أَضواءُ  على مدينة الحسين (ع)

اسم الکتاب : أَضواءُ على مدينة الحسين (ع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

 

 

دور المرأة في حوزة كربلاء

إن المرأة وهي من الجنس اللطيف والتي تكون نصف المجتمع الانساني، وهي أم الرجال وأخت الرجال وهي الصانعة للرجال والمرية للأبطال والأعلام والأعيان وإن غمط حقها الرجال، حيث باتوا هم المسيطرين على مقاليد الأمور المادية والمعنوية، وقد حرموها الكثير من حقوقها من خلال الروح السلطوية التي يمتلكونها والغرور الذكوري الذي يتمتعون به رغم أن الإسلام قد كرمها وأعلى شأنها.

ومن تلك المجالات المجال العلمي الذي نتحدث عنه والمؤطر بأطر الحوزة العلمية الدينية حيث غبن حقها بسبب الكثير من العوائق التي وضعت في طريقها فحالت دارن وصولها  للمراتب العليا، وقد لازمت بسبب ذلك البيت، وربما حرم عليها تعلم الفقه والأصول بل كل العلوم با قوال واهية، وقد راوي عن الرسول(ص) «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة(2)»، ويبدو أن الرسول ص كان يعني بذلك ما يعني، حيث أن الحديث إذا کان خالياً من مفردة«مسلمة»، فإن شمول مفردة  «المسلم» عليها وارد ولا حاجة لذكرها كما هو ملاحظ في كثير من الأحاديث والروايات والآيات أيضا، حيث أجمع العلماء والمفسرون على أن كل لفظ أو مفرد يخاطب به المسلم أو المؤمن أو بصفانهما والتي صيغته صيغه المذكر فإنه يشمل الإنات أيضا، ولا لصرف عنها التكليف

وما وجود بعض الفوارق في الأحكام أو بعض الممارسات فهو لأجل الفارق الموجود بين الجنسين، حيث إن لكل منهما خواص بينة بين الأجسام والأعضاء حسب الحاجة إليها وعلى كل واحد منها دور خاص

(1) بحار الأنوار:67/68 عن مصباح الشريعة:4.

(71)

به، ولا خلاف بأن دور كل من الرجل والمرأة مختلف حسب تلك البنية التي بنيت عليها نفس الإنسان وجسمه، وقد تحدثنا عن هذه الفوارق لدي حديثنا عن المرأة وقوارق المعطيات بشأنها في مقدمة «معجم انصار الحسين - قسم النساء» فلا نكرر.

والمرأة الحوزوية تارة يلمع نجمها وتارة يخمد، ويظهر في مكان آخر آو زمان آخر، وهذه السيدة زينب عليه السلام  كانت تعقد لها حلقات درس في تفسير القرآن وبيان الأحكام للنساء اللاتي كن حضرن درسها في الكوفة أيام إقامتها مع أبيها أمير المؤمنین ع ما ن سنة  36ــ 40هـ.

وعلى أي حال مشي وجدت المرأة الظروف المنامية سعت إلى الظهور ولا فكانت تعمل من وراء الكوالیس.

وبالنسبة إلى حوزة كربلاء فقد برز دورها الأكبر في القرن الثالث عشر الهجري بشكل لا غبار عليه، فظهر منهن المجتهدات وصاحبات حلقات الدرس الخارج والمدسات لمرحلة السطوح، وكان ممن سجل لها السبق في ذلك الخارج والمدرسات لمرحلة السطوح، وكان ممن سجل لها السبق في ذلك السيدة آمنة بنت حمد علي القزوينية المتوفاة نحو سنة 1269هـ (1852م) والسيدة آمنة بيكم بنت محمد باقر البهبانية المتوفاة نحو سنة1243هـ (1886م) والسيدة أم كلثوم بنت كريم القزوينية المتوفاة نحو سنة 1320هـ (1902م) والسيدة أمينة الشيرازية المتوفاة سنة 1341هـ (1992م) والسيدة أم كلثوم بنت محمد تقي البرغانية المتوفاة سنة 1268هـ(1851م) والسيدة ثريا الحسيني المتوفاة بعد سنة 1320هـ (1905م) والسيدة ضيافة الشيرازية المتوفاة سنة 1342هـ (1932م) والسيدة صديقة بنت الشيخ علي نقي القزويني المتوفاة سنة 1350هـ(1931م) الى غيرهن ممن سنأتي على تراجمهن بغض النظر عن اللاتي تخرجن من الحوازات الأخرى أواللاتي كن من أدباء وشعراء هذه المدينة المقدسة، حيث سنترجمهن في مجال تخصصهن، وفي الحقبة الأخيرة من القرن الرابع عشرالهجري أنشئت المدرسة الرضوية لتخريج النساء الحوزويات، كما أن هناك عالمات سبقن هذه القرون المتأخرة كالسيد آسية بنت أحمد بن عبد الواحد القدسية المتوفاة نحو سنة 664هـ (1266م).

