موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثاني

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

 

المحبوب الطبيعي والمرغوب الفطري فرد الأمان وأستقبل الأسنة والحداد، وقد قال من عرف الدرجة الراقية في الزهد هي أن يزهد في نفسه، وقال بعضهم: الزهد قصر الأمل وقد صرح كثير من العلماء بأن الجهاد بإقبال وجد هو حقيقة الزهد ولهذا قال الغزالي في إحياء العلوم(1) بعد كلام تقدم بعضه:

                فالحاصل أن الزهد عبارة عن الرغبة عن حظوظ النفس كلها ومهما رغب عن حضوظ النفس رغب عن البقاء بها فقصر أمله لا محالة لأنه إنما يريد البقاء ليتمتع ويريد التمتع الدائم بإرادة البقاء فإن من أراد شيئاً أراد دوامه ولا معنى لحب الحياة إلا حب دوام ما هو موجود وممكن في هذه الحياة فإذا رغب عنها لم يردها ولذلك لما كتب عليهم القتال قالوا: (ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب)، فقال تعالى: (متع الدنيا قليل)(2) أي لستم تريدون البقاء إلا لمتاع الدنيا فظهر عند ذلك الزاهدون وأنكشف حال المنافقين، أما الزاهدون المحبون لله تعالى فقاتلوا في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص وأنتظروا إحدى الحسنيين وكانوا إذا دعوا للقتال يستنشقون رائحة الجنة ويبادرون إليها مبادرة الظمئآن إلى الماء البارد حرصاً على نصرة دين الله او نيل مرتبة الشهادة الخ.

                وهذا صحيح فقد صدر عن كثير من أهل الزهد فإن عمار بن ياسر «رضي الله عنه» لما عزم على حرب أهل الشام بصفين في اليوم الذي أستشهد فيه، قال: الرواح إلى الجنة، وقال: الجنة تحت ظلال الأسنة، وفي لفظ: تحت ظلال السيوف، وقال: اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، وقال غيره قريباً من قوله كما في حديث عبد الله بن رواحة شهيد مؤتة وحارثة الأنصاري شهيد بدر وغيرهما؛ فرفض الحياة والأبتشار بالمنية من اعظم درجات الزهد واليقين وقد علم كل أحد أن العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» رفض الحياة وأقبل على الموت بأبتهاج وقد رد الأمان على أهل الكوفة كما علمت ذلك في إبائه وأمتنع من قبول الرخصة التي أتتهم من سيد الشهداء الإمام الحسين «عليه السلام» بالإنصراف عنه وطلب النجاة لأنفسهم على أنهم في حل ولا حرج عليهم ولا إثم.

                فقد روى الشيخ المفيد والسيد ابن طاوس وابن الأثير والطبري وغيرهم ولفظ الطبري(3): عن علي بن الحسين «عليهما السلام» قال: جمع الحسين «عليه السلام» أصحابه عند قرب المساء، قال علي بن الحسين «عليهما السلام»: فدنوت

(1) إحياء العلوم 3/ 196.                             (2) النساء: 77.

(3) تاريخ الطبري 6/ 238.

(298)

منه لأسمع ما يقول وأنا مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء وأحمده في السراء والظراء، اللهم إني أحمدك على أن كرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين.

                أما بعد فإني لا إعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإني قد رأيت لكم فأنطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً.

                ثم قال في حديث الضحاك المشرقي، فقال: وهذا الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم إنما يطلبونني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري.

                فقال له إخوته وأبناؤه وبنوا أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر: لم نفعل؟ لنبقي بعدك؟ لا أرنا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العباس بن علي «عليهما السلام» ثم إنهم تكلموا بهذا ونحوه، الخ.

                وفي أسرار الشهادة(1) عن الخرايج عن علي بن الحسين «عليهما السلام» قال: كنت مع أبي «عليه السلام» في الليلة التي قتل في صبيحتها، فقال لأصحابه: هذا الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً فإن القوم إنما يريدونني ولو قتلوني لم يلتفوا إليكم وأنتم في حل وسعة. قالوا: لا والله لا يكون هذا ابداً.

                فقال «عليه السلام»: إنكم تقتلون غداً كلكم ولا يفلت منكم رجل.

                قالوا: الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك.

                ثم دعا وقال: إرفعوا رؤوسكم وأنظروا، فجعلوا ينظرون إلى 4مواضعهم ومنازلهم من الجنة وهو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان وهذا قصرك يا فلان وهذه زوجتك يافلان، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله في الجنة، إنتهى، ورواه الصدوق في علل الشرائع مختصراً.

                للمؤلف:

يا ابن الوصي الذي سارت فضائله                   في الخافقين رواها العرب والعجم

(1) أسرار الشهادة: ص347.

