ابصار العين  في انصار الحسين  «عليه وعليهم السلام»

اسم الکتاب : ابصار العين في انصار الحسين «عليه وعليهم السلام»

المؤلف : الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي رحمه الله
المطبعة : الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية

 

 

 

ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي:
فإن نهزم فهزامون قدماً وإن نهزم فغير مهزمينــــا
وما إن طبنا جبن ولـكن منایانا ودولة آخرينــــــــــا
فقل للشامتين بنا أفيـــقوا سیلق الشامتون کما لقينا(۱)
ثم قال :
أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دورالرحی، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إلي أبي عن جدي (ص)(فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ(2) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(3)) اللهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسني يوسف، وسلط عليهم غلام ثقیف يسقيهم كأساً مصبرة(4) فإنهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير.
________________
(1) وما إن طبنا الخ: الطب - بكسر الطاء - العلة والسبب، والجبن - بضم الجيم وسكون الباء - ضد الشجاعة- بفتح الشين -، والدولة - بفتح الدال - الغلبة في الحرب - وبضمها - التداول في المملكة. قال الله تعالى: (دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ) (الحشر: 7) والمراد به المعنى الثاني على الظاهر. والأبيات لفروة بن مسيك - بفتح فاء فروة وضم ميم مسيك - المرادي، ومعنى البيت: إن قتلنا لم يكن عاراً علينا لأن سببه لم يكن عن جبن وعدم إقدام على المكافح ولكن سببه منایانا ودولة آخرين ومثل هذا لم يكن عاراً. وقال آخر يعتذر العدوه في ذلك:

فلم يك طبهم جبناً ولكن رميناهم بثالثة الأثافي

أنشده ابن قتيبة في ترجمة خفاف له في كتاب معجم الشعر والشعراء.
(۲) يونس: ۷۱.
(۳) هود : 56.
(4) أي ممزوجة بالصبر.

(28)

ثم خرج إليه الحر بن یزید، وأمر عمر بن سعد الناس بالحرب، فتقدم سالم ويسار فوقعت مبارزات، ثم صاح الشمر بالناس وعمرو بن الحجاج بأن هؤلاء قوم مستميتون فلا يبارزنهم أحد، فأحاطوا بهم من كل جانب وتعطفوا عليهم، وحمل شمر على الميسرة وعمرو على الميمنة فثبتوا لهم وجثوا على الركب حتى ردوهم، وبانت القلة في أصحاب الحسين «عليه السلام» بهذه الحملة التي تسمى الحملة الأولى، فإن الخيل لم يبق منها إلا القليل، وذهبت من الرجال ما يناهز الخمسين رجلاً.
ثم صلى الحسين «عليه السلام» الظهر أول وقتها صلاة الخوف، ووقعت مقاتلات قبلها و في أثنائها من وقف لمحاماته، واقتتلوا بعد الظهر، فلم يبق مع الحسين أحد من أصحابه، فتقدم أهل بيته حتى لم يبق منهم أحد، فتقدم إلى الحرب بنفسه فوقف بينهم وضرب بيده على كريمته الشريفة - وكانت مخضوبة كأنها سواد السبج(1) قد نصل(2) منها الخضاب - وقال: اشتد غضب الله على اليهود إذ قالوا عزير ابن الله، واشتد غضبه على النصارى إذ قالوا المسيح ابن الله، واشتد غضبه على قوم أرادوا ليقتلوا ابن بنت نبيهم.
ثم نادى: هل من ذاب یذب عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله بإعاننا ؟ فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فمضى إلى مخيمه ليسكت النساء، وأخذ طفلاً له من يد أخته زینب، فرماه حرملة أو عقبة بسهم فوقع في نحره - كما سيأتي ذكره في ترجمته - فتلقى الدم بكفیه ورمی به نحو السماء وقال: هون علي مانزل بي أنه بعين الله.
_____________
(1) - بفتح السين المهملة وفتح الباء المفردة - حجارة سوداء يعمل منها الخرز.
(۲) يقال: نصل الخضاب من اللحية إذا بانت أصولها بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام فهي سوداء وأصلالشعر أبيض، ويزعم بعض الناس أنها اتصل بها الخضاب وذلك وهم لعدم فهمه المعنى وتصحيف.

(29)

ثم جرد سيفه فيهم فجعل ينقف الهام ويوطى الأجسام، ورماه رجل من بني دارم بسهم فأثبته في حنكه الشريف، فانتزعه و بسط يده تحت حنکه فلا امتلئتا دما رمی به نحو السماء وقال: اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك. ثم عاد إلى مخيمه فطلب ثوباً يلبسه تحت ثيابه، فأتي بتبان(1)، فقال: لا ، هذا لباس من ضربت عليه الذلة، فجيء له ببرد يماني يلمع فيه البصر(2) ففزره ولبسه تحت ثيابه، ثم شد عليهم شدة ليث مغضب وجراحاته تشخب دماً، فتطايروا من بين يديه، وحال من تيامن أو تیاسر بينه وبين حرمه، فصاح: ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دین وکنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن کنتم عرباً كما تزعمون.
شمر: ما تقول يابن فاطمة؟
قال: أقول: إني أقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم من التعرض لحرمي ما دمت حياً.
فقال له شمر: لك ذلك يابن فاطمة.
فجعل يحمل ويحملون وهو مع ذلك يطلب شربة ماء فلم يجد حتى أثخنته جراحاته، فوقف ليستريح فرمي بحجر فوقع في جبهته فسالت الدماء على وجهه، فرفع ثوبه ليمسح الدم عن وجهه فرمي بسهم فوقع في قلبه فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كالميزاب، فوقف مكانه لا يستطيع أن يحمل، فصاح شمر بن ذي الجوشن لعنه الله: ما تنتظرون بالرجل؟ فطعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فوقع من ظهر فرسه إلى الأرض على خده الأيمن وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ثم قام فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى،
_________
(1) بثوب قصير يلبسه الفعلة وأمثالهم.
(۲) أي لا يثبت فيه البصر لشدة بياضه .