 

(72)

کربلاء والنجف

جاء في كتابه الحوزات العلمية(1) «يعتقد بعض الكتاب خطأ بأن حوزة النجف كانت جاهزة قبل هجرة الشيخ الطوسي إليها، وأساس القول هو أجازة نقل رواية النجاشي في عام 400هـ (۱۰۰۹م) عن أبي عبد الله الخمري، وقد نفى الشيخ أغا برزك الطهراني المتوفى سنة ۱۳۸۹هـ(1969م) في مقدمته على تفسير هذه الرواية وكتب في رده عليها: أن إثبات محل إقامة المجاز اليه غير كافية في إثبات المدعى».

من المتفق عليه أن شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي المتوفي سنه416م ( 1068م) هو الذي أسس جامعة النجف الأشرف برحيله إلى کربلاء من بغداد سنة 449هـ (1057م)(2) ثم إلى النجف، وشهدت هذه الجامعة من الازدهار والتطور تارة والضمور والفتور تارة أخرى، وذلك خلال فترة ما بين القرنين الخامس والثالث عشرالهجريين الى أن انتقل اليها السيد محمد مهدي بحر العلوم الحائري المتوفى سنة 1212هـ(1797م) من كربلاء سنة 1169هـ (1756م)(3) حاملاً أفكار أستاذه الوحيد البهبهاني الشيخ محمد باقر الحائري المتوفى سنة 1206هـ (1791م) ذي التوجه الأصولي ومعه سائر زملائه الذين هاجروا من كربلاء(4).

ـــــــــــــــــــ

(1) الحوزات العلمية في الأقطار الاسلامية: 129.

(2) راجع تفسير التبيان: 1/المقدمة(ز).

(3) أعيان الشيعة: 10/158.

(4) كالشيخ محمد حسن صاحب الجواهر المتوفى سنة 1266هـ (1850م) الذ بدوره أيضاً تتلمذ على الوحيد البهبهاني، والشيخ موسى بن جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1241هـ (1825م).

(73)

حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري(1) حيث أضطهدت الجامعة العلمية في النجف الأشرف من قبل السلطات الحاكمة في العراق التي كانت حاقدة على مذهب أهل البيت ع مما اضطر أعلامها إلى الرحيل عنها زرافات زرافات لتلتحق بسائر الحوزات بعدما لأقت الأمرين القتل والتعذيب.

وفي مضمار موضوعنا نكتفي بنقل بعض آراء و أقوال المؤرخين والباحثين، ونعتذر عن التفصيل سلفاً.

نقل الأب أنستاس ماري كرملي(2) أحد علماء المسيحيين عن الشيخ الشرقي(3):

لقد كانت في القرن الثاني عشر لهجرة نبي الإسلام محمد العربي مدرستان فكريتان للشيعة في كربلاء تتنافسان، وهما: مدرسية الأخبارية ومدرسة الأصولية، حتى ظهر ذلك العالم الكبير المصلح العظيم العلامة

ــــــــــــــــــــــ

(1) والواقع أن بموت السيد محسن الحكيم المتوفى سنة 1390هـ (1970م) ظهرت بوادر التقهقر والانضمار حيث أن السلطة الغاشمة أخذت تلاحق رجال العلم والفكر في النجف الأشرف كما في سائر المدن، ولكن حصة النجف كانت أكبر وأوسع وأقسى باعتبار أنها قطب رحى التشيع في العراق بل وغيرها.

(2) أنستس ماري الكرملي: هو بطرس بن جبرائيل بن يوسف عواد (1263ــ 1366هـ) اللبناني الأصل المولود في بغداد، وقد تخصص باللغة، ودرس في بغداد وبيروت ومدن بلجيكا وفرنسا، وأصبح كاهناً فسمي باسم الأب انستاس ماري الاوليائي سنة 1312هـ (1894م) وعاد الى بغداد فأدار مدرسة الكرمليين، ونشر مقالاته في عدد من الصحف العربية وكان ضليعاً بتسع لغات، وتولى مناصب إدارية، وكان عضواً في العديد من المؤسسات الثقافية، وله مؤلفات جمة، منها: المعجم المساعد، شعراء بغداد وكتابها، والعرب قبل الاسلام.

(3) في مجلة لغة البغدادية: أنه جمع مقالة الشيخ الشرقي التي كانت من قسمين ونشرها في جريدة النجف، والشيخ الشرقي هو علي بن جعفر بن محمد حسن (1308ــ 1384م) المولود في النجف والمهاجرالى بغداد بعدما أنهى دراساته الحوزوية، وذلك بعد تكشيله الحكومة العراقية حيث أصبح عضوا في مجلس التمييز الاعيان، له مقالات نشرت فيمجلة لغة العرب وغيرها، وكان شاعراُ مؤلفاً، ومن مؤلفاته: ديوان شعره المسمى بالعواطف والعواصف، كتاب ذكرى السعدون والعرب والعراق.

(74)

المعروف بالأغا باقر البهباني، نشأ وتألق ذلك العالم العبقري في بهبهان أحدى مدن الخليج، ثم هاجر الى كربلاء في العراق، فنفخ من روحه في مدرسة الأصولية وعلى يد ذلك العلامة الشهير تأسست المدرسة الأصولية الكبرى أو« دار المعلمين في النجف» وصارت هذه المدينة مدرسة عالية، فالنجف اليوم هي مدرسة الآغا باقر البهبهاني، وكل من نبغ فيها أو ينبغ من العلماء، فهم تلامذة الآغا البهبهاني»(1).

