ابصار العين  في انصار الحسين  «عليه وعليهم السلام»

اسم الکتاب : ابصار العين في انصار الحسين «عليه وعليهم السلام»

المؤلف : الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي رحمه الله
المطبعة : الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية

 

 

 

 

إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهید صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضــر كفى بهذا شرفاً في المحشــر

فضرب فيهم بسيفه حتى قتل منهم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً، ثم ضربه عبدالله بن قطنة(1) الطائي النبهاني(۲) بسيفه فقتله. وفيه يقول سلمان بن قتة التيمي من قصيدته:
عيني جودي بعبرة وعويــل واندبي إن بكيت آل الرســــــول
ستة كلهم لصلب علـــــــــــي قد أصيبوا وسبعة لعقيـــــــــــــل
واندبي إن ندبت عوناً أخاهم ليس فيما ينوبهم بـــــــــــــخذول
فلعمري لقد أصيب ذو والقر بي فابكي على المصاب الطويل

محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب «عليه السلام»
أمه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وأمها هند بنت سالم بن عبدالعزيز بن محروم بن سنان بن مولة بن عامر بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة، وأمها ميمونة بنت بشر بن عمرو بن الحرث بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن الحصين بن عكابة بن صعب بن علي.
قال السروي: تقدم محمد قبل عون إلى الحرب فبرز إليهم وهو يقول:

أشكو إلى الله من العدوان فعال قوم في الردی عمیان
قد بدلوا معالم القـــــــرآن ومحكم التنزيل والتبیــــــان

فقتل عشرة أنفس ثم تعاطفوا عليه فقتله عامر بن نهشل التميمي. وفيه يقول سلمان بن قتة من القصيدة المتقدمة على الولاء:
______________
(۱) – بالقاف المضمومة والنون بينهما طاء -.
(۲) - بالنون والباء المفردة - منسوب إلى نبهان بطن من بطون طي.

(54)

وسمي النبي غودر فيـــهم قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجودي بدموع تسيل كل مــــسیل

مسلم بن عقيل بن أبي طالب «عليه السلام»
أمه أم ولد تسمى عُلَيّة(1)، اشتراها عقيل من الشام.
روى المدائني قال: قال معاوية بن أبي سفيان لعقيل بن أبي طالب يوماً: هل من حاجة فأقضيها لك؟
قال: نعم، جارية عرضت علي وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفاً.
فأحب معاوية أن يمازحه فقال: وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفاً وأنت أعمى تجتزي بجارية قيمتها أربعون درهماً؟
قال: أرجو أن أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبته ضرب عنقك بالسيف.
فضحك معاوية وقال: مازحناك يا أبایزید، وأمر فابتیعت له الجارية التي أولد منها مسلماً.
فلما أتت على مسلم سنون وقد مات أبوه عقيل، قال مسلم لمعاوية: إن لي أرضاً مكان كذا من المدينة وقد أعطيت بها ماية ألف وقد أحببت أن أبيعك إياها فادفع لي منها. فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن إليه.
فبلغ ذلك الحسين «عليه السلام» فكتب إلى معاوية: أما بعد؛ فإنك غررت غلاماً من بني هاشم فابتعت منه أرضاً لا يملكها، فاقبض منه ما دفعته إليه واردد إلينا أرضنا.
فبعث معاوية إلى مسلم فأقرأه كتاب الحسين «عليه السلام» وقال له: أردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك.
___________
(1) - بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء المثناة تحت -.

(55)

فقال مسلم: أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا.
فاستلق معاوية ضاحكاً يضرب برجليه ويقول له: يا بني! هذا والله ما قاله لي أبوك حين ابتاع أمك. ثم كتب إلى الحسين «عليه السلام» أن قد رددت أرضكم وسوغت مسلماً ما أخذ.
وروى أبو مخنف وغيره أن أهل الكوفة لما كتبوا إلى الحسين، دعا مسلماً فسرحه مع قيس بن مسهر وعبدالرحمن بن عبدالله وجماعة من الرسل فأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف فإن رأى الناس مجتمعين عجل إليه بذلك، وكتب إليهم:
أما بعد؛ فقد أرسلت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقیل وأمرته أن يكتب لي إن رآكم مجتمعين، فلعمري ما الإمام إلا من قام بالحق، وما يشاكل هذا.
فخرج من مكة في أواخر شهر رمضان وأتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله (ص) وودع أهله وخرج فاستأجر دليلين من قيس، فجارا عن الطريق واشتد عليهم العطش فلم يلبثا أن ماتا، وأقبل مسلم ومن معه حتى انتهوا إلى الماء وقد أشار الدليلان إليهما عليه، فكتب مسلم مع قيس إلى الحسين «عليه السلام» من المضيق من بطن خبت: أما بعد؛ فإني خرجت من المدينة ومعي دليلان فجارا عن الطريق و عطشنا فلم يلبثا أن ماتا، وانتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، وقد تطيرت من وجهي هذا.
فكتب إليه الحسين «عليه السلام»: أما بعد: فقد خشيت أن يكون حملك على هذا غير ما تذكر، فامض لوجهك الذي وجهتك له، والسلام.
فسار مسلم حتى مر بماء لطيء فنزل ثم ارتحل فإذا رجل قد رمی ظبية حين أشرف له، فصرعه، فقال مسلم: يقتل عدونا إنشاء الله.
وأقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيدة، فحضرته

