ابصار العين  في انصار الحسين  «عليه وعليهم السلام»

اسم الکتاب : ابصار العين في انصار الحسين «عليه وعليهم السلام»

المؤلف : الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي رحمه الله
المطبعة : الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية

 

 

 

 

أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه، لما كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا(1) دخل العسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرّته فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسفه حتى برد.
وروى أبو مخنف أنه لما قتل حبيب بن مظهر هد ذلك الحسين «عليه السلام» وقال: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي. وفي ذلك أقول:
إن يهد الحسين قتل حبيــب فلقد هد قتله كل ركـــــــــــــن
بطل قد لقى جبال الأعـادي من حديد فردها كالعــــــــــهن
لا يبالي بالجمع حيث توخى فهو ينصب كانصباب المزن
أخذ الثار قبل أن يقتــــــلوه سلفاً من منية دون مـــــــــــن
قتلوه منه للحسين حبيبـــــاً جامعاً في فعاله كل حـــــسن

مسلم بن عوسجة الأسدي

 

هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو حجل الأسدي السعدي. كان رجلاً شريفاً سرياً عابداً متنسكاً.
قال ابن سعد في طبقاته: وكان صحابياً ممن رأى رسول الله (ص)، وروى عنه الشعبي، وكان فارساً، له ذكر في المغازي والفتوح الإسلامية، وسيأتي قول شبث فيه.
وقال أهل السير: إنه ممن كاتب الحسين «عليه السلام» من الكوفة ووفى له وممن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة.
___________
(1) – بالباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثناة تحت والراء المهملة والألف المقصورة – موضع من أرض الموصل كان مصعب بن الزبير يعسكر فيه في محاربة عبد الله بن مروان حين يقصده من الشام ايام منازعتهما في الخلافة.

(81)

قالوا: ولما دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم خرج إليه ليحاربه، فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد، ولأبى ثمامة على ربع تميم وهمدان، ولعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة، وللعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة فهندوا إليه حتى حبسوه في قصره ثم إنه فرق الناس بالتخذيل عنه، فخرج مسلم من دار المختار التي كان نزلها إلى دار هاني بن عروة وكان فيها شريك بن الأعور- كما قدمنا ذلك- فأراد عبيد الله أن يعلم بموضع مسمل فبعث معقلاً مولاه وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وأمره أن يستدل بها على مسلم، فدخل الجامع وأتى إلى مسلم بن عوسجة فرآه يصلي إلى زاوية، فانتظره حتى انفتل من صلاته فسلم عليه ثم قال: يا عبد الله! إني أمرء من أهل الشام مولى لذي الكلاع وقد من الله علي بحب هذا البيت وحب من أحبهم، فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن رسول الله (ص) فلم يدلني أحد عليه فأني لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً يقولون: هذا رجل له علم بأهل البيت، فأتيتك لتقبض هذا المال وتدلني على صاحبك فاُبايعه وإن شئت أخذت البيعة له قبل لقائه.
فقال له مسلم بن عوسجة: أحمد الله على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال ما تحب ولينصر الله بك أهل البيت نبيه (ص) ولقد سائتني معرفتك إياي بهذا الأمر من قبل أن ينمي مخافة هذا الطاغية وسطوته، ثم إنه أخذ بيعته قبل أن يبرح وحلفه بالأيمان المغلطة ليناصحن وليكتمن، فأعطاه ما رضي ثم قال له، اختلف إلي أياماً حتى أطلب لك الأذن، فاختلف إليه، ثم أذن فدخل ودل عبيد الله على موضعه، وذلك بعد موت شريك.
قالوا: ثم إن مسلم بن عوسجة بعد أن قبض على مسلم وهاني وقتلا اختفى مدة ثم فر بأهله إلى الحسين فوافاه بكربلا وفداه بنفسه.

(82)

وروى أبو مخنف عن الضحاك بن عبدالله الهمداني المشرقي أن الحسين «عليه السلام» خطب أصحابه فقال في خطبته: إن القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري وهذا الليل قد غشیکم فاتخذوه جملاً ثم ليأخذ كل رجل منکم بید رجل من أهل بيتي. فقال له أهله وتقدمهم العباس بالكلام: لم نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً.
ثم قام مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلي عنك ولم تعذر إلى الله في أداء حقك، أم والله لا أبرح حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضبهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك، ثم تكلم أصحابه على نهجه.
قال الشيخ المفيد: ولما أضرم الحسين «عليه السلام» القصب في الخندق الذي عمله خلف البيوت، مر الشمر فنادى: يا حسين! تعجلت بالنار قبل يوم القيامة.
فقال له الحسين: یابن راعية المعزى! أنت أولى بها صلياً.
فرام مسلم بن عوسجة أن يرميه فمنعه الحسين «عليه السلام» عن ذلك، فقال له مسلم: إن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه.
فقال الحسين: لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم في القتال.
وقال أبو مخنف: لما التحم القتال حملت ميمنة ابن سعد على ميسرة الحسين «عليه السلام» وفي ميمنة ابن سعد عمرو بن الحجاج الزبيدي، وفي ميسرة الحسين «عليه السلام» زهير بن القين، وكانت حملتهم من نحو الفرات فاضطربوا ساعة، وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة فقاتل قتالاً شديداً لم يسمع بمثله، فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه فيقول:
إن تسألوا عني فإني ذو لبد وإن بيتي في ذري بني أسد
فن بغاني حائد عن الرشـد وكافر بدین جبار صمـــــد

(83)

ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتى عطف علیه مسلم بن عبدالله الضبابي وعبدالرحمن بن أبي خشكارة البجلي فاشتركا في قتلته، ووقعت لشدة الجلاد غبرة عظيمة، فلا انجلت إذا هم بمسلم بن عوسجة صريعاً، فمشى إليه الحسين «عليه السلام» فإذا به رمق، فقال له الحسين «عليه السلام»: رحمك الله يا مسلم (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)(1) ثم دنا منه، فقال له حبيب ما ذكرناه في ترجمته.
قال: فما كان بأسرع من أن فاظ(۲) بين أيديهم، فصاحت جارية له: واسيداه! یابن عوسجتاه! فتباشر أصحاب عمر بذلك، فقال لهم شبث بن ربعي: ثكلتكم أمهاتكم! إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلون أنفسكم لغيركم، أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة، أم والذي أسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمین کریم، لقد رأيته يوم سلق آذربیجان(۳) قتل ستة من المشركين قبل أن تتام خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله وتفرحون؟
وفي مسلم بن عوسجة يقول الكميت بن زيد الأسدي:
*وإن أباحجل قتيل مجحل(4)*
وأقول أنا:
إن امرءا يمشي لمصرعه سبط النبي لفاقد الترب(5)
_______________________
(۱) الأحزاب : ۲۳.
(۲) - بالظاء المعجمة - مات.
فإذا قلت: فاضت نفسه فبالضاد.
قلت: وأجازوا الظاء.
(3) السلق - بالتحريك الأرض الصفصف، وآذربيجان قطر معروف قاعدته أولا أردبيل ، فتحه حذيفة ابن اليمان سنة عشرين من الهجرة وكان معه مسلم بن عوسجة.
(4) - بالجيم قبل الحاء المهملة المشددة - أي صريع.
(5) لدة الإنسان ونظيره.

(84)

أوصى حبيباً أن يجود له بالنفس من مقة ومن حـــب
أعزز علينا يابن عوسجة من أن تفارق ساحة الحرب
عانقت بیضهم وسمرهـم ورجعت بعد معانق الــترب
أبكي عليك وما يفيد بكـا عيني وقد أكل الأسى قلبـي

قيس بن مسهر الصيداوي
هو قيس بن مسهر بن خالد بن جندب بن منقذ بن عمرو بن قعين بن الحرث ابن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي الصيداوي. وصيدا بطن من أسد. كان قيس رجلاً شريفاً في بني الصيدا، شجاعاً مخلصاً في محبة أهل البيت.
قال أبو مخنف: اجتمعت الشيعة بعد موت معاوية في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فكتبوا للحسين بن علي «عليه السلام» كتباً يدعونه فيها للبيعة وسرحوها إليه مع عبدالله بن سبع وعبدالله بن وال، ثم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي، ثم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع سعيد ابن عبدالله وهاني بن هاني، وصورة الكتب للحسين بن علي «عليه السلام» من شيعة المؤمنين:
أما بعد؛ فحيهلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل، والسلام.
فدعا الحسين «عليه السلام» مسلم بن عقيل وأرسله إلى الكوفة، وأرسل معه قيس بن مسهر وعبد الرحمن الأرحبي، فلما وصلوا إلى المضيق من بطن خبت - كما قدمنا ۔ جار دليلاهم فضلوا وعطشوا ثم سقطوا على الطريق، فبعث مسلم قیس بکتاب إلى الحسين «عليه السلام» يخبره بما كان، فلما وصل إلى الحسين «عليه السلام» بالكتاب أعاد الجواب المسلم مع قيس وسار معه إلى الكوفة.
قال: ولما رأی مسلم اجتماع الناس على البيعة في الكوفة للحسين «عليه السلام»، كتب إلى

(85)

الحسين «عليه السلام» بذلك وسرح الكتاب مع قيس وأصحابه عابساً الشاكري وشوذباً مولاهم، فأتوه إلى مكة ولازموه ثم جاؤوا معه.
قال أبو مخنف: ثم إن الحسين لما وصل إلى الحاجر من بطن الرمة كتب كتابا إلى مسلم وإلى الشيعة بالكوفة وبعثه مع قيس، فقبض عليه الحصين بن تميم وكان ذلك بعد قتل مسلم، وكان عبيدالله نظم الخيل مابین خفان(۱) إلى القادسية وإلى القطقطانة(2) وإلى لعلع(3) وجعل عليها الحصين، وكانت صورة الكتاب من الحسين ابن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين:
سلام عليكم؛ فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد؛ فإن كتاب مسلم جائني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أحسن الأجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم رسولي عليكم فانکمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه إنشاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: فلما قبض الحصين على قيس، بعث به إلى عبيد الله، فسأله عبيد الله عن الكتاب، فقال: خرقته.
قال: ولم؟
قال: لئلا تعلم ما فيه .
قال: إلى من؟
_________________
(1) - بالخاء المعجمة والفاء المشددة والألف والتون - موضع فوق الكوفة قرب القادسية.
(۲) - بضم القاف وسكون الطاء - موضع فوق القادسية في طريق من يريد الشام من الكوفة ثم يرتحل منها إلى عين التمر.
(3) - بفتح اللام وسكون العين - جبل فوق الكوفة، بينه وبين السلمان عشرون میلاً.

(86)
قال: إلى قوم لا أعرف أسمائهم.
قال: إن لم تخبرني فاصعد المنبر وسب الكذاب بن الكذاب ، يعني به الحسين «عليه السلام».
فصعد المنبر فقال: أيها الناس! إن الحسين بن علي «عليه السلام» خير خلق الله وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) أنا رسوله إليكم وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه، ثم لعن عبیدالله بن زیاد وأباه، وصلى على علي أميرالمؤمنين «عليه السلام»، فأمر به ابن زیاد فأصعد القصير ورمي به من أعلاه، فتقطع ومات.
وقال الطبري: لما بلغ الحسين «عليه السلام» إلى عذيب الهجانات في ممانعة الحر، جائه أربعة نفر ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي الطائي وهم يجنبون فرس نافع المرادي، فسألهم الحسين «عليه السلام» عن الناس وعن رسوله، فأجابوه عن الناس وقالوا له: رسولك من هو؟
قال: قيس.
فقال مجمع العائذي: أخذه الحصين فبعث به إلى ابن زیاد فأمره أن يلعنك وأباك، فصلى عليك وعلى أبيك، ولعن ابن زیاد وأباه، ودعانا إلى نصيرتك وأخبرنا بقدومك، فأمر به ابن زیاد فألقي من طمار القصير فمات رضي الله عليه.
فترقرقت عينا الحسين «عليه السلام» وقال: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)(۱) اللهم اجعل لنا ولهم الجنة منزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.
وفي قيس يقول الكميت الأسدي:
*وشیخ بني الصيداء قد فاظ قبلهم*
__________
(۱) الأحزاب: ۲۳.