(299)

زهدت في العيش والأيام مقبلة         هذا لعمر أبيك الزهد والكرم

فإن من يزهد الدنيا ويرفضها             والعيش فإن ومنه العمر منصرم

فليس شبه زهد الزاهدين بها              والعمر غض كثغر الخود مبتسم

يهنيك يا بن علي كل مكرمة                ومفخر عجزت عن مثله الأمم

أبوك بعد رسول الله خير فتى            تنمى إليه المعالي الغر والشيم

جم المناقب لا تحصى فضائله              خير الأنام على رغم الأولى رغموا

كانت منازل هارون له جمعت            إلا النبوة فضل ليس ينكتم

فكنت للسبط يا تاج الفخار كما          أبوك للمصطفى في كفه العلم

فخضتما غمرات الموت دونهما           حيث المصاليت منها زلت القدم

فالله يجزيكما الخيرات ما طلعت         شمس النهار وجادت للثرى الديم

(300)

عبادة العباس الأكبر «عليه السلام»

                العبادة ذات تفاصيل مطولة لا يتسع لنا استقصاءها ولا استيفاء فروعها ونحن نلخص منها ما يستفيده المطالع ولا يتضجر به القارئ ويرجع في التفاصيل إلى الكتب الموضوعة لها والذي يلزمنا بيانه معنى العبادة لغة وشروعاً وحقيقتها وثمراتها.

                معناها اللغوي فهو بنفس الأنقياد والإطاعة، ومعناها الشرعي فهو الإخلاص في الإطاعة والأنقياد السالم من شائبة الإشراك، ومعناها عند الفقهاء هي كل فعل مشروط بقصد القربة، فبين المعنيين الأخيرين توافق حيث أن القربة لا تقع إلا مع الإخلاص ولا يكون الفعل مقرباً إلا إذا خلا من شائبة إشراك كما بيناه في معنى النية من كتابنا «السياسة العلوية»، والمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي لأنه يصدق على العبادة الفاسدة والعبادة المحرمة كعبادة الأوثان فإنها تسمى عبادة لغة ولا تسمى عبادة شرعاً، قال الشاعر:

أحبكم وهلاكي في محبتكم                 كعابد النار يهواها وتحرقه

                وقال سديف المكي مدح بني الحسن السبط ويذم بني العباس:

ما تنقضي دولة أحكام قادتها               فينا كأحكام قوم عابدي وثن

                وقد حكى الله تعالى في القرآن المجيد قول عبدة الأوثان: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)(1) في آيات كثيرة فسميت عبادتهم هذه مع فسادها عبادة وقد جمع المعنيين الصحيح والفاسد سورة «يا أيها الكافرون».

                فالنبي (ص) لا يعبد عبادتهم الفاسدة وهم لا يعبدون عبادته الصحيحة.

                قال الفيومي في المصباح: عبدت الله أعبده عبادة وهي الأنقياد والخضوع، والفاعل عابد، والجمع عبادة وعبدة ثم استعمل فيمن اتخذ إلهاً غير الله وتقرب إليه فقيل: عابد الوثن والشمس وغير ذلك، الخ.

                وعلى ما يظهر ان اللفظة مولدة وليس كذلك بل قديمة تعرفها العرب في

(1) الزمر: 3.

(301)

الجاهلية وكلمات أهل اللغة متقاربة يفهم منها أنها مولدة ولكنه خطأ بل هي قديمة ولكنها تستعمل في اللغة بالمعنى الأعم وفي الشرع بالمعنى الأخص وهو الصحيح من عبادة الله.

حقيقة العبادة

                هي الخضوع للمعبود والخشوع في المشروط بالقربة والإخلاص فيه وفي غير المشروط بالقربة الخضوع فقط للأوامر الربانية فحقيقة العبادة هي الخضوع للمعبود مع الإخلاص والتشوق لعبادته.

                قال الشريف الجرجاني في التعريفات(1): العبادة هو فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه.

                وقال ابن مكسويه الخازن في تهذيب الأخلاق(2): وأما العبادة فهي تعظيم الله وتمجيده وطاعته وإكرام أوليائه الملائكة والأنبياء والأئمة «عليهم السلام» والعمل بما توجبه الشريعة وتقوى الله تتم هذه الأشياء وتكملها، الخ.

ثمرات العبادة وفوائدها

                للعبادة فوائد وثمرات كثيرة منها دنيوية ومنها أخروية، وسبيل الأخروية معلوم وهو النجاة من النار والفوز بالجنة وكلما كانت العبادة أعظم كان الاجر أعظم، والأيات والروايات في تبشير العابدين كثيرة.

                وثمراتها الدنيوية مهمة لأنها رياضة بدنية حسبما تقتضيه قواعد الطب ويستعمله أهل الرياضة الحديثة في تنشيط الجسم من أفانين الألعاب المقوية للحركة والمنشط للجسم كالملاكمة اليدوية والمسابقة في الميدان وأمثالهما مع الأبتذال والتهتك، والعبادة تعطي هذه الفوائد بأعيانها كالهرولة في السعي ورمي الجمار والوقوف بالمشعرين والقيام والقعود وتنوع الحركة في الصلاة والمشي إلى المساجد والضرائح المقدسة فإن يحدث نشاطاً.

