمالي عن عبد الله بن دانية الطوري قال : حججت سنة 247 سبع وأربعين ومائتين، فلما صدرت من الحج إلى العراق زرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على حال خفية من السلطان ثم توجهت إلى زيارة الحسين، فإذا هو قد حرث أرضه وفجر فيها الماء وأرسلت الثيران والعوامل في الأرض، فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تساق في الأرض فتساق لهم حتى إذا حازت القبر حادت عنه يميناً وشمالاً فتضرب بالعصي الضرب الشديد فلا ينفع ذلك ولا تطأ القبر بوجه فما أمكنني الزيارة فتوجهت إلى بغداد وأنا أقول:

تالله إن كانت أمــــــــــية قد أتت       بنتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبـــــــــيه بمـــــثله        هذا لعمرك قبره مهدومــــا

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا         في قتله فاتبعوه رمــــــيما

       ولما وصلت بغداد سمعت الهائعة فقلت ما الخبر قالوا سقط الطائر بقتل المتوكل فعجبت لذلك وقلت الهي ليلة بليلة.

       وفي الأمالي عن الطوسي(4) قال : بلغ المتوكل أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة الحسين (عليه السلام) فيأتي إلى قبره منهم خلق كثير فأنفذ المتوكل قائداً من قواده وضم إليه جندة کثیرة وأمره بشعت قیر الحسين، ومنع الناس من زيارته، والاجتماع في قبره فخرج القائد إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المطبق : السجن تحت الأرض .

(۲) تاريخ الطبري: ج ۱۱ ص/44.

 (3) الأمالي للطوسي ص/209.

(4) المصدر السابق ص/ ۲۱۰.

(76)

الطف في سنة 236 هـ ولما وصل كربلاء عمل بأمر الخليفة فثار أهل السواد واجتمعوا عليه وقالوا له لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ورأي من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا فكتب إلى المتوكل فأجابه المتوكل بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة . ثم أعاد الكرة سنة ۲۳۷ هـ فمنع الزيارة وقل الزائرون وبعضهم يزورون بالخفية، وبعد فترة كثر الزائرون والقاصدون لقبر الحسين (عليه السلام) وهكذا صار الناس في الزيارة بین شدة ورخاء وصار المنع معلقة بين المد والجزر حتى سنة 247 هـ فبلغ المتوكل خبر كثرة الزائرين فقد قدم من أهل السواد والكوفة إلى کربلاء خلق كثير فكثر جمعهم واستوطن بعضهم واختار جوار القبر الشريف وصار لكربلاء سوق وحوانيت نزاد غيظ المتوكل فجهز جيشاً كثيفاً وأرسله بقيادة القائد (دیزج) وأمر بهدم القبر وما حوله من المنازل والدور وأن يحرث وينبذ ويسقى موضع القبر ويمنع الناس من إتيانه. ولما وصل هذا القائد كربلاء أمر منادياً ينادي براءة الذمة ممن وجدناه عند قبر الحسين بعد ثلاثة أيام أو من قام بزيارته، فخاف الناس وهربوا، وقام القائد بالتنفيذ فهدم القبر وما شيد عليه من عمارة وبدأ القائد نفسه بالتهديم أولا - كما ذكره صاحب مروج الذهب(1) - وحرث ذلك الموضع وما حواليه وبذر وسقى ما بذر وجرى الماء حول القبر ولكنه حار حوله فأطلق عليه عندئذ (الحائر) كما عمد المتوكل على نتبع آل البيت وشيعتهم ، ولكنه لم يتم نه ما كان يريد، فقد قتل بأمر من ابنه المنتصر انتقاماً لما بدر منه من سوء فعل وخلق على الإمام علي (عليه السلام) ومن تحامل عليه وعلى آله .

       وكان من جملة ندماء المنوكل عبادة المخنث وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع وبرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون

قد أقبل الأصلع البطين          خليفة المسلمين

       يحكي بذلك علياً (عليه السلام) ، والمتوكل يشرب ويضحك ففعل ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مروج الذهب ومعادن الجوهر/ للمسعودي ج 4 ص/3 وما بعدها.

 (77)

يوماً، والمنتصر حاضر، فأومأ إلى عبادة يهدده فسکت خوفاً منه. فقال له المتوكل: ما حالك؟ فقام وأخبره فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك فكل أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه، فقال المتوكل للمغنين غنوا جميعاً:

غار الفتی لابن عمه             رأس الفتى في حر امه

       فكان هذا من الأسباب التي استحلى بها المنتصر قتل المتوكل. وإنه ايضاً سمع منه شتم فاطمة الزهراء (عليه السلام) . قال في البحار وفي الأمالي للشيخ الصدوق عن ابن حبيش قال أبو المفضل إن المنتصر سمع أباه بشتم فاطمة فسأل رجلاً من الناس عن ذلك فقال له: قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر، قال ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر (1).