(56)
الشيعة واجتمعت له، فقرأ عليهم کتاب الحسين «عليه السلام» الذي أجابهم به، فأخذوا يبكون، وخطبت بمحضره خطباؤهم كعابس الشاكري وحبيب الأسدي، فبلغ ذلك النعمان بن بشير الأنصاري - وكان عامل يزيد على الكوفة. فخرج وخطب الناس وتوعدهم ولان في كلامه. فقام إليه عبدالله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية فأنبه، وخرج فكتب هو وعمارة بن عقبة إلى يزيد بأمر النعمان وأنه ضعيف أو يتضاعف، وأخذ الناس يبايعون مسلماً حتى انتهی دیوانه إلى ثمانية عشر ألف مبايع أو أكثر، فكتب إلى الحسين «عليه السلام» بذلك مع عابس بن أبي شبيب الشاكري وسأله الإعجال بالقدوم عليه لاشتياق الناس إليه.
ولما بلغ ذلك يزيد استشار ذويه فيمن يوليه فأشار عليه سرجون مولى أبيه بعبيد الله بن زیاد وأخرج إليه عهد أبيه فيه، فولاه وكتب إليه بولاية المصرين مع مسلم بن عمرو الباهلي، فسار مسلم حتى ورد البصرة وقد كان الحسين «عليه السلام» كتب إلى أهل البصرة مع مولاه سلیان، فصلبه عبيد الله وتهدد الناس، وخلف مكانه أخاه عثمان وخرج إلى الكوفة، وأخرج معه شريك بن الأعور و مسلم بن عمرو وجماعة من خاصته، فساروا، فجعل شريك يتساقط(۱) في الطريق ليعرج إليه عبیدالله فيقيم عليه فيبادر الحسين «عليه السلام» الكوفة قبل دخولهم فيتمكن من الناس، ولكن الحسين لم يكن خرج من مكة كما ظن شريك، وعبيد الله لم يعرج على شريك كلما سقط کما زعم، فدخل الكوفة قبل أصحابه، فظن الناس أنه الحسین «عليه السلام» لتشبه به لباساً و تلثمه، فدخل القصر والنعمان يظنه الحسين، والناس تقول له: مرحبا يابن رسول الله، وتتبعه، فسد النعمان باب القصر فصاح به: إفتح
لافتحت، فعرفه وفتح الباب وعرفها الناس كلمة عبيد الله، فانكفأ وانكفوا، وبات مسلم والناس حوله.
____________
(1) أي يقيم المكان بعد المكان من المرض.

(57)

فلما أصبح دخل شريك الكوفة فنزل على هاني بن عروة فزاره مسلم وعاده، فقال لمسلم: أرأيت لو عادني عبيدالله أكنت قاتله؟ قال: نعم. فبقي عند هاني. وأصبح عبیدالله فبعث عيناً له من مواليه يتوصل إلى مسلم، وعاد شريك بن الأعور فلم يحب مسلم قتله حتى ظهر من تلويحات شريك لعبيدالله فنهض ومات شريك، وأخبره عينه أن مسلماً عند هاني، فبعث على هاني وحبسه.
فجمع مسلم أصحابه وعقد لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة، وقال له: سر أمامي في الخيل، وعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد وقال: إنزل في الرجال، وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان، وعقد للعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة، ثم أقبل نحو القصير فأحاطوا به حتى أمر عبيد الله بسد الأبواب، فأشرف من القصر أشراف الكوفة يخذلون الناس بالترغيب والترهيب، فما أمسى المساء إلا وقد انفض الجمع من حول مسلم، وخرج شبث بن ربعي والقعقاع(1) بن شور الذهلي وحجار بن أبجر العجلي وشمر ابن ذي الجوشن الكلابي يخذلون الناس، و خرج کثیر بن شهاب بن الحصين الحارثي في عدد للقبض على من رآه يريد مسلماً، فقبض على جماعة فحبسهم عبيدالله.
ثم إن مسلما خرج من المسجد منفرداً لا يدري أين يتوجه، فمر بدار امرأة يقال لها طوعة كانت تحت الأشعث بن قيس ثم تزوجها أسيد الحضرمي فولدت منه بلالاً، ومات أسيد عنه، فاستسقاها، فسقته وشرب فوقف، فقالت له: ما وقوفك؟ فاستضافها، فأضافته وعرفته فأخفته ببیت لها، فاسترابها بلال ابنها
_____________
(1) – بالقاف المفتوحة والعين المهملة الساكنة والقاف والعين بينهما ألف - ابن شور - بالشين المضمومة والراء المهملة - له شرف وسمعة، ويضرب به المثل في المجالسة فيقال: جليس القعقاع بن شور؛ لأنه دخل مجلس معاوية وقد ضاق، فقام رجل وأعطاء مكانه فجلس فيه، ثم أمر له معاوية بشيء، فقال: أين من قام عن مجلسه لي؟ فقال: ها أنا ذا. فقال: خذ ما نلته بمكانك مكافاة لقيامك.

(58)
بكثرة الدخول والخروج لذلك البيت، فاستخبرها، فما كادت تخبره حتى استحلفته وأخبرته، فخرج صبحة للقصر فرأى ابن زیاد وعنده أشراف الناس وهو يتفحص عن مسلم، فأسر لمحمد بن الأشعث بخبره، فقال ابن زیاد: وما قال لك؟ فأخبره، فنخسه بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة، فخرج ومعه عمرو بن عبیدالله بن العباس السلمي في جماعة من قيس حتى أتوا الدار.
فسمع مسلم حوافر الخيل فخرج وبيده سيفه فقاتل القوم قتالاً شديداً، وكان أيداً، ربما أخذ الرجل ورمی به على السطح، فجعلوا يوقدون أطناب القصب ويرمونها عليه ويرضخونه بالحجارة من السطوح، وهو لا يزال يضرب فيهم بسيفه ويقول في خلال ذلك متحمساً:

أقسمت لا أقتل إلا حــــــرا وإن رأيت الموت شيئاً نكرا
كل امرء يوماً ملاقٍ شـــرا أو يخلط البارد سخناً مــــرا
رد شعاع النفس(۱) فاستقرا أخاف أن أكذب أو أغـــــرا

ثم اختلف هو وبكير بن حمران الأحمري بضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا، وأسرع السيف في السفلى، ونصلت لها ثنيتان، فضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه وثنى بأخرى على حبل عاتقه كادت تأتي على جوفه، فاستنقذه أصحابه، وعاد مسلم ينشد شعره. فقال له محمد بن الأشعث: لك الأمان یافتى لا تقتل نفسك، إنك لا تكذب ولا تخدع ولا تغر، إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك.
_________________
(1) الشعاع المتفرق من الشيء تفرقة دقيقة، يقال : مارت نفسه شعاعة أي تفرقت من الخوف. قال الشاعر:
أقول لها وقد طارت شعاعا من الأبطال ويحك لا تراعي
فالمعنى في الرجز أن النفس استقرت بعد ما تفرقت. ويضي في الجملة الكتب شعاع الشمس وهو غلط وتصحيف صحفه من لم يفهم شعاع النفس فرأى أن الشعاع بالشمس أليق.

