تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء السابع

اسم الکتاب : تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره الجزء السابع

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

الرأس في البقيع


هناك قول نقله بعض المؤرخين بأنَّ يزيد بن معاوية الأموي أرسل الرأس الشريف إلى والي المدينة عمرو بن سعید بن العاص (1) ودفنه عمرو الى جانب قبر أمه فاطمة الزهراء عليها السلام وأخيه الحسن بن علي عليه السلام في البقيع، ويذكر أنَّ الوالي قال: «وددت أنه لم يبعث به إلى» (2)، وجاء في التذكرة: إنَّ الرأس دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمة عليها السلام، وذكر بأنه لما وصل إلى المدينة كان سعید بن العاص (3) والياً عليها فوضعه بين يديه وأخذ بأرنبة (4) أنفه ثم أمر به فكفن ودفن عند أمه فاطمة عليها السلام (5) وقد نقل ذلك عن الطبقات الكبرى إلا أنه ليس للإمام الحسين عليه السلام ترجمة في النسخة المطبوعة وفي نسخة أخرى مخطوطة طبع منها ما يرتبط بالإمام الحسين عليه السلام ونصه كالتالي: «ثم بعث يزيد إلى المدينة فقدم عليه بعدّة من ذوي السن من موالي بني هاشم، ثم من موالي بني علي، وضم إليهم أيضاً عدة من موالي أبي سفيان، ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من نسائه وأهله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) عمرو بن سعيد: هو حفيد العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي المعروف بالأشدق (3 ـ 70 هـ) تولى المدينة في عهد معاوية وفي عهد يزيد، وذلك سنة (56 ـ ۷۰ هـ) کنائب عن والده في عهد معاوية وفي (60 ـ 61 هـ) بشكل مستقل في عهد يزيد وتولی بعده في كلا الفترتين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كما في تاريخ أمراء المدينة المنورة: 494.
(2) نفس المهموم: 424، نهاية الأرب: ۲۰ / 4۷۷، سيرة الأئمة الإثني عشر: ۲ / 84 عن تاریخ ابن الوردي (الجزء الأول).
(3) الظاهر في العبارة سقط، والصحيح: عمرو بن سعيد بن العاص.
(4) الأرنبة: طرف الأنف، وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله: «كان يسجد على جبهته وأرنبته» مجمع البحرین: 2 / 6.
(5) تذکرة الخواص: ۲65 عن الطبقات الكبرى لابن سعد.
(97)


وولده معهم وجهّزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلّا أمر لهم بها، وقال لعلي بن الحسين عليه السلام: إنْ أحببت أن تقيم عندنا فتصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت، وإن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأهلك، قال: بل تردّني إلى بلادي، فردّه إلى المدينة ووصله، وأمر الرسل الذين وجههم معهم أن ينزلوا بهم حيث شاؤوا ومتى شاؤوا، وبعث بهم مع (1) محرز بن حريث الكلبي (2) ورجل من بهراء (3) وكانا من أفاضل أهل الشام وبعث يزيد برأس الحسين إلى عمرو بن سعید بن العاص وهو عامل له يومئذ على المدينة فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إليّ، فقال مروان: اسكت، ثم
تناول الرأس فوضعه بين يديه وأخذ بأرنبته وقال من الرجز المشطور:
يا حبّذا بردك في اليدينِ
ولونك الأحمر في الخدينِ
كأنما بات بمسجدينِ (4)
والله لكأنِّي أنظر إلى أيام عثمان، وسمع عمرو بن سعيد الصيحة من دور بني هاشم فقال من الكامل:
عجّت نساءُ بني زياد عجّةً كعجیع نسوتنا غداة الأرنبِ (5)
ثم خرج عمرو بن سعيد إلى المنبر فخطب الناس ثم ذكر حسيناً وما كان من أمره وقال: والله لوددت أنَّ رأسه في جسده وروحه في بدنه يسبنا و نمدحه، ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) جاء في مقتل الحسين لبحر العلوم: 4۷۱ أنَّ يزيد بعث بالرأس الشريف إلى المدينة مع النعمان بن بشیر الأنصاري.
(2) محرز بن حريث الكلبي: هو حفيد مسعود بن علي بن هزيم بن عدي بن حباب الكلبي، جاء ضبط اسم أبيه في تاريخ مدينة دمشق: 5۷ / ۷۹ حُریب، کان من الموالين لبني أمية حيث شهد المرج مع مروان بن الحكم الأموي وهو الذي استنقذه.
(3) بهراء: وهو بهراء بن عمرو بن الحافي بن قضاعة من القحطانية كانت منازلهم بقرب الينبع إلى عقبة، ثم جاوروا البحر الأحمر، وانتشروا ما بين الحبشة وصعيد مصر.
(4) راجع ديوان القرن الأول: ۲ / ۲4۲ وقد أوردناها خمسة اشطر.
(5) البيت لعمرو بن معدي كرب أنشأه في وقعة كانت بين بني زبيد وبين بني الحارث بن کلب.
(98)


فقام ابن أبي حبيش (1) وقال: أما لو كانت فاطمة حية لأحزنها ما تری.
قال عمرو: اسكت لا سكتّ أتنازعني فاطمةً وأنا مِنْ عُفر ظبائها (2) والله إنّه لإِبننا وإنَّ أُمَّهُ لإبنتنا، أجل والله لو كانت حيّة لأحزنها قتله، ثم لم تلم من قتله، يدفع عن نفسه.
فقال ابن أبي حبيش: إنه ابن فاطمة، وفاطمة بنت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى.
ثم أمر عمرو بن سعید برأس الحسين فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه (3).
ومن الواضح أنهم أرادوا تلميع صورة یزید بن معاوية ومن معه من الأمويين إلَّا أن كلام عمرو قلب السحر على الساحر وبانت الحقيقة من تفاصيل كلامه.
وجاء في شذرات الذهب: «والصحيح أن الرأس المكرم دفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة وذلك أن يزيد بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق فكفنه ودفنه» (4).
وجاء في تاريخ أبي الفداء: ثم أمر النعمان بن بشير (5) أن يجهزهم ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) ابن أبي حبيش: من بني أسد بن عبد العزى بن قصي وقيل إنَّه من أسد بني حزيمة وكان حبيش هو الذي خطب في بني أسد حينما توفي الرسول صلى الله عليه وآله وحثهم على التمسك بالإسلام حين ظهر طليحة الكذاب بن خويلد الأسدي المتوفى سنة ۲۱ هـ وادّعى النبوة، وهناك من ضبط حُبیش بـ خبيش بالخاء المهملة الفوقانية.
(2) عُفر ظبائها: فالعًفْر من الظباء هي التي تعلو بياضها حمرة، قصار الأعناق وهي أضعف الظباء عدواً.
(3) ترجمة الحسين ومقتله (المستل من الطبقات): 194 من مجلة تراثنا.
(4) شذرات الذهب: ۱ / 6۷.
(5) نعمان بن بشير: هو حفيد سعد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري (2 ـ 65 هـ) من أهل المدينة وقتل بالشام، والى بني أميّة كان مع معاوية في صفين وولي القضاء بالكوفة وولّاه الكوفة، وقتله مروان بن الحكم الأموي، وإليه تُنسب معرة النعمان لأنه مرّ بها فتوفي ابنه بها فدفنه بها فعرفت باسمه.
(99)


