ابصار العين  في انصار الحسين  «عليه وعليهم السلام»

اسم الکتاب : ابصار العين في انصار الحسين «عليه وعليهم السلام»

المؤلف : الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي رحمه الله
المطبعة : الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية

 

 

 

*أتتك بجائن رجلاه تسعی(۱)*
فقال: وما ذاك أيها الأمير؟
فجعل يسأله عن الأحداث التي وقعت في داره وهو ينكرها، فأخرج إليه معقلاً، فلما رآه عرف أنه عين، فاعترف بها وقال لابن زیاد: إن مسلماً نزل علي وأنا أخرجه من داري.
فقال ابن زياد: ألم تكن عندك لي يد في فعل أبي زياد بأبيك وحفظه من معاوية؟ فقال له: ولتكن لك عندي يد أخرى بأن تحفظ من نزل بي وأنا زعيم لك أن أخرجه من المصر.
فضربه ابن زیاد بسوطه حتى هم أنفه وأمر به إلى السجن.
وروى أبو مخنف أن ابن زیاد لا أبلغه معقل بخبر هاني أرسل إليه محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وقال لهما: أتياني بهاني آمناً.
فقالا: وهل أحدث حدثاً؟
قال: لا.
فأتياه به، وقد رجل غديرتيه يوم الجمعة، فدخل عليه، فقال ابن زیاد له: أما تعلم أن أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك، وأحسن صحبتك، وكتب إلى أمير الكوفة يوصيه بك؟ أفكان جزائي أن خبأت في بيتك رجلاً ليقتلني، وذكر له ما أراده شريك من مسلم، وما امتنع لأجله مسلم.
فقال هاني: ما فعلت.
فأخرج ابن زیاد عينه، فلما رآه هاني علم أن وضح له الخبر، فقال: أيتها الأمير! قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عندي، أنت آمن وأهلك فسر حيث شئت.

____________
(1) الخائن الميت من الحين - بفتح الحاء - وهو الموت. وهذا مثل معروف، أول من قاله المحرق لوافد البراجم.

(109)

فكبا عبيد الله و مهران قائم على رأسه وبيد هاني معكزة بها زج يتوكأ عليها، فقال مهران: واذلاه! أهذا يؤمنك وأهلك؟
فقال عبيدالله: خذه، فأخذ بضفيرتي هاني وقنع وجهه، فأخذ ابن زیاد المعكزة فضرب بها وجه هاني وندر الزج فارتز بالجدار ثم ضرب وجهه حتى هشم أنفه وجبينه، وسمع الناس الهيعة، فأطافت مذحج بالدار، فخرج إليهم شريح القاضي فقال: ما به بأس، وإنما حبسه أميره وهو حي صحيح.
فقالوا: لا بأس بحبس الأمير.
وجائت أرباع مسلم بن عقيل فأطافوا بالقصر، فخذهم الناس كما تقدم، وبقي هاني عنده إلى أن قبض على مسلم فقتلهما وجرهما بالأسواق. وفي ذلك يقول عبدالله(1) بن الزبير الأسدي:
إذا كنت لا تدرين مالموت فانظري إلى هاني بالسوق وابن عقیل
إلى بطل قد هشم السيف وجهــــــه وآخر يهوي من طمار قتــیـل
تري جسداً قد غير الموت لونـــــه ونضح دم قد سال کل مسـیل
أيركب أسماء الهماليج(2) آمنـــــــاً وقد طلبته مذحج بذحــــــــول
تطيف حواليه مراد وكلــــــــــــهم على رقبة من سائل ومـسول

وكان قتل هاني يوم التروية سنة ستين مع مسلم بن عقيل، ولكن مسلماً قتله بكير بن حمران - کما مر - ورماه من القصر، وهاني أخرج إلى السوق التي يباع بها الغنم مكتوفاً، فجعل يقول: وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم، وامذحجاه و أين مني مذحج؟ فلما رأى أن أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال: أما من

___________
(1) بن الزبير - بفتح الزاء المعجمة غير مصقر - من بني أسد بن خزيمة، كان يتشيع .
(۲) جمع هملاج وهو البرذون.

(110)

عصاً أو سكين أو حجر يجاحش(1) به رجل عن نفسه، فتواثبوا عليه وشدوه وثاقاً، ثم قيل له: مد عنقك.
فقال: ما أنا بها جد سخي، وما أنا معينكم على نفسي.
فضربه رشيد التركي مولى عبيد الله فلم يصنع به شيئا.
فقال هاني: إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك.
ثم ضربه أخرى فقتله، ثم أمر ابن زیاد برأسيهما فسيرهما إلى يزيد مع هاني الوادعي والزبير التميمي - كما تقدم في ترجمة مسلم -.
قال أهل السير: ولما ورد نعيد ونعي مسلم إلى الحسين «عليه السلام» جعل يقول: رحمة الله عليها، يكرر ذلك، ثم دمعت عينه.
وقال الطبري: لما كان يوم خازر(2)، نظر عبدالرحمن بن حصين المرادي لرشید فقال: قتلني الله إن لم أصله فأقتله أو أقتل دونه، فحمل عليه بالرمح فطعنه وقتله ورجع إلى موقعه.
جنادة(3) بن الحرث المذحجي المرادي السلماني(4) الكوفي

كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة ومن أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام»، وكان خرج مع مسلم أولاً فلما نظر الخذلان خرج إلى الحسين «عليه السلام» مع عمرو بن خالد الصيداوي وجماعة، فمانعه الحر، ثم أخذهم الحسين «عليه السلام»، فلما كان يوم الطف
________________
(1) يدافع .
(۲) - بالخاء والزاء المعجمتين ثم الراء - نهر بين موصل وأربل، كانت به الوقعة التي قتل بها إبراهيم بن مالك الأشتر عبیدالله بن زياد في أيام المختار سنة ست وستين.
(3) - بالجيم والنون والألف والدال المهملة وبعدها الماء ويصف بجبار وحيان ولكن المضبوط ذلك -.
(4) نسبة إلى سلمان وهم بطن من مراد، ومراد بطن من مذحج کما ذكره أهل النسب.