                ومن فوائدها وثمراتها أنها مؤسسات اجتماعية عميمة الفائدة في ربط مصالح الأمة بعضها ببعض وفرق بين هذه الجامعات الدينية والجامعات الدنيوية كالمقاهي والمسارح التي تجتمع بها أرباب السفه والبطالة وتذهب فيها الأموال على غير طائل وإن كنت المقاهي سبباً لاجتماع في شؤون التجارة ومصالح البيع والشراء لكن الجامعات الدينية لا خسران فيها لا في الدين ولا في الدنيا لأنها مؤسسات

(1) التعريفات: ص98.                                   (2) تهذيب الأخلاق: ص383.

(302)

مجانية وخالية من أرباب السفة والبطالة ومكدري صفو العيش بهذيانهم وسخفهم وكافلة بمصالح التجارات والبيوع فيقتضي بها مصلحته الدنيوية من بيع وشراء ومصلحته الدينية من بث عقائد الإسلام وتقوية عزائم المسلمين او أستفادة علمية أو أستفادة حديث عن مصلحة لها ربط بمعاملته أو عمل خير يحمد به في دينه ودنياه، أو يكون صلح بين خصمين وما شاكل ذلك وإن خلى من جميع هذه لم يخلو من ربح الدعاء والأستغفار، ومجتمعات العبادة على الغالب تلقي دروساً علمية ومباحثاً فنية وتحدث بأخبار عالمية تغنيه عن سماع الإذاعة ويستفيدها مع الفائدة الدينية والسلامة من الخسران والخلاص من مساهمة السخفاء.

                قال أحمد حلمي أحد كتاب الأتراك العثمانيين تعريب حسين كامل ولفظه في كتابه تشكيلات الإسلام(1): ولأجل ان يكون لأهل الإسلام مجتمعاً وبكل محلة متحداً اتخذ أهل الإسلام صوامع المحلة ومساجدها وهو المسمى بلسان الشريعة مسجد الحي أساساً لذلك فإن الدوام على الجماعة والمواظبة عليها في أزمنة تقر الأمنية والأستراحة وعدم الخوف سنة مؤكدة يعني إذا لم يكن مواضع طبيعية وسياسية للإنسان فأدائه الصلوات الخمسة المفروضة مع الجماعة واجتماعهم بإخوانهم في الدين في الأزمنة المعينة بدرجة الوجوب فبناء على هذا إن الأخبار التي تأتي جماعات المسلمين يتذكرون فيها ويتشاورون في مسجد المحلة ويعطون عليها قراراً وذلك عقب أداء الصلاة مع آدابها وسننها ولأجل الاجتماع الكبير الذي هو من الأسبوع إلى الأسبوع يلزم وجوباً دوام جماعات المحلات وسعيهم جميعاً إلى جوامع الجمعة وأدائهم صلاة الجمعة بعد قراءة الخطبة المبينة لما يلزم لهم ديناً ودنياً، وهناك يتشكل مجلس كبير يقوم فيه الخطيب والرئيس قبل أداء الصلاة على منبر الخطابة يبين موضحاً أخبار الأسبوع وحوادقها العائدة للعالم الإسلامي.

                ثم أخذ هذا الكاتب في بيان الاجتماعات الكبيرة في العيدين ومواسم الحج وما لهذه الاجتماعات من الأهمية في عالم الإسلام وما فيها من الفوائد الموجبة لترقية الإسلام تركنا للاختصار.

أنواع العبادة

                تتنوع العبادة أنواعاً كثيرة فهي بالنظر إلى حقيقتها وماهيتها هي نوعان: فاسدة وصحيحة؛ فالفاسدة ما فقدت شرطاً أو أشتملت على مانع، والصحيحة ما

(1) تشكيلات الإسلام: ص4.

(303)

جمعت الشرائط وفقدت الموانع على التفاصيل المذكورة في كتب الفقه.

                وبالنظر إلى نفس التكليف بها هي أيضاً نوعان: واجبة ومندوبة؛ فإن التكليف بها على جهة الحتم والإلزام فهي الواجبة، أو على جهة الترغيب بلا تحتيم فهي المندوبة، وكل منهما نوعان: فالواجبة إما واجبة بالذات وهي الواجبات الأصلية كالفرائض الخمس وحجة الإسلام وصوم شهر رمضان وأمثالهما، أو بالعارض كالمنذورة  والمحلوف على فعلها، والواجبة تبعاً كصلاة الطواف، والمندوبة نوعان أيضاً: أصلية ويقال لها راتبة كالنوافل اليومية وحج التطوع، وغير راتبة كصلاة الأسباب مثل الزيارة والطواف لغير الحج وأمثالهما.

