موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

 

الحوائج وأن لا يطأ بها محترماً كالمصحف والطعام، وأن لا يمشي بها إلى محرم، وأن يستعملها في المشي إلى الطاعات كزيارة وتشيع جنازة أو تحصيل علم نافع في الدين واستماع المواعظ وتذكار الحسين «عليه السلام» وأن لا يطأ بها نجساً لا متنجساً يبطل العبادة ولا يضعها على بدن أمرأة غير محللة له وأن يعتمد عليها في القيام للصلاة وأن يمكن إبهامه وركبته في الأرض عند سجوده وغير ذلك.

                وتكليف الرأس من نوع العبادة أن يكشفه في الإحرام بالحج وأن يحلق شعره عند رمي الجمار وأن لا يغمسه في الماء عند الصوم وأن يغمسه أو يغسله في الأغتسال بمحلل غير محرم لذاته أو النجاسة كالخمر والنجاسات ولا مضاف كماء الورد ولا مغصوب وأن لا يحمل عليه محرماً كالسكر وأن لا يغطي بمحرم لنوعه كالحرير أو لعارض كالمغصوب وأمثالها.

                تكليف الفم من نوع العبادة أن لا يذوق محرماً لذاته كالخمر أو لعارض كالمغصوب، وأن لا يلثم محرماً كالمرأة الأجنبية ولا وثناً ولا يد طاغوت ومتجبر ولا يد خارج عن دين الإسلام، وفي الخبر المسموع: يد لا تشفع تقطع، نظمه ابن الوردي في لاميته:

أنا لا أختار تقبيل يد            قطعها أفضل من تلك القبل

                ومن تكليف الفم تقبيل الحجر الأسعد ولثم الأعتاب المقدسة وضرائح آل محمد (ص) والأيدي المكرمة وأن لا يدخل فيه ضاراً كالسموم أو مستقبحاً كالروائح الكريهة وأمثالها.

                تكليف الظهر من نوع العبادة أن ينحني في الركوع وينتصب في القيام ويستوي وأن لا يحمل عليه ما حرمه الشرع أصالة كالمسكر وعرضاً كالمغصوب والمسروق وأن لا يضعه على محرم وأن لا يتكئ على مغصوب أو محرم لذاته، وأن لا يكون الظهر للقبلة وقت الفريضة، ولا يجعله إلى الكعبة وضريح النبي والإمام المعصوم، وأن لا يغسله في الأغسال بمحرم أصلياً كان كالخمر أو عرضياً كالمغصوب أو محللاً مضافاً كماء الورد وماء الحناء مثلاً وشبه ذلك.

                تكليف البطن من نوع العبادة أن لا يجعلها وعاء المحرمات، ولا يملأها من الخبائث، وأن لا يدخل فيها إلا المحلل، وأن لا يمتلى من المحلل فقد ورد النهي عن البطنة والأمتلاء، وأن لا يلصقها على محرم، ولا يغسلها بما ذكرنا سابقاً.

(313)

                تكليف الفرج من نوع العبادة أن لا يفعل محرماً كالزنا واللواط والاستمناء، وأن لا يسلطه إلا على محلل وقد أكدت الشريعة الغراء ذل وورد به نص القرآن ولعلك بهذا تكتفي ويصح لك قياس ما بقي بما ذكرنا.

عبادة العباس ابن أمير المؤمنين «عليهما السلام»

                عبادة أبي الفضل العباس «عليه السلام» قد كانت بجميع أعضائه:

                فلسانه عبد الله بالذكر والشكر والدعاء والأستغفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاية إلى إمامة إمامه وأخيه الحسين «عليه السلام».

                أم جبهته فقد أثر بها السجود.

                وأما عينه فقد نبت بها السهم في الجهاد دون إمامه.

                وأما يداه فقطعتها من الزند بعد أن عبد بها الله تعالى أنواعاً من العبادة جاهد بها الأشرار ورفعها في الأذكار وبسطها في العطاء والسجود والركوع وغير ذلك.

                وأما رأسه فقد فضخت هامته بعامود الحديد.

                واما رجلاه فقد قام بها في كل عبادة وسعى بها إلى كل خير ومشى بها إلى الجهاد وحمل الماء لعطاشى آل محمد عبادة عبد بها أنه جعل يفحص بهما حين سقط على شاطئ العلقمي مفضوخ إلهامه  مقطوع اليدين.

                وأما وجهه الكريم فقد سالت عليه الدماء في سبيل الله وسال عليه مخ اليافوخ المفضوخ.

                وأما صدره الشريف فقد وزعته الأسنة والسيوف والنبال المحددة وهكذا سبيل سائر أعضائه حتى جاء في وصفه إنه إذا حمل منه جانب سقط الآخر لكثرة ضرب السيوف وطعن الرماح.

                وأما عبادته بالمعنى المصطلح وهو كثرة الصلاة حتى يحصل من الإكثار منها أثر في أعضاء السجود فذاك أمر معروف نص عليه العلماء.

                قال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين(1): قال المدائني: حدثني أبو غسان، عن هارون بن سعد، عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه وكنت أعرفه جميلاً شديد البياض، فقلت له: ما

(1) مقاتل الطالبيين: ص45.

(314)

كدت أعرفك، قال: إني قتلت شاباً أمرداً مع الحسين بين عينيه أثر السجود فما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني فيأخذ بتلبابي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها فأصيح فما يبقى أحد في الحي إلا سمع صياحي، قال: والمقتول العباس بن علي «عليهما السلام»، إنتهى.

