تاريخ مرقد الحسين و العباس (عليهما السلام )

اسم الکتاب : تاريخ مرقد الحسين و العباس (عليهما السلام )

المؤلف : د.سلمان هادي آل طعمة
المطبعة : مؤسسة الأعلى للمطبوعات

 

 

 

 

الآيات والأحاديث الواردة في الحسین (عليه السلام)

 

الحسين(عليه السلام) ذو الحسب المجيد والشرف الحميد أبوه علي بن أبي طالب وأمه الزهراء البتول بضعة الرسول محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحسين (عليه السلام) ريحانة جده وسيد شباب أهل الجنة ، سماه جده حسینا حين ولادته في الثالث من شهر شعبان للسنة الرابعة للهجرة، وكنيته أبو عبد الله ، وكان أشبه الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين عنقه إلى کعبه، ربعة شديد القوة ذاكرة الله عز وجل، تربي في كنف جده وتغذى على أصبع الرسول حينما جف لبن الزهراء فنبت لحمه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). كان محبوبا ودودة بألف الناس ويألفونه، يسعى في قضاء حاجاتهم ويقدم لهم العون والمساعدة، وما قصة أرينب مع زوجها ومؤامرة معاوية بعيدة عن المؤرخين وموقف الحسين النبيل الذي أعاد أرينبه إلى زوجها فهي قمة شاخصة في صفحات التاريخ ملأت قلب يزيد حقدة وبغضة على الحسين (عليه السلام).

تميز الحسين بن علي (عليه السلام) بصفات بوأته المكانة السامية والمنزلة الرفيعة، فمن صفاته تقواه وخشيته من الله والجهاد في سبيل الله وطلب العلم والمعرفة، فاكتسب البلاغة والفصاحة وحبه للفقراء والمساكين والجود والكرم وحسن المعاشرة، فقد استمد كل هذه الصفات من جده وأبيه وأخيه الحسن ومن البيت الذي يؤربه، نشأ في حجر الرسالة وتربى في أحضان النبوة والإمامة، فوعي الأحاديث وأدرك مفهوم الرسالة، ولكن المعادين لأهل بيت النبوة سعوا إلى غمط حقهم في كل الأمور، أقاموا العتمة على فضائلهم، وجنحوا إلى اجتناب نشر معالم نورهم الذي لا يخبو، فهذه الآيات البينات التي نزلت بحقهم تثبت ذلك. والمشهور لدي المفسرين أن آية التطهير) نزلت بفضل أهل البيت.

(35)

((وإنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا))(1). ولما سئل الرسول من أهل بيتك؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام: علي وفاطمة والحسن والحسين. كما وردت الآية الأخرى وهي آية المودة:((قل لا اسألكم عليه أجرة إلا المودة في القربیه))(۲). فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): قرباي علي وفاطمة والحسن والحسين، فقد عقد لهم وجوب المحبة كما يجب الولاء لله ورسوله. ولما نزلت (آية المباهلة): ((فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين))(۳). دعا رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين(عليه السلام).

لقد امتلأت كتب الحديث الشريف بروايات مسندة ومعتبرة بفضائل أهل البيت عامة، وفضائل الحسين خاصة، ولعلنا لم نأت بجديد حين نورد ملخصة لبعض تلك الأحاديث التي أثبنها ابن عساكر في (تاریخ دمشق) فقد أفرد جزءأ فصلا خاصا بفضائل الحسين أسماه (ريحانة رسول الله) يشتمل على أربعمائة حديث كلها مروية عن رجال ثقات في رواية الحديث وسنده(4).

فالخليفة أبو بكر يروي حديث الخيمة فيقول: (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيم خيمة وهو متكيء على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) فقال : معشر المسلمين أنه سلم لمن سالم اهل الخيمة وحرب لمن حاربهم وولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقی الجد رديء المولد(5).

وفي رواية مسندة إلى ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : الحسن والحسين هما ريحانتاي في الدنيا، وفي رواية ثانية: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وفي رواية عن ابن عباس: من أحبهما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب آیة ۳۳.

(۲) سورة الشورى الآية ۲۲.

(3) سورة آل عمران الآية 54.

(4) تاریخ دمشق/ لأبي القاسم علي بن عساكر - تحقيق: محمد باقر المحمدي فصل(الحسين ريحانة رسول الله).

(5) مشهد الإمام علي / د. سعاد ماهر معهد می۸ (القاهرة ۱۳۸۸ هـ).

(36)

فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني ، وعن حذيفة بن اليمان الصحابي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني ملك فسلم علي نزل من السماء لم ينزل قبلها يشير في أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة أهل الجنة .

وفي حديث آخر قال رسول الله : (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسینا، حسین سبط من الأسباط)، ومن المعلوم أن الأسباط هم ورثة الأنبياء، فالحسين سبط قد ورث من الأنبياء رسالاتهم في إحياء دين الله الإسلام.

وجاء في كتاب (النهاية) لابن الأثير : الحسين سبط من الأسباط أي أمة من الأمم في الخير، والأسباط من ولد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل. وفي الحديث الحسن والحسين سبطا رسول الله و أي طائفتان وقطعتان منه(1) .

وجاء في الحديث الشريف: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين)،

ومن حديث آخر للرسول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما(2).

وقال رسول الله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا.

إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة الواردة في حقه سلام الله عليه ولسنا بصدد ذكرها هنا لأنها كثيرة لا يسعها هذا الكتاب، وهي معروفة ومذكورة في المصادر الموثقة من الفريقين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاریخ دمشق /لابن عساکر - فصل (الحسين ريحانة رسول الله).