                وبالنظر إلى مايقصده المتعبد في العبادة هي ثلاثة أنواع: إما أن يكون المقصود بها الأمن من الخوف أو الرجاء للكرامة أو لا هذا ولا ذاك وإنما المقصود بها أهلية المعبود للعبادة وهو أعلاها وعليه عبادة النبي (ص) وعبادة أمير المؤمنين علي «عليه السلام» وعبادة الأئمة المعصومين «عليهم السلام» ويدل عليه قول أمير المؤمنين «عليه السلام»: ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني رأيتك أهلاً للعبادة فعبدتك، وقد ورد في الحديث تسمية النوع الأول هو العبادة للخوف بعبادة العبيد وذلك لأن العبد إنما يطيع سيده للخوف من عقوبته ولولا خوف العقوبة ما أمتثل أوامر السيد، وتسمية النوع الثاني بعبادة التجار لأن التاجر إنما يعمل لأجل الربح ولو ظن الخسارة ما تاجر ولا تكبد مصاعب الأسفار، وتسمية النوع ا لثالث بعبادة الأحرار لأن الحر يعمل لا لرهبة ولا لرغبة وإنما تصدر أفعاله عن شهامة نفس وكرم أخلاق ويرى أن ما يقوم به من علم إما لأنه أهل أن يفعل هذا أو أن المعمول له أهلاً لأن يعمل له ويخدم.

                قال ابن أبي الحديد الحنفي المعتزلي في شرح نهج البلاغة(1): الحرية هو أن لا يكون الإنسان في قلبه رق شيء من العلوقات لا من أغراض الدنيا ولا من أغراض الآخرة فيكون فرد الفرد لا يسترقد عاجل الدنيا ولا آجل شيء ولا حاصل هوى ولا سؤال ولا قصد ولا رب، وقال (ص) لبعض أصحاب الصفة: قد عزفت نفسي عن الدنيا فأستوى عندي ذهبها وحجرها، قال: صرت حراً، وقال الشاعر:

أتمنى على الزمان محالاً         أن ترى مقلتاي طلعة حر

                إلخ، وفي كلامه شذوذ بين إذ معنى كون الشيء النفيس في نفسه قد ساوى الساقط لا يسمى زاهداً لأن معنى الزهد هو الرغبة عن النفيس والمراد من العبادة

(1) شرح نهج البلاغة 3/ 71 طبع مصر.

(304)

كالمراد من الكسب والعمل إما لجلب محبوب أو لدفع محذور أقصى ما يتصور أن الحر الكريم صاحب الشهامة لا يعمل الأعمال بداعي الرهبة والرغبة حيث أن همته اعظم وقدره أكبر فيعمل الأعمال إما لمناسبة شخصيته كما يقال فلان يعطي على قدره لا على قدر السائل، أو يعمل لأجل من عمله يقل في جنب عظمته وإن كبر في نفسه فهو إذن أهل أن يعمل له ومستحق للعمل لذاته بدون ملاحظة سطوته أو كرامته فالمتعبد الحر العظيم الهمة يرى أن معبوده الذي هو رب الأرباب ومفيض الخيرات على الوجود جدير بالعبادة وحقيق بها لا لأنه يثيب ويعاقب بل لأنه منعم متفضل عم البرية بإنعام لا تعد، وشملهم بألطاف لا تحصى بأن خلقه إنساناً عاقلاً لا حيواناً، وذكراً لا أنثى، تام الخلقة لا ناقصها، كامل الإرادة لا ضعيفها، مؤمناً به لا جاحداً إلى غير ذلك من النعم التي يجب أن تقابل بالشكر الفعلي وهو العبادة بقصد أنه أهل لها وإن حصل الثواب عفواً وتفضلاً لأن هذا الكريم الجواد مفيض الخير على الوجود ومسبل النعم العظيمة وإن لم يطلب منه المتعبد جزاء على عمله ولا أجراً على عبادته لكنه عظيم المنة عميم الفضل يعطي تكرماً ويجود تفضلاً، أبتدأ بالنعم من دون مقابلة عمل فكيف لا يقابل العمل الصالح الخالص لوجهه بأضعاف ما يكافئه وقد دلت على هذا روايات كثيرة في نقلها تطويل.

                وتنوع العبادة بالنظر إلى المكلف به أنواعاً كثيرة لأنه إما أن يراد الفعل من شخص بعينه أولاً:

                فالأول: أما أن يتعلق التكليف بذات المكلف فلا يقبل من غيره لو قام به ويسمى بالواجب النفسي أو الواجب العيني ويتفرع من هذا واجب آخر لم يجب لنفسه بل وجب تبعاً لغيره ويسمى بالواجب الغيري والواجب المقدمي وكلاهما يراد من نفس المكلف، وإما أن يتعلق التكليف بذات المكلف به أولاً وبالمكلف ثانياً كالحق المالي فإنه وجب على نفس المال إخراج الخمس أو العشر منه أولاً وبالمالك ثانياً حتى لو عصى أخذه الحاكم قهراً وبرئت ذمته ويسمى بالواجب المالي.