(111)

تقدموا فأوغلوا في صفوف أهل الكوفة حتى أحاطوا بهم، فانتدب لهم العباس فخلص إليهم وخلصهم ولكنهم أبوا أن يرجعوا سالمين ويروا عدواً فقتلوا في مكان واحد بعد أن قاتلوا قتال الأسد اللوابد.
واضح التركي مولى الحرث المذحجي السلماني

كان واضح غلام تركياً شجاعاً قارئاً، وكان للحرث السلماني، فجاء مع جنادة ابن الحرث للحسين «عليه السلام» كما ذكره صاحب الحدائق الوردية.
والذي أظن أن واضحاً هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنه برز في اليوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راج بسيفه وهو يقول:

البحر من ضربي وطعني يصطلي والجو من عثير نقعي يمتلي
إذا حسامي في يميني ينجلــــــــــي ينشق قلب الحاسد المبجـــل

قالوا: ولما قتل استغاث، فانقض عليه الحسين «عليه السلام» واعتنقه وهو يجود بنفسه، فقال: من مثلي وابن رسول الله (ص) واضع خده على خدي، ثم فاضت نفسه.


مجمع بن عبدالله العائذي

 

هو مجمع بن عبدالله بن مجمع بن مالك بن أياس بن عبد مناة بن عبیدالله بن سعد العشيرة المذحجي العائذي.
كان عبدالله بن مجمع العائذي صحابياً، وكان ولده مجمع تابعياً من أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام»، ذكرهما أهل الأنساب والطبقات. وكان مجمع وابنه الآتي ذكره جاءا مع عمرو بن خالد الصيداوي إلى الحسين «عليه السلام» فمانعهم الحر وأخذهم الحسين «عليه السلام» - كما تقدم ذلك -
قال أبو مخنف: لما مانع الحر مجمعاً وابنه وعمراً وجنادة ثم أخذهم الحسين «عليه السلام»

(112)

ومنعهم، سألهم الحسين «عليه السلام» عن الناس بالكوفة، فقال «عليه السلام»: أخبروني خبر الناس ورائكم.
فقال له مجمع بن عبدالله: أما أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم(1) يستمال بذلك ودهم وتستخلص به نصيحتهم فهم ألب(۲) واحد عليك، وأما سائر الناس بعد فإن أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك.
فقال «عليه السلام» له: أخبرني فهل لك علم برسولي إليكم؟
قال: من هو؟
فقال: قيس بن مسهر.
قال: نعم أخذه الحصين بن تميم، إلى آخر ما تقدم في ترجمة قيس.
وقال أهل السير والمقاتل: قتل مجمع بن عمرو بن خالد وأصحابها في اليوم العاشر في مكان واحد كما تقدم في ترجمة عمرو وجنادة، وسيأتي في ترجمة عائذ.
عائذ بن مجمع بن عبدالله المذحجي العائدي

كان عائذ بن مجمع خرج مع أبيه إلى الحسين «عليه السلام» فلقياه في الطريق ومانعهما الحر مع أصحابها فمنعهم منه الحسين «عليه السلام» كما تقدم ذلك.
قال أهل السير: وكانوا أربعة نفر وهم: عمرو بن خالد، وجنادة، ومجمع وابنه، وواضح مولى الحرث، وسعد مولى عمرو بن خالد، فكأنهم لم يعدوا الموليين واضحاً وسعداً كما لم يعدوا الطرماح دليلهم.
وقال صاحب الحدائق: قتل عائذ في الحملة الأولى.
وقال غيره: قتل مع أبيه في مكان واحد كما تقدم، وذلك قبل الحملة الأولى في
__________
(1) الغرائر بالغين المعجمة والراء المهملة جمع غرارة بكسر الغين وهي الجوالق.
(۲) يقال: هم عليه ألف واحد - بفتح الهمزة وكسرها - أي مجتمعون على الظلم والعداوة.

(113)

أول القتال کما وضح لك مما تلوناه عليك.
نافع(1) بن هلال الجملي(2)

هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج، المذحجي الجملي. كان نافع سيداً شريفاً سرياً شجاعاً، وكان قارئاً كاتباً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام» وحضر معه حروبه الثلاث في العراق، وخرج إلى الحسين «عليه السلام» فلقيه في الطريق وكان ذلك قبل مقتل مسلم، وكان أوصى أن يتبع بفرسه المسمى بالكامل، فأتبع مع عمرو بن خالد وأصحابه الذين ذكرناهم.
قال ابن شهر آشوب: لما ضيق الحر على الحسين «عليه السلام» خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها: أما بعد؛ فقد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت الخ، قام إليه زهير فقال: قد سمعنا هداك الله مقالتك الخ.
ثم قام نافع فقال: يابن رسول الله! أنت تعلم أن جدك رسول الله (ص) لم يقدر أن يشرب الناس محبته ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب وقد كان منه منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمر من الحنظل، حتى قبضه الله إليه، وإن أباك علياً قد كان مثل ذلك؛ فقوم قد أجمعوا على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين، وقوم خالفوه حتى أتاه أجله ومضى إلى رحمة الله ورضوانه، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة؛ فمن نکث عهده و خلع نيته فلن يضر إلا نفسه، والله مغن عنه، فسر بنا راشداً معافى، مشرقاً إن شئت وإن شئت مغرباً، فوالله ما أشفقنا من قدر الله، ولا كرهنا لقاء ربنا، فإنا على نياتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

_______________
(1) يجري على بعض الألسن ويمضي في بعض الكتب هلال بن نافع وهو غلط على ضبط القدماء .
(۲) منسوب إلى جمل بطن من مذحج، ويمضي على الألسن وفي الكتب البجلي وهو غلط واضح.