(30)

وضربه آخر على عاتقه فخر على وجهه وجعل ينوء برقبته ويكبو فطعنه سنان(۱)في ترقوته، ثم انتزع السنان فطعنه في بواني صدره(2)، ورماه سنان أيضا بسهم فوقع في نحره، فجلس قاعدة ونزع السهم وقرن كفيه جميعاً حتى امتلئتا من دمائه فخضب بها رأسه ولحيته وهو يقول: هكذا ألق الله مخضباً بدمي مغصوباً علي حقي، وجاء مالك بن النسر الكندي(3) فشتم الحسين وقبض على كريمته وضربه بسيفه على رأسه، وبدر خولي بن يزيد الأصبحي(4) ليحز رأسه فأرعد، فجاء سنان فضربه على ثغره الشريف، وجاء شمر فاحتز رأسه، ثم سلبوا جسده الكريم، وحزت رؤوس أصحابه، ووطئت أجسادهم بعوادي الخيول، وانتهبت الخيام وأسر من فيها، وذهبوا بالرؤوس والسبايا إلى الكوفة ومنها إلى الشام، ومنها إلى المدينة وطن جدهم عليه وعليهم السلام.

فاجعة إن أردت أكتبـــهــــــــــــــا مجملةً ذكرةً لمدكـــــــــــــر
جرت دموعي فحـــال حائلهــــــا مابين لحظ الجفون والزبـر
وقال قلبي بقياً عــــلي فـــــــــــلا والله ما قد طبعت من حجر
بكت لها الأرض والســــماء وما بينهما في مدامع حمــــــــر
واهتز عرش الجليل واضطربت فرائص الكاتبين للــــــــقدر
***
_______________
(1) - بكسر السين - بن أنس بن عمرو النخعي، كان من أشراف النخع ومن الخوارج.
(۲) البواني الأضلاع المقدمة في الصدر.
(3) - بالنون والسين -. ويمضي في بعض الكتب النسير - بالتصغير - الكندي البدي وهم من كندة.
(4) خولي - بفتح الخاء المعجمة وتسكين الواو واللام قبل ياء - في صورة المنسوب، ويجري على بعضالألسن خولى - بكسر الخاء وفتح الواو واللام قبل ألف مقصورة - وهو خطأ. والأصبحي نسبة إلى ذي أصبح أحد ملوك حمير الذي تنسب إليه السياط الأصبحية.

(31)

المقصد الأول


في آل أبي طالب بن عبدالمطلب ومواليهم من أنصار الحسين «عليه السلام»
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»
ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان، وروى الحديث عن جده علي بن أبي طالب «عليه السلام» كما حققه ابن إدریس «قدس سره» في السرائر ونقله عن علماء التاريخ والنسب، أو بعد جده «عليه السلام» بسنتين كما ذكره الشيخ المفيد «قدس سره» في الإرشاد، وأمه لیلی بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأنها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، وأمها بنت أبي العاص بن أمية. وكان يشبه بجده رسول الله (ص) في المنطق والخلق(۱)والخُلق.
وروى أبو الفرج أن معاوية قال: من أحق الناس بهذا الأمر؟
قالوا: أنت.
قال: لا، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي؛ جده رسول الله، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أمية، وزهو ثقیف. وفي علي «عليه السلام» يقول الشاعر:

لم تر عين نظرت مثلــــــــــــه من محتف يمشي ومن ناعل
يغلي(2) نهيء(3) اللحم حتى إذا أنضج لم يغلِ(4)على الآكــل
______________
(1) - بضم الحاء - الطبع - وبفتحها - التصویر.
(۲) أي يفير.
(۳) - كأمير - اللحم النيئ.
(4) ضدّ يرخص.

(32)

كان إذا شبت له نـــــــــــــــــــاره يوقدها بالشرف(1) القابـــــل(۲)
كما يراها بائـــــــــــــــــس مرمل أو فرد حي ليس بالآهـــــــــــل
لا يــــــــــــــــؤثر الدنيا على دينه ولا يبيع الحق بالباطــــــــــــــل
أعني ابن ليلى ذاالسدى والندى(۳) أعني ابن بنت الحسب الفاضل

ويكنى أبا الحسن، ويلقب بالأكبر لأنه الأكبر على أصح الروايات، أو لأن للحسين «عليه السلام» أولاداً ستة ثلاثة أسماؤهم علي و ثلاثة أسماؤهم عبد الله وجعفر ومحمد كما ذكره أهل النسب فهو أكبر من علي الثالث على رواية.
وروى أبو مخنف عن عقبة بن سمعان قال: لما كان السحر من الليلة التي بات بها الحسين عند قصر بني مقاتل، أمرنا الحسين «عليه السلام» بالاستسقاء من الماء، ثم أمرنا بالرحيل، ففعلنا، فلا ارتحلنا بني مقاتل خفق برأسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين، ثم كررها مرتين أو ثلاثاً.
فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين - وكان على فرس له - فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين، يا أبت جعلت فداك من استرجعت و حمدت الله؟
فقال الحسين «عليه السلام»: يا بني! إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.
فقال له: يا أبت لا أراك الله سوء ألسنا على الحق؟
قال: بلى والذي إليه مرجع العباد.
قال: يا أبت إذن لا نبالي نموت محقين.
_________
(1) الموضع العالي وهو على زنة جبل. قال الشاعر:
أتى الندي فلا يقرب مجلسي وأقود للشرف الرفيع حماري

(۲) المقبل عليك ومنه عام قابل.
(۳) ندى أول الليل، والندي ندی آخر الليل، ویکنی بكل منهما وبهما عن الكرم.

(33)

فقال له: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده.
قال أبو الفرج وغيره: وكان أول من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين «عليه السلام» علي بن الحسين، فإنه لما نظر إلى وحدة أبيه تقدم إليه وهو على فرس له يدعي ذاالجناح، فاستأذنه في البراز - وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً. فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ثم قال: اللهم اشهد إنه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه، ثم صاح: یابن سعد! قطع الله رحمك(1)کما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله (ص)، فلا فهم علي الإذن من أبيه شد على القوم وهو يقول:

أنا علي بن الحسين بن علي نحن وبيت الله أولى بالنبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي
فقاتل قتالاً شديداً، ثم عاد إلى أبيه وهو يقول: يا أبت العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني.
فبكى الحسين «عليه السلام» وقال: واغوثاه! أنى لي بالماء، قاتل یا بني قليلاً واصبر فما أسرع الملتقي بجدك محمد (ص) فيسقيك بكأسه الأوفى(۲)شربة لا تظمأ بعدها أبداً.
فكر عليهم يفعل فعل أبيه وجده، فرماه مرة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه.
وقال أبو الفرج: قال حميد بن مسلم الأزدي: كنت واقفاً وبجنبي مرة بن منقذ، وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم، فقال مرة: علي آثام العرب إن مر بي هذا الغلام لأثكلن به أباه. فقلت: لا تقل، يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه.
___________
(1) يعني قطع نسلك من ولدك كا قطعت نسلي من ولدي، فإنه لا عقب له.
(۲) وصف الكأس وهي مؤنثة بالأوفى وهو مذكر غير صحيح على القواعد العربية، فإن صحت روايتهفمحمول على أن المراد بالكأس الإناء والظرف وأمثالها.