                وهذا حديث مشهور رواه عامة أهل المقاتل وهنا أستراب السيد المعاصر السيد جعفر بحر العلوم في كتابه (تحفة العالم) بأن هذا الحديث لا يصح في العباس الأكبر لقوله (غلام أمرد) ويصح في العباس الأصغر وهذا وجه وجيه لو كانت الرواية عند جميع من رواها كذلك، ففي كلام سبط ابن الجوزي في التذكرة(1) موافقة لما في المقاتل قال: عن القاسم بن الأصبغ المجاشعي قال: لما أتي بالرؤوس إلى الكوفة إذا بفارس أحسن الناس وجهاً قد علق في لبب فرسه رأس غلام أمرد كأنه القمر ليلة تمه والفرس يمرح فإذا طأطأ راسه لحق الرأس بالأرض، فقلت له: رأس من هذا؟ فقال: رأس العباس بن علي، فقلت: ومن أنت؟ قال: حرملة بن الكاهن الأسدي.

                قال: فلبثت أياماً  وإذا بحرملة ووجهه أشد سواداً من القار فقلت له: رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب انظر وجهاً منك وما أرى اليوم لا أقبح ولا أسود وجهاً منك! فبكى وقال: والله منذ حملت الرأس إلى اليوم ما تمر بي ليلة إلا وثنان يأخذان بضبعي ثم ينتهيان بي إلى نار تأجج فيدفعاني فيها وأنا أنكص فتسفعني كما ترى، ثم مات على أقبح حال، إنتهى.

                وأما من رواها ولم يعبر بأمرد بل قال: رجل فمنهم الصدوق القمي (رحمه الله) ونقلها عنه الفاضل المجلسي (رحمه الله) في البحار(2) ونصها للصدوق في ثواب الأعمال(3): عن القاسم بن الأصبغ قال: قدم علينا رجل من بني دارم ممن شهد قتل الحسين «عليه السلام» مسود الوجه وكان رجلاً جميلاً شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفك لتغير لونك، فقال: قتلت رجلاً من أصحاب الحسني أبيض بين عينيه أثر السجود وجئت برأسه، قال القاسم: لقد رأيته على فرس له وقد علق الرأس بلبانها وهو يصيب ركبتها، قال: فقلت لأبي: لو أنه رقع الرأس قليلاً أما ترى ما تصنع به الفرس بيديها؟ فقال: يابني! ما يصنع به أشد لقد حدثني فقال: ما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني في منامي حتى يأخذ بضبعي فيقودني فيقول:

(1) تذكرة الخواص: ص159.                                       (2) بحار الأنوار 10/ 270.

(3) ثواب الأعمال: ص11.

(315)

انطلق فينطلق بي إلى جهنم فيقذف بي فيها حتى أصبح، قال: فسمعت بذلك جارة له فقالت: ما يدعنا ننام شيئاً من الليل من صياحه، قال: فقمت في شباب من الحي فأتينا أمرأته فسألناها فقالت: قد أبدى على نفسه وقد صدقكم، إنتهى.

                والصدوق معتمد وإذا كانت القاعدة الأصولية هي حمل المطلق على المقيد فإنها تعارضها قاعدة الأصل عدم الزيادة على أن رواية الصدوق مقيدة أيضاً برجل والأمرد في الحديث الأصبهاني وسبط لعله وهم من الراوي فإن أبا الفرج وسبط لا يثبتان عباساً أصغر وعمر الأكبر عندهما سنة 34 سنة فوافق حديث الصدوق وبقي الوهم من المحدث عن القاسم بن  الأصبغ ومن المحتمل القوي أن القاسم قال عن نفسه: رأيته وأنا أمرد فظن الراوي أن المقتول كان أمرد، على أنه من الغريب حمل الغلام على عادة العرب من إطلاقه على الكهل كما قال النابغة الذبياني للحارث بن أبي شمر ملك غسان:

هذا غلام حسن وجهه                        مقتبل العمر سريع التمام

                وقالت ليلى الأخيلية في مرثية توبة بن الحمير الخفاجي عشيقها:

غلامان كانا استوردا كل سورة         من المجد ثم استوسقا في المصادر

                وهذا كثير في كلام أهل اللسان، وأما توصيفه بالأمرد فليس بعزيز في كلامهم لضرب من التجوز فقد يطلقون الأمر على الملتحي إذا لم يبلغ سن الكهولة كما في قصة عين أباغ وأرسل المنذر الأكبر ملك الحيرة إلى الحارث الأكبر ملك غسان أعددت لك الكهول على الفحول، فأجابه الحارث: أعددت لك المرد على الجرد، وليس المراد من المرد الذين لا شعر في وجوههم بل هم الذين لم يتجاوزوا سن الكهولة وهم في الدرجة القصوى من النشاط والقوة فإذا أريد بالأمرد الخالي من الشعر أحتاج إلى قيد فيقال أمرد أجدر كما في حديث: أهل الجنة مرد جرد، أو يقال: أمرد لا نبات بعارضه، فالأمرد يستعمل فيمن أنبت من الرجال مجازاً وكلام العرب مبني على التوسعة.

                أما الدلالة على عبادة العباس «عليه السلام» على جهة العموم فقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد في أخبار الليلة العاشرة من المحرم أن الحسين «عليه السلام» قام ليله كله يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرع، وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون.

                وقال الطبري عن الضحاك المشرقي: فلما أمسى الحسين «عليه السلام» وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون.