(۲) کامل الزیارات - جعفر بن قولویه ص/۲6۹.

(37)

(38)

 

 

من أقوال الإمام الحسين (عليه السلام)

 

الإمام الحسین (عليه السلام) دو مقدرة بلاغية ممتازة، استطاع ببلاغته الأصيلة وفصاحة لسانه وجزيل بيانه أن يمتلك القلوب ويرهف الأسماع . وخير شاهد على ذلك خطبة الغراء التي هي علامة مميزة وقدرة خارقة تزخر بكل معاني الإنسانية النبيلة، وأنا ناقل إليك بعض هذه الشواهد

- الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما دوتمعايشهم، فإذا مخصوا بالبلاء قل الديانون.

- خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة .

- لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيديأبى الله ذلك ورسوله، وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ،

ونفوس زكية ، من أن تؤثر طاعة اللثام على مصارع الكرام.

       - لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما وسأمة .

- إني لم أخرج أشرة ولا بطرة ولا مفسدة ولا ظالمة وإنما خرجتلطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاکمین.

۔ سحقا لكم يا عبيد الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب ومحرفيالكلم، وعصية الآثام، ونفثة الشيطان، ومطفيء السنن.

- ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهی عنه ليرغبالمؤمن في لقاء ربه.

(39)

- أجل والله الغدر فیکم قديم شجت إليه أصولكم، وتآزرت عليهفروعكم، فكنتم أخبثه ثمر، شجي للناظر وآكلة للغاصب.

- سئل الحسين (عليه السلام) كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟

قال : أصبحت ولي رب فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، ولا أجد ما أحب ولا أدفع ما أكره، والأمور بيد غيري، فإن شاء عذبني، وإن شاء عفاعني، فأي فقير أفقر مني؟.

- صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن رده .

- إن أجود الناس من أعطى من لا يرجو، وأن أعفى الناس من عفاعن قدرة، وأن أوصل الناس من وصل من قطعه.

 - الحلم زينة، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة، والاستكبار صلفوالعجلة سفه ، والسيفه ضعفه والغلو ورطة، ومجالسة أهل الدناءة

شر، ومجالسة أهل الفسق ريبة.

- الإخلاص لفظ معناه في الموت الرهيب فمن شاء أن يكون مخلصافليوطن نفسه على كل مكروهاتها.

- ومن كلام الحسين المرتجل قوله في توديع أبي ذر، وقد أخرجهعثمان من المدينة بعد أن أخرجه معاوية من الشام «يا عماه ، إن الله قادر أن يغير ما قد ترى والله كل يوم في شأن، وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك، وما أغناك علما منعوك، وأوجهم إلى ما منعتهم، فاسأل الله الصبر والنصر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإن الصبر من الدين والكرم، وإن الجشع لا يقدم رزقا والجزع لا يؤخر أجلاه».

(40)

رحيل الأمام الحسين (عليه السلام)

الى العراق

أهل العراق والحسين بن علي (عليه السلام) :

لما توفي الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تحرکت الشيعة في العراق، وكتبوا إلى الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) الموجود في المدينة بخصوص البيعة له بالخلافة، وخلع معاوية بن أبي سفيان، فامتنع الحسين عن أهل الكوفة ورفض البيعة له بالخلافية ، فذكر لهم أن بينه وبين مساوية عهدة ومعقدة لا يجوز نقضه ما زال معاوية يأ، فإذا مات معاوية ستنظر في تولي أمر المسلمين.

فلما مات معاوية في منتصف شهر رجب سنة 60هـ، وكان قد عقد ولاية العهد لابنه يزيد في حياته، فقد خلف يزيد وتولى الخلافة بعد أبيه، وقد طلب يزيد من والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يأخذ البيعة من أهل المدينة عامة ومن الحسين بن على خاصة، وأن لا يتماهل مع الحسين (عليه السلام) ، وإن رفض البيعة وأبي يضرب عنقه ويبعث به إليه.

وقد أوصى معاوية لابنه يزيد وحذره من أربعة أفراد لا يوافقون على خلافته، ولا يبايعون له بذلك، وهم: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر.

الوليد بن عتبة والحسين:

لما ورد کتاب يزيد إلى الوليد يعلمه بوفاة معاوية ، وأخذ هؤلاء النفر بالشدة والقوة من أجل البيعة، وقبل أن يلتقي الولید بهؤلاء الأربعة ويرسل عليهم ويخبرهم بالأمر، اتصل بمروان بن الحكم واستشاره بصفته أكبر الأمويين سنة، بأمر البيعة وخاصة الموقف مع الحسين، فالحسین له صفات

(41)

