أَضواءُ  على مدينة الحسين (ع)

اسم الکتاب : أَضواءُ على مدينة الحسين (ع)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

 

 

 

غلاف2

 

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى(2) آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(3) ، إنه لقول رسول كريم(4) ، اني لكم رسولٌ أمين(5) أبلغكم رسالات ربي(6) لا أسألكم عليه اجرا الآ المودة في القربى(7) وآت ذا القربى حقه(8) ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون(9).

                                                                                                                        صدق الله(10) العلي العظيم(11)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النمل، آية: 30.

(2) سورة النمل، آية: 59.

(3) سورة آل عمران، آية: 33ـ34

(4) سورة الحاقة، آية: 40.

(5) سورة الشعراء، آية:107.

(6) سورة الاعراف، آية: 62.

(7) سورة الشورئ، آية: 23.

(8) سورة الإسراء، آية:26.

(9) سورة الروم، آية : 38.

(10) سروة آل عمران، آية: 95.

(11) سورة البقرة، آية: 255.

(5)

        قال الرسول الأعظم ص:

        « أن الحسين مصباح هدى

                        وسفينة النجاة

                                وإمام خير ويمن

                                        وعز وفخر

                                                وبحر علم وذخر»(1).

                                                                                صدق رسول الكريم

ـــــــــــــــــــــ

(1) عيون أخبار الرضا: 1/62، وقريب في فرائد السمطين: 1/ 155ح: 447.

(6)

مقدمة الناشر

        شهدت بعض المدن حركة علمية بارزة جعلتها بحق حواضر عليمة ما زالت قائمة حتى يومنا هدا، حيث تخرج منها كبار العلماء والمفكرين والأدباء، وتلك المدن هي النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء في العراق، ومشهد وقم في إيران، وكانت النجف وكربلاء هما ألاكثر بروزاً في العراق.

        والسؤال البديهي الذي يطرح هنا، لماذا تلك المدن بالتحديد؟

        والاجابة على ذلك السؤال لا شك أنها تنحو باتجاه كون هذه المدن حوت مراقد الأئمة المعصومين سلام الله عليهم، الأمر الذي جعل تلك المدن مقصداً وعاملاً جاذباً للاقامة فيها بهدف نيل بركة مجاورة تلك المراقد الطاهرة، وهنا لا يخفى أن للبيئة التي يدرس فيها العالم أو الباحث أو الأديب تأثيرها المباشر على سير تحصيله العلمي.

        محل عنايتنا هنا مدينة كربلاء المقدسة، وحاضرتها العليمة البارزة، تلك المدينة التي شهدت أرضها قبل قرون عدة أفظع واقعة مأساوية في التاريخ الانساني والتي خلفت أخزاناً وآلاماً لم ولن تندثر على مر العصور والأزمان، ما جعلها منارة يهتدي بهداها كل طلب للحق والعدل، وكل ثائر على الباطل والظلم.

        فتلكم المدينة المقدسة شهدت حركة علمية واسعة أرجع بعض الباحثين تاريخ بروزها الى أيام الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي انتقل اليها أيام حكم العباسي أبي العباس السفاح وأقام فيها قرب نهر العلقمي، ما أدى الى حركة نزوح كبيرة للعلماء والفقهاء والمحدثين ورواد العلم من كل بقاع الارض.

        ومنذ ذلك التاريخ مرت على هذه المدينة المقدسة فترات من الركود

(7)

        والجمود لعوامل عدة منها العامل السياسي، لكن سرعان ما كانت تعود الى ازدهارها بقوة وسرعة لتحتل مكانتها المعهودة كما في سابق عهدها.

هذا السرد التاريخي لتطور الحركة العلمية في كربلاء ونموها، ومراحل خفوتها وعودتها لبريقها من جديد وأسباب ذلك، والمدارس والجامعات والحوزات العليمة فيها، عرضة مؤلف دائرة المعارف الحسينية سماحة آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي دام ظله في هذا الجزء من أجزاء موسوعته، وهو الجزء الثالث من باب أضواء على مدينة الحسين، لكنه مختص بالحركة العليمة في كربلاء، وهو الجزء الأول في هذا القسم، ويستكمل عرضه بايراد نبذة مفصلة ووافية لاعلام تلك المدينة وعلمائها، وما قدموه من عطاءٍ علمي وفقهي وفكري، وتراثهم الفكري المستفاد منه حتى يومنا، والى آخر أيام هذه الدنيا.