(114)

ثم قام برير فقال ما تقدم في ترجمته .
وقال الطبري: منع الماء في الطف على الحسين«عليه السلام» فاشتد عليه وعلى أصحابه العطش، فدعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وأصحبهم عشرين قربة فجاؤوا حتى دنوا من الماء ليلاً واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال، فحس بهم عمرو بن الحجاج الزبيدي وكان حارس الماء فقال: من؟
قال: من بني عمك.
فقال: من أنت؟
قال: نافع بن هلال.
فقال: من جاء بك؟
قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا(۱) عنه.
قال: إشرب هنيئا.
قال: لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين «عليه السلام» عطشان، ومن ترى من أصحابه.
فطلعوا عليه، فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنما وضعنا بهذا المكان لنمنع الماء، فلما دنا أصحابه منه قال: املأوا قربكم، فنزلوا فملأوا قربهم، فثار عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس بن علي «عليه السلام» ونافع بن هلال الجملي ففرقوهم وأخذوا أصحابهم وانصرفوا إلى رحالهم وقد قتلوا منهم رجالاً.
وقال أبو جعفر الطبري: لما قتل عمرو بن قرظة الأنصاري جاء أخوه علي وكان مع ابن سعد ليأخذ بثاره، فهتف بالحسين «عليه السلام» - كما سيأتي في ترجمة عمرو - فحمل عليه نافع بن هلال فضربه بسيفه فسقط، وأخذه أصحابه فعولج فيما بعد وبرئ ثم جالت الخيل التي منعت علياً فردها نافع عن أصحابه وكشفها عن وجوههم.

_________
(1) يقال حلا الناقة عن الورد أي منعها وذادها عنه.

(115)

وحدث يحیی بن هاني بن عروة المرادي أنه لما جالت الخيل بعد ضرب نافع علي، حمل عليها نافع بن هلال فجعل يضرب بها قدمة وهو يقول:

إن تنكروني فأنا ابن الجمل ديني على دين حسين بن علي

فقال له مزاحم بن حریث: أنا على دين فلان.
فقال له نافع: أنت على دين الشيطان، ثم شد عليه بسيفه فأراد أن يولي ولكن السيف سبق فوقع مزاحم قتيلاً، فصاح عمرو بن الحجاج: أتدرون من تقاتلون؟ لا يبرز إليهم منكم أحد.
وقال أبو مخنف: كان نافع قد كتب إسمه على أفواق(1) نبله فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول:

أرمي بها معلمة أفواقـــها مسمومة تجري بها إخفاقها(۲)
ليملأن أرضها رشاقها(۳) والنفس لا ينفعها إشفاقهــــا(4)

فقتل إثني عشر رجلاً من أصحاب عمر بن سعد سوی من جرح حتى إذا أفنيت نباله جرد فيهم سيفه فحمل عليهم وهو يقول:
أنا الهزبر الجملي أنا على دين علي

فتواثبوا عليه وأطافوا به يضاربونه بالحجارة والنصال حتی کسروا عضدیه فأخذوه أسيراً، فأمسكه شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحابه يسوقونه حتى أتي به عمر بن سعد، فقال له عمر: ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك؟
قال: إن ربي يعلم ما أردت.

___________
(1) جمع فواق - بضم الفاء - وهو موضع الوتر من السهم.
(۲) الصرع يقال أخفق زيد عمراً في الحرب أي صرعه فكان النبل يجري بها الصرع.
(۳) جمع شيق وهو السهم اللطيف.
(4) الإشفاق: الخوف.

(116)

فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على لحيته: أماتری ما بك؟
قال: والله لقد قتلت منكم إثني عشر رجلاً سوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني.
فقال شمر لابن سعد: أقتله أصلحك الله.
قال: أنت جئت به فإن شئت فاقتله.
فانتضی شمر سيفه، فقال له نافع: أما والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منایانا على يدي شرار خلقه، ثم قتله رضوان الله عليه ولعنته على قاتليه. وفيه أقول:

ألا رب رام یکتب السهم نافعـــــــــــاً ويعني به نفعاً لآل محـــــــــــــــــمد
إذا ما أرنت قوسه فاز سهمــــــــــــها بقلب عدو أو جناحين معتــــــــــــــد
فلو ناضلوه(۱) ما أطافوا بغابـــــــــــه ولكن رموه بالحجار المحـــــــــــــدد
فأضحى خضيب الشيب من دم رأسه کسیر ید ینقاد للأسر عن يـــــــــــــد
وما وجدوه واهناً بعد أســــــــــــــــره ولكن بسيما ذي براثن(۲) مــــــلبد(۳)
فإن قتلوه بعد ما ارتث صـــــــــــابراً فلا فخر في قتل الهزبر المخضد(4)
ولو بقيت منه يدم لم يقد لهـــــــــــــم ولم يقتلوه لو نضا(5) لمــــــــــــــهند

___________
(۱) ناضلوه: راموه بالسهام
(۲) جمع برثن كقنفذ وهو مخلب الأسد.
(3) الملبد: الأسد ذي اللبد.
(4) المخضد: المكسر.
(5) نضا: جرد.

(117)

الحجاج بن مسروق بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي

كان الحجاج من الشيعة، صحب أميرالمؤمنين «عليه السلام» في الكوفة، ولما خرج الحسين «عليه السلام» إلى مكة خرج من الكوفة إلى مكة لملاقاته فصحبه وكان مؤذناً له في أوقات الصلوات.
قال صاحب خزانة الأدب الکبری: لما ورد الحسين «عليه السلام» قصر بني مقاتل رأي فسطاطاً مضروباً، فقال: لمن هذا؟
فقيل: لعبیدالله بن الحر الجعفي.
فأرسل إليه الحجاج بن مسروق الجعني ویزید بن مغفل الجعفي، فأتياه وقالا: إن أبا عبدالله يدعوك.
فقال لهما: أبلغا الحسين أنه إنما دعاني من الخروج إلى الكوفة حين بلغني أنك تريدها فرار من دمك ودماء أهل بيتك ولئلا أعين عليك وقلت: إن قاتلته كان علي كبيرة وعند الله عظيماً، وإن قاتلت معه ولم أقتل بين يديه كنت قد ضيعته وإن قتلت فأنا رجل أحمي أنفاً من أن أمكن عدوي فيقتلني ضيعة والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم.
فأبلغ الحجاج وصاحبه قول عبیدالله إلى الحسين «عليه السلام» فعظم عليه ودعا «عليه السلام» بنعليه ثم أقبل يمشي حتى دخل على عبيد الله بن الحر فسطاطه فأوسع له عن صدر مجلسه واستقبله إجلالاً وجاء به حتى أجلسه.
قال یزید بن مرة: فحدثني عبيدالله بن الحر قال: دخل علي الحسين «عليه السلام» ولحيته كأنه جناح غراب فما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملا للعين منه، ولا رققت على