                وأما أن يتعلق بأمر خارج عن ذات المكلف ونفسه أولاً وإن وجب فيهما ثانياً كدفع الشرك والمنكر فإن دفعهما واجب بكل ما أمكن الوصول إليه ولو باللسان أو قطع المواد المعاشية فهو واجب بعامة الوسائل حتى ينتهي إلى الدفع بالمال والبدن وهذه الانواع عند الفقهاء تسمى بالواجب العبادي لأنه مشروط بالنية

(305)

في قبال الواجب التوصلي الذي لا يحتاج إلى نية كإزالة النجاسة عن البدن وإزالة الجيفة المؤذية ورفع الحجر عن الطريق وكنس المساجد وما شابه ذلك.

                وتتنوع العبادة بالنظر إلى التوظيف إلى نوعين لأنه إما أن يكون تكليفاً للفرد أو للنوع والأول إما أن يكون من تكليف الظاهر كالعبادة اللفظية مثل القراءة أو الباطن كالعبادة القلبيه مثل الاعتقاد الصحيح فهذان نوعان تحت نوع واحد وهو تكليف الفرد، وإما أن يكون تكليفاً للنوع من دون ملاحظة الفردية كتجهيز الأموات وغسلهم ومواراتهم ومباشرة الوظائف العامة التي تتوقف عليها مصلحة أهل الإسلام فهذا يجب على النوع القيام به وإن سقط على الكل بقيام من به الكفاية ويأثمون كلهم بترك من به الكفاية له ويسمى هذا النوع بالواجب الكفائي، وهناك أنواع أخر داخله في هذه الأنواع ذكرها أهل علم أصول الفقه فأطلبها.

                وتتنوع العبادة بالنظر إلى نفس التأدية إلى نوعين: ظاهرية وباطنية؛ فالباطنية هي العقائد والنيات لقوله (ص): إنما الأعمال بالنيات، وقوله (ص): نية المرء خير من عمله، وقوله: لكل أمرئ ما نوى، والظاهرية ذات نوعين: قولية كالقراءات والأذكار، وفعلية كالأعمال.

                قال فخر الدين الطريحي (رحمه الله) في مجمع البحرين(1): قال المحقق الطوسي: قال الحكماء: عبادة الله ثلاثة أنواع:

                الأول: ما يجب على الأبدان كالصلاة والصيام والسعي في المواقف الشريفة لمناجاته جل ذكره.

                والثاني: ما يجب على النفوس كالاعتقادات الصحيحة من العلم بتوحيد الله وما يستحقه من الثناء والتمجيد والذكر فيما أفاضه سبحانه على العالم من وجوده وحكمته ثم الإنسان في هذه المعارف.

                الثالث: ما يجب عند مشاركات الناس في المدن وهي المعاملات والمزارعات والمناكح وتأدية الأمانات ونصح البعض للبعض بضروب المعاونات وجهاد الأعداء والذب عن الحريم وحماية الحوزة، إنتهى.

دلائل العبادة وعلاماتها

                للعبادة دلائل وأمارات وعلامات منها ما تكون على نفس الأعضاء كالأثر في الجبهة وجميع أعضاء السجود وهذا أثر عظيم غاية المدح إذا لم يكن تصنعاً

(1) مجمع البحرين: ص227 طبع تبريز.

(306)

ورياءاً فقد كان حجة الله على الخلق الإمام زين العابدين علي بن الحسين «عليهما السلام» يسمى السجاد لكثرة سجوده وذا الثفنات وهذه الألقاب أشتقت له من صفته لأن أعضاء سجوده أشبهت ثفنات البعير لكثرة عبادته وقد كان «عليه السلام» يأخذ اللحم من أنفه وجبهته بالمقراض فلا يحس له ألماً لأنه قد صلب على كثرة السجود، وقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كأبيه الحسين وجده أمير المؤمنين «صلوات الله عليهم أجمعين».

                وقد لقبت العامة العليين من بني هاشم كل واحد منهم بالسجاد وذي الثفنات قياساً على زين العابدين «عليه السلام» لكثرة عبادتهم ولكن:

أنى يقاس الذر بالأطواد

وأين الثريا من يد المتناول

                وهم علي بن عبد الله بن جعفر الطيار وأمه زينب الحوراء بنت أمير المؤمنين «عليهما السلام» وعلي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ويسمى الأغر، وعلي الخير وعلي العابد ويسمى هو وزوجته زينب بنت عبد الله المحض الزوج الصالح قتله المنصور في حبسه بالهاشمية، وعلي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وسماه أمير المؤمنين «عليه السلام» علياً لأنه ولد في أيامه ولقبوا أيضاً رأس الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي بذلك وهلك كافراً قتله أمير المؤمنين «عليه السلام» بالنهروان وفيه وفي أصحابه المارقة جاء قول النبي (ص): تحقر صلاتكم في جنب صلاتهم وصومكم في جنب صومهم لا يتجاوز إيمانهم تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية إلى آخر الحديث الشريف، وقد مدح الله تعالى أهل هذه العلامة الصحيحة بقوله: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود)(1).