        ونلفت في الختام الى أن هذا الجزء، هو الجزء التاسع بعد المائة من أجزاء دائرة المعارف الحسينية العملاقة الذي أنجبته جهود المؤلف حفظه المولى القدير، وساهم في إبصاره النور ثلة من المؤمkين المحسنين الموالين لمولانا سيد الشهداء عليه السلام، رغبة في نيل الأجر والثواب في الدنيا وشفاعته في الآخرة، أنالهم الله ما يأملون، ومدنا بتأييده لاكمال إصدار ما تبقى من أجزاء هذه الموسوعة، إنه سميع مجيب.

                                                                                                                2/ جمادى الأولى/ 1438هــ

                                                                                                                31/ كانون الثاني/ 2017م

(8)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي فضل العلماء على الشهداء

والصلاة على نبيه من جعل العلماء أوصياء

والسلام على آله الذين دوماً كرموا العلماء

                                                                                                        لندن

                                                                                                        محمد صادق

                                                                                                        ربيع

                                                                                                        1412هـ ــ 1999م

(9)

 

(10)

 

(11)

 

(12)

 

عملنا في هذا المقطع

 

        إن عملنا في هذا المقطع لا يختلف كثيراً عن أمثاله، ولكن تبقى بعض الامور التي لابد من الاشارة اليها نذكرها ضمن النقاط التالية:

        1ـ  قدمنا له مقدمة تمهيدية نبين فيها تاريخ هذه الحركة العلمية في هذه المدينة المقدسة والتي هي قبلة المسلمين بدءاً من نشاتها والى يومنا الحاضر.

      2ـ نقصد باليوم الحاضر الأيام الأخيرة التي عشنها في هذه المدينة  التي تخص الامام الحسين ع ولم نخرج منها الا بسبب البطش والتنكيل لمن لم ينصع لظلم الحكم الجائر الذي حكم العراق طيلة خمس وثلاثين سنة فكان خروجنا منه سنة 1391هـ (1971م).

        3ـ أدرجنا في التمهيد كل ما يمكن أن يتمناه الباحث والطالب عن هذه الحركة وتطورها بروح عالية من البحث والتحقيق ونقل الواقع كما هو دون زيادة أو نقيصة.

        4ـ بعد المقدمة قمنا بترجمة العلماء والفضلاء الذين حملوا على عاتقهم هذه الحركة ومن خلالهم تطورت الحركة وانتشر العلم والمعرفة ، وقد رتبناهم حسب الحروف الهجائية بغض النظر عن تقدم تواريخهم أو تأخرها، لا بما يحملونه من العلم والمعرفة أو مستوى نشاطهم في ذلك.

        5ـ إن اختيارنا الترتيب الهجائي للحروف سيسها للقارىء والباحث عملية البحث، ومن هنا فان الأسماء المركبة تعاملنا معها كما هي وكان الاسم الثاني هو اسم الأب، فإذا كان على سبيل المثال اسم المترجم له محمد ابراهيم وضعناه يفي حرف الميم، حاله حال من كان اسمه محمد بن ابراهيم، مالاحظين في ذلك كامل الاسم الثلاثي من حيث ترتيب الحروف

(13)

في النهج الهجائي: نعم نقدم الاسم المركب على الاسم الذي غير مركب، فمحمد ابراهيم بن حسن مقدم على محمد بن ابراهيم بن حسن، وهكذا، مخالفين بذلك بعض الاعلام الذي أدخلوا محمد ابراهيم في حرف الألف ومحمد حسين في حرف الحاء، ملغين الاسم الأول في السرد التسلسلي باعتبار أن الاسم الثاني هو الاسم الواقعي للشخص، بل مخالفين بعضهم الآخر الذين ذكروهم بدون المضاف، فذكروا مثلاً محمد ابراهيم باسم ابراهيم، وهناك من لم يتخذ لنفسه نهجاً معيناً.

        6ـ بما أن هذه الحوزات فيها مد وجزر، إذ ينتقل عالم أو فاضل من حوزة الى أخرى لسبب من الاسباب التي سنذكرها والتي منها: المرض أو الامن أو الاقتصاد أو المعرفة، فإن الشخص الواحد يمكن أن يدرس أو يدرس في أكثر من حوزة فانه بذلك تظهر بصماته في كل محطة نزل فيها وتعلم أو علم، وهذا ديدن من ترجم الأعلام والأعيان، ونحن سرنا على نهجهم كي لا نغمط حقهم ولا ننسى فضلهم على هذه الحوزة وفضل الحوزة عليهم.