_______________
(1) - بضم الجيم وسكون العين المهملة ثم الفاء - بطن من سعد العشيرة.

(118)

أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي وصبيانه حوله.
فقال الحسين «عليه السلام»: ما يمنعك يابن الحر أن تخرج معي؟
فقال ابن الحر: لو كنت كائناً مع أحد الفريقين لكنت معك، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك، فأنا أحب أن تعفيني من الخروج معك ولكن هذه خيل لي معدة وأدلاء من أصحابي وهذه فرسي الحلقة؛ فوالله ما طلب عليها شيئا قط إلا أدركته، ولا طلبني أحد إلا فته، فاركبها حتى تلحق بمأمنك وأنا لك ضمين بالعيالات حتى أديهم إليك أو أموت وأصحابي عن آخرهم دونهم وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد.
قال الحسين «عليه السلام»: أفهذه نصيحة لنا منك يابن الحر؟
قال: نعم والله الذي لا شيء فوقه.
فقال له الحسين «عليه السلام»: إني سأنصح لك كما نصحت لي، إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ولا تشهد واعيتنا فافعل فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا الا أكبه الله في نار جهنم.
ثم خرج الحسين «عليه السلام» من عنده و علیه جبة خز وكساء وقلنسوة موردة ومعه صاحباه الحجاج ویزید، وحوله صبيانه، فقمت مشيعاً له وأعدت النظر إلى لحيته فقلت: أسواد ما أری أم خضاب؟
فقال: يابن الحر! عجل علي الشيب.
فعرفت أنه خضاب وودعته .
وقال ابن شهرآشوب وغيره: لما كان اليوم العاشر من المحرم ووقع القتال تقدم الحجاج بن مسروق الجعفي إلى الحسين «عليه السلام» واستأذنه في القتال، فأذن له ثم عاد إليه وهو مخضب بدمائه، فأنشده:
فدتك نفسي هادياً مهدياً اليوم ألقى جدك الـــــنبيا
ثم أباك ذا الندى علـــياً ذاك الذي نعرفه الوصيا

(119)

فقال له الحسين «عليه السلام»: نعم، وأنا ألقاهما على أثرك.
فرجع يقاتل حتى قتل.
یزید بن مغفل(1) بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي

کان یزید بن مغفل أحد الشجعان من الشيعة والشعراء المجيدين، وكان من أصحاب علي «عليه السلام»، حارب معه في صفين وبعثه في حرب الخريت من الخوارج، فكان على ميمنة معقل بن قيس عندما قتل الخريت؛ كما ذكره الطبري.
وقال المرزباني في معجم الشعراء: كان من التابعين وأبوه من الصحابة.
وروی صاحب الخزانة: إنه كان مع الحسين في مجيئه من مكة وأرسله مع الحجاج الجعفي إلى عبيدالله بن الحر كما ذكرته في ترجمة الحجاج.
وذكر أهل المقاتل والسير أنه لما التحم القتال في اليوم العاشر استأذن یزید بن مغفل الحسين «عليه السلام» في البراز فأذن له، فتقدم وهو يقول:

أنا یزید وأنا ابن مغـــــــــــــــــفل وفي يميني نصل سيف منجل
أعلو به الهامات وسط القسطل(۲) عن الحسين الماجد المفضـــل
ثم قاتل حتى قتل.
وقال المرزباني في معجمه: إنه لما جد القتال تقدم وهو يقول:
إن تنكروني فأنا ابن مغفــــــل شاك لدذى الهيجاء غير أعزل
وفي يميني نصل سيف منصل أعلو به الفارس وسط القسطل

قال: فقاتل قتالاً لم ير مثله حتى قتل جماعة ثم قتل «رضي الله عنه».

___________
(1) بوزن مکرم - بالغين والفاء المعجمتين ثم اللام –
(۲) العجاج في الحرب من المصادمة والمكافحة.

(120)

المقصد الخامس
في الأنصار من أنصار الحسين «عليه السلام»


عمرو بن قرظة الأنصاري

هو عمرو بن قرظة(1) بن کعب بن عمرو بن عائذ بن زید مناة بن ثعلبة بن کعب ابن الخزرج الأنصاري الكوفي.
كان قرظة من الصحابة الرواة ، وكان من أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام»، نزل الكوفة وحارب مع أميرالمؤمنين «عليه السلام» في حروبه، وولاه فارس، و توفي سنة إحدى وخمسين وهو أول من نيح عليه بالكوفة، وخلف أولاد أشهرهم عمرو وعلي.
أما عمرو فجاء إلى أبي عبدالله الحسين «عليه السلام» أيام المهادنة في نزوله بكربلا قبل الممانعة، وكان الحسين «عليه السلام» يرسله إلى عمر بن سعد في المكالمة التي دارت بينهما قبل إرسال شمر بن ذي الجوشن فيأتيه بالجواب حتى كان القطع بينها بوصول شمر، فلا كان اليوم العاشر من المحرم استأذن الحسين «عليه السلام» في القتال ثم برز وهو يقول:

قد علمت كتائب الأنـــــصار إني سأحمي حوزة الذمـــار
فعل غلام غير نكس شار(1) دون حسين مهجتي وداري

___________
(1) - بالحركات الثلاث على القاف والراء المهملة والظاء المعجمة - ويمضي في بعض الكتب قرطة بالطاء المهملة وهو تصحيف.
(۲) الشاري الباذل نفسه في سبيل الله مأخوذ من قوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه أبتغاء مرضات ألله) (البقرة: ۲۰۷).