       وقد بلغ من استهجان الرأي العام للمتوكل وأعماله الجائرة أن يخاطب الشاعر المعروف بابن الرومي العباسيين ذاماً إياهم، ويرثي العلويين بقصيدة مطلعها:

امامك فانظر أي نهجيك تنهج          طريقان شني مستقيم وأعوج

 العمارة الثالثة :

       وصل المنتصر إلى سدة الخلافة وتولي أمر السلطة في دولة العباسين في أواخر عام247 هـ، فأصاب العلويين الفرج وزالت عنهم الكرية ورفع عنهم المنع وأمر بتشييد قبة على قبر الحسين وركز عليها ميلاً ليرشد الناس إلى القبر، وعطف على العلويين ووزع عليهم الأموال ودعا إلى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) . فهاجر إلى كربلاء جماعة منهم من أولاد الإمام موسی بن جعفر (عليه السلام) وفي مقدمتهم السيد إبراهيم المجاب ابن محمد العابد بن الإمام موسی بن جعفر (عليه السلام) وذرية محمد الأفطس حفيد الحسين الأصغر ابن الإمام السجاد (عليه السلام) وأولاد عيسى ابن زید الشهيد بن علي بن الحسين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدرة البهية في فضل کربلاء وتربتها الزكية/ حسين البراقي النجفي ص/70.

 ((78

(عليه السلام) واستوطنوا فيها(1) وبقي هذا البناء مشيدا حتى سقوطه منة ۲۷۳ هـ على عهد الخليفة المعتضد العباسي

العمارة الرابعة :

       سقطت العمارة التي شيدها المنتصر على القبر المطهر مرة واحدة وذلك في 9 ذي الحجة سنة ۲۷۳ هـ(2)، حينما كان الزوار محتشدين، ويبدو أنها كانت قد سقطت تلك البناية في زيارة معرفة وهي من الزيارات الخصوصية لحرم الحسين (عليه السلام) ، ويكثر فيها الناس، وقد اصيب من جراء السقوط خلق كثير، فقد هدمته السقيفة مرة واحدة ونجا من الزوار جمع غفير، كان من بينهم أبو عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج وهو من وجوه أهل الكوفة وهو الذي نقل الخبر وعنه جاءت الرواية ، ولكن سبب سقوط السقيفة ما يعرف عنه شيء هل كان الحادث قد وقع قضاء وقدراً وبصورة طبيعية بدون تدخل أحد مع وجود كثيرين في تلك الزيارة ولا يعرف الأمر هل كان للسياسة والسلطة الحاكمة يد في تبرير الحادث كما ظهر مثل ذلك في عهدي المنصور والرشيد والمتوكل بصورة مكشوفة ولكنه هذه المرة جاء الهدم مدبراً بصورة خفية ويشكل غامض، وعلى كل حال فقد كان الحادث مؤلماً ومروعاً وبنفس الوقت أصيب القبر بالانهدام وصار مكشوفة لمدة عشر سنين، حتی تولى الداعي الصغير محمد بن زید بن الحسن جالبه الحجارة من أولاد الحسن السبط إمارة طبرستان بعد وفاة أخيه الملقب بالداعي الكبير، فحينئلي أمر ببناء المشهدين وإقامة العمارة المناسبة وهما مشهد أمير المؤمنين في النجف ومشهد أبي عبد الله الحسين في کربلاء. فكان المعتضد وقتذاك خليفة العباسيين سنة ۲۸۳ هـ. وكان تاریخ العمارة يتراوح بين ۲۷۹ - ۲۸۹ هـ. وقد زار محمد بن زيد كربلاء والنجف وأرسل المواد والتحفيات فقد كانت علاقته مع المعتضد العباسي حسنة ورابطته به متينة، فتمكن بسببه أن يشيد البناء على الحرمين في الغري والحائر، فشيد على القبر في كربلاء قبة عالية لها بابان ومن حول القبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مدينة الحسين ج ا ص/ 24.

(2) تاریخ کربلاء وحائر الحسين/ د. عبد الجواد الكليدار آل طعمة ص/215.