ممتازة يفضل بها على الآخرين، فأشار مروان إلى الوليد بامتناع الحسين عن البيعة وعدم قبوله بخلافة يزيد، ومروان خبير بمعرفة الأمور ومواقف الرجال، فأراد أن يثير الفتنة ويشعل فتيل القتال، فأشار إلى الوليد بقتل الحسين إذا امتنع. فلم يكن من الأمر بذ، فاستدعى الولید الحسين في الليل، فعرفي الحسين أمر استدعائه في هذا الليل البهيم، والوقت غير المناسب، فاحتاط للأمر ودعا جماعة من أهل بيته ومواليه، وأسرهم بحمل السلاح، وقال لهم إن الوليد استدعاني في هذه الليلة، ولست آمن من أن يكلفني أمرا لا أستطيع إجابته، فكونوا معي، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فإن سمعتم صوتي قد عملا فادخلوا عليه لتمنعوه عني، فأقبل الحسين على الوليد، ووجد عنده مروان بن الحكم، فأخبره الوليد بوفاة معاوية وقرأ عليه كتاب يزيد، فعلم الحسين بأمر البيعة ليزيد، ولكنه في بداية الأمر ما أراد أن يصارحة بامتناعه عن البيعة، وإنما أراد الخلاص والخروج بصورة سلمية، فقال الحسين للوليد: إني لا أراك تقنع ببيعة تكون سرة، وإنما أبايعه جهرة حتى يعرف الناس، فوافق الوليد على ما اقترحه الحسين، وقال له نصبح وترى رأيك في ذلك، وهم الحسين بالانصراف، فاعترض مروان على الوليد وقال له: لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت عليه ولا تمكنت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، ولكن احبس الرجل ولا تدعه يخرج حتي يبايع أو تضرب عنقه، فحين سمع الحسين قول مروان وهذه المجابهة القاسية ، صارحهما بالامتناع عن البيعة، ولا يمكنه أن يبايع ليزيد أبدأ، وقال لمروان يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبته والله ولؤمته، وقال للوليد أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا

ختم، ويزيده رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفجور، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وتنظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة، فخرج بعد ذلك الحسين وتبعه أهل بيته ومواليه.

وبعد خروج الحسين من دار الوليد، قال مروان للوليد: عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا، فأجابه الوليد: ويحك أشرت على بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وأني قتلت حسينا - والله ما أظن

(42)

أحدا يلقي الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم، فأجابه مروان يزدري به فإن كان هذا رأيك فقدأصبت .

وذات صباح حينما كان الحسين خارجا من منزله، إذ التقى بمروان ابن الحكم، فقال مروان له يا أبا عبد الله أطع نصحي ببيعة يزيد، فأجابه الحسين بعد حديث طويل ومناقشة، لقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: الخلافة مجمعة على آل أبي سفيان ، فعندها انصرف مروان وهو غاضب، وفي آخر النهار أقبل رجال والي المدينة إلى الحسين فطلبوا منه الحضور عند الوالي ليبايع ، فأجابهم الحسين اصبع ثم ترون ونری؟ فانصرفوا عنه، ولم يحلوا في طلبه. وفي هذه الليلة عزم الحسين على الخروج من المدينة، فعلم بذلك أخوه محمد بن الحنفية، فقابله وتداولا الأمر، فقال محمد بن الحنفية : يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي، لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي وممن وجبت طاعته في عنقي، لأن الله شوف علئ وجعلك من سادات أهل الجنة، تنخ ببيعتك عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت، ثم أبعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك فلم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون الأول الأسنة غرضة. فقال الحسين فأين أذهب يا أخي، قال: تخرج إلى مكة، فإن اطمأنت بك الدار فذاك وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقهم قلوية، فإن اطمأنته بك الدار والا لحقته بالرمال وشعب الجبال جزت من بلد إلى بلد حتی تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين. فقال الحسين : والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ آوي إليه لما بايعته يزيد بن معاوية. فقطع محمد ابن الحنفية الكلام و بکن فبكى معه الحسين ثم قال يا أخي جزاك اللهخيرة، فقد نصحت وأشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديدة موفقة وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو إخوتي وشيعتي

(43)

أمرهم أمري ورأيهم رأيي وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينة عليهم لا تخفي عني شيئا من أمورهم.

وصمم الحسين على الخروج من المدينة، فقد ذهب في جوف الليل إلى قبر أمه الزهراء (عليه السلام) نودعها، ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن غیر فوده أيضا، وتوجه مع أهل بيته ومواليه ، وتخلف عنه محمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر إلى مكة في ذلك الليل، فخرج وهو يقرأ((فخرج منها خائفة يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين))(1).

وفي طريقه لقيه عبد الله بن مطيع فقال له جعلت فداك أين تريد؟ قال أما الآن فمكة وأما بعد فأستخير الله فأجابه أخار الله لك وجعلنا فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك وخذل أخوك فالتزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدة فسار الحسين مع جل أهله نحو مكة فدخلها نهار الجمعة باليوم الثالث من شعبان وصار يقرأ الآية الكريمة ((ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل))(2) فأقام بمكة باقي شعبان وأشهر رمضان وشوال وذي القعدة فصار يختلف إليه أهل مكة ومن جاورها وقدم إليها معتمرة وحاجأ وأهلي الأمصار والآفاق، وكان عبد الله بن الزبير يقصده فيمن يقصده ويتداول معه الأمر، وابن الزبير يضمر في نفسه شيئا في رغبته بالخلافة، وما دام الحسين موجودة في مكة فأهل الحجاز لا يبايعونه، وإنما هو اهم مع الحسين بن علي. ويبلغ الأمر إلى أهل الكوفة شيعة علي وأنصار آل البيت فقد بلغهم موت معاوية وخلافة أبنه يزيد ورفض الحسين البيعة ليزيد وخروجه من المدينة ومكوثه في مكة ، واجتمعوا في دار سلیمان بن صرد الخزاعي زعيم الشيعة في الكوفة، وألقى عليهم سليمان خطبة جاء فيها: إن معاوية قد هلك وقام بمكانه أبنه يزيد وقد خالفه الحسین وصار إلى مكة هاربة من طواغيت آل أبي سفيان وأنتم شيعنة وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فإن کنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة القصص الآية ۲۰.