الرؤوس والنساء والأطفال (1) ـ بما يصلحهم وأنْ يبعث معهم أميناً يوصل إلى المدينة، إلى أنْ يقول: واختلف في موضع رأس الحسين فقيل: جهز إلى المدينة ودفن عند أمه ..» (2).
وجاء في مرآة الجنان: واختلف الناس أين حمل الرأس المكرم من البلاد وأين دفن فذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني (3): إنَّ يزيد حين قدم عليه رأس الحسين بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بنقل رأس الحسين إلى عمرو بن سعید بن العاص، وهو إذ ذاك عامله على المدينة، فقال عمرو وددت أنَّه لم يبعث به إليّ، ثم أمر عمرو بن سعید برأس الحسين رضوان الله عليه فكفن ودفن في البقيع عند قبر أمه فاطمة رضي الله عنها، هذا أصح ما قيل فيه وكذلك قال الزبير بن بكار (4) وأنَّ الرأس حمل إلى المدينة (5) وفي المحبر: إنَّ يزيد بعث بالرأس إلى المدينة فنصب بها (6)، وجاء في مسالك الأبصار: حمل جسد الحسين (7) ورأسه إلى المدينة المنورة حتى دفنوه عند قبر أخيه الحسن، وقيل دفن الرأس بالقاهرة بالمشهد المعروف بباب القرافة، وقيل: «إنه دفن رأسه عند قبر أمه بالمدينة المنورة، والأصح: إنه دفن في جامع دمشق» (8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) حيث إنَّ الكلام يدور حولهم، ولكن سيأتي أنَّ إرسال الرأس إلى المدينة نسبها إلى القيل.
(2) تاريخ أبي الفداء: 1 / 266.
(3) أبو العلاء الهمداني: هو محمد بن سهل العطار (4۸۸ ـ 569 هـ) محدث حافظ نحوي لغوي من آثاره: زاد المسافر في (خمسين مجلداً)، التجويد، ومعرفة القراء في (عشر مجلدات).
(4) الزبير بن بكار: هو حفيد عبد الله القرشي الأسدي المكي (۱۷۲ ـ ۲56 هـ) ولد في المدينة وتوفي بمكة، من أحفاد الزبير بن العوام، اختص بالنسب والتاريخ وولي قضاء مکة، ومن آثاره: نسب قريش وأخبارها، الأوس والخزرج، وأخبار العرب وأيامها.
(5) مرآة الجنان: ۱ / ۱۳6.
(6) راجع المحبر: 4۹۱.
(7) نقل الجسد الشريف لا يصح على جل الآراء ولا يمكن في ظل تلك الظروف.
(8) مقتل الحسين لبحر العلوم: 4۷۱ عن مالك الأبصار: وأخبار الدول: 109 وفي =
(100)


وكل هذه الأقوال تخالف ما اشتهر عليه عند الإمامية بأنه التحق بالجسد الشريف والذي منه زيارة الأربعين، والدعاء عند رأسه الشريف والأعمال الخاصة بذلك ولا يوجد في البقيع معلم يشار إليه حتى في عهد العثمانيين قبل هدم الوهابية لمراقد بقيع الغرقد ولم نجده لا في الصور التي طبعتها الدولة التركية (1) ولا في المصادر ما يشير إلى ذلك، ومن هنا فلا مجال للحديث عن أثر أو معلم قائم هناك، ولا يخفى أنه يشمُّ من الروايات القائلة بأنه دفن بالبقيع رائحة الوضع بغرض ترمیم وضع يزيد بن معاوية، ومسارها يعود إلى قول واحد غير معتمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= البداية والنهاية: ۸ / ۱6۳ نقل عن الطبقات الكبرى: «إنَّ يزيداً بعث بالرأس الشريف إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة فدفنه عند أمه بالبقيع» ولم يؤكد هو رأيه بذلك، ونقل أيضاً عن وسيلة المآل: ۱۹4 ذلك أيضاً.
(1) راجع كتاب (Mecca - Medina) الذي جدد طبعه سنة ۲۰۰6 م.
(101)
(102)

الرأس في مرو


هناك أقوال ذكرت أنَّ الرأس الشريف وصل إلى مدينة مرو، والمرو: مروان أو ثلاث أو أكثر من ذلك وسنأتي على بعض التفاصيل، ولكن قبل ذلك لابد من الحديث عنها لغوياً، ففي اللغة العربية المرو: حجر أبيض اللون تقدح منه النار، وإذا كان بلون آخر لا يسمی مرواً (1)، وهذا المعنى انتقل إلى الفارسية، ولكن من معانيها الأصيلة في الفارسية هو نوع سمك بحري كثير الحسك طوله نحو 1,5 متراً يعيش في عمق ألف متر، ويأتي أيضاً مختصراً لمرود التي هي مختصر لأمرود (2) والتي تعني الكمثرى الفاكهة المشهورة، ولكن كلا المعنيين يأتي للمفردة المضمومة الميم لا المفتوحة (3) والتي هي محل الحاجة، فعليه فإن المفتوحة المستخدمة بالفارسية أصلها عربية، وهناك مَرو المفتوحة العربية والتي هي نوع من الرياحين والذي يقال له مرماحوز (4) ويقال له حبق الشيوخ (5) أيضاً.
فأمَّا التي إسم للموضع فإنَّ الميم فيها مفتوحة، ومن دون إضافة فهي اسم قرية من توابع مدينة بروجرد الإيرانية، واسم مدينة في ترکمنستان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) راجع لسان العرب: ۱۳ / 89 ومنه قول أبو ذؤيب خویلد بن خالد الهذلي من البسيط:
الواهبُ الأدْمُ کالمَرْوِ الصِّلاب إذا ما حارَدَ الخورُ واجتثتْ مجاليحُ

(2) أمرود: لغة فيها وتلفظ بالتاء «امروت» وربما الأتراك يلفظونها كذلك لأنهم يحولون الدال تاءً كما في «محمود» يقولون «محموت»، ومن لغاتها بالفارسية «انبروت» و«امبرو». راجع فرهنگ فارسي: ۱ / ۳5۲، والظاهر أنَّ اختصاره من امرود او مرود إلى مرو جاء من قبل اللر.
(3) راجع فرهنگ فارسي: 3 / 4047.
(4) أقرب الموارد: ۲ / ۱۲۰5، راجع منتهی الارب: ۱۱۸4.
(5) لغت نامه دهخدا: 4۲ / ۲۲۲.
(103)