(59)

فلما رأى مسلم أنه قد أثخن بالحجارة وأضربت به أطنان(1) القصب المحرق وإنه قد انبهر، أسند ظهره إلى جنب تلك الدار، فكرر عليه محمد الأمان ودنا منه، فقال: آمن آنا؟ قال: نعم، وصاح القوم أنت آمن سوی عمرو بن عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وتنحی.
فقال مسلم: أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، ثم أتي ببغلة فحمل عليها وطافوا حوله فانتزعوا سيفه من عنقه، فكأنه أيس من نفسه، فدمعت عيناه وقال: هذا أول الغدر.
فقال محمد: أرجو أن لا يكون عليك بأس.
فقال: ما هو إلا الرجاء، أين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، وبکی.
فقال عمرو السلمي: إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك.
فقال: إني والله ما لنفسي أبكي ولها لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إلى، أبكي لحسين وآل حسين.
ثم قال لمحمد بن الأشعث: یا عبدالله! إني أراك ستعجز عن أماني، فهل عندك خير، أتستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسين فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلاً أو هو خارج غداً وأهل بيته معه، وإن ماتری من جزعي لذلك، فيقول: إن مسلماً بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير، لا يرى أن يمسي حتى يقتل، وهو يقول: إرجع بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة كذبوك وكذبوني، وليس لمكذوب رأي.
فقال محمد: والله لأفعلن ولأعلمن ابن زیاد أني قد آمنتك.
_______________
(1) جمع طن وهو الحزمة من القصب.

(60)

قال جعفر بن حذيفة الطائي: فبعث محمد أياس بن العتل الطائي من بني مالك ابن عمرو بن ثمامة وزوده وجهزه ومتع عياله وأرسله للحسين، فاستقبله بزبالة الأربع ليالى بقين من الشهر، وكان عبيد الله بن زیاد بعث رئيس الشرطة الحصين ابن تميم التميمي في نحو من ألفي فارس فأطافوا بالطف ونظموا المسالح ومنعوا الداخل والخارج فهم على خط واحد فلم تحصل له فرصة إلا ذلك الزمن.
قال أبو مخنف: ثم أقبل محمد بن الأشعث بمسلم إلى باب القصر، فاستأذن، فأذن له، فأخبر عبیدالله بخبر مسلم وضرب بكير إياه، فقال: بعداً له، فأخبره بأمانه، فقال: ما أرسلناك لتؤمنه إنما أرسلناك لتأتي به، فسكت. وانتهي مسلم إلى باب القصر وهو عطشان، وعلى باب القصر أناس ينتظرون الإذن منهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حریث و مسلم بن عمرو الباهلي وكثير بن شهاب، فاستسقى مسلم وقد رأى قلة(1) موضوعة على الباب، فقال مسلم الباهلي: أتراهاما أبردها لا والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم.
فقال له: ويحك من أنت؟
قال: أنا من عرف الحق إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته و خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
فقال: لأمك الثكل، ما أجفاك وما أفظك وأقسى قلبك وأغلظك، أنت یابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني، ثم تساند و جلس إلى الحائط.
فبعث عمرو بن حریث مولاه سلیان فجاءه بقلة، وبعث عمارة غلامه قيساً فجاءه بقلة عليها منديل فصب له ماء بقدح، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دماً من فمه حتى إذا كانت الثلاثة سقطت ثنيتاه في القدح، فقال: الحمد لله، لو كان من الرزق المقسوم لي لشربته.
______________
(1) - بالضم - آناء للماء كالكوز الصغير.

(61)

ثم أدخل مسلم، فلم يسلم بالإمرة على عبيد الله، فاعترضه الحرسي بذلك فقال عبیدالله: دعه فإنه مقتول.
فقال له مسلم: أكذلك؟
قال: نعم.
قال: فدعني أوص إلى بعض قومي. فنظر إلى جلساء عبيدالله فإذا عمر بن سعد فيهم، فقال: يا عمر! إن بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك نجح حاجتي وهو سر، فأبى أن يمكنه من ذكرها، فقال له عبيدالله: لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك. فقام معه وجلس بحيث ينظر إليه ابن زیاد، فقال: إن علي بالكوفة دين استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمأة درهم فاقضها عتي ببيع لامتي، واستوهب جثتي من ابن زیاد فوارها ، وأبعث إلى الحسين «عليه السلام» من برده فإني كتبت إليه أعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلاً.
فقال عمر لابن زیاد: أتدري ما قال لي ، إنه قال كذا وكذا.
فقال ابن زیاد: ما خانك الأمين ولكن ائتمنت الخائن، أما ماله فهو لك فاصنع به ما شئت، وأما جثته فلن نبالي إذا قتلناه ما يصنع بها، أو قال: فلن نشقعك فيها فإنه ليس بأهل منا لذلك قد جاهدنا وجهد على هلاكنا، وأما حسين فإن لم يردنا المترده وإن أرادنا لم نكف عنه ، ثم قال: إيه(1) یابن عقيل أتيت الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة لتشتتهم وتحمل بعضهم على بعض؟
قال: كلا ما أتيت لذلك ولكن أهل المصير زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دمائهم وعمل فيهم أعمال کسری و قیصر فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب.
______________
(1) - بكسر الهمزة والهاء تنون ولا تنون؛ فإن نونت الهاء كانت الكلمة استنطاق وإن سكنت الهاء كانت كلمة استكفاف - فمعنى الأولى تكلم ومعنى الثانية أسكت .