(۲) سورة القصص الآية ۲۱.

(44)

وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه ، قالوا: بلى تقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، فأرسلوا رسولا من قبلهم أبا عبد الله الجدلي وكتبوا إلى الحسين :

بسم الله الرحمن الرحیم. للحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيبة بن نجية الفزاري ورفاعة بن شداد البجلي وحبیب بن مظاهر الأسدي وعبد الله بن وال وشيعته من المؤمنين والمسلمين. سلام الله عليك. أما بعد فالحمد لله الذي قسم عدوك وعدو أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي نزا على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فينها وتآمر عليها بغير رضا منها ثم قتل خیارها و استبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدة له كما بدت ثمود وإنه ليس علينا إمام غيرك . فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق. والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا تخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا أنك أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يا ابن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقيل إنهم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة في اليوم العاشر من رمضان، وبعد سقر هؤلاء بيومين أنقذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله بن شداد الأرجي وعمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين ومعهم نحو مائة وخمسين كتابة والحسين لا يجيبهم بشيء ثم بلغ ما ورد عليه اثني عشر ألفي كتاب و سرحوا إليه الرجال يدعونه للقدوم إلى الكوفة وكتبوا إليه أخيرا:

بسم الله الرحمن الرحیم. للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين - أما بعد فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل فقد أينعت الأثمار فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة فقال لي لمن جاء بالكتاب من اجتمع على هذا الكتاب فكان الجواب: أن شبث بن ربعي وحجار بن أبحر العجلي ويزيد بن الحارث وعمر بن الحجاج الزبيدي وبقية من أعيان الكوفة ووجهائها (وهؤلاء هم الذين اشتركوا في قتله مع ابن سعد

(45)

وسبوا عياله ونهبوا خيمه). وكتب الحسين كتابا لأهل الكوفة الذين دعوه : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملا من المؤمنین والمسلمين. أما بعد. فإن هانية وسعيدة كانا آخر من قدم على من رسلكم وقد فهمت كل ما اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم أن ليس علينا إمام فأقبل فلعل الله يجمعنا بك على الحق والهدى وأنا باعث لكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحج والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ونطقت به كتبكم فإني أقدم إليكم وشيك إن شاء الله ، ولعمري ما الإمام إلأ الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق والسلام) وأرسل الكتاب مع هاني وسعيد من أهل الكوفة .

ثم دعا الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل وطلب منه السفر إلى الكوفة وأمره بالتقون وكتمان أمره واللطف فإن رأى الناس على ما أبدوه في كتبهم عجل إليه بالخبر فرحل مسلم مع قيس بن مسهر الصيداوي ورجلين آخرین.

مسلم بن عقيل في الكوفة :

وصل مسلم الكوفة ونزل في دار المختار الثقفي وأقبلت الشيعة تتهافت عليه وجاء الناس يسلمون عليه وهم يبكون وهو يقرأ عليهم كتاب الحسين حتی بایعه ثمانية عشر ألفا فعندئذ كتب مسلم إلى الحسين ما شاهده لدى الناس من الإقبال عليه والسلام على الحسين فقال في كتابه : أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله وإن جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا فعجل بالإقبال حين تقرأ كتابي هذا والسلام.

وكان النعمان بن بشير الوالي على الكوفة، ولما بلغه خبر وجود مسلم في الكوفة وما كان من أمر أهلها خطب بالناس وحذرهم الفتنة ، فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي أحد خلفاء بني أمية وقال له : إن كان هذا رأيك فلا يصلح لهو رأي المستضعفين فأجابه النعمان : أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من المعزين في معصية الله.

(46)

وكتب أعوان بني أمية مثل عبد الله بن مسلم وعمارة بن الوليد ابن عتبة وعمر بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد بن معاوية كتبا يخبرون بقدوم مسلم بن عقيل وموقف النعمان بن بشير ولما وصلت الكتب إلى يزيد كتب إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه والي البصرة أن يتولى الكوفة ويعلمه بوجود مسلم فيها ويأمره بقتل مسلم أو شد وثاقه أو نفيه من الكوفة.

كتاب الحسين (عليه السلام) إلى أهل البصرة:

وكان في البصرة شيعة لأهل البيت، فكتب الحسين إلى رؤسائهم وزعماء العشائر في البصرة وأشرافها، يطلب منهم النصيرة، فكتب إلى مالك ابن مسمع البكري والأحنف بن قیس ویزید بن مسعود والمنذر بن الجارود العبدي وسعود بن عمر الأزدي، ملخصه ما يلي:

إن الله اصطفى محمد بنبوته وبلغ ما أرسله به وكذا أهله وورثنه وأوصياؤه وأحق الناس بمقامه في الناس فاستأثر علينا قومنا بذلك فأغضينا كراهية للتفرقة ومحبة للعافية وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه فإن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أجيبت فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم إلى سبيل الرشاد.

فلما وصل الكتاب إلى أهل البصرة ، قام يزيد بن مسعود فجمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد فخطب بهم وقال :

إن معاوية قد مات وقد انكسر بهلاكه باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم وقد قام ابنه يزيد شارب الخمر رأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتآمر عليهم بغير رضأ منهم مع قصر علم وقلة فهم لا يعرف من الحق موطىء قدمه فأقسم بالله قسمة مبرورة لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين. وهذا الحسين بن علي، ابن رسول الله ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينضبا، وهو أولى بهذا الأمر وإمام وجبت الله به الحجة وبلغت به الموعظة، وكان صخر بن قیس الأحنف انزل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته والله لا يقصر أحدكم عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وها أنا لبست للحرب لأمتها وتدرعبت لها بدرعها فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب.