(87)

عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي أبو خالد
كان عمرو شريفاً في الكوفة، مخلص الولاء لأهل البيت، قام مع مسلم حتى إذا خانته أهل الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء، فلا سمع بقتل قيس بن مسهر وأنه أخبر أن الحسين لا صار بالحاجر خرج إليه، ومعه مولاه سعد ومجمع العائذي وابنه وجنادة بن الحرث السلماني، وأتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو الكامل فجنبوه، وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي(1)، وكان جاء إلى الكوفة يمتار الأهله طعاماً فخرج بهم على طرق متنكبة وسار سيراً عنيفاً من الخوف لأنهم علموا أن الطريق مرصود، حتى إذا قاربوا الحسين «عليه السلام» حدا بهم الطرماح بن عدي
فقال:
یا ناقتي لا تذعري من زجري وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفـــــر(2) حتى تحلي بكريم النجر(3)
الماجد الحر رحيب الصـــــدر أتي بــــــــه الله لخير أمر
ثمة إبقاء بقاء الدهر
فانتهوا إلى الحسين «عليه السلام» وهو بعذيب الهجانات(4)، فسلموا عليه وأنشدوه
______________
(۱) بزنة سنهار الطويل وهو هنا علم لرجل طائي وليس بابن عدي بن حاتم المعروف بالجود فإن ولد عدي الطرفات قتلوا مع أميرالمؤمنين «عليه السلام» في حروبه، ومات عدي بعدهم ولا ولد له، وكان يعير بذلك فيقال له: إذهب عن الطرقات، فيقول: وددت أن لي ألفا مثلهم لأقدمهم بين يدي على إلى الجنة. والطرقات: طرفة وطريف ومطرف.
(۲) بوزن رکب كثير السفر. يقال: رجل سفر وقوم سفر.
(3) - بالنون والجيم بزنة البحر - الأصل.
(4) موضع فوق الكوفة من القادسية أربعة أميال وهو حد السواد، وأضيف إلى الهجانات لأن النعمان بن =

(88)
الأبيات، فقال «عليه السلام»: أم والله إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا؛ قتلنا أو ظفرنا.
قال أبو مخنف: ولما رآهم الحر قال للحسين «عليه السلام»: إن هؤلاء النفر من الكوفة ليسوا من أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم.
فقال له الحسين «عليه السلام»: لأمنعتهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب ابن زیاد.
فقال «عليه السلام»: أجل لكن لم يأتوا معك.
فقال: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تمت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك، فكف عنهم الحر.
وقال أبو مخنف أيضاً: ولما التحم القتال بين الحسين «عليه السلام» وأهل الكوفة، شد هؤلاء مقدمين بأسيافهم في أول القتال على الناس، فلا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم، فلما نظر الحسين «عليه السلام» إلى ذلك ندب إليهم أخاه العباس فنهد إليهم وحمل على القوم وحده يضرب فيهم بسيفه قدما حتى خلص إليهم واستنقذهم فجاؤوا وقد جرحوا، فلما كانوا في أثناء الطريق والعباس يسوقهم رأوا القوم تدانوا إليهم ليقطعوا عليهم الطريق فانسلوا من العباس وشدوا على القوم بأسيافهم شدة واحدة على ما بهم من الجراحات، وقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد، فتركهم العباس ورجع إلى الحسين «عليه السلام» فأخبره بذلك، فترحم عليهم الحسين «عليه السلام» وجعل يكرر ذلك.
___________
= المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه إبله، ولهم عذيب القوادس وهو غربي عذيب الهجانات فيا أفهمه من حدیث سعد ابن أبي وقاص.

(89)

سعد مولی عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي
كان هذا المولى سيداً شریف النفس والهمة تبع مولاه عمراً في المسير إلى الحسين والقتال بين يديه حتى قتل شهيداً. وقد ذكرنا خبره مع مولاه وكيف جاء معه وكيف قتل في كربلا، فلا حاجة بنا إلى الإعادة مع قربه.
الموقع(1) بن ثمامة(2) الأسدي الصيداوي أبو موسی
كان الموقع من جاء إلى الحسين في الطف وخلص إليه ليلاً مع من خلص.
قال أبو مخنف: إن الموقع صرع فاستنقذه قومه وأتوا به إلى الكوفة فأخفوه وبلغ ابن زیاد خبره فأرسل عليه ليقتله فشفع فيه جماعة من بني أسد فلم يقتله ولكن كبله بالحديد ونفاه إلى الزارة(3)، وكان مريضاً من الجراحات التي به، فبقي في الزارة مريضاً مكبلاً حتى مات بعد سنة. وفيه يقول الكميت الأسدي:
*إن أبا موسى أسير مكبل*
يعني به الموقع.

 

__________
(1) - بالواو وتشديد القاف وبعدها العين المهملة بزنة المعظم - وهو في الأصل بمعنى المبتلى بالمحن.
(۲) - بالثاء المضمومة والميم المخففة -.
(3) موضع بعمان كان ينفي إليه زیاد وابنه من شاء من أهل البصرة والكوفة.

(90)

 

المقصد الثالث
في آل همدان ومواليهم من أنصار الحسين «عليه السلام»

أبو ثمامة عمرو الصائدي
هو عمرو بن عبدالله بن کعب الصائد بن شرحبيل بن شراحيل بن عمرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان أبو ثمامة الهمداني الصائدي. كان أبو ثمامة تابعياً وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة، ومن أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام» الذين شهدوا معه مشاهده، ثم صحب الحسن «عليه السلام» بعده، وبقي في الكوفة، فلما توفي معاوية كاتب الحسين «عليه السلام»، ولما جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة قام معه وصار يقبض الأموال من الشيعة بأمر مسلم فيشتري بها السلاح وكان بصيراً بذلك. ولما دخل عبيد الله الكوفة وثار الشيعة بوجهه، وجهه مسلم فيمن وجهه وعقد له على ربع تميم وهمدان کا قدمناه، فحصروا عبيد الله في قصره، ولا تفرق عن مسلم الناس بالتخذي اختفى أبو ثمامة، فاشتد طلب ابن زیاد له، فخرج إلى الحسين «عليه السلام» ومعه نافع بن هلال الجملي فلقياه في الطريق وأتيا معه.
قال الطبري: ولما نزل الحسين «عليه السلام» كربلا ونزلها عمر بن سعد، بعث إلى الحسين «عليه السلام» كثير بن عبدالله الشعبي وكان فاتك، فقال له: إذهب إلى الحسين «عليه السلام» وسله ما الذي جاء به.
قال: أسأله فإن شئت فتكت به.
فقال: ما أريد أن تفتك به، ولكن أريد أن تسأله.
فأقبل إلى الحسين، فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين «عليه السلام»: أصلحك الله