(62)

قال: وما أنت وذاك يا فاسق، أولم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر.
قال: أنا أشرب الخمر، والله إن الله ليعلم أنك غير صادق وإنك قلت بغير علم، وإني لست کاذکرت، وإن أحق بشرب الخمر مني من بلغ في دماء المسلمين ولغاً فقتل النفس التي حرم الله قتلها، ويقتل النفس بغير النفس، ويسفك الدم الحرام، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا.
فقال ابن زیاد: یا فاسق! إن نفسك تمتيك ما حال الله دونه ولم يرك أهله.
قال: فمن أهله يابن زیاد؟
قال: أمير المؤمنین یزید.
قال: الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا وبينكم.
قال: كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئا؟
قال: ما هو الظن ولكته اليقين.
قال: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام.
قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام حدث لم يكن منه، أما إنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة(1) لأحد أحق بها منك.
فأخذ ابن زیاد يشتمه ویشتم علياً وحسيناً وعقيلاً، وأخذ مسلم بالسكوت والإعراض عنه.
فقال ابن زیاد: إصعدوا به فوق القصير، وادعوا بکیر بن حمران الأحمري الذي ضربه مسلم ، فصعدوا به، وأحضر بكير، فأمره أن يضرب عنقه ويتبع برأسه جسده من أعلى القصر، فصاح مسلم بمحمد بن الأشعث: قم بسيفك دوني فقد
____________
(1) إذا غلب الئيم تبجح وظهر عليه التجبر، وإذا غلب الكريم استحیی وصغرت له همته مافعل، فلوم الغلبة التبجح والاستعلاء، وكرمها التصاغر والاستحياء.

(63)

أخفرت ذمتك، أما والله لولا أمانك ما استسلمت.
فأعرض محمد وجعل مسلم يسبح الله ويقدسه ويكبره ويستغفره ويصلي على أنبياء الله وملائكته ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قومنا غيرونا وكذبونا وأذلونا، فأشرف به من على القصير فضربت عنقه وأتبع جسده رأسه، ونزل بكير، فقال له ابن زیاد: وما كان يقول؟
قال: إنه كان يسبح ويستغفر، فلا أدنيته لأقتله قلت: الحمد لله الذي أقادني منك، وضربته ضربة لم تغن شيئاً، فقال لي: أما ترى في خدش تخدشنيه وفاً من دمك أيها العبد.
فقال ابن زياد: أوفخراً عند الموت؟ ثم قال: إيه.
قال: وضربته الثانية فقتلته.
ثم أمر ابن زیاد فقتل هاني وجملة من المحبوسين وجرت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق، وقتل مسلم في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم خروج الحسين «عليه السلام» من مكة.
قال أبو مخنف: وحدث عبدالله بن سليم والمذری بن المشمعل الأسديان قالا: لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين «عليه السلام» في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود، فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين «عليه السلام». قالا: فوقف الحسين «عليه السلام» كأنه يريده، ثم تركه ومضى، فقال أحدنا لصاحبه: إمض بنا إليه لنسأله عن خبر الكوفة. فانتهينا إليه وسلمنا وانتسبنا فإذا هو بكير بن المثعبة الأسدي، فاستخبرناه عن الكوفة، فقال: ما خرجت حتى رأيت مسلماً وهانياً قتيلين يجران بأرجلها في السوق، ففارقناه و لحقنا بالحسين، فسلمنا عليه وسایرناه حتى نزل الثعلبية ممسياً، فدخلنا عليه وقلنا له: يرحمك الله إن عندنا

(64)
خبراً إن شئت حدثناك به علانية وإن شئت سراً. فنظر إلى أصحابه وقال: ما دون هؤلاء سر. فقلنا: أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس؟ قال: نعم وقد أردت مسألته. فقلنا: قد استبرأنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو إمرؤ من أسد منا ذو رأي وصدق و فضل وعقل، وإنه حدثنا بكيت وكيت، فاسترجع وقال: رحمة الله عليها وكررها مراراً. فقلنا: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا انصرفت فإنه ليس لك بالكوفة ناصر بل نتخوف أن يكونوا عليك. فاعترضته بنو عقيل بأننا لا نترك ثأرنا. فالتفت إلينا الحسين وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه عزم على المسير، فقلنا له: خار الله لك، فدعا لنا، فقال له أصحابه: إنك والله ما أنت مثل مسلم ولو قدمت الكوفة كان الناس إليك أسرع.
قال أهل السير: ولما ورد الحسين «عليه السلام» زبالة أخرج كتاباً لأصحابه فقرأه عليهم وفيه:
أما بعد؛ فقد أتانا خبر فظيع إنه قتل مسلم وهاني و عبدالله بن يقطر، وقد خذلنا شیعتنا؛ فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه ما ذمام.
فتفرق الناس عنه بيميناً وشمالاً إلا صفوته.
وروى بعض المؤرخين أن الحسين لما قام من مجلسه بالثعلبية توجه نحو النساء و انعطف على ابنة لمسلم صغيرة فجعل يمسح على رأسها فكأنها أحست، فقالت: ما فعل أبي؟
فقال: يا بنية! أنا أبوك، ودمعت عينه، فبكت البنت وبكت النساء لذلك.
قال أهل السير: ثم إن ابن زیاد بعث برأسي مسلم وهاني إلى يزيد مع هاني بن أبي حنية الوداعي والزبير بن الأروح التميمي، واستوهبت الناس الجثث فدفنوها عند القصر حيث تزار اليوم، وقبراهما كل على حدة، وإني لأستحسن كثيراً قول السيد الباقر بن السيد محمد الهندي فيه:

(65)

سقتك دماً يابن عم الحسيـــــن مدامع شيعتك السافحــــــــه
ولا برحت هاطلات الدمـــوع تحييك غادية رائحــــــــــــه
لأنك لم ترومن شربـــــــــــــةٍ ثناياك فيها غدت طائحـــــه
رموك من القصر إذ أوثــقوك فهل سلمت فيك من جارحه
تجر بأسواقهم في الحبــــــــال ألست أميرهم البارحــــــــــه
أتقضي ولم تبكك الباكيــــــات أمالك في المصر من نائحـه
لئن تقض نخباً فكم في زرود عليك العشية من صائحـــــه
ولي في ذلك:
نزفت دموعي ثم أسلمني الجــــــــوى القارعة ماكان فيها بمســــــــــــــلم
أجيل وجوه الفكر كيف تخاذلــــــــــت بنو مضر الحمراء عن نصر مسلم
أما كان في الأرباع(1) شخص بمؤمن وما كان في الأحياء حي بــمسلم(2)

عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليهم


أمه رقية بنت أميرالمؤمنين، وأنها الصهباء أم حبيب بنت عباد بن ربيعة بن یحیی بن العبد بن علقمة التغلبية. قيل: بیعت لأمير المؤمنين من سبي اليمامة.
وقيل: من سبي عين التمر، فأولدها علي «عليه السلام» عمر الأطرف ورقية.
قال السروي: تقدم عبدالله بن مسلم إلى الحرب فحمل على القوم وهو يقول:
اليوم ألقي مسلماً وهو أبي وعصبة بادوا على دين النبي
_______________
(1) أرباع الكوفة وهي المدينة وكندة ومذحج وتيم، وتدخل ربيعة مع كندة وأسد مع مذحج و همدان مع تميم، وتنضم غيرهم إليهم في الجميع يقال: أرباع الكوفة وأخماس البصرة، وقد تقدم ذلك.
(۲) الأول إسم فاعل من أسلمه إلى الشيء بمعنى أعطاه إياه وخذله، والثاني العلم المترجم، والثالث إسم فاعل من أسلم خلاف کفر.

(66)

حتى قتل ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات، ثم رماه عمرو بن صبيح الصدائي بسهم.
قال حميد بن مسلم: رمى عمرو عبدالله بسهم وهو مقبل عليه فأراد جبهته فوضع عبدالله يده على جبهته يتقي بها السهم فسمر السهم يده على جبهته فأراد تحريكها فلم يستطع ثم إنتحی له بسهم آخر ففلق قلبه فوقع صريعاً، وكانت قتلته بعد علي بن الحسين فيما ذكره أبو مخنف والمدايني وأبو الفرج دون غيرهم.
محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب «عليهم السلام»
وأمه أم ولد.
قال أبو جعفر: حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبدالله حملة واحدة فصاح بهم الحسين «عليه السلام»: صبر على الموت يا بني عمومتي، فوقع فيهم محمد بن مسلم، قتله أبو مرهم الأزدي ولقيط بن أياس الجهني.
محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب «عليهم السلام»
أمه أم ولد.
قال أهل السير نقلاً عن حمید بن مسلم الأزدي إنه قال: لما صرع الحسين، خرج غلام مذعوراً يلتفت يميناً وشمالاً، فشد عليه فارس فضربه، فسألت عن الغلام فقيل: محمد بن أبي سعيد، وعن الفارس فقيل: لقيط بن أياس الجهني.
وقال هشام الكلبي: حدث هاني بن ثبیت الحضرمي قال: كنت ممن شهد قتل الحسين «عليه السلام» فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس ما رجل إلا على فرس وقد جالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار و قمیص وهو مذعور يتلفت يميناً وشمالاً، فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه

(67)

يتذبذبان كلما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.
قال هشام الكلبي: إن هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام وكتى عن نفسه استحياء أو خوفاً.
عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب «عليهم السلام»
أمه أم ولد.
قال ابن شهر آشوب: تقدم في حملة آل أبي طالب بعد الأنصار وهو يقول:
أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم وهاشم إخواني

فقاتل حتى قتل سبعة عشر فارساً ثم احتوشوه فتولى قتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني وبشر بن حوط الهمداني ثم القابضي بطن منهم.
جعفر بن عقيل بن أبي طالب علي «عليهم السلام»
أمه الحوصاء بنت عمرو - المعروف بالثغر - بن عامر بن الحصان بن کعب بن عبد ابن أبي بكر بن كلاب العامري، وأمها أودة بنت حنظلة بن خالد بن کعب بن عبد ابن أبي بكر المذكور، وأنها ريطة بن عبد بن أبي بكر المذكور، وأنها أم البنين بنت معاوية بن خالد بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأنها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عتبة بن عامر.
قال السروي: تقدم إلى القتال فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدماً وهو يقول:
أنا الغلام الأبطحي الطالبي من معشر في هاشم من غالب
ونحن حقاً سادة الذوائب
فقتل خمسة عشر رجلاً ثم قتله بشر بن حوط قاتل أخيه عبدالرحمن.

(68)

عبدالله بن يقطر(1) الحميري «رضيع الحسين »
كانت أمه حاضنة للحسين كأم قيس بن ذريح للحسن، ولم يكن رضع عندها ولكنه يسمی رضيعة له لحضانة أمه له. وأم الفضل بن العباس لبابة كانت مربية للحسين «عليه السلام» ولم ترضعه أيضاً كما صح في الأخبار إنه لم يرضع من غير ثدي أمه فاطمة صلوات الله عليها وإبهام رسول الله (ص) تارة وريقه تارة اخرى.
قال ابن حجر في الإصابة: إنه كان صحابياً لأنه لدة(۲) الحسين «عليه السلام».
وقال أهل السير: إنه سرحه الحسين «عليه السلام» إلى مسلم بن عقيل بعد خروجه من مكة في جواب کتاب مسلم إلى الحسين «عليه السلام» يسأله القدوم ويخبره باجتماع الناس، فقبض عليه الحصين بن تميم بالقادسية وأرسله إلى عبيد الله بن زياد، فسأله عن حاله فلم يخبره، فقال له: إصعد القصير والعن الكذاب بن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي.
فصعد القصر، فلا أشرف على الناس قال: أيها الناس! أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (ص) إليكم لتنصروه و توازروه على ابن مرجانة وابن سمية الدعي ابن الدعي.
فأمر به عبید الله فألقي من فوق القصير إلى الأرض فتكسرت عظامه وبقي به رمق فأتاه عبدالملك بن عمير اللخمي قاضي الكوفة وفقيهها فذبحه بمدية(۳)، فلا عيب عليه قال : إني أردت أن أريحه.
____________
(1) - بالياء المثناة تحت والقاف والطاء والراء المهملتين وضبطه الجزري في الكامل بالباء الموحدة لكن مشیختنا ضبطوه بالياء المثناة تحت -.
(۲) اللدة الذي ولد مع الإنسان في زمن واحد.
(3) - بضم الميم - السكين والجمع مدی.