(34)

فقال: لأفعلن، ومر بنا علي وهو يطرد كتيبة، فطعنه برمحه فانقلب على قربوس(۱)فرسه فاعتنق فرسه فکر به على الأعداء فاحتووه(2)بسيوفهم فقطعوه، فصاح قبل أن يفارق الدنيا: السلام عليك يا أبتا، هذا جدي المصطفي قد سقاني بكأسه الأوفي وهو ينتظرك الليلة. فشد الحسین «عليه السلام» حتى وقف عليه وهو مقطع، فقال: قتل الله قوماً قتلوك يا بني، فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول (ص)، ثم استهلت عيناه بالدموع وقال: على الدنيا بعدك العفا.
وروى أبو مخنف و أبو الفرج عن حمید بن مسلم الأزدي إنه قال: وكأني أنظر إلى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهي تنادي: يا حبيباه! يابن أخياه! فسألت عنها فقالوا: هذه زینب بنت علي بن أبي طالب، فجائت حتى انكبت عليه، فجاء الحسين إليها وأخذ بيدها إلى الفسطاط ورجع، فقال لفتيانه: إحملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه ثم جاؤوا به فوضعه بين يدي فسطاطه.
وقتل «عليه السلام» ولا عقب له. وفيه أقول:
بأبي أشبه الوری برســـــــــــول الله نطقاً وخلقاً وخليقــــــــــه
قطعته أعداؤه بسيــــــــــــــــوف هي أولى بهم وفيهم خليقـــــه
ليت شعري ما يحمل الرهط منه جسداً أم عظام خير الخليقه(۳)

عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»
ولد في المدينة وقيل في الطف ولم يصح، وأمه الرباب بنت إمرء القيس بن عدي ابن أوس بن جابر بن کعب بن علیم بن جناب بن کلب، وأمها هند الهنود بنت
_______________
(1) السرج - بفتح القاف والراء ولا تسكن الراء إلا في الضرورة - معنی حنوه.
(۲) أي حازوه إليهم واشتملوا عليه. يقال: احتويت على الصيد إذا حزته إليك واشتملت عليه.
(3) الأولى بمعنى الطبيعة، والثانية بمعنى الجديرة، والثالثة بمعنى المخلوقات.

(35)
الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن کعب المذكور، وأمها میسون بنت عمرو ابن ثعلبة بن حصين بن ضمضم، وأمها الرباب بنت أوس بن حارثة بن لام الطائي، وهي التي يقول فيها أبو عبدالله الحسين:
لعمرك إني لأحب داراً تحل بها سكينة والربــاب
أحبها وأبذل جل مالـي ولسى لعاتب عندي عتاب

وكان امرء القيس زوج ثلاث بناته في المدينة من أميرالمؤمنين والحسن والحسين «عليهم السلام»، وقصته مشهورة، فكانت الرباب عند الحسين «عليه السلام» وولدت له سكينة وعبدالله هذا.
قال المسعودي والأصبهاني والطبري وغيرهم: إن الحسين لما أيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلاً له ليودعه، فجائته به أخته زینب، فتناوله من يدها ووضعه في حجره(۱)، فبينا هو ينظر إليه إذ أتاه سهم فوقع في نحره فذبحه.
قالوا: فأخذ دمه الحسين «عليه السلام» بكفه ورمی به إلى السماء وقال: اللهم لميكن أهون عليك من دم فصيل، اللهم إن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير النا، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين فلقد هون ما بي أنه بعينك يا أرحم الراحمين.
قالوا: فروي عن الباقر «عليه السلام» أنه لم تقع من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.
ثم إن الحسين في حفر له عند الفسطاط حفيرة في جفن سيفه فدفنه فيها بدمائه ورجع إلى موقفه.
وروى السيد الطاوسي أنه أخذ الطفل من يدي أخته فأومي إليه ليقتله فأتته نشابة فذبحته فأعطاه إلى أخته وقال: خذيه إليك، ثم فعل ما فعل بدمائه، وقال ما قال بدعائه.
___________
(1) - هو بتثلیث الحاء المهملة وبعدها الميم الساكنة - حضن الإنسان.

(36)
وروى أبو مخنف أن الذي رماه بالسهم حرملة بن الكاهن(۱) الأسدي. وروی غيره أن الذي رماه عقبة بن بشر الغنوي؛ والأول هو المروي عن أبي جعفر محمد الباقر «عليهما السلام».

يالرضيع أتاه سهـــــــم ردىً حيث أبوه كالقوس من شفقه
قد خضبت جسمه الدماء فقل بدر سماء قد اكتسی شفقه(۲)

العباس بن علي بن أبي طالب «عليهم السلام»
ولد سنة ست وعشرين من الهجرة، وأمه أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد ابن ربيعة بن عامر المعروف بالوحيد بن کلاب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأمها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن کلاب، وأمها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل بن مالك الأخزم - رئيس هوازن - بن جعفر بن کلاب، وأمها كبشة بنت عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن کلاب، وأمها أم الخشف بنت أبي معاوية - فارس هوازن - بن عبادة بن عقيل بن کلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة، وأمها فاطمة بنت جعفر بن کلاب، وأمها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف، وأمها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذودان بن أسد بن خزيمة، وأنها بنت جحدر بن ضبيعة الأغر ابن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار، وأمها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة، وأمها بنت ذي الرأسين خشين ابن أبي عصم ابن سمح بن فزارة، وأمها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان.
_____________
(1) - بالنون - ويجري على بعض الألسن ويضي في بعض الكتب باللام، والمضبوط خلافه.
(۲) الأولى الحذر من جهة المحبة، والثانية هي شفق مضاف إلى ضمير البدر، والشفق هو الحمرة الشديدةعند أول الليل بين المغرب والعشاء.