(316)

                وقال السيد ابن طاوس (رحمه الله) في الملهوف: وبات الحسين «عليه السلام» وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل بين راكع وساجد وقائم وقاعد الخ، وكل هذه تدل بعمومها على عبادة أبي الفضل.

                للمؤلف:

سيماء عباس الشهيد بوجهه                سيما أبيه الخير والأسلاف

أثر السجود بجبهة ابن المرتضى         عنوان تقواه بغير خلاف

من معشر سيماهم بوجوههم             غر محجلة من الأشراف

ولهم على الأعراف أكرم موقف        يتوسمون دلائل الأوصاف

طوبى لمن عرفوا وويل دائم              للمنكرين من العذاب الضافي

فعلى الصراط لنا النجاة بحبهم          ولدى الحساب ومشهد الأعراف

(317)

بصيرة العباس الأكبر «عليه السلام»

                البصيرة في الدين تلازم قوة الإيمان ملازمة حقيقة لا تنفك عنها لأن الإيمان له مراتب فأدناها مرتبة التصديق بما جاء به النبي (ص) مع عدم رسوخه في النفس ويطلق عليه الإيمان الضعيف ولذلك إذا حصل له أقل شيء يزعزع عقيدته وهذا لا يوصف بالبصيرة في الدين لأنه إلى الأرتياب أقرب من الاعتقاد الصحيح وقد حكى الله تعالى عنهم ذلك عند الامتحان بالأحزاب في قوله: (وإذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)(1) فالذين في قلوبهم مرض أهل الإيمان الضعيف ولهذا قابلهم بالمنافقين الذين لا إيمان لهم فلما ضربوا بالبلاء تزلزل اعتقادهم وقالوا بمقالة أهل النفاق.

                وقال تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خيراطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه)(2) الآية، وهذا الحرف من الإيمان وهو الطرف والجهة الواحدة وهي جهة الرخاء فقط وأما سائر الجهات وهي جهات الأبتلاء والتمحيص فلا يشك معها ويزوول إيمانه ويصبح كما قال الله تعالى: (خسر الدنيا والأخرة) والمتبصر في دينه تام الإيمان من جميع جهاته فكلما زاد البلاء وأشتدت المحنة يزداد ثباتاً كما قال تعالى: (وما زادهم إلا إيمنا وتسليما)(3).

                فأعلى مرتبة التصديق هو التسليم لكل ما جاء من قبل الله وذلك عند رسوخ العقيدة في النفس فلذلك لا يتزعزع من كل شيء يضطرب منه ضعيف الإيمان ولا يرتاب ولا يشك ولا يتزلزل ولو تظافرت المحن كما قال المقداد بن عمرو لرسول الله (ص): لو ضربونا – يعني قريشاً- حتى يبلغونا بنا برك الغماد لعلمنا أنا على حق وهم على باطل.

                وكما قال أبو اليقظان عمار بن ياسر يوم صفين: لو ضربونا – يعني أهل الشام – حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا إنا على حق وهم على باطل.

                ويسمى صاحب هذا الاعتقاد قوي الإيمان وصلب الإيمان ونافذ البصيرة ومتبصراً في دينه وما شاكل هذا، وهذه المرتبة العليا من الإيمان لأن مراتب

(1) الأحزاب: 12.                           (2) الحج: 11.

(3) الأحزاب: 22.

(318)

الإيمان الراسخ تتفاوت شدة وضعفاً وإن كان أضعفها قوياً متمكناً فتكون في بعض الأشخاص أقوى منها في البعض الآخر مع أشتراكهم جميعاً في قوة الإيمان ورسوخ العقيدة ونفوذ البصيرة نظير أشتراك أفراد الأبيض مع البياض مع تفاوتها في الشدة والضعف وقد جاء في الحديث عن أهل البيت «عليهم السلام»: الإيمان عشر درجات، والمراد بهذا التفاوت إنما هو بالشدة والضعف في المرتبة العالية من الإيمان والتي ليست فوقها إلا درجة اليقين وهي التي لا يصل إليها إلا من كشف له الحجاب وهي مرتبة النبي (ص) وسائر الأنبياء ومرتبة أهل العصمة من الأئمة الطاهرين «عليهم السلام» وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً، وهذه المرتبة لا يرومها أحد من أهل التوحيد وإن رامها لم يصل إليها فالواصل إليها إما نبي أو وصي نبي.

                وحيث أن الإيمان يحتاج كشف حقيقته وبيان ما هو إلى مصنف  ضخم لطول الكلام فيه وأختلاف الأفوال والآراء تركنا ذلك وأوردنا أبحاثاً لا بد منها توضح للقارئ حقيقة الإيمان ومعناه لغة وأصطلاحاً، ومعرفته على الدقة الحكمية تركناه للمطولات.

معنى الإيمان لغة

                هو التصديق المجرد، حكى الله عن أولاد يعقوب بقوله: (وما أنت بمؤمن لنا)(1) يعني بمصدق، ومن أسماء الله تعالى المؤمن لأنه يصدق أنبيائه بإظهار المعجز على أيديهم في دعوى النبوة.

                قال في القاموس: آمن إيماناً صدق والإيمان الثقة وإظهار الخشوع وقبول الشريعة، إنتهى.