        7ـ حاولنا أن نشير ولو بالاجمال الى كل خصوصيات الشخص المترجم له في المجال الخلقي والعلمي وبالاخص في الفقه والأصول، إذا توفرت المادة لدنيا، واذا تخصصت هذه الشخصية بعلم من العلوم أدرجناه في الفصل المناسب له كالخطباء والأطباء والشعراء والادباء مثلا.

        8ـ حاولنا أن نورد مؤلفاتهم العلمية حد الامكان الا اذا كان خارجا عن نطاق النقل لكثرتها، وعندها نذكر أعدادها في موقعها من هذا الباب وبالتحديد في الفصل الثقافي، حيث خصصنا فصلا خاصاً بلمؤلفات الكربلائية. لكثرتها

9ـ هناك من الاعلام من ترجم العلماء والفضلاء ولم يفصحوا عن مكان تواجدهم في العراق، بل ذكروا بأنهم جاوروا العتبات المقدسة التي في العراق، وبعد التحقيق تبين أنه في الاعم الأغلب عندما عندما يكون الطرف قد جارو الحائر يذكرونه بهذه الصيغة، كما أن أحد الاعلام قام بترجمة من هو بلده بطناب، ولكنه لما بترجم عن غيرة فانه يوجز، وحاولنا في هذا الموقع بالذات أن لا نقتدي بهم، والله المسدد للصواب.

(14)

        10ـ حاولنا أن نورد في هذا الفصل كل من له ارتباط بالمجال الحوزوي من الفقهاء والأصولين وأهل الدراية والرجال، لأننا أعددنا للخطباء والأطباء والشعراء وسائر الطبقات الأخرى فصولا خاصة بهم، وقد يجد القارئء ترجمة شخٍص في فصلين، لانه قد يكون علماً فيهما.

(15)

 

(16)

 

 

المقدمة

لقد سبق وذكرنا في مقدمة هذا الباب، أعني أضواء على مدينة الحسين- كربلاء المقدسة- والتقسيمات الموضوعية التي بنيت عليها حضارة هذه المدينة المقدسة، وكان منها الحركة العلمية فيها منذ نشاتها فيها والى يومنا هذا، ولأجل أن يتضح الأمر فان اختيارنا لهذا العوان ربما كان هو الأفضل في هذا المجال حيث أن المقطع الثاني يرتبط بالعلم، والعلم كما هو معروف هو معرفة ما هو مجهول، وإدراك الشيء بحقيقته، ومن المعلوم أن الوصول الى ذلك بحاجة الى التعليم، أي كسب العلم والمعرفة، وهذا يتم في أبسط أنواعه والذي يتمثل بالمعلم والمتعلم، وهناك طرق أخرى أعقدها الالهام من قبل الله والذي قد يدخلنا لالى العلم الانسان بفطرته يتعلم من التجارب التي تمر به أو من المحاولات التجريبية، وقد يصل الى أمورلها أهميتها، وهكذا تتم المعرفة بالامور ومسبباتها، وتحصيل العلم الكسبي هو مدار البحث هنا، وأما اختيارنا للجزء الاول من العنوان فان الحركة تطلق على ما نياقض السكون، فالتعليم والتعلم بحاجة الى حركتين الحركة الفكرية والحركة البدنية، فالأولى لأجل كسب العلم ودراسته واستيعاب المعرفة التي يتلقاها، والثانية بحاجة الى الذهاب والتردد على الاستاذ ليأخذ منه ما قد كسبه من أساتذته ومعلمية ضمن حركة تسلسلية، ومن الطبيعي أن الحركة العلمية هي من وراء المناقشات العلمية، فالنهضة العلمية إنما تتم بالحركة والعمل الدؤوب على رفع سقف المعرفة والتطلع الى المزيد ليصل الى مستوى رفيع ولاينال ذلك الا بالمثابرة مع عامل الاخلاص، والتوجه الى الذي علم الانسان بالقلم وأمر بالقراءة فجعل ما يشبه الملازمة بين القلم والقرطاس، وبين القراءة والالقاء، فهذا هو المقصود من الحركة العلمية فيه هذه الحلقة من

(17)