(121)

قال الشيخ ابن نما: عرض بقوله دون حسين مهجتي وداري بعمر بن سعد فإنه لما قال له الحسين «عليه السلام»: صر معي، قال: أخاف على داري. فقال الحسين «عليه السلام» له: أنا أعوضك عنها. قال: أخاف على مالي. فقال له: أنا أعوضك عنه من مالي بالحجاز، فتكره، إنتهى كلامه.
ثم إنه قاتل ساعة ورجع الحسين «عليه السلام» فوقف دونه ليقيه من العدو.
قال الشيخ ابن نما: فجعل يلتقي السهام بجبهته وصدره فلم يصل إلى الحسين «عليه السلام» سوء حتى أثخن بالجراح، فالتفت إلى الحسين «عليه السلام» فقال: أوفیت یابن رسول الله؟
قال: نعم وأنت أمامي في الجنة فاقرأ رسول الله علي السلام وأعلمه أني في الأثر. فخر قتیلاً رضوان الله عليه.
وأما علي فخرج مع عمر بن سعد فلا قتل أخوه عمرو برز من الصف ونادی: یا حسين! ياكذاب! أغررت أخي وقتلته!!
فقال له الحسين «عليه السلام»: إني لم أغر أخاك ولكن هداه الله وأضلك.
فقال علي: قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك، ثم حمل على الحسين «عليه السلام» فاعترضه نافع بن هلال فطعنه حتى صرعه، فحمل أصحبه عليه واستنقذوه فدووي بعد فبرئ.
ولعلي هذا دون أخيه الشهيد ترجمة في كتب القوم ورواية عنه ومدح فيه.
عبدالرحمن بن عبد رب الأنصاري الخزرجي

كان صحابياً، له ترجمة ورواية، وكان من مخلصي أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام».
قال ابن عقدة: حدثنا محمد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي، عن محمد بن جعفر النميري، عن علي بن الحسن العبدي، عن الأصبغ بن نباته قال: نشد علي «عليه السلام» الناس في الرحبة من سمع النبي (ص) قال يوم غدیر خم ما قال إلا قام، ولا يقوم إلا من سمع رسول الله (ص) يقول.

(122)

فقام بضعة عشر رجلاً فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب، وسهل بن حنیف، وخزيمة بن ثابت، وعبدالله بن ثابت، وحبشي بن جنادة السلولي، وعبيد بن عازب، والنعمان بن عجلان الأنصاري، و ثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبدالرحمن بن عبد رب الأنصاري، فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله (ص) يقول: ألا إن الله عز وجل ولي وأنا ولي المؤمنين، ألا فمن کنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وأعن من أعانه.
وذكر في أسد الغابة ذلك وكرره في مواضع الذين قاموا من الصحابة.
وقال في الحدائق: وكان علي بن أبي طالب «عليه السلام» هو الذي علم عبدالرحمن هذا القرآن ورباه وكان عبدالرحمن جاء معه فيمن جاء من مكة وقتل بين يديه في الحملة الأولى.
وقال السروي: إنه قاتل وقتل «رضي الله عنه».

نعیم بن عجلان الأنصاري

كان النضر والنعمان ونعيم إخوة من أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام» ولهم في صفين مواقف فيها ذكر وسمعة، وكانوا شجعاء شعراء، مات النضر والنعمان وبقي نعيم في الكوفة، فلا ورد الحسين «عليه السلام» إلى العراق خرج إليه وصار معه، فلما كان اليوم العاشر تقدم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى.
جنادة بن کعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي

كان جنادة من صحب الحسين «عليه السلام» من مكة وجاء معه هو وأهله فلما كان يوم الطف تقدم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى.

(123)
عمر بن جنادة بن کعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي

كان عمر غلاماً جاء مع أبيه وأمه، فأمرته أمه بعد أن قتل أبوه في الحرب، فوقف أمام الحسين «عليه السلام» يستأذنه، فلم يأذن له، فأعاد عليه الاستئذان.
قال أبو مخنف: فقال الحسين: إن هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعل أمه تكره ذلك.
فقال الغلام: إن أمي هي التي أمرتني.
فأذن له فتقدم إلى الحرب فقتل وقطع رأسه ورمی به إلى جهة الحسين «عليه السلام» فأخذته أمة وضربت به رجلاً فقتلته وعادت إلى المخيم فأخذت عموداً لتقابل به، فردها الحسين «عليه السلام».
سعد بن الحرث الأنصاري العجلاني
و
أبوالحتوف بن الحرث الأنصاري العجلاني

كانا من أهل الكوفة ومن المحكمة، فخرجا مع عمر بن سعد إلى قتال الحسين «عليه السلام».
قال صاحب الحدائق: فلما كان اليوم العاشر وقتل أصحاب الحسين، فجعل الحسين «عليه السلام» ينادي: ألا ناصر فينصرنا؟ فتصارخن وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسين «عليه السلام» والصراخ من عياله، فالا بسيفيها مع الحسين على أعدائه فجعلا يقاتلان حتى قتلا جماعة وجرحا آخرين ثم قتلا معاً.

(124)

المقصد السادس
في البجليين والخثعميين من أنصار الحسين

زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي
كان زهير رجلاً شريفاً في قومه، نازلاً فيهم بالكوفة، شجاعاً، له في المغازي مواقف مشهورة و مواطن مشهودة، وكان أولاً عثمانياً، فحج سنة ستين في أهله ثم عاد فوافق الحسين «عليه السلام» في الطريق فهداه الله وانتقل علوياً.
روى أبو مخنف عن بعض الفزاريين قال: كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة نساير الحسين «عليه السلام»، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل، فإذا سار الحسين «عليه السلام» تخلف زهير، وإذا نزل الحسين تقدم زهير، حتى نزلنا يوماً في منزل لم نجد بداً من أن ننازله فيه، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين «عليه السلام» فسلم ودخل، فقال: يا زهير ابن القين! إن أباعبدالله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه. فطرح كل إنسان منا ما في يده، حتى كأن على رؤوسنا الطير(1).
قال أبو مخنف: فحدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير قالت: فقلت له: أيبعث إليك ابن رسول الله (ص) ثم لا تأتيه ؟! سبحان الله ! لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت.
قالت: فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه، فأمر
______________
(۱) هذا مثل يضرب في السكون من التحير، فإن الطير لا يقع إلا على ساكن.

(125)

بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين «عليه السلام» ثم قال لي: أنت طالق إلحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير. ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد، إني سأحدثكم حديثاً، غزونا بلنجر(۱) ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان(۲): أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم؟ فقلنا: نعم. فقال لنا: إذا أدركتم شباب آل محمد (ص) فكونوا أشد فرحة بقتالكم معه بما أصبتم من المغانم، فأما أنا فإني أستودعكم الله.
قال: ثم والله ما زال أول القوم حتى قتل معه.
وقال أبو مخنف: لما عارض الحر بن یزید الحسين «عليه السلام» في الطريق وأراد أن ينزله حيث يريد فأبي الحسين «عليه السلام» عليه ثم إنه سایره، فلما بلغ ذاحسم خطب أصحابه خطبته التي يقول فيها: أما بعد؛ فإنه نزل بنا من الأمر، ما قد ترون الخ، فقام زهير وقال لأصحابه: أتتكلمون أم أتكلم؟
قالوا: بل تكلم.
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: وقد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.
فدعا له الحسين وقال له خيراً .