                هذا قد ذكر المعنى اللغوي والشرعي، قال السيوطي في المزهر(2): عن ابن فارس: فكان مما جاء في الإسلام المؤمن والمسلم والكافر والمنافق وإن العرب إنما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان وهو التصديق ثم زادت الشريعة شرائطاً وأوصافاً بها سمي المؤمن بالإطلاق مؤمناً الخ.

                قال الشريف الجرحاني في التعريفات(3): الإيمان في اللغة التصديق بالقلب.

(1) يوسف: 17.               (2) المزهر 1/ 173.

(3)  التعريفات: ص37.

(319)

معنى الإيمان شرعاً

                في تحقيق معناه الشرعي غموض لكثرة الأختلاف فيه لكن القدر الجامع لجميع الأقوال التي نورد بعضها أن الإيمان هو التصديق الخاص يعني تصديق الأنبياء بجميع ما جاؤوا به من عند الله تعالى وتصديق العقل بأن للخلق خالقاً وهو الله تعالى وإنه واحد عادل حكيم قادر الخ، فهذا هو الإيمان الجامع لبعض التفاصيل التي سنورد بعضها.

                فقال الشريف الجرجاني في التعريفات عقيب ما تقدم: الإيمان في الشرع هو الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، قيل: من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق، ومن شهد ولم يعمل وأعتقد فهو فاسق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر، إنتهى.

                قال الفاضل النراقي (رحمه الله) في مشكلات العلوم(1): اختلفوا في حقيقة الإيمان في أنه من العقائد العقلية لا مدخلية للعمل الصالح في مفهومه ومنشأ ظواهر الكتاب وأخبار الحجج الأطياب فنقول: الإيمان لغة مطلق التصديق وشرعاً التصديق بالله سبحانه وتعالى والرسول فيما جاء به من الله الذي هو مفاد كلمتي الشاهدتين ولازم تصديق النبوة والأعتراف بجميع ما جاء به النبي (ص) من أحوال المبدأ والمعاد والأحكام وغيرها فإن إنكارها يرجع إلى إنكار النبي (ص) وإنكار ما ثبت عنه بالضرورة ينبئ عن إنكار النبي واختلفوا في أن الأعمال الصالحة جزاءاً له كما عن المعتزلة وجماعة من الإمامية بل ربما قيل إنه مجرد الطاعات ولعل مراده ما يشمل الطاعة القلبية من المعرفة أم لا كما عليه أكثر الأصحاب واختلف في ذلك ظواهر الآيات والأخبار، فمن الآيات ما يدل على المغايرة كقوله سبحانه: (الذين ءامنوا وعملوا الصلحت)(2) الخ، وذكر آيات كثيرة وأحاديثاً كذلك وهو مطول.

                والذي يتحصل من ملاحظة المجموع هو الاعتقاد الصحيح بعامة الأقوال الأصلية والفرعية إعتقاداً مطابقاً للعمل فلوا أخل بالعمل مع اعتقاده بصحته وأفتراضه فهو مؤمن عاصي ولهذا قال العلماء في تارك الفرائض: إن تركها لا عن جحود وإنكار يعني يعتقد بوجوبها ولكن تركها تكاسلاً أو تشاغلاً فهو مؤمن ويلزم بأدائها ويعزر على الترك وإن تركها جحوداً وإنكاراً لوجوبها فهو كافر مهدور الدم يستناب فإن تاب وإلا قتل وهذا الكفر  هو كفر الجحود ويفارق الكفر الأصلي بالتلفظ بالشهادتين.

(1) مشكلات العلوم: ص301.                                    (2) البقرة: 25.

(320)

                وأما الإقرار القلبي إذا لم يكن مطابقاً للعمل فلا أثر له إذ تعرف صحة الاعتقاد بالمطابقة للظواهر فإن الظاهر كواشف عن الأسرار القلبية فنفس الاعتقاد من الأمور اللبية التي ترسم على لوح القلب ولا يحكم عليها بنفي ولا إثبات حتى تتلبس بقوالبها الحسيية ولهذا قال النبي (ص) لأسامة يوبخه على قتل مظهر الشهادتين وقد أعتذر أسامة أنه قالها تعوذاً من السيف«هل شققت عن قلبه» ومعناها أن الظاهر هو الكاشف عن الاعتقاد وعليه يترتب أثر الحكم وما في نفس الأمر لا يعلمه إلا الله فلا يناط به حكم لأنه لا سبيل إليه.

                وأما قوله تعالى: (فقتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمن لهم)(1) ليس معناه سلب حقيقة الاعتقاد القلبي والأقرار اللساني فإن هؤلاء لهم تشبث ضعيف بالإيمان لكن هذا الايمان ليس من الإيمان الحقيقي الذي هو العمل بأحكام الله تعالى وإقامة مراسم شرعه فقاتلوهم على تركهم الأحكام ومخالفتهم الشرع فقاتلوهم حتى يدينوا بها ويرجعوا إلى الاعتقاد الصحيح في تنفيذ ما أمر به ونهى عنه وبذلك تحقن الدماء وتحفظ الأموال وتقام مراسم الملة وشعائر الإسلام.

حقيقة الإيمان:

              حقيقة الإيمان من الحقائق البسيطة والمفاهيم المفردة وهو الاعتقاد الصحيح لا غير وما عدى ذلك من الأمور فهي من قبيل المصاديق الخارجية.