حلقات الحضارة التي اكتسبتها هذا المدينة المقدسة منذ أن حط الامام الحسين ع رحاله عليها وامتزجت دماؤه الطاهرة بتربتها العطرة، فنبغ فيها علماء جاوروا هذا المرقد الشريف، استلهموا من أريجها عبقاً، حيث لاشك أن هذه المشاهد مشرقة، ولها إشعاعات تبث العلم والمعرفة الى جانب التقوى والايمان في القلوب والنفوس التي تجاورها، بل موجبة للتوفيق الأكثر إن وضع على الصراط المستقيم، وأخذ بالمعايير الاسلامية في مسالة التعلم والتعليم، والذي وضع أئمتنا الكرام موازين دقيقة تساعد المعلم والمتعلم على كسب العلم والمعرفة حيث نجد الفرق بين من التزم بها ومن لم يلتزم بها.

        وفي هذا المقطع سنتحدث عن تاريخ هذه الحركة وعن المدارس التي أنشئت لأجل ذلك، وعن المناهج الدراسية، وعن العلماء الذثين مارسوا العلم على هذه الأرض المقدسة، الى غيرها من أمور ترتبط بهذا العنوان.

        ومما يجب الاشارة اليه أن المجمع العلمية الذي يعبر عنه اليوم بالجامعة كان يعبر عنه في المصطلحات القديمة بالحوزة، وتعني الحوزة المجمع الذي تتداول فيه العلوم وتدرس فيه المعارف بما فيها المدرس والدارس والمدارس. والحوزة من الناحية اللغوية هو المكان الذي يقع أو المدرسة أو الصحن الشريف ويتجمع حوله تلامذته لطلب العلم وكا منهم يشغل مكاناً لأجل الدراسة، فالحيازة هي مصدر هذا العمل الذي يحجزه الطالب لاجل التعلم، ومن هنا عرفة كل تجمعات بالحوزة، والحوزة عادة لا تطلق على مدرسة واحدة أو مجمع واحد بل على مجموعة من المدارس والحلقات الدراسية، وقد شاع خطا في بعض المصطلحات حوزة فلان أو علان، بل الصحيح أن بنسب الى المدينة فيقال حوزة النجف الأشرف وحوزة قم المشرفة وحوزة كربلاء المقدسة.

إذا ً فالحوزة لغوياً هي الناحية التي يضمها المرء اليه ويحصل عليها، ولكن في المصطلح الامامي لدى الدارسين والمتعلمين هي المؤسسات التعليمية مجموعة، والتي تدس فيها العلوم العربية والاسلامية. وحتى نكون أكثر دقة فأن هذه الحوزات في العهود السابقة وقبل أن تنتشر

(18)

المدارس الحديثة والجامعات والتي كانت أروقتها ومدارسها تضم أساتذة وطلاباً في شتى العلوم العربية والسلامية والطبيعة والتاريخية والجغرافية والفلكية والرياضية والطب والصيدلية والفيزياء والكيمياء اِلى غيرها(1) من العلوم الغربية والقديمة والتي كانت بمثابة جامعات حضارية تضم عدداً من الكليات والمعاهد تدرس فيها جميع مناحي المعرفة اِلا أن دورها انحسر   مع الأسف بعد أن حط قدم الاحتلال على هذه الاراضي المقدسة. وكان المسلمون الشيعة أينما تواجدوا انشأوا معاهدهم العلمية، واِن كان للعتبات المقدسة حصة الاسد في ذلك لان الفئدة تهوي اليها ويكون حجمها عادة أكبر واوسع ولكن هذا لا يعد شرطا كما هو الحال في حوزة الحلة التي كانت لفترة من الفترات تضم مئات بل الوف من رجال العلم وأهل  المعرفة، وفي الغالب أن مقومات الحوزة أينما تواجدت أنشئت أو تطورت لتكون جامعة كبيرة وجامعة، ومن تلك المؤهلات مايلي:

1- الوضع الأمني: فان الحوزة بما فيها من تعليم وتدريس ومناقشة للمعارف والعلوم فاِنها لابد أن تكون بعيدةً عن الفوضى  الأمنية والحروب وألا فمن الصعب أن يتحقق المطلوب. ومن هنا نجد أن كل الحوزات انحسر دورها في قبال حوزات أخرى تأسست من جديد أو توسعت بمقتضى الوضع الأمني.