(47)

فأجابه بنو حنظلة وبنو عامر بن تميم ما أراد وقالت بنو سعد بن يزيد قد كان صخر (الأحنف) بن قيس أمرنا يترك القتال فحمدنا رأيه فنأتيك برأينا فقال والله يا بني سعد إن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا - وأجابه یزید بن مسعود على كتاب الحسين (عليه السلام) ، فقد كتب إلى الحسين يستجيب طلب الحسين (عليه السلام) ودعوته إلى النصرة، جاء في الكتاب [أنتم حجة الله على خلقه ووديعته في الأرض تفرعتم من زيتونة أحمدية هي أصلها وأنتم فرعها] وأجاب الأحنف بن قيس واقترح على الحسين أن يصبر ولا يستخفه الذين لا يوقنون، وأما المنذر بن الجارود فقد ذهب بالكتاب وحامله إلى عبيد الله بن زياد فاتخذ ابن زياد الحيطة والحذر وصلب رسول الحسين وخطب في الناس وتوعدهم وخرج من البصرة إلى الكوفة ولما دخلها جد في طلب مسلم بن عقيل والذين يؤيدون حركة أهل البيت، فقد دخل الكوفة يعتم بعمامة سوداء ليوهم الناس بأنه الحسين (عليه السلام) ، فاستبشروا بلقياه وظنوه الحسین فرحبوا به أجمل الترحيب، ولكن ابن زیاد يشاهد هذا الولاء للحسين فيزيد غيظه وبغضه حتى ضاق صدره فكشف عن الثامه وتكلم بعد أن كان صامتة وقال لهم إنه عبيد الله بن زياد فتراجع الناسعنه وابتعدوا وفي اليوم الثاني جمع الناس في صلاة جامعة، ولما اجتمعوا خطب بهم وتوعدهم وهددهم بالعقوبة الصارمة لمن شق على الطاعة، وأما الذي قدم الطاعة والخضوع والولاء لآل أمية فجزاؤه الإحسان والإكرام، فوصل الخبر إلى مسلم بن عقيل فانتقل من دار المختار بن أبي عبيد الثقفي إلى دار هاني بن عروة في جوف الليل، فصارته الشيعة تأتيه بصورة خفية إلى دار هاني، ولكن ابن زیاد صار يبث العيون والجواسيس والمتحرين عن وجود مسلم بن عقيل ومحل نزوله حتى توصل إلى مكانه ، فأرسل علي هاني بن عروة يوبخه على حمايته مسلمة، وجرى جدال بین الطرفين طويل لم يقتنع هاني بما طلبه زیاد، فعندئذ أمر ابن زیاد بقتل هاني فقتل، ولما بلغ خبر قتل هاني إلى عمر بن الحجاج أقبل بمذحج وأحاط بقصر الإمارة فأمر ابن زیاد شريحة القاضي أن يخبرهم بأن صاحبهم حي لم يقتل فطلع عليهم شريح وأخبرهم بأن صاحبهم حي لم يقتل، بل ضيف عند الوالي فتفرقوا وانصرفوا معتقدين بصحة قول شريح فأمن عبيد الله بن زیاد خطر هائي وخطر قومه ، وانصرف إلى تفرقة الناس عن مسلم بن عقيل

(48)

بالوعيد والوعود الخلابة حتى تمكن من القبض على مسلم وأسره حتی تم قتله، وبذلك صفا جو الكوفة لابن زیاد ونظم المسالع على ضفة الطف من البصرة إلى القادسية.

وكان مسلم بن عقيل قد كتب إلى الحسين يعلمه بأحوال أهل الكوفة مبايعتهم له قبل دخول عبيد الله بن زياد إليها، ولما وصل الكتاب إلى الحسين عزم على الخروج فجمع أصحابه في الليلة الثامنة من ذي الحجة فخطبهم قائلا: (الحمد الله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتیاق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشأ جونة وأجربة سغبة لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ولا نشذ عن رسول الله الحمته وهي مجموعة في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده . فمن كان باذلا فينا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحة إن شاء الله).

ولما حل الصباح بدأ مسيره إلى الكوفة وسار مغذأ لا يلوي على شيء فلما نزل (ذات عرق) التحق به رجال منها وبعث بكتابه إلى مسلم بن عقيل يخبره به مسيره وتوجهه إلى الكوفة وقدومه إليها، وتابع مسيره حتى وصل زرود، فبلغه عندها مقتل مسلم وهاني، ولما واصل المسير ودخل (زباله) جاءه خبر عبد الله بن يقطر، حيث قتله ابن زیاد ايضا، فجمع أصحابه وأعلمهم بما جرى على مسلم وهاني وابن يقطر وأذن لهم بالإنصراف فتفرق عنه أغلب الناس إلا أهل بيته والصفوة من أصحابه ، فسار بهؤلاء مارة ببطن العقبة فنزل شراف ربات بها، وعند الصباح قدمت عليهم خیل فلجأ إلى ذي حسم فإذا هو الحر بن یزید الرياحي في ألف فارس، أرسله الحصين ليمنع الحسين (عليه السلام) عن المسير بأمره وحسب رغبته ، ولما حل أذان الظهر صلى بهم الحسين ثم خطبهم فقال(1) : (أيها الناس إني لم آتكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإرشاد للشيخ المفيد ص/۲۲4