(91)

أباعبدالله! قد جائك شر أهل الأرض وأجرأهم على دم وأفتكهم، ثم قام إليه وقال: ضع سيفك.
قال: لا والله ولا كرامة، إنما أنا رسول، فإن سمعتم مني أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، وإن أبيتم انصرفت عنكم.
فقال له أبو ثمامة: فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك.
قال: لا والله ولا تمسه.
فقال له: فأخبرني ماذا جئت وأنا أبلغه عنك، ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر.
قال: فاستبا، ثم رجع كثير إلى عمر فأخبره الخبر، فأرسل قرة بن قيس التميمي الحنظلي مكانه فكتم الحسين «عليه السلام».
وروى أبو مخنف أن أبا ثمامة لما رأى الشمس يوم عاشوراء زالت وإن الحرب قائمة، قال للحسين «عليه السلام»: يا أباعبدالله! نفسي لنفسك الفداء، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله، وأحب أن ألقي الله ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها.
فرفع الحسين «عليه السلام» رأسه ثم قال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاکرین، نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي، فسألوهم، فقال الحصين بن تميم: إنها لا تقبل منكم، فرد عليه حبيب ما ذكرناه في ترجمته.
قال: ثم إن أبا ثمامة قال للحسين «عليه السلام» وقد صلى: يا أبا عبد الله! إني قد هممت أن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدة من أهلك قتيلا.
فقال له الحسين «عليه السلام»: تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة.
فتقدم فقاتل حتى أثخن بالجراحات، فقتله قيس بن عبدالله الصائدي ابن عم له، كان له عدو، وكان ذلك بعد قتل الحر.

(92)

بریر(1) بن خضير الهمداني المشرقي وبنو مشرق بطن من همدان
كان بریر شیخاً تابعياً ناسكاً، قارئ القرآن من شيوخ القرآن ومن أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام» وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين وهو خال أبي إسحاق الهمداني السبعين.
قال أهل السير: إنه لما بلغه خبر الحسين «عليه السلام» سار من الكوفة إلى مكة ليجتمع بالحسين «عليه السلام» فجاء معه حتى استشهد.
وقال السروي: لما ضيق الحر على الحسين «عليه السلام» جمع أصحابه فخطبهم بخطبته التي يقول فيها: أما بعد: فإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت الخ، فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما قالا في ترجمتها، ثم قام برير فقال: والله يابن رسول الله! لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، تقطع فيك أعضاؤنا حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعاً لنا فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم وويل لهم ماذا يلقون به الله، وأفً لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم.
وقال أبو مخنف: أمر الحسين «عليه السلام» في اليوم التاسع من المحرم بفسطاط فضرب، ثم أمر بمسك(۲) فميث(۳) في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة، وعبدالرحمن بن عبد رب وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبها فازدحهما إليهما يطلي على أثر الحسين «عليه السلام»
___________
(۱) في ضبط هذا الإسم وضبط إسم أبيه خلاف؛ فقد كتب في كتب الرجال يزيد بن حصين، وضبط ابن الأثير برير بالباء الموحدة والرائين المهملتين وبينها یاء مثناة تحت والتصغير، وضبط خضير بالخاء المعجمة والضاد كذلك والتصغير أيضا وهو الذي يقوي نظرة إلى ما روي من شعره.
(۲) يحتمل أن يقرء بالفتح وهو الجلد فمعناه أمر بجلد فيه نورة فميث، ويحتمل أن يقرء بالكسر وهو الطيب المعروف فمعناه أمر بنورة فميث فيها بطيب.
(3) مجهول من ماث يميث ويموث بالياء والواو يقال: ماث الملح بالماء أذابه، وماث المسك دافه ومرسه وخلطه، فعنى الكلمة أذيب ودیف.

(93)

فجعل بریر یهازل عبدالرحمن ويضاحكه، فقال عبدالرحمن: دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل.
فقال برير: والله لقد علم قومي إني ما أحببت شاباً ولا كهلاً ولكني والله المستبشر بما نحن لاقون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم، ولوددت أن مالوا بها الساعة.
وقال: أيضا روى الضحاك بن قيس المشرقي - وكان بايع الحسين «عليه السلام» على أن يحامي عنه ما ظن أن المحاماة تدفع عن الحسين «عليه السلام» فإن لم يجد بداً فهو في حل - قال: بتنا ليلة العاشر فقام الحسين «عليه السلام» وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، فمرت بنا خیل تحرسنا وإن الحسين «عليه السلام» ليقرأ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(1) فسمعها رج من تلك الخيل فقال: نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم.
قال: فعرفته، فقلت لبریر: أتعرف من هذا؟
قال: لا.
قلت: أبو حریث عبدالله بن شهر السبيعي، وكان مضحاكاً بطالاً، وكان ربما حبسه سعید بن قيس الهمداني(2) في جناية، فعرفه بریر، فقال له: أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين.
فقال له: من أنت؟
قال: بریر.
_____________
(۱) آل عمران : ۱۷۸-۱۷۹.
(۲) سید همدان وكان من أصحاب أميرالمؤمنين «عليه السلام» ومن الشيعة وشعرائهم، واختلف في زمن موته فقيل: زمن علي «عليه السلام» في اُخريات أيامه بعد حرب صفين وهو المعروف، وقيل: بعده.
(94)