2- الوضع الصحي: كانت المجتمعات القديمة يصيبها المرض المعدي بسسب عدم وجود مضادات الأمراض التي تولُدها الحروب او البيئة الحاضنة للجراثيم الناقلة للعدوى، فكان المرض يشيع وينتشر سريعاً كالنار في الهشيم فيكون عدد الضحايا كبيراً، وكان طلاب العلم والمعرفة أقل ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ومن ذلكم على سبيل المثال لا الحصر فإن السيد أحمد بن إبراهيم الكربلائي المتوفى سنة 1332هــ (1914م) كان قد تخصص بالعرفان، والشيخ حسن خان القاجاري الحائري المتوفى سنة 1355هــ (1936م)، قد تخصص بالعلوم الغريبة والجفر والرمل والمثلثات، والشيخ حسن يوسف الكشميري الحائري المتوفى سنة 1345هــ (1926م) الذي تخصص هو الأخر بالعلوم الغربية والجفر والرمل والمثلثات والرياضيات، والسيد علي بن محد الحائري المرعشي المتوفى سنة 1318هــ (1900م) قد تخصص بالحكمة والطب وله كتاب في الطب، وأخرون بالجغرافيا والفلك والتاريخ والكيمياء والفيزياء وهكذا وهلمجرا.

(19)

يمكنهم فعله لكي يقاوموا هذا المرض آنذاك بأن يهاجروا من حوزة الى أخرى فتضعف هذه على حساب نقوية أخرى.

        3ـ الوضع المادي: هناك أنظمة مختلفة في العالم لتأمين حاجيات الطلاب والمدرسين وكان في القرون السابقة لا توجد جهة تؤمن مصاريف الأستاذ والتلميذ في أدنى مستويات العيش لأن الجهات الرسمية في الغالب كانت من طوائف أخرى فليست لها رغبة في دعم الحوازات الإمامية، فكان ذوي الاستاذ والتلميذ هم الذين يؤمنون هذه المصاريف وبشكل مضن، وهناك من لم يكن أهله قادرين على تأمين ذلك يضطر الطالب والأستاذ أن يؤمن حاديتاته بلعمل تاركا التداول العلمي في ساعات من النهار ليتمكن من الحصول على قوته، وفي كثير من الاحيان كان الأستاذ يأخذ المال من الطلاب للقيام بتدريس مادة علمية ليمن عيشه، فكان العبء الأكبر يقع على الطالب.

        4ـ الوضع العلمي: قد يتجذر العالم والمجتهد في بقعة من بقاع العالم ويستقر فيها، ومن هنا فإنه بوجوده في مقره يتوافد اليه الطلاب من كل نحاء العالم للحصول على ما يتفرد به هذا العالم أو ذاك، فمن هنا نجد أن الطالب ينتقل من حاضره الى أخرى لكسب العلم لوجود تلك الشخصية العلمية المرموقة هناك.

(20)

تاريخ الحوازات العلمي

        إن تاريخ الحاضرة العلمية قديم، فنجدها قبل الاسلام في الدول المتحضرة وفي الحضارات السابقة على الاسلام إلا أن الحاضرة العلمية الاسلامية بدات من عهد الرسول ص، ومن المدينة المنورة تحديداً، ومن مسجده ص بالذات حيث كان يلقي محاضراته على إصحابه، ومن هنا يعد من الهجرة (24/9/622م) منشأ هذ الحوازات الامامية والتي استمرت بعد وفاته ص في 28/2/11هـ (25/5/632م)، وحتى لايتكرر الحديث عن تاريخ هذه الحضرات الاسلامية بشكل عام ومواقعها وتاريخها وتوسعها حيث قمنا بدراستها بشيء من التفضيل مع التركيز على جوانب مختلفة لهذه الحواضر العلمية في الجزأين الثاني والثالث من « الحسين والتشريع الاسلامي» نشير هنا الى رؤوس نقاط ممن تلك وهي تجدها في التالي:

        أولاً: الجزيرة العربية والتي تمثل في كل من:

        1ـ المدينة المنورة.

        2ـ مكة المكرمة.

        3ـ يمن الحكمة(1).

        4ـ البحرين الكبرى(2).

        وقد تحدثنا عن ذلك عبر عهود مختلفة تبدأ بعهد الرسول ص وعهد الراشدين، ثم عصر بني أمية، وهنا تطرقنا الى عهد الأئمة علي والحسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في حديث مسلم والبخاري: الإيمان يمان الفقه يما ن والحكمة يمانية.

(2) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 2/ 303ـ327.