        ويقول البحاثة المعاصر السيد سلمان آل طعمة عند البحث عن الحركة العلمية في كربلاء المقدسة وازدهارها وفضلها على الجامعة العلمية في النجف الاشرف:« ثم انتقل بعض رجال الفكرــ في القرن الثامن ــ الى النجف الأشرف فتعهدوا فيها إحياء الحركة العلمية، وما لبث أن انتقلت الى الحلة الفيحاء التي أنجبت رهطاً كبيراً من فطاحل العلماء والشعراء وأساطين الأدب(2)، وجاء في تاريخ الحركة العلمية في كربلاء:« انتقل النشاط العلمي الى النجف الأشرف في أواخر القرن الثامن وبداية القرن التاسع بسببب انتقال عدد لاباس به من علماء كربلاء الأجلاء آنذاك الى مدينة النجف حيث أسهموا بدورهم في بعث وتنشيط الحركة العلمية بها، الأمر الذي خلق لها مركزية علمية تبز مكانة كربلاء العلمية»(3).

        ويقول الكاتب المعاصر الأستاذ نور الدين الشاهرودي في هذا المضمار ايضأ:« تحولت الحوزة العلمية في هذه المدينة الى ساحة تعج وتزخر برهط كبير من العلماء والفقهاء، والأساتذة والمحققين وجموع غفيرة من طلاب العلم والفضيلة حتى برزت وتألفت بوصفها المركز الشيعي الاول في العالم الاسلامي، وفي هذا الوقت كانت الحوزة العلمية في النجف تابعة فكرياً لحوزة كربلاء المزدهرة والمتوهجة بصولة الوحيد وأصحابه وتلامذته»(4)، ويضيف قائلاً: وخلاصة القول: إن النهضة التجديدية في.

ــــــــــــــــــــــ

(1) تراث كربلاء: 260 عن مجلة لغة العرب العدد: 6، السنة:4، الصفحة: 330، ونقل عن تراث كربلاء وتاريخ الحركة العلمية في كربلاء:44.

(2) تراث كربلاء: 228.

(3) تاريخ الحركة العلمية في كربلاء:43.

(4)  تاريخ الحركة العلمية في كربلاء: 132.

(75)

 الفقه وأصوله أطلقت بادئ ذي بدء من حوزة كربلاء على بد المربي والمعلم الكبير الوحيد البهباني، وامتدت بعده الى النجف بفضل تلامذته الكبار الذين انتقلوا الى هذه المدينة في الفترة اللاحقة من حياتهم العلمية فأشاعوا في حوززتها أفكار الوحيد ومبادئ مدرسته الأصولية»(1).

        ويقول العلامة الأمين ما مجمله:« كان الحائر الشريف يومئذ محل رحل أهل العلم، وفيه ألف فاضل من علماء إيران وكانوا يحضرون درس شريف العلماء، ولما انتقل الشيخ موسى كاشف الغطاء وأخوه الشيخ علي من كربلاء الى النجف وتوفي من طلبة كربلاء منهم المٌلا صالح المازندراني»(2)

        ويقول الشهيد الصدر لدى حديثه عن الحركة العلمية في النجف الاشرف:« وقد قدر للاتجاه الأخباري في القرن الثاني عشر أن يتخذ من كربلاء نقظة ارتكاز له، وبهذا عاصر ولادة مرسجة جديدة في الفقه والأصول نشأت في كربلاء أيضاً على يد رائدها المجدد الكبير محمد باقر البهباني المتوفى سنة 1206هـ (1792م)، وقد قامت هذه المدرسة بتنمية الفكر العلمني والارتفاع بعلم الأصول، حتى استطاعت أن تقفز بالعلم قفزة كبيرة وتعطيه ملامح عصر جديد، وبهذا كانت مدرسة البهبهاني تمتاز عن المدارس العديدة التي كان تقوم هنا وهناك بعيداً عن المركز وتتلاشئ بموت رائدها، وقدم الفكر العلمي بعصور ثلاثة:

        1ـ العصر التمهيدي، وهو عصر البذور الأساسية لعلم الأصول والتي بدأت بعصر ابن ابي عقيل(3).

ـــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الحركة العلمية في كربلاء: 133.

(2) أعيان الشيعة:9/369.

(3) ابن أبي عقيل: هو الحسن بن علي بن أبي عقيل ابو محمد العماني الحذاء المتوفى في القرن الرابع الهجري، كان من وجود علماء الامامية، وهو أول من هذب الفقه

(76)

2- عصر العلم، وهو العصر التي اختمرت فيه تلك البذور والتي بدات بعصر الشيخ الطوسي.

       

        3- عمر الكمال العلمي، وهو العصر الذي افتحته في تاريخ العلم المدرسة الجديدة التي ظهرت في أواخر القرن الثاني عشر على يد الأستاذ الوحيد البهبهاني وبدأت تبني  للعلم عصره الثالث بما قدمته من جهود تظاهرة في الميدانين الأصولي والفقهي.