(69)
قالوا: ولما ورد خبره وخبر مسلم وهاني إلى الحسين «عليه السلام» بزبالة نعاه إلى أصحابه وقال:
وأما بعد؛ فقد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبدالله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا، إلى آخر ما ذكرناه آنفاً.
وقال ابن قتيبة وابن مسکویه: إن الذي أرسله الحسين قيس بن مسهر - كما يأتي - وإن عبدالله بن يقطر بعثه الحسين «عليه السلام» مع مسلم فلما أن رأي مسلم الخذلان قبل أن يتم علیه ما تم بعث عبدالله إلى الحسين يخبره بالأمر الذي انتهى فقبض عليه الحصين وصار ماصار عليه من الأمر الذي ذكرناه.
سليمان بن رزین مولى الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»
كان سلمان هذا من موالي الحسين «عليه السلام» أرسله بكتب إلى رؤساء الأخماس بالبصرة حين كان بمكة.
قال الطبري: کتب الحسين «عليه السلام» إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف کمالك بن مسمع البكري والأحنف بن قيس التميمي والمنذر بن الجارود العبدي و مسعود بن عمرو الأزدي وقيس بن الهيثم وعمرو بن عبیدالله بن معمر، فجاء الكتاب بنسخة واحدة:
أما بعد؛ فإن الله اصطفى محمد (ص) على خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل فيه، وكنا أهله وأولياؤه وأوصياؤه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا لكم العافية ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا من تولاه، وقد بعثت إليكم رسولي بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه فإن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت؛ فإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهديكم سبيل الرشاد.

(70)

فكتم بعض الخبر وأجاب بالاعتذار أو بالطاعة والوعد، وظن المنذر بن الجارود أنه دسيس من عبيد الله وكان صهره فإن بحرية بنت الجارود تحت عبیدالله ، فأخذ الكتاب و الرسول فقدمها إلى عبيدالله بن زياد في العشية التي عزم على السفر إلى الكوفة صبيحتها. فلما قرأ الكتاب قدم الرسول سليمان وضرب عنقه وصعد المنبر صباحاً وتوعد الناس وتهددهم ثم خرج إلى الكوفة ليسبق الحسين «عليه السلام».
أسلم بن عمرو مولى الحسين بن علي «عليهم السلام»
كان أسلم من موالي الحسين وكان أبوه تركياً وكان ولده أسلم كاتباً.
قال بعض أهل السير والمقاتل: إنه خرج إلى القتال وهو يقول:
أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤاد البشير النذير

فقاتل حتى قتل. فلا صرع مشى إليه الحسين «عليه السلام» فرآه وبه رمق يومي إلى الحسين «عليه السلام»، فاعتنقه الحسين ووضع خده على خده فتبسم وقال: من مثلي وابن رسول الله (ص) واضع خده على خدي، ثم فاضت نفسه رضوان الله عليه.
قارب بن عبدالله الديلي مولى الحسين بن علي «عليهما السلام»
أمه جارية للحسين «عليه السلام» تزوجها عبدالله الدئلي فولدت منه قارباً هذا، فهو مولى للحسين «عليه السلام». خرج معه من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلا وقتل في الحملة الأولى التي هي قبل الظهر بساعة .
منجح بن سهم مولى الحسن بن علي «عليهما السلام»
كان منجح من موالي الحسن «عليه السلام». خرج من المدينة مع ولد الحسن «عليه السلام» في

(71)

صحبة الحسين «عليه السلام» فأنجح سهمه بالسعادة وفاز بالشهادة، ولا تبارز الفريقان في کربلا قاتل القوم قتال الأبطال.
قال صاحب الحديقة الوردية : فعطف عليه حسان بن بكر الحنظلي فقتله وذلك في أوائل القتال.
سعد بن الحرث مولی علي بن أبي طالب «عليه السلام»
كان سعد مولى لعلي «عليه السلام» فانضم بعده إلى الحسن «عليه السلام» ثم إلى الحسين «عليه السلام» فلما خرج من المدينة خرج معه إلى مكة ثم إلى کربلا فقتل بها في الحملة الأولى؛ ذكره ابن شهر آشوب في المناقب وغيره من المؤرخين.
نصر بن أبي نيزر(1) مولى علي بن أبي طالب «عليه السلام»
كان أبو نيزر من ولد بعض ملوك العجم أو من ولد النجاشي.
قال المبرد في الكامل: صح عندي أنه من ولد النجاشي رغب في الإسلام صغيراً فأتي به رسول الله فأسلم ورباه رسول الله (ص) فلما توفي صار مع فاطمة وولدها.
وقال غيره: إنه من أبناء ملوك العجم أهدي لرسول الله (ص) ثم صار إلى أميرالمؤمنين «عليه السلام» وكان يعمل له في نخله وهو صاحب الحديث المشهور الذي ينقله عن أمير المؤمنين «عليه السلام» في استخراج العين ووقفها أو حبسها كما ذكره المبرد في الكامل.
وملخصه: إن أبا نیزر قال: جائني علي «عليه السلام» وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة فقال لي : هل عندك من طعام؟
فقلت: طعام لا أرضاه لأميرالمؤمنين، قرع من الضيعة صنعته بإهالة سنخة.
__________
(1) - بالنون والياء المثناة تحت والزاء المعجمة والراء المهملة على وزن صیقل -.

(72)

فقال: علي به. فقام إلى الربيع فغسل يده وأصاب منه ثم رجع إلى الربيع وغسل يديه بالرمل حتى نقاهما ثم مسح على بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم أخذ المعول وانحدر في العين وجعل يضرب فأبطأ الماء فخرج وقد عرق جبينه فانتكفه(۱) ثم عاد وجعل يهمهم فانثالت عين كأنها عنق جزور، فخرج مسرعاً فقال: أشهد الله إنها صدقة، ثم كتب: هذا ما تصدق به عبدالله على أميرالمؤمنين تصدق بالضيعتين على فقراء المدينة إلا أن يحتاج إليها الحسنان فهما طلق لهما ودون غيرهما، إنتهی مخلصاً.
ونصر هذا ولده انضم إلى الحسين «عليه السلام» بعد علي والحسن «عليه السلام» ثم خرج معه من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلا فقتل بها وكان فارس فعقرت فرسه ثم قتل في الحملة الأولى «رضي الله عنه».
الحرث بن نبهان مولی حمزة بن عبدالمطلب «عليهم السلام»
كان نبهان عبداً لحمزة شجاعاً فارساً.
قال صاحب الحديقة الوردية: والحرث ابنه انضم إلى الحسين «عليه السلام» بعد انضمامه إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام» والحسن في فجاء معه إلى كربلا وقتل بها في الحملة الأولى.
فهؤلاء تسعة عشر من آل أبي طالب الحسين «عليه السلام» وطفله الرضيع وسبعة عشر نفراً، وثمانية من الموالي، عبدالله بن يقطر وسبعة نفر صح لي قتلهم في كربلا وفي الكوفة و في البصرة. وذكر جماعة غيرهم لم يصح لي قتلهم هناك ، وجماعة أخرى من الموالي لم يذكر أحد أسماؤهم ولم يعرفوا مقداراً.
______________
(1) أي نحاه بإصبعه.