والتي يُقال اليوم لها ماري، كانت تابعة لخراسان الكبرى على الظاهر وقد فتحها المسلمون سنة ۲۹ هـ وهي قريبة من نهر مرغاب (1) ولكنها عند الفرس تستخدم مضافاً حيث يقال مرو رود (مروروذ) (2) والتي قد تسمى بالمرغاب لأنَّها على مقربة منها والرود هو النهر فالمعنى أنَّ مرو الواقعة على النهر في قبال المروشاهجهان «مرو الشاهجان» والتي تعني الثانية حسب ما ورد في معجم البلدان أصلها «مرو شاه جان» أي مرو نفس السلطان، فالشاه هو السلطان والملك والجان هو النفس والروح، والمعنى مرو التي عزيزة عند الملك، وهي أكبر من الأولى والتي تبعد عن نیشابور سبعين فرسخاً ومن سرخس ثلاثين فرسخاً ومن بلخ مائة واثنين وعشرين فرسخاً، والنسبة إلى الأولى مروذي وإلى الثانية مروزي هكذا تعارفوا فيما بينهم (3) ويقال لهما مروان (4) وهناك أسماء أخرى مضافة مثل مروشكان وغيرها تطلق على مواضع ليست من الموارد التي نبحث عنها حيث لا تستخدم غير مضافة ومما يستخدم دون إضافة اسم جبل (5) والظاهر أنَّ المراد بالمرو في حديث الرأس الشريف هو المروشاهجان والتي كانت آنذاك مشهورة والتي منها خرج أبو مسلم (6) الخراساني (7) ولا يخفى أن مرو الواقعة في ترکمنستان هي نفسها مرو الشاهجان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) راجع المنجد في الأعلام: 656.
(2) لا يخفى أنَّ الدال المهملة أخذت مكان الذال المعجمة بعد التطور في الحروف الهجائية الفارسية.
(3) وربما قالوا: مَرَوي وهو الصحيح بأصل اللغة - راجع منتهی الأرب: ۱۱۸5.
(4) لغت نامه دهخدا: 4۲ / ۲۳۳، راجع معجم البلدان: 5 / ۱۱۲، ومراصد الاطلاع: ۳ / ۱۲6۲.
(5) راجع اقرب الموارد: ۱۲۰5.
(6) أبو مسلم الخراساني: هو عبد الرحمان بن مسلم (۱۰۰ ـ ۱۳۷ هـ) ولد في ماه البصرة قتله المنصور العباسي برومية المدائن بالقرب من الأنبار وهو القائم بالدعوة العباسية، كان عبوساً متزمتاً قتل الكثير لأجل تثبيت دعائم الحكم العباسي ولكن أفاق على نفسه، وقد وجد لائذاً بالكعبة يستغفر ربه ويقول ما أظنه يغفر لي حيث إني نسجت ثوب ظلم ما دامت الدولة لبني العباس - راجع الكنى والألقاب: ۱5۸۸.
(7) المنجد في الأعلام: 656.
(104)


وفي لغت نامه أن مرورود هي الأخرى واقعة في ترکمنستان وأهلها من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام (1) ولابد من استعراض النصوص التي ذكرت وصول الرأس الشريف إليها لكي نعرف المقصود منها.
قال النويري (2): «قد اختلف المؤرخون في مقر رأس الحسين عليه السلام فمنهم من قال: إنَّه دفن بدمشق، ومنهم من زعم: إنَّه نقل إلى مرو، ومنهم من يقول إنه أُعيد إلى الجسد ودفن بالطف، ومنهم من قال: دفن بعسقلان ثم نقل إلى مصر، ومنهم من قال: دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمة (رض) (3).
قال الولي (4) في مقام ذكره المشاهد التي تحمل اسم الحسين بن علي عليه السلام خلاف المشهد الحسيني بمصر: «مشهد الحسين بمدينة مرو في خراسان، ويقال إنَّ رأس الحسين عليه السلام موجود في هذا المشهد» (5).
وجاء في تراث کربلاء: «وكان يزعم البعض أنَّ رأس الحسين سید الشهداء يوجد في رباط صغير من مدينة مرو وذلك في القرن الرابع الهجري» (6).
هذا كل الذي حصلنا عليه من القول بأنَّ الرأس حمل إلى مرو، ولم نجد من وثقه.
والظاهر أن كل الأقوال تنتهي إلى النويري المتوفى سنة ۷۳۳ هـ وليس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) لغت نامه دهخدا: 42 / 223.
(2) النويري: هو أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم التيمي (6۷۷ ـ ۷۳۳ هـ) ولد ونشأ بقوص بمصر وتوفي بالقاهرة، تولى مهام حكومية، اشتهر بكتابه نهاية الأرب.
(3) مقتل الحسين لبحر العلوم: 4۷۲ عن نهاية الأرب: ۲۰ / 4۷۷.
(4) الولي: هو محمد طه بن محمد الولي الطرابلسي (1340 ـ 1416 هـ) ولد في طرابلس وتوفي في بيروت، درس في بيروت والقاهرة فهو حقوقي تولى القضاء في المحكمة الشرعية في بيروت، له من المؤلفات: الإسلام والمسلمون في المانيا، الأميركان في الميزان، وتاريخ بيروت.
(5) المساجد في الإسلام: 114.
(6) تراث کربلاء: ۳۷.
(105)


فيه من الدقة ما يمكن الاعتماد عليه ومع هذا فهو ينسبه إلى الادعاء وأما المصدران الآخران فلم يحددا مصدرهما وإنما اعتمدا حسب الظاهر على هذا النص، وليس في تاريخ مدينة مرو ما يدل على دفن الرأس الشريف هناك بل ولا وصوله إليها، رغم أنَّ في مرو الشاهجان والتي هي من الخراسانية القديمة عدداً كبيراً من المراقد المنسوبة إلى أبناء الأئمة الاثني عشر منهم محمد بن محمد بن زید ابن الإمام السجاد عليه السلام (۲۰۰ ـ ۲۲۰ هـ) وقبره بسلطانة مرو، ومنهم جعفر (1) بن محمد بن زید ابن الإمام السجاد عليه السلام المتوفى في القرن الثالث الهجري وقبره خلف سد ساسان بمرو، ومنهم علي ابن الإمام علي الهادي عليه السلام المتوفى في القرن الثالث الهجري (2) وقبره بمرو، ومنهم على ما قيل زید النار ابن الإمام الكاظم عليه السلام المتوفى سنة ۲5۰هـ وقبره بمرو، ومنهم موسی بن عبد الله ابن الإمام الكاظم عليه السلام المتوفى في القرن الثالث الهجري وقبره بمرو، ومنهم الحسن بن طاهر (3) بن يحيى (4) بن الحسن بن جعفر الحجة ابن الحسن بن عبید الله بن الحسين ابن الإمام السجاد عليه السلام المتوفى في القرن الرابع الهجري وقبره بمرو، ومع هذا فلم نجد ذكراً في مرو عن مقام أو موضع باسم الإمام الحسين عليه السلام ولا يوجد أي أثر لا في القديم ولا في الحديث، وظاهر الأمر يستبعده لعدم علاقة الرأس الشريف بهذه المدينة ولم يذكر لذلك سبباً، وعليه فلا مجال لقبوله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) بما أن أخاه محمد توفي سنة ۲۲۰ هـ فمن المفترض أنه هو الاخر مات في القرن الثالث الهجري.
(2) حيث توفي امام علي الهادي عليه السلام سنة ۲54 هـ فلاشك أن ولادة ابنه علي الثاني كانت في القرن الثالث، وتوفي أخوه الإمام الحسن بن علي العسكري سنة 260 هـ.
(3) طاهر بن یحیی: وهو أكبر أولاد أبيه.
(4) یحیی بن الحسن: ولد في المدينة المشرفة سنة ۲۲4 هـ ومات في مكة المكرمة سنة 277 هـ.
(106)