(37)
قال السيد الداودي في العمدة: إن أميرالمؤمنين «عليه السلام» قال لأخيه عقيل - وكان نسّابة عالم بأخبار العرب وأنسابهم -: أبغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً.
فقال له: أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس، وفي آبائها يقول لبيد للنعمان بن المنذر ملك الحيرة:

نحن بنو أم البنين الأربعه ونحن خير عامر بن صعصعه
الضاربون الهام وسط المجمعه

فلا ينكر عليه أحد من العرب، ومن قومها ملاعب الأستة أبو براء الذي لم يعرف في العرب مثله في الشجاعة، والطفيل فارس قرزل وابنه عامر فارس المزنوق.
فتزوجها أميرالمؤمنين «عليه السلام» فولدت له وأنجبت، وأول ما ولدت العباس يلقب في زمنه قمر بني هاشم، ويكنى أبا الفضل، وبعده عبدالله وبعده جعفراً وبعده عثمان.
وعاش العباس مع أبيه أربع عشرة سنة، حضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه بالنزال، ومع أخيه الحسن أربعاً وعشرين سنة، ومع أخيه الحسين «عليه السلام» أربعاً وثلاثين سنة وذلك مدة عمره، وكان أيداً(۱)شجاعة فارساً وسيماً(2) جسيماً يركب الفرس المطهم(3) ورجلاه تخطان في الأرض.
وروي عن أبي عبدالله الصادق «عليه السلام»أنه قال: كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبدالله «عليه السلام» وأبلى بلاء حسناً ومضى شهيداً.
وروي عن علي بن الحسين «عليه السلام» أنه نظر يوماً إلى عبیدالله بن العباس بن علي «عليه السلام» فاستعبر ثم قال: ما من يوم أشد على رسول الله (ص) من يوم أحد؛ قتل فيه عمه
______________
(۱) ۔کسید - القوي.
(۲) من الوسامة وهي الجمال.
(3) - کمحمد - السمين الفاحش السمن العالي، وهذه كناية عن طوله وجسامته «عليه السلام».

(38)

حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم موتة قتل فيه ابن عمه جعفر ابن أبي طالب، ولا يوم كيوم الحسين «عليه السلام» إزدلف(1) إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة، كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه وهو يذكرهم بالله فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.
ثم قال: رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عز وجل منهما جناحين يطير بها مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب «عليه السلام»، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه(۲)بها جميع الشهداء يوم القيامة.
وروى أبو مخنف أنه لما منع الحسين «عليه السلام» وأصحابه من الماء وذلك قبل أن يجمع على الحرب، اشتد بالحسين وأصحابه العطش، فدعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليلاً، فجاؤوا حتى دنوا من الماء، واستقدم أمامهم باللواء نافع، فمنعهم عمرو بن الحجاج الزبيدي، فامتنعوا منه بالسيوف وملأوا قربهم وأتوا بها، والعباس بن علي ونافع يذبان عنهم ويحملان على القوم حتى خلصوا(۳)بالقرب إلى الحسين ؛ فسمي السقاء وأبا قربة.
وروى أبو مخنف أنه لما كاتب عمر بن سعد عبید الله بن زياد في أمر الحسين «عليه السلام» وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين «عليه السلام» ونزوله أو بعزله وتولية شمر العمل، قام عبدالله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد - وكانت عمته أم البنين - فطلب من عبیدالله کتاب بأمان العباس وإخوته، وقام معه شمر في ذلك فكتب أمانا وأعطاه لعبدالله فبعثه إلى العباس وإخوته مع
_______________
(1) أي سار إليه وقرب منه.
(۲) أي يتمنى أن يكون مثله بلا نقصان من حظه.
(3) وصلوا.

(39)

مولى له يقال له کزمان، فأتي به إليهم، فلما قرأوه قالوا له: أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان، أمان الله خير من أمان ابن سمية، فرجع.
قال: ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية فنادى: أين بنو أختنا؟ أين العباس وإخوته؟
فلم يجبه أحد.
فقال لهم الحسين «عليه السلام»: أجيبوه ولو كان فاسقاً.
فقام إليه العباس فقال له: ما تريد؟
قال: أنتم آمنون یا بني أختنا.
فقال له العباس: لعنك الله ولعن أمانك، لئن كنت خالنا، أتؤمنا وابن رسول الله لا أمان له؟ وتكلم إخوته بنحو کلامه ثم رجعوا.

وروى أبو مخنف أيضأ وغيره أن عمر بن سعد نادي في اليوم التاسع: يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة، فركب الناس وزحفوا وذلك بعد صلاة العصر، والحسين «عليه السلام» جالس أمام بيته محتب بسيفه وقد خفق على ركبتيه، فسمعت زینب الصيحة فدنت منه وقالت: أما تسمع الأصوات يا أخي قد اقتربت، فرفع الحسين رأسه وأخبرها برؤية رسول الله وأنه يدعوه، فلطمت زینب وجهها وقالت: يا ويلتاه. فقال لها: ليس الويل لك يا أخيه، أسكتي رحمك الرحمن.
ثم قال العباس له: يا أخي! قد أتاك القوم.
فنهض، ثم قال: يا عباس! إرکب بنفسي أنت(۱) حتى تلقاهم فتقول لهم: مالكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عما جاء بهم.
فأتاهم العباس في نحو عشرین فارساً فيهم زهير وحبيب، فقال لهم: مالكم وما بدا لكم وما تريدون؟
___________
(1) أي فديتك بنفسي. ويمضي في بعض الكتب بنفسك وليس به.

(40)

فقالوا: جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو تنازلكم.
قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرض عليه ما ذكرتم.
فوقفوا ثم قالوا: ألقه فأعلمه ذلك ثم أعلمنا ما يقول.
فانصرف العباس يركض(1) فرسه إلى الحسين «عليه السلام» لا يخبره، ووقف أصحابه يخاطبون القوم حتى أقبل العباس يركض فرسه فانتهى إليهم فقال: يا هؤلاء ! إن أبا عبدالله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر، فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق، فإذا أصبحنا التقينا، فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه و تسومونه، أو كرهنا فرددناه.