(79)

سقیفتين وعمر السور حول الحائر وأمام المساكن وأجزل العطاء على سكنة کربلاء ومجاوري الروضة المقدسة، وقد بالغ محمد بن زيد في فخامة البناء وضخامته.

العمارة الخامسة :

       حکم بغداد عضد الدولة البويهي في خلافة الطائع ابن المطيع العباسي، وفي خلال مدة حكمه القصيرة التي دامته خمس سنوات، زار کربلاء وذلك في شهر جمادي الأولى سنة ۳۷۱ هـ، وقد بلغ في تعظيمه للمرقدين أن أمر بعمارتهما وجعل الأوقاف عليهما، وقدم من التبجيل والتعظيم الشيء الكثير، فقد ازدهرت کربلاء في عهده وتقدمت معالمها الدينية والاجتماعية والتجارية، فزار الحائر وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم، وجعل في الصندوق دراهم ففرقته على العلويين فأصاب كل واحد منهم اثنان وثلاثون درهما وكان عددهم القين ومائتي اسمه ووهب العوام والمجاورين عشرة آلاف درهم، وفرق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألفه رطل ، ومن الثياب خمسمائة قطعة وأعطى الناظر عليهم ألف درهم(1). ولم يكتف عضد الدولة بالبناء ، وإنما اهتم بتزيين الروضة وتشييد الأروقة حول القبر المطهر وزين الضريح بالساج والديباج وغلفه بالخشب وجلب القناديل والثريات المضاءة بالشمع لتنير الروضة المقدسة (2)

وهو الذي بنى الرواق المعروف پرواق عمران بن شاهين في المرقدين الغروي والحائري. فالمسجد الذي في الحائر يقع في الجهة الغربية من الروضة الحسينية وبجانبه بنى مسجدا. وعمران بن شاهين من البطيح فریب واسط تمكن أن يشكل إمارة فيها مستقلة عن مركز الدولة ، وجرى بينه وبين معز الدولة البويهي قتال أغرقت على أثره ضياع عمران في البطيح فلاذ بالفرار إلى الغري ورأي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الرؤيا مخاطبة إياه لا تخف سيأتي فناخسرو إلى هنا فلل به وسيفرج عنك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاریخ کربلاء /ص /172.

(2) المصدر السابق .

(80)

فأخذ على نفسه من ساعته أن يشيد مسجدة أو رواقة في الغري والحائر إذا تم له ذلك واختفى في مشهد الغري حتى قدوم عضد الدولة البويهي فرأي شخصأ واقفا بجوار جدار المشهد وسأله عن اسمه فأخبره عمران بن شاهين عن الرؤيا ونادی فناخسرو باسمه فاندهش عضد الدولة من معرفته حقيقة الأمر وأفرج عنه وأولاه في عام ۳۹۹ هـ إمارة البطيح وقام من ساعته وأمر ببناء الرواق والمسجد في الغري ومثلهما في الحائر والكاظمية وبذلك قد أوفي بنذره(1). وعرف الرواق الذي بناه ابن شاهين برواق السيد إبراهيم المجاب ، وبقي هذا المسجد الذي بناه بجوار الرواق قائأحتى قدوم السلاطين الصفويين فحصلوا على فتوى تجيز ضم المسجد إلى الصحن الحائري عند توشيعه في البناء وتطوير الروضة الحسينية . وما زال قسم من هذا المسجد باقيأ تخزن فيه مفروشات الحضرة الحسينية ، ويقع خلف الإيوان المعروف بالإيوان الناصري.

 احتراق حرم الروضة:

       في عام 407 هـ شب حريق هائل داخل الروضة المقدسة وذلك خلال الليل، وحدث هذا الحريق من جراء سقوط شمعتين كبيرتين على المفروشات، فقد كانت الروضة تنار بواسطة الشموع، فقد التهمت النار أولا التأزير والستائر ثم تعدت إلى الأروقة فالفية السامية، ولم يسلم من النار سوى السور وقسم من الحرم ومسجد عمران بن شاهين(2).

       ويعقبه الدكتور عبد الجواد الكليدار على هذا الحادث المؤسف فیشك بأن الحريق وقع قضاء قدرة، وإنما كان هناك سببا، والقادر بالله العباسي لم يكن بمعزل عن هذه الحوادث والفتن التي سادت وانتشرت في تلك السنين في عهده على طول البلاد الإسلامية وعرضها . وساد الاضطراب وفقد الأمن والاستقرار من كثرة الدسائس والمؤامرات حتى عزل الوزير وجعل مكانه في الوزارة الحسن بن المفضل بن سهلان المعروف بأبي محمد الرامهرمزي وأول ما قام به ابن سهلان هو إرجاع الاطمئنان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرحة الغري/ للسيد ابن طاووس ص/۷۳ .