الرأس في عسقلان


هناك مَن ذكر بأنَّ يزيد بن معاوية الأموي طاف بالرأس الشريف في الأمصار حتى استقر بفلسطين ودفن بعسقلان، وفي البداية يستحسن الحديث عن عسقلان رغم أنها معروفة ولكن لنحددها على خريطة اليوم، وضبط المفردة فهي بفتح العين وسكون السين على زنة التثنية، فإذا كانت مثنى فإنَّ مفردها هو العَسْقَل وهو الجزء القاسي من سيقان النبات والذي يحتوي على مواد غذائية، وقمة الرأس يسمى عسقلاً أيضاً، فإنْ كانت المفردة عربية فلعله أُخِذَ المعنيان سوية وقيل عسقلان، أو كان هناك قمتان ولعلهما مرتفعتان فقيل لهما عسقلان، ومن هنا كان يقال لها عروس الشام، ولكن الظاهر أنَّ التسمية أعجمية فلا يمكن تطبيق اللغة العربية عليها، وقد ذكر صاحب معجم البلدان: «وهو إسم أعجمي فيما علمت» (1) ويبدو أنَّ أصله کنعاني يقال له أشقلون (2) ولما فتحها المسلمون عربوها فأصبحت عسقلان، ويبدو والله العالم كما يتراءى لي أن العرب في التسمية كانوا أذكياء يراعون الكثير من الأمور منها الحروف ووقعها ويكون التعریب مناسباً مع أصل الكلمة فإنهم بدلوا الألف إلى العين وهذا كثيراً ما يحدث في اللهجات عربية كانت أو غير عربية، وبدلوا الشين سيناً وهذا أيضاً كثيراً ما تحلُّ إحداهما محل الأخرى، وبدلوا الواو ألفاً والتناغم بين الحروف الثلاثة الألف والواو والياء معروف، مع ملاحظة أنْ يكون للإسم الجديد معنىً عربي، وكل هذه الاعتبارات الأربعة لوحظت في التعريب، وهذا شأن البوتقة العربية التي تحول المفردات الأعجمية إلى مفردة عربية بهذا الشكل وإذا ما وجدنا مفردة لم يفعل بها ما فعل بها هنا فلربما جاز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) معجم البلدان: 4 / ۱۲۲.
(2) راجع المنجد في الأعلام: 461.
(107)


لنا أنْ ننسب المعرب إلى الجهل باللغة، هذا وقد أعاد الاسرائيليون إلى المدينة إسمها القديم «أشكلون» (1).
ويقال لعسقلان عروس الشام وإذا قيل عروسان يراد بذلك عسقلان وغزة القريبة منها، وتعد عسقلان إحدى المدن الفلسطينية الكبری تاريخياً، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط بين أشدود شمالاً وغزة جنوباً، أقرب قليلاً من أشدود بالنسبة إلى غزة، كانت في العهد الأموي تابعة لحكمهم، وفي الحرب الصليبية كانت معسكراً لجيوشهم والمدينة الآن تقع على الساحل شمال قطاع غزة ولعلها إدارياً كان قطاع غزة يضمُّها وأقصد هنا القطاع وليست مدينة غزة فان لغزة إطلاقتين: مدينة غزة وهي تعادل مدينة عسقلان، وقطاع غزة الذي تحرَّر الآن من دولة إسرائيل وبقيت عسقلان تحت الاحتلال.
ويقال إنَّ المِجْدل (بالكسر) الواقعة شمال وشرق قطاع غزة تسمى اليوم بأشكلون، وفي شرح الكلمة يقال إنَّها آرامية تعني البرج والقلعة والمكان المشرف للحراسة وهو المعنى الذي ورد في المِجدل أيضاً (2) وهناك أماكن كثيرة تسمى بالمجدل فلذلك يقال مِجدل عسقلان.
وأما بالنسبة إلى موقع رأس الحسين عليه السلام في عسقلان فهو يقع في قرية (محلة) الجورة التابعة إدارياً لعسقلان (3) والجورة هي إحدى القرى التي تقع في المجدل، والجورة تبعد نحو خمس كيلومترات عن مدينة المجدل وكانت بمنزلة المصيف لسكان المجدل ومن تاريخ عسقلان بشكل عام إنَّ صلاح الدين الأيوبي (4) هدمها سنة 5۸۷ هـ بذريعة منع الصليبيين من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) جاء في بعض المواقع: إنَّ جورة عسقلان سمیت من قبل الاحتلال بأشكلون لقربها من عسقلان التاريخية، انظر: منتدى عسقلان الثقافي (بلدة الجورة المحتلة).
(2) راجع معجم البلدان: 5 / 56.
(3) راجع مجلة لغة العرب البغدادية، العدد: ۸ / السنة: 6 / الصفحة: 5۸۳ / التاريخ: آب ۱۹۲۸م.
(4) صلاح الدين الأيوبي: هو يوسف بن أيوب بن شاذي الملقب بالملك الناصر (532 ـ 589 هـ) كردي أصله من شرقي آذربايجان ولد في تكريت ونشأ في دمشق، استوزاره العاضد الفاطمي ولما مرض العاضد انقلب عليه وأجرى الخطبة لنفسه وأنهى حكم الفاطميين.
(108)