قال: وإنما أراد بذلك أن يردهم عن الحسين تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله، وقد كان الحسين قال له: يا أخي! إن استطعت أن تؤتمرهم هذه العشية إلى غدوة وتدفعهم عتا لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار .
فقال لهم العباس ما قال، فقال عمر بن سعد: ما تری یا شمر؟
فقال: ما ترى أنت؟ أنت الأمير والرأي رأيك.
فقال: قد أردت أن لا أكون ذا رأي، ثم أقبل على الناس فقال: ماذا ترون؟
فقال عمرو بن الحجاج: سبحان الله! والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها.
وقال قيس بن الأشعث: لا تجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصحبتك بالقتال غدوة.
فقال : والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية، ثم أمر رجلاً أن يدنوا من الحسين «عليه السلام» بحيث يسمع الصوت فينادي: إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم
______________
(1) أي ضرب الفرس برجله. قال الله تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) (ص: 42) فأما معنى عدا فليس صحيحاً.

(41)

سرحنا بكم إلى الأمير، وإن أبيتم تارکیکم.
وروى أهل السير عن الضحاك بن قيس(1) المشرقي قال: إن الحسين «عليه السلام» جمع تلك الليلة أهل بيته وأصحابه فخطبهم بخطبته التي قال فيها: أما بعد؛ فإني لا أعلم أهل بيت الخ.
فقام العباس فقال: لم نفعل ذلك؟ لنبق بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً.
ثم تكلم أهل بيته وأصحابه ما يشبه هذا الكلام وسيذكر بعد.
قالوا: ولما أصبح ابن سعد، جعل على ربع المدينة عبدالله بن زهير(2) بن سليم الأزدي، وعلى ربع مذحج وأسد عبدالرحمن بن أبي سبرة(3) الجعفي، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس ، وعلى ربع تمیم و همدان الحر بن یزید الرياحي، وجعل الميمنة لعمرو بن الحجاج الزبيدي، والميسرة لشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، والخيل لعزرة بن قيس الأحمسي، والرجال لشبث بن
_______________
(1) الشرقي من همدان، هذا جاء إلى الحسين لا هو ومالك بن النضر الأرحبي أيام الموادعة يسلمان علیه، فدعاهما لنصرته، فاعتذر مالك بدينه وعياله، وأجاب الضحاك على شريطة أنه إن رأی نصرته لا تفيد الحسين «عليه السلام» فهو في حل، فرضي الحسين «عليه السلام» منه حتى إذا لم يبق من أصحابه إلانفران جاء إلى الحسين «عليه السلام» وقال له: شريطتي. قال: نعم ولكن أتى لك النجاء، إن قدرت على ذلك فأنت في حل. فأقبل على فرسه وقد كان خبأها بين البيوت حين رأى الحيل تعقر، وقاتل راجلا فاستخرجها ثم استوى على متنها حتى إذا قامت على السنابك رمی ها عرض القوم فأفرجوا له وتبعه خمسة عشر فارسأ حتى انتهى إلى شقية فلحقوه وعطف عليهم، فعرفه كثير بن عبدالله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبدالله الصائدي فناشدوا الله أصحابهم في الكف عنه، فنجا، فهو يخبر عن جملة ما وقع للحسين وأصحابه في المقاتلة.
(۲) بن سليم الأزدي، كان من أصحاب أمير المؤمنين، وله ذكر في الحروب والمغازي، وولي الأعمال لآل أمية.
(۳) یزید بن مالك بن عبد الله بن ذویب بن سلمة بن عمرو بن ذهل بن مران بن جعفي، وفد هو وأخوه سبرة مع أبيه على رسول الله (ص) وكان اسمه عزیزا فسماه رسول الله (ص) عبدالرحمن، وله مع صحبته أفعال ذميمة.

(42)

ربعي، وأعطى الراية لدريد مولاه. ولما أصبح الحسين «عليه السلام» جعل الميمنة لزهير، والميسرة لحبيب، وأعطى الراية أخاه العباس.
وروى أبو مخنف عن الضحاك بن قيس أن الحسين «عليه السلام» لما خطب خطبته على راحلته ونادي في أولها بأعلى صوته: أيها الناس! إسمعوا قولي ولا تعجلوني، سمع النساء كلامه هذا، فحصن وبكين وارتفعت أصواتهن، فأرسل إليهن أخاه العباس وولده عليا وقال لهم: سکتاه فلعمري ليكثرن بکاؤهن، فمضيا يسكتاهن حتى إذا سكتن عاد إلى خطبته فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه. قال: فوالله ما سمعت متكلما قط ، لا قبله ولا بعده، أبلغ منه منطقاً.
وقال أبو جعفر وابن الأثير: لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم عمرو بن خالد ومولاه سعد ومجمع بن عبدالله وجنادة بن الحرث فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلا وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم، فندب الحسين «عليه السلام» أخاه العباس، فحمل على القوم وحده فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه وخلص إليهم فسلموا عليه فأتي بهم ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين، فعادوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد، فعاد العباس إلى أخيه وأخبرهم بخبرهم.
قال أهل السير: وكان العباس ربما ركز لوائه أمام الحسين وحامي عن أصحابه أو استقى ماء، فكان يلقب السقاء، ويكنى أبا قربة بعد قتله.
قالوا: ولما رأى وحدة الحسين «عليه السلام» بعد قتل أصحابه وجملة من أهل بيته قال الإخوته من أمه: تقدموا لأحتسبكم عند الله تعالى فإنه لا ولد لكم(1)، فتقدموا حتى
_____________
(1) يعني بذلك أنكم إن تقدمتموني وقتلوكم لم تبق لكم ذرية فينقطع نسب أمير المؤمنين؟ منكم فيشتد حزني ويعظم أجري بذلك. وزعم بعض الناس أنه يعني لأحوز میراثكم فإذا قتلت خلص لولدي، وهذا=

(43)

قتلوا، فجاء إلى الحسين «عليه السلام» واستأذنه في المصال(1)، فقال «عليه السلام» له: أنت حامل لوائي. فقال: لقد ضاق صدري وسئمت الحياة. فقال له الحسين: إن عزمت فاستسق لنا ماء. فأخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة.
قالوا: واغترف من الماء غرفة ثم ذكر عطش الحسين «عليه السلام» فرمی بها وقال:

يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المــــــــنون وتشربين بارد المعــــين

ثم عاد فأخذ عليه الطريق، فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول:

لا أرهب الموت إذ الموت زقا(2) حتى اُواري في المصالیت(۳) لقى
إني أنا العباس أغدو بالســــــــقا ولا أهاب الموت يوم الملتقـــــــى

فضربه حکیم بن طفيل الطائي السنبسي(4) على يمينه فبراها، فأخذ اللواء بشماله وهو يقول:

والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني

فضربه زید بن ورقاء(2) الجهني على شماله فبراها فضم اللواء إلى صدره (کما فعل
______________
= طريف فإن العباس أجل قدراً من ذلك ولما ذكرته في مراده نظير وهو قول عابس لشوذب الذي يأتي ذكره وسأنبه عليه هناك إنشاء الله.
(۱) هكذا في الأصل، ولعله المصاع: أي القتال والجلاد أو لعله المصاولة. (الناشر)
(۲) صاح. تزعم العرب أن للموت طائراً يصيح ويسمونه الهامة ويقولون: إذا قتل الإنسان ولم يؤخذ بثاره زقت هامته حتى يثأر. قال الشاعر:

فإن تك هامة هراة تزقو فقد أزقيت بالمروين هاما

(۳) جمع مصلات وهو الرجل السريع المتشمر. قال عامر بن الطفيل:

وإنا المصاليت يوم الوغا إذا ما المغاوير لم تقدم

(4) - بالسين المهملة وبعدها النون ثم الباء المفردة والسين والياء المثناة تحت - منسوب إلى سنبس بطن من طي.
(5) - بالواو والراء المهملة والقاف والمد -، ويمضي في بعض الكتب رقاد وهو تصحيف.

(44)

عمه جعفر إذ قطعوا يمينه ويساره في موتة فضم اللواء إلى صدره) وهو يقول:
ألا ترون معشر الفجار قد قطعوا ببغيهم يساري

فحمل عليه رجل تميمي من أبناء أبان بن دارم فضربه بعمود على رأسه فخر صريعاً إلى الأرض ونادى بأعلى صوته: أدركني يا أخي، فانقض عليه أبو عبدالله كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار، مرضوخ الجبين، مشكوك العين بسهم، مرتثاً بالجراحة، فوقف عليه منحنياً وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه، ثم حمل على القوم فجعل يضرب فيهم يميناً وشمالاً فيفرون من بين يديه كما تفر المعزی إذا شت فيها الذئب وهو يقول: أين تفرون وقد قتلتم أخي، أين تفرون وقد فتتم عضدي، ثم عاد إلى موقفه منفرداً.
وكان العباس آخر من قتل من المحاربين لأعداء الحسين «عليه السلام» ولم يقتل بعده إلا الغلمان الصغار من آل أبي طالب الذين لم يحملوا السلاح. وفيه يقول الكميت بن زيد الأسدي:
وأبو الفضل إن ذكرهم الحلو شفاء النفوس في الأسقـــــــام
قتل الأدعياء إذ قتلــــــــــوه أكرم الشاربين صوب الغمام

ويقول حفيده الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس «عليه السلام»:

إني لأذكر للعباس موقفــــــــــــه بكربلاء وهام القوم تختـــــــــطف
يحمي الحسين ويحميه على ظما ولا يولي ولا يثني فيختلـــــــــــف
ولا أری مشهدا يوماً كمشــــهده مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم به مشهداً بانت فضيلـــــته وما أضاع له أفعاله خلـــــــــــــف
وأقول:
أمسند ذاك اللوا صدره وقد قطعت منه يمنى ويسرى
لثنيت جعفر في فعلــه غداة استضم اللوا منه صدرا

(45)

وأبقيت ذكرك في العالمــــيـن يتلونه في المحاريب ذكــــــرا
وأوقفت فوقك شمس الهـــدی يدیر بعينيه يمنى ويســــــــرى
لئن ظل منحنياً فالـــــــــــعدى بقتلك قد كسروا منه ظــــــهرا
وألقوا لواه فلق الـــــــــــــلواء ومن ذا ترى بعد يسطيع نشرا
نأى الشخص منك وأبق ثناك إلى الحشر يدلج فيه ويـــسری

وأنا أسترق جداً من رثاء أمه فاطمة أم البنين الذي أنشده ابوالحسن الأخفش في شرح الكامل وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم ترثیه و تحمل ولده عبيدالله فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة وفيهم مروان بن الحكم فيبكون لشجي الندبة قولها رضي الله عنها:

یا من رأى العباس کر على جماهير النـــقد(۱)
ووراه من أبناء حيدر كل ليث ذي لبـــــــــــد
أنبئت أن ابني أصيب برأسه مقطوع یــــــــد
ويلي على شبلي أمــا ل برأسه ضرب العمد
لو كان سيفك في يد يك لما دنا منه أحـــــد
وقولها:
لاتدعوني ويك أم البنيــن تذكريني بليوث العريـــــــــــــن
کانت بنون لي أدعى بهم واليوم أصبحت ولا من بنيــــن
أربعة مثل نسور الربــــى قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلائهم فكلهم أمسى صريعاً طعيـــــــن
ياليت شعري أكما أخبروا بأن عباساً قطيع اليمــــــــــــين
___________
(1) جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه، فمعنى البيت: يا من رأى العباس - وهو إسم للأسد – کر على جماعات الغنم المعروفة بالنقد، وهو بديع.