(۲) الكامل/ ابن الأثير - المجلد 9 ص / ۱۲۲.

(81)

والسكينة إلى النفوس وتهدئة الأحوال(1).

العمارة السادسة:

       تولى الحسن بن المفضل بن سهلان تجدید بناء العائر الحسيني الشريف بعد أن شبت فيه النار واحترقت القبة والحرم. ففي عام 412هـ شید قبة على قبر الحسين (عليه السلام) وأصلح ورمم ما دمره الحريق وأمر ببناء السور، وهو السور الذي ذكره ابن إدريس في كتابه (السرائر) عند تجديده للحائر عام 588 هـ، فقد جدد این سهلان، السور الخارجي وأقام العمارة من جديد على القبر المطهر بأحسن مما كان عليه، ووصف الرحالة ابن بطوطة هذه العمارة في رحلته إلى كربلاء سنة ۷۲۷ هـ، وقال : وقد قتل ابن سهلان سنة 414 هـ، وبقي البناء الذي أمر بتشييده في الحائر الشريف حتی خلافة المسترشد بالله العباسي سنة 526 هـ، حيث عاد الإرهاب من جديد على الشيعة ورجع البطش والتضييق عليهم، واستولى المسترشد العباسي على ما في خزائن الحائر المقدس وعلى الأموال والنفائس والموقوفات ووضع يده على المجوهرات، وأنفق قسما منها على جيوشه و قال : (إن القبر لا يحتاج إلى خزينة وأموال) واكتفي بهذا السلب ولم يتعد على الحائر والقبر الطاهر.

العمارة السابعة:

       في عام 620 هـ تولى مؤيد الدين محمد بن عبد الكريم الكندي الذي يعود نسبه إلى المقداد بن الأسود الكندي ترميم حرم الحسين وأصلح ما تهدم من عمارة الحائر، فقد أكسى الجدران والأروقة الأربعة المحيطة بالحرم بخشب الساج، ووضع صندوقا على القبر من الخشب نفسه وزينه بالديباج والطنافس الحريرية ، ووزع الخيراته الكثيرة على العلويين والمجاورين للحائر . وكان مؤید الدین عالم فاضة عارفة خبيرة بالأمور الحسابية والفنون والآداب. بصيرة بإدارة أمور الملك تولي الوزارة في عهد الخليفة العباسي الناصر، قال الدكتور السيد عبد الجواد الكليدار: إن مما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاریخ کربلاء وحائر الحسين ص/ ۲۲۰ - 224

(82)

كان بأمر من الخليفة نشيد ذلك المقام الرفيع وكسى جدران الروضة بأخشاب الساج وزينه بالحرير الموشی، والديباج، وأمر بمثل تلك الإصلاحات في كل العتبات المقدسة وبناء السرداب في سامراء (سرداب الغيبة) ووضع عليه كتائب من الآيات الكريمة وأسماء الأئمة الطاهرين(1).

العمارة الثامنة:

       إن التعميرات التي أدخلها ابن فضلان بأمر من الخليفة الناصر على الحرم الحسيني، والبناء الذي شاده حول الحرم، قد اهتم بزخرفته واعتني بجماله ورونقه ومتانة مواده ، حيثه بقي البناء متينا ومعونة مدة من الزمن تنوف على ثلاثة قرون ونصف القرن. وامتد عمر البناء إلى أواخر القرن الثامن إلى سقوط الدولة العباسية ودخول التتار وقيام دولة المغول في العراق والاستيلاء على مدينة بغداد . بقي ذلك البناء دون أن يتصدع أو يتزعزع أو يصاب بخلل وعطل لشدة مثانته وقوة بنائه، حتى تولي معز الدین اویس ابن الشيخ حسن الجلائري من أحفاد هولاكو سلطنة بغداد سنة 757 هـ فعندئذ شيد المسجد والحرم عام 767 هـ وأقام على الضريح المطهر قبة نصف دائرية تحيط بالأروقة ترتكز على أربعة دعائم كبيرة عند زوايا الروضة الأربع، وقد فصلت الأروقة من الجهات الأربع عن الحرم ليقام على جدرانها بناء القبة الشاهقة فأصبح الشكل العام لبناية الروضة الحسينية شكلا هندسية بديعة يعطي فكرة حسنة عن التقدم الفني الزخرفي والبناء المعماري في حسنه عند المسلمين، والهندسة البديعة التي تأخذ بألباب الداخل إلى الحرم الشريف وأكمله أبنه أحمد بن أویس سنة 786 هـ فقد كان الواقف عند مدخل باب القبلة من الخارج، يشاهد الضريح والروضة بصورة واضحة وجلية، بحيث يتم الطواف حول مرقد الشهداء بعكس ما هو عليه الآن، إذ لا يمكن الطواف حول قبور الشهداء. وكان تاريخ البناء مثبتة، على دعامة عريضة فوق المحل المعروف ب (نخلة مريم) الواقع في الجهة الجنوبية الغربية من الحرم مما يلي الرأس الشريف، وهو عبارة عن محراب مرصع بأحجار من الرخام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق من 184.