                ومنها ما يظهر بالتوسم في الملامح كالخشوع والأنكسار من غير ذل ولا أستكانة وقد قال الله تعالى: (وإنها لكبيرة إلا على الخشعين)(2)، وتلطف السيد حيدر الحلي (رحمه الله) ما شاء في رثاء الحسين «عليه السلام» والشهداء معه بقوله:

سمة العبيد من الخضوع عليهم         لله إن ضمتهم الأسحار

فإذا ترجلت الضحى شهدت لهم    بيض الصوارم إنهم أحرار

                ومنها النشاط في العبادة وإن ضعفت القوى والأعضاء ونحلت البنية فإن

(1) الفتح: 29.                                  (2) البقرة: 45.

(307)

العابد الذي أشرب قلبه حب العبادة ينشط لها ويقوى، قال الشاعر:

وإذا حلت الهداية قلباً         نشطت للعبادة الاعضاء

                ولا يختلف هذا النشاط في الوحدة أو أما الناظرين وبهذا يفترق عن المتصنع فإن المتصنع ينشط عند رؤية الناس ويتكاسل إذا خلى بنفسه وفي هذا حديث معروف في صفة المرائي.

                ومنها بالأفعال وهي أقواها فإنها لا يدخلها التصنع ولا الرياء وهي العفاف عن المحرمات وترك المنهيات أجمع وترك الخضوع للناس والخشوع عند حلول النوائب والنكبات وهذا معنى قول سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين «عليه السلام»: لا أعطيكم بيدي أعطاء الذليل، وفي الشعر المنسوب لأمير المؤمنين «عليه السلام»:

سأصبر حتى يعلم الصبر أنني          صبرت على شيء أمر من الصبر

                وأتبعه الشاعر فقال:

صبرت على البلوى حياء وعفة          وهل يشتكي سم الأراقم أرقم

                ومنها ما ليس بيد العباد صنعه وإنما هي إفاضات إلهية يفيضها على عباده الصالحين كالوقار والسكينة والهيبة العظيمة التي ترتعد منها الفرائض فقد كان رسول الله (ص) عظيم الهيبة، رأته أمرأة فأصابتها رعدة شديدة فقال لها: هوني عليك فإنما أنا ابن أمرأة مثلك تأكل القديد وتلبس الهدم.

                ورأى هشام بن الحكم الإمام جعفر الصادق «عليه السلام» فأسكت هيبة له وكان جهمياً ولأجل هذا جزم بالقول بإمامته.

                وحج هشام بن عبد الملك في خلافة أبيه فما أستطاع أستلام الحجر لكثرة الازدحام عليه فجلس ينتظر الخفة وأقبل زين العبادين «عليه السلام» فأفرج له الناس عن الحجر حتى أستلمه في القصة التأريخية المشهورة وفي هذه الواقعة أنشد الفرزدق قصيدته الميمية المشهورة.

                ومنها علامات الألوان كالأصفرار وذبول الشفاه وخماصة البطون وقد جمع مولانا أمير المؤمنين «عليه السلام» جميع صفات المتقين في خطبته البليغة التي سببها طلب صاحبه همام النخعي لذلك فأطلبها من نهج البلاغة وأقتبس معانيها الدمستاني في مرثية الحسين «عليه السلام» وأصحابه يقول فيها:

ألا ترى أولياء الله كيف قلت             طيب الكرى في الدياجي منهم المقل

(308)

يدعون ربهموا في فك عنقهموا                       من رق ذنبهموا والدمع ينهمل

نحف الجسوم فلا يدرى إذا ركعوا                          قسي نبل هموا أم ركع نبل

خمص البطون طوى ذبل الشفاه ظمى             عمش العيون بكا ما عبها كحل

يقال مرضى وما بالقوم من رض                       أو خولطوا خبلاً حاشاهموا الخبل

تعادل الخوف فيهم والرجاء فلم                       يفرط بهم طمع يوماً ولا وجل

إن ينطقوا ذكروا أو يسكتوا شكروا                  أو يغضبوا غفروا أو يقطعوا وصلوا

تكاليف الأعضاء

بسط العبادة على الأعضاء:

                إن الباري تعالى بحكمته وتقديره على المطيع من عباده أن ينعم كل عضو منه وعلى العاصي أن يعذب كل عوض منه؛ فالنعيم كل جارحة والعقوبة لك جانحة، وبميزان العدل لا يجوز تعذيب من لم يصدر منه الذنب وإن جاز التنعيم بموجب الفضل فأقتضت الحكمة بسط التكاليف العبادية على الأعضاء والجوارح البدنية كلها الظاهرة والباطنة ليلاقي كل عضو ما أستحق من جزاء العمل عقوبة ومثوبة في حالتي الفعل والترك فذكر عدة من الأعضاء في القرآن كالوجه والجنب والظهر واليد والرجل والعين وأمثالها في الآيات المباركة.