الاستقرار فيها، ومما يذكر أنَّ عسقلان الحديثة ليست هي القديمة لأنَّ قرية الجورة فقط هي المقامة على أنقاض عسقلان التاريخية وأما المجدل فتبعد عن عسقلان التاريخية ستة كيلومترات، والجورة كان يقال عنها جورة عسقلان.
وعسقلان تبعد عن غزة نحو ۲۱ کیلو متراً شمالاً، وما يسمى اليوم بأشكلون فهو المجدل أي مجدل عسقلان، ويذكر أنَّ قِدَم تاريخ عسقلان يعود إلى القرن السابع والعشرين قبل الهجرة (۱۹ ق.م) على عهد الفراعنة الذين أوردوا إسمها في كتبهم واستمر تاريخها إلى القرون القريبة للميلاد وقد فتحها المسلمون سنة ۲۳ هـ (1)، وعرف مسجد الجورة بمشهد الحسين عليه السلام.
أما الآراء الواردة في هذا المجال فهي غير مستندة، وإنما هي مجرد أقوال، ومن تلك ما ورد في السيرة: إن يزيد بن معاوية أمر بأن يُطاف برأس الإمام الحسين عليه السلام في البلاد فلما انتهى إلى فلسطين دفنه أميرها بها (2).
وجاء في التذكرة: إنَّ الفاطميين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان ثم نقلوه إلى القاهرة (3)، وجاء في النفس: أمَّا مشهد الرأس الشريف بعسقلان ففي بعض الكتب أنه مشهور (4)، وقال ابن تيمية (5): إنَّ المشهد العسقلاني أُحدث في آخر المائة الخامسة ولم يكن قديماً ولا كان هناك مکان قبله أو نحوه مضافاً إلى الحسين ولا حجر منقوش ولا نحوه مما يقال: إنه علامة على ذلك (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية: 8 / 318.
(2) سيرة الأئمة الإثني عشر: ۲ / 84 عن إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل البيت الطاهرين.
(3) تذکرة الخواص: ۲66.
(4) نفس المهموم: ۳۹۰، عن مشكاة الأدب الناصري، ناسخ التواريخ: 3 / 194.
(5) إبن تيمية: هو أحمد بن عبد الحليم الحراني (661 ـ 728 هـ) ولد في حران وتوفي في دمشق وهو في السجن اثر ادعاءات وبدع رفضها جمهور المسلمين، من مصنفاته: السياسة الشرعية، الإيمان، ونظرية العقد.
(6) رأس الحسين: ۱۸۷ لابن تيمية.
(109)


ولكن هناك من ذهب قائلاً: إنَّ الرأس الشريف حمل من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام وأرسله يزيد إلى المدينة ثم رجعوا به إلى الشام فجعل في صندوق من خشب الأبنوس وطيّب وعطّر وجعلوه في الخزانة وبعد سنين أخرجوه ودفنوه في الزاوية اليسرى من الجامع ثم نقل إلى عسقلان ودفن في محراب مسجدها، وبعث تمیم الفاطمي قائده طلايع بن رزِّيك ومعه ثلة من الجيش فأخرجوا الصندوق الذي فيه الرأس الشريف وحملوه إلى مصر فدفنوه هناك (1).
وهناك من ينكر ذلك ويقول: وما ذكر أنَّه نُقل إلى عسقلان أو القاهرة لا يصح (2)، ولكن آخر يذكر: ويقال إنَّه دفن في عسقلان وهي بقرب الحجر الأبيض ثم نُقل عبر البحر مع الشيعة الذين هاجروا إلى الشمال الأفريقي عبر البحر الأبيض واستقروا في القاهرة (3).
وليس هناك شيء قاطع أو مصدر معتمد يبت بأن الرأس الشريف نقل بالفعل إلى القاهرة بل كلها أقوال غیر مستندة ومجموعة معلومات مجهولة إذا أضفنا بعضها إلى بعض ـ كما فعلنا ـ لم نزدد إلا بعداً عن الحقيقة ومن هنا قال بعضهم: دفن رأسه في مشهد في عسقلان وربما في عدة أماكن أخرى على طريق الرحلة إلى مصر، ثم قد یکون دفن أو لا يكون في القاهرة في مشهده المعروف الآن يعني قد تكون هناك عدة مساجد تذكارية على طريق رحلة الرأس والله أعلم أين هو على وجه التحقيق (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) تاريخ من دفن في العراق من الصحابة: ۱5۱.
(2) مرآة الجنان: ۱ / ۱۳6، وجاء في مختصر تذكرة القرطبي للشعراني: ۳۱۳ قال القرطبي: «وما ذُكر من أنه دُفن بعسقلان في المشهد المعروف بها أو بالقاهرة فهو شيء باطل لا يصح» وما ورد في مشارق الأنوار للحمزاوي: 86 عن مَن ردَّ على القرطبي القائل ببطلان وجود الرأس في مصر: «إن الرأس إنما نقلها طلائع بن رزِّيك بعد موت القرطبي فافهم» فإن الإستدلال بذلك غير صحيح لأن طلائع نقل الرأس سنة (548 هـ) وتوفي سنة (556 هـ) وأما القرطبي فهو .. ولد سنة وتوفي سنة .. والثاني متأخر عن الأول.
(3) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: ۲ / ۲۸4.
(4) مجلة الغدير البيروتية: العدد: 8 ـ 9 / 121 ـ 122 بتاريخ ربيع الأول: 1411 هـ مقال للدكتور فهمي الشناوي بعنوان «أهل البيت في القاهرة».
(110)


وقد سبق وقلنا إنَّ الرأس الشريف على ما عليه الإمامية والمشهور والمعتمد عندهم أنه لم يُطف بأي بلد إلا من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى دمشق بمراحلها ومنها إلى كربلاء في رحلة بدأت من عصر يوم عاشوراء سنة 61 هـ إلى العشرين من صفر في ذاتها، وقد أكد هذا المعنى معظم الفقهاء والعلماء وقد وردت في لواعج الأشجان الأقوال التي وردت في مدفن الرأس وقال في عودة الرأس الشريف إلى الجسد المبارك بكربلاء عن البحار: إنَّه المشهور بين علمائنا الإمامية ردَّه علي بن الحسين عليه السلام وفي الملهوف أنَّه أُعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه، واعتمده هو أيضاً في كتاب الإقبال، وقال ابن نما (1) الذي عليه المعول من الأقوال: إنَّه أُعيد إلى الجسد بعد أنْ طیف به في البلاد ودفن معه، وفي بعض مسائل المرتضى (2) أنَّه رُدَّ إلى بدنه بكربلاء من الشام، وقال الطوسي (3) ومنه زيارة الأربعين، وهناك رأيان من غير الإمامية يرون بأنَّه أرسل إلى المدينة مع السبايا ثم رُدَّ إلى الجسد بكربلاء فدفن معه أحدهما عن تذكرة الخواص، وآخر أن عمر بن عبد العزيز الأموي الظاهر من دينه أنَّه بَعَثَ به إلى كربلاء فدفنه مع الجسد الشريف (4).
وهناك من وجه توجه الرأس الشريف إلى عسقلان لان يبعد من أيدي الأمويين ولا يتاجر به الموالون ويعزو هذه السياسية إلى العباسيين إلا أنه تحليل منه حيث لم يثبت نقله حتى يصح التحليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) ابن نما الحلي: هو جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي المتوفى سنة 680 هـ، كانت ولادته ووفاته بالحلة، من اعلام الإمامية وفقهائها، من مصنفاته: مثير الأحزان، كتاب أخذ الثأر في أحوال المختار، وشرح الثأر.
(2) المرتضی: هو عَلَمُ الهُدی علي بن الحسين الموسوي (355 ـ 436 هـ) من أجلة أعلام الإمامية ولد ومات ببغداد وقبره يُزار، تولى نقابة الطالبيين في بغداد، من مصنفاته: الأمالي، الشافي في الإمامة، وديوان الشريف المرتضی.
(3) الطوسي: هو محمد بن الحسن بن علي (385 ـ 460 هـ) من أعلام الإمامية وفقهائها ولد في طوس وانتقل إلى بغداد فلما احرقوا بيته ومكتبته انتقل إلى كربلاء وبعدها استقر في النجف وأنشأ جامعتها العلمية وذلك عام 449 هـ، من مصنفاته: كتاب التهذيب، والتبيان، والأمالي.
(4) راجع لواعج الأشجان: 216 ـ 217.
(111)