(73)

المقصد الثاني
في بني أسد بن خزيمة ومواليهم من أنصار الحسین «عليه السلام»

أنس بن الحرث بن نبيه بن کاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة
الأسدي الكاهلي. كان صحابياً كبيراً ممن رأى النبي وسمع حديثه، وكان فيا سمع منه وحدث به ما رواه جم غفير من العامة والخاصة عنه إنه قال: سمعت رسول الله يقول - والحسين بن علي في حجره -: إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره؛ ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة، وابن حجر في الإصابة وغيرهما. ولما رآه في العراق وشهده نصره وقتل معه.
قال الجزري: وعداده في الكوفيين، وكان جاء إلى الحسين «عليه السلام» عند نزوله کربلا والتقى معه ليلاً فيمن أدركته السعادة.
روی أهل السير أنه لما جائت نوبته استأذن الحسين «عليه السلام» في القتال فأذن له وكان شيخاً كبيراً فبرز وهو يقول:

قد علمت کاهلها(1) ودودان(۲) والخندفيون وقيس عيلان
بأن قومي آفة للأقران
ثم قاتل حتى قتل. وفي حبيب وفيه يقول الكميت بن زيد الأسدي:
____________
(۱) کاهل: بطن من أسد بن خزيمة.
(۲) - بالدال المهملة المضمومة والواو والدال المهملة أيضاً والألف والنون - بطن من أسد بن خزيمة أيضا وستأتي بطون أخر.

(74)

سوی عصبة فيهم حبيب معفر قضى نحبه والكاهلي مرمل

حبیب بن مظهر
هو حبیب بن مظهر(1) بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طریف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد أبوالقاسم الأسدي الفقعسي. كان صحابياً رأى النبي (ص)؛ ذكره ابن الكلبي. وكان ابن عم ربيعة بن حوط بن رئاب المكنى أباثور الشاعر الفارس.
قال أهل السير: إن حبيباً نزل الكوفة وصحب علياً «عليه السلام» في حروبه كلها، وكان من خاصته وحملة علومه.
وروى الكشي عن فضیل بن الزبير قال: مر ميثم التمار على فرس له فاستقبله حبیب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد فتحادثا حتى اختلف عنقا فرسيهما ثم قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حب أهل بيت نبيه فتبقر بطنه على الخشبة.
فقال میثم: وإني لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة، ثم افترقا.
فقال أهل المجلس: ما رأينا أكذب من هذين.
قال: فلم يفترق المجلس حتى أقبل رشيد الهجري فطلبها فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولانا كذا وكذا.
فقال رشيد: رحم الله میثماً نسي: ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس ماية درهم، ثم أدبر.
_____________
(1) - بضم الميم وفتح الظاء المعجمة بزنة محمد على الأشهر، ويضبط بالطاء المهملة في بعض الأصول.
ويمضي على الألسن وفي الكتب مظاهر وهو خلاف المضبوط قديماً -.

(75)

فقال القوم: هذا والله أكذبهم.
قال: فما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثماً مصلوباً على باب عمرو بن حریث. وجيء برأس حبيب قد قتل مع الحسين «عليه السلام»، ورأينا كل ما قالوا.
وذكر أهل السير أن حبیباً كان ممن كاتب الحسين «عليه السلام».
قالوا: ولما ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف إليه، قام فيهم جماعة من الخطباء يتقدمهم عابس الشاكري، وثناه حبيب فقام وقال لعابس بعد خطبته: رحمك الله لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول وأنا والله الذي لا إله إلا هو لعلى مثل ما أنت عليه.
قالوا: وجعل حبيب ومسلم يأخذان البيعة للحسين «عليه السلام» في الكوفة حتى إذا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة وخذل أهلها عن مسلم وفر أنصاره، حبسها عشائرهما وأخفياهما. فلما ورد الحسین کربلا خرجا إليه مختفين يسيران الليل ویکمنان النهار حتى وصلا إليه.
وروى ابن أبي طالب أن حبيباً لما وصل إلى الحسين «عليه السلام» ورأى قلة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين «عليه السلام»: إن هاهنا حياً من بني أسد فلو أذن لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك لعل الله أن يهديهم ويدفع بهم عنك، فأذن له الحسين«عليه السلام»، فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: يا بني أسد! قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه، هذا الحسين بن علي أميرالمؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) قد نزل بين ظهرانيكم(1) في عصابة من المؤمنين وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه، فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله (ص) فيه، فوالله لئن نصرتموه ليعطيتكم الله شرف الدنيا والآخرة وقد خصصتكم بهذه
____________
(1) يقال هو بين ظهرانيكم وبين ظهريكم وبين أظهركم؛ فالأولى بالفتح ولا تكسر، والثانية بصورة التثنية کالأولى، والثالثة بصورة الجمع، كل ذلك بمعنى في وسطكم وبين معظمكم.