              قال الفاضل النراقي (رحمه الله) في مشكلات العلوم(2): لا يبعد أن يفسر حقيقة الإيمان بالهيئة النفسانية النورانية والبصيرة القلبية الباعثة على التقوى والطاعة المورثة لحب الله وأوليائه وولاية الأئمة وتلك البصيرة تختلف بالشدة والضعف وسبب حصولها ورسوخها غالباً المواضبة على التفكير في الأيات الآفاقية والأنفسية ومذاكرة آثارة النبوة والإمامة للقلوب الخالية عن الأرجاس الجاهلية والأدناس الدنيوية والوساوس الشيطانية والعلوق في الشهوات الحيوانية المانعة عن ظهور النور الإلهي والرحمة السبحانية فربما يحصل هذا النور والبصيرة للعوالم المنحطين عن درجة العلم والأستدلال العلمي ما يحصل للحكيم الفلسفي والمتكلم الأوحدي مع تدبرهم وتماديهم في العلوم الرسمية والأستدلالات الدقيقة لرعايتهم آداب الشريعة ومواظبتهم لخلوص النية كما هو المعهود من طريقة النبي (ص) في هداية المؤلفين لقلوبهم وتلك البصيرة حيث حصلت تزداد بالأعمال

(1) التوبة: 12.                                (2) مشكلات العلوم: ص372.

(321)

الصالحة كما ورد في الأخبار المستفيضة كقوله «عليه السلام»: العلم والعمل متوارثان.

              وكيف كان فأدنى مراتب الإيمان وأقربها إلى الكفر عدم المبالاة بالمعاصي وترك الفرائض وارتكاب الكبائر الموجبة للفسق جداً إن لم يبلغ مبلغ المخالفة الكلية في أصول الإسلام التي بني عليها ولا ناشئاً عن الأستخفاف المنافي للعقيدة القلبية بل لغلبة الهوى والركون إلى الدنيا وأتباع الشهوات ومثله مؤمن فاسق إذا لم يفسد عقائده الإيمانية وولايته أهل بيت النبوة ولا يخلد في النار وعاقبته إلى الجنة بعد استيفاء ما يستحق من العقوبة، وفي بعض الأخبار البشارة لموالي أهل البيت «عليهم السلام» بالجنة وإن كان عاقاً لوالديه وشارباً للخمر ومرتكباً لكبائر الذنوب ومنع تسميته فاسقاً بل سمي فعله فسقاً ونفسه طيبة بشرط رسوخ الولاية في قلبه بحيث لا يزول وإن قطعت أعضاؤه ويشير إليه قوله: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستون)(1) حيث جعل الفاسق مقابل المؤمن الخ.

الفرق بين الإسلام والإيمان

              وما بينهما من الرابطة وأيهما المقدم رتبة، رأى جماعة من أرباب المعرفة أتحاد مفهوم الإيمان والإسلام وأختلاف بينهما بحسب إطلاق اللفظ فليس ألتغاير بينهما حقيقاً نظراً إلى ظاهر قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلم)(2) وفسروا الدين بالإيمان، والتحقيق كما هو رأي أكثر المحققين أن الإيمان غير الإسلام والتغاير بينهما حقيقي لا أعتباري كما زعم من ادعاه والإيمان أخص من الإسلام، والإسلام أعم مطلقاً من الإيمان، والأخص غير الأعم، فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمان، والأخص وإن كان بعض أفراد الأعم إلا أنه غيره وإلا لساراه مثال ذلك الحيوان الجامع للإنسان وغيره يباين الإنسان في أكثر الصور كصدقه على الفرس وبها باين الإنسان فيقال: هذا الحيوان ليس بإنسان.

              فالإسلام حقيقة لمن تلفظ بالشهادتين وأظهر كلمتي التوحيد وهما «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله (ص) وعلى الإسلام تترتب أحكام كثيرة منها حرمة دمه وحرمة ماله وجواز دفنه في مقابر أهل الإسلام وسقوط الجرائم التي عملها في الكفر وطهارة سؤره وليس ذلك تنجيس سؤره لأن الإسلام قد طهره فيكون حكمه حكم منافقي زمن رسول الله (ص) فقد كان يساورهم ويساورونه

(1) السجدة: 18.                            (2) آل عمران: 19.

(322)

ويشهدون معه المغازي ولم يقم على قبر واحد منهم ولا أستغفر له بعد أن نزل عليه النهي عن ذلك وهذه أمور معروفة نطق بها القرآن وشرحتها الأحاديث الصحيحة.

أما الإيمان:

              فهو الاعتقاد بكل ما جاء به النبي (ص) من عند الله فمن جحد بعضها فهو غير مؤمن، وعلى صحة الاعتقاد يتضاعف الأجر وتعلو درجاته وتحصل له التكرمة، قال الله تعالى: (ن أكرمكم عند الله أتقكم)(1) وقد قسم رسول الله (ص) في بعض غزواته الغنائم في من أسلم خاصة وترك جماعة المؤمنين إلا رجلين منهم سهل بن حنيف لشدة حاجته، وقال فيمن ترك من المؤمنين أوكلت هؤلاء إلى إيمانهم، فدل أن الإيمان إذا رسخ في القلب لم يرى صاحبه فعل الشارع إلا حكمة ومصلحة فلا يرتاب أرتياب من لم يرسخ الإيمان في عقيدته وهو صاحب الإسلام المجرد كما قال العباس بن مرداس السلمي وقد كان مسلماً غير مؤمن يرد على رسول الله (ص) قسمته الإبل بين عينه بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وكانا مثله ضعيفي الإيمان فزادهما عليه في العطية فسخط ذلك وقال:

أتجعل نهبي ونهب العبيد                   بين عيينه والأقرع

فما كان حصن ولا حابس                 يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون أمرئ منهما                ومن تضع اليوم لم يرفع

              القصة المشهورة فالمؤمن يرضى له وعليه وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه المجيد فبين أن المسلم  سريع الأنقلاب إلى الكفر والمؤمن ثابت على دينه فقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزى الله الشكرين)(2) دلت هذه الأية الشريفة أن أهل الإسلام بمعرض الأرتداد بعد موت النبي (ص) وإنهم ينقلبون إلى الكفر بخلاف أهل الإيمان فإنهم لا يرتدون عن دينهم فهم ثابتون صابرون عليه مع كل فتنة فأستحقوا عند الله الجزاء لصبرهم على دينهم وأعتبر ذلك فيما جاء في الآثار:

              ففي غزوة أحد لما أنكسر أصحاب النبي (ص) وصاح إبليس: قد قتل محمد،

(1) الحجرات: 13.                                        (2) آل عمران: 144

(323)

قال جماعة: ليت لنا من أبي سفيان أماناً، وقال سعد بن الربيع الأنصاري: إن كان محمد (ص) قد مات فإن رب محمد لم يمت ثم جرد سيفه فقاتل حتى قتل، وقال الله تعالى في أمير المؤمنين علي وحمزة وعبيدة: (رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)(1) فأثبت لهم عدم التبديل.

              وقد فرق الله تعالى بين الإسلام والإيمان بقوله: (قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمن في قلوبكم)(2) الآية، وقد ورد الحديث به من طريق أصحابنا عن أئمتنا «عليهم السلام» وهو كثير ومنه ما حدث به ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي(3) عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله جعفر الصادق «عليه السلام»: أخبرني عن الإسلام والإيمان أهم مختلفان؟

              فقال: إن الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان.

              فقلت: فصفهما.

              فقال «عليه السلام»: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله (ص) به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس، والإيمان الهدى وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة لأن الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإن أجتمعا في القول والصفة، إنتهى.

              وفي معناه غيره وهو دليل على ما قلناه من أن الإيمان أخص من الإسلام.

              وعن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر «عليه السلام» قال: سمعته يقول: (قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا)(4) فمن زعم أنهم آمنوا فقد كذب ومن زعم أنهم لم يسلموا فقد كذب، إنتهى.

              وبهذا المضمون كثير من الروايات من طريق أهل البيت وفي معناه أقوال المحققين من أهل السنة، ورووا في تفسير الإيمان روايات كثيرة معناها أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.

              قال أبو حنيفة النعمان أحد أئمة المذاهب في رسالة الفقه الأكبر: الإيمان هو الإقرار والتصديق وإيمان أهل السماء والأرض لا يزيد ولا ينقص من جهة المؤمن به ويزيد وينقص من جهة اليقين والتصديق، والمؤمنون مسئولون في

(1) الأحزاب: 23.                         (2) الحجرات: 14.

(3) أصول الكافي: ص241.        (4) الحجرات: 14.

(324)

الإيمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال، والإسلام هو التسليم والأنقياد لأوامر الله تعالى، فمن طريق اللغة فرق بين الإيمان والإسلام لكن لا يكون إيمان بلا إسلام ولا يوجد إسلام بلا إيمان وهما كالظهر مع البطن، والدين اسم واقع على الإيمان والإسلام والشرائع كلها، إنتهى.

              وفي قوله «لا يوجد إسلام بلا إيمان» رد على الله حيث قال في صفة الأعراب ما سمعت، وعلى رسوله حيث قال «من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله قبلناه وحسابه على الله» فوجود الإسلام بدون الإيمان بديهي.

              ولأحمد بن حنبل كلام مطول مضمونه التفرقة بين الإيمان والإسلام ويحتج بالآية السابقة في الأعراب راجعه في كتاب الصلاة لابن القيم(1)، ويقول فيه: قال أحمد: من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن يريد الزنا والسرقة وشرب الخمر والأنتهاب فهو مسلم ولا أسميه مؤمناً، ومن أتى دون ذلك يريد دون الكبائر سميته مؤمناً ناقص الإيمان.

              وقال الشريف الجرجاني في التعريفات(2): الإسلام هو الخضوع والإنقياد لما أخبر به الرسول، وفي الكشاف: إن كلما يكون الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطئ فيه القلب اللسان فهو إيمان، أقول: هذا مذهب الشافعي، وأما مذهب أبي حنفية فلا فرق بينهما، إنتهى.

              وأما الشيعة فقد قال الفاضل النراقي (رحمه الله) في مشكلات العلوم(3): وأما الإسلام فلا خلاف في أنه أعم من الإيمان ويصدق على مجرد الإقرار باللسان بالشهادتين والعمل بالأركان وإن لم يصدق العمل ثم أورد الآية الشريفة وقال: وصدق المقال في مطاوي الظواهر والنصوص والتتبع في كلمات الفقهاء ولا يبق معه الريب في أن حقيقة الإيمان هي مجرد المعرفة القلبية ويعضده التبادر وعدم صحة السلب والموافقة لمعناه اللغوي ولو بالعموم والخصوص وتفسيره في جملة من النصوص بما يقترن بالعمل بنفس العمل فهو من باب التعريف باللازم فإن الإيمان الواقعي لا ينفك غالباً مطرداً عن العمل بالأركان للإسلام وعد أتباعه مع الإفراط في الكبائر من غير مبالات وعدم التهيؤ للتوبة وما هو إلا كالعالم بالسم يحذر من أكل السم الخ.