(49)

حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم أن أقدم إلينا فإنه ليس علينا إمام لعل الله أن يجمعنابك على الهدى والحق فإن كنتم على ذلك فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنکم إلى المكان الذي جئت منه إليكم) فسكتوا عنه ثم صلى بهم صلاة العصر، فخطبهم أيضا فقال: (أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله تكن أرضي الله عنكم ونحن أهل بيت محمد وأولي بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت عتكم). فقال له الحر والله ما أدري ما هذه الكتب التي نذكر فقال الحسين لعقبة بن سمعان غلام لزوجته الرباب ابنة امرىء القيس قم فأخرج الخرجين اللذين فيها كتبهم ، فانی بافنشرت بين يديه، فقال الحرإنا لسنا منهم وقد أمرنابملازمتك و إقدامك الكوفة على عبيد الله بن زياد، فان الحسين وتر ادا القول في ذلك ثم وضبابکتابة الحر إلى ابن زياد في الاستئذان بأن يرجع الحسين إلى مكة فجاء الجواب بالتضييق على الحسين والقدوم به عليه فأبي الحسين فجعل يسير والحر يمانعه، ثم عزم على السير في طريق لا يرجع به إلى مكة ولا يذهب به إلى الكوفة فتيأس والحر يلازمه، فنزل وخطب الحسين أصحابه فقال : (أما بعد فإنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ألا وإن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبیل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا بتناهي عنه فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فإني لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما). وقام أصحابه وأجابوه بما اقتضى خالص الدين وأوجب محض الإيمان فيركب وتياسر عن طريق العذيب والقادسية فمر بقصر بني مقاتل ثم سار فأتي إلى الحر أم من ابن زیاد فإذا فيه أما بعد فجعجع بالحسين (أي ضيق عليه) حتى يلقاك كتابي ويقدم عليك ورسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى تأتيني باتخاذك أمري والسلام. فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من السير وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية فقال له الحسين (عليه السلام) ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق قال

(1) الإرشاد/ للشيخ المفيد ص/۲۲6

(50)

بلی ولكن كتابة الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك وقد جعل على عينة يطالبني بذلك فنظر یزید بن زیاد بن مهاجر الكندي وكان قد خرج إلى الحسين (عليه السلام) من الكوفة قبل أن يلاقيه الحر إلى رسول ابن زیاد فعرفه فقال له ثكلتك أمك ماذا جئت به قال أطعت إمامي ووفيت ببيعتي فقال له ابن مهاجر بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار وبئس الإمام إمامك قال الله تعالى:

((وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار)) فإمامك منهم فقال الحسين (عليه السلام) للحر دعنا ويحلك ننزل هذه القرية أو هذه نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفيه فقال لا أستطيع هذا رجل قد بعث على عينة فقال زهير بن القين للحسين (عليه السلام) إني والله لا أرى أن يكون أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين (عليه السلام) ما كنت لأبدأهم بالقتال فقال له سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنها حصينة وهي على شاطىء الفرات فإن منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا لمن يجيء بعدهم فقال الحسين(عليه السلام) ما هي: قال العقر قال اللهم إني أعوذ بك من العقر قال له فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلاء، فإنها على شاطىء الفرات فنكون هناك فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم قال فدمعت عينا الحسين (عليه السلام) ثم قال اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء. ثم إن الحسين قام وركب وكلما أراد الحسين يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين فلما وصلها قال ما اسم هذه الأرض فقيل كربلاء فقال اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء(1)، ثم أقبل على أصحابه فقال الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا مخصوا بالبلاء ولى الديانون) ثم قال هذه کربلاء قالوا (نعم يا ابن رسول الله فقال هذا موضع کرب وبلاء انزلوا ها هنا مناخ ركابنا ومحط رحالتا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا فنزلوا جميعا ونزل الحر وأصحابه ناحية ثم إن الحسین (عليه السلام) جمع ولده وإخوته وأهل بيته ثم نظر إليهم فبکی ساعة ثم قال اللهم إنا عترة نبيك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أزعجنا وطردنا وأخرجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا اللهم فخذه لنا بحقنا وانصرنا على القوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مناقب آل أبي طالب/ الحافظ ابن شهر آشوب ج ۳/ ۲4۷.

(51)

الظالمين وكتب الحر إلى عبيد الله بن زياد يعلمه بنزول الحسين بكربلاء فكتب ابن زیاد إلى الحسين أما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو الحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد والسلام فلما قرأ الحسين الكتاب ألقاه من يده وقال لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق فقال له الرسول الجواب يا أبا عبد الله فقال ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب فرجع الرسول إلى ابن زياد فأخبره فاشتد غضبه وجهز إليه العساكر وأمر بالخروج إلى حرب الحسین (عليه السلام)(1). وفي اليوم الثامن من المحرم أصاب الحسين وعياله وصحبه العطش الشديد فأرسل أخاه العباس بن علي (عليه السلام) في عشرين فارسة وقد ذهب لاستقاء الماء من المشرعة وأحاط به القوم من كل جانب ليمنعوه فقاتل حتى قتل، وهو يدافع عن الماء لعله يصل به إلى الحرم. وأخذ أتباع الحسين وأقرباؤه وبنوه يتساقطون الواحد تلو الآخر أمام الحسين، بعد أن أبلوا بلاء حسنا، وقتلوا من عدوهم أكثر مما قتل منهم.