فقال: أنا لله أعزز علي، هلكت والله، هلكت والله يا بریر.
فقال له برير: هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام، فوالله إنا لنحن الطيبون وأنتم الخبيثون.
قال: وأنا والله على ذلك من الشاهدين.
فقال: ويحك أفلا تنفعك معرفتك؟
قال: جعلت فداك فمن ينادم یزید بن عذرة العنزي، ها هو ذا معي.
قال: قبح الله رأيك أنت سفيه على كل حال.
قال: ثم انصرف عنا.
وروى بعض المؤرخين إنه لما بلغ من الحسين «عليه السلام» العطش ما شاء الله أن يبلغ، استأذن برير الحسين «عليه السلام» في أن يكلم القوم فأذن له، فوقف قريب منهم ونادی: يا معشر الناس! إن الله بعث بالحق محمد بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه و سراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابن رسول الله(ص)، أفجزاء محمد هذا؟
فقالوا: یا بریر! قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطشن الحسین کما عطش من كان قبله.
فقال الحسين «عليه السلام»: إكفف یا بریر، ثم وثب متوكئاً على سيفه فخطبهم هو «عليه السلام» بخطبته التي يقول فيها: أنشدكم الله هل تعرفوني الخ.
وروى أبو مخنف عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس قال: خرج یزید بن معقل من بني عميرة بن ربيعة فقال: يا بریر بن خضير!كيف تری صنع الله بك؟
قال: صنع الله بي والله خيراً، وصنع بك شراً.
فقال: كذبت، وقبل اليوم ماكنت كذاباً، أتذكر وأنا أماشيك في سكة
(95)

بني دودان(۱) وأنت تقول أن عثمان كان كذا وإن معاوية ضال مضل، وإن علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى؟
قال برير: أشهد أن هذا رأيي وقولي.
فقال يزيد: فإني أشهد أنك من الضالين.
قال برير: فهل لك أن أباهلك ولندع الله أن يلعن الكاذب وأن يقتل الحق المبطل ثم اخرج لأبارزك.
قال: فخرجا فرفعا أيديها بالمباهلة إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل الحق المبطل، ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بريراً ضربة خفيفة لم تضره شيئاً، وضرب بریر یزید ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ فخر كأنما هوی من حالق، وإن سیف بریر لثابت في رأسه، فكأني أنظر إليه ينضنضه(2) من رأسه حتى أخرجه وهو يقول:
أنا برير وأبي خضير وكل خير فله برير
ثم بارز القوم، فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً فاعتركا ساعة ثم إن بریراً صرعه وقعد على صدره فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع(۳) والدفاع؟ فذهب کعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه، فقلت له: إن هذا برير بن خضير القاري الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد، فلم يلتفت لعذلي و حمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره، فلما وجد بریر مس الرمح برك على رضي فعض أنفه حتى قطعه وأنفذ الطعنة كعب حتى ألقاه عنه وقد غيب السنان في ظهره، ثم أقبل يضربه بسيفه حتی برد، فكأني أنظر إلى رضي قام ينفض التراب
______________
(1) بطن من أسد ولهم سكة في الكوفة، وصفت الكلمة في بعض النسخ بلوذان وهو غلط .
(۲) يحركه ويعالجه ليخرجه.
(3) القتال والجلاد.

(96)

عنه ويده على أنفه وهو يقول: أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبداً.
فلما رجع كعب قالت له أخته النوار بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة وقتلت سید القراء، لقد أتيت عظيماً من الأمر، والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً.
فقال كعب في ذلك:

سلي تخبري عتي وأنت ذميمـــــــــة غداة حسين والرماح شــــــــــوارع
ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخـــــل علي غداة الروع ما أنا صانـــــــــع
معي يزني لم تخنه كعوبـــــــــــــــــه وأبيض مخشوب(1) الغرارین قاطع
فجردته في عصبة ليس دينهــــــــــم بديني وإني بابن حرب لقانـــــــــــع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهـــــــــم ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافــــــــع
أشد قراعاً بالسيوف لدى الوغــــــــا ألا كل من يحمي الذمار مقـــــارع
وقد صبروا للطعن والضرب حسراً وقد نازلوا لو أن ذلك نافـــــــــــــع
فأبلغ عبيد الله أما لقيتـــــــــــــــــــــه بأني مطيع للخليفة سامــــــــــــــــع
قتلت بريراً ثم حملت نعمــــــــــــــة أبامنقذ لما دعا من يماصــــــــــــع

قال: فبلغت أبياته رضي بن منقذ فقال مجيباً له يرد عليه:

فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم ولا جعل النعماء عند ابن جابــر
لقد كان ذلك اليوم عاراً وسبة تعيره الأبناء بعد المعاشـــــــــــر
فياليت إني كنت من قبل قتله ويوم حسين كنت في رمس قابر

وفي برير أقول:

جزى الله رب العالمين مباهلا عن الدین کیما ینهج الحق طالبـــــــــه
وأزهر من همدان يلقي بنفسه على الجمع حيث الجمع تخشى مواكبه
أبر على الصيد الكماة بموقف مناهجه مسدودة ومذاهبـــــــــــــــــــــه

____________
(1) مصقول. يقال: خشب السيف أي صقله.

(97)

إلى أن قضى في الله يعلم رمحــه بصدق توخيه ويشهد قاضــــبه
فقل لصريع قام من غير مارن(1) عذرتك إن الليث تدامي مخالبه

عابس ابن أبي شبيب الشاكري
هو عابس بن أبي شبيب بن شاکر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معاوية بن کثیر بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكري. وبنو شاکر بطن من همدان. كان عابس من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً خطيباً ناسكاً متهجداً. وكانت بنوشاكر من المخلصين بولاء أميرالمؤمنين «عليه السلام»، وفيهم يقول «عليه السلام» يوم صفين: لو تمت عدتهم ألفاً لعبد الله حق عبادته، وكان من شجعان العرب و حماتهم، وكانوا يلقبون فتيان الصباح، فنزلوا في بني وداعة من همدان فقيل لها فتيان الصباح. وقيل لعابس: الشاكري الوادعي.
قال أبو جعفر الطبري: قدم مسلم بن عقيل الكوفة فاجتمع عليه الشيعة في دار المختار فقرأ عليهم کتاب الحسين «عليه السلام»، فجعلوا يبكون، فقام عابس بن أبي شبيب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد؛ فإني لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرك منهم، ولكن والله أخبرك بما أنا موطن نفسي عليه، والله الأجيبتكم إذا دعوتم ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن بسيفي دونكم حتى ألقي الله، لا أريد بذلك إلا ما عند الله.
فقام حبيب وقال لعابس ما قدمته في ترجمة حبيب.
وقال الطبري أيضا: إن مسلماً لما بايعه الناس ثم تحول من دار المختار إلى دار هاني بن عروة كتب إلى الحسين «عليه السلام» كتاباً يقول فيه: أما بعد؛ فإن الرائد لا يكذب
______________
(1) - بالراء المهملة والنون - الأنف أو طرفه.