              فقد استبان أن الإسلام والإيمان بينهما العموم والخصوص المطلق فكل إيمان إسلام ولا عكس.

(1) الصلاة لابن القيم على مذهب أحمد: ص84 طبع مصر سنة 323.

(2) التعريفات: ص14.                                 (3) مشكلات العلوم: ص301.

(325)

دعائم الإيمان وأركانه

              والدعامة ما يدعم به الشيء ويكون مستنداً عليه وقائماً فيه كما قال الشيخ محسن أبو الحب الكربلائي في مدح أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب «عليه السلام»:

ولكل بيت في الوجود دعامة           ودعامة الإسلام حيدر فأعقلوا

              وكأنه يشير إلى قول ابن أبي الحديد المعتزلي:

فلولا أبو طالب وابنه                        لما مثل الدين شخصاً فقاما

              ودعائم الإسلام نوعان: نوع يسمى بالأصول ونوع يسمى بالفروع؛ فدعائم الإسلام هي الأعتراف بالوحدانية والنبوة والبعث وهو المعاد الجسماني فمن أنكر واحداً منها فليس بمسلم، وأما العدل والإمامة فهما من أصول الإيمان فمن جحدها فليس بمؤمن، وما عدى هذه الخمسة من ضروريات الإسلام فهي فروع كلها كالفرائض الصلاتية والحج والزكاة والخمس والصوم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي بعض الروايات عد الإمامة في الضروريات الفرعية التي هي أركان الإسلام كا في حديث أبي حمزة عن الإمام الباقر «عليه السلام» المروي في الكافي لثقة الإسلام الكليني(1) نص الحديث:

              قال «عليه السلام»: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادي بشيء كما نودي بالولاية، إنتهى.

              ومثله حديث الفضيل عن الباقر «عليه السلام» وزاد فيه: فأخذ الناس بأربع وتركوا واحدة- يعني الإمامة – إنتهى.

              أما حديث عجلان بن أبي صالح عن الإمام الصادق «عليه السلام» فعد الأصول هكذا بنص الحديث: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: أوقفني على حدود الإيمان، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله والإقرار بما جاء به من عند الله، والصلوات الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والدخول مع الصادقين، إنتهى.

              ورتبها الإمام الصادق «عليه السلام» في رواية زرارة: الولاية أولاً ثم الصلاة ثانياً لانها عمود الدين، ثم الزكاة ثالثاً لأن الله تعالى قرنها بصلاة، وبدأ بها، ثم

(1) أصول الكافي: ص238.

(326)

الحج رابعاً، ثم الصوم خامساً لأنه جنة من النار، ومن أراد الزيادة فليراجع الكافي وغيره من كتب علمائنا.

أنواع الإيمان

              وجود تنويع الإيمان بالنسبة إلى ما يضاف إليه وإلا فهو نفسه بسيط نعم يقبل الشدة والضعف.

              قال الشريف الجرجاني في التعريفات(1): الإيمان على خمسة أوجه: إيمان مردود؛ فالإيمان المطبوع هو إيمان الملائكة، والإيمان المعصوم إيمان الأنبياء، والإيمان المقبول هو إيمان المؤمنين، والإيمان الموقوف هو إيمان المبتدعين، والإيمان المردود هو إيمان المنافقين، إنتهى.

              ويمكن أن يرد هذا التنويع إلى نوعين فيقال: إيمان مقبول وإيمان مردود؛ فالمقبول هو الثلاثة الأولى، والمردود الأخيران، ولا معنى للتفرقة بين الأنبياء والملائكة فإن أراد إن الله تعالى خلقهم مؤمنين وجبلهم على الإيمان فالأنبياء والملائكة سواء، وإن أراد إنه مأمون من التغيير والتبديل بالملائكة والأنبياء سواء وهو في الأنبياء أقوى لأن الله لا يرسل نبياً غير مطبوع على الإيمان معصوم من الأرتياب فإن ذلك ينافي النبوة، وأيضاً لم نسمع أن نبياً زال عن الإيمان كما سمعنا أن ملكاً زال فيتلوا كتاب الله قصة هاروت وماروت وتعليمهما السحر والسحر كفر، ويسميهما ملكين ويحكي عنهما إنهما يقولان: (إنما نحن فتنة فلا تكفر)(2) فكانا باباً للكفر فليدلنا الجرجاني على نبي بهذه الصفة ولكن الجرجاني وأهل مذهبه الذين يثبتون صدور الذنوب من الأنبياء ولا يثبتونها للملائكة يقولون بهذا القول الساقط.

ثمرات الإيمان وفوائده

              وهي كثيرة متنوعة يجمعها العلم والعمل وهو الذي نطقت به أحاديث أئمتنا «عليهم السلام» منها ما رواه ثقة الإسلام الكليني في الكافي(3) عن محمد بن مسلم، وفي جملة الحديث عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قلت له: العمل من الإيمان؟ قال: نعم، الإيمان لا يكون إلا بعمل، والعمل منه، ولا يثبت الإيمان إلا بعمل، إنتهى.

(1) التعريفات: ص27.                                 (2) البقرة: 102.

(3) أصول الكافي: ص248.

(327)

              وكنا ذكرنا عن الحافظ العزيزي الحنفي فصلاً في أعمال الإيمان تركناه، والثمرات نوعان: دنيوية وأخروية: أما الدنيوية فكثيرة وترجع إلى أمرين تهذيب النفس عن الشرور بما يوجب صفائها الباطني بحيث تكون مصقولة لتكون صادقة الحدث، قال (ص): أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، وتكون صادقة الرؤيا، قال (ص) رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوة.