                فكلف كل عضو بتكليف خاص به لعلمه تعالى أن التلذذ بالنعيم والتألم بالجحيم إنما هو واقع على جميع البدن وهو هيكل الروح المحسوس وقالبه المرئي وهو المركب من الأعضاء والقوي والمركب لا بد وأن يكون الواقع على الماهية المركبة واقعاً على أجزائها شأن سائر المركبات الحسية فأقتضت الحكمة توزيعها على الأعضاء وبسطها على الجوارح ليحصل لها الجزاء مكافأة على النعيم المنبسط على جميعها في مقابلة قيامها بما وظف عليها من الوظائف الشرعية والمجازات بالعقوبة المسلطة على عامتها في مقابلة إخلالها بما وظف عليها فلهذا السبب كانت التكاليف بأقسامها الأربعة من الوجوب والحرمة والندب والكراهة موزعة على أعضاء البدن توزيعاً حمياً لتقوم كل جارحة من الجوارح بما وظف عليها ويؤدي كل عضو ما رسم عليه.

                فالقلب تكليفه الخاص به اعتقاد الأصول الإسلامية الخمسة التي هي: التوحيد والعدل والنبوة والمعاد الجسماني والإمامة وسائر الصفات الإلهية صفات

(309)

الجلال وصفات الكمال سلبية وإيجابية التي لا يجوز أن يشارك المخلوق فيها الخالق ومن تكاليف القلب الخاصة به خلاص العمل لله وإضمار الأنقياد له واعتقاد النصح للأمة الإسلامية وإضمار كل خير فعلاً وكل شر تركاً، ومن تكاليفه الخاصة التفكر في باهر القدرة والاستدلال بالآثار على وجوده وعجيب صنعه وباهر قدرته والتدبر للعلوم الدينية النافعة واعتقاد المذاهب الحقة ونية الخير لأهل الإيمان والرضا والتسليم لما قضى وقدر وما جرى هذا المجرى.

                تكليف الجبهة والجبين بالتمريغ والتعفير في السجود ووضعها على ما يصح عليه السجود من تربة طاهرة وموضع طاهر محلل غير مغصوب ولا مانع فيه من الموانع المذكورة في علم الفقه من المأكول والملبوس بالعادة وأن لا يضعها على محرم أو يضع عليها محرم كالذهب أو عتبة الصنم والجائر تذللاً له وخضوعاً وأن لا يغسلها بمحرم كالخمر والنجاسات وأن لا يتوضأ بمنهي عنه ولو كان مباحاً كالمضاف السائغ أستعمالاً محظوراً في العبادة كماء الورد وأمثاله.

                تكليف اللسان يكف الأذى عن الخلق وترك الفحش والبذاءة والنطق بما يرضى الله ورسوله من الصدق الصالح والصواب وقول الحق وذكر الله تعالى في التحميد والتمجيد وسائر الأذكار المروية والشكر له والثناء عليه وعلى كتبه ورسله وملائكته عند ذكرهم والصلاة على محمد وآل محمد ومدحهم ورثائهم ونصرتهم في مجادلة الخصوم ونشر فضائلهم وفي جميع ذلك روايات وخصوصاً المراثي الحسينية كرواية أبي هارون المكفوف وأبي عمارة المنشد رواهما الصدوق في ثواب الأعمال وغيره، ومن تكاليف اللسان القراءة والدعاء في الفرائض كالتلبية في الحج والنوافل كالدعاء في الزيارة وذكر أهل الخير والصلاح والثناء عليهم ولعن المردة المتجبرين وذم الفساق والمنافقين فإن ذلك إرشاد وتحذير، قال الشاعر:

قال النبي الفاسق أذكروه    يعرفه الناس فيحذروه

                ومن تكاليفه بث المواعظ والخطب النافعة الجذابة إلى الطاعة والتكلم بالمصالح العامة كإصلاح ذات البين ومقاومة الفتن وقمع الضلالات والبدع وإغاثة الملهوف وتلبية الداعي إلى الخير ونشر العلوم المنجية من الأضاليل العاصمة من الزندقة والإلحاد إلى غير ذلك.

                تكليف العين من نوع العبادة أن تنظر إلى محلل وأن لا تنظر إلى محرم في الشرع كالنظر إلى أجنبية، والنظر إلى عورة شخص أي شخص كان إلا الزوج

(310)

والزوجة، وأن لا تنظر إلى ما تستاء منه النفس كالمصلوب فقد ورد النهي عن ذلك، وأن لا تنظر إلى ما يجر إلى قساوة القلب كضرب المسلم جوراً ما لم ينتصر له، وأن لا تنظر إلى شاغل عن أمور الآخرة كالمزخرفات والتزاويق لأهل الترف والبطالة فقد نهى الله عنه في القرآن المجيد، وأن لا تنظر إلى فاحشة.

                وهنا حكاية ظريفة: نظر بعض العباد إلى رجل على فاحشة فغمض عينيه فلما قام صاحب الفاحشة قال للعباد: متى ذهبت عينك؟ فقال العابد: منذ هتك الله سترك.