(98)

 

أهله(۱)، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً فحيهلا(2) بالإقبال حتى يأتيك كتابي، فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. وأرسل الكتاب مع عابس فصحبه شوذب مولاه.
وروى أبو مخنف أنه لما التحم القتال يوم عاشوراء وقتل بعض أصحاب الحسين «عليه السلام»، جاء عابس الشاكري ومعه شوذب، فقال لشوذب: یا شوذب! ما في نفسك أن تصنع؟
قال: ما أصنع؟ قاتل معك دون ابن بنت رسول الله (ص)حتى أقتل.
فقال: ذلك الظن بك، أما الآن فتقدم بين يدي أبي عبدالله«عليه السلام» حتى يحتسبك کا احتسب غيرك من أصحابه، وحتى أحتسبك أنا، فإنه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما نقدر عليه، فإنه لا عمل بعد اليوم، وإنما هو الحساب.
أقول: هذا مثل مقال العباس بن علي «عليه السلام» لإخوته في ذلك اليوم: تقدموا لأحتسبكم فإنه لا ولد لكم، يعني فينقطع نسلكم فيشتد بلائي ويعظم أجري، وفهم بعض المؤرخين من هذا المقال أنه أراد لأحوز میراثكم لولدي وهو اشتباه، والعباس أجل قدراً من ذلك.
وروى أبو مخنف أيضاً قال: فتقدم عابس إلى الحسين «عليه السلام» بعد مقالته لشوذب فسلم عليه وقال: يا أباعبدالله! أما والله ما أمسي على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلته، السلام عليك يا أباعبدالله، أشهد أني على هداك
_____________
(1) هذا مثل مشهور و معناه أن من يرسل أمام أهله ليخبرهم عن مربع يليق بهم لا يكذب عليهم بخبره ويغرهم فإن المربع لهم وله وإن أهله أتون فناظرون إليه.
(۲) - بتشديد الياء - أي أسرع حثيثاً.

(99)

وهدى أبيك، ثم مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم و به ضربة على جبينه فطلب البراز.
وروى أبو مخنف عن الربيع بن تميم الهمداني أنه قال: لما رأيت عابساً مقبلاً عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب، وكان أشجع الناس، فصحت: أيها الناس! هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ عابس ينادي: ألا رجل؟ ألا رجل؟ فلم يتقدم إليه أحد، فنادى عمر بن سعد: ویلکم أرضخوه بالحجارة، فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقي درعه ومغفره خلفه ثم شد على الناس، فوالله لقد رأيته يکرد(1) أكثر من مأتین من الناس، ثم إنهم تعطفوا عليه من حواليه فقتلوه واحتزوا رأسه، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول أنا قتلته وهذا يقول أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله إنسان واحد، كلكم قتله، ففرقهم بهذا القول.
شوذب بن عبدالله الهمداني الشاكري مولى لهم
كان شوذب من رجال الشيعة ووجوهها ومن الفرسان المعدودين، وكان حافظاً للحديث حاملاً له عن أميرالمؤمنين «عليه السلام».
قال صاحب الحدائق الوردية: وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث وكان وجهاً فيهم.
وقال أبو مخنف: صحب شوذب عابساً مولاه من الكوفة إلى مكة بعد قدوم مسلم الكوفة بكتاب المسلم، ووفادة على الحسين «عليه السلام» عن أهل الكوفة وبقي معه حتى جاء إلى کربلا، ولا التحم القتال حارب أولاً ثم دعاه عابس فاستخبره عما في نفسه، فأجاب بحقيقتها كما تقدم ، فتقدم إلى القتال وقاتل قتال الأبطال ثم قتل رضوان الله عليه.
_____________
(1) ويطرد سواء في المعنى.

(100)

حنظلة بن أسعد الشبامي(1)
هو حنظلة بن أسعد بن شبام بن عبدالله بن أسعد بن حاشد بن همدان الهمداني الشبامي، وبنو شبام بطن من همدان.
كان حنظلة بن أسعد الشبامي وجهاً من وجوه الشيعة ذا السن وفصاحة، شجاعاً قارئاً، وكان له ولد يدعي علياً، له ذكر في التاريخ.
قال أبو مخنف: جاء حنظلة إلى الحسين «عليه السلام» عندما ورد الطف وكان الحسين «عليه السلام» يرسله إلى عمر بن سعد بالمكاتبة أيام الهدنة، فلما كان اليوم العاشر جاء إلى الحسين «عليه السلام» يطلب منه الإذن، فتقدم بين يديه وأخذ ينادي: (وَ قَالَ الَّذِیۡۤ اٰمَنَ یٰقَوۡمِ اِنِّیۡۤ اَخَافُ عَلَیۡکُمۡ مِّثۡلَ یَوۡمِ الۡاَحۡزَابِ* مِثۡلَ دَاۡبِ قَوۡمِ نُوۡحٍ وَّ عَادٍ وَّ ثَمُوۡدَ وَ الَّذِیۡنَ مِنۡۢ بَعۡدِہِمۡ وَ مَا اللّٰہُ یُرِیۡدُ ظُلۡمًا لِّلۡعِبَادِ* (وَ) یٰقَوۡمِ اِنِّیۡۤ اَخَافُ عَلَیۡکُمۡ یَوۡمَ التَّنَادِ* یَوۡمَ تُوَلُّوۡنَ مُدۡبِرِیۡنَ مَا لَکُمۡ مِّنَ اللّٰہِ مِنۡ عَاصِمٍ وَ مَنۡ یُّضۡلِلِ اللّٰہُ فَمَا لَہٗ مِنۡ هادٍ)(2) یا قوم! لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب وقد خاف من افتری.
فقال الحسين «عليه السلام»: يابن أسعد! إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين.
قال: قد صدقت جعلت فداك، أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بإخواننا؟
قال: رح إلى خير من الدنيا وما فيها، وإلى ملك لا يبلى.
فقال حنظلة: السلام عليك يا أباعبدالله، صلى الله عليك وعلى أهل بيتك، وعرف بينك وبيننا في جنته.
_____________
(1) - بالشين المعجمة والباء المفردة والألف والميم والياء - منسوب إلى شبام على زنة كتاب. ويمضي في بعض الكتب الشامي نسبة إلى الشام وهو غلط فاضح.
(۲) غافر: ۳3-۳0.