لقد خز حفيد الرسول صريعا على رمضاء كربلاء، ومضى قتيلا يوم عاشوراء ، وهو يوم السبت العاشر من محرم الحرام قبل الزوال ويقال يوم الجمعة بعد صلاة الظهر وقيل يوم الاثنين بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين بالعراق سنة ستين للهجرة ويقال سنة إحدى وستين ودفن بكربلاء من غربي الفرات(2) ويذهب المسعودي إلى أن الحسین قتل وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وقيل : ابن تسع وخمسين سنة وقيل غير ذلك. ووجد بالحسين يوم قتل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة ، ضرب زرعة بن شريك التميمي كفه اليسرى، وطعنه سنان بن أنس النخعي، ثم نزل فاحتز رأسيه(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أعيان الشيعة/ محسن الأمين ج 4 ص ۱۹5– ۱۹۸

(۲) مناقب آل أبي طالب / الحافظ ابن شهر آشوب ج ۳ ص/۲۳۱.

(3) مروج الذهب/ علي بن الحسين المسعودي ج ۳ ص/6۲.

(52)

وفي قتيل الطفل يقول سليمان بن قتة يرثيه على ما ذكره الزبير بن بكار في كتاب أنساب قریش من أبيات:

فإن فنبل الطــــــف من آل هاــــــــــم               أذل رقابة من قريش فذلت

فإن يتبعوه عائذ البــــــــيت يصــحبوا               كعاد تغمت عن هداها وضلت

الم تر أن الأرض أضـــحت مريضة         بقتل حسين والبلاء اقشــــعرت

فلا يبعد الله الديار وأهلـــــــــــــــها           وإن أصبحت منهم برغمي تخلت(1)

هذه الفتية من آل هاشم برزت في ميدان كربلاء كالأقمار في الليالي الحالكة، وغضارة الشباب تتدفق في محياها، وعزيمة الفتيان تتمثل في سیماها، وروح الإيمان تمتلك نفوسها، فوقفت حيال أبي عبد الله الحسين وقفة الأشبال في العرين، وجاهدت جهاد الأبطال، فمثلت على مسرح الحياة مأساة من أفجع المأسي التي شهدتها البشرية تمثل فيها الصراع بين الحق والباطل. يقول العقاد : إن هذه الحرب التي دارت بين الحسين ويزيد ابن معاوية بقيادة والي الكوفة عبيد الله بن زياد أكثر مجوسية وكفرة من الحروب بين الإسلام والمجوسية في تلك البقاع وما وراءها من الأرض الفارسية، لأن المجوس وغيره كان يدافع شيئا ينكره، ففي دفاعه معنی من الإيمان بالواجب كما تخيله ورآه، ولكن الجيش الذي أرسله عبيد الله بن زیاد لحرب الحسين (عليه السلام) كان جيش يحارب قلبه لأجل بطنه أو يحاربه ربه الأجل واليه، إذ لم يكن فيهم رجل واحد يؤمن ببطلان دعوى الحسين(عليه السلام)الا أو رجحان حق يزيد، لم يكن فيهم كافر ينضح عن عقيدة غير عقيدة الإسلام إلى من طوى قلبه على كفر کمين (أي دفين) هو مخفيه ولا تخالهم كثيرين (أي تحسبهم، وممن نعتبرهم مرتزقة باصطلاح اليوم أو بدافع الخوف والطمع والإغراء والدعاءة(2).

أي خليفة لرسول الله ، هذا الذي ارتد عن الدين، وقال تشفية بمقتل ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) متمثلا بأبيات ابن الزبعری:

ليست أشياخي ببدر شهدوا             جزع الخزرج من وقع الأسل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق ص/65.

(۲) ابو الشهداء / عباس محمود العقاد ص/ ۱۰۳.

(53)

لأهلوا واستهلوا فرحاً            ولقالوا يا يزيد لاتشل

ومن قوله الدال على كفره وإلحاده :

لعبت هاشم بالملــــــــك فلا            خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم             من بني أحمد ما كان فعل

وأي خليفة هذا الذي أباح مدينة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهدم الكعبة المشرفة ورماها بالمنجنيق؟ أما عامله عبيد الله بن زياد فلم ينس التاريخ ما قاله لزينب ابنة علي (عليه السلام) (الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأكذب أحدوثتكم) فأجابته قائلة : (الحمد لله الذي أكرمنا بالنبوة وخصنا بالشهادة إنما يفتضح الفاجر ... الخ) لذلك طلب الحسين (عليه السلام) الحياة في الشهادة، وسجل بموته الخلود لذكراه كما حكم بالفناء على الظلم والظالمين، وبرهن للعالم أجمع على أن الدم والمال والأهل ما أرخصها أمام نصر دين الله القويم، فقتل سلام الله عليه وصحائفه ناصعة البياض ، صادقة المثال على إيمانه بالله وتضحيته بكل غال ونفيس لنصر دين الله . فالحسين ما زال حيا على مر العصور والدهور، وأصبحت أعماله وسجاياه غرة في جبين الزمن. وما برح عرف شذاها وأريج مسكها ورياها يضمخ الآفاق.

لنتخذ يوم كربلاء معلمة في تاريخنا، نتعلم منه كيف يحيا عظام الرجال في سبيل مبدئهم، وكيف يموتون في سبيل میدئهم. يجب أن نقتبس من عزيمة الحسين وثباته في سبيل المبدأ الذي سقط من أجله شهيدا على رمضاء كربلاء. ونحن حين نبكي الحسين فقط لن تنصفه ، بل علينا أن تحيي ذكراه كل عام، ولن نكتفي بإحياء ذكراه بالبكاء وحده، إن هذه الذكرى الدامية التي تبعث في العين تلك الدمعة الوفية يجب أن تبعث في القلب العزيمة الصادقة التي صارع بها الحسين ما أحاط به من الخطوب. فتعلم منها كيف نستطيع أن نبني لأنفسنا ولأمتنا مجدا، لنكون أمة قوية تقف في وجه الظلم والطغيان والاستبداد ، كما وقف أبو الشهداء في کربلاء.