وقد تمثلت تلك الجهود في أفكار وبحوث رائد المدرسة الأستاذ الوحيد البهبهاني وأقطاب مدرسته الذين وأصلو عمل الرائد حوالي نصف قرن حتى استكمل العصر الثالث خصائصه العامة ووصل إلى القمة(1).

ويقول الدكتور السيد محمد بحر العلوم: «اوبعد وفاة الأ ستاذ الوحيد البهبهاني عادت الجامعة العلمية إلى النجف الأشرف کمر کز علمي أول وذلك على يد تلميذه العلامة السيد   محمد مهدي بحر العلوم الطبا طبائي المتوفي سنة 1212هـ(1797م)»(2)

والملاحظ مما تفلناه أن جامعة كربلاء أسعفت بكل قواها جامعة النجف مرتين  على الأقل بعد أن انتقل إليها الشيخ الطوسي من كربلاء لتأسيس الحوزة فيها سنة449هـ (1057م).  

الأولى:نحو سنة 1206هـ(1792م) حين انتقل تلامذة الوحيد البهبهاني بعد وفاته إلى النجف ونشروا افكاره التجديدية هناك، وأهم من برز منهم:

- السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفى سنة 1212هـ (1797م).

ـــــــــــــــــــــــــــــ

= واستعمل النظر وفتق البحث عن الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى ثم خلفه ابن الجنيد، له كتاب المستمسك بحبل آل الرسول.

(1) المعالم الجديدة: 85و 87.

 (2) مجلة النور اللندنية العدد:4، الصفحة:9، ولا يخفى أن السيد محمد مهدي بحر العلوم انتقل من كربلاء الى النجف لتنشيط الحركة العلمية في النجف كما هو الحال في أقرانه الذين انتقلوا الى مدن اخرى في ايران للغرض ذاته.

(77)

2- الشيخ جعفر الجناجي کاشف الغطاء المتوفى سنة ۱۲۲۸هـ (1813م).

الثانية: نحو سنة  1245هـ (1829م) حین انتقل تلامذة شريف العلماء بكمية هائلة بعد وفاته إلى النجف ونشروا أفكاره وعلومه، وأهم من برز منهم:

1- الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة ۱۲۸۱هـ (1864م)(1).

2- الشيخ محمد صالح المازندراني المتوفى سنة ۱۲44هـ ( 1829م).

هذا بغض النظر عن الموارد والفترات الأخرى(2) التي ساهمت النهضة العلمية في كربلاء بتنشيط الجامعة العلمية في النجنف، وإنما ركزنا على هذين الموردين لأنصاف أولهما بالكيف وثانيهما بالكم، واتصال عهد أحدهما بالآخر، مما تسبب باستمرار جامعة النجف بالمضي قدما بشكل ملحوظ  كما وكيفاً.

ولكن هذا العهد بدأ يضمر شيئا فشيئاً منذ بدآث السلطات العراقية الغاشمة بقيادة حزب البعث العراقي الحاكم باضطهاد رجال العلم والفكر من مدارسة أهل البيتع وقد لاحقتهم بصورة فردية بعد رحيل المرجع السيد محسن الحكيم سنة 1390هـ (1970م)  حيث كان سداً منيعاً لم تتمكن السلطات من تجاوزه بسهولة، وما أن هاجر السيد روح الله الخميني قائد الثورة الاسلامية في إيران سنة 1398هـ(1977م) عندها نشطت الحركة العلمية أكثر مما كات الا أن الحزب الحاكم قام باعتقال أعلام هذه الجامعة وتعذيبهم وإعدام العديد منهم(3) مما تسسبب بفرار أكثر العلماء وهجرة هذه الجامعة، فبقيت كغيرها من الجامعات العراقية التابعة لمدرسة

ــــــــــــــــــــــــ

(1) ولايخفىى أن الأنصاري هاجر من كربلاء عالماً مجتهداً وما أن رآه كاشف الغطاء في مجلس درسه في النجف حتى استنكر عليه حضوره باعتباره مستغنياًعن درسه.

(2) سبق ونقلنا أن النهضة العلمية في كربلاء أسعفت الجامعة العلمية في النجف في القرن الثامن في القرن التاسع.

(3) ومن أبرز من أعدموا هو: الشهيد السيد محمد باقر الصدر سنة 1400هـ.

(78)

 أهل البيت ع صورة لا وجود لها على الأرض لولا المرجع السيد أبو القاسم الخوئي الذي هو الآخر اضطهد على يد النظام العراقي وكانت فيه منيته سنة 1413هـ (1992م).

        وعن مصير هذه الجامعة يحدثنا الدكتور بحر العلوم قائلاً:« وقد عطلت الدراسة فيها واعتقل علمائها وطلابها وهجروا قسراً أو فروا من القسوة البالغة التي تابعتهم من صدام حسين ونظامه الجائر على المسلمين الشيعة في العراق وماتوا في الاعتقال أو قتلوا أو سجنوا تنفيذاً لمخطط طائفي مقيت(1).