              وبما يوجب طهارة الظاهر من دنس الأخلاق المذمومة فإذا تمت التصفية ببوتقة الإيمان أكتسب أبريزها الصافي كمال الحمد والفخر وهذه أعظم ثمرة يسعى الحر الكريم لتحصيلها.

              وأما ثمرات الآخرة فكثيرة أيضاً منها إنها تهون سكرات الموت، وقد ورد ذلك في حديث سلمان الفارسي ورواه أبو عمرو الكشي وإن ملك الموت قال لسلمان: إني بكل مؤمن رفيق، وفي الباب أحاديث كثيرة كلها تدل على سهولة الموت على المؤمن حتى ورد في بعض المؤمنين أن وجوههم تشرق عند الموت ويعلوها الإبتهاج والسرور وبعضهم يضحك عند الموت.

              ومن ثمرات الإيمان المهمة كرامة المؤمن على الله حتى أنه لو أقسم على الله لأبر قسمه، ففي الحديث النبوي: رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه أحد لو أقسم على الله لأبر قسمه، وقد بلغ من كرامة المؤمن على الله أنه يكره مسائته بالموت كما في الحديث القدسي: ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مسائته، وليس التردد هنا حقيقة كما هو فينا لا ندري نفعل أم نترك يخفي علينا الرجحان بل مجاز ومعناه أن الله تعالى لا يعاجل عبده المؤمن بالموت البغيض بالطبع حتى يكون هو الذي يشتاق إليه لأجل الخلاص من سجن الدنيا والوصول إلى دار البقاء فعبر عن هذا التأخير لظهور أمارات الرضا بالموت للعبد المؤمن بالتردد، ولا نطيل عليك بتفاصيل ثمرات الآخرة فقد ورد الحديث أن الدنيا تعطى بأسرها لأقل المؤمنين ثوابا فيسخطها، فإذا كان أقل المؤمنين ثواباً لا يرضى بالدنيا ثواباً له فأي ثمرة أعظم من هذا.

دلائل الإيمان وعلاماته

              للإيمان علامات ودلائل كثيرة:

              منها راجعة إلى الصفات النفسية نحو الرضا بما قسم الله والتسليم لما قضى الله والشكر على ما أنعم.

(328)

              ومنها راجعة إلى الصفات البدنية فبأن تظهر عليه سمات شحوب الأجتهاد في العبادة كذبول الشفة وصفرة اللون وعمش العين من السهر واحد يداب الظهر من طول القيام ونحول الجسم من التعب وقلة التغذي زهداً وقد ذكر علامات هذين النوعين مولانا أمير المؤمنين «عليه السلام» عن رسول الله (ص).

              قال ابو الفتح الكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد(1) في كتاب محاسن البرقي قال: مر أمير المؤمنين «عليه السلام» بمجلس من مجالس قريش فإذا هو بقوم بيض ثيابهم صافية ألوانهم كثير ضحكهم يشيرون بأصابعهم إلى من مر بهم ثم مر بمجلس للأوس والخزرج فإذا هو بقوم بليت منهم الأبدان ورقت منهم الرقاب وأصفرت الألوان وطبعوا بالكلام، فتعجب أمير المؤمنين «عليه السلام» من ذلك ودخل على رسول الله (ص) فقال له: بأبي أنت وأمي يارسول الله! مررت بمجلس لآل فلان ثم وصفهم وقال: جميعهم مؤمنون، فأخبرني يا رسول الله بصفة المؤمن.

              فنكس رسول الله (ص) رأسه ثم رفعه فقال: ياعلي! عشرون خصلة في المؤمن من لم تكمل فيه لم يكمل إيمانه: إن من أخلاق المؤمنين الحاضرون الصلاة، والمسارعون إلى الزكاة، والمطعمون للمساكين، والماسحون على رأس اليتيمن والمطهرون أظفارهم، والمسررون على أوساطهم، الذين إذا أحدثوا لم يكذبوا، وإن وعدوا لم يخلفوا، وإن أئتمنوا لم يخونوا، وإن تكلموا صدقوا، رهبان بالليل، أسد بالنهار، صائمون النهار، قائمون الليل، لا يؤذون جار، ولا يتأذى بهم جار، الذين مشيهم على الأرض هوناً، وخطاهم إلى المساجد وإلى بيوت الأرامل وعلى أثر المقابر، جعلنا الله وإياكم من المتقين، إنتهى.

              وذكر لأمير المؤمنين «عليه السلام» كلاماً في صفة المؤمنين قاله لنوف البكالي شبيهاً بهذا ذكرناه في المسودة وتركناه هنا للاختصار ورواه الشريف الرضي في نهج البلاغة وحسبك خطبته التي قالها لصاحبه همام النخعي فراجعها.

درجات الإيمان

              وهذه الدرجات غير ما ذكرنا أولاً فإن تلك مراتب بحسب القوة والضعف وهذه درجات ومراقي يصعد منها درجة درجة حتى ينتهي إلى أعلا درجة في الإيمان كما في الحديث الإيمان عشر درجات منزلة السلم وهذا إنما يكون من طريق المعرفة لأن الإيمان يكون فطرياً مرة كإيمان الملائكة ومكتسباً أخرى كإيمان

(1) كنز الفوائد: ص29.

(329)