(83)

الناصع يخال إلى الناظر إليها لأول وهلة أنها من المرايا، وفي وسط هذا المحراب حجر أسود على شكل دائرة يبلغ قطرها 40 سم تقريبا، وقد عثر عليه في الحفريات التي أجريت في الروضة قديمة، وقد نصب في هذا المحل تيمنا ليس إلا(1) وجاء في كتاب (بغية النبلاء): وروي عن السجاد (عليه السلام) أن الله ذكر في القرآن أن السيدة مريم(عليه السلام) عندما أرادت أن تلد ابنها المسيح ابتعدت عن قومها، وذهبت إلى كربلاء بصورة معجزة - بجنب نهر الفرات، وقد ولد المسيح قرب مكان ضريح الحسين (عليه السلام) وفي نفس الليلة عادت السيدة مريم إلى دمشق، ومصداق هذا الخبر ما ورد عن الباقر (عليه السلام) . على ما أتذكر - أن صخرة على مقربة من قبر الحسين نصبته في الحائط، قد أجمع ساكنو هذا المقام أن الرأس الشريف قد حر على هذه الصخرة، ويقولون إن المسيح قد ولد على نفس تلك الصخرة أيضا(2). أما اليوم فقد أزيل هذا المحراب وما فيه من كتابة ونقش في سنة 1947م.

       إن تاريخ البناء الذي قام به أويس الجلاتري بقي مكتوبة ومحفوظا في المحل المذكور حتي هجوم الوهابيين وغزوهم لكربلاء بقيادة سعود بن عبد العزيز آل سعود سنة 1216 هـ. ولما تولى العثمانيون رفعوا ذلك التاريخ المكتوب على تلك الدعامة العريضة، وورد ذكر هذا التاريخ في مذكرة محمد بن زوير السليماني كان قد وضعها قبل هجوم الوهابيين، وقد وجدت كتائب أخرى بعمق 60 سم في الجدران أثناء التعميرات في الروضة. وقد أصيبت تلك الجدران بالخلل، فشد أزره بجدار آخر بنفس السمك عام 1259 هـ، وقد وجدت كلمة (أويس بن تحت الكتائب المذكورة، وتوفي أويس الجلائري عام 774 هـ ولم يمكنه الأجل من إتمام بناء الحرم المقدس، فتولى ابنه أحمد الجلائري إكمال البناء في عهده، كما شید البهو الأمامي للروضة الذي يعرف بايوان الذهب، ومسجد الصحن حول الروضة على شكل مربع، واعتنئ عناية فائقة بزخرفة الحرم من الداخل والأروقة بالمرايا والفسيفساء والطابوق القاشاني الذي حوى المناظر الطبيعية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مدينة الحسين/ ج ا ص/ 54.

(۲) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص/71.

(84)

فأعطاه طابعا قدسيا، ويخيل لمن يطوف داخل الحرم أنه في روضة من رياض الجنة، إضافة إلى ذلك فإن هناك الكتائب القرآنية والآيات والسور المحيطة بالحرم کسورة الدهر التي خطها المرحوم صبري الهلالي بخط الثلث البديع، وكتائب تحيط بجدران الأروقة.

       كما أمر السلطان أحمد الجلاثري بزخرفة المئذنتين باللون الأصفر من الطابوق القاشاني وكتب عليهما تاريخ التشييد باللغة الفارسية (دوستون زرین) أي المئذنتان الذهبيتان) ووافق تاریخهما حسب الحروف (۷۹۳ هـ).

       فالروضة الحسينية تتألف من الصحن والبهو والرواق والروضة الداخلية، وفي وسطها يقوم المرقد الشريفة، وتقع القبة فوق الضريح، وتحف بها مئذنتان مطليتان بالذهب، وقد تفنن المعماري العراقي في بنائها، وأصبحت بحق آية من آيات الفن المعماري الإسلامي .

(85)

(86)