        وما يلفت النظر أن المنتمين الى هذه الحوزة المباركة بفضل بيئتها نشطون على أكثر الصعد، ومخلصون لمدينتهم هذه ويسعون دائماً الى العمل في ازدهار الحركة العلمية فيها وتنشيطها، وقد سبق وأشرنا كيف أنهم حاولوا إرجاع السيد محمد حسن الشيرازي (المجدد) من سامراء الى النجف، ثم حاولوا إقناع الشيخ محمد تقي الشيرازي اليها مع زميله وقريبه السيد مهدي الشيرازي رغم أنهما اتفقا على ملازمة الشيخ الشيرازي، وكذلك نقل قيادة الثورة الى النجف بزعامة الشيخ فتح الله شيخ الشريعة بعد وفاة الشيخ محمد تقي الشيرازي في كربلاء، الى جانت جلب السيد حسين القمي من كربلاء الى النجف بعد وفاة السيد أبي الحسن الاصفهاني، والعتبات كثيرة، منها ما شهدناه بشكل مباشر، وفي هذا الاطاريذكر عن السيد مرتضى الكشميري المتوفى سنة 1323هـ (1905م) أ،ه كان وراء انتقال السيد محمد علي الشهرستاني الى النجف سنة 1320هـ (1902م) حيث وجد فيه نشاطاً مميزاً(2).

ــــــــــــــــــــ

(1) مجلة النور اللندنية العدد: 4، الصفحة:9.

(2) راجع شعراء الغري: 10/66.

(79)

(80)

کربلاء وقمُ

          ولاشك أن حوزة عم وجامعتها العلمية بدأت نواتها من عهد الأئمة المعصومين الكاظم والرضا والجواد والهادي ع حيث سكنها عدد من رواة الحديث الذين كانوا من اصحاب هؤلاء الأئمة الأربعة عليهم افضل الصلاة وازكى السلام والذي منهم احمد بن محمد الأشعري القمي الذي كان من أصحاب الأئمة الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، ويرز منها العديد من الأعلام والذي تعج مقابرها بجثثهم، ولكن هذه الحواضر العلمية نالها المد والجزر، وما إن هجم الأفغان إصفهان غادرها جمع من العلماء الى قم حيث أن الشيخ أبا القاسم القمي المتوفى سنة 1231هـ (1816م) صاحب القوانين كان يتزعم الحوزة فيها وهو من تلامذة الوحيد البهبهاني حيث تتلم عليه في كربلاء وكان ممن أعاد الى قم رونقها على النهج الأصولي الذي أسسه الوحيد البهباني ولعل تاليفه لكتابة القوانين في الأصول جاء من هذا المنطلق، وعلى كل حال فقد نفخ في روح هذه الحوزة بشكل قوي ومستمر وظلت عامرة بعض الشيء رغم انحسار دورها الى حد ما الى أن حل بها الشيخ عبدالكريم الحائري المتوفى سنة 11355هـ (1936م) والذي هاجر هو الآخر من كربلاء ليسكنها ويعمل على تقوية هذه الحوزة حتى عرف بأنه مؤسسها، والصحيح أنه مجددها، وكان  تقوية هذه الحوزة حتى عرف بأنه مؤسسها، والصحيح أنه مجددها، وكان وراء جلب العلماء والفقهاء اليها وكان ممن هاجر اليها السيد حسين البروجردي الذي وصلت اليه زعامة الامامية والمتوفى سنة 1380هـ (1960م)(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

() راجع الحوزات العلمية في الأقطار الاسلامية: 173.

(81)

 مؤسس حوزة قم المشرفة، وكان من أهل الفتيا، قأم الناس جماعة واشتغل بالتدريس فيها، وقال المحقق الطهراني في حقه: كان له شأن واعتبار، وكان لطلاب العلم علاقة به ورغبة في تدريسه الى أن توفي في 23 ربيع الثاني سنة 1358هـ (1939م) ودفن مقبرة الحائري في قم(1).

ــــــــــــــــــ

(1) نقباء البشر: 4/1369. وكان للشيخ محمد علي مجلدات في الفقه الاستدلالي وفي الأصول أيضاًــ راجع ترجمته في من أعلام كربلاء.

(82)

کربلاء وإصفهان

لا شك أن الحوزة العلمية بل الجامعة الإسلامية في إصفهان کان لها دور فعال في مجمل البلاد الإسلامية عدة قرون منذ سنة ۹۸٦هـ (1481م) حيث اتخذها السلطان عباس الكبير السنوي المتوفى سنة ۱۰۳۸هـ (1629م) عاصمة لدولته سنة1015هـ(1606م)، وفي ذلك يقول السيد الأمين: « صارت ـ اصفهان ــ في الدولة الصفوية دار الملك والعلم(1) وصار جميع أهلها المسلمين شيعة الى اليوم»(2).