(54)

أبناء الحسين وبناته :

 

لأبي الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ستة ذكور وثلاث إناث وهم :

1- علي الأكبر شهید کربلاء . وأمه لیلی بنت أبي مرة بن عروة بنمسعود الثقفي

۲- علي السجاد المعروف بزین العابدین - وأمه شاه زنان(۱)بنت يزدجرد و كسرى ملك الفرس

٣- جعفر - مات في حياة أبيه ولا بقية له، وأمه قضاعية .

4- عبد الله - قتل مع أبيه صغيرة، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه.

 وأما الإناث فهن:

 ١. سكينة بنت الحسين - أمها الرباب بنت امرىء القيس الكلبي، وهيأخت عبد الله الرضيع

۲. فاطمة بنت الحسين - أمها بنت إسحاق بن طلحة بن عبد الله بنتيمية .

وجاء في كتاب (السيرة) أن للحسين بنت اسمها رقية، وهي المدفونة بالشام في سوق العمارة، ولها ضریح یزار.

ويقال إن للحسين بنتاً رابعة إسمها زينب. والذكر المخلد والثناء المؤيد لعلي زين العابدین (عليه السلام) ومنه عقبه(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شاه زنان: ملكة النساء.

(۲) أعيان الشيعة/ السيد محسن الأمين ج 4 من / ۹6 و۹۷.

(55)

(56)

شهداء يوم الطف(۱)

 

شهداء الطف من بني هاشم :

 

       1-أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب لي .

۲ - أبو بكر بن علي بن أبي طالب.

٣ - عمر بن علي بن أبي طالب.

4 - محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب .

5 - عبد الله بن علي بن أبي طالب.

6 - العباس بن علي بن أبي طالب.

7۔ محمد بن العباس بن علي بن أبي طالب .

8-عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب .

9-عبد الله الأصغر بن العباس بن علي بن أبي طالب .

       10- جعفر بن علي بن أبي طالب .

11-عثمان بن علي. القاسم بن الحسن.

12-القاسم بن الحسين (عليه السلام).

13- أبو بكر بن الحسن.

       14 - عبد الله بن الحسن.

       ۱5 - بشر بن الحسن.

16 - علي الأكبر بن الحسین (عليه السلام) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع تفاصيل تراجمهم في كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين) للشيخ محمد السماوي .

(57)

۱۷ ۔ عبد الله الرضيع بن الحسين .

18- إبراهيم بن الحسن.

19 - محمد بن عبد الله بن جعفر.

20 - عون بن عبد الله بن جعفر

21- عبد الله بن جعفر.

22-جعفر بن عقيل.

23- عبد الرحمن بن عقيل .

24۔ عبد الله الأكبر بن عقيل .

25- جعفر بن محمد بن عقیل .

26- محمد بن أبي سعيد بن عقيل .

27- محمد بن مسلم بن عقيل.

       ۲۸ - عون بن مسلم بن عقيل.

       ۲۹ - عبد الله بن مسلم بن عقيل

أسماء أنصار الحسين من غير بني هاشم :

 

       ۳۰ - إبراهيم بن الحصين الأسدي .

       ۳۱ - أبو الحتوف بن الحارث الأنصاري.

       32 - أبو عامر النهشلي.

       ۳۳ - الأدهم بن أمية العبدي.

       34 . أسلم التركي مولى الحسين (عليه السلام).

۳۰ - أمية بن سعد الطائي.

       36 - أنس بن الحارث الكاهلي (صحابي).

       ۳۷ - أنيس بن معقل الأصبحي .

       ۳۸ - بریر بن خضير الهمداني.

       ۳۹ - بشر بن عبد الله الحضرمي.

       40 - بكر بن حي التيمي.

(58)

41 - جابر بن حجاج التيمي .

       4۲ - جبلة بن علي الشيباني.

43 - جنادة بن الحرث السلماني .

       44 - جنادة بن كعب الأنصاري .

       45 - جون بن حوی - مولى أبي ذر .

       46 - جندب بن حجير الخولاني .

       47 - حجر بن جندب الخولاني

48- الحرث بن امرىء القيس الكندي.

49 - الحرث بن نبهان مولی حمزة بن عبد المطلب

50 - الحباب بن عامر التيمي.

       51 - الحجاج بن مسروق الجعفي .

52- الحجاج بن بدر السعدي ۔

       53- حلاس بن عمرو الراسبي ۔

54- حنظلة بن أسعد الشبامي

55- حبش بن قيس النهمي .

56- الحر بن يزيد الرياحي التميمي.

       57- حبیب بن مظاهر الأسدي .

58- خالد بن عمر الأزدي.

59 - رافع - مولی مسلم الأزدي .

60 - زياد بن عريب الصائدي.

61- زاهر بن عمر ۔مولی عمرو بن الحمق الخزاعي .

62 - زهير بن القين البجلي.

       6۳ - زهير بن سليم الأسدي.

       64 - سالم - مولی عامر العبدي البصري.

       65 - سالم بن عمرو - مولى بني المدينة الكلبي.

(59)