(46)

وروى جماعة عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه وقد كنت أعرفه شديد البياض جميلا، فسألته عن سبب تغيره وقلت له: ما كدت أعرفك.
فقال: إني قتلت رجلاً بكربلا وسيماً جسيماً، بين عينيه أثر السجود، فما بتُّ ليلة منذ قتلته إلى الآن إلا وقد جائني في النوم وأخذ بتلابيبي(1) وقادني إلى جهنم فيدفعني فيها فأظل أصيح، فلا يبقى أحد في الحي إلا ويسمع صياحي.
قال: فانتشر الخبر، فقالت جارة له: إنه ما زلنا نسمع صياحه حتى ما يدعنا نام شيئاً من الليل، فقمت في شباب الحي إلى زوجته فسألناها، فقالت: أما إذا أخبر هو عن نفسه فلا أبعد الله غيره، قد صدقكم.
قال: والمقتول هو العباس بن علي «عليه السلام».
عبدالله بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب عليهم الصلاة والسلام
ولد بعد أخيه بنحو ثمان سنين، وأمه فاطمة أم البنين، وبقي مع أبيه ست سنين ومع أخيه الحسن ست عشرة سنة ومع أخيه الحسين خمساً وعشرين سنة وذلك مدة عمره.
قال أهل السير: إنه لما قتل أصحاب الحسين «عليه السلام» وجملة من أهل بيته، دعا العباس إخوته الأكبر فالأكبر وقال لهم: تقدموا، فأول من دعاه عبدالله أخوه لأبيه وأمه، فقال: تقدم يا أخي حتى أراك قتيلاً وأحتسبك فإنه لا ولد لدك، فتقدم بين يديه وجعل يضرب بسيفه قدما ويجول فيهم وهو يقول:
أنا ابن ذي النجدة والإفضال ذاك علي الخير في الأفعال
سيف رسول الله ذو النكــال في كل يوم ظاهر الأهــوال
______________
(1) جمع تلبيب و هو موضع اللبب من الثياب، واللبب موضع القلادة من الصدر.

(47)

فشد عليه هاني بن ثبیت الحضرمي فضربه على رأسه فقتله.
عثمان بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب «عليه السلام»
ولد بعد أخيه عبد الله بنحو سنتين، وأمه فاطمة أم البنين، وبقي مع أبيه نحو أربع سنين ومع أخيه الحسن نحو أربع عشرة سنة ومع أخيه الحسين «عليه السلام» ثلاثاً وعشرين سنة وذلك مدة عمره.
وروي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» أنه قال: إنما سميته عثمان بعثمان بن مظعون(1) أخي.
قال أهل السير: لما قتل عبد الله بن علي، دعا العباس عثمان وقال له: تقدم یا أخي كما قال لعبدالله، فتقدم إلى الحرب يضرب بسيفه ويقول:

إني أنا عثمان ذوالمفاخر شيخي علي ذو الفعال الطاهر

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأوهطه(2) حتى سقط لجنبه فجاءه رجل من بني أبان بن دارم فقتله واحتز رأسه.

جعفر بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب «عليه السلام»

ولد بعد أخيه عثمان بنحو سنتين، وأمه فاطمة أم البنين، وبقي مع أبيه نحو سنتين
_____________
(1) بن حبیب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا، وهاجر الهجرتين وشهد بدراً، وكان أول رجل مات بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة، وكان من حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، ومن أراد الاختصاء في الإسلام فنهاه رسول الله(ص) وقال: عليك بالصيام فإنه مجفرة أي قاطع للجماع. ولا مات جاء رسول الله (ص) إلى بيته وقال: رحمك الله أبا السائب ثم انحنى عليه فقتله. وروي على رسول الله (ص) لما رفع رأسه أثر البكاء ثم صلى عليه ودفنه في بقيع الغرقد ووضع حجراً على قبره وجعل يزوره. ثم لا مات إبراهيم ولده بعده قال: إلحق يا بني بفرطنا عثمان بن مظعون. ولما ماتت زینب ابنته «عليه السلام» قال: إلحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون.
(۲) أضعفه وأثخنه بالجراحة وصرعه صرعة لا يقوم منها.

(48)

ومع أخيه الحسن نحو اثنتي عشرة سنة ومع أخيه الحسين «عليه السلام» نحو إحدى وعشرين سنة وذلك مدة عمره.
وروي أن أميرالمؤمنين «عليه السلام» سماه باسم أخيه جعفر لحته إياه.
قال أهل السير: لما قتل أخوا العباس لأبيه وأمه عبدالله وعثمان، دعا جعفراً فقال له: تقدم إلى الحرب حتى أراك قتيلاً كأخويك فأحتسبك کما احتسبتها فإنه لا ولد لكم. فتقدم وشد على الأعداء يضرب فيهم بسيفه وهو يقول:

إنتي أنا جعفر ذو المعالي ابن علي الخير ذي الأفضال

قال أبو الفرج: فشد عليه خولي بن يزيد الأصبحي فقتله.
وقال أبو مخنف: بل شد عليه هاني بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله.
أبوبكر بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب «عليه السلام»
إسمه محمد الأصغر أو عبد الله ، وأمه لیلی بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي ابن سلمی بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، وامها عميرة بنت قیس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر - سيد أهل الوبر - بن عبید بن الحرث وهو مقاعس، وأمها عناق بنت عصام بن سنان بن خالد بن منقر، وأمها بنت أعبد بن أسعد بن منقر، وأمها بنت سفیان بن خالد بن عبيد بن مقاعس ابن عمرو بن کعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وفي سلمى جده قال الشاعر:
يسود أقوام وليسوا بسادة بل السيد الميمون سلمی بن جندل

قيل: قتله زجر بن بدر النخعي، وقيل: بل عقبة الغنوي، وقيل: بل رجل من همدان، وقيل: وجد في ساقية مقتولاً يدري من قتله.
وذكر بعض الرواة أنه تقدم إلى الخراب وقاتل وهو يقول:
شيخي علي ذوالفخار الأطول من هاشم وهاشم لم تعدل

(49)

ولم يزل يقاتل حتى اشترك في قتله جماعة منهم عقبة الغنوي.
فهؤلاء الستة مع الحسين لا لصلب علي، واختلف في غيرهم ويصحح هذا قول سليمان بن قتة يرثيهم:

ستة كلهم لصلب علي قد أصيبوا وسبعة لعقيل

أبوبكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»
أمه أم ولد.
روى أبو الفرج أن عبد الله بن عقبة الغنوي قتله.
وروي أن عقبة الغنوي هو الذي قتله وإياه عني سليمان بن قتة بقوله:
وعند غني قطرة من دمائــــنا سنجزيهم يوماً بها حيث حلت
إذا افتقرت قیس جبرنا فقيرها وتقتلنا قيس إذا النعل زلـــــت
القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»
أمه أم أبي بكر. يقال إن إسمها رملة.
روى أبو الفرج عن حميد بن مسلم قال: خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر، وفي يده السيف وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان، فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع إحدى نعليه، ولا أنسى أنها كانت اليسرى، فوقف ليشدها، فقال عمر بن سعد بن نفيل الأزدي: والله لأشدن عليه.
فقلت له: سبحان الله! وما تريد بذلك؟ يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب.
فقال: والله لأشدن عليه. فما ولى وجهه حتى ضرب رأس الغلام بالسيف، فوقع الغلام لوجهه وصاح: یا عماه!