وقد ازدهون جامعتها يوما بعد يوم فأنها فطاحل الأعلام وجهابذة العلم، وقد ساهمت مدينة الحسين ع بدورها في ترسيخ دعائم العلم والفضيلة فيها وذلك بانتقال أعلام الأمة التي تخرجت من جامعتها اليها أمثال المولى الأعظم الحاج محمد إبراهيم الكرباسي المتوفى سنة 1261هـ (1845م) والسيد محمد باقر الشفتي المتوفى سنة 1260هـ (1844م) وقد تعاونا معاً في ارساء قواعد جديدة لهذه الحوزة العتيدة وتطويرها وبعث روح العلم معاُ في ارساء قواعد من جديد حتى تخرج من محاضرها العديد من الأعلام والفقهاء، وقد طلب السلطان من العلماء والفقهاء التوجه الى أصفهان وبناء حوزة علمية فيها وفقا لمعايير الامامية، وقد كان من بينهم الشيخ البهائي محمد بن الحسين العاملي المتوفى سنة 1031هـ (1622م)(3) والسيد محمد باقر الداماد الاسترابادي المتوفى سنة 1041هــ (1631م)

ــــــــــــــــــــ

(1) عندما كانت مدينة قزوين مناراً للعلم والمعرفة ونقل السلطان عباس الصفوي عاصمة ملكه الى أصفهان.

(2) أعيان الشيعة: 1/190.

(3) كان الهائي محمد صغيراً حينما جليه البهائي الاب حسين الى اصفهان، وكان الأب من العلماء الاعلام، وقد توفي سنة 984هـ (1576م) في البحرين ـ راجع الكنى والالقاب: 2/101ـ103.

(83)

 والذي دفن في النجف حيث ذهب إليها زائراً، والسيد الفندرسكي ابو القاسم الموسوي ــ من أعلام الفرن الحادي عشر الهجري (17م) ـ والشيخ لطف الله بن عبدالكريم العاملي الاصفهاني المتوفى سنة 1033هـ (1624م) فأنشأ الصرح العلمي هذا بعيد سنة 1015هـ (1606م) واستمر أكثر من قرن الا أن حركته العلمية تصدعت بهجوم الأفغان على أصفهان ما بين سنة 1134ـ 1136هـ (1722ــ 1724) فبث العلمان الكرباسي والشفتي روح المعرفة والعلم وروجا لمدرسة الوحيد البهبهاني فاستطاعا إعادة بناء حوزة أصفهان، وكان لفتوى الشيخ محمد جعفر الآخوند الكرباسي (1080ــ 1190هـ) الفقهية في معركة الأفغان من أهالي اصفهان واللائيي فقدن أزواجهن أثر كبير في استقرار الامور والتي استند اليها الفقهاء فيما بعد(1).

ــــــــــــــــــ

(1) راجع الحوزات العلمية في الأقطار الاسلامية: 186.

(84)

کربلاء والحلة والكاظمية

يقول الشيخ عبد المجيد الهر في كتابه مشهد الحسين: «تأسست في كربلاء مدرسة دينية في القرن الثاني بعد الهجرة أسسها رجال من بني أسد بعدما حصلوا العلوم من الإمام جعفر بن محمد الصادق ع(1) فمنذ ذلت الوقت جعل بشلل إليها كثير من رجال العلم وعشاق الفضيلة وظماء الثقافة، واستمرت تلك المدرسة باقية حتى شاهدها ابن بطوطة سنة747هـ(1346م)، وخريجوا تلك المدرسة عقدوا حوزة علمية في الحلة الفيحاء كما وعقدوا حوزة علمية في بغداد، فعلى هذا انتشر العلم م المدينة المنورة ثم من الكوفة وبعد ذلك من كربلاء ومنها الى سائر البلاد فحازت كربلاء منتهى الشرف(2).

إن أول من أنشا الحوزة العلمية في الحلة هو الشيخ إبن أدريس محمد العجلي الحلي المتوفى سنة 598هـ(1202م) وذلك بعد ان اتكست حوزة النجف الأشرف بوفاة ورثة الشيخ الطوسي والتي طالت نحو قرن واحد حيث كان يدب فيها النشاط، عندها نهض ابن إدريس بإنشاء هذه الحوزة في الحلة الدبيسية وعمل على دعمها ومساندتها بجلب العلماء والفقهاء اليها حتى أصبحت يشار اليها بالبنان فتخرج منها أعلام الأمة ومشرعوها، وازدهرت بالطبع بعد أنهيار بغداد سنة 656هـ (1258م) باحتلال المغول لها فهاجر منها الكثير منهم الى الحلة، وكانت كربلاء والحلة تتبادلان المعرفة وينتقل علماؤها منهما واليهما وأصبحنا ككفي ميزان، ولا يخفى

ــــــــــــــــــــــــ

(1) لعله قصد بذلك أن رجالا من بني الغاضرية على الامام الصادق ع حيث وردها سنة 144هـ (761م) واستقر لفترة في المكان المعروف بمقام الامام الصادق ع.

(2) مشهد الحسين:2/4.  