(101)

فقال الحسين«عليه السلام»: آمين آمين.
ثم تقدم إلى القوم مصلتاً سيفه يضب فيهم قدماً حتى تعطفوا عليه فقتلوه في حومة الحرب رضوان الله عليه.

عبدالرحمن الأرحبي
هو عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن بن أرحب بن دعام بن مالك بن معاوية بن صعب بن رومان بن بكير الهمداني الأرحبي، وبنو أرحب بطن من همدان.کان عبدالرحمن وجهاً تابعياً شجاعاً مقداماً.
قال أهل السير: أوفده أهل الكوفة إلى الحسين «عليه السلام» في مكة مع قيس بن مسهر ومعهما كتب نحو من ثلاث وخمسين صحيفة يدعونه فيها كل صحیفة من جماعة. وكانت وفادته ثانية الوفادات، فإن وفادة عبدالله بن سبع وعبدالله بن وال الأولى، ووفادة قيس وعبد الرحمن الثانية، ووفادة سعيد بن عبدالله الحنفي وهاني بن هاني السبيعي الثالثة.
قال: فدخل مكة عبدالرحمن لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وتلاقت الرسل ثمة.
قال أبو مخنف: ولما دعا الحسين «عليه السلام» مسلماً وسرحه قبله إلى الكوفة سرح معه قيساً وعبد الرحمن وعمارة بن عبيد السلولي وكان من جملة الوفود، ثم عاد عبدالرحمن إليه فكان من جملة أصحابه، حتى إذا كان اليوم العاشر ورأى الحال استأذن في القتال، فأذن له الحسين «عليه السلام»، فتقدم يضرب بسيفه في القوم وهو يقول:
صبراً على الأسياف والأسنه صبرأ عليها الدخول الجنه

ولم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

(102)

سیف بن الحرث بن سريع بن جابر الهمداني الجابري
و
مالك بن عبدالله بن سریع بن جابر الهمداني الجابري
وبنو جابر بطن من همدان

كان سيف ومالك الجابریان ابني عم وأخوين لأم، جاءا إلى الحسين «عليه السلام» ومعها شبيب مولاهما، فدخلا في عسكره وانضم إليه.
قالوا: فلما رأيا الحسين «عليه السلام» في اليوم العاشر بتلك الحال جاءا إليه وهما يبكيان، فقال لهما الحسين«عليه السلام»: أي ابني أخوي! ما يبكيكما؟ فوالله إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين.
فقالا: جعلنا الله فداك! لا والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك بأكثر من أنفسنا.
فقال الحسين «عليه السلام»: جزاكها الله عني يا ابني أخوي عن وجدكما من ذلك ومواساتكما إياي أحسن جزاء المتقين.
قال أبو مخنف: فهما في ذلك إذ تقدم حنظلة بن أسعد يعظ القوم، فوعظ و قاتل فقتل كما تقدم، فاستقدما يتسابقان إلى القوم ويلتفتان إلى الحسين «عليه السلام» فيقولان: السلام عليك يابن رسول الله. ويقول الحسين «عليه السلام»: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم جعلا يقاتلان جميعاً وإن أحدهما ليحمي ظهر صاحبه حتى قتلا.

شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري
كان شبيب بطلاً شجاعاً جاء مع سيف ومالك ابني سريع.
قال ابن شهر آشوب: قتل في الحملة الأولى التي قتل فيها جملة من أصحاب الحسين وذلك قبل الظهر في اليوم العاشر.

(103)

عمار الدالاني

هو عمار بن سلامة بن عبدالله بن عمران بن دالان أبو سلامة الهمداني الدالاني. وبنو دالان بطن من همدان.
كان أبو سلامة عمار صحابياً، له رؤية، كما ذكره الكلبي وابن حجر.
وقال أبو جعفر الطبري: وكان من أصحاب علي «عليه السلام» ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث وهو الذي سأل أميرالمؤمنين «عليه السلام» عندما سار من ذي قار إلى البصرة فقال: يا أمير المؤمنين! إذا قدمت عليهم فماذا تصنع؟ فقال «عليه السلام»: أدعوهم إلى الله وطاعته فإن أبوا قاتلتهم. فقال أبو سلامة: إذن لن يغلبوا داعي الله - في کلام له -.
وقال ابن حجر في الإصابة: إنه أتي إلى الحسين «عليه السلام» في الطف وقتل معه.
وذكر صاحب الحدائق والسروي: إنه قتل في الحملة الأولى حيث قتل جملة من أصحاب الحسين «عليه السلام».
حبشي بن قيس النهمي

هو حبشي بن قیس بن سلمة بن طریف بن أبان بن سلمة بن حارثة الهمداني النهمي. وبنو نهم بطن من همدان.
كان سلمة صحابياً ذكره جماعة من أهل الطبقات، وابنه قيس له إدراك ورؤية، وابن قيس حبشي ممن حضر الطف وجاء الحسين «عليه السلام» فيمن جاء أيام الهدنة.
قال ابن حجر: وقتل مع الحسين «عليه السلام».