____________
(1) - بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة آخر الحروف. وهي مدينة في الخزر عند باب الأبواب فتحت في زمان عثمان على يد سلمان بن ربيعة الباهلي أو سلمان الفارسي كما ذكره ابن الأثير، وقتل سلمان بن ربيعة بعد فتحها، فقال فيه عبد الرحمن الباهلي:

وإن لنا قبرین قبر بلنجر وقبراً بأرض الصين يالك من قبر
(۲) قوله: «فقال لنا سلمان» تمل الباهلي لأنه رئيس الجيش ويحتمل الفارسي لأنه في الجيش على ما ذكره ابن الأثير في الكامل.

(126)
وروى أبو مخنف: إن الحر لما ضايق الحسين «عليه السلام» بالنزول وأتاه أمر ابن زیاد أن ينزل الحسين «عليه السلام» على غير ماء ولاكلاء ولا في قرية، قال له الحسين: دعنا ننزل في هذه القرية - يعني نينوى(1) - أو هذه - يعني الغاضرية(۲) - أو هذه -يعني شفية (۳) -.
فقال الحر: لا والله لا أستطيع بذلك، هذا رجل قد بعث علي عيناً.
فقال زهير للحسين: يابن رسول الله! إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به.
فقال له الحسين: ما كنت لأبدأهم بقتال.
فقال له زهير: فسر بنا إلى هذه القرية فإنها حصينة وهي على شاطئ الفرات فإن منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم.
فقال الحسين: وأية قرية هي؟
قال: هي العقر.
فقال الحسين: اللهم إني أعوذ بك من العقر، فنزل بمكانه وهو کربلا.
وقال أبو مخنف: لا أجمع عمر بن سعد على القتال، نادی شمر بن ذي الجوشن: يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة، والحسين «عليه السلام» جالس أمام بيته، محتب بسيفه وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس، فدنت أخته زينب منه وقالت: يا أخي! قد اقترب العدو، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرم بعد العصر، وجائه العباس فقال: يا أخي! أتاك القوم.
فنهض ثم قال: يا عباس! إركب إليهم حتى تسألهم عما جاء بهم.

_________
(۱) قرية عند كربلا.
(۲) قرية عند كربلا أيضاً تنسب لبني غاضرة من أسد.
(3) قرية عند کربلا أيضاً وتضبط بضم الشين المعجمة والفاء المفتوحة والياء المثناة تحت المشدودة والتاء أخر الكلمة ولم أر من ذكرها في المعاجم.

(127)

فركب العباس في عشرين فارساً منهم حبیب بن مظهر وزهير بن القين فسألهم العباس، فقالوا: جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة، فقال له العباس: لا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا وقالوا له: ألقه فأعلمه ثم القنا بما يقول.
فذهب العباس راجعاً، ووقف أصحابه، فقال حبيب لزهير: کلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم أنا.
فقال زهير: أنت بدأت فكلمهم بما تقدم في ترجمته، فرد عليه عزرة بن قیس بقوله: إنه لتزكي نفسك ما استطعت، فقال له زهير: إن الله قد زكاها وهداها، فاتق الله يا عزرة فإني لك من الناصحين، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية.
فقال عزرة: یا زهير! ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت إنما كنت عثمانية.
قال: أفلا تستدل بموقفي هذا على أني منهم، أما الله ما كتبت إليه كتابا قط ولا أرسلت إليه رسولاً قط ولا وعدته نصرتي قط ولكن الطريق جمع بيني وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله (ص) ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه لما ضعتم من حق الله وحق رسوله.
قال: وأقبل العباس فسألهم إمهال العشية، فتؤامروا، ثم رضوا فرجعوا.
وروى أبو مخنف عن الضحاك بن عبدالله المشرقي قال: لما كانت الليلة العاشرة خطب الحسين «عليه السلام» أصحابه وأهل بيته فقال في كلامه: هذا الليل قد غشیکم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فإن القوم إنما يطلبوني.
فأجابه العباس وبقية أهله ما تقدم في تراجمهم، ثم أجابه مسلم بن عوسجة بما

(128)

ذكر، وأجابه سعيد بما يذكر، ثم قام زهير فقال: والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة وإن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.
وقال أهل السير: لما صف الحسين لا أصحابه للقتال وإنما هم زهاء السبعين، جعل زهير بن القين على الميمنة وحبيباً على الميسرة ووقف في القلب، وأعطى الراية لأخيه العباس.
وروى أبو مخنف عن علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي عن كثير بن عبدالله الشعبي البجلي قال: لما زحفنا قبل الحسين «عليه السلام» خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب وهو شاك في السلاح. فقال: يا أهل الكوفة! نذار لكم من عذاب الله نذار(1)، إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة وعلى دين واحد وملة واحدة مالم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة(2)، وكتا أمة واحدة، إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبیدالله بن زیاد فإنكم لا تدركون منها إلا السوء عمر سلطانها كله، إنها يسملان(۳) أعينكم، ويقتلان أماثلكم وقرائكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه.
قال: فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زیاد وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير.
فقال لهم زهير: عباد الله! إن ولد فاطمة «عليها السلام» أحق بالود والنصر من ابن سمية،

____________
(1) - بفتح النون وكسر الراء - أي خافوا، وهو إسم فعل من الإنذار وهو الإبلاغ مع التخويف وبناؤه على الكسر.
(۲) أي المنعة بالإسلام، يقال من شهد الشهادتين فقد عصم نفسه أي منعها.
(3) يقال : سمل عينه أي فقاها بميل محمي.