(85)

أن الحلة تأسست على الولاء لأمير المؤمنين ع على يد عمران بن شاهين الدبيسي سنة ۳۳۸هـ (949م) حيث جلب العلماء والشعراء والأدباء إلى عاصمة ملكه

وإذا ما كانت الحلة تفتخر بالمحقق الحلي حيث كان مجلسه العلمي يضم قرابة أربعمائة مجتهد(1)، والنجف تتباهی بشيخ الطائفة الطوسي بحضور مجلسی درسه قرابة الثلاثمائة مجتهد(2)، فإن كربلاء المقدسة قد ضربت الرقم القياسي في عهد شريف العلماء المتوفي سنة1245هـ (1829م)، حيث كانت تشكل حضيرة درسه أكثر من ألف مجتهد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وكان الشيخ أسد الله التستري المتوفى سنة ۱۲۳4هـ (۱۸۱۹م) قد انتقل من كربلاء إلى الكاظمية لتنشیط دور الحوزة الكاظمية وهكذا فعل السيد هبة الدين الشهرستاني لقرب الكاظمية من عاصمة القرار العراقي بغداد، إلى جانب مجموعة من آل الصدر العاملي الإصفهاني الحائري الذين هاجروا كربلاء و سكنوا الكاظمية كالسيد صدر الدين المتوفي سنة ۱۳۷۳ هـ (1954م) حيث تتلمذ على الشيخ محمد باقر الوحيد البهبهاني والسيد محمد مهدي بحر العلوم والسيد محمد هادي الشهرستاني(3) والسيد إسماعيل بن صدرالدين المتوفى سنة  1338هـ  (۱۹ 1۹م) والى غيرهما.

كما ومن كربلاء كانت هجرة السيد صدر الدين الموسوي العاملي الذي كان من تلامذة الوحيد البهبهاني إلى الكاظمية، ليفعل الحركة العلمية فيها(4)، وكانت هجرة السيد صدر الدين الموسوي العاملي لتفعيل الحركة العلمية فيها(5).

ــــــــــــــــــــ

(1) موسوعة العتبات المقدسة: 7/53 عن مقدمة رجال الطوسي:19.

(2) موسوعة العتبات المقدسة: 7/330 عن مقدمة تفسير التبيان. ولا يخفى أن هذا العدد كان في بغداد، وأما النجف فاستبعدوا أن يكون قد بلغ هذا العدد لأن حوزتها كانت فتية.

(3) أعيان الشيعة: 10/164.

(4) أعيان الشيعة: 2/412.

(5) راجع أعيان الشيعة:2/412.

(86)

کربلاء وكاشان

مما لا يختلف عليه إثنان أن المركر العنی امان القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجرين (۱۸-۱۹ م) كان في مدينة كربلاء المقدسة، وكان | يضم أكبر عدد من أعلام الفائقة الإمامية بمختلف فرقها واختصاصاتها وكانت مركزيتها مميزة عن سائر المراكز السابقة حيث تعددت فيها الفسلفسات، وقادت حركة التطور في الفقه والأصول كما كانت رائدة الفكر بالنسبة الى سائر المعاهد العلمية آنذاك، لذلك تخرج من جامعتها جهابذة العلم وقادة الفكر وانتشروا في جيمع الأقطار الاسلامية، وأسسوا مراكز علمية لمدرسة أهل البيت ع ومن أولئك الأعلام علامة زمانه وفقيه عصره المولى الشيخ محمد مهدي بن أبي ذر النراقي الذي ولد سنة 1128هـ(1716م) في نراق من قرى كاشان ونشأ فيها وانتقل الى أصفهان لتحصيل العلوم العقلية ومن ثم هاجر الى كربلاء المقدسة، وهنا نترك الكلام للشيخ محمد رضا المظفر عميد كلية الفقه في النجف الأشرف حيث يقول:

        «فدرس على الأعلام الثلاثة: الوحيد البهبهاني المتوفى سنة 1205هـ(1794م) وهو آخر أساتذته وأعظمهم وتخرجه كان يديه، والفقيه العالم صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة 1186هـ (1772م)، والمحقق الجليل الشيخ مهدي الفتوني الحائري المتوفى سنة 1183هـ (1769م)، وكربلاء يومئذ أكبر مركز علمي للبلاد الشيعية، وكانت تطغى في أكثر المدن الشيعية ــ تبعاُ لكربلاءــ ظاهرتان غريبتان على السلوك الديني: الأولى النزعة الصوفية، والثانية النزعة الاخبارية، وهذا الاخيرة خاصة ظهرت في القرن الثاني عشرالهجري (18م) قوية مسيطرة على التفكير الدراسي وتدعو الى نفسها بصراحة لا هوادة فيها، لأن الطالب الديني ت الاخباريـ في مدينة كربلاء خاصة أصبح يجاهر بتطرفة ويغالي فلا

(87)

 يحمل مؤلفات العلماء الأصوليين الابمنديل حشية تنجس يده من ملامسة حتى جلدها الجاف.

        وعندما وصلت هذه الفكرة الأخبارية الى أوجها في كربلاء الشيخ الوحيد البهبهاني الذي قيل عنه بحق مجدد المذهب على رأس المائة الثالثة عشرة للهجرة النبوية، فإن هذا العالم الجليل كان لبقاً مفوهاً ومجاهداً حبيراً، فقد شن على المدرسة الاخبارية هجوماً عنيفاً بمؤلفاته ومحاججاته الشفوية الحادة مع علمائها فانكشف في عصره النزعة الاخبارية على نفسها ولم تستطع أن تثبت أمام حجته، وتم على يديه تحول العلم الى ناحية جديدة من التحقيق، وتخرج على يديه جماعة كبيرة من أعلام هذه الأمة كبحر العلوم المتوفى سنة 1212هـ (1797م) وكاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ(1813م) والشيخ ابو القاسم القمي المتوفى سنة 1231هـ (1816م) والشيخ النراقي وأشباههم.