(21)

 والحسين والسجاد عليهم السلام كمرحلة أولى ثم في المرحلة الثانية تحدثنا عن عهد الصادقين الباقرين عليهما السلام(1).

        وفي عصر بني العباس تحدثنا عن عهد الأئمة الكاظم والرضا والجواد والهادي عليهم السلام كل ذلك في حاضرة المدينة المنورة(2).

        وفي حاضرة مكة المكرمة تحدثنا عن جميع أدوارها حيث كانت الحاضرة الثانية بعد المدينة المنورة من حيث القوة العلمية التي كانت تحظى بها هذه المدينة المكرمة(3).

        وأمأ حاضرة اليمن العلمية فقد تحدثنا بكل ما لدينا من معلومات حول تاريخها وشخصياتها العلمية ومدارسها(4).

        وفي حاضرة البحرين الكبرى هي الأخرى التي كانت حاضرة من حواضر العلم في شبه الجزيرة العربية وقد أوجزنا الحديث عنها كما هو الحال عن اليمن(5)

        ثم انتقلنا الى القطر العراقي، وهناك تحدثنا عن حاضرة الكوفة في العصرين الأموي والعباسي وعن الصادقين عليهم السلام ثم البصرة والعصماء وكربلاء المقدسة وبغداد الحضارة والكاظمية المشرفة والنجف الأشرف والحلة الفيحاء ثم سامراء المشرفة(6).

        ومن ثم انتقلنا الى بلاد السام الكبرى وحواضرها دمشق وحلب وطرابلس والقدس وجبل عامل وبعلبك بما لدينا من معلومات هامة بشأن هذه الحواضر(7).

        ومن بعدها جاء الحديث عن شمال أفريقيا ومحطاتها القاهرة (الأزهر)

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/ 9ـ40.

(2) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/ 41ـ 81.

(3) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/ 82ـ 88.

(4) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/89ـ 98.

(5) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/ 99ـ 103.

(6) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/104ـ 249.

(7) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/250ـ 319.

(22)

 وتونس (الزيتونة) والمغرب (القرويون) والأندلس وقرطبة، وتحدثنا في هذه المحطات وما سبقها عن الدور الكبير والبارز للامامية فيها(1).

        ثم جاء دور حواضر إيران وما وراءها تحت عناوين متعددة: الري وقم المقدسة وقزوين وإصفهان وخراسان ونيسابور ثم ما وراء إيران(2).

        ومن هذا السرد الاجمالي يتضح لنا أمران، الأول أن الحوازات والحواضر العلمية بنتقل من مكان الى آخر حسب الأنسب في تلك الفترة، والثاني أن هذه الحواضر اتسعت حسب اتساع الرقعة الجغرافية لدولة الإسلام.

        هناك مصطلحات ثلاث تستخدم في هذا المبحث منها الحاضرة ومنها الحوزة ومنها الجامعة، وهذه المصطلحات استخدمت من قبل جهات علمية لها تخصصات بداراسة هذه المدن التي أقيمت فيها المؤسسات العلمية والنشاطات المعرفية.

        فالحاضرة: جذرها من حضر والحضور والتي تعني التواجد في المكان او المجلس وتطلق لغويا على المدينة الكبيرة بل المدينة ذات الحضارة بعيداً عن البدوية، وبما أنها تكون ملتقى العلم والعلماء والحضارات والمعارف فلذلك وصفت بها.

        والحوزة: قد أسلفنا عنها أنها مأخوذة من الحيازة للمكان حيث طلاب العلوم كانوا يتسابقون الى حلقات الدرس ويلقون رحالهم في المكان المناسب لهم ليكون تحت حيازتهم.

        والجامعة: مصطلح جديد مأخوذ من الجمع والتجمع لأن رواد المعرفة يتوجهون اليها لطلب العلم ولأن لها فروعاً مختلفة حسب العلوم والمعارف والتي توزع على الكليات التي هي معاهد تختص بعلم من العلوم أو فن من الفنون، والجامعة تجمع كلها، ومن هنا سمنت الجامعة جامعة لانها المؤسسة التي تنضوي فيها هذه الكليات، وحكم الكليات في المصطلح القديم هو حكم المدارس التي تنشأ في الحوازات العلمية وحكم الحوزات هو حكم الجامعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/320ـ354.

(2) راجع الحسين والتشريع الاسلامي: 3/355ـ 415.

(23)

 

 

(24)