(76)
الكرامة؛ لأنكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس مني رحماً.
فقام عبدالله بن بشير الأسدي وقال: شكر الله سعيك يا أبا القاسم، فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب، أما أنا فأول من أجاب، وأجاب جماعة بنحو جوابه، فنهدوا(1) مع حبيب، وانسل منهم رجل فأخبر ابن سعد فأرسل الأزرق في خمسماية فارس فعارضهم ليلاً ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلا علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحموا عن منازلهم، وعاد حبيب إلى الحسين «عليه السلام» فأخبرهم بما كان، فقال «عليه السلام»: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)(۲) ولاحول ولا قوة إلا بالله.
وذكر الطبري أن عمر بن سعد لما أرسل إلى الحسين «عليه السلام» كثير بن عبدالله الشعبي وعرفه أبو ثمامة الصائدي فأعاده، أرسل بعده قرة بن قيس الحنظلي، فلما رآه الحسين «عليه السلام» مقبلاً قال: أتعرفون هذا؟
فقال حبيب: نعم، هذا رجل تميمي من حنظلة وهو ابن أختنا، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد.
قال: فجاء حتى سلم على الحسين «عليه السلام» وأبلغه رسالة عمر، فأجابه الحسين «عليه السلام».
قال: ثم قال له حبيب: ويحك يا قرة! أين ترجع إلى القوم الظالمين، أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك.
فقال له قرة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي.
وذكر الطبري أيضاً قال: لا نهد القوم إلى قتال الحسين قال له العباس: يا أخي! أتاك اقوم.
قال: إذهب إليهم وقل لهم: ما بدا لكم.
_____________
(۱) نهد: نهض.
(۲) الإنسان: ۳۰.

(77)

فركب العباس وتبعه جماعة من أصحابه فيهم حبیب بن مظهر وزهير بن القين، فسألهم العباس، فقالوا: جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنزلة، فقال لهم: لاتعجلوا حتى أخبر أباعبدالله ثم ألقاكم.
فذهب إلى الحسين «عليه السلام» ووقف أصحابه.
فقال حبيب لزهير: کلم القوم إذا شئت.
فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكلمهم أنت.
فقال لهم حبيب: معاشر القوم! إنه والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون على الله وقد قتلوا ذرية نبيه وعترته وأهل بيته وعباد أهل هذا المصير المجتهدین بالأسحار والذاكرين الله كثيراً.
فقال له عزرة بن قيس: إنك لتزكي نفسك ما استطعت.
فأجابه زهير بما يأتي.
وروى أبو مخنف أن الحسين «عليه السلام» لما وعظ القوم بخطبته التي يقول فيها: أما بعد؛ فانسبوني من أنا وانظروا - إلى آخر ما قال -. اعترضه شمر بن ذي الجوشن فقال: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول.
فقال حبيب: أشهد أنك تعبد الله على سبعين حرفاً وإنك لا تدري مايقول، قد طبع الله على قلبك.
ثم عاد الحسين «عليه السلام» إلى خطبته.
وذكر الطبري وغيره أن حبیباً كان على ميسرة الحسين «عليه السلام» وزهيراً على الميمنة وإنه كان خفيف الإجابة لدعوة المبارزة، طلب سالم مولی زیاد ويسار مولى ابنه عبیدالله مبارزین، وكان يسار مستنتل(1) أمام سالم فخف إليه حبيب وبرير فأجلسها الحسين، وقام عبدالله بن عمير الكلبي فأذن له كما سيأتي.
_____________
(1) - بالميم والسين والنون بين التائين المثنانين فوق - معنی متقدم عليه.

(78)

قالوا: لا صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين «عليه السلام» ومعه حبيب، فقال حبيب: عثر على مصرعك يا مسلم، ابشر بالجنة.
فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشرك الله بخير.
فقال حبيب: لولا أني أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن أتوصي إلى بكل ما أهمك حتى أحفظ في كل ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة.
فقال له: بلى أوصيك بهذا رحمك الله - وأومأ بيديه إلى الحسين «عليه السلام» - أن تموت دونه.
فقال حبيب: أفعل ورب الكعبة.
قالوا: ولما استأذن الحسين «عليه السلام» لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لأداء الصلاة قال له الحصين بن تميم : إنها لا تقبل منك.
فقال له حبيب: إنها لا تقبل زعمت الصلاة من آل رسول الله (ص) وتقبل منك يا حمار.
فحمل الحصين و حمل عليه حبيب فضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف فشت به الفرس ووقع عنه، فحمله أصحابه واستنقذوه، وجعل حبيب يحمل فيهم اليختطفه منهم وهو يقول:
أقسم لو كنا لكم أعداداً أو شطركم وليتم أكتادا(۱)
یا شر قوم حسباً و آدا(2)
ثم قاتل القوم، فأخذ يحمل فيهم ويضرب بسيفه وهو يقول:
أنا حبيب وأبي مظهر فارس هيجاء وحرب تسعر
_____________
(۱) جمع کتد وهو مجتمع الكتفين من الإنسان وغيره.
(۲) في قوله حسبا وأداً بمعنى القوة.

(79)

أنتم أعد عدة وأكثـــــــر ونحن أوفى منكم وأصبــر
ونحن أعلى حجة وأظهر حقاً وأتــــــقى منهم وأعذر

ولم يزل يقولها حتى قتل من القوم مقتلة عظيمة، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني(1) فضربه بسيفه، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمحه فوقع، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقط فنزل إليه التميمي فاحتز رأسه، فقال له الحصين: إني شريكك في قتله.
فقال الآخر: والله ما قتله غيري
فقال الحصين: أعطنيه اُعلقه في عنق فرسي كيما يراه الناس ويعلموا أني شركت في قتله ثم خذه أنت فأمض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه، فأبى عليه، فأصلح قومهما فيما بينهما على ذلك، فدفع إليه رأس حبيب فجال به في العسكر قد علقه بعنق فرسه ثم دفعه بعد ذلك إليه فأخذه فعلقه في لبان فرسه، ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابن حبيب القاسم وهو يومئذ قد راهق، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر ودخل معه وإذا خرج خرج معه، فارتاب به فقال: مالك يا بني تتبعني؟
قال: لا شيء.
قال: بلى يا بني فأخبرني.
قال: إن هذا رأس أبي أفتعطنيه حتى أدفنه؟
قال: يا بني! لا يرضى الأمير أن يدفن وأنا اُريد أن يثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً.
فقال القاسم: لكم الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب، أم والله لقد قتلته خيراً منك وبكى ثم فارقه، ومكث القاسم حتى إذا أدرك لم تكن له همة إلا اتباع
_______________
(1) – بالعين المهملة والقاف والفاء – نسبة إلى عقفان – بضم العين – حي من خزاعة.

(80)