                ومن تكاليف العين أن لا يملأها من النوم الشاغل لها عن الأعمال الصالحة وأن تسهر على ما فيه صلاحها وأن يمكنها من النوم بمقدار الأستراحة فإن النوم خيره الغرار وأفضله الإغفاء، قال مادح النبي (ص):

سيد ضحكه التبسم والـ     مشي الهوينا ونومه الإغفاء

                فالنعاس داء يدواي بقليل النوم، ومن تكاليفها النظر إلى ملكوت السماوات والأرض وإلى جميع ما في الكون للأعتبار والأستدلال على وجود الخالق العظيم وقد ورد الحث عليه في الآيات والروايات، ومن تكاليفها البكاء في أمور ثلاثة: للخشية من الله، وللشوق إلى لقائه، ولمصاب آل محمد (ص) وبالأخص مصاب الحسين «عليه السلام» وجميع ذلك مروي.

                تكليف الأذن من نوع العبادة التصامم عن سماع المحرمات كالأغاني وأصوات الأجنبات مع الألتذاذ بذلك وأن لا تصغى إلى سماع ما تستاء فيه النفس ويتألم له القلب من الأخبار المحزنة نحو الإشاعات والأراجيف التي تذاع ويقصد بها إيذاء أهل الإسلام، وأن لا يستمع بها الغيبة والفحش وقذف الأعراض وأنواع الألفاظ الشريرة، وأن يستمع بها الدعاء والزيارة وقراءة القرآن، وأن ينصت لقرائته لقوله تعالى: (وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا)(1) وإن خصها الفقهاء بوجوب السكوت عند قرائة الإمام فهي دالة بإطلاقها على أستحباب الإنصات مطلقاً لتدبر معاني القرآن.

                ومن تكاليف الأذن الأستماع للحق وعظاً وتذكيراً والصلاة على النبي (ص) وآله «عليه السلام» وأستماع كلمة النصح في الإصلاح والنداء لدعوة أحتفال لمهم ديني كمولد النبي والأئمة «عليهم السلام» ومواسم الأعياد الإسلامية وأستماع

(1) الأعراف: 204.

(311)

الأذان لأجابة داعي الصلاة إغاثة الملهوف وما شاكل ذلك.

                تكليف الأنف من نوع العبادة أن يشم الروائح الطيبة لقوله (ص): لي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة، وأن لا يشم الروائح المحرمة اختياراً كرائحة الخمر، وأن لا يشم الروائح الخبيثة كرائحة البصل والكراث والثوم وبالإخص الأخير وفيه أحاديث ناهية سمي فيها الأخير شجرة ملعونة.

                ومن تكليف الأنف أن لا يعفره بغير عبادة الله ولا يغمسه في محرم كالخمر وإناء الذهب والفضة والمغصوب، وأن لا يدخل فيه ناقضاً للصوم من المانع الذي يصل إلى الجوف.

                تكليف اليد من نوع العبادة بسطها في المعروف كبذل النوال وإعطاء السائل وتحرير مسائل العلم النافع وكتابة الحديث والأدعية والزيارات وفضائل أهل البيت النبوي ومدائحهم ومراثيهم وكتابة القرآن الشريف والدفاع عن الملة وحماية العرض والوطن والمال المحترم ونصرة المظلوم وضرب التأديب للمعتدي لكل فاعل حرام يقتدر على ضربه وتارك كل فرض واجب تهاوناً به يضرب على تركه وقبضها عن المنكرات كالغضب والسرقة وفتح الأبواب المغلقة للتطلع على عورات أهلها والقبض على هارب من جور وفار من ظالم والقبض على المرأة لعمل الفاحشة وحمل الخمر لشاربها.

                ومن تكليف اليد إعطاء الحق ورفعها في التكبير والقنوت وبسطها في السجود وغرز الركبتين بها في الركوع.

                ومن تكاليفها إزالة القاذورات عن الثوب والبدن والأمكنة المقدسة كالمساجد والحضرات ورفع ما يضر بالمارة من المسلمين ورفع ما حرم وطؤه كأوراق المصحف وأسماء الله والأنبياء والأئمة وقطع الخبز وحب الأرز المطبوخ والأخذ بيد المسلم إذ وقع أو تردى في بئر أو حفيرة واستنقاذ الغريق المسلم وتخليص الحرة المسلمة من قاهرها على نفسه وأخذ مال المسلم من يد السارق والغاصب ورده إلى صاحبه.

                ومن تكليفها قبض الحقوق وتوزيعها على المستحق وإستلام الحجر الأسعد في الطواف وأستلام المراقد المقدسة للأنبياء والأئمة «عليهم السلام» إلى غير ذلك مما في تعداده التطويل.

                تكليف الرجل من نوع العبادة السعي إلى المساجد والحضرات المقدسة والمجتمعات الدينية والسعي في الحج والهرولة والمشي في الإصلاح وقضاء

(312)