        فيبرز شيخنا ــ النراقي ـ في أوج المعركة الاخبارية والأصولية وساحتها كربلاء في عنفوان معركة التصوف فيكون أحد أبطال هاتين المعركتين ل أحد القواد الذي ن رفعوا راية الجهاد بمؤلفاته(1) وتدريسيه، وساعده على ذلك أنه كان متفنناً في دراسة العلوم ولم يقتصر على الفقه والأصول ومقدماتهما فقد شارك العلوم الرياضية كالهندسة والحساب والهيئة ودرس الفلسفة.

        ولما فرغ من التحصيل في كربلاء رجع الى بلاده واستقام في كاشان وهناك اسس له مركزاً علمياً تشد اليه الرحال بعد أن كانت كاشان مقفرة من العلم والعلماء واستمرت بعده على ذلك مركزاً من مراكز العلم في إيران،وليس لدينا ما يشير الى تاريخ انتقاله الى كاشان(2). وتوفي بعد خدماته العلمية والفكرية بقلمه ولسانه 1209هـ(1790م).

ــــــــــــــــــــــــ

(1) بلغت مؤلفاته اثنين وثلاثين مؤلفاً في مختلف العلوم والفنون.

(2) حياة النراقي بقلم الشيخ محمد رضا المظفر من مقدمة كتاب جامع السعادات للنراقي.

(88)

کربلاء ومشهد

إن مدينة مشهد كانت ولا زالت محط العلماء والفقهاء منذ عصر الأمام الرضا ع الذي وصها سنة ۲۰۰هـ (815م) ويذكر انها امتداد لحاضرة نیشابور التي كانت على عهد الرضا مكتظة بالأعلام وكانت طوس - التي عرفت بعد مدفن الامام الرضا ع بالمشهد نسبة اليه ـ محط معظم علماء الفرق الاسلامية وغيرها، ويذكر أنها كانت تعج بعلماء الطوائف التالية: إليهودية والمسيحية والزرداشتية والصابئة والبوذية والمانووية والوثنية اليونانية والثنوية الزوداشتية والمزدكية(1) وكان الامام الرضا ع خلال ثلاث سنوات من حياته فيطوس استطاع ان يخرج من مدرسته مجموعة كبيرة من الرجال الأعلام(2)، وفي معظم العلوم المعارف، وتشهد بذلك المناظرات اليت أقيمت فيبلاط المأمون العباسي المتوفى سنة 218هـ (833م)فيها.

ومن المعلوم أن هذه الحواضر كانت في مد وجزر حسب الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية، وما أن يخف ضوء إحداها الا وتده حاضرة أخرى برجال منها ولو بعد حين، وما إن برزت الحركة الاخبارية في القطريين العراقي والايراني الا وتصدى لها علماء الأصول بزعامة الشيخ محمد باقر الوحيد البهبهاني في كربلاء المقدسة وقد أخذ جمع من تلامتذه على عاتقهم  القيام بهمهمة نشر المنهج الأصولي الذي ابدعه استاذهم الوحيد، وكان هؤلاء المهادي الأربعة السيد محمد مهدي الشهرستاني الذي استقر في كربلاء والشيخ محمد مهدي النراقي الذي هاجر الى كاشان، والسيد مهدي بن هداية الله الطوسي المستشهد سنة 1218هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/385.

(2) راجع رجال الطوسي: 366ـ 397.

(89)

(۱۸۰۳م) والذي هاجر الى مشهد المقدس لهذه الغاية والسيد محمد مهدي بحر العلوم الذي هاجر الى النجف لأهميتها، وهناك من أضاف وقال: المهادي الخمسة حيث أضاف إليهم السيد محمد مهدي التبريزي المتوفى سنة 1241هـ (1825م) والذي هاجر الى تبريز، وهناك نال الشيخ الطوسي الشهيد(1) فائق الاحترام وأصبح فيها من أكابر فقهائها، وبوجوده تطورت الحوزة المشهدية الى افضل حال، وبالطبع فإن كلو احد منهم حينما يهاجر الى حاضرة أخرى فإن جمعأً من العلماء عادة يرافقوه لترسيخ الفكرة التي من أجلها هاجروا، وترك الطوسي الشهيد مجموعة من العلماء ممن تتلمذوا عليه(2).

        وفي سنة 1371هـ(1951م) هاجر الى كربلاء السيد محمد هادي الميلاني المتوفى سنة 1395هـ(1975م) الى مشهد فسكنها وأعاد اليها نضارتها حيث كانت اقل شأنا من قم لبعدها عن الوسط الايراني، وكان للشيخ يوسف الخراساني الأثر الكبير في ذلك حينما هاجر من كربلاء إليها سنة 1391هـ(1971م).

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) وهناك من وصفه بالشيهد الثالث.

(2) راجع أعيان الشيعة: 10/75.

(90)