ورغم أنَّنا لا نميل إلى صحة نقل الرأس الشريف إلى عسقلان ولا إلى القاهرة ولا إلى غيرهما من المدن إلا التي كانت في طريق كربلاء ودمشق ذهاباً وإياباً، ولكنّا من حيث البحث والتنقيب عن أي شاهد قائم ندرس ذلك ونبين كل تطوراته، ومن هنا فإنَّ مشهد رأس الحسين عليه السلام الذي كان قائماً ولازال وفيه ما يدل على ذلك يقع من مهامنا في هذا الباب، وسنتعامل معه كأمر واقع ونسرد تطوراته وأحداثه حسب التسلسل التاريخي.
(112)


تاريخ المشهد الحسيني في عسقلان


في سنة 61 هـ، جاء في بعض المصادر: إنَّ يزيد بن معاوية أمر أنْ يُطاف برأسه في البلاد فلما انتهى إلى عسقلان دفنه أميرها بها (1)، وعليه فإنَّ أمير عسقلان آنذاك ربما كان حسان بن مالك الكلبي (2) والذي كان أميراً للقدس ولكنه لم يكن من محبي أهل البيت عليهم السلام بل كان من المدافعين عن بني أمية مما يُستَبعَد كونه هو الذي قام بذلك، ولا يخفى أنَّ رويفع بن ثابت (3) کان والياً عليها من قبل معاوية حتى وفاته سنة 56 هـ.
بعد سنة ۱۰۱ هـ نسبةً إلى ما قيل: بأنَّ الرأس الشريف سرق من الشام مباشرة ونقل إلى عسقلان ودفن بها (4) حيث كان موجوداً على عهد عمر بن عبد العزيز الأموي (5).
وفي سنة ۱۳۲ هـ سقطت الدولة الأموية وتولى العباسيون الحكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ0
( ) سيرة الأئمة الإثني عشر: ۲ / 84.
(2) حسان بن مالك: هو حفيد بجدل بن انيف الكلبي المتوفى حدود سنة 65 هـ کان مع معاوية في صفين، وهو الذي تسلم الحكم الأموي لمدة أربعين ليلة إلى أنْ تسلَّمها مروان بن الحكم، كان يعرف بأمير البادية.
(3) رويفع بن ثابت: هو حفيد السكن النجاري الأنصاري المدني المتوفى سنة 56 هـ كان والياً على عسقلان وهناك من ذكر بأنه في سنة 46 هـ ولي طرابلس الغرب فغزا أفريقية وبقي فيها إلى أن توفي ببرقة، وربما وليَ عسقلان بعد ذلك ثم عاد إلى برقة وتوفي فيها سنة 56 هـ.
(4) شهر حسين: ۱۲۲ عن تذکرة الخواص: 151.
(5) عمر بن عبد العزيز: هو حفيد مروان بن الحكم الأموي، ولد في المدينة سنة 62 هـ، الثامن من حكام بني أمية في دمشق، ولي المدينة سنة ۸۷ هـ ثم الطائف سنة 91 هـ ثم ولي الحكم في دمشق سنة ۹۹ هـ عن سليمان بن عبد الملك، وتوفي سنة 101 هـ ووليه يزيد بن عبد الملك.
(113)


ودخل أبو العباس السفاح يوم الأربعاء العاشر من شهر رمضان سنة ۱۳۲هـ دمشق وقتل جميعاً من الأمويين، فإذا كان العباسيون من وراء نقل الرأس الشريف من دمشق إلى عسقلان فلابد وأنْ يكون في حدود هذه السنة بعد دخول العباسيين إليها وهذا ما يظهر من التقرير التالي حيث جرى حديث بين رجل فاطمي الهوى ورجل من أهل العراق (1).
قال العراقي: إنَّ سبب وصول الرأس إلى عسقلان يغلب على ظني أنَّ العباسيين هم الذين أرسلوه إلى عسقلان، فقد ذكر رواة التاريخ أنَّه بعد وقعة كربلاء المشؤومة وإرسال رأس الحسين وأهل بيته إلى دمشق، مكث الرأس مصلوباً فيها ثلاثة أيام ثم أنزل في خزائن السلاح حتى ولي سليمان ابن عبد الملك (2) فبعث إليه فجيء به وقد محل (3) وبقي عظماً أبيضَ فجعله في سفط (4) وطيبه وجعل عليه ثوباً ودفنه في مقابر المسلمين، ولما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بیت السلاح أن وجه إليّ برأس الحسين بن علي، فكتب إليه أنَّ سليمان أخذه وجعله في سفط وصلّى عليه ودفنه، فلما دخلت المسودة (5) سألوا عن موضع الرأس الكريم فنبشوه وأخذوه والله أعلم ما صنع به.
ثم قال العراقي: ويخطر لي أنَّ العباسيين أرادوا أنْ يضعوا رأس الحسين بحيث يخفى مكانه عن شيعته الأمويين فلا ينالوه بأذى، وعن شیعته العلويين فلا يتخذوه ذريعة لتحريك الفتن وإثارة القلاقل وتهيج الأحقاد والضغائن فاختاروا له مدينة عسقلان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) الفاطمي: ربما كان من أهل مصر، والعراقي ربما كان عباسي الهوى، ويبدو أن الحوار حصل عندما نقل الرأس إلى القاهرة حيث التقيا آنذاك على أرض القاهرة.
(2) سلیمان بن عبد الملك: هو حفيد مروان بن الحكم الأموي ولي الحكم بعد أخيه سنة 96 هـ وتوفي سنة ۹۹ هـ وتولى بعده عمر بن عبد العزيز الأموي، كان سابع حكام الأمويين.
(3) محل: تغير.
(4) السَفَط: بفتحتين وعاء كالقفة ويُستخدم غالبا في حفظ الطیب بها وقد يُستخدم في غيره.
(5) المسودة: أراد بهم بنو العباس حيث كان شعارهم اللون الأسود وعمائمهم السوداء.
(114)