(129)
فإن لم تنصرهم فاُعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد، فلعمري أنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين «عليه السلام».
قال: فرماه شمر بسهم وقال له: أسكت أسكت الله نامتك(۱)، فقد أبرمتنا(۲) بكثرة كلامك.
فقال له زهير: یابن البوال على عقبيه ما إياك أخاطب، إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.
قال زهير: أفبالموت تخوفني؟ والله للموت معه أحب إلي من الخلد معكم.
قال: ثم أقبل على الناس رافعاً صوته وصاح بهم: عباد الله إلا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمد (ص) قوم هراقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.
قال: فناداه رجل من خلفه: یا زهير! إن أباعبدالله «عليه السلام» لا يقول لك أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ، فذهب إليهم.
وروى أبو مخنف عن حميد بن مسلم قال: حمل شمر حتى طعن فسطاط الحسين «عليه السلام» برمحه وقال: علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله، فصاحت النساء وخرجت من الفسطاط، فصاح الحسين «عليه السلام»: يابن ذي الجوشن! أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي؟ أحرقك الله بالنار.
وحمل زهير بن القين في عشرة من أصحابه فشد على شمر وأصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها، وقتل زهير أبا عزة الضبابي من أصحاب شمر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النامة بالهمزة والنامة بالتشديد الصوت، يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء عند العرب مشهور.
(۲) أي أضجرتنا.

(130)

وذوي قرباه وتبع أصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم فكثروهم وقتلوا أكثرهم وسلم زهیر.
قال أبو مخنف: واستحر(1) القتال بعد قتل حبيب، فقاتل زهير والحر قتالاً شديداً فكان إذا شد أحدهما واستلحم(2) شد الآخر فخلصه ، فقتل الحر ثم صلى الحسين لا صلاة الخوف ولما فرغ منها تقدم زهير فجعل يقاتل قتالا لم ير مثله ولم يسمع بشبهه و أخذ يحمل على القوم فيقول:
أنا زهير وأنا ابن القين أذودكم بالسیف عن حسين
ثم رجع فوقف أمام الحسين «عليه السلام» وقال له:
فدتك نفسي هادياً مهدياً اليوم ألتق جدك النبيـــــــا
وحسناً والمرتضى علياً وذا لجناحين الشهيد الحيا

فكأنه ودعه وعاد يقاتل، فشد عليه كثير بن عبدالله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه.
وقال السروي في المناقب: لا صرع وقف عليه الحسين «عليه السلام» فقال: لا يبعدك الله یا زهير، ولعن الله قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.
وفيه أقول:

الايبعدك الله من رجــــــل وعظ العدى بالواحد الأحد
ثم انثنى نحو الخميس فما أبق لدفع الضيم من أحـــد
__________
(1) أي اشتد: قال ابن الزبعری:

حين حكت بقباء بركها واستحر القتال في عبد الأشل

(۲) الرجل إذا احتوشه العدو في القتال.

(131)

سلمان بن مضارب بن قيس الأنماري البجلي

كان سلمان ابن عم زهير لحاً، فإن القين أخو مضارب وأبوهما قيس، وكان سلمان حج مع ابن عمه سنة ستين ولا مال في الطريق مع الحسين «عليه السلام» وحمل ثقله إليه مال معه في مضربه.
قال صاحب الحدائق: إن سلمان قتل فيمن قتل بعد صلاة الظهر فكأنه قتل قبل زهير.

سوید بن عمرو بن أبي المطاع الأنماري الخثعمي
کان سوید شیخاً شريفاً عابداً كثير الصلاة، وكان شجاعاً، مجربة في الحرب؛ کما ذكره الطبري والداودي.
قال أبو مخنف: إن الضحاك بن عبدالله المشرقي جاء إلى الحسين «عليه السلام» فسلم عليه فدعاه إلى نصرته، فقال له: أنا أنصرك ما بقيت لك أنصار، فرضي منه بذلك، حتى إذا أمر ابن سعد بالرماة فرموا أصحاب الحسين «عليه السلام» وعقروا خيولهم، أخفى فرسه في فسطاط ثم نظر فإذا لم يبق مع الحسين «عليه السلام» إلا سوید هذا وبشر بن عمر الحضرمي، فاستأذن الحسين«عليه السلام» فقال له: كيف لك بالنجاة؟
قال: إن فرسي قد أخفيته فلم يصب فأركبه وأنجو.
فقال له: شأنك.
فركب ونجا بعدلاي كما ذكره في حديثه.
وقال أهل السير: إن بشراً الحضرمي قتل، فتقدم سوید وقاتل حتى أثخن بالجراح على وجهه فظت بأنه قتل، فلما قتل الحسين «عليه السلام» وسمعهم يقولون قتل الحسين، وجد به إفاقة وكانت معه سكين خباها، وكان قد أخذ سيفه منه،

(132)

فقاتلهم بسكينه ساعة ثم إنهم تعطفوا عليه فقتله عروة بن بكار التغلبي وزيد بن ورقاء الجهني.
عبدالله بن بشر الخثعمي
هو عبدالله بن بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قمير بن عامر بن رائسة بن مالك بن واهب بن جليحة بن كلب بن ربيعة بن عفرس بن خلف بن أقبل بن أنمار الأنماري الخثعمي. كان عبدالله بن بشر الخثعمي من مشاهير الكماة الحياة للحقائق، وله ولأبيه ذكر في المغازي والحروب.
قال ابن الكلبي: بشر بن ربيعة الخثعمي هو صاحب الخطة بالكوفة التي يقال لها جبانة بشر ، وهو القائل يوم القادسية:

أنخت بباب القادسية ناقتي وسعد بن وقاص علي أمير
وكان ولده عبد الله ممن خرج مع معسكر ابن سعد ثم صار الى الحسين «عليه السلام» فيمن صار إليه أيام المهادنية.
قال صاحب الحدائق وغيره: إن عبدالله بن بشر قتل في الحملة الأولى قبل الظهر.