(50)

قال: فوالله لجلى الحسين عليه كما يجلي الصقر، ثم شد شدة الليث إذا أغضب، فضرب عمر بالسيف فاتقاه بساعده فأطنها(۱) من لدن المرفق، ثم تنحى عنه، فحملت خیل عمر بن سعد ليستنقذوه من الحسين «عليه السلام» فاستقبلته بصدورها و جالت فتوطأته، فلم يرم(۲) حتى مات، فلما تجلت الغبرة إذا بالحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه، والحسين يقول: بعدة لقوم قتلوك، وخصمهم فيك يوم القيامة رسول الله (ص). ثم قال: عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلاتنفعك إجابته، يوم كثر واتره وقل ناصره، ثم احتمله على صدره وكأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطان في الأرض، حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين، فسألت عن الغلام فقالوا: هذا القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وقال غيره: إنه لما رأى وحدة عمه استأذنه في القتال فلم يأذن له لصغره، فمازال به حتى أذن له فبرز كأن وجهه شقة قمر، وساق الحديث إلى آخره كما تقدم.
أتراه حين أقام يصلح نعله بين العدی کیلا يروه بمحتــــفي
غلبت عليه شامة حـــسنية أم كان بالأعداء ليس بمحتفي(۳)

عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»
أمه بنت الشليل بن عبدالله البجلي، والشليل أخو جریر بن عبدالله، كانت لهما صحبة.
قال الشيخ المفيد: لا ضرب مالك بن النسر الكندي بسيفه الحسين على رأسه
_____________
(1) أي قطعها حتى سمع لها طنين وهو الصوت.
(۲) أي لم يبرح من رام ريم . قال الشاعر:
أيا أبتا لا تزل عندنا فإنا بخير إذا لم ترم
(3) الأول من الاحتفاء وهو المشي بلا نعال، والثاني من الاحتفاء وهو الاعتناء، يقال: احتفى به ولم يحتف.

(51)

بعد أن شتمه، ألقى الحسين «عليه السلام» قلنسوته ودعا بخرقة وقلنسوة فشد رأسه بالخرقة ولبس القلنسوة(1) واعتم عليها، رجع عنه شمر ومن معه إلى مواضعهم، فمكث هنيئة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبدالله بن الحسن من عند النساء وهو غلام لم يراهق(2)، فشد حتى وقف إلى جنب عمه الحسين «عليه السلام»، فلحقته زينب لتحبسه فأبى، فقال لها الحسين: إحبسيه يا أخية، فامتنع امتناعاً شديداً وقال: والله لا أفارق عمي، وأهوى بحر(۳) بن کعب إلى الحسين بالسيف، فقال له الغلام: ويلك یابن الخبيثة أتقتل عمي، فضربه بحر بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة، فنادى الغلام: يا أماه، فأخذه الحسين «عليه السلام» وضمه إليه وقال: يابن أخي! إصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين، ثم رفع الحسين «عليه السلام» يديه إلى السماء وقال: اللهم أمسك عليهم قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض، اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم بدداً(4)، واجعلهم طرائق قدداً(5)، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً فإنهم دعونا لینصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا.
وروى أبو الفرج أن الذي قتله حرملة بن الكاهن الأسدي.
___________
(1) - بفتح القاف وفتح اللام وتسكين النون وضم السين قبل الواو - لباس في الرأس معروف.
(۲) أي لم يقارب.
(۳) - بالباء المفردة والحاء المهملة والراء مثلها - بن کعب بن عبیدالله من بني تيم ابن ثعلبة بن عكابة.
وروى أبو مخنف وغيره أن يدي بحر هذا كانتا تنضحان في الصيف الماء و تيبسان في الشتاء كأنها العود.
ويمضي في بعض الكتب ويجري على بعض الألسن أبجر بن کعب وهو غلط وتصحيف.
(4) أي تفريقاً، وفي بعض النسخ: فرقاً.
(5) أي طرائق متفرقة.

(52)

عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب «عليه السلام»
أمه زينب العقيلة الكبرى بنت أميرالمؤمنين «عليه السلام»، وأمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص).
قال أهل السير: إنه لما خرج الحسين «عليه السلام» من مكة كتب إليه عبدالله بن جعفر كتاباً يسأله فيه الرجوع عن عزمه، وأرسل إليه ابنيه عوناً ومحمداً فأتياه بوادي العقيق قبل أن يصل إلى مسامنة المدينة، ثم ذهب عبدالله إلى عمرو بن سعید بن العاص عامل المدينة فسأله أماناً للحسين، فكتب وأرسله إليه مع أخيه يحيى، وخرج معه عبدالله فلقيا الحسين «عليه السلام» بذات عرق، فأقرأه الكتاب، فأبي عليها وقال: إني رأيت رسول الله (ص) في منامي فأمرني بالمسير وإتي منته إلى ما أمرني به، وكتب جواب الكتاب إلى عمرو بن سعيد، ففارقاه ورجعا وقد أوصى عبد الله ولديه بالحسين واعتذر منه.
قالوا: ولما ورد نعي الحسين ونعيهما إلى المدينة كان عبدالله جالساً في بيته فدخل الناس يعزونه، فقال غلامه أبو اللسلاس(1): هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين، فحذفه عبدالله بنعله وقال: يابن اللخناء! أللحسين تقول هذا؟ والله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه، والله إنهما لما يسخي بالنفس عنها ويهون علي المصاب بها إنها أصيبا مع أخي وابن عمي مواسين له صابرین معه، ثم أقبل على الجلساء فقال: الحمدلله أعزز علي بمصرع الحسين أن لا أكن آسیت حسيناً بيدي فقد آسیته بولدي.
قال السروي: برز عون بن عبدالله بن جعفر إلى القوم وهو يقول:
_____________
(1) - باللام المفتوحة والسين المهملة ثم لام وسين بينها ألف - ويمضي في بعض الكتب: أبوالسلاسل وهو تصحيف.

(53)