وذكر الفاطمي للعراقي: وجاءت الأخبار من عسقلان إلى بعض التجار هنا بأنهم حينما أخرجوا الرأس من مشهده وجدوا دمه لم يجف وله ريح كريح المسك.
ولكن العراقي: أنكر عليه ذلك بأنَّه أصبح عظماً أبيض فكيف القول بأنَّهم وجدوا دمه لم يجف (1).
وعن سنة 360 هـ جاء ما يلي في الرحلة المغربية بمناسبة مشاهدة المشهد في القاهرة: «وفي مصر من المزارات الشريفة عدة وافرة ومن أعظمها تربة رأس الحسين رضي الله عنه عليها رباط في غاية الإبداع والتنويه والأبواب عليها حلق الفضة وصفائحها، وإلى الآن يوفى واجب القيام بها والإشادة بذكرها، حفظ الله أمراء الترك بمصر فما أحماهم للدين وأحصنهم على المسلمين وأحبهم في الغريب، وأفظّهم في ذات الله تعالى على المريب، ولم يتحقق الآن عندي کيف نقل إلى مصر وكان الدعي عبيد الله بن زیاد بعث به إلى معدن العناد والإلحاد طاغيتهم يزيد بن معاوية لا أخلى الله منه الهاوية وهو حينئذ بدمشق، وأظن بعض العبيديين أمر بنقله إلى عسقلان فإني رأيت بها رباطاً ليس بعسقلان عمارة سواه و فوق الباب منقوشاً في حجر أنَّ فلاناً لشخص من العبيديين ولقبه بأمير المؤمنين نسيتُ اسمه أمر ببناء هذه التربة على رأس الحسين بن علي رضي الله عنه وفرغ من بنائها في تاريخ كذا وكان حدود الستين وثلاثمائة ثم أمروا بنقله أيضاً إلى مدينتهم بمصر فهو الآن بها وكان الذي حملهم على التنويه بأهل البيت رضي الله عنهم تحقيق دعواهم الباطلة أنهم منهم فإنَّهم ما تأتي لهم ما راموا في بدايتهم قبل استحكام أمرهم إلا بانتمائهم إلى البيت الشريف زاده الله جلالة (2).
ربما كان قوله «حدود الستين وثلاثمائة» تصحیف «460» والله العالم، وإنْ صح التاريخ فهذا يعني أنَّ الذي حمل الرأس الشريف من دمشق ليس أمير الجيوش الفاطمي الجمالي الآتي ذكره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) مجلة الزهراء القاهرية: ۱ / السنة: ۲ / الصفحة: ۳۲ / التاريخ: محرم ۱۳44 هـ عن كتاب البينات: 1 /8.
(2) رحلة العبدري (الرحلة المغربية): 49 للعبدري.
(115)


ويُذكر أيضاً: بأنَّ الفاطميين أخرجوه من باب الفراديس من خزانة يزيد بن معاوية وكفنوه ونقلوه إلى عسقلان ودفنوه بها (1).
قبل سنة 460 هـ نقل الرأس الشريف من دمشق إلى عسقلان فعلى فرض صحة النقل فالمؤكد أن أمير جيوش الفاطميين لم ينقل الرأس الشريف وربما كان غيره لِما سيأتي أنَّه عندما توجَّه إلى عسقلان سنة 460 هـ وجد هناك مكاناً دارساً فيه رأس الحسين عليه السلام، بل يظهر مما سبق أن الرأس الشريف بعد نقله إلى عسقلان دفن في مسجد عسقلان (2) وهناك من يقول أنَّ الذي نقله من دمشق إلى عسقلان هم العباسيُّون.
ويذكر أنَّ الذي نقله من دار السلاح بدمشق إلى عسقلان هو سلیمان (3) بن عبد الملك (4) وهو الذي حمله إلى المشهد بعد أن كمل هو ـ البناء ـ أيضا (5)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) شهر حسين: ۱۲۲ عن تذکرة الخواص: 151.
(2) راجع تاريخ من دفن في العراق من الصحابة: ۱51.
(3) سلیمان بن عبد الملك: هو السلطان الأموي الذي ولي سنة ۹6 هـ وفي التاريخ أنه هو الذي حمل الرأس الشريف من خزائن السلاح وعطَّره وجعله في ثوب وصلی عليه ودفنه في مقابر المسلمين، ولا يوجد في كتب التاريخ أنَّه حمله إلى عسقلان، وهذا خطأ من المصدر حيث خلط ما حصل بالشام بما حصل في عسقلان.
(4) رحلة الشتاء والصيف: ۸4.
(5) هكذا يظهر من عبارة المصدر، كما ويحتمل أنه أراد نقله إلى القاهرة ولكن الأول هو المتبادر إلى الذهن حيث يقول: وأما المشهد، فقال المقريزي: إن الأفضل ابن أمير الجيوش، خرج في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى البيت المقدس، ولما دخل عسقلان، أخرج رأس الحسين من مكانٍ دارسٍ، فعطّره وحمله إلى القاهرة، سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وبنى بها ذلك المشهد الذي يشهد له بالإحسان، وكان الذي نقله إلى عسقلان من دار السلاح، سلیمان بن عبد الملك، ولما تکامل البناء، حمل الرأس على صدره، وسعی به ماشياً إلى أن أحَلّه في مقره، فكان كما قيل من الكامل:
وضعوه في جَدَث كأنّ ضريحه في قلب كلّ موحّد محفورُ
فيه السماحة والفصاحة والتقى وتراب تربة قبره الكافورُ
وفي هذا المجال قال من الكامل:
عجباً لهذا الدهر في أفعاله رأسٌ بمصرَ وجثّةٌ في كربلا
(116)