(104)

زياد أبوعمرة الهمداني الصائدي

هو زياد بن عريب بن حنظلة بن دارم بن عبدالله بن کعب الصائد بن شرحبيل ابن شراحيل بن عمرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان أبو عمرة الهمداني الصائدي. وبنو الصائد بطن من همدان.
كان عريب صحابياً ذكره جملة من أهل الطبقات، وأبو عمرة ولده هذا له إدراك، وكان شجاعاً ناسكاً معروفاً بالعبادة.
قال صاحب الإصابة: إنه حضر وقتل مع الحسين «عليه السلام».
وروى الشيخ ابن نما عن مهران الكاهلي مولى لهم قال: شهدت کربلا فرأيت رجلاً يقاتل قتالاً شديداً لا يحمل على قوم إلا كشفهم ثم يرجع إلى الحسين «عليه السلام» فيقول له:
أبشر هديت الرشد یابن أحمدا في جنة الفردوس تعلو صعدا

فقلت: من هذا؟
قالوا: أبو عمرة الحنظي.
فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني تيم اللات بن ثعلبة فقتله واحتر رأسه.
قال: وكان مجتهداً.
سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمير بن نهم الهمداني النهمي(1)

کان سوار ممن أتى إلى الحسين «عليه السلام» أيام الهدنة وقاتل في الحملة الأولى فجرح وصرع.
____________
(1) - بالنون المفتوحة والماء الساكنة والميم والياء المثناة تحت -. ويمضي في بعض الكتب الفهمي بالفاء وهو تصحيف واضح وغلط فاضح.

(105)

قال في الحدائق الوردية: قاتل سوار حتى إذا صرع أتي به أسيراً إلى عمر بن سعد، فأراد قتله، فشفع فيه قومه وبقي عندهم جريحاً حتى توفي على رأس ستة أشهر.
وقال بعض المؤرخين: إنه بقي أسيراً حتى توفي وإنما كانت شفاعة قومه الدفع عن قتله.
ويشهد له ما ذكر في القائميات من قوله «عليه السلام»: السلام على الجريح المأسور سوار ابن أبي عمير النهمي، على أنه يمكن حمل العبارة على أسره في أول الأمر.
عمرو بن عبدالله الهمداني الجندعي(1) وبنو جندع بطن من همدان

كان عمرو الجندعی ممن أتي إلى الحسين «عليه السلام» أيام المهادنة في الطف وبقي معه.
قال في الحدائق: إنه قاتل مع الحسين «عليه السلام» فوقع صريعاً مرتثاً بالجراحات قد وقعت ضربة على أسه بلغت منه، فاحتمله قومه وبقي مريضاً من الضربة صريع فراش سنة كاملة ثم توفي على رأس السنة.
ويشهد له ما ذكر في القائمات من قوله: السلام على الجريح المرتث عمرو الجندعي.

___________
(1) - بالجيم والنون والدال والعين المهملتين والياء للنسبة إلى جندع زنة قنفذ -.

(106)

المقصد الرابع
في المذحجيين من أنصار الحسين «عليه السلام»

هانی بن عروة المرادي
هو هاني بن عروة بن نمران بن عمرو بن قعاس بن عبد يغوث بن مخدش بن حصر بن غنم بن مالك بن عوف بن منبه بن غطيف(1) بن مراد بن مذحج(2) أبو يحيى المذحجي المرادي الغطيني. كان هاني صحابياً كأبيه عروة وكان معمراً، وكان هو وأبوه من وجوه الشيعة وحضرا مع أميرالمؤمنين علي حروبه الثلاث، وهو القائل يوم الجمل:
يالك حرباً حثها جمالها يقودها لنقصها ضلاها
(هذا على حوله أقيالها)

قال ابن سعد في الطبقات: إن عمره كان يوم قتل بضعاً(3) وتسعين .
وذكر بعضهم إن عمره كان ثلاثة وثمانين. وكان يتوكأ على عصا بها زج، وهي التي ضربه بها ابن زیاد.

______________
(1) - بالغين المعجمة والطاء المهملة والياء المثناة تحت والفاء مصغرة -.
(۲) ۔ کمجلس - قبيلة
(3) - بكسر الباء وسكون الضاد المعجمتين والعين المهملة - وهو مابين الإثنين والعشرة في المذكر، وبضعة كذلك في المؤنث. قيل: ولا يقال على ما فوق العشرة. وقيل: يقال ولا يقال على مافوقها. فعلى الثاني يقال بضع عشرة وبضع وعشرون ولا بضع ومأة دون الأول، فأما نيف فهو من واحد إلى عشرة في المذكر والمؤنث.

(107)

وروى المسعودي في مروج الذهب: إنه كان شیخ مراد وزعيمها، يركب في أربعة آلاف دارع، وثمانية آلاف راجل، فإذا تلاها أحلافها من كندة ركب في ثلاثين ألف دارع.
وذكر المبرد في الكامل وغيره في غيره أن عروة خرج مع حجر بن عدي وأراد قتله معاوية فشفع فيه زیاد ابن أبيه، وإن هانياً أجار کثیر بن شهاب المذحجي حين اختان مال خراسان وهرب منها وطلبه معاوية فاستتر عند هاني فنذر معاوية دم هاني، فحضر مجلسه ومعاوية لا يعرفه، فلا نهض الناس ثبت مكانه، فسأله معاوية عن أمره، فقال: أنا هاني بن عروة صرت في جوارك.
فقال له معاوية: إن هذا اليوم ليس بيوم يقول فيه أبوك:

أرجل(1) جمتي(2) وأجر ذيلي وتحمي شكتي(3) أفق کمیت
وأمشي في سراة بني غطيف إذا ما سامني ضيم أبيـــــت

فقال له هاني: أنا اليوم أعز مني ذلك اليوم.
فقال: بم ذاك؟
قال: بالإسلام.
فقال: أين كثير؟
قال: عندي في عسكرك.
فقال: أنظر إلى ما اختانه فخذ منه بعضاً و سوغه بعضاً.
وقال الطبري: لما أخبر معقل عين ابن زیاد بخبر شريك ومسلم وأنه عند هاني، طلب ابن زیاد هاني فأتي به وما يظنه أنه يقتله، فدخل عليه، فقال له:

____________
(1) أسرح.
(۲) الجنة - بالضم - شعر الرأس.
(3) الشكة - بالكسر - السلاح.

(108)