(133)

المقصد السابع
في الكنديين من أنصار الحسين «عليه السلام»

یزید بن زید بن معاصر أبوالشعثاءِ الكندي البهدلي

كان يزيد رجلاً شریفاً شجاعاً فاتكاً، خرج إلى الحسين «عليه السلام» من الكوفة من قبل أن يتصل به الحر.
قال أبو مخنف: لما كاتب الحر ابن زیاد في أمر الحسين «عليه السلام» وجعل يسايره، جاء إلى الحر رسول ابن زیاد مالك بن النسر البدي ثم الكندي، فجاء به الحر وبكتابه إلى الحسين «عليه السلام» كما يذكر في ترجمة الحر وكها قصصناه، فعن مالك ليزيد هذا: فقال یزید: أمالك بن النسر أنت؟
قال: نعم.
فقال له: ثكلتك أمك، ماذا جئت به؟
قال: وما جئت به أطعت إمامي، ووفيت ببيعتي.
فقال له أبوالشعثاء: عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك، وكسبت العار والنار، ألم تسمع قول الله تعالى: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون)(1) فهرأ(2) مالك.
وروى أبو مخنف أن أبا الشعثاء قاتل فارساً فلا عقرت فرسه جثا على ركبتيه

_______________
(1) القصص: 41.
(۲) هرة الرجل بكلامه: أكثر الحنا والخطأ به، فمعنى العبارة: أجابه مالك بجواب غير لائق لخطائه وخناه، وربما صحفت الكلمة بهزا فمعناه: أجابه مالك بكلام فيه سخرية.

(134)

بين يدي الحسين «عليه السلام» فرمی بماية سهم ما سقط منها خمسة، وكان رامياً، وكان كلما رمی قال:
أنا ابن بهدلة(1) فرسان العرجلة(۲)
فيقول الحسين «عليه السلام»: اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة، فلا تفدت سهامه قام فقال: ما سقط منها إلا خمسة، ثم حمل على القوم بسيفه وقال:
أنا یزید وأبي مهاصر(3) كأنني ليث بغيل خــــادر
يارب إني للحسين ناصر ولابن سعد تارك وهاجر

فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. وفيه يقول الكميت الأسدي:
ومال أبوالشعثاء أشعث دامياً وإن أبا حجل قتيل مجحل

الحرث بن امرء القيس الكندي
كان الحرث من الشجعان العباد، له ذكر في المغازي، وكان خرج في عسکر ابن سعد فلما ردوا على الحسين «عليه السلام» كلامه مال معه وقاتل وقتل.
قال صاحب الحدائق: إنه قتل في الحملة الأولى.
زاهر بن عمرو الكندي
كان زاهر بطلاً مجرباً وشجاعاً مشهوراً و محباً لأهل البيت معروفاً.
قال أهل السير: إن عمرو بن الحمق لما قام على زياد قام زاهر معه وكان صاحبه في القول والفعل، ولما طلب معاوية عمر طلب معه زاهراً، فقتل عمراً وأفلت زاهر، فحج سنة ستين فالتق مع الحسين «عليه السلام» فصحبه وحضر معه کربلا.

___________
(1) حي من كندة منهم يزيد هذا.
(۲) القطعة من الخيل وجماعة المشاة .
(3) جده وهو بالصاد المهملة ويمضي في بعض الكتب بالجيم وهو غلط من النساخ.

(135)

وقال السروي: قتل في الحملة الأولى.
وقال الشيخ الطوسي وغيره: إن من أحفاده محمد بن سنان الزاهري صاحب الرواية عن الرضا والجواد «عليه السلام» المتوفي سنة مأتين وعشرين .
بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي
كان بشر من حضرموت وعداده في كندة، وكان تابعياً وله أولاد معروفون بالمغازي. وكان بشر ممن جاء إلى الحسين «عليه السلام» أيام المهادنة.
وقال السيد الداودي: لما كان يوم العاشر من المحرم ووقع القتال قيل لبشر وهو في تلك الحال: إن ابنك عمراً قد أسر في ثغري الري. فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحب أن يؤسر وأن أبقي بعده.
فسمع الحسين «عليه السلام» مقالته فقال له: رحمك الله أنت في حل من بيعتي، فاذهب واعمل في فكاك ابنك.
فقال له: أكلتني السباع حيا إن أنا فارقتك يا أباعبدالله.
فقال له: فاعط ابنك محمد - وكان معه - هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك أخيه، وأعطاء خمسة أثواب قیمتها ألف دينار.
وقال السروي: إنه قتل في الحملة الأولى.
جندب بن حجير الكندي الخولاني
كان جندب من وجوه الشيعة وكان من أصحاب أميرالمؤمنين«عليه السلام»، خرج إلى الحسين «عليه السلام» فوافقه في الطريق قبل اتصال الحر به، فجاء معه إلى كربلا.
قال أهل السير: إنه قاتل فقتل في أول القتال.
وقال صاحب الحدائق: إنه قتل هو وولده حجیر بن جندب في أول القتال ولم يصح لي أن ولده قتل معه كما أنه ليس في القائيات ذكر لولده، فلهذا لم أترجمه معه.

(136)

المقصد الثامن
في العقاريين من أنصار الحسين «عليه السلام»

عبدالله بن عروة بن حراق الغفاري
وأخوه
عبدالرحمن بن عروة بن حراق الغفاري

كان عبدالله وعبد الرحمن العقاريان من أشراف الكوفة ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم، وكان جدهما حراق من أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام» وممن حارب معه في حروبه الثلاث. وجاء عبدالله وعبد الرحمن إلى الحسين «عليه السلام» بالطف.
وقال أبو مخنف: لما رأي أصحاب الحسين «عليه السلام» أنهم قد كثروا وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين «عليه السلام» ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه، فجاء عبدالله وعبدالرحمن ابنا عروة العقاريان فقالا: يا أبا عبد الله! السلام عليك، حازنا العدو إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك نمنعك وندفع عنك.
فقال: مرحبا بكما، أدنوا مني.
فدنوا منه فجعلا يقاتلان قريباً منه وإن أحدهما يرتجز ويتم له الآخر، فیقولان:
قد علمت حقاً بنو غـفـــــــــــار وخندف بعد بنـــي نزار
النضر بن معشر الفـــــــــــجار بكل عضب صارم بتار
یا قوم ذودوا عن بني الأطهار بالمشرفي والقنا الخطار

فلم يزالا يقاتلان حتى قتلا.
وقال السروي: إن عبدالله قتل في الحملة الأولى وعبدالرحمن قتل مبارزة.
وقال غيره: إنها قتلا مبارزة وهو الظاهر من المراجلة.

(137)