وجاء في المصدر منشداً شعر المتنبي (1) من الكامل ولكن بشيء من التحريف (2) قائلاً:
وضعوه في جدثٍ كأنّ ضريحه في قلب كلّ موحّدٍ محفورُ
فيه السماحة والفصاحةُ والتُّقى وتراب تربة قبرِهِ الكافورُ (3)
في سنة 460 هـ (4) يذكر أن أمير الجيوش الفاطمي بدر الجمالي (5) لما بلغه قتل ولده شعبان في عسقلان سنة 460 هـ نهض إليها وبلغه أنَّ بها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا قلبُ إنْ لَمْ تَعْتَبِرْ ممَّا تَرَى في الكونِ مِنْ تَصريفِهِ كَرُّ البَلَا
وقد اعْتنى الدهر بهذا المشهد، وصار ولله المنة من أحسن عمارات مصر، وعلى التربة الرباط في غاية المحاسن، ومرتّبات يؤدّى واجبها ولهذا المشهد يوم من السنة، وهو يوم عاشوراء، وفيه يقول البوصيري محمد بن سعيد المتوفى سنة 695 هـ من الخفيف:
كلّ يوم وكلّ أرض لكربي منهم کربلا وعاشوراء
راجع البيت في ديوان القرن السابع: 48.
( ) المتنبي: هو أحمد بن الحسين (303 ـ 354 هـ) أبرز شعراء الإمامية في عصره ولد بالكوفة وقتل على مقربة من كربلاء اتصل بالحمدانيين في حلب وبالبويهيين في شیراز.
(2) جاء في ديوان المتنبي: 1 / 189 البيتان على الشكل التالي:
حتى أتوا جدثاَ كأنّ ضريحه في قلبِ كُلِّ مُوحِّدٍ محفورُ
بِمْزَوَّدٍ کَفَن البِلَی مِنْ مُلْكِه مُغْفٍ وإثْمِدُ عينهِ الكافورُ
وهما من قصيدة يرثي بها أمير اللاذقية محمد بن إسحاق التنوخي المتوفى نحو سنة 321 هـ.
(3) رحلة الشتاء والصيف: ۸٤ ولربما هو الذي حرف البيتين أو لربما حرَّفا حين وُضِعَ الرأس في البناءِ الذي أُعِدَّ لهُ بعسقلان.
(4) هناك من ربط حمل الرأس الشريف إلى عسقلان وفرار بدر الجمالي من دمشق سنة 460 هـ، وتوجهه إلى عكا ولكن لم نجد تصريحاً بذلك، راجع النجوم الزاهرة: 5 / 141 هـ.
(5) بدر الجمالي: هو ابن عبد الله المكنى بأبي النجم والملقب بالمنتصري (405 ـ 487 هـ)، أصله من أرمينية اشتراه جمال الدولة ابن عمار غلاماً فتربى عنده فنسب إليه وقيل له الجمالي نسبة إلى مولاه، ولي أمارة دمشق من قبل الفاطميين سنة 455 هـ، ثم نقل إلى وزارة السيف والقلم بمصر، توفي في مصر حينما كان وزيراً للمستنصر الفاطمي وأميراً لجيوشه.
(117)


مكاناً دارساً فيه رأس الحسين عليه السلام فاهتم بالأمر وشرع في بناء مشهد فخم في عسقلان على نيَّة أنْ يودعه الرأسَ الشريفَ، ولم يكمله وإنَّما أكلمه ابنُه الملقَّب بالأفضل (1) سنة 491 هـ، وكانت سنة 460 هـ هي سنة فرار بدر الجمالي من دمشق حيث كان والياً عليها منذ عام 455 هـ.
وهناك من أشار إلى أنَّه هو الذي نقل الرأس الشريف من باب الفراديس إلى عسقلان، ولكنه لم يصرح، بل المصرح به أنَّ الفاطميين حملوا الرأس إلى عسقلان (2).
ومما يوحي بهذا كلام ابن تيمية القائل بأنَّ المشهد العسقلاني محدث بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة وثلاثين سنة، فقد أحدث في آخر المائة الخامسة (3)، وجاء في شهر حسين: إنَّ بعض المؤرخين يعتقدون بأنَّ الرأس الشريف سُرق من الشام وأُخذ إلى عسقلان ودفن هناك (4).
وأضاف قائلاً: إنَّ بدر الجمالي أيام إقامته بعسقلان اطلع على أنَّ الرأس الشريف مدفون بها وبعد تحقيقاته المتواصلة والحديثة تيقن أنَّه مدفون في بيت أحد الموالين لأهل البيت عليهم السلام وكان الموالون في عسقلان يعدونه إحدى رموزهم الدينية بها وقد تعاهده الخلف عن السلف، عندها قرر بدر الجمالي أنْ يُنشئ على مرقده مسجداً (5)، وعندما قامت الحرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) الأفضل بن بدر الجمالي: هو احمد شاهنشاه المكنى بأبي القاسم (458 ـ 515 هـ) ولد بعكا، من وزراء الفاطميين تولى امارة الجيش بعد أبيه سُمَّ في القاهرة، استوزره المستنصر وكان على الوزارة في عهد أبيه ثم على عهد حفيده الآمر بأحكام الله، ويقال إنَّ الأمر هو الذي دسَّ له السم.
(2) راجع تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب: ۷۳۹ عن خصائص الأئمة للواقدي، كذا ورد في المصدر ولكن الصحيح هو السبط ابن الجوزي (581 ـ 654 هـ) في كتابه تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة: ۲66، إذ لا يصح نقله عن الواقدي المتوفى سنة ۲۰۷ هـ.
(3) رأس الحسين لابن تيمية: ۱۸7.
(4) شهر حسين: ۱۲۲.
(5) شهر حسين: ۱۲۳ عن جنگهاي صليبي: 2 / 18 لرحيم زادة صفوي (القرن 14 هـ).
(118)


الصليبية قام الفاطميون بنقله إلى القاهرة (1)، وهناك من يقول إنَّ الفاطميين هم الذين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان (2).
ولكن جاء في تاريخ من دفن في العراق ما ملخصه أنَّ الرأس الشريف حُمل من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام ثم أرسل إلى المدينة ثم أُرجع إلى الشام فجعل في صندوق من خشب الأبنوس وطُيِّب وعُطِّر وجُعل في الخزانة، وبعد سنين أُخرج ودفن في الزاوية اليسرى من الجامع الأموي ثم نقل إلى عسقلان ودفن في محراب مسجدها ثم بعث تمیم الفاطمي (3) قائده طلائع بن رزِّيك (4) وحملوه إلى مصر (5).
وفي سنة 484 هـ قام الأمير بدر الجمالي بصنع منبر لمشهد الحسين بعسقلان وجاء في كتيبته المخطوطة بالخط الكوفي المشجر ستة أسطر على الشكل التالي (6):
1 ـ بسم الله الرحمن الرحيم: نصر من الله وفتح قريب لعبد الله ووليه معدّ أبي تميم الإمام.
2 ـ المستنصر بالله أمير المؤمنین صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه البررة.
3 ـ الأكرمين صلاة باقية إلى يوم الدين، مما أمر بعمل هذا المنبر فتاه السيد الأجل أمير الجيوش.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) شهر حسين: ۱۲۳ عن تاریخ ابن خلدون: 2 / 814.
(2) لواعج الأشجان: ۲۱۸.
(3) تميم الفاطمي: هو إبن المعز لدين الله معد بن منصور (337 ـ 375 هـ)، أمير وشاعر، ولد في المهدية بتونس ومات في القاهرة، قدم إلى مصر وله من العمر 25 عاماً، له ديوان شعر.
(4) طلائع بن رزِّیك: أصله من أرمينيا ولذلك يلقب بالأرمني ويلقب الملك الصالح (495 ـ 556 هـ)، قدم إلى مصر واتصل بالفاطميين فوجدوا فيه الكفاءة والأمانة فاستوزروه فتولى وزارة الفائز بنصر الله الفاطمي سنة 549 هـ واستقل بأمور الدولة، كان شاعراً مبدعاً له ديوان شعر، وكتاب الاعتماد في الرد على أهل العناد، وكان لا يترك غزو الإفرنج في البر والبحر، وفي القاهرة مسجدٌ عامرٌ باسمه أقامه سنة 555 هـ.
(5) تاريخ من دفن في العراق من الصحابة: ۱۷5.
(6) هذا النص كتب على باب المنبر.
(119)